-->

رواية جديدة حارة الدخاخني مكتملة لأسماء المصري - الفصل 1 - 3 الجمعة 16/8/2024

  قراءة رواية حارة الدخاخني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى

 




رواية حارة الدخاخني

للكاتبة أسماء المصري


قراءة رواية حارة الدخاخني

 رواية جديدة قيد النشر

من روايات وقصص 

الكاتبة أسماء المصري


الفصل الأول

4


تم النشر يوم الجمعة

18/8/2024

كعادته اليومية ينتهي من عمله ويقف يتابع العمال حتى ينظفوا الدكان الخاص به تنظيفا عميقا لإزالة أي روائح كريهة تنتج عن تنظيف الأسماك وطهوها حتى تظل سمعته بالحارة كأفضل وأنظف محل أسماك بالمنطقة كلها، وبعدها يعود لمنزله يأخذ حماما طويلا منعشا ليزيل عنه رائحة السمك التي تعلق به أحيانا ويرتدي ملابسه العصرية ليتحول من ذاك الرجل ذو الملابس الرثة والغير مهندمة إلى هذا الشاب الأنيق ذو رائحة العطر تملئ أرجاء البناية ويشتمها الجميع.


يوميا بعد انتهائه من عمله وتغييره لملابسه ينزل ليجلس بالمقهى الشعبي برفقة أصدقائه من سكان الحارة، ولكن اليوم هو موعد زيارته لخطيبته كالمتفق عليه مع والدها بزيارة واحدة أسبوعياً لا تتعدى الساعتين.


طرق الباب طرقة خفيفة فهرعت هي لفتحه بوجه بشوش تبتسم له وترحب به:

-ازيك يا أبو علي.


غمز لها يصافحها باشتياق:

-يسمع من بوقك ربنا ونجيبو علي يبقى أول خلفتنا.


ضحكت عاليا رغما عنها ولكنها كتمت صوت ضحاتها فورا عندما خرج والدها لاستقباله:

-منور يا حسن، ادخل واقف بره ليه كده؟


ابتسم بتكلف ودلف مطرقا رأسه حتى لا يجرح قاطني المنزل:

-يارب يا ساتر.


جلس بغرفة الضيوف وجلست سهر بجواره على الأريكة ولكن نظرات والدها لها جعلتها تبتعد لآخر مقعد بالغرفة وكأن هذا لم يكفه فهتف ناظرا لها بنظرات ذات مغذى:

-ما تروحي تساعدي امك في المطبخ.


وقفت فورا وهو يكمل حديثه:

-أصل حماتك مجهزالك عشا انهاردة بمناسبة الموسم.


ارتبك حسن فورا وسعل سعلة صغيرة:

-أنا نسيت حكاية الموسم دي بس كده كده هخلي امي واختي يعدوا عليكم بكره بالموسم يا عمي.


ابتسم أنور بسمة متكلفة:

-عادي يا بني أهو كله لبيتك.


هز رأسه مؤكدا على حديثه وانتهزها فرصة ليضيف:

-طيب يا عمي بمناسبة الموسم بقى ما تخلينا نتكلمو في تجهيزات الجواز و...


قاطعه أنور محتدا:

-جرا ايه يا بني؟ هي كل زياره هتفتحلي نفس السيرة دي؟


وقف يشير له بسبابته وكأنه يملي أوامره عليه:

-قولت كتب الكتاب في القاعة وتجهيزات الجواز هبدأ فيها ع السنه الجاية إن شاء الله أكون سديت اللي عليا في جوازة اختها الكبيرة، ولا عايزني احط دين على دين واتوحل انا!


تنفس حسن عميقا وحاول التحدث بشكل عقلاني عله يتفهم:

-انا مقولتش حاجه يا عمي، وفاهم إنك لسه مفوقتش من جوازة سالي بس أنا كمان عايز اكمل نص ديني وشقتي جاهزة وجبت الأجهزة ومش فاضل غير الأوضتين اللي عليا وانتو كل اللي عليكم الانتريه والرفايع.


صاح أنور محتدا فتركت سهر مساعدة والدتها وهرعت لتتفقد الاجواء:

-يا بني هو أنت فاكر ﻷجل ما جبت الأجهزة كده الجوازة خلصت، البنت لسه عليها الفرش والمطبخ والانتريه والهانم كل ماتنزل تشتري حاجه ترجع جيبالي شنطتين اد كف الايد وتقولي الفلوس خلصت، الرفايع اللي مش عجباك دي بتاكل فلوس اكتر من الاجهزة اللي فرحانلي بيها.


اقتربت سهر من والدها كمحاولة منها لتهدأته ولكنه ظل واقفا يصيح عاليا:

-فلوسك كتير يا أخويا ومستعجل أوي شيل الشيلة كلها واتجوزها من بكره الصبح، هو انا يعني همانع.


أدار وجهه بعيدا عن حماه ممتعضا ونظر لها فترجته بتعابيرها:

-أنت شايف إن دي الأصول يا عمي.


صرخ به أنور:

-والله الشرع بيقول كده، مستعجل جهز أنت.


هز رأسه عدة مرات دلالة على امتعاضه واقترب منه ببطئ وهو يتحدث بهدوء مغاير لما بداخله:

-أنا خاطب سهر من قبل ما سالي تتخطب بس انتو قولتو أختها الكبيره لازم تتجوز الأول ووافقت.


ابتلع ريقه وعاد يكمل:

-قولت فرصه اوضب شقتي توضيب متعملش لحد في الحارة كلها وفعلا استغليت السنتين دول وعملتلها كل اللي اختارته.


زفر أنفاسه الغاضبة وتابع:

-بعد جوازة سالي ما خلصت اتكلمت في كتب كتاب رفضت وجاي دلوقتي بعد 3 سنين تقولي شيل انت، ما كنت شيلت من الاول بقى كنت استنيت ليه كل ده؟


حاول أنور التحدث ولكن حسن لم يمهله الفرصة وتابع:

-بص يا عمي، خلاصة القول.


صر على أسنانه وهو يحدثه:

-أنا هكتب كتاب طالما الموضوع لسه مطول سنه كمان عشان أنا مش هيفضل طوق الخطوبه ده محطوط حوالين رقبتي، اهي تبقى على ذمتي عشان على الأقل أعرف أخرج معاها ﻷنك مانع حتى الخروج، ولو على زيارات البيت فدي معموله عشان العرسان يتعرفوا على بعض ويشوفوا طباعهم هتتوافق مع بعض ولا ﻷ، بس أنا حافظ سهر زي ما هي حفظاني ده عشان كِبرت قدام عنيا ومش محتاج لسه اتعرف عليها بس الواحد يتفسح له يومين قبل الجواز ومسؤلياته اللي هتخلينا منعرفش نرفع راسنا يا عمي.


ابتلع ريقه وأكمل:

-ومن غير حاجه أنا مشغول لشوشتي يعني الخروج مش هيبقى زي ما انت فاكر عمال على بطال بس اهو الواحد يسيب ذكرى لفترة الخطوبة ولو مرتين في السنه.


أخرج دفعة هواء محملة بالكثير من الصبر وسأله:

-ها قولت ايه يا عمي؟


رمقه أنور بنظرات مطولة واقترب منه كثيرا حتى بات ملتصق به والتفت ينظر ﻷبنته وأشار لها بالرحيل ففعلت وهمس له يحذره:

-موافق بس لو حصل أي استهبال منك بحجة انها مراتك يا حسن هبعت أجيب اخواتي من الصعيد ودمك هيبقى حلال.


ضحك حسن عاليا معقبا:

-هتهدر دمي وأنا جوز بنتك؟!


صاح به رافضا:

-لسه بقول ايه وده يقولي جوز بنتك، يا بني أنا كنت شاب وعارف اللي بيحصل فترة كتب الكتاب بحجة انتي مراتي يا بت.


انهار حسن ضاحكا على خفة ظل حماه وأكد له:

-متخافش يا عمي، أنت هتجوز بنتك لراجل بيعرف الأصول فمتقلقش.


جعد جبينه وهو يعقب عليه:

-ما المصيبه إنها شرعا هتكون مراتك بس العرف بيقول ايه؟


أجابه حسن فورا:

-إن الدخله واللذي منه بتكون بموافقة الولي الشرعي وقت الفرح يا عمي، ورحمة ابويا الغالي اني هصون بنتك ومش هدخل عليها إلا بعد الفرح.


❈-❈-❈

ظل ينظر بساعة هاتفه زافرا بضيق وقد تأخرت عن الموعد بأكثر من ساعة وعندما حاول الإتصال بها وجد هاتفها مغلق فتسلل القلق إلى قلبه وهو يدور حول نفسه متخوفا.


تذكر أن اخته الصغرى معها بنفس الدرس فهاتفها ولكنه وجد هاتفها هي الأخرى مغلق فاطمئن قليلا أنهما ربما إلى الآن لم ينتهيا من درسيهما.


لم يمر على آخر محاولة اتصال له سوى بضع دقائق حتى وجدها تخرج من ذلك المنزل برفقة اخته وبعض الفتيات يمزحن ويضحكن:

-ده المستر انهارده كان رايق بشكل.


انتبهت ورد لوقوفه مستندا على سيارة خاصة فالتفتت للفتيات تستأذنهن بلهفة:

-طيب سلام بقى أحسن يوسف زمانه على نار.


ضحكن جميعا وملك تسخر منهما:

-اجري يا اختي اجري واعملي حسابك هم ساعتين أنا مش هفضل مرمية في الشارع لما تخلصوا.


اقترب يوسف منهن بعد أن خلل أصابعه بخاصة حبيبته ورمق أخته بنظرات مطولة يسألها:

-انتي هتقعدي فين لحد ما نخلص؟


أجابت تنظر لصديقتها الأخرى:

-هقعد عند رانيا نذاكر شويه عشان المفروض إن عندنا درس انجليزي عندها.


هز رأسه عدة مرات ومسح على وجهها:

-طيب متنزليش من عندها إلا لما ارنلك عشان آجي اخدك من عند بيتها.


فتح باب السيارة لها فدلفت تضحك بهيستيرية معقبة:

-مستلف من بابا العربية عشان تخرجني بيها! قلبك جامد أوي أنت.


رافعا حاجبا ﻷعلى أجابها:

-المفروض اني رايح اقضي شوية مشاوير للشغل، سيبك انتي بس عشان هاخدك عند ابن البلد اعشيكي عشوة ملوكي.


هزت رأسها باستحسان فقاد لوجهته حتى وصلا وجلس على المائدة وبدأ النادل برص الأطباق وهو شارد بها فابتسمت بخجل تسأله:

-عملت ايه في الشغلانه اللي قولتلي عليها؟


سحب شهيقا عميقا وطرده وهو يجيبها:

-حطيت كل اللي حيلتي وحيلة امي في البضاعة اللي جايه وع الله المكسب بتاعها ينفع اشتري بيه شقه في حته حلوة.


رفضت بتعابيرها ونظرت متفحصة ملامحه التي تعشقها وأخبرته رأيها:

-ﻷ طبعا، المكسب هتحطه على راس المال عشان تكبر البضاعه اكتر واكتر ومتفكرش لا تشتري شقه ولا عربيه ولا محل حتى إلا لما تعمل مبلغ حلو يعليك في نظر أبويا.


أدار وجهه بعيدا عن نظراتها ممتعضا:

-إذا أنتي نفسك شيفاني صغير يبقى ابوكي عمره ما هيشوفني غير الصبي بتاعه.


تركت مقعدها الذي أمامه وجلست بالمقعد الملاصق له ومسكت راحته تهمس بحب:

-انا بحبك يا يوسف بس مش عايزه الحب يعمي عنيا زي ما حصل في اخواتي البنات وفي الآخر أديك شوفت اللي حصل لهم.


دمعت عينيها قليلا وهي تضيف:

-انا مش هقدر اخسرك وابويا لو رفضك هيجوزني ﻷول عريس يتقدم ويشوفه مناسب وطبعا العريس المناسب من وجهة نظره هو واحد راسه براس ابويا زي ما راح جوز اخواتي الاتنين لولاد شريكه وأنت أكيد عارف المرار اللي عايشينه معاهم.


مسحت عبراتها العالقة بجفنيها وأكملت:

-جنب شغلهم في الممنوعات حياتهم كلها شرب ونسوان وحاجه قرف وكل واحده من اخواتي بتتمنى الموت كل ليله قبل ما يرجع جوزها سكران طينه ويطلعه عليها، وابويا ولا هامه طالما بيصب في مصلحة الشغل في النهاية، فأنت بقى لازم تروحله لما تبقى قادر تقف قصاده مش جنبه وخلاص.


حاول مناقشتها:

٠-بس...


قاطعته قبل أن يكمل:

-أنا قولتلك من الأول يا يوسف إن ابويا مستحيل يقبل بيك إلا لو بقيت تاجر ليك اسمك وسمعتك زيه وأحسن وأنت اللي مش راضي تدخل معاه في الشغل التاني عشان تكبر بسرعه.


صاح بها بحدة:

-عيزاني اتاجر في المخدرات عشان انفع اناسبه؟ انتي اتجننتي؟


بكت رغما عنها ممسكة براحته تتوسله:

-قولتلك اعمل بس شوية فلوس عشان يوافق عليك ولو موافقش اهو يبقى معاك اللي نهرب بيه بعيد وميعرفش يلاقينا، لكن أنت فاكر إن شويه الدخان المتهرب ده هيجيبلك الملايين اللي هتخليك تقدر تناسب رشوان الدخاخني! لو فاكر كده تبقى بتحلم يا يوسف وفكرك أنت إن أبويا عشان سايبنا عايشين في الحارة يبقى فلوسه على أده؟ أنت عارف ابويا معاه كام وعنده أملاك اد ايه؟


أومأ يؤكد لها معرفته فتابعت:

-يعني عارف كويس أنه عايش في الحارة بس عشان يبقى جنب شغله وعشان ده المكان اللي يعتبر ورثه عن أجداده لدرجة إن الحارة متسمية على اسم عيلتنا.


خلل أصابعه بشعره يفكر:

-انا مش لاقي حل يا ورد، أمي محلفاني ع المصحف اني مدخلش الشغل ده مع المعلم ودايما بتأكد عليا انها مش عايزه اللي حصل ﻷبويا يحصلي.


مسح وجهه بعنف وهو يكمل:

-اخواتي فاكرين انه سابنا ومشا، أنا وأمي بس اللي عارفين الحقيقة.


ضغط بقوة على قبضته وأسنانه:

-الحقيقة اللي شوفتها قدام عنيا وهم بيقتلوه وبيدفنوه مطرحه كأنه ملوش لا أهل ولا ديه، ومن ساعتها لما ابوكي أخدني اشتغل معاه عشان اقدر اصرف على اخواتي وامي محلفاني ما ادخلش الطريق ده عشان كده انتي لازم تصبري معايا يا ورد لحد ما اقدر اعمل حاجه تخليني اعلى في نظر ابوكي.


انحنى مقبلا راحتها قبلة عميقة ورفع وجهه يرمقها بنظرة هائمة ولكنه تفاجئ بتجمد راحتها وملامحها مع اتساع حدقتيها وتثبيتهما على شيئ ما؛ فالتفت ينظر باتجاه نظراتها ليتفاجئ برشوان واقفا برفقة عدة رجال بحلل رسمية ونظراته مرتكزة على ابنته يرمقها بغضب.


ابتلع يوسف ريقه وهو يقف بحركة بطيئة وقد غزا العرق كل جسده وارتعشت أوصاله فاقترب رشوان منهما تاركا هؤلاء الرجال ينتظرونه بعيداً وتحدث بصوت جاد وحاد:

-روحها البيت حالا وروح استناني في المخزن بتاع العامرية.


تخوفت من والدها فتمسكت بيد يوسف وتمتمت ترجوه:

-بابا ارجوك، أنت هتعمل فيه ايه؟


رفع حاجبه الأيسر وتكلم بهدوء مخيف:

-خايفه لاقتله واتاويه؟ أنا لو ناوي على كده مش هستنى لما ابعته العامرية؟ لو عايز هقتله وهو واقف مطرحه مش هخاف من حد.


ابتلعت ريقها فأمسكه من كتفه ضاغطا على اوتاره بقوة آلمته:

-روحها واعمل اللي قلتلك عليه عشان في تسليم بضاعه من مخزن العامرية وبعدين ابقى افهم بتعمل ايه هنا مع بنتي.


يتبع..

إلى حين نشر فصل جديد من رواية حارة الدخاخني للكاتبة أسماء المصري، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة