-->

رواية جديدة لؤلؤة الليث لإيمي عبده - الفصل 11 - الجمعة 16/8/2024

  

قراءة رواية لؤلؤة الليث كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى






قراءة رواية لؤلؤة الليث

 رواية جديدة قيد النشر

من روايات وقصص 

الكاتبة إيمي عبده


الفصل الحادي عشر

تم النشر يوم الجمعة

16/8/2024






إلتففن الفتيات حول ورده، وإستغللن سذاجتها بالسؤال عن كل شىء حيث سألتها إحداهن بخبث.


- أخبرينا عن ليلة زفافكما؟


فنظرت ورده إليها بعدم فهم: ما بها؟!


حينها تدخلت أخرى: لا تخجليها!


ثم وجهت سؤالها إلى ورده: حدثينا عن الزفاف نفسه؟


- ما به؟!


- كيف كان؟


نظرت نحو ليث بإرتباك، لكنه تجاهلها تماما، فعضت على شفتها السفليه بغيظ من نفسها؛ فهى من عاندته وظلت بمجلسهن فى حين حذرها قبل أن يبدأ الحفل بألا تطيل المكوث معهن، وأن يعتذرا من الحفل باكراً لكنها تصنعت القوه والثقه، وأصرت على المكوث كيفما تشاء،ثم تذكرت كتاب قد قرأته ذات مره! فإبتسمت بحماس جعل الفتيات يتطلعن نحوها بفضول.


- يبدو أنه كان زفافاً بديعاً.


- بل رائعاً، مميزاً.


- وكيف هذا؟


أرهف ليث سمعه لما ستقوله ورده، دون أن يعلم سبب هذا الفضول الذى إنتابه فجأه!


- لقد كنا متحابين، وفى بلادنا لكل عروسين فكرتهما الخاصه عن الزفاف، وقد إخترنا لعبة الإختباء والبحث 


فهتفت إحداهن بحماس: وما هذه؟!


أوضحت لها ورده: أصدقائى قمن بإخفائى بعيداً عنه، وأخبرنه أن يبحث عنى، وإذا كان يحبنى حقا ويستحقنى سيجدنى.


- وهل وجدك؟!


أجابتها أخرى بسخط: بالطبع وجدها، ألا ترين أنها أصبحت زوجته؟!


لمعت عيني ورده بإنتصار حين سمعت نبرة الحقد والغضب بصوت الأخرى، كلهن يغرن منها لكن فرحتها القصيره تبخرت، حين وجدت إحداهن تهتف بحماس.


- هذا لا ينفع، نريد تفاصيلاً أكثر.


❈-❈-❈


لاحظ ليث إرتباك ورده، وقد تيقن من أنها وقعت فى فخ غبائها كعادتها، فناداها وكانت وكأنها تنتظر نداؤه هذا، فنهضت مسرعه نحوه دون حتى أن تعتذر حتى من الفتيات.


بسمتها البلهاء كانت كبسمة صبى نفذ من عقاب معلمه لأنه لم ينفذ واجباته، مما جعل ليث يكبح رغبته فى الضحك بصعوبه.


- هل نغادر الآن؟!


- ماذا؟! لا.. سيظنونى أهرب.


- لا يهم ظنهن! فلتذهب خيالاتهن أدراج الرياح، أنتِ لا فكرة لديك عما يسألنك عنه!


- بلى لدى فقد قرأت الكثير.


- القراءه ليست كمعايشة الأمر، وهن على درايه بما لا تعلمينه أنت.


❈-❈-❈


بينما ظلا يتشاجران، كان كاظم يتجول بالقريه مع أورچيندا، وحينها قضب جبينه مستفسراً!


- ما هذا؟!


- إنه مسجد القريه.


إتسعت عيناه بصدمه: أتمزحين؟!


- لا.


- لعل لا أحد يصلى به.


- لا.


إزدادت دهشته: الآن تمزحين.


- كلا إنه المسجد الوحيد بالقريه.


- أتعنين أن كل من بالقريه لا يصلون.


حركت رأسها بنفى: بل أعنى أن الكل يصلى به.


- لكن هذا خطر! المبنى موشك على السقوط.


- لا يهم.


- الناس فى خطر!


تنهدت بضجر: أنظر حولك وأخبرنى، أى المنازل هنا جديده وآمنه؟


نظر حوله بالفعل، ثم نظر إليها متعجباً فأردفت موضحه.


