-->

رواية جديدة ليتها تعلم لمريم جمعة - الفصل - 4 - 3 - الأربعاء 21/2/2024

 

  قراءة رواية ليتها تعلم كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية ليتها تعلم

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة مريم جمعة


الفصل الرابع

3

تم النشر يوم الأربعاء

21/2/2024   



وقف يُونس أسفل العمارة يضعُ كفَّيهِ داخِل جيوبِ سروالِه، وعيناهُ تُتابع الطريق والمارة بإهتمامٍ جلي، حتى وقعت عيناهُ على تلك الَّتي تحمِلُ حقيبة طبية بين يديها وتقترِبُ نحوهُ شيئًا فشيئا بخطواتٍ مُتعرجة واضحة، فرفع الهاتِف لأُذنيهِ مُتظاهرًا بأنه يُحادِثُ أحدهُم عبره، بينما تحركت أهداب الأخيرة في إرتباكٍ شديد، فأخذت نفسًا عميقًا وعبرت من جوارهِ قائِلة بنبرة رقيقة تجعلهُ يغرق بِها دون مُقاومة..: 


_صباح الخير. 


_صباح النور. 


رد عليها بنبرة هادِئة تحملُ في طياتِها الكثيرُ من العتاب تعرفُ سببهُ جيدًا، فتنهدت بحُزنٍ حاولت إخفائه بسؤالها الَّذي ألقتهُ عليه بلهجتها الأصلية غير المِصرية العامية..: 


_الچد يعقوب صاحي، ولا لسا لهلَّا مافاق؟ 


ضيَّق حاجبيهِ بغرابة من سؤالِها الغريب، وأجابها ساخرًا..: 


_ما انتِ عارفة إنه صاحي وأبوكي كمان قاعد معاه كالعادة وبيلعبوا شطرنج زي كُل يوم جُمعة. 


_يوووه، أنا مابعرف ليش هالأيام بقيت بنسى كتير. 


قالت تلك الكلِمات كاذِبة وهي تخبط بكفها على رأسها بخفة، وفي الحقيقة هي لم تنسى، بل كانت تهرب من نظراتهِ الَّتي كانت كالسهام تخترِقُ داخلها بقوة بسؤالِها ذاك، واستأذنت مُنصرِفة من أمامِه مُتجهة داخل العِمارة تارِكة إيَّاهُ ينظُر لِأثرِها مُتنهِّدًا بولهٍ وضيقٍ منها، ورغم ذلك سرت الراحة في داخلهُ بعد أن رأها وتبادل معها حديثٍ عابر لم يتعدى الدقيقتين كعادتهم  كُل يوم جُمعة عندما تأتي من أجل جدِّهِ ويقفُ هو ينتظٌرُها في نفس المكان. 


❈-❈-❈


_كش ملك ياعم.


نطق بِها ذلك الجالس أمام يعقُوب بنبرة مُبتهِجة وهو يُمسك بقطعة الشطرنج الَّتي تخُص غريمه ويلقيها على الجانب الآخر، فزفُرَ الأخيرُ بحنقٍ مُتحدثًا..: 


_أنا مش هلعب تاني ياوائل. 


رد عليهِ وائل شامِتًا..: 


_ايوا عشان ماتخسرش للمرة الخامسة. 


لم يُرد يعقُوب عليه، وسلط بصرهُ على النافذة الَّتي يجلسانِ أمامِها، فعبست ملامِحُ وائِل الَّذي رأى الحُزن باديًا على وجه صديقه، وسألهُ بنبرة مُترفِّقة..: 


_مالك يا يعقُوب، متضايق ليه معَ إنك المفروض تبقى مبسوط عشان إبنك رجع لحُضنك تاني زي ماكنت بتتمنى. 


_رجع بس مادخلش شافني ومش عارف أملي عيني منه ولا أعتذرله على الظُلم اللي ظلمتهوله زمان.. وخايف لا أموت من غير مايسامحني ياوائِل.


تأثَّر وائِل بشدَّة من حديثِ يعقوب الَّذي كان يحمِلُ في نبرتهِ الحُزن والقهر، فأردفَ مُحاوِلًا إنتقاء بعض الكلِمات المُواسية..: 


_لا تقول هاي الكلِمات اللي ما إلها أي معنى يازلمة، اصبُر واترك الأيام تداوي الشرخ اللي مابيناتكُم، وكفاية حُزن، وبص للجانب الإيچابي للموضوع، إبنك معك في نفس البيت وتقدر تمحي الماضي بعقله.. وإن شالله راح ترجعوا متل الزبدة على السُكر كيف ماكُنتوا من قبل، وبكرا تقول وائِل كان معو حق. 


رمقهُ يعقوب بإمتنانٍ كبير على كلماتِهِ الَّتي كانت كالمُخدر السريع على قلبهِ الحزين، وقبل أن يتحدث  قاطعهُ صوت طرقاتٍ على بابِ غُرفته، فأذِنَ للطارق بالدخول لينفرِجَ الباب وتدلُف منهُ إبنة وائِل مُتحدثة ببشاشة وهي تتجه نحوهُما..: 


_صباح الخير ياحبايب. 


أنهت حديثها تنحني مُقبِّلة كف يعقُوب ثُم رأسه، وفعلت المِثل معَ والدِها، فرد عليها يعقُوب ببسمة حنونة..: 


_صباح النور على أحلى دكتورة رامَ الله في الدُنيا. 


إبتسمت رامَ الله له بحُب، وتركت حقيبتها على الأرضية، وأخذت تُلملِم قِطع الشطرنج وتضعُها داخِلَ الصندوق الخاص بها قائِلة بحدة مُصطنعة..: 


_لعبنا بما فيه الكفاية، ودلوقتي جه وقت العِلاج الإسبوعي. 


أنهت حديثها تُحرِّك الكُرسي المُتحرك الَّذي يجلس عليهِ يعقوب، وسارت بهِ نحو فِراشِه، ونهض وائِل واتجه نحوهُم يُساعِدُ إبنتهِ في وضع يعقوب على الفراش كي تبتدأ معهُ بلعِلاج الفيزيائي لقدميهِ الَّلتانِ وهنتانِ حتى أضحى لا يستطيع السير عليهِما مرة أُخرىٰ. 


❈-❈-❈


وقفت نورا والِدةُ نُوح في المطبخ تعُد وجبة الإفطار بهِمة وسعادة، وذلك بسبب أن اليوم عُطلة وسيجتمِعُ أولادها وزوجُها على طاولة واحِدة عدا نُوح الَّذي لا يحبذ أن يستيقظ مُبكِّرًا وذلك لأنه يعودُ من العملِ مُتأخرًا، فـ طوال الإسبوع زوجُها مُنشغلٌ بعمله، وإبنتيها بدراستِهم، وما كادت أن تخطوا نحو الثلاجة، تصنَّمت بمكانِها بعد أن شعرت بشيئٍ ثقيل فوق قدمِها اليُسرى، فانزلقت عيناها للأسفل كي ترى ما هذا الشيئ، لتُطلِق صرخة فزِعة حضرت إبنتِها رُؤىٰ الَّتي كانت قريبة من المطبخ على أثرها، وهرولت نحوها مُتسائِلة بقلق..: 


_في ايه ياماما، بتصوتي ليه؟ 


_شيلي الـ الـ ـزفتة بتاعتك من على رجلي ياحيوانة. 


أجابتها نورا بتلك الكلِمات المُتقطعة من الخوف، فنظرت رُؤى للأسفل نحو قدمي والدِتها، لتجد أن السُحلفاء تقبعُ على قدمِها، فانخفضت للأسفل تلتقِطُها بسُرعة قبل أن تدهسُ عليها والدِتها وتقتلها دون قصد لأنَّها تخافُ منها، وبعد أن إعتدلت في وقفتها، تحدَّثت نورا بنبرة حادة..: 


_الزفتة دي مش عاوزة أشوفها في البيت تاني يازِفتة عشان مارميهاش من الشباك وأرميكي وراها. 


_هتغميها ازاي وانتِ بتخافي تلمسيها ياماما؟ 


سألتها رُؤىٰ وهي تبتسم بسماجة جعلت من غضبِها يتصاعد، فصاحت بها قائِلة..: 


_مابخافش منها ياحيوانة، أنا بس بقرف منها، وبعدين اخر كلام عندي، ولو ماعملتيش اللي قولت عليه يارُؤىٰ هاخد منك الكاميرا ومش هديهالك خالص. 


ضربت رؤى على الأرضية بقدميها بغيظ، وقبل أن تخرُج من المطبخ قالت بحنق..: 


_دا انتي لو مغات أبويا مش هتعملي معايا كده ياظالمة، أنا هلم هدومي وهغوح عند أعيش عند عمتي وفيغوز، عشان بيعاملوني بحنان عنك. 


خرجت رُؤىٰ من الشقة وهي تحمل السُلحِفاء قائِلة بحيرة شديدة..: 


_طب هعمل إيه دلوقتي ياغبي "ياربي"... صمتت تُقرِّب السُلحفاء لوجهها مُكملة بعتاب وكأنَّها تُحادِثُ شخصًا يفهمها..: 


_ينفع اللي عملتيه دا يابيلا؟، أهو أمي المُفتغية طغدتنا إحنا الإتنين بسببك وبسبب تهوغك، قوليلي بقى دلوقتي هخبيكي فين.؟ 


أنهت رُؤىٰ حديثها تتنهد بضيق، وقد انتفضت من مكانِها تشهقُ بخضة بعد أن سمعت أحدهُم يقولُ من خلفِها..: 


_بسم الله الرحمن الرحيم.. انتِ ملبوسة ولا إيه..؟ 


إستدارت رُؤىٰ خلفها كي ترى ذلك الأحمق الَّذي فزعها وتُوبخه، لتجِدهُ يوسُف إبن عمها محمود ، فردَّت عليهِ بحدة..: 


_شوفتني حضغتك بشد في شعغي ولا بكلم نفسي ولا حاجة..؟ 


_ايوا انتِ فعلًا كُنتي بتكلمي نفسك دلوقتي.


قالها يُوسف بنبرة ساخِرة، ثُم أكمل ضاحكًا..: 


_وبعدين خُدي هنا، طالما قولتي حضغتك وشعغي يبقى انتي غُؤى اللادغة صح؟ 


رمقتهُ الأخيرة بحنقٍ شديد، وقد تذكرت أنه كان يتنمَّر عليها طوال الوقت وهي صغيرة قبل أن يترك المنزل، فلم ترُد عليهِ وهبطت للأسفل تاركة إياهُ ينفجِر ضاحكًا، ثُم قال بنبرة مُستمتِعة..: 


_دا إحنا أيامنا الجاية هتبقى كُلها عسل.. وتنمُغ. 


❈-❈-❈


وقف محمود أمام غُرفةَ والِده، وإمتدت كفهِ نحو المِقبض ليفتح الباب، إلى إنَّهُ كوَّرها وأعادها لمكانِها مُتردِّدًا في إتخاذِ هذهِ الخُطوة، فأغمضَ عينيهِ وأخذ نفسًا عميقًا وعزم الأمر على إتمامِ هذهِ المُقابلة، وأدارَ المِقبض وفُتحِ الباب، ليُقابلَ أمامهُ جسدُ والدِهُ الجالس على كُرسيَّهِ المُتحرِّك أمام النافِذة ويواليهِ ظهره، ومن الواضِح أنَّهُ شارِد لأنَّهُ لم ينتبه لتحرُّك الباب، فارتجفت كُل ذرة في جسدِه، وعيناهُ قد فضحت الشوق الَّذي يحملهُ قلبهُ تجاهه، ولكنَّهُ يُكابر، واخذتهُ قدماهُ نحو والدِهِ بخطواتٍ بطيئة وكأنَّها تُحاوِل بشتى الطُرق أن تؤخِّر من اللقاء، وبعد أن وقف خلفهُ تاركًا إنشاتٍ صغيرة تفصِل بينهُم، حاول أن يفتحَ فمهِ ويتحدث، ولكنَّ الثمانية والعِشرونَ حرفًا الَّذين سيُكوِّن بهِمُ الكلِمات الَّتي سينطِقُها قد نساهُم فبدى كمن الَّذي فقد النُطق، لكن وبدونِ سابقِ إنذار تحرَّك الكُرسي الَّذي يجلسُ عليهِ والدِهِ بفعلِ كفيهِ الَّلتانِ حرَّكتان العجلات مُستديرًا ليتقابلا وجهً لوجه، وكانت عيناي يعقوب تذرُف الدموعَ بكثرة، وبدى وكأنَّهُ كان يبكي منذُ مُدة، فازدرد محمود ريقهُ بصعوبةٍ بالِغة، وقد تحدَّث يعقُوب بنبرة مُرتجِفة رغم إبتسامتهِ الَّتي نمت على محياهُ فرِحًا لقُدومه..: 


