رواية جديدة اليمامة والطاووس (روقة) لمنى الفولي - الفصل 9 - الخميس 16/5/2024
قراءة رواية اليمامة والطاووس (روقة) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية اليمامة والطاووس (روقة)
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة منى الفولي
الفصل التاسع
تم النشر يوم الخميس
16/5/2024
انهى ياسين محادثته الهاتفية وهو متعجب من ملامح زوجته المنقبضة لتهتف محتدة بمجرد إنهاءه المحادثة: أنت بتكلم مين، وأيه حكاية السواق دي بقى؟
أجابها ياسين بتلقائية: زي ما سمعتي يا سولي باكلم رامز على سواق كان مكلمني أشوفله شغل، ففكرت نجيبه لدروس نوجا.
هدرت بثورة مفاجأة: هي للدرجة دي بقيت تقيلة عليكم وبدوروا على أي حد ترموا حملها عليه.
تفاجأ ياسين بثورتها، ليتسائل بدهشة: أيه اللي بتقوليه ده.
زادت ثورتها غير المبررة وهي تدور حوله بعصبية: اللي أنا باقوله ولا اللي أنت بتعمله، وأنت جايب واحد من الشارع تأمنه عليها.
صدم ياسين من كلماتها ليبادلها حدتها وهو ينهرها صائحا: شارع أيه باقولك ده من طرف رامز.
ضحكت ساخرة وهي تصيح متهكمة: لا بدل من طرف رامز نجوزهاله بقى.
لا يدري ما بها ولم تتحدث بتلك الطريقة فخفت حدته وهي يحاول سبر أغوارها: أنت بتتكلمي كده ليه دي مش أول مرة نجيب لها سواق لما الظروف تبقى ملخبطة.
اتسعت عينيها بصدمة للحظات ولكن سرعان ما غطتهما بكفيها وهي تنتحب باكية: ده كان قبل ما اصحى كل يوم على أخبار الخطف والاغتصاب، أنا دلوقتي بتجنن لما بتنزل الصبح لوحدها من الخوف عليها، نجوى أختي اللي مليش غيرها وبنتي اللي مش هاخلف غيرها.
رغم أن كلماتها أصابت جرحه الغائر أصابة قاسية إلا أنه اقترب يحتويها بين ذراعيه محاولا تهدئتها، هو لا يعلم سر ما انتابها، ولكنه يعلم بأن عليه إلغاء فكرة السائق حاليا.
.................
ارتفع صوت ياسين مناديا سلوى ولكن قطع نداءه بعدما وجدها تشير له بالكف عن إزعاجها لتكمل محادثتها بهاتفها باهتمام بالغ: اتصرف يا فتحي، اقنعهم أن القاعة محتاجة اصلاحات، أو أن حصل مشكلة في الكمبيوتر والحجز اتلغى لوحده وأنك هتعوضهم وأنا مستعدة لأي تعويض ده غير حلاوتك طبعا، المهم أني محتاجة القاعة في الميعاد ده بأي شكل وأي تمن.
انفرجت أساريرها مما يوحي بأنها تلقت وعدا يرضيها، لتهتف بحماس: وأنا عيني ليك، أنت بس بلغني أن القاعة لي وأنا تحت أمرك.
انهت محادثتها فسألها ياسين بحيرة: أنت مش كنت ضد مبدأ الفرح وحتى لما لاقيت وقت فرحه قاعة معقولة منعتيني أقوله وقولتي مصاريف ووجع قلب على الفاضي.
نظرت إليه بطريقة غريبة لم يفهمها ولم يرتاح لها رغم هدوء نبرتها: أنت بتقارن مين بمين، نجوى الأسيوطي متتقارنيش بحد، والفرح ده جزء من حقها اللي أتأخر ده غير حقوق تانية كتير، بس معلش كله بأوانه.
قطب حاجبيه وهو يتسايل بحيرة: حقوق أيه.
اختفت نظرتها الغامضة لتبتسم بود وهي تردف بنعومة: حقها في أنها تفرح يا قلبي خصوصا وأنت شايف ظروف الجوازة.
...............
هتف ياسين معترضا وهو يلوح بيده بعصبية: أزاي يعني ابعت لهم حاجتها من غير ماهما يطلبوا ولا ياسر يقرر، أنا كده بلغيه وبصغره.
ضغطت على حروف كلماتها وهي تتحدث بنعومة: لا يا قلبي أنت كده بتحافظ عليه مش بتلغيه، تقدر تقولي بعد مارمى عليها اليمين ببيت أبوها، لسه متصلوش ليه لحد دلوقتي ينهوا الموقف ويطالبوا بحقوقها إلا لو كان لسه عندهم أمل، ولا عشان الظروف اضطرت نوجا أنها توافق على كتب الكتاب من غير ما تشترط عليه أنه ميردهاش رخصت نفسها، وممكن تصحى تلاقي نفسها زوجة تانية، ومع مين مع اللي سؤت سمعتها وكسرت فرحتها.
تمتم بتوتر مفكرا بوجهة نظرها: لا ياسر ميعملهش، وبعدين لو سمعت كلامك هاقوله أيه، هو مش صغير عشان اتحكم فيه وأقرر بداله.
حركت كتفيها بلا مبالاة مقتربة منه واضعة يديها على كتفيه، وهي تردف بخفوت: وأنت مالك، قولوا أن هما اللي اتصلوا بيك وطلبوا حقوقها، وأنت اتصرفت عشان متعرضهوش لموقف سخيف زي ده.
صعق من كلماتها ودفعه للكذب على أخيه: بس الناس مبعتوش وأنا كده باخدعه.
زاد صوتها خفوت، في نفس الوقت التي بدأت فيه يديها مدلكة كتفيه برفق: بتخدعه لمصلحته، لكن هما هيخدعوه ويخدوا حق مش حقهم، هما ملهمش غير الحاجة اللي كانوا جايبنها، لأنه هو اللي مجهز ومش ماضي على قايمة، فليه نسيبهم يخدوا حقه في نفس الوقت اللي نجوى اتنازلت عن حقها ووافقت تتجوز على حاجته القديمة.
بدا كلامها مقنعا جدا بتلك الحظة خصوصا ويديها تدغدغ أعصابه فغمغم متأوها: آآآآه، ممممم.
...........
جلس واضعا كفيه فوق أذنيه بضياع وهو يستمع لصخبها بالخارج تحركت يداه تفرك وجهه بقوة، وهو ينظر لهاتان اللتان تقفان أمامه تمنعان تحركه: أنتوا عايزين تفهموني أنها كذابة، ومع ذلك عندها الجرأة تيجي لحد هنا وتواجهه بالثقة دي.
لتهتف سلوى بثقة: امال احنا اللي حاولنا نسقطها فعلا، أنت ممكن تصدق حاجة زي دي.
ليصرخ منفعلا: لو كنت مصدق للحظة مكنتش شهدت علشان أخرج نوجا، لكن برضو موقفها ده مش طبيعي، وبعدين متسبوني أخرج لها.
تهدج صوت سلوى وهي تغمغم: لأني عارفة اللي هي عايزه.
غمغم ياسين بحيرة: هو أيه ده اللي هي عايزه.
تحشرج صوتها وهي تغمغم بخفوت: من أسبوعين أنا سمعت دعاء بتكلم واحدة صاحبتها وبتقولها انها عايزة تنزل البيبي، وأنها لسه ملحقتش تتمتع وتنبسط بحياتها، ده غير دراستها اللي هتتعطل، ومش ذنبها أنك مبتخلفش ومستعجل أنها تجيب ولد تعوض بيه ناقصك، وأن كل اللي مخوفها هو ياسر لو عرف، بس هي هتفكر في طريقة تخلي الموضوع وكأنه كان غصب عنها، وقتها أنا من خضتي وقعت الكوباية من إيدي وهي اتخضت، أنا حاولت ابين أني مسمعتش حاجة عشان مدخلش نفسي في مشاكل بس متخيلتش أنها تحاول تورطني أنا واختي في اللي ناوية عليه، عشان حتى لو اتكلمت محدش يصدقني، ومش بعيد لو خرجت لها دلوقتي ترمي نفسها على الأرض وتقول أن أنت كمان عايز تسقطها.
تصنم مصدوما بما يسمع لينتزع نفسه من صدمته مردفا بحسم: تحلفوا على المصحف.
اتعشت شفتي سلوى بينما ارتجف جسد زوجته وهي تغمغم بلوم: بتكدبني يا ياسين.
أجابها منفعلا: أنا شهدت على كلامك يا سلوى، يا تحلفي ياهحلفها هي.
امتدت يدها المرتجفة التي فسرها بانفاعالها لتكذيبه لها، ممسكة بذلك المصحف فوق الطاولة، وهي تقسم على صدقها لتناوله بعدها لشقيقتها لتقسم بدورها وهي تنتحب.
أرتاح لقسمهما حتى أنه لم يبالي برنين الجرس المتصل مقترنا بصوت زوجة أخيه الثائر: افتح يا دكتور، أنا عارفة أنك جوه، افتح وقولي نجوى كانت معاك أزاي.
ليفاجأ بصوت أخيه الثائر: أنت اتجننتي يا دعاء، هي حصلت للي أنت بتعمليه ده.
ليصدم بوقحتها ومجابهتها لشقيقه وهي تهدر بحقد: حصلت يا ياسر، لما خطافة الرجالة دي تكذبني وتصدقها، يبقى أنا كان عندي حق، والحكاية مش أخوات وكلام فارغ، ويا عالم وصلت لأيه يخلي الهانم عايزة تسقطني.
استمع لصوت صفعة شقيقه لها، حاول الخروج للفض بينهما، لتمنعه سلوى الغاضبة وهي تخبره بأنها لن تفتح الباب لتلك الغادرة، ليتجه لغرفته غير راغب بإثارة حنقها بعد إجبارها على القسم.
................
كان ينظر بحنان لتلك المشتريات الرائعة وذلك المهد المميز، ليصله اتصال من زوجته ليجيبها بمرح: أيوه يا سلوى أما أنا أشتريت شوية.....
لتقاطعه صرخة زوجته الملتاعة: الحقني يا ياسين، دعاء هتسجن نجوى.
صرخ بصدمة: أنت بتقولي أيه.
صرخت بهيستريا: المجنونة فاكرة أنها بينها وبين ياسر حاجة وعايزة تنتقم منها، عشان خاطري يا ياسين قول أنها كانت معاك ومتخليهاش تأذيها.
صاح مستنكرا: أزاي بس يا سلوى، مينفعش طبعا، احنا نطلب شهادة المدرس وهو يشهد....
صرخت بهيستريا: أنت عايز تفضح البنت بين زمايلها، ومدرس مين ده اللي هيودي نفسه بسين وجيم عشان طالبة عنده.
حاول تهدئتها: يا سلوى أفهمي أنا...
قاطعته بصوت واهن: لو أختي جرى حاجة عمري ماهسامحك يا ياسين، عمري ماهسامحك...
زفر بضيق: طيب احكيلي اللي حصل وأنا هاحاول اتصرف، ياسلوى، يا سلوى.
نداها أكثر من مرة بلا مجيب، لتزداد اضطرابه وهو يستمع لصوت سيدة تصرخ: الحق يا دكتور، دي بتنزف.
لينتفض قلبه بين ضلوعه وهو يسرع بسيارته بجنون
❈-❈-❈
{ولا أيه رأيك يا دكتور.}
انتبه من دومته على تساؤل عمر الذي لا يعرف عن أي شيئ يدور، ليتسائل بحيرة: رأيي في أيه.
هتف عمر: أقنعه معايا يسمع نصيحة علي ويمشي من هنا فورا.
أمأ برأسه ايجابا وهو يغمغم هامسا بإجهاد: أكيد طبعا.
صاح ياسر متآوها: بس يا ياسين...
هتف عمر معترضا: مبسش، سيبك منه يادكتور أهم حاجة تشوف مكان متكونش المدام تعرفه.
ابتسم ياسين متهكما مغمغما بمرارة: مفيش حاجة أو مكان يخصني سلوى متعرفهوش.
طالعه عمر بإشفاق لحالته، متطاوعا وقد أدرك بأن حالته تلك لن تعينه على حسن التصرف بموقف كهذا: خلاص أنا هاتصرف، في دماغي مكان ملناش أي علاقة بيه ومعتقدش أن ممكن حد يوصل له
ثواني بس أعمل مكالمة كده وأشوف هينفع ولا لا.
القى كلماته وهو يتجه للخارج متطلعا بهاتفه، تطلع ياسر لشقيقه زائغ العينين متهربا من مواجهته، ليسأله بحزن: أنت زعلان مني يا ياسين.
همس ياسين، محاولا التماسك مخفيا ما يعاني من ألم بدني طارئ: هو أنت عملت حاجة تزعل، وحتى لو عملت، أنا عمري ما أزعل منك، أنت اللي متزعلش مني، أنا انضحك علي، مش هينفع أشرح لك دلوقتي لأني لازم أمشي عشان مينفعش نبقى مع بعض عشان محدش يوصلك، هاطمن عليك من عمر، خالي بالك من نفسك.
تحرك ببطء تجاه الباب، واضعا يده فوق كتفه الأيسر مقاوما شعوره بالغثيان، محاولا ألا تظهر على محياه آثار ذلك الألم بالجانب الأيسر من صدره وأحساسه بذلك الضغط الممتد إلى كتفه الأيسر وأسفل رقبته كمؤشر لا يخفى على طبيب مثله بإصابته بذبحة صدرية، تحتاج لتدخل طبي سريع، خشية أن تؤثر معرفة أخيه بمصابه على قراره بالاختفاء.
بمجرد خروجه استند للحائط ينهج بإجهاد لينتبه له عمر الذي كان ينهي محادثته للتو، ليهرول له مساندا وهو يهتف بجزع: مالك يا دكتور.
ضغط ياسين على يده يحذره من ارتفاع صوته: شششش وطي صوتك لياسر يسمعك، لاقيت مكان ولا معرفتش تتصرف.
أمأ عمر ايجابا: لا الحمد لله ربنا يسرها، والنهاردة بإذن الله هيكون في مكان محدش يقدر يوصله، المهم نشوف حضرتك دلوقتي.
تأوه ياسين وهو معترضا: ملكش دعوة بيا أنا مستشفى وكل اللي هنا يعرفوني ومعايا، خليك معه هو وطمني عليه وأوعى تقوله أي حاجة لميرضاش يمشي ويمسكوه.
أطاعه عمر واكتفى بأن أطمئن على وصول صديقه الطبيب والاهتمام الجم الذي شمله به، ليعود إدراجه لصديقه محاولا أن ألا يشعره بتوتره، وهو يهتف بمرح مصطنع: حظك في السما لاقيت لك حتة أنما أيه شمس وخضرة، حاجة كده ترد الروح.
لم يبالي ياسر بتلك الأخبار وهو يغمغم بحزن: ياسين سابني يا عمر ومشي، تفتكر زعلان مني.
صاح به عمر موبخا: قوم ياعم وسيبك من الهبل ده، الدكتور مشي عشان محدش يعرف مكانك عن طريقه، وبعدين مفيش وقت للكلام ده، لسه عايزين نشتريلك هدوم لأن مش هينفع نقرب من شقتك.
تم الأمر سريعا وقاما بشراء حقيبة وضعا بها الملابس التي اشتريها، لينطلقا بعدها بسيارة عمر لمسافة طويلة حتى وصلا لمشارف إحدى القرى الريفية، ليوقف عمر السيارة على أطراف أحد حقول الذرة مواريا السيارة عن الأنظار قدر المستطاع، موضحا: دقايق وزينهم هيجي، ومتقلقش خالص هو عامل حسابه على كل حاجة.
تسائل ياسر بقلق: هو مين زينهم ده؟
وضح عمر بهدوء: ده شاب طيب جدا وغلبان، اتعرفنا عليه من فترة
سأله متوترا: وهو عارف أنا جي ليه، والظروف وكده لا بنورطه معنا من غير ما يعرف.
هتف عمر مستنكرا: لا طبعا عارف كل حاجة وموافق، أصل لينا جميل عنده ويتمنى يخدمنا وبعدين أنت مش مجرم ولا سوابق، غمة وتنزاح بإذن الله.
توقفت بالجوار دراجة بخارية ذات كابينة خلفية، ليهتف عمر متحمسا: ده التروسيكل بتاع زينهم يلا بينا.
ترجلا من السيارة ليقترب ذلك الشاب البسيط من عمر مرحبا: يا مرحب يامرحب أزيك يا أستاذ عمر وأزاي علي باشا، مرحب يا أستاذ.
بادله عمر التحية بود، وهو يغمغم معتذرا: تعبتك يا زينهم وتقلت عليك، ولولا أن ياسر أخويا ومتأكد منه عمري ما كنت استسامحتك تخبيه عندك لحد ماربنا يحلها من عنده.
اجابه زينهم بشهامة: رقبتي سدادة يا أستاذ كفاية أنه من طرفكم، ده أنتوا خيركم مغرقني، ولولاكم ربنا وحده يعلم كان زماني فين.
عمر معترضا: أنت أصيل وابن حلال، وجميلك ده أنا مش هانسهولك، [محتضنا صديقه] خلي بالك منه ده أخويا مش صاحبي.
ابتسم له زينهم مطمئنا: في عيني وفوق راسي.
ودع الصديقان بعضهما ليخرج زينهم جلبابا يأمر ياسر بارتداءه بينما وضع حقيبته الأنيقة داخل جوال ليتمدد بجوارها داخل الكابينة حيث قاد زينهم الدراجة حتى وصلا لذلك المنزل لتيسلل خلف زينهم دون أن يلاحظه أحد.
❈-❈-❈
انتهت تلك الذكرى التي ظل يجترها أكثر من مرة بما فيها من خداع، ورغم غضبه الحديث لغفلته وتلاعبهم به، لكن شقت ابتسامة خفيفة ملامحه، بعد تأكده من براءة محبوبته من كل ما نسبوه لها، فحبيبته لما تكن منقوصة متشككة، بل هما من زرعوا بذور الشك بقلبها ورواها هو بانسياقه لهم، لم تكن متجبرة تلقى التهم جزافا، بل هم من احكموا خطتهم مستغلتين حب أخيه وثقته، لم تكن متخلية كل ما يهمها المال، بل متعففة لا تهتم لسواه، ولكن هو من سمح لهم بخداع وتشويه صورتها بعينيه، ولكن أراد الله إظهار الحقيقة، وعادت صورتها نقية مبهجة، وهو يسترجع كل لحظاتهما سويا دون لوم أو عتاب إلا لنفسه على غفلتها.
انتبه لذلك الصوت الصادر من الغرفة دالا على استيقاظ مضيفه، ليطالعه وجه الشاب المبتسم يحيه بخفوت: صباح الخير يا أستاذ ياسر، نمت كويس.
ابتسم مجاملا فليس من اللياقة أن يشتكي غطيطه أو قسوة الفراش الذي تركه إكراما له وجودا باقصى ما يملك: الحمد لله، بس متنمش على الأرض تاني أنا مبنامش بليل، فأنت نام مكانك وأنا هنام بعد ماتنزل على الأقل معملش صوت وحد يسمعني.
شهق الشاب بفزع وقد انتبه لموقعه بجوار السور، ليهمس متوترا: أنت جيت هنا أزاي، مش قولنا مش هتقف جنب السور.
طمئنه ياسر هادئا: متقلقش أنا جيت زاحف على إيدي، مقوفتش خالص، انا مش ممكن أأذيك بعد وقفتك معايا.
تنحنح الشاب محرجا: لا أنا خايفك عليك أنت، أصل أستاذ عمر موصي عليك جامد.
ابتسم له ياسر بود: متخافش، أنا هاخد بالي ومش هاعمل أي حاجة تأذيني أو تأذيك.
ابتسم الشاب متجها للدرج هامسا: طيب أنا نازل تؤمرني بحاجة أجيبها وانا جاي.
أمأ له نافيا وهو يهمس ممتنا: كتر خيرك.
ليرجع زينهم ثانية وهو يهمس بحرج مشيرا للحائط المتكأ ياسر على جانبه: معلش بس خلي بالك دي حيطة المنور، والصوت فيه بيسمع، خصوصا أن فيه شبابيك المطابخ.
ابتسم له ياسر مطمئنا، لينصرف الشاب محرجا، تاركا ياسر عائدا لبحر الذكريات، تتلقفه امواج متلاطمة من الحيرة، يكاد يغرق بالحسرة والندم.
انتزع فزعا من ذكرياته انتزاعا على ذلك الصوت المدوي الذي لم يكن سوى (زغرودة) تبعتها ضحكة ناعمة وصوت رقيق يهتف بغنج: أطلعوا يا نسوان يا محبوسة، أظهري يا أختي أنت وهي، كل الرجالة خرجوا خلاص، وزينهم قفل الباب وراه بالجنزير.
ليستمع لصوت مرح ذو نبرة هادئة: صباح الخير يا بطوطة أنت مش هتعقلي أبدا، وترحمينا من زغرودة كل يوم اللي بتصرعنا دي.
دوت ضحكة فجة وصوت عالي: ياختي سيبيها تزغرط براحتها.
ضحكت صاحبة الزغرودة المدعوة ببطوطة بغنج: يانصفاني ورافعة معنوياتي يا شوشو يا عسل.
ارتفع صوت حاد أقرب للطفولة: صباح الخير يا قمرات.
(ارتفعت أصواتهم المتداخلة ترد تحياتها لتستطرد) أمال تونة لسه مظهرتش
ضحكت بطوطة مازحة: والله أنت طيبة يا هناء، هي دي هتظهر دلوقتي، دي تلاقيها مطبقة على النت من امبارح
أرتفع صوت شوشو: ياختي يا بختها بتصحى بمزاجها وتنام بمزاجها لاملزمة بلقمة راجل ولا نقاره
لترد عليها بطوطة بميوعة: وهي الواحدة ليها قيمة وهي قاعدة وشها في الحيط كده من غير جوزها.
شوشو متهكمة: أنا عن نفسي ما برتاحش ألا وهو نازل وفي أيده العيال للمدرسة، خليه قاعد في وشك ياختي بس لما يقلب عليكي عشان المحروسة أمه ماتبقيش تيجي تعيطلنا
لترد عليها ذات النبرة الهادئة: ياشيخة اتقي الله.
تأففت شوشو ممتعضة: حاضر يا ست روقة.
أجابتها تلك الروقة ذات النبرة الهادئة: حضر لك الخير يا شوشو.
تسائلت ذات الصوت الطفولي: والله أنا ماعارفة أيه حكاية روقة دي معاكي، رانيا تبقى روني مش روقة.
شوشو متهكمة: هي عارفة أصلها بتفكرني بنورا في فيلم العار طيبة كده ومولعة صوابعها العشرة شمع وهو مثبتها بكلمتين وأول ما تتعب ولا تقع هيقول زي كمال في الفيلم معرفهاش.
صاحت بطوطة بلهفة: فال الله ولا فالك يا شوشو، ربنا يحفظها.
اندفعت شوشو بعصبية: هو أنا بدعي عليها، أنا بوعيها، عصر حريم السلطان انتهى، واحنا مبيقناش جواري.
ارتفع صوت رانيا مستنكرة: وهي اللي تراعي بيتها وتحافظ عليه تبقى جارية، اللي بيحب حد بيبقى مبسوط وهو بيعمله اللي بيحبه .
ارتسمت ابتسامة مريرة على شفتيه، يتذكر تفاني دعاء بخدمته، وغباءه حين اقتنع بحديث سلوى عن كون ذلك يرجع لبيئتها المتدنية، ليشعر بمدى التشابه بين سلوى وشوشو التي وصله صوتها الذي استشعر الغيرة النابضة بحروفه: مش القصد بس كله بالعقل، لكن أنت مزودها الصراحة، وغسان اللي أنت قايدله صوابعك العشرة شمع، هو أول واحد هيلومك وينكد عليكي عيشتك لو قصرتي في حاجة من الدلع اللي عودتيه عليه بعد ما بقى حق مكتسب.
رانيا برضا: غسان مش كده، وحتى لو كده فأنا باعامل ربنا وباعمل اللي أقدر عليه..
ارتفع صوت مجهد لم يتخلص بعد من آثار النعاس: صباح الخير يا حلوين، بتتشاكلوا ليه على الصبح.
ردت شوشو متهكمة: لا ده العادي، دي روقة بس بدأت محاضرة كيف تسعدين زوجك بدري شوية.
تجاهلت رانيا سخريتها ملاحظة الإجهاد البادي بصوت فاتن: مالك يا تونة؟
تثأبت فاتن بإجهاد: كنت مطابقة مع صاحبتي وصاحية مقريفة.
ضحكت شوشو: وأنا اللي قولت قلبك حن وصحيتي بدري تفطري مع الباشا أون لاين عشان روقة أعصابها تهدى.
تمتمت فاتن براحة: لا الحمد لله ربنا هداه وبطل زن.
سألتها شوشو بفضول: أزاي يعني؟
زفرت فاتن براحة وهي تتمتم بلامبالاة: اتعود بقى وشالني من دماغه وبطل يزن في حكاية الصحيان بدري والفطار معه وشغل العيال ده.
اعترضت رانيا متعجبة: هو لما الراجل يكون حاسس بوحدة ومتغرب عشان مستقبلكم وكل اللي طالبه منك أنك تصحي يتونس بالكلام معكي وهو بيفطر ويجهز نفسه للشغل اللي هينطحن فيه يبقى شغل عيال.
هل كانت دعاء تشعر بالغربة ببيته أيضا، فلطالما أخبرته بحاجتها للونس، ولكنه لم يبالي، وكان بنفس غباء فاتن التي كانت اجابتها ببفس ضيق أفقه وهو يظن الأمر مجرد محاولة لفرض السيطرة: لا يبقى تحكم والسلام مش كفاية اتجوزني وسابني لوحدي لا كمان عايز يصحيني وينيمني على مزاجه، ولو على الونس أدينا بنتكلم أول ما بيرجع لحد لما بينام وبنتغدى سوا كمان.
غمغمت شوشو متشككة: هو صحيح أنا شجعتك لما قعد يزن على موضوع الصحيان، وقلت اتقلي واعمليلك شخصية بس الموضوع كده ميطمنش.
تساءلت فاتن بحيرة: أزاي يعني؟!
ضحكت شوشو مستمتعة بإثارة فضولهم: أصل يا حبيبتي الرجالة زي العيال الصغيرة، ولما العيل يبطل زن فجأة كده، مش لازم يكون أتعود.
صاحت هناء بفضول كطفلة صغيرة أمسكت بأحجية: أمال معناه أيه؟
أجابتها شوشو بخبث بلهجة ذات مغزى: ممكن يكون في طنط أديته حاجة حلوة، وقالتله هاخدك باي.
صرخت فاتن بصدمة: أيه؟
أسرعت رانيا تحاول تهدئتها: لا طبعا أستاذ هاشم راجل محترم، ومش وش كده ده غير أنه بيحب فاتن واتغرب وعمل المستحيل عشان يتجوزها.
هتفت شوشو معترضة: مش مهم الرجل يكون بيحب الست ويتعب عشان يتجوزها ماهو ده الطبيعي، الأهم أنه يفضل فاكر تعبه ومقدر فوزه بيها وعايز يحافظ عليه مش حاجة كان شبطان فيها وخلاص وبعد ما بقيت بتعته ينسى كل ده ويسمح لأي حد غيرها أنه يتدخل ما بينهم ويفرقهم.
أصابت عبارتها ياسر بمقتل، لينكس رأسه بخزي برغم عدم معرفتهن بسماعه لهن أو حتى بوجوده، ولكن يكفي أنه يعرف، يعرف كم تلهف واحتال حتى تكن له بأقصى سرعة فقد كان هذا المهم بالنسبة له وقتها، لكنه نسي الأهم كما وصفته شوشو، نسي لهفته وتعبه للفوز بها، بعدما حصل على مبتاغاه لم يحافظ عليها كما يجب وسمح لشياطين الأنس بالتدخل بينهم وتفريقهم، ولكن رغم خطأه فهي لم تكن يوما مجرد رغبة تملكته وزهدها بعد أن امتلكها، فدعاء هي حب عمره، ربما أساء معاملتها ولكنه لم يسئ أبدا فهم مشاعره تجاهها.
انفصل عن الحوار الدائر أسفله وقد أصابه الدوار من قلة النوم وكثرة التفكير، فانسحب زحفا باتجاه غرفة زينهم، ينشد قليلا من راحة يعلم بأنه لن ينالها كاملة إلا باستعادتها هي بحياته.
❈-❈-❈
تحركت نجوى بعصبية ذهابا وايابا، بغرفة المستشفى، لتصرخ بها سلوى بضيق: أهدي بقى خيلتيني.
التفتت لها نجوى غاضبة: أنا اللي مش فاهمة أنت هادية كده أزاي.
صاحت بها سلوى حانقة: واحنا في ايدنا أيه نعمله.
صرخت نجوى بوجهها مهتاجة: وأنت كنتي عايزة تعملي أيه تاني، كفاية اللي عملتيه، أنت ورطتيني في جريمة.
صرخت بها سلوى بدورها وقد استنفذ صبرها كل ما مرت به: فعلا كفاية قوي اللي أنا عملته، كفاية أني ضيعت عمري عشانكم كلكم ومع ذلك محدش منكم مقدر، لا وكمان شايفين أن أنا اللي غلطانة.
تحركت بهيستريا وهي تغطي أذنيها بكفيها، تبكي ضياع حب لم ولن تنساه: الأول أبوكي مفكرش غير في نفسه، اتجوز خلود وهو عارف أن ده هبيوظ جوازتي أنا ومحمد، وكمان شايف أني عاقة وكارهة سعادته، وماما كل اللي فرق معها أنها ترد له الوجع، من غير ما تفكر فيا وفي مشاعري.
انفجرت فجأة بالبكاء: وانت دلوقتي كمان، بعد كل اللي عملته عشانك، والتضحية اللي ضحيتها جاية تقولي أن ضيعتك و ورطتك في جريمة.
تسمرت نجوى وقد أخرجتها ثورة شقيقتها من حالة الهيستريا المسيطرة عليها، لتتطلع لشقيقتها بحيرة لا تعلم أيهما أضاعت الأخرى.
أخرجها من حيرتها تلك الطرقات على باب غرفتهما، لتمسح سلوى دموعها معدلة من هندامها وهي تأمر الطارق بالدخول.
ليدخل ذلك الشاب الأنيق مرتديا الزي الرسمي المخصص للمستشفى يحيهما بابتسامة دبلوماسية: مساء الخير يا هوانم، يارب الإقامة عندنا تكون مريحة.
رغم غرابة كلماته وكأنهما بفندق وليس بمستشفى إلا أنها أجابته بمجاملة: شكرا جدا لحضرتك.
قدم إليهم تلك الورقة طالبا منهم بنفس الابتسامة الدبلوماسية: ممكن حضراتكم توقعوالي هنا على استمارة دخول المستشفى.
وقعتا له بهدوء فابتسم مستطردا بلياقة: ياريت لو احتاجتم أي حاجة تبلغونا فورا، معارف سيادة المستشار ليهم عندنا مكانة خاصة جدا.
شكرتاه فانصرف، وما كاد يخرج حتى سمعا طرقة واحدة على الباب، اندفع بعدها ذلك الرجل الأنيق لغرفتهما صارخا: ممكن اعرف أزاي تعملوا فيا كده وتحطوني في موقف زي ده.
انكمشت نجوى بمكانها، بينما انتفضت سلوى مستنكرة: في أيه يا سيادة المستشار وأزاي حضرتك تدخل بالطريقة دي، وموقف أيه اللي حطناك فيه.
حاول التهدئة من غضبه وهو يتمتم بعصبية: حضرتك أزاي متقوليليش أن أختك مش ممكن تخلف.
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة منى الفولي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية