-->

رواية جديدة المتاهة القاتلة لحليمة عدادي - الفصل 4 - الإثنين 6/8/2024

 

قراءة رواية المتاهة القاتلة كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية المتاهة القاتلة

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة حليمة عدادي


الفصل الرابع


تم النشر يوم الإثنين

6/8/2024



فتحت "ماريا" عينيها بوهنٍ شديد، كانت تشعر بصداعٍ في رأسها، نظرت إلى أصدقائها.. كانوا مكومين على الأرض دون حراك.. نظرت إلى المكان من حولها باستغراب.. شبكة العنكبوت، الحشرات في كل مكان، المكان كان مليئًا بالتراب، يوجد ثقبٌ صغيرٌ في الأعلى يدخل منه ضوءٌ بسيط، رائحة المكان لا تطاق.

تذكرت آخر شيء حدث معهم عندما كانوا في الغابة، قفزت من مكانها بفزع، عندما تذكرت أنهم بقبضة تلك المخلوقات الغريبة، بدؤوا باستعادة وعيهم واحدًا تلو الآخر، كانوا يتفحصون المكان باستغرابٍ وخوف. 

تحدثت "ماريا" بقلقٍ بالغ:

احنا فين؟ المكان مفيش فيه باب.

"رام":

وقعنا من تاني بين إيدين الناس دول، هنخرج من هنا ازاي!


تنهد "جان" بتعب، فكل شيء أصبح غير مفهوم، هل هو في حلم، أصبح الذعر معهم في كل مكان، كل خطوةٍ فيها خطر، أصبح يلوم نفسه أنه هو سبب هذه المغامرة المجنونة، لو كان منع أصدقاءه لم يكن لحدث هذا، تحدثت "دينيز" قائلة:

جان، دا مش وقت لوم وعتاب، فكر ازاي هنخرج من هنا مش وقت الاستسلام.

نظر إليها وتاه في عينيها كأنه يجد فيهما ملجأه، تحدث بهيامٍ ونسي كل من حوله:

حتى لو وقعت في الأسر ألف مرة، هقاوم ألف عدو علشان أساعدك، ومش هخلي اليأس يسيطر عليّ، يكفيني إني أسير عينيكِ. 


نظرت إليه "دينيز" واحمرت وجنتاها من الخجل من كلامه، تنهد "رام" بتعب هو يفكر في حل، و"جان" يفكر في الحب، يا له من غبي! ولكن هو يعلم أنه مجنون بها، لهذا ينسى كل شيء في وجودها.

نظرت إليهم "ماريا" بنفاد صبر، كيف لهم أن يمزحوا وهم في خطر، ولا يفكروا في طريقةٍ للخروج، فهي أصبحت متوترةً وعصبية، لم تعد لها طاقة لتتحمل، يكفي ما عاشته من رعب، تحدثت بعصبيةٍ قائلة:

ده مش وقت الهزار. 

عندها حق، دا مش وقت الهزار، لازم نفكر هنخرج من هنا ازاي.

سمعوا صوت وقع أقدام، استمعوا جيدًا إلى مصدر الصوت، علموا أنهم في مكانٍ مثل الحفرة، فُتح المكان، فدخل الضوء.. أمسكوا "إليف، ونايا"، أخذوهما من دون أن يهتموا إلى بكائهما.


صرخت "ماريا" بفزع، حاولت الإمساك بأختيها... لكن دفعها واحدٌ منهم بقوة، صرخت بذعر:

سيبوهم وخدوني أنا، لا.. لا.. لا خدوني أنا.

لم يهتموا لصراخها، وعادوا مرة أخرى، كانوا في كل مرةٍ يأخذون اثنين منهم، جلسوا على ركبهم أمام النار المشتعلة، ويوجد شخصٌ جالسٌ أمامهم، رأسه ضخمٌ يبدو أنه هو قائدهم، أشار إلى أحدهم، تقدم منه وأخذ منه إناءً بداخله نار، وضع شيئًا بداخله، رائحته سيئة، اقترب من "إليف" ووضعه أمامها، أمسكها بقوةٍ وجعلها تستنشق من هذا الإناء.

صرخت "ماريا".. حاولت الركض باتجاه أختها... لكن أمسكوا بها بقوة، كانت مثل طائرٍ جريحٍ محبوسٍ في قفص، ترى أختها أمام عينيها، وهي تفقد وعيها رويدًا رويدًا. 

