رواية جديدة ليتها تعلم لمريم جمعة - الفصل - 7 - 2 - الإثنين 11/3/2024
قراءة رواية ليتها تعلم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية ليتها تعلم
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة مريم جمعة
الفصل السابع
2
تم النشر يوم الإثنين
منذُ الأمس وهو لم يزور النوم عينيهِ بعد ما فعلهُ يُونس به، ومازال للآن لا يعلم كيف إستطاع معرِفة ميعاد وصول الشُحنة الَّتي كانت في مُنتهى السرِّية، وما أحرقهُ أكثر هو أنه وجد في الصباح صناديقًا ورقية فارغة مُلقاه أمام المحل، وكانت تخُص البِضاعة الَّتي سرقها، ولم يستغرق ثوانٍ في التفكير ليعلم أن يُونس هو الفاعل، وحقًا يتمنى لو يستطيع التخلص منه، لكن الأمر صعب، وهو سيفعل كُل ما بوسعهِ كي ينتهي منه.
_أخيرًا إفتكرتوني يا حلمي باشا.!
أخرجهُ من شرودهِ صوت ذلك الرجل الَّذي قدِم مُرتديًا زيًا أزرق اللون، ومُعظم من حولهُ يرتدون نفس الملابس، فزفُر بضيقٍ وقرفٍ من المكان الكريه، بينما جلس الآخر أمامهُ فسألهُ حلمي بنبرة مُقتضِبة..:
_خير ياحمدي.. عاوز إيه.؟
_بقالكُم 3 شهور قاطعين المصرايف عن مراتي.. مُمكن أعرف السبب؟.
لم يُجيبهُ حلمي بشيئ، فين حين أكملَ حمدي بغضب..:
_لو كُنت ناسي إن أنا هنا في السجن بقالي 14 سنة بعد ما خونت الناس اللي مدولي إيديهم بسببك قُصاد إنك تصرف على عيلتي، فياريت تعرف إن أنا عادي جدًا أروح أقول للحج يعقُوب وإبنه محمود على اللي عملتوه.
_طب وإيه المطلوب عشان تخرس؟.
سألهُ حلمي بنفاذ صبر، فأجابهُ حمدي قائِلًا..:
_مصاريف مراتي وولادي ترجع تاني.
ونهض مُتجهًا نحو أحد العساكِر ليُعيدهُ للزنزانة، بينما أمسك حلمي هاتفهُ وفتحهُ يبحث عن أحد الأرقام، وبعدها وضع الهاتفُ على أُذنيه، وبمجرد ما إن أجاب الطرف الآخر قال هو..:
_عاوزين نخلص على حمدي عشان بدأ يتنطط علينا.
❈-❈-❈
مكوثهِ داخِل المنزل طوال الوقت جعلهُ يشعُر بالضيق والإختناق، فطلب من حفيدتهِ رُؤىٰ الَّتي جاءتهُ لزيارتهِ أن تُساعده على الجلوس على المقعد المُتحرك وتأخذهُ للحديقة، وقد فعلت رُؤىٰ ما طلبهُ منها بصدرٍ رحب، وأخذتهُ للخارِج ليُقابلانِ في الحديقة مودَّة شقيقة رُؤىٰ تتمدَّدُ على بطنها فوق العُشب وتتأملُ السُلحفاء وهي تسيرُ ببطئٍ شديد، ففتحت رُؤىٰ عينيها على مصرعيهِما بصدمة، وإقتربت منها تنتشل السُلحفاء من أمامها قائِلة بغضبٍ شديد..:
_انتِ إيه اللي يخليكي تخغكي بيلا من الصندوق بتاعها ياحيوانة؟.
_أنا بلعب بيها .. مالكيش دعوة.
_بيلا مش للعب ومش بتاعتك عشان تلعبي بيها.. ولو جيتي جمبها تاني يامودَّة أنا هقول لبابا وهخليه يُنفخك وهو كاغهك أصلًا من بعد اللي عملتيه في المدرسة.
أنهت رُؤىٰ حديثها معها وجلست على الأرضية تضعُ السُحلفاء على قدمها، بينما هزت الأخيرة رأسها بلا مُبالاة مُتمتمة..:
_عادي أصلًا.. هخلي يُونس حبيبي يجيبلي واحدة أحلى منها
واقتربت نحو جدِّها الَّذي كان يُتابع حديثهُما ويضحك على مُشاجراتهِم الَّتي لا تنتهي، وعانقتهُ قائِلة..:
_إزيك ياجدُّو.
_حبيبة قلب جدُّو.. عاملة إيه.؟
قالها يعقُوب مُبتسِمًا لها بحنان وهو يُمسد على خُصلاتها، فنظرت لهُ مودَّة بأعيُنها الصغيرتين تُحاول أن تسعطفهُ بقولها..:
_الحمدلله بخير.. هات فلوس بقى عشان أبويا مانع عني المصروف، وبقالي يومين نفسي في كيس كراتيه ومش عارفة أجيبه.
_ماتصدقهاش ياجدو.. دي حغامية ولسا واخدة عشغة جنية من أُمي من شوية.
إعترضت رُؤىٰ بقولها ذاك على كذب شقيقتها، فضحك يعقُوب وإمتد كفِّهِ نحو جيب جلبابه وهو يقُول..:
_روح قلبي تاخُد اللي هي عاوزاه.
ومدَّ لها ورقة نقدية بفئة خمسون جُنيهًا مُردفًا..:
_دي ليكي كُلها يارُوحي.
توسعت أعيُن مودَّة بسعادة كبيرة، وأخذت منه النقود قبل أن تُقبله من وجنتهِ وتُهرولُ للداخل، ونظرت رُؤىٰ لأثرها مُتنهدة بحنق، وقد أبصرت هي وجدها زوجةَ عمِّها محمود، تُخرُج من المنزل، بينما الأخيرة أرادت أن تفر من أمامهما نادمة على إختيارها للمجيئ للحديقة لكنها لن تستطع أن تفعل ذلك حرجًا من وجودِ حماها ورؤيتهِ لها ولا تُسلِّم عليه، فاتجهت نحوهُما تُلقي السلام، وأردفت من بعدهِما ببسمة بسيطة..:
_حضرتك عامل إيه ياعمي.؟
_مش كويس ياحنان من ساعة مامشيتوا ولسا لحد دلوقتي ماسامحتونيش.
أشفقت حنان بشدة على حُزنه الشديد وندمهِ الظاهران في نبرتهِ ووجهه، فردَّت عليه بصدق..:
_حضرتك ماعملتليش أي حاجة غلط عشان أسامحك عليها.. وواللهِ أنا من ناحيتي مافيش حاجة.. بس زعلانة على محمود والظُلم والإفترا اللي إتعرضله.
_طب قوليلي أعمل إيه طيب عشان يسامحني ياحنان.
تنهدت حنان بعجز ولم تدري بماذا تقول.. فقد بائت كُل محاولاتِها في جعل زوجها يُسامح والدهِ بالفشل، ونفذت الحلول لديها، بينما نهضت رُؤىٰ وتحركت مُبتعدة عنهُما تاركة إياهُما يتحدثانِ على راحتهِما دون تطفل منهُما، وقد عقدت حاجبيها مُستغربة عندما أبصرت فيروز تقفُ في أحد زوايا الحديقة وتتحدثُ في الهاتف، فاقتربت منها بفضول لتعرِف مع من تتحدث، فنبرتها الخافضة تجعلها غير قادرة على سماعها، بينما أزالت فيروز الهاتف من على أذنيها سريعًا دون أن تُغلقه عندما شعرت بخطواتِ أحدٍ يقترب من خلفها، فالتفتت لتجدُ أمامها رُؤىٰ، وقد إبتسمت تسألُها ببعضٍ من التوتر..:
_خير يا رُوئة في حاجة؟.
_بتكلمي مين.؟
باغتتها رُؤىٰ بسُؤالها فجأةً مما جعلها تبتلع ريقها بصعوبة، وأجابتها كاذبة..:
_دي واحدة زميلتي إتعرفت عليها في الكُلية وكده.
ووضعت الهاتف مرة أُخرى على أُذنها مُردفة تحت نظراتِ رُؤىٰ المُتشككة..:
_طب سلام بقى يا أميرة.. هكلمك بعدين.
❈-❈-❈
بعد أن قابل هارون في المخزن واتجها بعدها للشركة ليُنجزا بعض الأعمال.. عاد أخيرًا للمنزل، وصعد للطابق الثاني مُتجهًا نحو غُرفتهِ كي ينال قسطًا من الراحة، فقابل في طريقهِ شقيقتهِ الَّتي خرجت من غُرفتها المُلتصِقة بخاصته وعندما رأتهُ إقتربت منهُ قائِلة بهدوء..:
_إزيك يانبيل.
_أنا تمام يانُوران.. هدخل أنام شوية عشان هلكان.
_أنا هروح عند بيت هارون اللي في الجمالية.
باغتتهُ نُوران بقولها ذاك آملة في رد فعلٍ منهُ يحث على إهتمامهُ بها، لكنَّهُ فاجئها يقول..:
_ماشي روحي.
_هو عادي كده تسيبني أروح؟.
سألتهُ نُوران بِعدم تصديق، وعاودت تُردف بحُزنٍ شديد..:
_أنا كُنت متوقعة تسألني ليه هروح وتُرفض إني أروح عند حد يربطني بيه دبلة إنت السبب فيها، بس كالعادة مافيش إهتمام.. أنا فِعلًا طِلعت يتيمة يانبيل.
_طب إنتِ عاوزة إيه طيب عشان عاوز أنام.؟
سألها نبيل نبرة أظهر فيها مدى ملله وآلمت نُوران أكثر، فأعطتهُ بسمة باهِتة تُجيبه..:
_ولا حاجة.. نوم الهنا.
وتركتهُ وذهبت من أمامهِ بإنهاك نفسي يتراكم عليها أكثر فأكثر وأحد أسبابهِ تجاهلهِ لوجودها.. إنه لم يُكلف حتى النظر لوجهها ورؤية الشحوب المُسيطر عليها.!
❈-❈-❈
مكالمة هاتفية أتتها ودامت لعشر دقائق قلبت كيانها، وتبدلت سعادتها لضيقٍ وتشتت، فارتدت حجابها واتجهت للشُرفة عندما إزداد إختناقُها، وصعدت على جدار الشُرفة وجلست عليه دون خوف، وربعت قدماها وكوبت وجنتيها بكفيها تنظُر للحديقة بشرودٍ، وبين الثانية والأُخرى تُطلق تنهيدة قوية تنُم عن حيرتها، فاقتحم أحدهُم خُلوتِها معَ نفسها من الشُرفة الأُخرى المُجاوِرة لها بقولهِ الساخر..:
_هو للدرجاتي خُسارة قضية تخليكي تفكري في الإنتحار.؟
ورغم حُزنها نظرت له تُرد عليه بسلاطةِ لسانِها المعهودة..:
_إتكلم عن نفسك يابابا، مش زهراء بنت طارق البدوي اللي تخسر، عشان كلمة خسارة مش في قاموسها.
وأنهت حديثها تعودُ لوضعها الَّذي كانت عليهِ قبلًا، فحمحم يحُك رأسهُ يُريدُ بشدة سؤالِها عن ماجعلها حزينة هكذا ولكنَّ لسانهُ يعجزُ عن القول، فحسم الأمرَ بعد ثوانٍ وسألها..:
_طب إيه اللي مزعلك ومخليكي قاعدة كده.؟
_إيه دا!..خالد باشا بنفسُه قلقان عليا؟.
_لا مش لدرجة القلق يعني لإنك أصلًا آخر واحدة أقلق عليها.. أنا بس بسأل من باب الفضول مش أكتر.
صراحتهُ تلك تُصيبها بالجنون، وتمنت أن تُمسك برأسهِ وتضربها بالجدار عدة مرَّات كي تُهشمها، ولكن مايمعنُها أنها ستدخُل من أجلهِ السجن وهو لا يستحق، فنظرت للأمام مُتحدثة بهدوء..:
_عمي لسا مكلمني من شوية وعاوزني أروح أقضي عندهُم أول إسبوعين في رمضان عشان تيتا وأعمامي عاوزين يشوفني وكده.
_طب وإيه المانع في كده.؟
_الورث.
جعد خالد حاجبيهِ مُردِّدًا بنبرة مُتعجِّبة..:
_ورث.!!
ضحكت زهراء قبل تُردِف ساخِرة..:
_ ما تفكرش إنهُم عاوزني أروح عندهُم من باب صلة الرحِم وعشان أنا بنت أخوهُم الميت وكده.. لو كان دا السبب ماكانوش هيسيبوني لجوز أُمي سامي يربيني، كُل الحِكاية إنهُم عاوزين يلهفوا الورث بتاعي وأنا مش هناولهالهُم
إن شاء الله.
هز خالد رأسهُ مُتفهِّمًا بعدما إتضحت لهُ الصورة كاملة، بينما ضحكت زهراء مرة أُخرى فاستغرب ضحكِها لتقُول هي..:
_مش واخد بالك من حاجة؟.
_إيه هي؟.
_إننا أول مرة من سنين نتكلم بهدوء.
شاركها خالد ضحكِها وأعقب بقوله..:
_فعلًا.. بس دي حاجة مش هتكرر تاني عشان انتِ لسانك مابينفعش معاه الهدوء.
_ماشي يابن خالي.. تسنيم هِنا؟.
_لا قاعدة تحت في الجنينة معَ ذِكرىٰ باين.
هزت زهراء رأسها، وهبطت من على الجدار وخرجت تارِكة إياه دُون أن تُضيف شيئًا، بينما في الأسفل..
زفُرت ذِكرىٰ للمرة الَّتي لاتعلمُ عددها وهي تُجاورُ تلك الجالسة تنظُر لِعتمة السماء على الأُرجوحة، ولكنها لم تعُد تحتمِلُ الوضع فصاحت فجأةً..:
_لا كده كتير بجد.. هو انتِ جايباني عشان تُسكتي وأكلم أنا نفسي ولا إيه؟.
_إسكُتي ياذِكرىٰ بالله عليكي عشان الواحد زهقان ومخنوق.
_طب مع نفسك بقى أنا هقوم..
وكادت أن تنهضَ وتتركُها، فوجدت زهراء تُقبل عليهِما، لتُعاود هي الجلوسَ مرةً أُخرى بسعادة مُردفة..:
_طب الحمدُلله زهراء جت وهلاقي حد يتكلم معايا.
وإلتصقت بتسنيم تُفسح مكانًا لها، فجلست الأخيرة بجوارِها شاخصة أبصارِها هي الأُخرى للسماء، فتحدثت ذِكرىٰ بنبرة حانِقة..:
_طب الأُستاذة تسنيم متخانقة معَ نُوح وعذرت سكُوتها.. إنتِ بقى مالك إن شاء الله.؟
_إزيكُم يابنات.. عاملين إيه.؟
نظر الثلاثة لصاحب الجُملة الَّذي كان صاحبُها يُوسف، وقد إصطدمت ذِكرىٰ بعين من يُجاورهُ فأخفضت بصرها سريعًا تنظُر للأرض وهي تبتلع ريقها بتوتر، وتركت زهراء وتسنيم يرُدَّانِ على يُوسف، بينما خللت زهراء بصرها بين الأخوين والحقيبة المُتوسطة الَّتي يُمسكها هارون تسألهُما بفضول..:
_إنتوا كنتُوا فين كده.؟
مسَّد يُوسف عنقهُ بأصابعهُ يُجيبها بإنهاك..:
_كُنا في القاهِرة، كُل بيشوف شُغله وجبنا معانا شوية حاجات تبعنا من البيت.
هزَّت زهراء رأسها بتفهُّم، واستأذن الإثنينِ وابتعدا عن مرماهُما، ونظرت تسنيم لذِكرىٰ تسألها مُمازِحة..:
_هي عدوىٰ الصمت إتنقلتلك إنتِ ولا إيه.؟
وعندما لم تُجيبها غمزت زهراء لتسنيم تسألُها بعينيها عن سبب حُزنها المُفاجئ الواضح على قسماتِ وجهها، فكذبت تسنيم تُهز رأسها دِلالةً على عدم معرفتها، وإمتدت كفها نحو خاصة ذِكرىٰ تُمسكه، ووضعت رأسها على كتفها، ووضعت زهراء هي الأُخرى رأسها على كتف ذِكرىٰ من الناحية الأُخرىٰ، والصمت الخارِجي يعُم في الخارج، بينما بداخلِ كُل واحدة منهُما يُقامُ حروب عاتية.
❈-❈-❈
عندما وصل هارون ويُوسف لشقَّتهِم، ولج يُوسف للداخِل، بينما بقى هارون خارِجًا عندما أتتهُ مُكالمة من نُوران، فوضع الهاتِف على أُذنيه يُجيبُ قائِلًا ببسمة مُفتعلة..:
_إزيك يانُوران عاملة إيه.؟
_أنا بخير.
وبدون مُقدِّمات أردفت تُكمل بهدوء..:
_أنا جايالك الجمالية.
يتبع