- أرأيت.. المنازل هنا إما قديمه قويه حافظ عليها أصحابها، أو تهدمت وأعاد أصحابها لملمت حجارتها ورصها من جديد، ثم أسقفها بالقش، ومن لم يجد القش يتركها هكذا، وإذا أتى الشتاء يخلع أبواب غرف المنزل ويصنع منها سقف؛ لتقيه أمطار الشتاء.


بدى الغضب على وجهه، وإستنكر ما سمعه منها: وكيف يصمت الحاكم على هذا الخراب؟!


رفعت حاجبيها: أى حاكم تقصد؟!


- حاكم قريتكم.


- وما ذنبه؟!


- أولستم مسؤليته؟!


تنهدت بيأس: الرجل يفعل ما بوسعه، لكنه لا يمكنه صنع المعجزات! من أين له بالمال لذلك كله؟!


- فليخبر مرؤسيه!


- أتظنه لم يفعل؟! لقد يأس من كثرة المحاولات.


ضاقت عيناه عليها: أتريدى إخبارى أن لا أحد يهتم؟!


زوت جانب فمها بسخريه: إنهم يهتمون حقا ولكن بأنفسهم وقصورهم الفخمه، أما نحن فيروننا خدماً لهم لا أكثر.


- أنتِ مخطئه!


- أحقا؟! أخبرنى إذا متى إهتممت بشئون خدمك، إن الفقر يغرق المملكه لكى يتمتع أثريائها برغد العيش.


- أنتِ تصفين الأمر وكأننا وحوش نمتص دماؤكم!


- هذه هى الحقيقه، الفقر والعوز بكل مكان قد يكون حول قصرك، أو تعلم؟ قد يكون بقصرك نفسه ولا تدرى.


قضب جبينه منزعجاً فأوضحت له: لولا العوز ما أتاك فقيراً يطلب خدمتك مقابل المال، يتحمل غضبك وسخطك ليتقاضى أجراً يطعم به نفسه وأهل بيته.


كان مستمتعا بشجاعتها وصراحتها، وكم أسعده معرفة واقع لم يكن على دراية به ولديه القدره على تغييره للأفضل، وكم أحس بالإمتنان نحوها؛ لأنها من أطلعته على ما يحدث حوله من دون علمه.


❈-❈-❈


- إركضى.


صوت قوى صرخ بها فنظرت حولها لتجد الرئيس قادم نحوها، ويملأ عيناه الشر، فصرخت بخوف.


- ياللهول!


ثم ركضت بأسرع ما أوتيت من قوه حتى تعثرت ووقعدت على وجهها، ثم أدارت رأسها فزعه لتجد بيده خنجراً كبيراً يرفعه إلى الأعلى؛ ليهوى به على جسدها، لكنه توقف فجاءه وكأن هناك من جمد جسده فجأة، ثم طار إلى الخلف ساقطاً على ظهره، بينما ظلت تتابعه برعب حتى سقط بلا حراك، فنظرت إلى الظل الأسود الذى ظهر من بين الغيوم، وألقى بجسد الرئيس بعيداً، لتجد أنه سلمان نفسه ولا غيره، لكن أوليس عدوها؟! لما ينقذها أم فعل هذا ليتخلص منها بنفسه.


صرخت لؤلؤة بخوف حين إقترب، لكنه مد يده يبتسم لأول مره ويهمس لها مطمئناً، حتى أمسكت بيده ونهضت، فإنقشعت الغيوم وسارت معه تشعر بإرتياح جميل، حتى توقف بها أمام ليث وشبيهه الأكبر سناً، فنظرت إلى ثلاثتهم بعدم فهم، وكادت تسأل لكن صوت جرس الإستيقاظ أيقظها من حلمها الغامض.


❈-❈-❈


لو أخبره أحدهم أنه سيقطع الحقول ركضاً خلف فتاة! ليمسك بعدة دجاجات! لظن أنه بالتأكيد بلا عقل لكنه -ويا للعجب- منذ الصباح الباكر وهو يركض هنا وهناك بعد أن أفلت بلحظه دون قصد دجاجه من قفصها، وظن أنه سيعيدها ببساطه، لكنه لم يستطع فحين أمرها ظنها ستطيعه فوراً!


- عودى إلى هنا.


لكن الدجاجة لم تعد، وركضت بعيداً: أنا آمرك بذلك!


ترك كاظم القفص، وهو يشعر بالغضب؛ لأن الدجاجة لم تنصاع لأمره، وأحرجته أمام أورچيندا التى صُدِمَت للحظه، ثم زوت جانب فمها بسخريه.


