رواية جديدة ليتها تعلم لمريم جمعة - الفصل - 8 - 3 - الجمعة 15/3/2024
قراءة رواية ليتها تعلم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية ليتها تعلم
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة مريم جمعة
الفصل الثامن
3
تم النشر يوم الجمعة
إحتراق..
وصفٌ قليل للمشاعر الَّتي تدورُ بداخِلهِ بسبب البث المُباشِر الَّذي يُشاهدُ فيهِ خطيبتهُ وهو يجلس برفقةِ أصدقائهِ بعد أدائِهم لصلاة التراويح تضحكُ بنبرة أقرب للميُوعة وهي تقرأُ أحد التعليقات، والكارثة أن التعليق لشابٍ كتب فيهِ تغزُّلًا بها، وهُناك سُؤالٌ يدورُ بداخله، "ألِهذهِ الدرجة لا تكن لهُ أي إعتبارٍ وإحترامٍ له!."
_إحنا جايين نُقعد معَ بعضنا ياغالي على فكرة مش نبُص في التلِفونات.
أخرجهُ قول هارون المُوجَّه لهُ من بُؤرةِ تفكيره، وكان ردِّهِ بسمة باهِته فقط وأغلق هاتفهُ ووضعهُ على الطاولة وأخذ يُتابعُ أحاديث الشباب دون أن يندمِج معهُم، وقد لاحظ هارون إمتعاضِ وجههِ الظاهر بسبب الضغوطات الَّتي تعرَّض لها اليوم، وجاءت خطيبتهُ وأكملت عليه، فسألهُ قائِلًا..:
_مالك يابن سالم.. قالب وشك كده ليه.؟
_تلاقي خطيبته منكدة عليه.. نسوان مابيجيش وراهُم غير الهم.
هتف بها نُوح حانقًا بعد أن إقتحم جلستهِم وهو يحملُ بين يديهِ صنية تضُم عدة أكوابٍ تكفي لعددهم من مشروب البُرتقال ووضعهُ على الطاولة الَّتي يلتفون حولها، وبعد أن جلس على المقعد الوحيد المُجاور لـ يُونس وشادي أردف ببسمة واسِعة..:
_منورين المطعم والله ياجماعة.
وفور ما أن أنهى حديثهُ جذبهُ يُونس من تلبابِ قميصهِ مُتحدِّثًا بنبرة تحذيرية..:
_عارف لو بتقصد بالنسوان النكدية أُختي يانُوح.. مش هسيب نفر في الجمالية غير لما أعرفُه إننا مسمينك خُوخة.
شتمهُ نُوح بغيظٍ من تذكيرهِ لهُ بأكثرَ إسمٍ يبغضهُ، بينما سأل هارون شادي مرة أُخرى..:
_برضوا ماقولتلناش مالك؟.
خلل شادي أصابعهُ داخِلَ خُصلاتهِ بقُوة قبل أن يُطلق تنهيدة ويُجيبهُ بإختناق..:
_من فترة صُغيرة الشركة اللي أنا بشتغل فيها صاحِبها مقدرش يسد القروض اللي عليها فباعها لمُستثمر أجنبي.. وإنهاردة سرَّح 500 موظف وكُنت أنا منهُم.
حزن الشبابُ كثيرًا على ما أصابه، وتحدث كريم في مُحاولة منهُ لإيجادِ حلٍ له..:
_طب ما تدوَّر على شِركة تانية عادي.. المُحاسبين مطلوبين كتير، وأنا مُمكن أساعدك تلاقي شِركة.
هز شادي رأسهُ نافِيًا، ورد عليهِ قائِلًا بيأس..:
مش هينفع.. أنا لو روحت شركة تانية هيخلوني أتدرب كام شهر بملاليم حتى ولو أنا كُنت شغال في شركة قبل كده بقالي سنين، وأنا الأيام محتاج لفلوس كتير عشان أدفع باقي حق الشقة وأكمِّل تجهيز للجوازة اللي قرَّبِت.. أنا حاسس إن الدُنيا بتقفل كُل بيبانها في وشي وبتجاهدني بكُل قوة عشان أفشل.
وهذهِ المرة تدخَّل يُونس يُأنبهُ بقوله..:
_وليه ماتقولش رايد إن دا يحصل لسبب مُعين مانعرفوهش!.. إعتبر إن الشر اللي بيحصلك فيه خير وراه وهيظهرلك قُريب بس إنت ما تعترضش على أمرُه واصبُر شوية عادي مش هينقصلك لا إيد ولا رجل.
نكس شادي رأسهُ قليلًا للأسفل بخجلٍ من نفسهِ وعدم رضاهُ على ما كُتِب له، ورد بخفوات..:
_ونعم بالله.
ثُم أخذ يستمِعُ لـ يُونس الَّذي عاود يُتابعُ مُكمِلًا حديثه..:
_لو على الشّّغلانة فـ أنا محتاج مُحساب عندنا في المحل اللي في الجمالية.. وما أظُنش إني لا هلاقي حد آمين ولا أحسن منك ياصاحبي.
أعطاهُ شادي نظره مُمتنة على عرضهِ الجيد كثيرًا له، ولكنهُ كان مُتردِّدًا في القبول ويحتاجُ لجلسة بمُفردهِ ليُفكِّر بالأمر، وشعر يُونس بتردُّده فقال..:
_وبرضوا شوف وفكَّر براحتك.. عشان أنا عارف إن مش سهل عليك تتحول لمُوظف مُحاسب في شركة لـمُحاسب في محل عِطارة.
_أظُن إن إحنا لقينا تقريبًا حل لـمُشكلة شادي، بس فيه شباب كتيرة مالية البلد كده زيُّه بقوا عواطلية عايشين ليل نهار على القهاوي وشُكك كمان بسبب إن مُعظم الشركات المصرية راحت للأجانِب وشرَّدتهُم.. وحرفيًا الأجانب سيطروا على حاجات كتيرة في مصر.. ومصر بقِت دلوقتي بتتباع حتة حتة وإحنا عاملين نفسنا مش واخدين بالنا وساكتين.
هز كريم رأسهُ مُؤيِّدًا حديث خالد هو وباقية الشباب وأعقب قائِلًا بأسى..:
_فعلًا والله.. ربنا يتولانا برحمتهُ.
خيَّم الصمتُ على الطاولة، وكُل واحدٍ غرق في تفكيره لبعضٍ من الثواني، وقد قطعهُ نُوح بصياحهِ الحانق..:
_واقفة رمضان دي ولا واقفة في ميِّت ياجدعان.. دا أنا لو مُت مش هتقعدوا في عزايا ساكتين كده.
ولأول مرة تحدَّث يُوسف في الجلسة يرُد عليهِ مُمازحًا..:
_ياعم إن شاء الله لما ربنا ياخدك هنبقى نيجي نُقعد نتساير على قبرك عشان عارفين إنك بتحب الزن زي عينيك وندعي كمان عليك.
_إمشي يلا من هنا بعد الشر عليا.
قالها نُوح بنبرة مُغتاظة وهو ينهض من مِقعده، وأخذ يُوزِّعُ أكواب عصير البُرتقال عليهم مُردِفًا..:
_هو انتوا مكسوفين تمِدُّوا إيديكُم ولا إيه؟.. دا حتى أنا كارِمكُم وجايبهولكُم ببلاش.
رمقهُ كريم بقرف وهو يأخُذ منهُ كوب العصير، ثُم قال..:
_إفضل بقى ذل في اللي جابونا عشان مفكر نفسك بكوباية العصير اللي جايبهالنا إنك حاطط فيها بدل السُكر دهب يابخيل.
وثُم نقل بصرهُ نحو الشباب مُكملًا حديثهُ بمحبة صادِقة..:
_والله ياجدعان الواحد مش عارف يوصف سعادته بالتجمع الجميل دا رغم إن شادي بوظه بإكتئابهُ.. وكُل سنة وانتوا طيبين
❈-❈-❈
تجمُّع عائلي مُكون ثلاثةِ أفراد غُصِب عليهِ إثنان والثالثُ هو من أقامهُ رغمًا عنهُم بعد أن جمَّعهُم داخِل غُرفة المعيشة وأغلق الباب على ثلاثتِهما وأخفى المُفتاح تحت إعتراضهِم الشديد، وبعد أن وجد إن الهدوء الخارِجي قد سيطر عليهِم أخيرًا جلس أمامهِم وبادرَ بالحديث قائِلًا..:
_أنا إبتديت أزهق من التفكك اللي إحنا عايشين فيه بقالنا سنين دا، وجه الوقت اللي نحُط فيه النُقط من على أول السطور، وكُل واحد فينا يقول اللي عنده عشان نصفي اللي بينا.
_بابا لو سمحت أنا مرتاحة كده.. وياريت تفتح الباب عشان ورايا حاجات أهم محتاجة أعملها.
ردت عليه ذِكرىٰ بتلك الكلمات بضجر، وكادت أن تنهض من مكانِها فأوقفها هاتِفًا بحدة لأول مرة تظهرُ منه..:
_أقعدي ياذِكرىٰ مكانك بدل ما قسمًا بالله هيحصل مني فعل مش هيعجبك.
وكأن قول ولدِها بنزيًا سُكِب على النيران المُشتعلة بداخلِها فاحترقت أكثر وجعلها تتحدثُ مُخرِجة مابداخلها بإنفعالٍ شديد..:
_بس أنا مش عاوزة أقعُد معاكُم ولا عاوزة أواجه وعاوزة أعيش لوحدي بعيد عنكُم عشان إنتوا أكتر ناس في حياتي بتإذوني وخصوصًا انتِ..
أشارت ذِكرىٰ في آخرِ حديثها على والدتِها وتابعت بحُرقة..:
_أنا كرهت عيشتي بسببك وبسبب مُعاملتك وسيطرتك على حياتي..
وقلَّدت نبرتها وهي تقول..:
_ انتِ هتدخلي الكلية اللي فريد كان نفسه يدخلها قبل مايمُوت لما يكبر، وهتعملي زي مافريد ما كان بيعمل، واللي هقولك عليه تعمليه زي مافريد ما كان بيسمع كلامي، وعاوزاكي تبقي أحسن من ولاد عمك زي ماكُنت بتمنى لفريد..
طب فين أنا وفين شخصيتي وفين أحلامي اللي كان نفسي أحققها، دا أنا ياريتني كُنت مُت بدالُه.
وماكان من والدِتها إلا أن نهضت تقفُ أمامها وصفعتها بقُوة، وأتبعت ترُد عليها قائلة بقسوة تحت صدمة الأُخرىٰ بما فعلته..:
_اه، ياريتك انتِ اللي كُنتي ميتة مش هو.. على الأقل كُنت زعلت عليكي شوية وهو كان هيعوضني، وكفاية إنك السبب في موتُه وحرماني منه وأنا قاعدة ساكتة ماتكلمتش ولا نسيتي؟.
يتبع