"ماريا" بدموع:

إليف، إليف، سيبوها.

سقطت "إليف" على الأرض دون حراك تحت صرخات الجميع، اهتز المكان بقوة، خرج منه مخلوقٌ غريبُ الشكل من دون رأس، ولديه قدما بقرة وجسم إنسان. 

نظر إليه قائدهم وتحدث بصوتٍ خشنٍ ومقزز تقشعر منه الأبدان: 

ابدأ شغلك يا بلانزو، دول هيبقوا عبيد لينا، دخلوا مملكتنا وقتلوا واحد منا.

من دون أي كلمة تحرك " بلانزو"، اقترب من "إليف" وسكب الدماء على وجهها، وأخرج من خصره سكينًا وبدأ بتقطيع شعرها.. صُدموا مما يرون، ولكن ليس بيدهم شيء لفعله، أياديهم مقيدة، شعروا بالعجز.

تحدثت "ماريا" بدموع، وهي ترى ما يحدث لأختها:

اعملوا حاجة، دول بيؤذوا أختي، يا ريتهم أخدوني أنا.

"رام" بيأسٍ همس بخفوت:

هنعمل إيه واحنا مربوطين بالشكل دا!

نظرت "ماريا" إلى أختها الملقاة أرضًا، وذاك الشخص يحلق شعرها، ثم تركها ذلك الشخص فجأة، صرخ ووقع على الأرض، يصرخ بألمٍ كلما صرخ سقط واحدٌ منهم، سقطوا واحدًا تلو الآخر حتى سقطوا جميعًا، لم يفهموا شيئًا مما يحدث، فجأة ظهرت أمامهم امرأةٌ شعرها أبيض، وجهها مغطى بالدماء، ملابسها البيضاء عليها دماء، فكت أياديهم، وأشارت إليهم بيدها كي يتبعوها، اقتربت من "إليف" أمسكت برأسها بيديها، وقرأت شيئًا مثل التعويذة، شهقة خرجت من "إليف" وفتحت عينيها، ركضت إليها "ماريا" ونايا، تحدثت "ماريا" بفرحة:

إليف حبيبتي، أنتِ بخير؟ 

ضمتها إلى حضنها بفرحةٍ لم تصدق أنها بخير، صرخ "رام" بصوتٍ عالٍ:

يلا نمشي من هنا بسرعة قبل ما يحصل حاجة.

 ركضوا من المكان حتى ابتعدوا عنه، وقفوا كي يستريحوا وهم يتساءلون من هذه المرأة الغريبة؟ 

"جان" باستفسار:

مين الست دي؟ شكلها غريب!

"ماريا":

المهم إنها أنقذتنا منهم قبل ما يحصلنا حاجة.

شرد "رام" يفكر.. كيف ظهرت واختفت فجأة ومن تكون، قطع شرودَه صوتٌ غريب، التفتوا إلى مصدر الصوت وجدوها أمامهم.. تحدثت بصوتٍ مرعب:

عايزين تعرفوا أنا مين؟



جلسوا أمامها يستمعون لها بتركيزٍ شديدٍ وفضول، هم يريدون معرفة كل شيء يحدث في هذه المتاهة، لم ترفع رأسها لهم، بل نظرت إلى الأسفل وبدأت تقص عليهم حكايتها:

أنا اسمي أوليفيا، من سنين كنت أعيش في هذه المتاهة مع زوجي وأولادي، وكان يعيش فيها قليلٌ من الناس كانوا يعيشون على الصيد، كانت الحياة متعبة قاسية، لا يقدرون أن يخرجوا من هذه المتاهة بسبب ظلم حاكمها. الحاكم كان ظالمًا جبارًا لا يرحم أحدًا، يحب الدم، كان يتلذذ بقتل أي أحد يعترض على أوامره، أو يفكر أنه يبحث عن مخرجٍ من هذه المتاهة، أول مَن عارضه كانت قبيلة تدعى «كومان»، وهم الذين وقعتم بين أيديهم الآن...

قطع كلامها صوت "رام" متسائلًا:

القبيلة دي كان شكلهم كدا برضه برأس حيوان؟

تحدثت برفضٍ قائلة:

لا ما كانوش كدا، كانوا زيكم، لكن الحاكم كان ساحر قوي، وهو اللي حولهم للشكل دا، سيطر عليهم وخلاهم يقتلوا أي حد يدخل هنا، مبقوش عارفين هم بيعملوا إيه.

تحدث "جان" بفضولٍ أكبر:

إيه اللي حصل بعد كدا؟ في حد قدر يتغلب عليه؟ واسمه إيه؟

لا أحد كان يعلم اسمه، كان أكبر ساحر، كان مسيطرًا على كل شيء، الضحية الثانية كان شخصًا غنيًا، بنى قصرًا جميلًا، لكن فرحته لم تكتمل بسبب هذا الساحر، في ليلة كان الجو باردًا كئيبًا والمطر يهطل، سمعنا صوت صريخ قوي هزَّ المكان، مع أصوات الرعد والبرق أصبحت الأصوات عالية، جرينا نحو مصدر الصوت، كان الصوت يأتي من داخل القصر، فدخلنا القصر كانت أبوابه كلها مفتوحة، كان هو وعائلته مقطعين لأشلاء، والدماء تغطي المكان، كان المنظر كافيًا كي يزرع الرعب داخلنا.

تحدث "جان" بتساؤل:

وأنتِ ازاي نجوتِ منهم؟ ازاي ما أذكيش؟

ضحكت بطريقةٍ مرعبة، حتى اهتزت أغصان الأشجار، تحدثت من بين ضحكاتها:

أنا الضحية الثالثة بعد صاحب القصر، كان موتي آخر هدف له.

ارتعبوا من حديثها، كيف لها أن تقول إنها ماتت وهي تقف أمامهم الآن، وتخبرهم بما حدث! شعروا بالخوف الشديد وشعروا أنهم وسط مشكلة أكبر. 

متخافوش أنا مش هأذيكم، أنا هنا علشان أعرفكم حجم الخطر اللي انتوا فيه.

تحدثت "دينيز" بخوف عندما علمت أنها ميتة، تحاول معرفة هل ما زال هذا الساحر موجودًا إلى الآن؟ 

تغيرت لهجتها وأكملت بصوتٍ مريبٍ يرعب من يسمعه، وبدأت تخبرهم عن تلك الليلة التي استطاعت طعن ذلك الساحر بخنجرٍ به سُم، وقبل أن يموت طعنها، وهنا كُتبت نهايته على يدها قبل موتها. 

أكملت كلامها ثم وقفت، تحركت الأشجار بقوة، وازداد صفير الرياح، وتحدثت قائلة:

اخرجوا من هنا. 

اختفت فجأة كأنها لم تكن أمامهم منذ دقائق، كأن الأرض ابتلعتها، نظروا إلى أثرها بخوفٍ شديد، لم يفهموا شيئًا، ألف سؤال يدور في عقولهم، تحدثت "ماريا" قائلة:

 لو كلام الست دي صحيح، معنى كدا إن حياتنا بخطر.

المكان هنا خطر ومرعب، لازم نخرج من هنا بسرعة، يلا بينا.

تحركوا وهم يشعرون بالتعب، لم تعد لهم طاقة، نظرت "ماريا" إلى أختيها بشفقة، يبدو عليهما التعب الشديد، أنهك التعب جسديهما، والرعب الذي مرا به لم يتحمله العقل، وقفت وطلبت منهم البحث عن ماء، لقد جفت ألسنتهم من العطش. 

خلونا ندور شوية يمكن نلاقي نهر قريب من هنا.

بدؤوا في البحث في كل جهة لعلهم يجدون ماء، لفت انتباههم صوت مياهٍ تتلاطم على الأحجار، ركضوا إلى مصدر الصوت، شعروا بسعادة ولم تصدق أعينهم ما ترى، إنه نهر.. تخطوا الصدمة واقتربوا من النهر وهم يلهثون، ثم شربوا حتى ارتووا. 


تحدث "رام" بانزعاج:

بسرعه أنا عايز كمان أشرب شوية ميه.

قبل أن يكمل كلامه بدأ أصدقاؤه يتساقطون، في كل مرة يسقط واحدٌ منهم جاثيًا على ركبتيه وهو ممسكًا بطنه بقوة ووجهه محمر.

توجه إليهم "رام" بسرعة، وضع يده على كتف "جان" الذي كان يتلوى من شدة الألم، وتحدث بقلق:

جان، فيك إيه؟

 كان يشعر بأن سكينًا تمزق جوفه، تحدث بصوتٍ متألم:

بطني بتتقطع من جوا يا رام. 

شعر "رام" بالقلق الشديد مما يحدث، لم يعد يفهم ما يفعله، أصدقاؤه يتألمون وهو يقف ولا يعلم كيف يتصرف. 

زحفت "ماريا" على الأرض حتى اقتربت من أختيها، جلست بجانبهما رغم ألمها، فإنها لم تفكر في نفسها، قلقها على "إليف، ونايا" كان أكبر من إحساسها بالتعب، تحدثت بقلق:

انتوا كويسين؟ استحملوا، الألم هيخلص.

بطني بتوجعني أوي يا ماريا.

 قبل أن ترد، شعرت "ماريا" بالغثيان، بدأت بالاستفراغ وأخرجت كل الماء الذي في جوفها.. الجميع بدؤوا بالاستفراغ أخرجوا كل الماء الذي شربوه وهم يسقطون على الأرض بتعب، كأن سكاكين غُرزت في بطونهم، تحدث "رام" بقلق قائلًا:

انتوا كويسين؟ 

تحدث "جان" بتعب:

أنا كويس دلوقت، لكن حاسس إني تعبان أوي، يمكن من قلة الأكل والنوم، احنا محتاجين إننا...

ارتاحوا شوية، خلونا نفكر وندور على أكل نسد بيه جوعنا.


جلسوا يستريحون وهم يخشون حدوث أمر ما، لقد اعتادوا كل شيء، أصبح الخوف رفيقًا لهم، كل واحدٍ منهم يفكر بشرود وتعب، اهتزت الأشجار بنسمات هواء خفيفة، بدأت النسمات تتحول لرياحٍ قوية وأصواتٍ مخيفة تنبعث مع صوت الريح، وقفوا لكي يعرفوا ما الذي يحدث. 

نظروا إلى مصدر الصوت، كان الصوت ينبعث من النهر، وفي كل دقيقة يعلو الصوت بطريقةٍ مخيفة، فجأة تحولت مياه النهر إلى دماء، لوهلة لم يصدقوا ما يرون أمامهم، تصلبوا في أماكنهم، هل تحول الماء لدمٍ أحمر؟! تعالت صرخات قوية اهتز المكان من قوتها. 

تحدث "رام" بصوتٍ عالٍ كي يخرجهم من صمتهم:

يلا بينا نهرب من المكان دا، الوضع هنا ميطمنش.

ركضوا مبتعدين، يريدون فقط الفرار من هذا المكان حتى ابتعدوا عنه، أنهك التعب والجوع أجسادهم، أجبنتهم تتصبب عرقًا، وقفوا يلتقطون أنفاسهم بتعب، لفت أنظارهم وجود منزل متهالك مبنٍ من الطين يبدو عليه القدم، تحدث "جان" قائلًا:

دا بيت قديم، يمكن نلاقي جواه أي حاجة تنفعنا. 

اعترضت "ماريا" على فكرته، فهي قد أصبحت تخاف من كل مكان، في هذه المتاهة لا يوجد مكان دون خطر، أصرت "ماريا" كثيرًا، ولكن "دينيز" أخبرتها ألا تخاف وأن ينتظروا معًا في الخارج.

جان، تعالى ندخل نشوف المكان جوا.

 "دينيز" بقلق، وقلبها بيدق بسرعة من شدة الخوف:

جان، خلوا بالكم. 

ابتسم "جان" وقد نسي تعبه وهو ينظر إليها، وتحدث بابتسامةٍ قائلًا:

ما تقلقيش علي، دا بيت مهجور يا ذات العيون الغزال.

ابتسمت بخجل وأنزلت رأسها تهرب من نظراته، أما "جان" فوقف ينظر إليها وهو يبتسم ببلاهة، حتى سحبه "رام" من ذراعه.

الفتيات وقفن بالخارج، دخل "جان، ورام" إلى الداخل، تحدثت "ماريا" بقلق قائلة: 

بتمنى إن ميحصلش حاجة.

بعد دقائق من الصمت والهدوء المريب الذي يحيط بالمكان، فجأة سمعوا صوت صراخ "رام، وجان" الذي هز المكان.

بعد سماع صوت صرخاتهم انقطع صوتهم، شعرت الفتيات بالقلق والذعر، لم تتحمل "ماريا" أكثر من هذا، نظرت إلى "دينيز" وقالت:

"دينيز" خليكِ مع البنات، أنا هروح أشوف إيه اللي بيحصل.

هزت "دينيز" رأسها برفض والدموع في عينيها، وهي لا تقدر على التحدث وتهز رأسها بقوة، وتمسك بذراع "ماريا" بقوة تمنعها من الذهاب، ابتعدت عنها وتحدثت قائلة:

أنا قلت خليكِ هنا، أنا مش هتأخر، هبص عليهم من الباب وهرجعلكم.

هزت "دينيز" رأسها بالموافقة، قلبها كان يرتجف خوفًا من أن يكون قد أصابهم مكروه.


مدت "ماريا" الخُطا حتى وقفت أمام الباب، فتحته بيدٍ مرتعشة ثم دخلت إلى داخل المنزل، كانت تتفحص المكان بعينين خائفتين، توقفت قدماها عن الحركة واتسعت حدقتاها، وزادت ضربات قلبها حين وجدت "جان، ورام" ساقطين على الأرض دون حراك، جثت بجانبهما على ركبتيها، وبرعب نادت بصوتٍ مرتجف:

جان، رام، افتحوا عينيكم حصلكوا إيه.


انتفض جسد "رام" بقوة وفتح عينيه، قفز بفزعٍ حين تذكر ما حدث، أمسك يد "جان" وهزَّه بقوة: 

جان، فوق علشان خاطري، جاااان، ماريا، ساعديني نطلعه بره. 

اقتربت منه "ماريا" وحملاه للخارج وهو فاقد وعيه، عندما رأتهم "دينيز" وهما يحملانه شعرت بأن قلبها توقف، نزلت دموعها، وضعاه على الأرض حاولا معه كي يستفيق، جلست "دينيز" بجانبه، أمسكت يده فنزلت دمعة من عينيها على خده، تحركت رموشه وفتح عينيه، وعندما اتضحت الرؤيا أمامه بدأ بتذكر كل ما حدث معهما، نهض بذعرٍ وجلس أمامها، نظر إليها وانتبه إلى دموعها التي بلَّلت وجنتيها، أمسك بوجنتيها بين يديه مسح دموعها، تحدث قائلًا بحب:

أنا قلتلك متعيطيش يا ذات العيون الغزال، دموعك دي بتوجع قلبي، أنا كويس متخافيش.

ابتسمت بخجلٍ من غزله المستمر حتى وهما وسط كل هذا الرعب، تنهدت بتعبٍ ونظرت إلى "ماريا" الغاضبة، وضحكت بخفوت، تحدثت "ماريا" قائلة:

احم، احم، رميو، أظن دا مش وقته، قولولنا حصل معاكم إيه جوا؟

تنهد وهو يشعر بالتعب متذكرًاّ ما حدث، ثم تحدث قائلًا:

لما دخلنا الوضع كان عادي، فجأة قبل ما نعمل حاجة ظهرت قدامنا ست منعرفش خرجت منين... 

قاطعت "ماريا" حديثه قائلة:

ما يمكن تكون عايشة في البيت وأنتوا مأخذتوش بالكم منها.


هزَّ "رام" رأسه برفض، وبدأ يخبرهم وهو يتذكر شكلها جيدًا، وجهها كان مشوهًا بشكلٍ مرعب وعليه دماء، شعرها أشعث مختلط بالأبيض والأسود عليه حشرات، وعيناها بيضاوان كصحن لبن، وتذرف منهما قطرات دماء، ملابسها ملوثة بدماء حتى لم يعد يظهر منها شيء. 

شعروا بالرعب من وصفه لهذه السيدة، بلعت "ماريا" ريقها وسألته برعب:

عملت فيكوا إيه؟ لما دخلت لقيتكوا مرميين على الأرض.

بدأ يتذكر عند دخولهما عندما بدأت تقترب منهما ببطء، وهما يشعران أنهما مقيدان لا يقدران على الحركة، وصوتهما يأبى أن يخرج من فيهيهما، حتى وقفت أمامهما مباشرةً ونظرت إلى أعينهما، وبعدها سقطا أرضًا، مع تذكره لكل ما حدث وهو يخبرهم، أكمل كلامه ووقف بجسدٍ منهك متعب، تحدث "رام" قائلًا:

خلونا نمشي من هنا، كل مكان في المتاهة دي خطر.


تحركوا والتعب ظاهر عليهم بسبب قلة الأكل والشرب، ابتعدوا عن المكان قليلًا مشوا وحين نال التعب منهم جلسوا كي يلتقطوا أنفاسهم، حل الصمت في المكان من شدة تعبهم لم يتحدث أحد منهم، قطع صمتهم صوت "جان":

أنا عايز أقولكم على حاجة، مش عارف هخرج من هنا عايش أو ميت، ومش عايز حاجة تبقى بقلبي. 


غضب "رام" من حديثه، فهو ليس له غيرهم كيف يقول سيموت حقًا! الموت حق، الدنيا لا تدوم، ولكن لا يريد خسارتهم في هذه الظروف، سوف يبقى يتحسر عليهم طوال حياته ويلوم نفسه أنه السبب، هو من اختار هذه المغامرة، تحدث "جان" قائلًا:

لا يحمي المرء من الموت إلا أجله. 

ثم نظر إلى "دينيز"، فهي صديقته وابنته التي نشأت أمام عينيه، بل بين يديه، كان بارعًا باحتوائها في كل لحظة، فرق السن بينهما ليس كبيرًا، لكنه كان السند والأب والأخ بالنسبة لها، أفاق من شروده على صوت "رام" يناديه، ولكنه كان في عالم آخر أسرته فيه: 

معلش سرحت شوية في الماضي.

إيه هي الحاجة اللي افتكرتها خلتك تسرح؟


تذكر ذلك اليوم الذي دخلت فيه "دينيز" الملجأ، كانت صعبة التعامل، ولكن معه كانت شيئًا آخر، كانت ابنته المطيعة، كبرت بين يديه رغم صغر سنه، ابتسم وهو يروي لهم عن حياته مع "رام، ودينيز" في الملجأ، كانوا أكثر من الإخوة، كانوا سندًا لبعضهم، ابتسموا وهم يتحدثون عن ذكرياتهم الجميلة، تحدثت "دينيز" بدموعٍ قائلة:

كنتوا سند ليا، إخواتي وكل حاجة حلوة في حياتي.

أنا قلتلك مش عايز أشوف دموعك دي، امسحي دموعك.

جان، قلنا أنت بتفكر بإيه؟ عايز تقول إيه؟

أخذ نفسًا عميقًا وهو يريد إخبارهم بما في قلبه، فهي طفلته وحبيبة قلبه، تحدث وهو يعترف بحبه لها أمامهم تحت خجلها، وطلب منهم إن حدث له شيء أن يهتموا بها ولا يسمحوا لعينيها أن تدمعا. 

رام، لو حصلي حاجة خلي بالك من دينيز، متسبهاش.

انت بتقول إيه! أنت ودينيز لبعض، وهتكونوا لبعض.

راودتها نفسها عن فك حصار صمتها، ولكن كانت لغة الأعين تتحدث بدلًا من لسانها، نظرت إليه بعينين تلألأت فيهما الدموع، وهي تخبره أن لا حياة من دونه، إن ذهب فسوف تذبل، مهما حدث فهو ملجؤها الوحيد، كم آلمته تلك الدموع التي تُذرف، شعر بقلبه يؤلمه وغضب من نفسه، لأنه سبب تلك الدموع اللعينة، انتشلهم من صمتهم صوت "ماريا" قائلة:

 حبكم لبعض حاجة حلوة، احنا هنخرج من هنا، وهنعملكم فرح حلو أوي، متيأسوش.

أيوا، هيكون فرحكم أسطوري الناس كلها هتتكلم عنه.

بتمنى إننا نخرج من هنا، ومش هروح معاه تاني لأي مغامرة. 

التفت لها والابتسامة تزين ثغره، وهمس بكلماته التي تكسوها بالأمان، وتشعرها بالسند، تحركت جانبه تمسح دموعها وتبتسم بخجل، ساروا في طريقهم لا يعلمون ما القادم.


يتبع....

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة حليمة عدادي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة