رواية جديدة ليتها تعلم لمريم جمعة - الفصل - 12 - 2 - السبت 27/4/2024
قراءة رواية ليتها تعلم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية ليتها تعلم
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة مريم جمعة
الفصل الثاني عشر
2
تم النشر يوم السبت
خرج شادي من منزلهِ الصغيرُ المُتواضِع بعد أن جاء وقت ميعاد العمل، وسار نحو المحل الَّذي سيعملُ فيه إبتداءً من اليوم بخطواتٍ مُتثاقلة سببُها عدم رغبتهِ في العمل بمحل رغم أنهُ ظل يُفكر لأيَّام، ولكن رغمًا عنهُ سيعملُ فيه لِأجل أنَّ هذا العملُ يعتبرُ الخيارُ الوحيد بدلًا من أن يظلُّ جالِسًا في منزله عاطِلًا ويأكُل من تُراب أرضيته، ومشكُورٌ يُونس لأنَّهُ ساعدهُ رغم أن هذا ليس فرضًا عليه وخصص لهُ في المحل وظيفة تُناسبُ تخصصه، فواجِب عليه أن يقبل ويرضى بالقليل، حتى يفُوز الكثير..
أجفل شادي من شرُوده بعد أن وقفت قدماهُ أمام المحل، وإرتفعت عيناهُ نحو اليافِطة المُنتصفة أعلى المحل وتحمِل إسم "الأصلي" المنقوش عليها بشمُوخ وهيبة شعر بِهم، وما إن خطت قدماهُ للداخِل وقعت عيناهُ على يُونس يقفُ في مُنتصف المحل وينصُت للعامِل الَّذي يُحادثه بإهتمام، وقد إقترب منهُما وحمحم مُلقيًا السلام، فرد الإثنين عليهِ وبعد ذهاب العامِل من أمامهِما إبتسم يُونس مُربَّتًا على كتفه وهو يقُول..:
_أهلًا بيك بين عيلة الأصلي.
بادلهُ شادي الإبتسام دون أن يقُول شيئًا، في حين تابع يُونس يسأله..:
_تِحب تروح أوضة مكتبك ولا تتفرج على المحل الأول؟.
كاد شادي أن يفتح فاهُ ليُجيبه، ولكنَّهُ توقَّف عندما تناهى لمسمعهِ هو ويُونس صوتٌ أنُوثي من خلفهِما يقُول..:
_معلم يُونس.
إلتفت يُونس خلفهُ وتبعهُ شادي، فوجدا أمامهُما فتاة أوشك حجابها الأسود أن يقع من على رأسها وطلاءٍ أحمر قاتم لطخت بها شفتيها بشكلٍ مُستفِز، وقد أخفض يُونس بصرهُ وسألها بخشُونة..:
_خير يا آنسة؟.
وعلى الفور بعد أن أنهى ماقالهُ علت ضحكاتِها الرفيعة مما جعل الإثنين ينظُرانِ لها بتعجُّب، ورفعت هي إحدى حاجبيها وهي تقُول..:
_آنسة إيه بس ضحكتني والله.. أنا متجوِّزة أربع مرات.
فغر شادي فاههُ مصدومًا، في حين ضم يُونس ذراعيهِ أمام صدرهِ ورد عليها باستنكارٍ تام..:
_أيوا يعني وأنا مالي بجوزات حضرتك الأربعة!!!.
أخفت الفتاة إحراجها ببسمتها الَّتي أجادت رسمها، وغيَّرت دفة الحديث بقولِها..:
_ما علينا.. أنا كُنت جاية لحضرتك في موضوع.
_خير؟.
_أنا لسا فاتحة محل بقالة صُغير على القد على بُعد شارعين من المحل، وعاوزة من عندكُم بهارات وتوابل بالجُملة.
_تمام تقدري تروحي لعمي وائِل اللي هناك دا وهو هيتعامِل معاكِ.
أنهى يُونس حديثهُ يُشير لوائِل الوقِف في أحد زاويا المحل ويتحدث في هاتفه، فهزت الفتاة رأسها وسارت مُبتعِدة عنهُم بعبائتها السوداء الَّتي تُظهر معالم جسدها بوضوح، فتنهد يُونس بضيقٍ أصابهُ منذُ رؤيتهِ لتلك الفتاة، وتحرَّك برِفقةِ شادي للداخِل غيرُ مُنتبهًا بتاتًا لتلك الَّتي جاءت قبل قليل من أجل أن ترى والدِها، وعندما وجدت يُونس يقِفُ مع فتاة أخذت تُراقبهُما وهي تقفُ على أعتاب المحل بملامِح واجِمة بشدة.