- إنها دجاجه! وليست خادمه لتأمرها وتنفذ الأمر.


دفع باب القفص بإنزعاج، فإرتد الباب مفتوحاً لتحلق بتلك الدجاجه باقى الدجاجات القليله التى تمتلكها هذه الأسرة، فصرخت أورچيندا بخوف.


- يا ويلى! ألم تكفيك واحده لتخرج الأخريات؟! إلحق بهن.


- ماذا؟!


إستنكر قولها، لكنها لم تعبأ بإستنكاره، وركضت خلف الدجاجات، وهى تصرخ به بغضب.


- ساعدنى سيهربن، وقد يسرقهن أحدهم، لن يعودن  ولا قدرة لدى لأشترى غيرهن.


- سأشتري لكِ غيرهن.


توقفت ثم إستدارت تنظر له بغضب ورفض: لا! أنا أريد دجاجاتى، فهن من ربيتهن وتعبت عليهن، هيا.


وجد نفسه مرغماً بإنزعاج أن ينصاع لطلبها، ويلحق بها وهما يركضان هنا وهناك لإعادة تلك الدجاجات الشريدات، وقد تعلم درس عمره! بألا يترك باب قفص دجاج مفتوحاً أبداً، أو يحاول إبهار فتاة بما لا يفقه به، فقد فتح القفص؛ لأنه حاول أن يبدو عطوفاً رؤفاً على الدجاجات اللائى حُرِمن الحريه لكى يتنفسن قليلاً، وكان ينتوى أن يغلق الباب.


نعم.. هذه كانت حماقه مؤكده منه، لكن هذا ما حدث، وبعد عدة ساعات من الركض، أدرك خلالها أن تفاخره بالسير صباحاً كل يوم ليصبح نشيطاً ذو جسد رياضى مجرد بلاهه، فالركض خلف الدجاجات قد أنهك قواه، كم كن سريعات فى الركض والقفز! ولم يصدق أنه أخيراً إستطاع مع أورچيندا إعادتهن إلى القفص، فأغلقه عليهن بقوه، ثم خطا خطوتين وسقط متسطحاً على الحشائش يلهث من التعب للحظات، ثم نظر إلى أورچيندا ليجد حالها كحاله فإنفجرا كلاهما ضاحكين، حتى أمات الضحكه وجه أختها الساخط التى أتت تنظر لكلاهما بغضب، لكنها لا تستطيع توبيخ كاظم فوجهت غضبها إلى أورچيندا.


- ألن تكفى عن إحراج مركزنا؟


نهضت أورچيندا تنفض ثيابها، وقد إكفهر وجهها لهذا التوبيخ، فنهض كاظم منزعجاً ينظر إلى أختها بضيق، وقد أراد رد إهانتها لها.


- لما تصرخين هكذا؟ ألا تعلمين أن الفتاة هدوء وحياء؟!


أربكها الحرج الذى أسقطت نفسها به، لذا تلعثمت وفقدت أى حجه برأسها الفارغ؛ لتنفى عنها هذا الإتهام، لكنها وجدت مفر أخيراً كما إعتادت.


-  أأ.. أنا.. أنا.. إنه.. إنها أورچيندا من تخرجنى دوماً عن وقارى، إنها عابثه مزعجه، أنظر كيف أهانتك بالركض خلف الدجاجات!


كان هادئاً رغم إنزعاجه! فقد بدى الغضب لأول مره على وجه أورچيندا من كلمات أختها، فعلى ما يبدو أنها بدأت بداخلها ترفض تصرفات أختها، وهذا بداية ما أراده.


- أنتِ مخطئه، أورچيندا لم تفعل أى شىء قد يزعجبنى، بل على العكس تماماً.


- لكنها...


قاطع إستنكارها سريعاً فقد ضجر حديثها: أنتِ من تزعجيننى هنا، فكفى عن التدخل بشئون لا تخصك، ولن تخصك.


- ما.. ماذا؟!


- كما سمعتى.


ثم نظر إلى وجه أورچيندا الهادىء: أورچيندا هيا بنا، أريدك أن توصلينى إلى منزل حاكم القريه.


نظرت له بقلق: لا تلومه على شىء، إنه رجل صالح.


- أعلم، وأنا ذاهب إليه لأعاونه.


تلاشى قلقها، وإبتسمت بإرتياح: إذا كان هكذا فحسنا جداً.


الحماس والسعاده اللذان غلفا ملامحها جعلاه يتنهد بإرتياح، فى حين ظلت أختها تضرب الأرض غيظاً مما يحدث، فكلما حاولت التحدث معه يتجاهلها أو يهينها، بينما تمتعه صحبة أورچيندا، ثم وقفت تتابعهما وهما يبتعدا، وقد تذكرت منذ يومين حين حاولت إرسال إعجابها به من خلال نظراتها المحبه، لكنه كان يدعى الجهل بمقصدها.


❈-❈-❈


المال الذى جمعه الرئيس طوال حياته، لن ينفقه على رجاله أو على علياء التى لم تعد تساوى شيئاً بالنسبة له، لذا حين أصبحوا بمأمن وبعيداً جداً عن مقر وكرهم الكريه، وقف يودع رجاله بتأثر زائف يخبرهم أنه حان الوقت للفراق.


- ماذا؟!


لم يبالى بإستنكار أحدهم وظل على موقفه: هذا مفترق الطرق بيننا، فليرحل كل واحد حيث يريد وليعمل كيفما شاء، لا أحد سيصل إلينا إذا ما تفرقنا، ووجود أى منكم معى سيعرضه للخطر؛ لأنهم يعرفوننى جيداً، لم يروا وجوه أى منكم، أنا فقط والوغد ليث.


كان محقا، نعم.. لكنهم جميعاً يدركون أنه لا يخاف سوى على نفسه، ولو كان يقول هذا لمنفعةٍ لهم ولو بنسبة واحد بالمئه، فمؤكد له منفعه ألف بالمئه، لكنهم أذعنوا لهذا وغادروا بنفس راضيه إلا علياء؛ فليس لديها مال أو حتى عمل، إنها لا تفقه شىء بالحياة، وظنت حديثه للرجال فقط، حتى مد يده يسلم عليها.


- أراكِ بخير، هذا لو إلتقينا مجدداً.


فإعترضت بذهول: ماذا؟! هل جننت؟! هل ستتركنى؟!


لكنه أجابها بضجر من إنفعالها الذى لا فائدة منه: بالطبع، وماذا توقعتى؟


- أن تأخذنى معك بالطبع.


رفع حاجبه بإنزعاج: هل أنتِ حمقاء؟؟ هل تظنيننى حقا سأخذك؟!


- نعم.


زوى جانب فمه بسخريه: ولما يا ترى؟


- لأننى محبوبتك!


تأفف من إصرارها، وهتف بغضب: أيتها الشمطاء! لقد عفى عنك الزمان منذ زمن، ولولا أنكِ لا تكلفينى فلساً لما ظللت على علاقةٍ معك، المال الذى لدى بالكاد يكفينى!


إتسعت عيناها بغضب : ماذا؟! أنت أيها الوحش! أنت حقير وضيع لا ترضى بك أى فتاة، ولو أننى مرغمه ما بقيت معك، ثم عن أى مال تحكى؟! لديك قناطيراً من الذهب.


تراجع خطوه للخلف، ونظر إليها مستنكراً: إنه مالى أيتها الطامعه! ولن أعطيه لك! 


أدركت أن الغضب سيزيد الوضع سوءاً، لذا حاولت إقناعه باللين.


- عزيزى.. هذا المال سيكفى كلانا.


لكنه لم يستمع لمنطقها الذى لا يلائمه، فهى كانت جاريه مجانيه، وهو لم يعتد على دفع المال لأحد، ولا رغبة لديه بتغيير هذا المبدأ، إنه يريد الأخذ فقط!


- إنه مالى! سيكفينى وحدى! لن أعمل! فلا طاقة لى للعمل، ولم أعتاد الجهد الشاق.


توسلته بيأس: سأخدمك.


لكنه لم يهتم؛ فهو لا يريد أن ينفق فلساً عليها: ستكلفيننى طعامك وملبسك!


فصرخت بغضب: ماذا؟! أيها البخيل! أنت..


قاطع تذمرها بإنزعاج: كفاكِ نواحاً! فلا أى شىء ستفعليه سيجعلنى أتراجع.


إحتدت نبرتها بحقد: أمتأكد أنت؟!


لكنه لم ينتبه لعيناها الزائغه، والمقت المُطل منها، وقد تمادى بغباء.


-  بالطبع.. أنتِ تشبيهبن الغانيات بالحانات الرخيصه، هناك ستجدين حمقى كُثُر، ليس لديهم من المال ما يجعلهم ينتقون الحسنوات، لكنهم سيستطيعون إطعامك.


لقد زاد من الأمر سوءاً بكلماته المهينه الأخيرة تلك، بينما إستدار هو يحمل حاجياته، وتحرك مبتعداً وهى تنظر نحوه بمقت، ثم نظرت حولها بعينان تلمعان بالشر، فرأت جزع شجره مكسور ومدبب كنصل السكين، فجذبته بقوه، وركضت بسرعه نحوه غارسه الجزع بظهره المترهل، فتجمد حيث هو من الألم، فتركته وهى فزعه من فعلتها الهوجاء، ووقفت تنظر نحوه برعب، وهو يستدير ينظر لها مصدوماً غاضباً، وتحرك يقترب نحوها، لكنه سقط سريعاً على الأرض، لم يمت فقط أغشى عليه، لكنها لم تعلم بهذا ولم تستطع حتى دفنه أو لنقل لم ترغب بذلك.

 نظرت حولها بعينان زائغه، فلم تجد أحد فحملت الحقيبه الممتلئه بأمواله، وغادرت تركض خائفه، وبعد لحظات فتح عيناه ينظر حوله بتعب، فلم يجد سوى رمال صفراء تمتد على بعد أميال تنتهى بأفق بعيد، حيث الشمس الذهبيه تغرقها بأشِعتها، فحاول التحامل على نفسه والنهوض، لكنه لم يستطع، فسقط مجدداً، وبعد وقت لا يدرك مداه سمع صوت أقدام ثقيله تقترب منه، ويد قويه تفحص نبضه، وصوت غليظ على بعد عدة خطوات يتسائل بلا مبالاه.


- أهو ميت؟


أجابه من فحص نبضه بإحترام: لا سيدى، إنه فقط متعب، ويبدو أنه مصاب.


هتف الآخر بغلظه: هاته فقد ينفعنا.


- حسنا.


خطت قدمان من بعيد متوجه نحو جسده، وحملته بقبضتان قويتان مع من كان يقف بجوار جسده، ثم ألقيا به بلا رحمه على قمة جمل، وربطوه كأنه كيس طحين.


❈-❈-❈


قررت ورده أن تصبح ذات أهميه بين أهل القبيله، فكل الفتيات هنا يُحْسِنَّ عملاً ما، وهى تبدو كالحمقاء بينهن، وإزداد شعورها ذاك منذ تلك الليله التى إلتفت حولها الفتيات؛ ليتقصين عن علاقتها بليث، وقد أنقذها ليث، رغم عدم عرفانها بالجميل له، لكنها ممتنه له، لكنه أخبرها باليوم التالى أن تبحث عما يشغلها بدلاً من إزعاجه طيلة الوقت عن تلك وهذه، فهو بدأ بالفعل عملاً بين أفراد القبيلةِ مستغلاً قوته البدنيه، فأصبح يغادر بالصباح إلى الغابةِ البعيدةِ يقطع الأشجار، ويصنع الحطب؛ ليعود به إلى القبيله، يبيعهم إياه؛ فالبرد قارص ليلاً بهذه البقعه من البلاد، وهذا ما زاد الفتيات إعجاباً به؛ فاللون الذى إكتسبه من سُمرةٍ من حرارةِ الشمس، وجسده الذى إزداد صلابه وقوه، جعلهن يتهفاتن لرؤيته، لذا كان لابد لورده أن تعمل، لكن لا جسدها ولا خبرتها بأى شىء قد ينفعانها، لذا قررت إعمال عقلها، وما قرأته فى السابق بالكتب، وإستخدام ذكائها؛ لتصنع لنفسها عملاً لا يعرفه هؤلاء؛ فتتفوق عليهن، وتكتسب المال الوفير، وتثبت لليث أنها ذات شأن.


إستدانت مرغمةً من ليث بعض النقود، وقد أزعجها إستفساره عن السبب.


- لما تريدين المال؟! فأنا أحضر الطعام.


- أريدها لنفسى!


لم يبالى بإستنكارها وسألها مجدداً بضجر: أفهم هذا، ولكن لما؟!


أدارت وجهها عن عيناه الحاده: لا شأن لك.


تنهد بإنزعاج: لدى ما يكفينى من الإزعاج والتعب، فلا أحتاج للمزيد.


ظنته سيصر مجدداً على السؤال أو سيرفض، لكنه تنهد بتعب، وأخرج من جيبه عدة قطع فضيه، ومد يده بها لها.


- أتمنى فقط أن تحسنى التصرف بها.


هتفت بحماس وهى تنظر إلى النقود بيدها: سأفعل، ولن تندم.


تنهد بتعب: أتمنى هذا.


كادت توبخه؛ لمحاولته إحباطها، لكنها رأت الإرهاق يكسو وجهه، وعيناه قد تشعب بها اللون الأحمر، فوضعت النقود بجيب ردائها، وأسرعت تحمل وعاء ماء دافىء إعتادت إعداده له منذ بدأ العمل بعد أن نصحتها به إحدى عجائز القبيله، ووضعت الوعاء بجوار قدمى ليث، وأمسكت بقدميه، فتأوه متألماً، هذا العمل الشاق الذى يقوم به يرهقه بشده، يجعله بنهاية اليوم بلا طاقه.


خلعت حذائه ببطأ وحذر وجوربيه، ثم وضعت قدميه بالماء، فتأوه بألم، فبدأت تمسد قدميه بالماء بخفه، حتى إسترخى جسده ونام جالساً على كرسيه من فرط التعب. 


❈-❈-❈


باليوم التالى، حين غادر ليث إلى عمله، فذهبت وردة  إلى بائع القبيله الذى يأتى بأشياء من المدينه؛ لبيعها هنا وإشترت منه عدة أشياء لم يتوقع أن يشتريها أحد! فقد إشتراها، وظلت لديه لوقت طويل، حتى ظن أن لا أحد سيشتريها؛ لأنها بمثابة مهملات، ولن يرضى بها أحد، خاصه وقد ساءت حالتها مع مرور الوقت، ولا يعلم مطلقاً لما فقد عقله وإشتراها من الأساس؟! لذا باعها إياها بثمنٍ بخس.


قطعة واحده ما دفعتها ورده ثمنا لتلك الحاجيات؛ لأن البائع حين قال لها ثلاثة جنيهات فضيه، نظرت مقتضبة الجبين إلى حفنة النقود التى بيدها، لا تعى ما يعنيه هذا! فمعها قطع نقضيه مختلفة الأشكال، وكلهن بنفس الرقم، فلم تعى أيها الجنيهات! فظنها ستتراجع، فأنزل السعر.


- حسنا إجعليها إثنتين.


لكنها ظلت عابسه، وفكرت بأن تغادر، وتسأل ليث لاحقاً عن معانى تلك العملات، فإستوقفها البائع وقد أخذ إحدى تلك القطع، وأعطاها ما تريد.


- أوافق على جنيه واحد، هنيئا لكِ، لكن بضاعتي لا تُرد، أفهمتي.


أومأت برأسها وهى لا تعى أى القطع أخذها، ولم تعى أنها بالفعل أخذت ما تريده بسعر زهيد، لكن حين عادت إلى الخيمه، نظرت إلى المال ووجدته مازال على حاله وهى قطعه واحده فقط، فهذا يعنى أنها لم تسرف فى صرف المال.


تعجب الجميع حين رأوا ما إشترته، وتعالت همسات السخريه منها، لكنها لم تبالى، ووضعت الأشياء بخيمتها، ثم جلست ترتب أفكارها؛ لتستطيع تنفيذ عملها كما يجب.


❈-❈-❈


حين عاد ليث من عمله بالمساء، قابلته أغلب فتيات، يخبرنه عن عمد بسفاهة المدعوه زوجته التى تلقى ببلاهه بماله الذى تعب فى جمعه.


لم يكن يحتاج إلى سماع المزيد، فورده بلا خبره فى أى شىء، وقد تعب بالعمل كثيراً؛ ليوفر له ولها المال؛ لكى لا يتوسلا قوت يومهما، وهى لا تفكر حتى بالأمر، ولم تفكر بإستشارة رأيه عله يفيدها بشىء.  


حين دخل ليث الخيمه لم يرى حماسة ورده وسعادتها، فقد أعماه الغصب، وصرخ بها.


- هل أنتِ حمقاء؟! أم تتعمدين إغاظتى!


شحب وجهها فجأه من غضبه المفاجىء: ماذا حدث؟!


- بأى حماقةٍ أهدرتى مالى؟!


قضبت جبينها بعدم فهم: ماذا هناك ليث؟!


قبض على ذراعها بقسوه: لماذا طلبتِ المال؟


يتبع..

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة إيمي عبده، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية..

رواياتنا الحصرية كاملة