-->

رواية جديدة جوازة ابريل 2 لنورهان محسن - الفصل 5 - السبت 13/1/2024

 

قراءة رواية جوازة ابريل الجزء الثاني  كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


قراءة رواية جوازة ابريل

الجزء الثاني

 رواية جديدة قيد النشر 

من روايات وقصص 

الكاتبة نورهان محسن

الفصل الخامس

تم النشر يوم السبت

13/1/2024

(متيم بالهوي) 


يقال إن الرجل الذي يحب إمرأة واحدة ‏قد عَرف معنى الحب الحقيقي..

ف‏الحُب لا نتقنه بالتعداد ‏ولا يكبر بالتكرار..

بل أن ‏الحب هو أن تزرع زهرة ، وتقوم برعايتها ‏ثم تبني بها وطناً وتسكن فيه.. ‏

الحب لا يعني أنكَ تتجول بين المرافىء ، أو تتسكع كالنحل بين الأزهار..

الحب هو انتماء ، احتواء ، واكتفاء بزهرتك.


❈-❈-❈


فى الساعة الثانية صباحاً


عند يارا


كانت يارا مستلقية على السرير ، وقد جف النوم مقلتيها من حدة الصداع في رأسها ، وبينما كانت تحدق في شاشة الهاتف المضيئة وسط الظلام المحيط بها ، انطلقت نغمة تنبيه مع وصول رسالة من صديقتها على تطبيق المراسلة الفورية المسمى ""واتساب"." 


قرأتها يارا بعينيها قبل أن تتصل بها ، وسرعان ما تلقت الرد من صوت أنثوي مرح : قلبي .. شوفتك اون لاين قولت اشوفك .. ايه الأخبار؟


يارا بحشرجة باكية : الاخبار زفت


_باين علي صوتك .. ايه اللي حصل؟


❈-❈-❈


خلال ذلك الوقت


في منزل عز


دخل عز المنزل الذي كان يملأه الصمت ، وزع نظره حول المكان الهادئ ، وبصدر ينبض بالأمل ، توجه مباشرة إلى غرفة النوم عندما رأى الضوء الكهربائي يسطع فيها.


جحظت عيناه في ذهول فور دخوله الغرفة التي كانت مليئة بالفوضى.


وقف عز مصدومًا ، وهو ينظر إلى وسائد السرير الملقاة على الأرض ، والصور الممزقة بجانب السرير ، ناهيك عن الزجاج المكسور والمتناثر لإطار صورة زفافهما الذي كان معلقًا على الحائط ، ويستقر الآن الأرضية. 


قرع قلبه وتخبط بين جنبات صدره بعنف من هذا المشهد ، قبل أن يجبر قدميه على التحرك للبحث عنها في أرجاء المنزل حتى تمكن من رؤية ضوء من تحت عتبة باب الحمام ، فركض بسرعة مباشرة إليها ووقف أمام الباب ، يطرقه بقوة وهو يهتف بقلق : مني .. مني حبيبتي افتحي الباب 


أدار عز ظهره للباب ، وانزلق ببطء ليجلس على الأرض ، ويثني ركبتيه المتباعدتين على صدره ويسند عليهما ذراعيه. 


ظل عز ينظر أمامه ، وعيناه الصلبتان مملوءتان بالدموع المحبوسة في مقلتيه ، أخرج الهواء الساخن من بين شفتيه ، وبدأ يتنفس بعمق ، لعل الألم في قلبه يهدأ قليلاً قبل أن يستأنف كلامه بصوت مختنق : مني .. انا عارف اني غلطت واتسرعت .. بس انا عشمان تسامحي المرة دي كمان .. والله انا معرفش ازاي طلع مني الكلام اللي قولتو .. عشان خاطري افتحي .. انا ماليش غيرك ومقدرش استغني عنك


❈-❈-❈


في تلك الاثناء


عند فريد


مد فريد كفه الكبير أمام الممرضة وهو يتحدث بنبرة آمرة : اديني الابرة دي


دحرجت الممرضة بصرها بينه وبين الإبرة التى تمسكها ، ثم سألت بتوجس : ليه يا فندم؟


رد فريد ببرود : هخيطه بنفسي


هزت الممرضة رأسها برفض ، وهتفت بصدمة معارضة : ايه الكلام دا يا استاذ ماينفعش طبعا؟!


مسح فريد وجهه بضيق ، محاولاً أن يستدعي الهدوء لنفسه ، ناهيك عن أنه يشعر بالانزعاج من الأحداث المقيتة التي حدثت في تلك الليلة الطويلة ، فبدأ بالشرح لها بنفاذ صبر بعد أن نظر إليها مرة أخرى : لا اله الا الله .. انا دكتور يا ستي مش استاذ .. بصي علي ايدك بتترعش ازاي .. هاتيها


إنتبهت هالة إلى صوته الصاخب ، فعقدت حاجبيها في دهشة ، وهي تتمتم على الفور : طيب .. هقفل دلوقتي .. باي باي


أغلقت هالة المكالمة مع لميس ، ووضعت الهاتف في جيبها ، لتتجه إليهما بسرعة ، وتخاطب الممرضة بصوت هادئ : خلاص انتي اتفضلي


خفضت الممرضة وجهها من الحرج من ذلك الموقف ، وابتعدت عنهم بسرعة ، بينما وجهت هالة سؤالها إلى فريد في تعجب : هو في ايه حضرتك؟


أجابها فريد بفظاظة ولهجة واثقة : في أفورة مالهاش لازمة بتحصل .. الجرح صغير مايستاهلش اصلا .. انا هقطبو لنفسي وخلاص مافيش داعي تتعبي نفسك


أحست هالة بأنه يسخر منها من خلال نظراته الثاقبة لها ، لتشتعل شرارات الغضب في عينيها الزرقاوين بسبب وقاحته ، وعدم إحترامه في معاملته لها ومع الممرضة ، وبغتة أمسكت بقطعة من القطن ، لتضعها على جرحه ، مم جعل ملامحه تنزعج من الألم المفاجئ ، ليخرج منه أنين خافت إنقطع فى مهده ، وهو يضغط على أسنانه بعنف قبل أن يحذرها : حاسبي!!


رفعت هالة حاجبيها ، وهي تلوي فمها بابتسامة صغيرة ، قبل أن تتابع بسخرية : وهتقطبه ازاي؟ الجرح الصغير محتاج يتنضف كويس قبل الخياطة .. عشان لسه في حتت ازاز فيه ولازم نخرجهم والا هيلتهب


أستعدت هالة في ذهنها لكلمات الغضب منه ، وهي تتفحص الجرح بعناية ، لكن صوت ضحكته الرجولية وصل إليها ، فنظرت إليه بنظرات حادة متفاجئة ، وتساءلت بشك ممزوج بالارتباك : عفوا .. بس ايه يضحك في كلامي؟


زفر فريد الهواء من صدره بنفاذ صبر ، من كونها كانت مشغولة بالحديث عبر الهاتف ، ولم تنتبه لتعريفه عن مهنته ، لذا غمغم بتحذير غريزي : امري الله يا ستي .. بس خفي ايدك لو سمحتي


أخذت هالة نفسا عميقا ، ثم ازفرته على المهل ، وهي تبدأ عملها ، قائلة بنعومة عفوية يتخللها جدية : تمام ممكن ماتتحركش


❈-❈-❈


فى ذلك الوقت


عند يارا


هدرت صديقتها توبخها بصوت غاضب ، منصعقة من يارا التى إنتهت من سرد تفاصيل تلك الليلة لها للتو : انتي اكيد اتخبلتي في مخك اكيد .. ازاي تعملي عملة سودة زي دي؟


همست يارا بصوت باكي معربة عن ندمها وخجلها من نفسها : غصب عني يا نيرة .. والله ما اعرف ازاي عملت كدا؟


تنفست نيرة بعمق ، وتكلمت بنبرة صوت ملامة : بجد انتي غلطانة واوي كمان .. ماتزعليش مني انا مش عشان صحبتك هطبلك في الغلط


استطردت نيرة بإيماءة تدل على التفكير بعمق : وهو صدك من صدمته .. بس عارفة الخوف بقي من ايه؟


استفهمت يارا بصوت مرتعش : ايه؟ 


تابعت نيرة بجدية : ان بعد مايستوعب اللي حصل .. يفكر انه ياخدك تسلية .. يعني مش كفاية انه موقفلك حياتك تحت بند الصداقة .. لا و كمان بقت مشاعرك مكشوفة قدامه يا خايبة ويمكن يستغل حبك بطرق كتير


عضت يارا شفتها بعد أن تسلل القلق إلى أعماقها ، وبالدموع ردت بضياع : انا مفكرتش في كل اللي بتقولي عليه دا .. ومافتكرش ياسر ممكن يفكر فيا كدا؟


قالت يارا العبارة الأخيرة في انكار ونبرة دفاعية ، ثم جاءها صوت صديقتها قاطع ممزقاً جميع حساباتها القديمة : الايام الجاية هتبين كل حاجة .. مش بتقولي بعد اللي حصل منك دا قالك مش عايز اخسرك وننسي اللي حصل .. ماظنش انه هينسي .. والأسوء كمان لو قبل حبك دا وهو لسه خاطبها .. وقتها هيبقي عايزك تظهري حبك دا أكتر .. عشان يرضي غروره ورجولته من غير مقابل منه .. ودا بيحصل من معظم الرجالة الايام دي .. بيرتبطو بواحدة وبتكون في حياتهم بنت تانية بإسم الصداقة .. بس وراه الستارة بيستنزف حبها وعمرها منها علي الفاضي .. خصوصا لو قدمت حبها بدون اي تمن .. وبتكون هي الطرف التالت في قصة حب انثي تانية .. والراجل بيشوفها مرهم لجروحه بيهرب لها من زهقه ومشاكله مع حبيبته


شعرت يارا بالتجمد ، وهي تستمع إليها ، كما لو أن دلوًا من الماء المثلج قد سكب على رأسها دفعة واحدة ، مما جعل عقلها يهيم من الصدمة ، وهي تتخيل أن هذا يمكن أن يحدث لها ، وهذا لن تتحمله أبدًا ، ليزداد الألم في قلبها وهمست بصوت ضعيف : للي بتقوليه دا اذا حصل انا معرفش ممكن اتصرف ازاي؟


تابعت نيرة بصوت حازم : مفيهاش غير تصرف واحد .. هو انك تبعدي يا يارا تقطعي معاه خالص طول عمرك 


تضاعفت العبرات على خديها ، وهي تخبرها بحقيقة ما تشعر به ، وما يدور في خلدها بتخبط شديد : انا حاسة اني اتحبست في خانة اليك .. وعلي قد ما انا نفسي يحس بيا .. بس .. بس ياريته ينسي اللي حصل الليلة .. عشان اخر حاجة بتمناها اني اكرهه يا نيرة اذا فكر فيا بالطريقة دي انا اكيد هكرهه وهكره نفسي 


شعرت نيرة بالأسف عليها ، فلم تضغط عليها ، وقالت بنبرة لينة : انتي اعصابك تعبانة ومحتاجة تنامي .. خلينا نأجل الكلام لحد ما اعدي عليكي بكرا احسن


_طيب تصبحي علي خير


_وانتي من اهله باي


❈-❈-❈


في نفس الوقت


فى المستشفى


فتحت لميس باب أحد ممرات المستشفى ، وأثناء سيرها في الردهة نظرت للأسفل ، لتضع هاتفها داخل حقيبة يدها الصغيرة بعد أن أنهت مكالمتها مع هالة منذ دقيقتين.


_ حاسبي يا حوادث


حذرها باسم بنبرة ضاحكة في نفس الوقت الذى امسك بذراعيها ، وهو يثبتها في مكانها قبل أن تصطدم بصدره ، ليواصل حديثه بمشاكسة عفوية ، دون انتبه إلى وحش الغيرة ذو العينين الخضراوين الذي يقف بجمود بجانبه : دايما ماشية مش باصة قدامك كدا!! 


تركها باسم ، بينما يتابع بقية كلامه ، وهو يتراجع خطوتين إلى الوراء ، ويضع يديه داخل جيوبه.


أزاحت لميس خصلات شعرها خلف أذنها دون تعليق ، وأشاحت وجهها في إرتباك حتى لا تتقابل عيناها فى عيون خالد ، الذى لا سلط نظره عليها بغموض ، بينما تابع باسم بسؤال حائر : اومال فين الناس؟


لميس موضحة برقة : هالة في الطوارئ .. وطنط وسام راحت تشوف عمو صلاح وبعديها هنرجع علي البيت


أسند باسم بمرفقه على سطح طويل ومستو يجلس خلفه الموظفون ، ثم همهم بهدوء وهو يلقي نظرة خاطفة على خالد : ماشي احنا ليلتنا طويلة هنا ابقي عرفيهم


_تمام .. انا .. هروح استناهم في الاستراحة


الكلمات خرجت على عجل متلعثمة من فم لميس ، قبل أن تغادر هربا من عيون الوحش الخضراء التي لم تتزحزح عنها.


_ايه دا؟


التفت إليه خالد متعجبًا من سؤاله المفاجئ ، فقوس باسم فمه بابتسامة ملتوية ، وهمس بتسلية : كأني شامم ريحة شياط من هنا


برقت عينان الذئب الماكر ، وهو يشير بإصبعه السبابة إلى موضع قلب خالد فى نهاية حديثه ، ليدفعه خالد من كتفه بقسوة ، وقد سيطر الانزعاج على ملامحه ، فإزداد الوحش وسامة برية ، من استفزازه له ، ليقول بنفاد صبر : ابو ام لذاتك يا ظريف


أخذ باسم يضحك ساخرًا من إستياءه ، ثم هدأت ضحكته سريعًا وخرج صوته هادئًا : طيب انا طالع اشوف ايه الاخبار فوق؟


نظر إليه خالد بنظرة تحذيرية مفادها «لا تثير المشاكل» ، لكنه لم يتلق منه شيئا سوى اللامبالاة ، فأدار عينيه في يأس وأخبره بنبرته العميقة فى استسلام : خلاص انا هطلع اشرب سيجارة برا .. شوية وهحصلك


❈-❈-❈


خلال ذلك


عند صلاح


أضافت وسام متسائلة في شك من صمتهم المفاجئ منذ قدومها ، وهى تحدق في ملامحهم المبهوتة ، لتعقد ذراعيها منتظرة الجواب : ايه اللي هيتهد وفوق دماغ مين بالظبط؟


شعر صلاح بتوقف عقله عن عمل لثواني معدودة ، ولم تساعده الحروف الأبجدية على الإطلاق ، فيما كانت وسام تنظر إليه تارة وتارة إلى دعاء التي إزدردت ريقها ، وهى تحاول الابتسام لتتغلب على توترها ، وتبادر بالتحدث بصوت طبيعي قدر الإمكان ، على الرغم من شعورها بقشعريرة باردة تسري في جسدها : تعالي شوفي جوزك كان بيقول ايه؟


التفتت وسام ، لتنظر إلى زوجها الذي كان لا يزال على حالته المتجمدة ، مما أثار الشكوك في ذهنها ، وتسلل القلق إلى قلبها ، فألحنت بإنفعال طفيف : ايه الحكاية يا جماعة!! في ايه يا صلاح .. انت مخبي عني حاجة؟


جفل كلاهما من الصدمة ، عندما ألقت وسام سؤالها الأخير على صلاح ، فتبادل النظرات مع دعاء التي كانت تبحث في ذهنها عن مبرر مقنع لإخراجهما من هذا المأزق الصعب ، لتخبرها بلهجة متماسكة إلى حد ما : هو اصلو .. خايف ان علاقة باسم ببنت فهمي تبوظلو شغله مع ابو مصطفي يا ستي ويخسرهم .. وكان بيدور عليه عشان يعاتبه لولا اني وقفته


رفعت وسام حاجبيها ، وهي تسمع كلامها ، لتخاطب صلاح بنبرة متذمرة ممزوجة باللوم : مش وقت ولا مكان الكلام دا خالص يا صلاح


قام صلاح بإخراج الهواء من صدره بعنف بعد أن حبسه داخل رئتيه لفترة لا بأس بها ، ولحسن حظه ، ترجمت وسام ذلك على أنه سخط وغضب على ابنه ، بينما تابعت دعاء على عجل ، وهي تنظر يمينًا ويسارًا بتوتر : دا اللي كنت بقوله بالظبط مش وقته .. يلا هروح اشوف عز عشان يروحني


إبتسمت وسام وهى تخبرها بصوت هادئ : لا عز روح علي بيته و انتي هتيجي معانا نوصلك في طريقنا


أومأت دعاء لها برأسها بالموافقة ، وقبل أن تبتعد نظرت بسخرية إلى صلاح الذي توقف عن عد المواقف المشابهة لهذا الموقف ، ولقد تمكنوا من الخروج منهم باستخدام أكاذيب دعاء الماكرة والمراوغة ، والتي سرعان ما تقتنع بها زوجته الساذجة التي تعتبرها صديقتها المقربة.


كيف يمكن أن تشك بها أو تحسب للخيانة حساب من ناحيتها ، وهي التي ظلت تحثها على الزواج ، لسنوات طويلة بعد وفاة زوجها ولم تكن تتلقى منها سوى الرفض ، حتى استسلمت وهى تجزم أن هذه المرأة وفية جدا لذكرى أخيه التوأم.


❈-❈-❈


عند هالة


بعد مرور عدة دقائق


_مدي ايدك


قال فريد كلماته الغامضة بنبرة عملية ، مما جعل هالة تنظر إليه بحاجب مرفوع وهي تسأله بتوجس غريزي : افندم!!


أشار فريد إليها بعينيه إلى الأسفل ، حيث ظهر ضوء الشاشة بوضوح من خلف قماش جيب بنطاله الأيمن ، قبل أن يفسّر لها بصوته الرجولي العميق : موبايلي بيرن في جيبي .. مش هعرف اطلعوا والابرة غرزة في دراعي


قال فريد ذلك بينما تتدحرج عيناه على ذراعه اليسرى ، فاتسعت حدقتاها من الدهشة ، وتدلى فكها من الصدمة قبل أن تهتف مستنكرة بصوت مرتبك : بس دا مايصحش .. اكيد مش هعمل كدا


جاء صوت الممرضة الهادئ من خلفهما : ممكن يكون حد من اهله عايزين يطمنوا عليه يا دكتورة


ارتجفت هالة بداخلها ، وهي تومئ برأسها موافقة وتمتمت علي مضض : طيب


ازدردت هالة لعابها عدة مرات متتالية ، لاحظ فريد ذلك من حركة بلعومها ، واهتزاز حدقاتها المتوترة ، وهي تحني جسدها قليلاً ، وتمد أصابع يدها النحيلة بتردد وحذر شديدين ، وتدفعها داخل جيب بنطاله لتسحب الهاتف بأطراف أصابعها.


أخذ فريد الهاتف من يدها التي شعر بها ترتجف ، متأكداً أنه سبب لها توتراً كبيراً ، ودون أن يبدو على وجهه تعبير مقروء ، ظل يحدق في الشاشة المضيئة التي تحمل اسم والدته زهيرة لعدة لحظات ، وهو يعلم أنه إذا أخبرها الآن بما حدث ، فسوف تصر على المجيء إليه ، وهذا غير ضروري على الإطلاق.


تعجبت هالة من تحديقه المستمر في الشاشة دون أي ردة فعل فسألته بحيرة : هتقدر ترد ولا ارد انا؟


أجاب فريد بحسم بارد ، وهو يرمي الهاتف بجانبه بلا مبالاة : مش هرد


_مش طبيعي


همست هالة بصوت غير مسموع ، ثم سرعان ما خرج صوتها تلقائيا بسؤال محمل بالدهشة واستنكاراً : اومال خليتني اطلعوا ليه؟


وقبل أن يفتح فمه ليتحدث ، سمعا طرقاً خافتاً على باب الغرفة ، ودخل إحد الممرضين وهو يوزع نظراته بين فريد وهالة ، ليخبرها بصوت لاهث : دكتورة هالة .. وكيل النيابة برا وعايز ياخد اقوال الاستاذ


❈-❈-❈


في خلال ذلك


عند خالد


فى حديقة المستشفي


تبصر إليها خالد ملياً ، وهي تقف وظهرها إليه ، واضعة يديها داخل جيوب معطفها الطويل الأنيق فوق فستان السهرة الذي يصل إلى الكاحل. 


تذكر المرة الأولى التي التقيا فيها ، حدث ذلك عندما سافر مع باسم في زيارة قصيرة إلى الفيوم عند جدته منذ أكثر من عام ، وبسبب حبه الكبير للخيول ، كان أول مكان يذهب إليه هو الإسطبل لرؤيتهم ، ثم التقى لها ، كما لو كان قدره على موعد معها.


إنفرجت ابتسامة صغيرة على شفاه القاسية ، حينما عادت تلك الذكرى إلى ذهنه مرة أخرى ، فجعلت قلبه يخفق ، وكأنه تحول إلى حصان يعدو بسرعة البرق عندما رأى بندقيتها المذهلة ، دون أن يفكر فيما سيجده في نهاية هذا المطاف.


أثناء ذلك 


زفرت لميس بحرارة ، ففاح عبقها العطر ، وانتشرت ذراته في الهواء ، لتجري على بساط من السحر يلتف حول ذلك المتيم بالهوى ، ليفقد السيطرة على خفقاته ، ونار الحب تضرم بلا رحمة في قلبه بسبب جاذبيتها الفاتنة ، ورغماً عنه إنتقل عقله إلى هذا المشهد القديم.


flash back


وقف خالد بطوله المهيب ، وأكتافه العريضة ، يرتدي بنطالًا أبيض وقميصًا فضفاضًا أخضر داكنًا بأكمام قصيرة تظهر عضلاته ، متكئًا على باب إسطبل الخيل ، يتأمل من تحت النظارات الشمسية فوق عينيه الجنية التي كانت تقف ، وظهرها إليه غير منتبهة لنظرته الفضولية ، إذ كانت مشغولة بتفحص عيني الحصان الذي أمامها بحذر واهتمام شديد.


رفع خالد يده نحو فروة رأسه ، ليغرس أطراف أصابعه في خصلات شعره السوداء الناعمة ، ليجذبه تلقائيا عندما فعلت لميس نفس الشيء مع الحصان حيث رفعت يدها ، لتداعب رأسه الأسود ذو الشعر الكثيف الحريري بنظرات حزينة علي حالة هذا المخلوق مهيب الجسد والمظهر ، لكنه مع ذلك حساس للغاية ، ويحتاج فقط للاهتمام والرحمة ، ليطمئن لك ويشعر بالأمان معك.


جاء صوت من خلفها أخرجها من تفكيرها ، كانت قشة انشقت تحت قدمي خالد ، الذي تحرك قليلا من مكانه ، فحمحمت بخفة تنقى بلعومها ، قبل أن يخرج صوتها الرقيق بجدية : ناولني المحلول يا عم متولي


ودون أن تلتفت من مكانها مددت كفها الناعمة إلى جانبها منتظرة أن يفعل ما أمرته به ، لكن الصمت ساد المكان ، لتتأفف بصوت متذمر : ماتيلا يا عم متولي .. مش عاااا..


التفتت لميس بجسدها فجأة ، فتصلبت عيناها على هذا الشخص الغريب قبل أن تخطو خطوة تحذيرية نحوه لتواجهه بسؤال مليء بالتوجس : انت مين؟


انفرجت شفتيه قليلاً ، وحرج شديد إعتراه ، ليحاول العثور على رد مناسب : اا..


جمجمت لميس من بين شفتيها بتبرم : عملتيها يا تفيدة


قطب خالد بين حاجبيه متعجبًا من كلماتها المبهمة ، ثم خلع نظارته فرأت بريق خضراوتيه الجذابة في ضوء الشمس الذي يتسرب من إحدى فتحات الإسطبل ، متسائلًا بغرابة : نعم؟


_واضح ان جدتي نفذت كلامها وبعتتلك تيجي .. مع اني قولتلها اني اقدر اتصرف لوحدي


_انا مش..


قاطعت لميس حديثه بانزعاج للمرة الثانية في نفس الدقيقة ، ولم تمنحه مهلة للرد : مش محتاج تبرر ماهي مش غلطتك انت


لم يعلق على حديثها فى الحقيقة بدى الأمر مسلى له ، وظهر شبح ابتسامة مرحة على شفتيه ، لكنه حاول إخفاءها بسرعة ، حالما حدقت به لميس بعينين ضيقتين ، وهي تسحب أطراف بلوزتها البيج إلى الأسفل ، ثم وضعت يديها على خصر بنطالها البني الواسع وتابعت تستجوبه بإستغراب : وجاي فاضي ليه؟


رفع خالد حاجبيه الكثيفين بتعبير مندهش ، ثم سأل بصوت أجش عميق : تقصدي ايه؟


عقدت لميس ذراعيها اسفل صدرها ، وهى تتساءل بنبرة ساخرة : فين ادواتك وشنطتك الطبية يا دكتور؟


تقدم خالد منها عدة خطوات واثقة ، والحماس يزداد في أوردته ، ليقول بنبرة ثقيلة : ممعيش اي حاجة


وقف خالد أمامها مباشرة ، مما جعلها تشعر بهالته أقوى ، بينما كانت تخاطب نفسها سرا بسخط : كمان يا تفيدة


عقصت بيدها خصلة شعرها خلف أذنها ، وهى تعض على شفتها بغيظ ، لتغمغم بصوت منخفض : فهمت .. هي مش بعتاك عشان تعالج كرم .. بعتاك عشان تشرف عليا وانا بعالجه


أضافت تلك الكلمات بثقة شديدة وعدم الرضا ، دون أن تشعر بالفوضى العارمة التي تسببها حركاتها العصبية في قلب ذلك الجبل الشامخ أمامها ، ليتنحنح خالد قبل أن يسأل بصوت هادئ ، يخفي وراءه انجذابا قويا نحوها : مين كرم؟


_دا كرم


ابتسم خالد مع تفسيرها ، وهو ينظر إلى الحصان الأسود الذي كانت تقف أمامه وتداعبه برقة قبل قليل حسده عليه ، وقبل أن يتمكن من الرد ، جاء صوتها الناعم بإستفهام : انت كنت فين يا عم متولي كل دا تأخير؟


قالت لميس ذلك وهي تتجه نحو الحصان بينما متولي يبرر بصوته الغليظ : ماتأخرتش والله يا دكتورة مسافة الطريق وجيت


دحرج بصره على خالد الذى إلتقى به قبل قليل بالخارج ليهتف ببشاشة : عجبك الاسطبل يا ا...


_هات المحلول من عندك وتعالي امسك راس كرم


بترت لميس بقية جملته دون أن تنظر إليهم ، وهي تربط شعرها البني إلى الأعلى بربطة سوداء حتى لا يزعجها وهي تبدأ عملها ، وقبل أن يتحرك متولي أشار له خالد بالتوقف قائلا بحزم : خليك انا همسكه


جحظت عينان متولى بعدم فهم ، ونظر إليه خالد ، الذى ابتسم بمغزي ، فأومأ له الرجل ببلاهة في صمت.


اقترب خالد من الحصان بحرص ، ووقف بجوار تلك التي ولت كامل انتباهها لعملها ، بينما بدأ الآخر يمسد ظهر الحصان برفق ، قبل أن يمسك رأسه بين كفيه الكبيرتين ، وهو ينظر إلى عين الحصان المصابة ، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يرى فيها الدموع في عيون حيوان وكأنه يبكي ، فوجد نفسه يتمتم تلقائياً : دي اول مرة اشوف فيها دموع الخيل؟


_دي افرازات من نشارة الخشب اللي دخلت في عينه..


توقفت عن الكلام العفوى ، ثم أردفت بتساءل متعجب : اول مرة!! انت تقصد ايه؟


لمعت في عينيها نظرة شك ، وهي تنظر إليه عن كثب ، بينما كان هناك شيء في نظرتها يسحبه لا شعورياً إلى أغوار بندقيتها ، لكنه استعاد السيطرة علي نفسه ، وهمس لها بصوته الدافئ العميق : كملى 


ارتعش بداخلها شعور غريب ، وهى تشعر بضآلة حجمها أمامه ، وقد تناست ما قاله منذ قليل.


وفي الدقائق التالية ، قامت لميس بعلاج الحصان بمساعدة خالد الذي سأل بهدوء : كدا خلصنا؟


_ايوه .. تقدر دلوقتي ترجع لجدتي وماتنساش تقولها تقييمك .. بس بضمير انت حالف قسم


نظر خالد إليها بحاجب مرفوع ، وهو يسمع كلماتها التحذيرية الممزوجة بالحزن على عدم ثقة جدتها في عملها ، فأخبرها بثقة وابتسامة جذابة : يوصل


تدخل متولى فى الحديث ببلاهة تامة : تقييم ايه ويوصل ايه؟ ماتفهمني يا ابني بدل ما انا زي الاطرش في الزفة كدا وسطكو


أخبره خالد موضحاً بنبرة خشنة مستمتعة : مفيش حاجة دا سوء تفاهم بسيط .. الانسة كانت فاكرني الدكتور


سألته لميس بتعجب ، وهى تحدق في ملامحه بصدمة : فاكراك .. اومال انت تطلع مين؟


جاءتها الإجابة بصوت متولى الغليظ : دا الاستاذ خالد يا ست لميس .. جاي ضيف من مصر مع الاستاذ باسم 


شعرت لميس بمزيج من الغضب والحرج ، حالما أدركت ذلك كان يجاريها فقط ، ممَ جعلها تهتف بضيق : وماقولتش كدا ليه من الاول .. ماكنش ليها لزمة الاشتغالة السخيفة دي 


اقترب خالد منها خطوة ، وضيق عينيه الخضراوين ، التي إنعكست فيها علامات إعجابه بها ، ليجيبها بصوت هامس عميق ضاعف من حرجها : انتي اللي مابتديش لحد فرصة يقول حاجة


back


كل هذا كان يدور في ذهن خالد بلا هوادة ، وبتلقائية تامة وضع كفه على صدره كأنه يمنع قلبه من الهروب إليها من بين ضلوعه ، ليضمها في حضن دافئ من الشوق الغامر الذي يحرمه من النوم ليلاً من التفكير فيها.


هز خالد رأسه بخفة ، طارداً كل هواجسه الحالمة بها ، وهو يتقدم للأمام ، وكلما اقترب منها يشعر وكأنه يسير على الغيوم المحملة بعطرها السحري. 


استدارت لميس ، تنوي الاطمئنان على زوجة عمها التي تأخرت ، مما جعل شعرها البني يتطاير بخفة في الهواء من حولها ، لكن سرعان ما تراجعت خطوة إلى الوراء متفاجئة به خلفها. 


❈-❈-❈


فى قاعة المستشفى ، تحديداً أمام غرفة العناية المركزة


جسد يوسف ممدود على كراسي الانتظار وهو في نوم عميق ، واضعًا إحدى يديه على بطنه والأخرى متدلية على الأرض ، بينما كانت ريهام تجلس على أحد المقاعد في الجانب الآخر ، وعيناها لا تفارقان شاشة الهاتف حتى وصل صوت أقدام تقترب منها إلى أذنيها ، فرفعت عينيها وأدارت رأسها بفضول لترى باسم يتقدم منهم بخطواته الهادئة الواثقة ، ودون أن يكلف نفسه عناء النظر إليها ، وقف في صمت تام ، يحدق إلى أبريل مطولاً عبر زجاج الغرفة شارداً فى أفكاره الخاصة.


استقرت ريهام براحة يدها على كتفه برقة ، ظهرت في صوتها الهامس عندما سألته : الكل روحوا .. انت مش هتروح؟


أزاح باسم كفها من فوق كتفه بضيق ، وهو يجيب بإيجاز حازم : لما تفوق


إلتوى شدقها بعدم رضا ، ثم إزدردت ريقها لتقول بنبرة مترددة ، وكأنها تسير في حقل ألغام ، وتخشى أن ينفجر بها في أي لحظة : باسم .. ممكن اكلم معاك شوية!!


استدار باسم بجانب وجهه ، وأومأ لها علي مضض دون أن ينظر إليها لأنه يحملها مسؤولية ما حدث ، فإذا لم تخرج عن نطاق السيطرة ، وتحاول تهديده بالقتل بعد التدخل في شؤونه ، لما حدثت هذه الفوضى الكارثية معهم جميعا ، ممَ جعله يرمى سؤالاً بنبرة هادئة ساخرة : وهو لسه في كلام عندك يتقال؟


شعرت ريهام بحالة من الانزعاج جراء أسلوبه البارد تجاهها ، لكنها تكلمت بنبرة متماسكة لطيفة : خلينا نروح الكافيتريا نشرب قهوة ونتكلم


مرر باسم أصابعه على فكه ، وهو يفكر في عرضها ، قبل أن يتمتم في استسلام : طيب


❈-❈-❈


بعد فترة وجيزة


عند عز


رفع عز يده ، ليضرب الباب مرة أخرى قائلا بندم ورجاء : طيب ردي عليا خليني اطمن .. مش معقول هتباتي الليلة كلها في الحمام


أدار عز عينيه من الملل والسخط لتجاهلها له ، فواصل حديثه بذات النبرة ، وهو يرتكز بظهره للباب ، وأسند رأسه إليه : مش ناوية تبطلي العادة دي ابدا .. افتحي بقي بلاش شغل عيال خلينا نتكلم يا حبيبتي ونتفاهم


قالها بتنهيدة عميقة ، فهذه أول مرة يتوسل لها كل هذه المدة ، ولا يتلقى منها إيماءة بسيطة تجعله يطمئن ، فأخذ عز يطرق الباب عدة مرات متتالية بإلحاح ، وهو يهتف بوعيد وتهديد : انتي زوديتها كدا .. طيب يا مني دي آخر مرة اقولك فيها افتحي .. انا اكلمت بالذوق كتير اهو وماجبش نتيحة .. مش هتانيها تاني وهاكسر عليكي الباب .. بس يكون في معلومك لو دخلت بالشكل مش هعديهالك علي خير


مسح عز وجهه ، مستدعيا الهدوء لنفسه بعد أن بدأت بوادر الغضب تطغى عليه من تجاهلها المتعمد له ، ليستأنف طرق الباب ، وأحس بالتوتر والخوف يسيطر عليه من صمتها المقلق ، فخفض من لهجته قائلا بحنو لعلها تستجيب له : طب خلاص .. بلاش نتكلم لو مش عايزة .. بس افتحي قعدتك في الحمام دي غلط يا حبيبتي


مرر عز يده في شعره في إضطراب عندما لم يتلق منها أي أجابة تطمئنه ، فبدأ القلق يحفر مخالبه في قلبه بعنف ، ولم ينتظر ثانية أخرى ، إذ أخذ نفسا عميقا قبل أن يدفع الباب بكتفه بقوة عدة مرات ، لكن محاولات فتحه باتت بالفشل ، فتراجع خطوتين إلى الوراء ، ثم بكل عزم ركل الباب بركلة واحدة ، فكسر القفل ، قبل أن يولج إلى الداخل سريعاً ، وهو ينظر بشكل عشوائي فى المكان ، حتى رأها ملقاة على الأرض ، لا ترتدي إلا ملابسها الداخلية ، في إحدى زوايا الحمام ، ساكنة تمامًا ، بجانب حوض الاستحمام ، وهذا المنظر المفاجئ جعل قلبه يتزعزع من محله والخوف يتغلب عليه.


ركض عز نحوها ، وركع على الأرض الباردة بجانبها ، بينما رفع بأطراف أصابعه خصلات شعرها التي تساقطت على وجهها تحجب عنه رؤية ملامحها ، وهو يناديها بصوت أجش مهتز ، يقنع نفسه بإنكار للواقع أنها نائمة من الإرهاق : مني!!


حبس أنفاسه بصدمة فور أن لاحظها شاحبة الملامح وحبيبات العرق الباردة على جبهتها ، فإحتوى جسدها الساكن علي صدره ، وهو يضرب علي وجهها بأصابعه ، مع مسحه على جبهتها بيده الأخرى عدة مرات ، وارتعش بدنه من القلق ، وهو يحاول إيقاظها دون أن إستجابة منها.


❈-❈-❈


فى قسم الطوارئ


عند فريد


خرجوا جميعاً من غرفة الفحص برفقة ضابط الشرطة الذي تكلم بصوت جهوري غليظ ، موجهاً حديثه إلى كل من فريد ومرام ، وهو يدخل كفه في جيب بنطاله : زي ما قولتلكم هستناكم في القسم عشان نكمل المحضر


أومأت له مرام برأسها بصمت ، بينما فريد يشكره بصوت هادئ واثق : تمام شكرا يا فندم


_العفو عن اذنكم


لمعت عيون مرام بوميض من الإعجاب ، رغم علمها بخطوبته ، بعد أن لاحظت الخاتم الذي يزين يده اليمنى ، لكن وسامته مع شخصيته التي كانت من الواضح أنها ثقيلة ، عززت بداخلها شعور بالمغامرة حتى تتمكن من سرقة نظرات الإعجاب منه حتى ترضي غرورها الأنثوى ، فقالت بنعومة ، والإبتسامة تعلو وجهها : حقيقي موقفك الشهم عمري ما هنساه ومش عارفة اشكرك عليه ازاي


ضيق فريد في عينيه على هالة التى لم تتدخل فى الحديث بتاتاً ، بل كانت تنظر إلى شاشة هاتفها بتركيز ، وهى تقرأ رسالة أرسلها ياسر قبل قليل ، قبل أن يرد عليها بنبرته هادئة وجذابة : مفيش داعي للشكر .. معملتش غير اللي كان اي حد غيري هيعملو


_لا انا متشكرة جدا يا دكتور .. رغم الظرف كان مش لطيف بس انا مسرورة اني اتعرفت علي شخصية محترمة زي حضرتك


_متشكر جدا شرف ليا اكتر معرفتك


 تحدثت مرام باندفاع ، حالما شعرت أنه على وشك الرحيل : تصدق كنت حاسة انك هتطلع دكتور


نظر إليها كل من فريد وهالة بنظرات الدهشة والاستنكار قبل أن يتمتم بتعجب : اشمعنا!


إحتل الحماس ملامح مرام التي أوضحت الأمر برحابة صدر وصوت أنثوى رقيق يغلله الإنبهار : اصلك اول حاجة عملتها قطعت حته من تيشرتك و ربطتها علي الجرح عشان توقف النزيف


صمت حاصرهم جميعًا لثوان ، ثم بادرت مرام بسؤاله : هتقدر تسوق مش كدا .. ولا تحب نوصلك .. احنا كنا هنمشي دلوقتي مش كدا يا هالة


حدجتها هالة بحاجب مرفوع في عدم رضا ، وهي في حالة لم تسمح لها بالرد أصلا ، لأن ذهنها مشغولاً بطريقة تفر بها من ياسر الذي كان من المنتظر أن يأتي في أي لحظة ، كما قال لها في رسالته ، وهى لا تطيق رؤيته مرة أخرى هذه الليلة فأعصابها على المحك.


أحس فريد بارتباكها من مراقبة انفعالات جسدها المتوتر ، فأجاب بصوت رجولي ثابت : متشكر هقدر اسوق 


تفاجأوا جميعًا ، حالما دخل عدد من الممرضات والممرضين من باب طوارئ المستشفى ، يركضون مع السرير المتحرك الذي يرقد عليه جسد رجل طويل وضخم البنية ، غارقًا في دمائه.


يتبع..

إلى حين نشر الفصل الجديد نورهان محسن، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية..

رواياتنا الحصرية كاملة