رواية روضتني 2 (الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد) طمس الهوية -لأسماء المصري - الفصل 34 - 2 الجمعة 16/2/2024
قراءة رواية روضتني 2 (طمس الهوية) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية روضتني 2
(الجزء الرابع من رواية ترويض الفهد)
طمس الهوية
للكاتبة أسماء المصري
الفصل الرابع والثلاثون
3
تم النشر يوم الجمعة
16/2/2024
❈-❈-❈
لم تصدق نفسها وهي تجوب بشوارع تلك المدينة الصناعية الهائلة والتي بالرغم من تعداد سكانها الهائل والذي يمكن أن يكون تعداد بلدة بأكلمها، ولكنها وجدت من التنظيم والتقدم الذي وظف ذلك التعداد بشكل منظم وسلس.
مكثت عدة أيام قضتها جميعا بالتسوق قبل أن يبدأ المهرجان الخاص بالمعروضات الصناعية والالكترونية فتوجهت للمعرض الكبير والمقام بصرح هائل يمكن أن يستعب لأكثر من ستة ملايين فرد؛ فدارت حول نفسها وقد شعرت لوهلة أن تلك المهمة ربما تكون أكبر من مهارتها، ولكنها سحبت نفسا عميقا وهي تمني نفسها بالنجاح حتى تكسب ثقة مديرتها التي تركتها لتضع مولودها.
وبالفعل استطاعت أن تعقد الكثير من الصفقات الناجحة بنهاية اليوم فهاتفت مديرتها لتخبرها عن هذا النجاح:
-الحمد لله قدرت اتعاقد مع كذا شركة على منتجات هتقلب السوق المصري وأسعار تحفه..
استحسنت حديثها وأطرت عليها:
-براڤو عليكي يا نرمين بجد انا فخورة بيكي، المهم طمنيني عندك وقت تتفسحي وتتبسطي ولا وخداها شغل وبس.
ضحكت وهي تجلس بمقعد من مقاعد أحد المطاعم بعد أن يأست أن تجد أي طعام قد يؤكل:
-أنا مبسوطه جدا بس الحاجه اللي منغصه عليا السفرية كلها هي الأكل.
ضحكت الأخرى وهي تعقب:
-أوبس، نسيت خالص انبهك للموضوع ده، انتي هناك تعاملي انك vegen وريحي نفسك واتأكدي أن الأكل مش معمول بمشروبات كحوليه وخلاص، أنا كنت بعمل كده.
علثت نرمين بسعادة:
-بس برده البلد تحفه والميزة اللي في الفندق انه عنده أكل مسلمين.
أومأت الأخرى مؤكدة:
-منا عشان كده حجزتلك فيه، يلا اسيبك عشان تستمعتي بقى.
أغلقت معها وبدأت باللف حول عربات الأكل تحاول إيجاد شيئا صالحا للأكل وهي توبخ نفسها:
-ياريتني فطرت كويس أنا جعانه أوي.
استمعت من خلفها لذلك الصوت الذي تعلمه جيدا وهو يعلق على حديثها:
-أنا معايا سندوتش جبنه لو مش هتتطفل عليكي.
التفت بخضة ترمقه بنظرات مندهشة وسألته بصوت حاد وكأنها تستجوبه:
-أنت بتعمل ايه هنا؟
رفع حاجبا وأنزل الآخر متعجبا من طريقتها الفجة وسؤالها الغير منطقي وأجاب بالنهاية:
-جاي أحضر المعرض زيي زي أي رجل أعمال يا نرمين، والأكيد أني مش جاي وراكي.
تلعثمت وارتبكت تعلق:
-أنا مقولتش كده، أقصد بس أنها صدفه غريبة أوي أننا نتقابل في بلد فيها 3 مليار شخص.
تضايق من تلميحها الواضح فامتعض وجهه ورد وهو يهم بالتحرك من أمامها:
-فعلا صدفة غريبة وبايخه كمان وأنا آسف اني تطفلت عليكي.
هم بالرحيل فشعرت بالضيق لحدتها الغير منطقية فوقفت أمامه تمنعه من المغادرة:
-أنا مقصدتش أضايقك يا يزن بيه، كل الحكاية اني استغربت و...
قاطعها يوضح لها:
-المعرض كبير فعلا بس لو بصيتي حواليكي هتلاقينا موجودين في الfood cort اللي أغلبه عرب عشان فيه أكل حلال فطبيعي تقابلي مصريين وعرب كتير هنا ومكانش صعب أبدا اشوفك من بينهم.
أطرقت رأسها فحاول هو تلطيف الأجاوء قليلا:
-طيب ايه رأيك نبدأ من الأول وننسى سوء التفاهم ده؟
رمشت بأهدابها فاخترق سهم الحب قلبه من جديد بعد أن ظن أنه نسيها أو تناساها على الأقل فابتلع ريقه وابتسم ليخفي ما يثور بداخله وتكلم:
-بقولك معايا سندوتشات عملتها وقت الفطار عشان بقالي هنا يومين وبطني وجعتني من الأكل ﻷن حتى الاكل الحلال هنا طعمه غريب.
ضحكت وهي تومئ برأسها:
-معاك حق واللي مش متعود على الاكل الصيني زي حالاتي كده تعبان أوي هنا.
أخرج من حقيبة ظهره شطيرة الجبن وناولها إياها والتفت ينظر لماكينات المشروبات وسألها:
-كوكا ولا بيبسي؟
رفضت بحركة من رأسها:
-ميه.
ابتسم وتحرك صوب الماكينة ووضع العملة بمكانها وضغط على الزر وتناول زجاجتي المياه وعاد يقف بجوارها وسألها وهو يتناول قضمة من شطيرته:
-تحبي نقعد؟
أومأت وهي تنظر حولها:
-أحب طبعا بس فين؟ مفيش ولا ترابيزه فاضية.
تجرأ قليلا وسحبها من راحتها وهو يخبرها:
-تعالي انا عندي مكان سري كنت قاعد فيه.
تبعته لا شعوريا فلا هي سحبت يدها منه ولا هو ترك راحتها حتى وصلا للنافورة العملاقة المتواجده بمنتصف المعرض ويجلس على حافتها الكثير من الزوار؛ فأخرج ورقة من تلك الأوراق الإعلانية التي يقومون بتوزيعها بكل ركن من أركان المعرض ووضعها على حافة النافورة وأشار لها لتجلس عليها؛ ففعلت وجلس هو بجوارها وبدأ حديثه متسائلا:
-بقالك هنا كام يوم؟
أجابته فورا:
-3 ايام، وحضرتك؟
أجابها مبتسما:
-يومين بس يادوب جيت امبارح وغالبا همشي بكره عشان الشركة دلوقتي بقت في ايد آسر أخويا.
لمح تعجبها فوضح لها:
-مش فارس كان قايل انه هيبدل ما بينا في رئاسة مجلس الإدارة، فحاليا الوقت بتاعه ومش مبسوط من المسؤولية وعايز يخلع من رئاسة مجلس الإدارة.
ضحكت فشرد بها ولم يع لحالته إلا عندما تحدثت:
-سرحت في ايه؟
أجابها دون وعي:
-في ضحكتك.
اتسعت حدقتيها وهمت بالوقوف استعدادا للرحيل فأمسكها بقوة ومنعها من المغادرة وهو يتوسلها:
-استني يا نرمين بلاش تقفشي كده.
تنفست بحدة فلم يمنعه شكلها من البوح بما يحمله بداخله:
-أنا بحبك ودي حقيقة محدش مننا يقدر ينكرها حتى لو حاولنا، ﻷني حاولت بس أول ما سمعت صوتك عرفت إن محاولتي فشلت.
سحبها ليجلسها مكانها من جديد وهو يمزح:
-اقعدي قبل ما حد ياخد المكان.
لم تضحك بل جلست متجهمة الوجه فتابع:
-عارف انك مضايقه من مشاعري دي بس أنا مبحاولش أفرضها عليكي وعارف أنك رفضاها جملة وتفصيلا، وأنا معنديش استعداد أبدا أجري ورا واحده مش عيزاني بس.
صمت مطرقا رأسه بأسى:
-محتاج وقت مش أكتر عشان أقدر اخرجك من قلبي ﻷني نجحت الفترة اللي فاتت دي كلها اني اخرجك من تفكيري، بس مع أول لقاء بينا كل نجاحي ده راح ورا الشمس فأنا مش طالب منك حاجه بس مش منطقي أبدا اننا نكون في بلد غريبة احنا الاتنين ونعمل نفسنا منعرفش بعض، يا ستي اعتبريها صداقة سفر تخلص اول ما نرجع مصر.
أومأت وهي تصر على أسنانها:
-معاك حق بس يكون من غير تجاوزات.
تعجب من حديثها فرمقها بنظرة متحيرة:
-تجاوزات؟ أنا تجاوزت معاكي في ايه فهميني؟
ردت بعد أن حاولت أن تزيل خجلها:
-كلامك وغزلك ده ميعتبرش تجاوزات من وجهة نظرك؟ أنت بتقول صداقة سفر، فاهم معنى كلمة صداقة؟
بلل شفتيه وأومأ مؤكدا حديثها ومعتذرا:
-معاكي حق، أنا بعتذرلك ومش هتتكرر تاني بس.
صمت ليستجمع شجاعته وهتف:
-لو لقتيني سرحان فيكي متسألنيش سرحان في ايه وأظن من حقي اسرح بالشكل اللي انا عايزه.
ضحكت رغما عنها من طريقته بالحديث فحركت رأسها معترضة عليه ومستسلمة لما ألقاه على مسامعها فابتسم هو بسمة جاذبية جعلتها تذدرد ريقها بصعوبة وبسبب تحديقه بها فهتفت بحدة:
-تمام بس متزودهاش.
أومأ وبسمته تكاد تتسع ﻷذنيه شاعرا بنفسه وقد حلق بالسماء لمجرد ابتسامتها الرقيقة بوجهه، وفكرت هي بداخلها فما الضرر الذي قد يحدث إن استمعت بوقتها قليلا.
انتهت أخيرا من تناول الشطيرة فهتف ساخرا:
-أخيرا، ده انتي بطيئة أوي في الأكل، تحبي اجيبلك قهوة؟
رفضت ووقفت تخبره:
-أنا لازم أرجع الفندق عشان بعيد عن المعرض ولسه جايه بكره تاني.
وقف مسرعا يسألها:
-هشوفك بكره؟
رفعت كتفيها بغير علم:
-مش عارفه، أظن انك مسافر فممكن منتقابلش.
ابتلع ريقه وسألها:
-نازله في أي فندق؟
أجابته باسم الفندق فبحث عنه بهاتفه الخلوي وأخبرها كذبا:
-ده على سكتي، تعالي أوصلك أنا معايا عربية.
لم تكن لترفض عرضه بتوصيلها بهذا المكان الغريب ورهبتها للتعامل مع سيارات الأجرة وهي لا تعلم لغة البلد وتجد صعوبة بالتواصل مع السائقين؛ فوافقت وذهبت خلفه وركبت السيارة بجواره وسألته متعجبة:
-جبت عربية هنا ازاي؟
أجابها ضاحكا:
-مأجرها من الفندق، دي إحدى مزايا الإنتماء لعائلة الفهد وأنا بتمتع بالمزايا دي عشان كنت محروم منها طول عمري.
أومأت بتفهم وركز هو بالقيادة ناظرا بجهاز تحديد المواقع فسألته:
-هو مش الفندق على طريقك؟
أومأ فسألته مجددا:
-أومال ليه حاسه انك مش عارف الطريق؟ أوعى نتوه.
ضحك عاليا يخبرها:
-هحفظ انا الطرق والكباري دي كلها في بيكين؟ ده انا بتوه جوه الفندق اللي قاعد فيه.
أيدته ضاحكة:
-معاك حق والله.
وصلا للفندق فنزل وفتح بابها بلباقة فابتسمت له وقبل أن تتحرك سألها بلهفة ظاهرة:
-هشوفك بكره؟
أومأت وهي تشيح نظرها عنه:
-لو مسافرتش.
حرك رأسه يخبرها:
-مش هسافر لو وافقتي.
ردت بجمود:
-لو وافقت ده مش معناه حاجه غير اننا اتنين مصريين بنحضر نفس المعرض بالصدفة و...
قاطعها:
-موافق، موافق على أي تسميه انتي عيزاها بس قبل المعرض تقبلي عزومتي ع الغدا.
ضحكت وهي تفتح ذراعيها:
-فين؟ مفيش مطعم واحد ينفع ناكل فيه؟
غمز لها بطرف عينه:
-وافقي انتي بس ومحلوله بأمر الله.
سحبت نفسا عميقا وحدثت نفسها:
-بلاش مقاوحه يا نرمين انتي جواكي حاجه وخايفه تظهريها ليطلع زي اللي قبله واللي قبله بس انتي متأكده انه مش زيهم.
شرودها جعله يبتلع ريقه متخوفا فردد سؤاله:
-موافقه ولا ﻷ؟
أومأت بعد طول تفكير:
-موافقه يا يزن بيه.