❈-❈-❈
ساعة كامِلة مرَّت عليهِ كـ دهرًا وهو يجلسُ على الأريكة المُتواجِدة في غُرفة معيشة شقَّتهِم دون أن يتحرَّك قيد أنملة، وكُل دقيقة عيناهُ ترتفِع من على الأرض وتنظُر لغُرفتهِ الَّتي ترقُد ذِكرىٰ بداخلها بناءً على طلبها ورغبتها الشديدة في عدم الصعود لشقَّتها والمُكوثِ عندهُم، ومنذُ أن رآى حالتِها وهي في المشفى والندم والحُزن ينهشانِ دواخلهِ دون رحمة لأنَّهُ أهملها في الفترة الآخيرة وتركها تُعاني بمُفردِها..
إشتكت قدماهُ بوجع من عدم تحركها لفترة طويلة، فنهض وتحرَّك نحو غُرفتهُ ورفع كفَّهُ يطرقُ على الباب بخفة قبل أن يفتحه، ثُم ولج للداخِل فوجد الغُرفة لايظهرُ منها شيئ بسبب العتمة الَّتي تُحاوطها من كُل جانب بسبب الستائر والنوافذ المُغلقة بإحكام مما جعل يداهُ تمتد نحو المِقبس وفتح أحد الأنوار، فتبين لهُ جسد ذِكرىٰ المُتكوم أسفل الغطاء، فاقترب منها وجلس بجوارها على الفراش، وأخذ يُمسد على خُصلاتِها بحنان، ففتحت ذِكرى عينيها على إثر لمسته وتطلعت لهُ بصمتٍ قطعهُ بسؤاله..:
_عاملة إيه دلوقتي؟.
_الحمدلله أحسن.
كذبت ذِكرىٰ في إجابتها كي لا يقلق عليها أكثر، وفي الحقيقة كان جسدها يصرُخ وجعًا وكأن شاحنة عِملاقة دهستها رغم أنها أخذت مُسكنًا قوي، ولكنَّهُ فشل في خفض آلامِها، وقد إنتبهت لهُ وهو يُعاود سؤالها بنبرة حزينة لِما هي عليه..:
_مالك ياذِكرىٰ؟.. الموضوع مش إغماء بس من خوفك لما كُنتِ في أوضة العمليات، أنا حاسس إن في حاجة أكبر من كده!.
تحركت ذِكرىٰ بصعوبة لتعتدل جالسة، فعاونها نُوح بلهفة وردت عليهِ بعدها بصوتٍ مُتعب..:
_نُوح مُمكن ما أقولش حاجة دلوقتي!.. أنا حقيقي مش قادرة أتكلم خالص.
هز نُوح رأسهُ بتفهُّم دون أن يضغط عليها، وإنحنى يُقبل رأسها وقبل أن ينهض مازحها بقوله..:
_أنا هسيبك ترتاحي شوية قبل ما العيلة تعرف ويطبوا عليكِ ويهروكِ أسئلة.
أعطتهُ ذِكرىٰ بسمة مُمتنة واهِنة لما يفعلهُ معها وعندما خرجَ أغلقت عينيها بألم وهي تُعاود التمدد على الفِراش مُحاولة النوم ولكنَّهُ قد جفاها ولم تنم لثانية منذُ أن خرجت من المشفى، ولكن هدوء الغُرفة جعل بعض الراحة تتسلل إليها قليلًا، ولكنها لم تدوُمَ لوقتٍ طويل، حيثُ إندفع باب الغُرفة فجأةً بفعل تسنيم الَّتي هرولت نحوها وخلفها "زهراء ورُؤىٰ" اللذين علموا للتوا ما حدث لها، وبعد أن جلست تسنيم بجوارها أخذت تُلقي عليها وابلًا من الأسئِلة بصوتٍ عالٍ أزعجها..:
_ذِكرىٰ حبيبتي مالك إيه اللي حصلك وإمتى حصلك وليه حصلك؟.
_إيه ياتسنيم.. انتِ لو قاصدة تزوديلي الصُّداع واللهِ ماهتعملي كده.
ثُم ألقت نظره على الفتاتين الأُخرتين اللَّتانِ صعدتا على الفراش يجلسن بجاورِها، وتابعت ذِكرىٰ تسألهُم بإستغراب..:
_بس إنتوا عرفتوا إني تعبت منين؟.. أنا منبهه على نُوح مايجيبش سيرة لحد.
_مودَّة فضحتك ياروحي.
خرجت هذهِ الإجابة من فم زهراء المُرتسم عليه بسمة ساخِرة، في حين أخذت تسنيم تُعاتبها بقولِها..:
_يعني ولو مُودَّة ماكنتش قالتلنا ماكُنتيش هتعرفينا يعني إنك تعبتي؟.. هو ينفع كده يعني!!.
تنهدت ذِكرىٰ بإرهاق وهي تعتدل جالِسة، وردت عليها مُحاولة شرح أسبابها..:
_أنا ماكُنتش عاوزة أقلق حد معايا ياتسنيم.. وأهو أنا قُدامكم أهو مافييش أي حاجة.
_برضوا مش هسيبك غير لما تقوليلي إيه اللي حصلك.
_شوية ضغوطات وتراكمِت على قلة نوم خلوني أفقد الوعي فجأة، وخلاص الحمدُلله أنا بقيت تمام.
إختصرت ذِكرىٰ شرح ماحدث معها بتلك الكلِمات، فربتت رُؤىٰ على قدميها الَّتي تجلسُ بجوارها قائِلة بنبرة حنُونة..:
_ألف سلامة عليكِ ياعيوني.. والحمدُلله إنها جت على قد كده.
إبتسمت ذِكرىٰ لها بوهن، ثُم قالت..:
_خلاص إتطمنتوا عليا والحمدلله أنا تمام.. يلا بقى كُل واحدة تشوف طريقها فين عشان عاوزة أنام.
إنتظرت ذِكرىٰ بعدما أنهت حديثها أن يُنصتوا لما قالته، ولكنها وجدتهُم يتمددون بإرياحية بجوارها، وكانت أعيُن تسنيم تتجول في أنحاء غُرفة نُوح الَّتي تراها لأول مرة بتقييم، ثُم نظرت لرُؤىٰ قائِلة بنبرة مُمتعضة..:
_إيه الأوضة اللي مُنظمة بطريقة أوڤر دي؟، أخوكِ زُوقه وحش أوي يارُؤىٰ.
_أيوا عندك حق.. ماهو عشان كده إختاغك.
أصاب رد رُؤىٰ تسنيم في مقتل، فجذبت الوسادة بقوة من خلف ظهر ذِكرىٰ الَّتي إستطاعت لحاق نفسها قبل أن تصتدم رأسها بظهر الفراش ونظرت لتسنيم بوجهٍ قاتم، بينما قذفت تسنيم الوسادة في وجه رُؤىٰ وأتبعت تقول بنبرة عالية غيرُ مُبالية بأنه هُناك مريضة يلزمُها الراحة والهدوء..:
_انتِ شكلك عاوزاني أقوم عليكِ أجيبك من شعرك يابتاعت الحيوانات يا أُم نُص لسان.
وهُنا لم تستطِع ذِكرىٰ الصمتُ أكثرَ من ذلك، فهتفت بإنفعال..:
_إنتوا جايين تزروني ولا ترفعولي الضغط وتجيبوا أجلي؟.. إطلعوا يلا برة وسيبوني أنـام يامعدومين المفهومية.
❈-❈-❈
على مائِدة طعام الإفطار الَّذي تجمَّعت عليها العائِلة بأكملِها، أخبرهُم يعقُوب بأنَّهُ يُريدُ من جميع الرجال أن يحضروا لشقتهِ بعد صلاة التراويح ولم يُفصح عن سببِ طلبه، وبالفعل إمتثلوا جميعًا لِأمره عدا محمود وولدهِ يُوسف الَّذي إختفى عن الإنظار بعد أن أخبرهُم بأنَّهُ لديه عملٌ هام وجلسوا جميعًا في غُرفة المعيشة الكبيرة مُنتظرين معرفة الأمر الَّذي جمَّعُهم يعقُوب من أجله، نفذ صبر نُوح وهو يستمِعُ لتأفُّف هارون الَّذي يجلسُ بجوارهِ كُل ثانية والأُخرى، فأخذ يشُم ملابسهُ بشك، ثُم سألهُ وهو يرفع إحد حاجبيه..:
_هو أنا ريحتي وحشة ولا حاجة لاسمح الله؟.
عقد هارون حاجبيهِ مُستغرِبًا من سُؤاله الغريب، في حين تابع نُوح موضِّحًا ما قالهُ بنبرة حانِقة..:
_ياعم إنت من ساعة ماقعدت جمبي وانت عمال تنفخ بقرف كده وخليتني أحس إن فيا حاجة مع إني مستحمي الصُّبح بصابونة بريحة من أُم 25 جنيه.
_أيوا صدَّقتك أنا.. ياعم إنت أخرك صابونة سڤانا أم 10 ونُص دا أنا عارفك كويس.
_ماهو من كُتر مانا بنزل لمُستواك الحقير وبتكلم معاك وانت واخد عليا بزيادة.
رد نُوح عليه بتلك الكلِمات المُصاحبة للنبرة المُتعالية، فأشاح هارون ببصره عنه ونقلهُ نحو جدِّه الَّذي قد شرَّف المجلس أخيرًا، وعم الصمتُ في المكان على الفور بعد أن إنتبه البقية لوجوده، وأخذ يعقُوب يبحثُ بين المتواجدين بعينيهِ عن ولدهِ الأكبر، لكن يديه إرتجفتا حُزنًا عندما لم يجده، ورغم ذلك بدأ بالحديث بنبرة بثباتٍ شديدة الثبات..:
_أنا جمَّعتكُم إنهاردة لأجل خبر يُعتبر مُناسبة.
وبعد أن رأى نظرات الترقُّب والفضول باديين في أعيُن الجميع تابعَ مُصرِحًا بالمُفاجئة..:
_في عريس جاي إنهاردة عشان هيتقدِّم لِـ زهراء.
وفي نفس الثانية الَّتي أنهى بها يعقُوب حديثهُ فتحت دهب الباب الَّذي كان يُطرق، وولج شاب طويل القامة مُرتديًا بدلة رسمية أنيقة، وبين يديهِ يحمِلّ باقة زهور مُنتقاة بعناية تدُل على ذوقه الجيد وعُلبة من الشوكولاه ووقف أمام الجميع فجذب أنظارِهم قائِلًا ببسمة زينت محياهُ الوسيم..:
_مساء الخير جميعًا.
❈-❈-❈
داخل غُرفة مكتب كبيرة وفخمة مُتواجِدة في أحد مراكز الشُرطة التابِعة لمدينة القاهِرة، يجلسُ يُوسف الَّذي حضر قبل عِدة دقائق مُقابِلًا لرئيسه الَّذي إستدعاه قبل عدة ساعات، ويديه اليُسرى تُمسك ملفًا ذو غُلافٍ أسود، ثُم مده نحو الآخر وهو يقُول..:
_بعد 3 سنين من البحث والمُراقبة أقدر أقُول إن كُل الأدلة اللي بتثبت التهم بتاعت نبيل المُنهدس موجودة هنا ياسيادة اللوا.. مش ناقِص بس إني أروح أقبِض عليه مُتلبس يوم ميعاد تسليم شُحنة المُخدرات، وبكده نكون نضفنا البلد من وسِخ وعُقبال الباقي.
أخذ اللوء الملف منه وتفحص مابداخله سريعًا، وبعد دقيقة عاد ينظُر ليُوسف وسألهُ بهدُوءٍ تام..:
_وبالنسبة لأخوك؟.
بعد سماع يُوسف هذين الكلمتين، أصبحت عيناهُ أكثر قتامة وحِدة وتعالت أنفاسه الغاضِبة، وحقًا إن رآهُ أحدٌ يعرِفهُ لن يُصدِّق أن هذا هو نفس يُوسف الحنون الطيب الَّذي لا تُفارق البسمة ثُغرهُ أبدًا، وبنبرة جامِدة أجاب..:
_زيُّه زي أي مُتهم إرتكَب جريمة ولازم يتحاسِب عليها، أنا لو بتعامِل في شُغلي بعواطفي مش بالقانون ماكُنتش دخلت شُرطة وقعدت جمب والدِتي أفضل.