_من أول مالباب إتفتح وأنا مُتأكِّد إن اللي دخل هو انت، ومهما وصفتلك سعادتي بإنك رجعت تاني مش هتعبر عن اللي جوايا. 


ظهرت بسمة مُتهكِّمة على شفتي محمود مما قالهُ والدِهُ قبل أن يرُد قائِلًا..: 


_غريبة فعلًا.  


_هو إيه اللي غريبة؟ 


سألهُ يعقُوب بحاجبين معقودين، فأجاب ساخِرًا..: 


_إنك مبسوط بإني رجعت، معَ إنك انت اللي راميني برا البيت بعد ما صدَّقت من الغريب إني حرامي وبسرق محلَّاتك اللي أنا  شيلتُهم سنين على كتافي وكبَّرتُهم في السوق...ولا إيه يابويا؟. 


_كان ملعوب علينا يابني عشان يوقعوا بينا، وأهو كُل حاجة ظهرت واتكشفت واللي عمل كده خد جزاتُه و... 


قاطعهُ محمود من إكمال باقية حديثهُ بقولِه المُحتد..: 


_أيوا فعلًا كل حاجة ظهرت ومن ضمنهُم إنك ماعندكش غالي، 

دا أنا إبنك اللي عاش سنين تحت طوعك، ولما وقع قدامك الورق المضروب كُنت مُنتظر منك إنك تقطَّعُه وتقول لا إبني مايعملش كده حتى ولو جابولك ألف إثبات، بس خلاص خلصت...الأملاك اللي عملت كُل دا أنا سيبتهالكُم كُلها وتُحرم عليا العُمر كُله، والحمدُلله ربنا ماضيعش تعبي على الفاضي وعوَّضني بولدين كِبروا وساندوني. 


نزلت كلِماتُ محمود على يعقُوب كالسياط يجلِدُ داخِلهُ دونَ رحمة، وأغمض عينيهِ مُحاوِلًا التحكُم في الدموع الَّتي تهبِط من عينيهِ دونَ إرادة، ورد عليهِ بنبرة مُتعبة مما سمِعه..: 


_معاك حق في كل كلمة قولتها يابني، وأنا واللهِ ندمت أشد الندم ومش طالب منك غير إنك تنسى وتسامح. 


_اسف، أنا لسا نفسي صعبانة عليا الظلم اللي إتظلمته ومش سهل إنها تعدي..بس ماحدش عارف، يمكن الأيام تداوي.. عن إذنك يابويا. 


إنهى محمود حديثهُ وفر من الغُرفة يمسحُ دموعهُ الَّتي خانته تاركًا أبيهِ يبكي حُزنًا على الظُلم الَّذي إقترفهُ في حق ولدِهِ قديمًا، وقد أخذتهُ ذِكراهُ لذلك اليوم المشؤوم الَّذي ظن بهِ السُّوءَ وافترقا فيه.! 


 يتبع

إلى حين نشر رواية جديدة للكاتبة مريم جمعة، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية