-->

رواية جديدة لؤلؤة الليث لإيمي عبده - الفصل 9 - الإثنين 12/8/2024


قراءة رواية لؤلؤة الليث كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى






قراءة رواية لؤلؤة الليث

 رواية جديدة قيد النشر

من روايات وقصص 

الكاتبة إيمي عبده


الفصل التاسع

تم النشر يوم الإثنين

12/8/2024



شىء ما يدفع ليث إلى الغضب أكثر، لما لا طاقة له بالصبر على كلماتها؟! لا يعلم لما كلماتها تزعجه؟ تدفعه إلى السخط، رغم أنه سمع الكثير من قبل، ورغم هذا لم يكن سريع الغضب هكذا! لقد ظن أن لؤلؤه كانت تثير إزعاجه لكن ورده حتماً تريد قتله! تلك الفتاة تدفعه إلى الجنون!


حاول بيأس كبح غضبه، لكنها لا تترك له الفرصه لهذا، حيث نظرت نحوه بغضب، ثم إبتسمت بسخريه. 


- أراك رجل البر والإحسان، منذ متى أصبحت هكذا؟ كنت دوماً عبدهم المطيع، الآن تريد تحرير الجميع ومعاونتهم! لما؟ ألأنهم أخذوا منك محبوبتك؟


قضب جبينه بإستياء: عما تتحدثين؟


- عن لؤلؤه بالطبع، ألديك محبوبه أخرى؟


صمت يتأمل ثورتها الساخره بهدوء مستفز حتى كادت تصرخ بغضب لبروده.


- أيها الوغد! لما أنت بالذات؟


تلك الفتاة يفهما جيداً، أكثر حتى من نفسها، يعلم ما تعنيه جيداً، لكنه لا يسترسل بالحديث كثيراً، يسألها ليزيد غضبها فقط، وهو على يقين أنها ستتهرب من الجواب، لكن رغم أنها تدفعه إلى حد الإنفجار، لكن رؤيتها تحترق غيظاً يمتعه!


- ماذا تعنين؟


- لا شىء.


لم يضغط عليها ليعلم ،بل فضل العوده إلى الأمر الأهم.


- هل ستأتين معى أم لا؟


- لتخبرنى أولا إلى أين؟


- ألا تثقين بى؟


صمتت للحظات وبدت كمن تصارع نفسها حتى هتفت بسخط.


- نعم بكل أسف، ولا أعلم لما بحق السماء مازلت أثق بأنك لن تؤذينى؟!


- لأن هذه هى الحقيقه التى تزعجك، ولا أعلم لما؟


- لأنك لا تستحق.


تنهد بضجر، فهذا الجدال لن ينتهى، لذا عاد لما أراده منذ البدايه.


- لنترك هذا الشجار الآن، سيعود الرئيس ورجاله وعلياء بعد قليل، وبعد موعد النوم سأفتح لك الباب بهدوء.


- ولما؟ أتظننى كقطة علياء يمكن تسريبى من هنا بسهوله؟


عادت لإشعال غضبه من جديد: لا أيتها المزعجه، ولكنى أريد عونك، سأخرج الجميع بينما تنيرين ضوء القبو.


ضاقت عينيها عليه، فأصبحت كطفله مشاغبه: ولما أستدفننى هناك؟


كبح رغبتين يتصارعان بداخله، رغبه فى الضحك، وأخرى فى قتلها.


- أتعلمين؟ لدى ثقه بأننى قد أقتلك فقط لأتخلص من ألم الرأس الذى تتسبين لى به.


تنهد بيأس ثم تابع بإنزعاج: أحتاجك لتحضرى لى بعض الثياب التى أخزنها هناك، حتى أخرج الجميع من هنا؛ لأن الثياب هنا موحده، وإذا خرجنا هكذا حتما سنثير التساؤلات التى لا نريدها مطلقاً.


- ولما أنا ؟


- بحثت بالخارج عن أعمال للجميع، بما أننا لا نحمل أى شهادات أو خبره بالعمل فقد طال البحث 


- ولما سنعمل؟


- لنقتات خبز يومنا، وقد وجدت أعمالاً مناسبه لنا، وبإجتماعى الأخير بالشباب هنا تم تقسيم الموجودين حسب رغباتهم، وسأوزعهم على أماكن عملهم ما إن نخرج من هنا، وكل عمل به سكنه، والرئيس ورجاله لن يجدونا إذا ما تفرقنا، وإذا إبتعدت عنهم سيكون أفضل لهم؛ لأنهم بدونى لن يصل إليهم الرئيس لا يعرف أشكالهم لكن يعرفنى جيداً، وإذا رآنى بينهم سيمسك بهم، وبالتأكيد يعرفك جيداً، ولن ينساكى طوال حياته.


- ولما هذا؟!


- أظافرك التى وصلت حتى عظام وجهه ستذكره بك.


- كان يستحق.


- نعم.. ولكن هذا يضعنا سويا بدلو واحد.


أنكست رأسها بخزى، وتمتمت بأسى: يمكنك أن تتخلص منى حين نغادر.


قضم شفاه السفليه بغضب فغضبها، وغيظها يسليه، لكن خزيها وألمها يمقته.


- أتعلمين كلمه أخرى وسأجعلك تندمين حقاً.


لسبب ما أحست بالخوف، وفضلت الصمت، وحين عاد الرئيس، ورجاله لم يتناولوا العشاء! فقد تناولوه بالخارج لكن ذلك لم يردع ليث، فقد إقترح تناول المشروب وهم بشأنه مغرمين لذا وافقوا فورا، وتبادلوا الأنخاب، ومن ثم أصبحت هناك منافسات ومسابقات لمن يشرب أكثر حتى فقدو الوعى تماماً، وليتأكد من غيابهم عن كل شىء تماماً وضع بأقداحهم بعض من المنوم الذى كان يستخدمه الرئيس أحياناً، وحين تيقن من سكونهم توجه إلى غرفة علياء يعرض عليها مشروباً، وحين نظرت حوله بإرتياب إبتسم بودٍ زائف.


- لقد نام مع رجاله فقد أفرطوا فى الشرب.


نظرت إليه بقلق: وما الذى جعلك تأتى إلي.


- رغبتى بألا أقضى ليلتى وحيداً.


- هذا فقط!


- نعم وماذا غير ذلك؟


يعلم أنها معجبةً به، ولكنها تخاف الرئيس كما لا تأمنه، وكم تود التقرب منه، لكنها تخشى أن يفضح أمرها؛ لأنها تثق أنه لا يرغب بها، لذا فوجوده هنا مريب، لكن لؤلؤه رحلت، ولم يعد لديه من تسلى وحدته فصدقته.


- تفضل بالدخول.


حين دخل أحس وكأنه يختنق فحجرتها مزعجه مثلها وتفوح منها روائح عطريه مركزه بصوره تثير الغثيان، وهى نفسها تكثر من التزين والتعطر مع ثيابها المثيره للتقزز مما يجعله دوماً يرغب فى الإبتعاد عنها، لقد رتب خطته بأن يجالسها يثرثان بأى شىء حتى تتناول مشروبها الذى ضاعف به حبات المنوم لكنه لم يتوقع إندفاعها إليه بهذه السرعه واللهفه ورغبتها الصريحه فيه! فقاوم بصعوبه رغبته فى البثق فى وجهها، أو صفعها، ورغبته الملحه فى الغثيان تزداد، لكنه كبح ذلك فى سبيل نجاح خطته وتحملها حتى تناولت كأسها لآخر قطره فدفعها بتقزز عنه، وخرج من الغرفه مسرعاً يلتقف أنفاسه بهواء أكثر نظافه، ومن ثم ركض يفتح الأبواب الواحد تلو الثانى، بدءاً بورده التى ركضت إلى حيث أشار لها بعد أن وصف لها المكان وما تفعله هناك، وتابع تجميع الأسرى والإسراع بالخروج من هذا المكان.


❈-❈-❈


بحثت ورده بيدها المرتجفه عن قابس الكهرباء الذى أخبرها بأنه هنا، وبصعوبه وجدته أو لنقل بالصدفه، فقد إرتطم بوجهها ففزعت وأمسكت به بخوف تبعده عن وجهها فضغطت عليه وأضاء المكان، فتمتت بسخط.


- ذاك الأحمق لم يخبرنى أنه متدلي من السقف.


- من الأحمق؟


قفزت بمكانها فزعاً، وكادت أن تكشف أمرهما كما ظنت، لكن كفيها اللذان إعتادت على وضعهما على فاهها لمنع صراخها أو إجفالها بأى موقف أنقذاها ولأول مره يفيدها هذا.


- أفزعتني!


- لا بأس هيا.


لا مبالاته زادت سخطها وجعلها تهمس من بين أسنانها.


- أيها الفظ! لا أعلم ما الذى يعجبني بك حتى!


كبح بسمته بصعوبه ثم حمحم بخشونه:  بما تثرثرين؟


- بلا شىء.


صمتت للحظه ثم سألته بغضب: ألم يأتى ببالك أن أفزع وأصرخ؟!


- فلتفعلى.


رفعت حاجبيها مندهشه: سينكشف أمرنا!


- لن يحدث.


سخرت من ثقته: ولما؟ هل فقد الجميع سمعه؟


- لا ولكنى خدرتهم.


- ماذاا؟!


- ما بك؟!


قضمت شفتها السفليه بغيظ: ألم تفكر للحظه بإخبارى بهذا؟! لقد كنت أرتجف خوفاً.


- إنه تمرين جيد للحذر.


- أيها ال...


- ماذا؟


- ااااه لا شىء.


حملت كومة الثياب الكثيره التى طلب منها إحضارها وقد ساعدها فى حملها حتى خرجوا من القبو، وأعطوا الجميع من تلك الثياب المزركشه والمخططه والبسيطه الصامته، ألوان لم يروها منذ سنوات جتى نسوها تماماً، فرحوا بها كثيراً ولكن الكارثه حين خرجوا من البناء، فلحظات وبدأت زخات المطر الغير متوقعه بدأت بالظهور فحثهم ليث على التحرك لكنهم كانوا سعداء بالمطر الذى حرموا منه طوال حياتهم، حتى ورده بدأت تقفز كالبلهاء بينهم، تدفعه للضحك بدلاً من الصراخ ورغبه قويه تدفعه للقفز بينهم، لكنه تماسك فلا داعى لأن يفقد هيبته بينهم الآن، فهكذا لن يسيطر عليهم حتى يرسلهم إلى بر الأمان.


نظرت له ورده ضاحكه، ثم إقتربت منه تحثه على الإستمتاع.


- هيا فلتستمتع معنا.


- قد نصاب بمرض، أو قد يفيقوا ويلحقون بنا، لا وقت لدى لهذا الجنون، ولا طاقة لى لأى مفاجئات أخرى.


- حسنا لن يسوء الأمر أكثر.


برقت السماء فجاءه، فرفع رأسه إلى السماء، ثم نظر إليها بضيق.


- ماذا قلتِ.


رفعت رأسها نحو السماء، تنظر إليها بسعاده عارمه: أحقا هل تبرق السماء بالفعل؟!


لقد ضاق صدره مما يحدث معه، فهتف بهم جميعاً: هيا كفاكم تفاهه! فلو لحقوا بنا لن تروا نور الشمس مجدداً.


إستنكر أحدهم وكأنه قد أذنب: إنها تمطر، كيف نترك متعه كهذه؟!


- سترونها مجدداً، وسترون أكثر من كل هذا لو رحلنا من هنا.


تبادلوا النظرات، ثم أومأوا بإقتناع، وأسرعوا للإبتعاد خلفه من هذا المكان.


أوصلهم فرداً، فرداً إلى أماكن عملهم، وإطمئن عليهم أنهم بخير تماماً، وأعطى رقم هاتفه لكل فرد منهم؛ حتى يلجأون إليه إذا ما تأزمت أحوالهم، ثم أخذ ورده وغادرا.


❈-❈-❈


بعد أن إبتعدا مسافة شارعين، أراد ليث عبور الطريق فقبض على كفها فجاءه، وجذبها خلفه دون إنذار، فحاولت ورده تدارك سرعته بصمت وتعثر حتى مرا بالطريق، لكنه لم يترك يدها لكنها جذبتها بحده؛ لتوقفه متذمره من سرعته وعدم إنتباهه لأنه تقريبا ينظف بها الطريق! فهى لا تلحق به وتكاد تنزلق  مع كل عثره بالطريق.


- لا وقت لدينا، فقد أوشكت الشمس على الشروق.


- أحقا سنرى الشمس؟!


- لا وقت لدينا لهذا لابد وأن نصل غايتنا قبل شروق الشمس.


- أنت مزعج.


- أعلم هذا.


- هل ظل الكثير لنصل؟


أشار بسبابته إلى مكان ما، فنظرت حيث يشير هناك فى الأفق البعيد، حيث الأضواء المتراقصه والبيوت البعيده المتراصه، كنماذج صغيره كألعاب الأطفال البلاستيكيه، أشجار النخيل البعيده التى تبدو كعيدان الثقاب، نسيمها يبدو جامداً لا يحرك ورقة شجر بها، حيث تبدو الحياة بها غامضه صامته تحجبها عنه مئات الأميال. 


بعد أن سار ليث وورده قليلاً مرت بهما إمرأه تلف رأسها كلفات الرأس لدى بدو الصحارى العربيه لكن بلا غطاء لوجهها، ترتدى ثوباً غريباً ذى أكمام قصيره أسفله آخر بأكمام طويله أكثر إتساعاً، وتصدر صوتاً بنعليها اللذان يحتكا بالأرض كلما خطت بقدمها خطوه، وتبدو على الرغم من أن ثيابها غبر مهندمه إلا أنها واثقه بنفسها للغايه تتعامل كالرجال بين الرجال وبين النساء تبدو أنها من تقودهن ولا تسمح لأحد بأن يأمرها.


لقد مر ليث بالكثير لكنه دوماً ما كان يرى المجتمع الليلى للطبقة المخمليه، ولم يرى الحياة البسيطه بالطبقة الأدنى، والتى إكتشف أن أغلب الأسرى يأتون منها، لكن تجارة الرقيق المحرمه فقط الأثرياء من يتداولونها خفيه عن أعين الحاكم، ويعاونهم رجاله المنافقين الطامعين.


توقفت ورده تجبره على التوقف وهى تلهث بتعب: أيها المتعجرف! ألا ترى أننى أموت تعباً، وحيث تشير سنسير أياماً، فكيف بنا أن نصل قبل شروق الشمس وقد أصبحت الشمس ف الأفق بالفعل؟!


لم يبالى بتعبها وأوضح ببرود: التوقف به خطر علينا.


لكنها لم يعجبها ما قاله، فبحثت عن مكان تجلس عليه، حيث وجدت صخره ضخمه جلست على حافتها لكن للحظه فقط، ثم قفزت تصرخ لسخونة الصخره، وبدى ليث متسلياً كعادته فلوحت بيدها بسخط.


- فلتتركنى لهلاكى وإذهب، بكل الأحوال أنت لا تريدنى.


نظر إليها بضيق، ودون إنذار مال قليلاً وأمسك بها وحملها على كتفه، وسار فى سبيله فألجمتها الصدمه للحظات، ثم صرخت بخجل.


- أنزلنى يا عديم الحياء.


- إصمتى والا ألقيت بكِ أرضاً.


نظرت حولها بقلق من صوته الحازم الذى يؤكد صدق تهديده، فلو ألقاها لتألمت بشده فالأرض رمليه تتناثر بها الصخور هنا وهناك، بعد قليل توقف وأنزلها فقد وجد العناد مرهقاً.


- سنخيم هنا.


- ما الذى يعنيه هذا؟!


- سننصب خيمه، ونمكث بداخلها بين تلك الخيمات.


نظرت إلى حيث يشير: أهذا آمن؟


- ألا ترين الجميع يمكثون بها؟


- نعم.. ولكن من أين سنأتى بواحده؟


- سنسأل من سبقونا بالإتيان بها، هيا بنا.


تبعته بقلق حتى وقف أمام شيخ كبير، يجلس وحيداً يدخن غليونه بشرود، يبدو كزعيم المكان.


- يا شيخ.. من أين لنا أن نشترى خيمه؟


نظر لهما بتأمل: أنتم جيران جدد، أليس كذلك.


- بلى.


- امم.. لقد إسودت الصحراء من كثرة الخيم.


- أتعنى أن لا مكان لنا هنا؟


- لا يا بنى، ولكن ألا يرى الأثرياء والحكام حالنا، أُنظر هناك.


أشار بغليونه إلى طريق بعيد، لكنه يكشف المكان هنا جيداً، ويخلف هذا الطريق أبنية شاهقه فاخره.


- ماذا به.


تنهد بإنزعاج: يمر كبار رجال الدوله من هناك ويروننا بوضوح، ولكن لا أحد منهم يفكر بالبث فى وضعنا هذا، كل ما يهمهم هى قصورهم الفخمه ولكن البقيه، المساكين المعوزين، لا أحد يهتم بهم، لم يتسائل أى منهم كيف نحيا هنا؟


- أمر طبيعى، هل تظن أن ساكنى القصور سيفكرون بساكنى الأكواخ؟! نحن بنظرهم خلقنا لخدمتهم فقط.


نظر ليث إليها متفاجئاً ثم عاد ينظر إلى الرجل العجوز: هل ستأتى لنا بخيمه؟


- نعم.. ولكن لا شىء مجانى.


- أعلم.


نهض الرجل متكاسلاً، وتوجه إلى داخل خيمه قريبه، فنظر ليث إلى ورده بعينان ضيقتان.


- أراكِ تعلمين عن الحياة هنا الكثير، فكيف هذا؟!


أجابته بجمود: رأيت حياة القصور حين باعنى الرئيس بعد أن قضيت عمراً حبيسة داره، ومن قبل كنت فقيره معدمه، تذكر حين أخبرتك عن والدتى؟


- نعم.


- كنا فقراء، فالأثرياء لا يتعرضون للخطف، لذا كانت دوماً تحذرنى، أتريد فكاهه مضحكه؟


- لا أعتقد أنها ستكون مضحكه ولكن سأستمع.


- أنا إبنة أحد الأثرياء.


- ألم تقولى أنكِ فقيره.


- أمى فقط من كانت فقيره.


قبل أن يستفسر وجد العجوز قد عاد يحمل كومه سوداء كبيره، ولم يبدو تعباً رغم ضآلة جسده! 

أخذ ليث منه الخيمه ووضعها حيث أشار له، ثم عاد يعطيه ما طلبه من نقود، حينها سأله العجوز.


- أنتما متزوجان؟ أليس كذلك؟


أجابه ليث بهدوء: نعم.


- لكنى لا أرى محابس بيدكما؟!


- ليس لدينا المال الكافى للطعام لنشترى محابس.


إقتنع بتبريره فأومأ بصمت وأعطاه ما تبقى من أشياء قد يحتاجها بنصب الخيمه، فعاد ليث إلى ورده وقد ساعدته بهدوء وصمت أثار ريبته حتى إنتهيا، فجلست بالداخل شارده، فلحق بها وأسدل باب الخيمه، ثم جلس بجوارها بهدوء.


- ماذا هناك؟


- كيف سمح لنا الرجل بالمكوث بخيمه واحده؟! ماذا أخبرته؟


قضب جبينه متعجباً: وماذا تظنين؟


- أننى جاريتك.


صك أسنانه بغضب: أخبرته أنكِ زوجتى.


نظرت إليه متفاجئه، فتابع بسخط: أنتِ حمقاء، وقد مللت كلماتك المزعجه.


- لما فعلت هذا؟!


مال برأسه: وماذا بظنك سأخبره؟


- قد تقول أننى أختك.


- لا نتشابه بأى سبيل ممكن.


- كثير من الإخوه مختلفى الشكل.


تنهد بيأس: هو من سألنى إذا كنا متزوجان فوافقته على ظنه؛ لأتخلص من أسئلته.


تسللت السخريه إلى صوته: ثم لا تخافى على نفسك كثيراً، فلن أقربك.


أومأت ببسمه متألمه: أعلم.. فأنا لست لؤلؤه.


- كفِ عن هذا! لم أمس لؤلؤه بمكروه!


- أعلم.. فأنت كنت تخاف عليها النسيم، ولا أعلم كيف سمحت لهم بأخذها؟! ولكن أغلب الظن أنك وصلت لمبتغاك.


قبض على رسغها بقسوه أجفلتها، وجذبها نحوه بحده.


- لا يعنى تمريرى لهفواتك الحمقاء أن أمرر لكِ أمرٍ كهذا!


ثم دفعها بعيداً عنه بغضب، وأدار وجهه عنها، ثم عاد ينظر لها بسخط وتابع بسخريه لاذعه.


- لقد كنت أزورك بصوره شبه يوميه منذ عدتى، فهل فعلت معك ما تتهمينى به؟ لا أخبرينى، هل فعلتها معك حين أتيتى تدليكين قدماى وكنتى على أتم إستعداد لذلك؟


صفعته بقوه دوى صداها حولهما، ثم إرتجفت بخوف حين إنتبهت لفعلتها! لكنه ظل ينظر لها بعتاب، ثم نظر حوله فإختار زاويه بالخيمه وتسطح بها، يثنى ذراعيه أسفل رأسه وينظر إلى الأعلى، فظلت تتأمله للحظات تصارع نفسها بين الإعتذار والعناد حتى وجدت أن كلاهما سىء، فتسطحت بزاويه أخرى لكن النوم لم يجد سبيله إليها إلا بعد وقت طويل.


❈-❈-❈


بعيداً عن الصحراء القفر وصولاً إلى الأرض الخضراء، دار كاظم طوال يومه بين الحقول والبيوت البسيطه، يسامر هؤلاء، ويستفسر من هؤلاء، وقد تيقنت كل ظنونه، وعلم أكثر مما ظن! وحين حل وقت الغداء عاد ليتناول الطعام مع أقاربه، ولم يغفل عن تصرفات السيده المدلله التى تتدلل عليه بصوره واضحه منذ أتى، وقد إنزعجت بشده حين رفض عرضها لقضاء اليوم معها لتريه قريتها وفضل أن يتعرف على القرية بنفسه دونها، أمتعه الطعام كما تلذذ به بالصبح فأثنى على أورچيندا.


- أتدرين؟


- ماذا ؟


- لديكِ يد سحريه فى الطهو.


- نعم أعلم.


قضب جبينه يتصنع الدهشه: وكيف هذا؟!


- الجميع يشدو بطهوى.


- لما لا تفتحين مطعماً؟


- يتطلب ذلك مالاً وفيراً، كما أننا نحيا فى القريه ولسنا بالمدينه؛ ليذهب الجميع إلى المطعم، الكل يطهو بمنزله.


قبل أن يعلق على حديثها، تدخلت أختها بإنزعاج: لا تشغل رأسك بترهات أورچيندا سيد كاظم.


لم ينظر لها حتى! ولم تبدى أورچيندا أى إنزعاج فقد إعتادت فظاظة أختها، وتوقعت من كاظم الصمت وموافقة رأى أختها كحال الجميع، لكنها فوجئت به يتجاهل أختها تماماً! ويتناول قطعه من الفطيرة التى أعدتها بتلذذ واضح، ثم تمتم بصدق.


- حقا تستحقين ميداليه ذهبيه لهذا الطهو، وإذا كان المال مشكلتك فسأدعمك.


رفعت حاجبيها مندهشه: ولما ستفعل هذا؟!


- إنه عمل مربح، سنتشارك سويا، أنا بمالى وأنتِ بموهبتك الرائعة تلك.


لم تستطع أختها الصمت أكثر، فصرخت بإنزعاج: أنتِ فتاة سيئه، كيف تعبثين برأس الرجل هكذا لتنهبي أمواله؟!


فإعترضت أخاها بغضب: ماذا تقولين؟! السيد كاظم من عرض عليها الأمر!


- إنها بلهاء مختله، لا يجب أن نتركه يغرق معها فى تجربه خاسره!


حينها نهض كاظم ينظر لها بإنزعاج: لستُ صغيراً ليتم خداعى أيتها السيده!


فنهضت تنظر له بإرتباك وأسف: لم أقصد هذا سيد كاظم! أنت حكيمُ بلا شك، لكنك عطوف ترأف بأختى وقد تضرك رأفتك بها.


نظر نحو أورچيندا التى تخفض رأسها بخزى، تلك الفتاة لن يساعدها سيدفعها لمعاونة نفسها بنفسها، فصمتها يدفعه إلى السخط عليها ورغبه بهزها بقوه علها تفيق من غفلتها، رفع عيناه إلى وجه أخاها الذى نهض يعتذر منه على سوء تصرف أختيه، فرفع كاظم حاجبيه مندهشاً لما يضع أورچيندا بنفس الخانه؟! إنه أحمق! يؤيد رأى الأخرى التى ترى أنها دوماً على حق، لكنه سيجعل الكل يرى حقيقتها بأنفسهم، إعتذر منهم وصعد إلى غرفته وقد تناهى إلى مسمعه صوت شجار بالأسفل، فالمدلله تتهتم أختها بسوء التصرف وأخاهما حائر بينهما ومن الواضح أنه وأورچيندا إعتذرا من أختهما؛ لينتهى الشجار، تلك الفتاة تحكم سيطرتها جيداً على الجميع، لكنه لن يدعها تهنأ بهذا طويلاً يكفيها دلالاً حتى الآن.


يتبع..

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة إيمي عبده، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية..

رواياتنا الحصرية كاملة