-->

رواية جديدة حان الوصال لأمل نصر الفصل 14 - 3 - الأربعاء 14/8/2024

  

قراءة رواية ما بين العشق والهوس كاملة 

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى



رواية حان الوصال

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة أمل نصر

الفصل الرابع عشر

3

تم النشر يوم الأربعاء

14/8/2024



توقفت سيارة النقل العام  بالقرب من الطريق المؤدي لمنطقتها، لتترجل منه عائدة الى منزلها، فلم تملك من الطاقة ما يجعلها تمارس عملها داخل المصنع والذي هو ملكه من الأساس. 


ما السبيل وحتى رزقها يأتي عن طريقه،  ان استغنت عن مجالسة والدته، كيف تستغني عن عملها في المصنع؟ وهو المصدر الرئيسي لإعالتهم، انه لا يطوق عنقها فقط بالدين، انما يمتلك قوت يومها، تبا له من مغرور  ومستغل.


- راجعة بدري ليه عن ميعادك يا بهجة؟

وصلها الصوت المعروف لتغمض عينيها بتعب، فهي لا ينقصها الاَن من سماجة ابناء عمها، لتواصل متجاهلة الرد عليه، لتفاجأ به يتصدر امامها ويوفقها :


- جرالك ايه يا بهجة؟ انا بكلمك، لتكوني سرحانة! 


وكأنه ضغط على زر الانفجار،  صاحت به مرددة:

- يا سيدي وما اكون سرحانة انت مالك؟ هو انا هلاقيها منك يا سامر، ولا من اخوك اللي مزهقني برزالته في الرايحة وفي الجاية ، ما تحلو عني بقى ، دا انا كرهت الشارع وكرهت البيت اللي ساكنة فيه عشان خاطركم، اولع في نفسي عشان استريح منكم يعني؟


أومأ بصدمة لرد فعلها المبالغ فيه، ليتراجع مرتدًا للخلف  بأقدامه، ملوحًا بكل يده امامها:

- خلاص يا بنت عمي، انا اسف والله لو سألتك،  سامحينى ان كنت قلقت عليكي ولا على حد من اخواتك ، انتي حقك تعملي اللي انتي عايزاه وانا ابقى مش محترم لو كررتها تاني .


كان قاصدا الضغط على عاطفتها،  لعلمه جيدا  بشخصيتها، والتي اكتنفها تأنيب داخلها لتلطف بتعب ممسكة بطرفي أصبعيها على أعلى انفها قائلة:


- معلش يا سامر،  بس انا مخنوقة وتعبانة ومش قادرة حتى على الكلام،  اعذرني في حدتي عليك .


- طب هو انا ممكن اسألك عن سبب الخنقة ؟ 

رمقته بحدة جعلته يتراجع على الفور:

- بلاش الخنقة،  قوليلي ع اللي تاعبك وانا رقبتي سدادة، لو محتاجة دكتور او شيء انا تحت امرك .


زفرت بنفاذ صبر ترفض عرضه بزوق:

- لا يا سيدي كتر خيرك اوي، انا ماشية امدد جسمي ع السرير وان شاء الله محتاجش لأي دكتور،  عن اذنك بقى عشان مش متحملة الوقفة . 


وبدون انتظار رده، تحركت ذاهبة من امامه على الفور،  لتمضي في طريقها،  متجاهلة النظرات المصوبة نحوها من اهل الحارة والمتسائلة لعودتها من عملها في هذا الوقت من الصباح .


لتسرع بخطواتها حتى وصلت الى منزلهم، لتدفع الباب بهدوء بعدما فتحت بمفتاحها، ثم تدلف على أطراف اصابعها حتى لا يسيتقظ شقيقها الذي كان نائمًا في هذا الوقت ، بعد ليلة طويلة من السهر واستذكار دروسه، فتخطو بخفة حتى ولجت داخل غرفتها ، تخلع الحذاء، قبل ان ترتمي بجسدها على الفراش، تطلع العنان لدموع تحتجزها منذ لقاءها بهذا المغرور .


❈-❈-❈


به شيء هذا اليوم مختلف ، صفحة البرود التي يتحلى  بها دائما تغيب عنه بصورة مزعجة،  مع تلك النظرات التي يصوبها نحوها الاَن وهي تدلف اليه بمجموعة من الملفات المطلوب البت بها،  وهو جالس يهزهز كرسيه بملامح مغلفة لا تنبيء بشيء:


- حطيهم هنا. 

قالها يشير بيده على سطح المكتب بجانبه، دون ان يلتقطهم منها ويعمل عليهم على الفور كما يفعل دائمًا، ثم يفاجأها بمطلبه:


- اتفضلي اقعدي يا لورا عايزك. 

قطبت بعدم فهم، تظن انها قد فهمت خطأ، ليزفر بصوت عالي يشير لها مؤكدًا:

- بقولك اقعدي يا لورا ، هو انا بتكلم بلغة مش مفهومة. 


جلست على الفور متمتمة بارتباك:

- لا طبعا انا بس استغربت.

وضعت ساق فوق الاخرى مردفة بابتسامة ناعمة تلمس بكف يدها على شعرها:


- اممم انت تؤمر يا رياض باشا. 

ضيق عينيه قليلًا يطالعها بصمت زاد من اضطرابها وتضاعف،  حتى داعبتها الأماني والأحلام، لربما حدث وقد ما تتوق اليه وبشدة في القرب منه.


لتسبهل اهدابها بخجل تتصنعه، تتحمحم برقة:

- رياض انت مقولتش لحد دلوقتي عايزني في ايه؟

- اسمي رياض بيه يا لورا، كذا مرة انبهك متخلطيش بين القرابة وبين الشغل. 


اجفلها برده الجاف حتى ارتفعت عينيها اليه بإجفال ، ليواصل بجموده، غير مكترثًا بإحراجها:


- قوليلي صحيح يا لورا، هو انتي بقالك كام سنة شغالة معايا؟

كتمت زفرة الاحباط بداخلها،  لتجيبه برسمية بحتة كما يريد:

- تقريبا من اول ما مسكت انت المصنع بعد المرحوم حكيم، بتسأل ليه حضرتك؟

مال بجسده يسند مرفقيه على سطح المكتب يجيبها بغموض، واضعًا بندقيتيه صوب خاصتيها وكأنه يغوص بأغوارها:


- بسأل عشان اتأكد يا لورا ، بصراحة قاعد بعيد في دماغي، لو كنت في يوم من الايام، خلطت علاقة العمل ما بينا وبين القرابة.


امتقعت ملامحها لتعقب بحنق يسري بداخلها منه:

- حضرتك عمرك ما عملتها، بدليل الموقف اللي حصل من دقايق. 


لقد اوقعها في الفخ،  هذا ما تأكدت منه فور تبدل ملامحه فجأة ليردف بصوت غريب عنه، وفظاظة تثير التساؤل:


- ولما هو كدة، ومفيش ما بيني وبينك غير الشغل، بتبلغي بهجة بمصاريف المستشفى بتاعة اخوها ليه؟ انا كنت طلبت منك ذلك؟


بهتت فاغرة فمها بازبهلال، وكأن المفاجأة شلت أطرافها، لتأخذ لحظات من الاستيعاب،  استغلها هو في توجيه التوبيخ لها مضيفًا:


- كون انك قريبتي دا ميدكيش الحق ابدًا في انك تتدخلي في شئوني، سواء بتصرف صح او غلط ، انتي ميخصكيش. 


خرجت الاخيرة بصيحة جعلتها تستفيق لنفسها، مستعيدة بعضًا من دهائها:

- حضرتك بتلومني وكأنك متأكد، انا بقى عايزة اعرف، هي ليه تبلغك بالكلام ده؟ لو بتحاسب على اختلاط علاقة القرابة مع الشغل، يبقى نحاسب البنت دي اللي دخلت البيت تبث سمومها ولا اكنها بقت من اصحابه. 


اجابها ببساطة ناسفًا كل اغراضها مما سبق:

- من اصاحبه او غريبة عنه، برضو انتى مالك يا لورا؟ انا حر في ممتلكاتي وحر اعمل اللي عايزه،  انتي ملكيش في حياتي الا المسافة اللي محددها، ياريت بلاش تتعديها،  عشان متخسريش شغلك قبالها، اكيد تعرفي كويس اني معنديش تهاون .


كان قاسيًا لدرجة افقدتها النطق للحظات، حتى اتجهت لسلاح الانثى الاخير، لتذرف الدموع متمتمة بمسكنة تجيدها:


- انت بتقولى انا الكلام ده؟ سمحت لواحدة زي دي تشوه صورتي قدامك، انا دلوقتي بس ندمانة لصفة القرابة اللي ما بينا، ع الاقل لو بشتغل عند حد غريب، هيراعي اكيد انه يعدل ما بين موظفينه، انا بشتغل عندك بقالي سنين ، عارفني كويس وعارف اخلاقي،  مش واحدة شغالة عندك من شهور قليلة، ياريتني مت قبل ما اتعرض للظلم ده  منك، ياريتني مت.


نهضت من امامه مواصلة فقرتها:

- حضرتك كمان تقدر ترفدني، ولو عايزها تيجي مني، انا مستعدة اقدم استقالتي برضو مش هعترض.....  عن اذنك......


ختمت بشهقة لتكتم بكف يدها على فمها، وتركض من أمامه، منهية وصلتها، على امل التأثير بقلبه المتحجر، والذي تجمد محله، يطرق بقلمه بأعين فارغة كالزجاج،  فاقدة للأحساس، حتى لو به شيء من تأنيب الضمير ، تغلبه دائما طبيعته عن التراجع، هذا هو رياض الحكيم، الذي قضى نصف عمره في بلاد الثلج مع قوم لا تهتم ولا تعطي قيمة للعواطف، والجزء الثاني كان بالصدمات المتوالية ، حتى كبر زيادة عن عمره سنوات، وزاد بقلبه الجفاء. 


❈-❈-❈


توقفت السيارة اسفل البناية التي يوجد بها منزلهم،  لتخرج هي اولا بحلتها الجديدة وقد صارت انثى بالمعنى الحقيقي، تشرح القلب بطلتها، لتتلقى الترحيب بلهفة من شقيقتها التي كانت تنتظرها في شرفة المنزل، لتلوح لها بكفيها في الهواء، فقابلتها هي بابتسامة رائعة، قبل ان تلتف رأسها فتلتقي ابصارها بذلك الذي برقت عينيه بذهول، لا يصدق ان تلك امنية التي كان دائما يراها عادية واقل من عادية، 


بوجهها الممتليء وجسدها الذي كان يظهرها اكبر من عمرها رغم اغرائه. 


كل هذا ذهب الاَن، الوجه اصبح منحوتا يظهر جمال الملامح التي كانت مدفونة، وجسدها مازال مغريا ولكن برشاقة الابطال، وهذه الهيئة الجديدة والملابس بدلتها تماما. 


افترت زاوية فمه بابتسامة جانبية قابلتها بازدراء لتواصل طريقها، بعدما القت بنظرها نحو ذلك الذي كان يقود السيارة حتى ركنها في موقع جيد قبل ان يخرج، بحلته الأنيقة التي تليق به، وعضلاته البارزة تكاد تمزق السترة التي يرتديها ، بهيبة تجعل الجميع  يحسبون حسابه، ثم هذه النظارة السوداء على عينيه، لتزيده غموضًا حينما وقف امام الاخر للحظات ، وكأنه يريه من هو، 


قبل ان يتحرك بعد ذلك يلحق بزوجته، ليتمتم ابراهيم ف اثره بعدما جفف الدماء بعروقه :


- يا بن ال..... جاي تنفش ريشك عليا وتوريني عضلاتك،  ماشي،  ماشي يا سيادة الظابط..... ماشي يا امنية



الصفحة التالية