-->

رواية جديدة ليتها تعلم لمريم جمعة - الفصل - 13 - 2 - الخميس 16/5/2024

 

 قراءة رواية ليتها تعلم كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية ليتها تعلم

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة مريم جمعة


الفصل الثالث عشر

3

تم النشر يوم الخميس

16/5/2024


التعب والإنهاك يكادانِ أن يفتكا بهِ بسبب عدم نومِه الليلة الماضية لثانية واحدة، وأيضًا قيادتهِ للسيارة من الجيزة  للقاهِرة مرَّتين مُتتاليتين في ساعاتٍ قليلة، والآن هو لا يُريدُ سِوى أن يرتمي على فراشه ويغطُّ في نومٍ عميق ولن يستيقِظ إلَّا بعدَ إسبوع حينما يأخُذ قِسط راحتهِ التامة... 


إمتدَّت يداهُ نحو باب المنزل الحديدي الخارجي للحديقة يفتحهُ وولج للداخِل بخطواتٍ مُتثاقِلة من الإرهاق، وماكاد أن يخطوا نحو باب المنزل الداخلي، توقَّفت قدماهُ عن التحرُّك عندما لمحت عيناهُ رُؤىٰ الجالسة في مُنتصف الحديقة على الأريكة وتحملُ السُّلحفاء، وبين قدميها المُتربعين تجلسُ قِطَّة، ورغم أنَّهُ يودُّ أن يرتاح كما ذكرتُ قبل قليل لكنه غيَّر مسار خطواتهِ واتجه إليها رغبةً في مُشاكسَتِها في مُحاولةٍ منه إلهاء عقلهُ قليلًا عن الأحداث الصعبة الَّتي يُواجهها في الأوانة الأخيرة، وبعد أن إقترب منها إرتسمت إبتسامة يائسة على وجهه عندما سمعها تُحادِثُ السُّلحفاء بحماس..: 


_دايغة صُحوبيتنا الصُّغننة زادت نفغ ياحبيبة قلبي وبقينا تلاتة.. وإن شاء الله كُلها كام يوم وهغجَّعك تاني الشقة ياغوحي بعد ما أقنع أمي المُفتغية.. بس المُهم عاوزين نشُوف إسم حلو للقطقوطة. 


_سميها يُوسف. 


إستدارت رُؤىٰ برأسها سريعًا تنظُر لهُ مُتفاجئة من وجودِه، ونهضت من مكانها لتقفَ قبالتهُ وأجابتهُ بنبرة مُستهجِنة..: 


_ لما أجيب كلب إن شاءالله هبقى هسميه يُوسف. 


أعطاها يُوسف بسمة صفراء وتحرَّك كفِّهِ الأيمن نحو أحد جيوب بنطالِه، وتابعتهُ أعيُن رُؤىٰ بإستغراب من صمتِه وبما يفعلُه، ولكنَّ أعيُنِها إتسعت على مصرعيهِما وأصدرت شهقة عالية عندما وجدتهُ يُخرِج مُسدِّسًا صغير وهتفت بنبرة شديدة الإنبهار..:


_واو دا مُسدس حقيقي.. 


وتحوَّلت نظراتهِا للإستغراب وأكملت حديثها تسألُه..: 


_بس انت مطلَّعُه ليه؟ 


_عشان أفجغ بيه غاسِك وآخد لسانك اللي كُلُّه دبش وأقطَّعُه وأغميه لقطك وسُلحفتك. 


عقدت رُؤىٰ حاجبيها بضيقٍ شديد ليس سببه تهديده، بل لأنَّهُ يتنمَّرُ على لدغتِها، وعادت تجلسُ بمكانِها دون أن ترُد عليهِ وحملت القِطَّة تضعُها بين أحضانِها وأخذت تُمسِّد على رأسِها، بينما إتجه يُوسف نحو أحد الأرائِك المُقابِلة لها وجلسَ عليه، وعندما وقعت عيناهُ على الكاميرا الموضوعة بجوارِها سألها بإهتمام..:


_بتاعتك الكاميرا دي؟ 


هزَّت رُؤىٰ رأسها للأمام دون إجابة، فعاد يُوسف يسألها مرَّة أُخرى بمُزاح..:


_وعلى كده بقى بتعغفي تصوغي ولا جايباها منظغ وخلاص. 


لم ترُد رُؤىٰ عليه بسبب حنقِها الَّذي قصد إثارته بتقليدهِ ماتقولُه، فضحك بخفواتٍ ثُم قال..: 


_طب ماينفعش تصورِّيني عشان أشوفك فوتوغرافر شاطرة ولا لا! 


_لا ماينفعش عشان الكاميغا هتتلوِّث لما صوغتك تبقى جواها. 


_ماشي مقبولة منك. 


تنهدت رُؤىٰ بقُوة، والتقطت الكاميرا وهي تتحدَّث مُدِّعية قلة الحيلة..: 


_عشان قلبي طيب بس. 


إتسعت إبتسامة يُوسف وإعتدل في جلستهِ واضعًا إحدى قدميهِ فوق الأُخرىٰ بحماس، بينما وضعت رُؤىٰ الكاميرا نُصب عينيها وأخذت تلتقِطُ لهُ عِدَّة صورًا، ويُوسف يُغيِّرُ من وضعية جلوسهِ لتظهر الصور مُختلِفة، وعندما إنتهت رُؤىٰ أخذت تنظُر للصُّور برضا وفخر، ثُم مدَّت الكاميرا نحو يُوسف ليُشاهِدهم هو الآخر، وقد تحدَّث بعد عدة ثوانٍ بنبرة أظهرت مدى إنبهاره بالصور وهو يُقلِّب بينهُم..: 


_لا جامدين بجد. 


_أقل الأقل ماعندي. 


قالتها رُؤىٰ بزهوٍ وغرورٍ شديدين وهي تمسحُ التراب الوهمي من فوق أكتافِها، فرمقها يُوسف ببسمة ساخِرة، وقبل أن ينهضَ قال..:


_أنا طالع عشان نعسان ولما أشوفك تاني هبقى آخد الصور منك.. بس ينفع أطلب كمان طلب؟


_إتفضل.


جز يُوسف على أسنانه يمنعُ نفسهِ عن الضحك، ثُم تحدَّث بنبرة شبه مُتوسلة..: 


_مُمكن عشان خاطري تقولي فوتوغرافر. 


وهذهِ المرة إنفلت صبرها فصرخت بهِ قائِلة..: 


_إمشي يايُوسف بدل ماهقتلك. 


إنفجر يُوسف ضاحِكًا بقُوة وتحرَّك سريعًا مُبتعدًا عنها نحو الداخِل بعد أن رأى موتهِ داخِل عينيها، بينما أخذت رُؤىٰ تتنفَّسُ بحدة وهي تُمتم بخفوات..: 


_حُماغ


وبعد دقيقتين إنطفئ إشتعالها وجذبت من جوارها الطبق المُمتلئ بنبات "الخس"  وأخذت تُطعِم السُّلحفاء وهي تبتسِم بِكُل حُب مُتناسية كُل مافعلهُ يُوسف بها، ولكنَّها للمرة الثانية على التوالي اليوم تتَّسِع عيناها صدمةً عِندما وجدت فيروز قد حضرت فجأةً وجلسَت على الأريِكة المُجاورة لها قبل أن تُحادثُها ببسمة مُفتعلة..: 


_إزيك يا رُوئـة عاملة إيه؟ 


_الحمدُ لله تمام. 


ردَّت عليها رُؤىٰ بملامِح واجِمة حزينة، وحوَّلت بصرها للقطَّة الَّتي غطَّت في نومٍ عميق وداخِلها يودُّ أن ينطلِق لسانِها ويُعاتبها على إبتعادِها المُفاجئ عنها وهي تعلمُ جيدًا أنها صديقتِها الوحيدة، وقد أعطتها عُذر وحدَّثت نفسها أنَّها من المُمكن أن تكون قد جاءت لتجلِس معها وتُعيدُ المياه لمجراها كما السَّابق، ولكنَّها ضحِكت سَاخرة على تفكيرها الأحمق، فـ عندما عادت تنظُر لها وجدتها تُمسِكُ هاتفها فإنتابتها رغبة مُلِحَّة في البُكاء، ولكِنَّها استطاعت أن تتماسك وخرج من فمها كلِمة واحدة..: 


_ليه! 


أبعدت فيروز عينيها عن شاشة الهاتِف ونظرت لها وهي تسألُها بإستغراب..: 


_إيه اللي ليه؟ 


_هو أنا عملت حاجة وحشة تزعلك مني يافيغوز عشان تبعدي عني مغَّة واحدة كده! 


نطقت رُؤىٰ بتلك الكلِمات دُفعة واحدة عندما إعترتها الجراءة فجأةً، فتجعَّدت ملامِحُ فيروز وردَّت عليها تُنفي ما قالته..: 


_لا طبعًا مافيش حاجة من اللي بتقُوليها دي إنتِ هتزعليني في إيه بس! 


_أومال ليه بقيتي بتتهغبي مني وبتبعدي بعد ماكُنا مابنسيبش بعض غيغ وقت النوم، وليه بقيتي ماسكة مُوبايلك كده ليل نهاغ وبدلتيني بيه، وليه مابقيتيش بتحكيلي كُل حاجة زي زمان.. إيه اللي غيغك فجأة كده يافيغوز؟


إرتبكت فيروز بشِدة مما قالتهُ رُؤىٰ لها وظهر ذلك على ملامحها بوضوح، ولكنَّها نطقت مُدافِعة عن نفسها بنبرة حادة..: 


_إيه اللي الكلام اللي بتقوليه دا يا رُؤىٰ، أنا مبعدتش ولا حاجة ودي أوهام منك وكلام فارغ. 


هزَّت رُؤىٰ رأسها ووضعت السُّلحفاء داخِل صندوقها الزُّجاجي ونهضت تحملهُ هو والقطِّة، وقبل أن تذهب من أمامها قالت..:


_تمام زي انتِ شايفة إن كلامي غلط أو بتتهغبي من حاجة زي ماهو واضح، بس خليكِ عاغفة كويس إن الكلام بينا هيبقى بحدود وهتبقي بنت عمتي لا أكتغ ولا أقل، وأتمنى بجد اللي في دماغي مايكونش صح وأكون بفكغ غلط يافيغوز.. عشان لو طلع صح هتخسغي بجد. 


❈-❈-❈

#


إنتهى اليوم الدراسي الَّذي كان عاديًا مثل باقي الأيام بالنسبةِ لها،  وخرجت تسنيم من المدرسة برفقةِ إحدى زملائها وهُما يتسامران في عدة أُمور تخُص مجال الدراسة، وبعد أنِ إفترق كلتاهُما في طريقٍ مُختلف عبرت تسنيم الناحية الأُخرىٰ، وسارت داخِل  شارعٍ ضيق يقفُ في نهايتهِ سائِق العائِلة المُخصَّص لإيصالِ جميع الفتيات للأماكِن الَّذين يقصدونها، وقد أصدرت شهقة قوية إثر الصدمة عندما وجدت من يجذبها من ذراعها بقوة، ولم تُكملها بعد كمم فمها وأوقفها في مكانٍ فارغ من الأشخاص عداهُما، وإحتلت الشراسة قسمات وجه تسنيم فور أن أبصرت وجه الفاعِل الَّذي كان "شريف" ولدُ حلمي، ودفعتهُ بكلتى يديها بأقصى قُوَّتِها مُتحدِّثة بنبرة عالية مُستنكرة..: 


_إنت إيه اللي عملتُه دا ياحيـــــوان، وإزاي تتجرأ وتعمِل معايا كده!!! 


_دا اللي كان لازم يحصل من زمان قبل ماتضيعي مني وياخدك إبن الـ ***


_أضيع منك!! 


رددت تسنيم جُملة من حديثه بإستغراب، وسألتهُ بنبرة مُتهكِّمة..: 


_كُنت لعبة بتلعب بيها ونسيتها على كرسي ولا إيه مش فاهمة! 


سُخريتها منهُ جعل غضبه يتصاعد شيئًا فشيئًا، وبعد أن نجح بصعوبة في إخمادهِ مؤقتًا كي لا يضربها أجابها قائِلًا..: 


_بطلي تريقة وإفهمي بقى إن أنا بحبك.. 


فتحت تسنيم أعيُنها على مصرعيهِما صدمةً مما سمعته منه، وقد إزدادت خاصةً عندما تابعَ حديثهُ بنبرة أظهرت لها أنهُ إنسانٌ مُختل..: 


_أيوا أنا بحبك من زمان وبراقبك وعارِف كُل حاجة عنِّك، ومن ساعة ماتخطبتي لإبن عمك وأنا هتجنن، وبقيت بنتقم منه في شُغله الفترة الأخيرة وبقدَّم في المطعم بتاعُه بلاغات عشان ينشغِل عنك فـ إنتِ تزهقي منه وتسيبيه بس برضوا لازق فيكِ ومش عارف أعمل إيه تاني، ومفاضلش كده غير آخر حل.. 


وأعطاها إبتسامة مجنونة ناطِقًا بآخرِ جُملة في حديثهِ..: 


_هخطفك ياتسنيم. 


إبتلعت تسنيم ريقها الَّذي جف من التوتر إثر ماقاله، ولكنَّها ردَّت عليهِ بثباتٍ تام..:


_ماتقدرش عشان إنت عارف كويس مين إخواتي.. وأعلى مافي خيلك إركبُه وورينا نفسك من فوقيه، وبخصوص إني أسيب نُوح الشخص الوحيد اللي طول عُمري بحبه وأتجوزك إنت فأحِب أقولك إني بشوف مودَّة أصغر حد في عيلتنا أرجل منك. 


أنهت تسنيم حديثها ودفعتهُ مرة أُخرى بقوة، وتحرَّكت مُبتعدة عنهُ بخطواتٍ مُتعجِّلة، وقد إستمعت لهُ وهو يقُولُ خلفها بتوعُّد..: 


_يبقى إستني وإتفرجي على اللي هيحصل قُريب ياتسنيم. 


❈-❈-❈


غُرفة عادية جدًا كـ باقي الغُرف من الخارِج، ولكنَّ صاحبِها الَّذي يقفُ في مُنتصفِها جعلها أشبه بـ خزنة سرِّية لا أحد يجرُؤ على دخُولها سِواهُ فقط لا غير، والسببُ هو تلك الصور الَّتي ملئت جُدران الغُرفة الأربعة بأكملِهم لفتاةٍ واحدة ولكن بوضعيات وأماكن مُختلفة، والفتاةُ تكونُ "ذِكرىٰ"!! 


كانت عيناهُ تتجوَّلانِ بين صُورِها بنظراتٍ إن رآها أي شخصٍ سيجزم أنَّهُ مهووسٌ لا محالة، وهو بالفعل مهووس، ولكِن بها..


يُراقبُها كُل ثانية ودقيقة وساعة عندما تتيحُ لهُ الفُرصة، ويعلمُ حرفيًا كافة تفاصيلها وكُل ماتحُبُّهُ يُحبُّه وماتكرهه يكرهه، وحتى ذوقها في الملابس الَّتي ترتديها يرتدي مثلها ولكن من النُسخة الرِّجالية بالطبع، وتلك الرسائِل الَّتي تجدُها على فراشِها هو من يضعها لها بطريقتهِ الخاصَّة.. 


ظلَّ واقفًا بمكانِهِ لقُرابة النصف ساعة لا يكف عن تحديقهِ بصُورِها دون كللٍ أو ملل وكأنَّهُم تُحف ناذِرة لا يُوجد لها مثيل، وبنبرة تحمِلُ عشقًا وولهًا شديدًا بها تحدَّث وكأنها تقفُ أمامه..: 


_هانت ياذِكرىٰ الرُّوح هانت.. الصبر الإجباري على بُعدك عني أتى بثمِارُه أخيرًا ومفاضلش غير قليل أوي وهتبقي معايا وقُدَّامي طول العُمر بدل ما أنا براقبك من بعيد زي الحرامي ومش عارف أقرَّب منك، ووعد قاطِع مني ليكِ إني هعوَّضك عن كُل اللي شوفتيه. 


❈-❈-❈


_يا نسيبة تعالي إفتحي الباب. 


هتفت بها نُوران الجالِسة في غُرفة المعيشة بصوتٍ عالٍ مُنادية على الخادِمة لتفتح الباب لمن يطرُق عليهِ بقُوة ويضغطُ على زر الجرز في آنٍ واحد، وعندما لم تجد منها ردًا زفُرت بضيقٍ ونهضت من مجلسِها وسارت نحو الباب بخُطى سريعة، ولمَّا فتحتهُ إتسعت عيناها صدمة عندما رأت أمامها هارون ذو الملامِح الَّتي تُنذِر بالشر، وسُرعانٍ ما أطلقت صرخاتٍ مُتألمة حينما جذبها على حينِ غرَّة من خصلاتِها بقوة. 


يتبع

إلى حين نشر رواية جديدة للكاتبة مريم جمعة، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية