-->

رواية جديدة عقاب ابن البادية الجزء الثاني لريناد يوسف - الفصل 3 الأثنين 16/9/2024

  

قراءة رواية عقاب ابن البادية الجزء الثاني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




قراءة رواية عقاب ابن البادية

الجزء الثاني

 رواية جديدة قيد النشر

من روايات وقصص 

الكاتبة ريناد يوسف


الفصل الثالث


تم النشر يوم الأثنين

 16/9/2024




البارت التاسع والثلاثون



سلك آدم طريقه المعتاد للعودة إلى القصر، وفى هذه الاثناء لاحظ سيارة تتبعه، كان مجرد شك فحب أن يتأكد، فهو تعلم ألا يتجاهل الشكوك، وبالفعل اخذ طريقاً مختصراً وديقاً بالكاد تمر به سيارة، وأي سائق غير مضطر أن يعبره إلا لضرورة قصوى، وتأكد من شكوكه حين وجد السيارة أتت خلفه من نفس الطريق! 

تأهب ورسم خطته سريعاً وراوغ السيارة ونجح فى الهروب منها بسرعة ومهارة فائقتين. 


فوقف سائق السيارة في منتصف الطريق هو وزميله يتلفتان حولهم بحيرة، فقال احدهم:

- عرف اننا بنراقبه على فكره، الواد ده طلع فعلا مش سهل زي ماسمعنا عنه، واكيد هياخد احتياطه ويخلي باله، احنا لازم نختفي يومين تلاته لغاية مايرجع يطمن، 

خلاص كده احنا عرفنا تحركاته وكل طريق ممكن يعدي فيه، وساعة التنفيذ هنعمله الكمين اللي ميخرش الميه ولا يعدي منه حي. 


وصل آدم لقصره اخيراً، ولم يخبر أبيه او أمه بما أكتشفه اليوم ، فهو لا يريد إزعاجهم وهم للتو بدأوا يشعرون بالراحة والأمان. 


ولكنه هاتف عمه قصير، فلابد وأن يشرك أحد معه في قلقه:

- هلا عمي كيفك ايش اخبارك واخبار الكل حداك. 

- هلا وغلا وليدي، الكل بخير وماينقصنا غير وجودك معنا، كيفك انت طمني عنك. 

- انا زين ياشيخي زين. 

- عقاب احكي شو فيك وبدون لف ودوران، انا نعرفك زين ونعرف وقت يكون الحكي ملجوم جواك.. حرر عباراتك وتعرف زين مافي بينك وبين عمك قصير حدود ولا خطوط حُمر. 

- مو مسألة حدود وخطوط ياعمي، بس ماادري اذا اللي راح اقوله شي ذات أهميه ولا راح ابث القلق بقلبك على شي فاضي. 

- أحكي والحكم لي. 

- اليوم حسيت حدا يتبعني بسيارته. 

- حسيت ولا تأكدت؟ 

- تأكدت. 

- زين ياعقاب من الحين تدير بالك على روحك، جيب اللي يحرس قصرك وأهلك، وجيب اللي يحرسك انت كمان، من هادول اللي يقولولهم رجال الحراسه.. اعرفك عقاب ماينخاف عليه، بس هالشي إذا كنت تسبح بالفضا الخالي، فضا صحارينا اللي تعرفها متل كف يدك وتعرف الحشره إذا هربت وين تتخبى، أما عندك فى الحضر الأمر يشبه بيوت النحل ماتعرف مين يطلع من وين..وحتى اذا حطيت عيونك بنص راسك ماتغلب القاصد. 

-يعني هيك رأيك ياشيخ؟ 

-ولزوم يكون رأيك من قبلي ياعقاب، دير بالك أنت اليوم مسئول عن روحين معلقين برقبتك، إذا مسك شي ينتهون.. دير بالك ع حالك لجلهم ياعقاب. 

-الله كريم عمي الله كريم. 

- من غدوه تمشي لشركة حراسه وتأجرلك كم رجال، واذا ماراح تعمل هيك احكيلي وأنا ابعثلك رجال من القبيلة يديرون بالهم عليك لحين تدبر حالك. 

- لا لا، انا اليوم بمشيلهم واخلص كل شي.. اتركك مني وطمني على سويلم ورابح والشباب. 


- سالم نهى على بت حسين بالأمس والعرس بنهاية الأسبوع، ورابح مافي شي جديد معه لا هو ولا باقي الشباب..لا لا تذكرت.. بناتي كلهن نهوا عليهن ولاد عمومتهم والاعراس حسب التجهيزات. 


- والله؟ سالم نهى! بس ماقال الخسيس ولا حتى رابح حكى!! 

-مسكين ايش يقول وهو المغلوب على امره، ماينشر الفرحه إلا الفرحان ياولدي، وسالم فرحته مكسوره، كسرتها الفانص بت مكاسب اللي لو يتركني عليها سالم بس اكسرها نصفين وأحط كل نص على جبل تاكل منه الجوارح. 

- اتركها ياعمي، ماتدري لعل سالم الله كتبله الخير وقت بَعده عن رجوه، ربي له بكل أمر حكمه. 

-يعني ياعقاب انت سامع حالك ايش تقول؟ 

- سامع وفاهم ياعمي، وأنا اللي اخدت القرار وبعدت، وأول درس علمتهوني الدنيا إن مو كل اللي نتمناه ندركه،وإن الحرمان اضعاف العطى. 

صمت قصير قليلاً، فآدم دوماً يفاجأة بنضجه وفهمه للحياة، حتى في الأمور الخارجة عن إرادة القلب يغلبها عقابه. 

-عمي.. من رخصتج انا راح ارسل أبي وأمي لعندكم عالقبيلة يحضرون تجهيزات العرس، ومنها ادبر أنا حالي وأوفر الحماية اللازمه. 

- زين مافكرت ياولدي، وأنت اذا ماكان وراك شي مهم تعال معهم. 

- يوم بس ولا يومين والحقهم، ماأنا لزوم اكون مع الخسيس واحضر عرسه واشوف اذا ناقصه شي. 


- الله يديم محبتكم ياوليدي ويبعد عنكم كل شر، يلا انا بمشي للشيخة عوالي وأعرفها ان أهلك جايين لجل تستعد وتستقبلهم. 


أغلق آدم المكالمة مع عمه قصير وهاتف سالم، وبمجرد أن رد عليه سالم قال له بغضب:

-اذا الواطي حطوه فوق أعلا جبل يضل واطي، وانا حاطك بقلبي وماظنيت فيك تنسى خوك وقت فرحتك، 

بس انت طلعت ماتنحط بالقلب، تنحط تحت النعال ياسويلم. 


ضحك سالم ضحكة خفيفة قبل ان يرد عليه:

- ينحط فوق الروس سويلم وغصب عنك وعن الأقوى منك. 

- تنحط والله، ومين يليق به العُلا غير خوي.. مبروك عليك العروس والعرس، ربي يجعلها قدم الخير والسعد، وعلى وجهها تشوف أيام زينه. 

- الله يبارك فيك ياعقابي وعقبال عرسك.. ماتزعل مني والله قولت لرابح يخبرك، بس الظاهر رابح معزوزه ضيعتله عقله. 

- واضح ان عقولنا كلها ضاعت يارفيقي ولزوم ندورو عليها ونعيدوها.. هاه طمني عليك شديد وقلبك بعدو صامد وبعدك قوي ولا؟ 


- ماتخاف على اخوك، سويلم واقف متل الأسد بقلب القبيلة وعندو إرادة من جليد. 

- تقصد من حديد؟ 

- لا والله ياخوي حكيتها وأعنيها.. من جليد.. للحين صلب ومتماسك، بس ماندري يمكن بلحظة تطلع عليه شمس الشوق والحنين وتذوب الإرادة. 

- تحمل ياسالم بعرفك قوي، وكل شي بأوله صعب، أنا حاسس باللي انت تعانيه. 

- اييي نتحمل يبه نتحمل. 

- سالم ودي نفهمك شي.. اللي راح تتزوجها ما أذنبت معك فاهم علي. 


- سبق وحكيتلك ان سالم ماهو ظالم، لا تعيد اللي انحكى، عندك جديد هات، ماعندك يلا روح شوف ايش وراك، ولا تتأخر على جنازة اخوك بنهاية الأسبوع. 

- فال الله ولا فالك يانذير الشوم ياأبو خشم ينقط علقم، أغرب غربت عيونك. 


أغلق سالم جواله وهو يتبسم، ونظر للفراغ وهو يحاول التخطيط لعرسه مثل أي عريس، ولكنه لم يشعر بأنه يريد فعل شيء، أو حتى يريد التخطيط لشيء، فاغمض عيناه ومال بجزعه للخلف مستنداً على كوعيه، واستسلم لنسمات الهواء الرقيقة، وإذ بلمسة حنونة على وجهه تعيده من ثباته، ففتح عينيه على الفور فهذه حركتها، دائماً تستغل لحظات شروده وتفكيره وتقاطعه بتمرير ريشة على وجهه، 

نظر إليها وكاد قلبه يخرج من صدره من شدة حنينه، ولكن للأسف لم تكن هي.. كانت مزيونه، قطب حاجبيه ونظر للريشة في يدها وسألها بغضب مكتوم:

-مزيونه ايش تريدين، وايش اللي سويتيه توا؟ 

- ماسويت شي ياسالم، بس حبيت نجلس معك شوي، اذا مابيها مضايقه ليك يعني. 

- لا مابيها مضايقة، انا نسأل عن الريشه. 

-ماأدري شفت رفاقك دوم يمزحون معك بهالطريقه حبيت نجربها، أفترضت انك تحبها. 

إعتدل سالم في جلسته ونفض يداه وتحدث دون النظر لمزيونه:

- شوفي يابت عمي.. اللي أوله شرط آخره؟ 

-نور 

-النور اللي يملا دروبك انشالله.. ولجل تكون حياتنا على نور وكلها نور اسمعي مني ونفذي. 

- أؤمر ياابن عمي وعلي الطاعة. 

-مايؤمر عليكي غير مُحب انشالله. 

اسمعيني يامزيونه.. انا فاهم انك تحاولين تسوي اشيا كان غيرك يسويها، ويمكن عقلك يصورلك اني احبها وراح احبك اذا تسوينها... لكن الحقيقة اذا ضليتي تقلدي أفعال غيرك انتي ماراح تساعديني انساهم.


مااريدك تقلدين وتبذلين مجهود بالنسخ، اريدك تكوني انتِ، على طبيعتج، بأفعالك بشخصيتك، اريد اشوف طبعك انتي، وكيف تتعاملين مع كل شي، ماتعرفي يمكن احب طبعك اكثر واحبك من محبتي لطبعك.. كوني مختلفه بكل شي يامزيونه؛ لأني لو شفت تقليد غصب عني راح احن للأصل.. فهمتيني؟ 


أومات براسها ونظرت للريشة في يدها وبحركة سريعة رمتها بعيداً وهمست له:

-اي فهمت.. والحين بدك شي اسويه لك؟ قهوة شاي، جوعان اجيبلك طعام؟ 

 ضحك سالم قبل ان يرد عليها:

-لا مابدي قهوة ولا شاي ولا حتى جوعان، ومن رخصتج ماتشغلي بالك بي، روحي خيمتك وشوفي ايش ناقصك واستعدي لعرسك وافرحي، َاذا نفسك بأي شي شيعيلي مع أي حدا ويحضرلك اللي تريديه،

والحين انا نازل الحضر قوليلي ايش تريدي اجيبه لك معي؟ 

صمتت قليلاً ثم أجابته:


-تسلم يابن عمي ويسلم عمرك، انا مااريد شي. 

شعر آدم بأنها تريد شيئ ولكنها تخجل أن تخبره، فقال لها بتشجيع:


- هيا يامزيونه اطلبي مني اي شي، اريد احس اني مسئول عنك وانتي مسئوله مني، انا مانعرف ايش تحبين وايش ماتحبين، عرفيني. 


رفعت رأسها وخرج الكلام منها دفعة واحدة وكأنها استجمعت كل شجاعتها لتقوله:

- طيب اذا مصمم أنا اريدك تجيبلي معك شي حلو،، يعني مثلاً حلا آسود أو أي شي من اللي تطيب عليه النفس. 


تبسم سالم وقد فهم ماتريده، هي تطلب منه أن يحضر لها مثلما كان يحضر لرجوة، فبالتإكيد هى رأته مرة أو عشرات المرات يعطي لها الحلوى، كحال كل اهل القبيلة، فقد كانت الملعونة تتباهى بما يحضره لها أمام الجميع. 

فأومأ لها بموافقة وقال وهو يشير بأصبعه لكلتا عيناه واحدة تلو الأخري:

-من هاي قبل هي، احلا شي اليوم يكون بخيمتك ياست البنات.. هاا في شي تاني نفسج فيه؟ 

- لا لا.. مااريد شي تاني، بس هادول. 


-غاليه يارهينة سالم وطلبك هين. 


غادرت مزيونة وهي تشعر بسعادة غامرة، فهاهي تحصل على كل ماكانت تحسد عليه رجوه.. سالم ودلاله وقربه، وقريباً محبته التي ستفعل أي شيء من أجل أن تحصل عليها. 

غادر سالم القبيلة مع رابح وهلال وذهبوا للمدينة، أحضروا الأغراض الشهرية المعتادة للقبيلة، ثم عادوا. 


وصلت سيارتهم ورأتها رجوه من بعيد.. كان وصولها قبل سابق بمثابة حلول العيد، أو رجوع أب لإبنته من السفر وهو محمل بكل ماهو شهي ولذيذ، 

والآن لم يعد لها أب يعود من سفر أو عيد تنتظره بلهفة. 


والمفاجأة حينما رأت سالم يعطى الكيس البلاستيكي المعتاد الذي يحضره لها لطفل ويهمس له فإنطلق الطفل به، ظنت بأنه قادم لها، ولكنه تخطاها، وعند البئر من بين كل الفتيات أعطى الحقيبة لمزيونه، 

والتي ضحكت وأحتضنت الحقيبة امام الجميع بتباهي وفرحة لا تضاهيها فرحه.

أما رجوه فتبسمت وهى تدرك أن هذه أول التنازلات. 


ولكن بينما هي جالسة تراقب وتتدبر سقط شيئ في حجرها! فنظرت إليه وإذ به كيس بلاستيكي آخر، نظرت للأعلى وإذ بسالم يتخطاها ويواصل السير مبتعداً، نظرت للكيس ولا تعلم سبب هذا الشعور الذى إنتابها! 

فللمرة الأولى تشعر بأن هذا الشيئ ليس من حقها، وأن سالم أحضر لها هذه الأشياء من باب الشفقة أو التصدق، فأمسكت بالكيس ورمته بعيداً وقامت وتركت المكان وعادت للخيمة. 

أما سالم فوقف على مسافة منها وقد أوقفه أحد الشباب يسأله عن شيء، فتحدث معه ولكن عينه كانت تراقبها وتراقب ردة فعلها، 

 ولما رمت الكيس شعر بأنها ألقت قلبه معه مجدداً، وهاهي غصة جديدة تتكون في جوفه، فيبدو أن رجوه زهدته هو وكل شيئ منه،

 ولا يعلم سر هذا التحول الكبير، لقد فهم أنها لاتريد محبته أو ترغب به زوجاً.. فماذا عن الصداقة؟ 

أيعقل أن تتخلى عنه وتخرجه من حياتها نهائياً وتهدم جميع الجسور دفعة واحدة هكذا؟ 


صدمة تلو صدمة ولا يعلم إلى متي سيتحمل قلبه منها صدمات، فغادر بعد أن رأي الصغار يلتقطون الكيس ويفترسون مافيه، وقرر أن هذه المرة الأخيرة التي سيجلب لرجوه شيئاً.. (إلا لو طلبته بنفسها)


أخبر آدم ابيه وأمه بخبر زواج سالم، وأرسلهم للقبيلة وقرر اللحاق بهم قريباً جداً، 

أما هو فبقى في القصر، فتح اللابتوب وبدأ في مراسلة بعض الشركات الأوروبية والإستفسار عن بعض الأشياء، وذلك لأنه يفكر في إفتتاح مشروع جديد بعيد جداً عن مجال شركاته الحالي..

 إلا وهو مصنع عملاق لتصنيع الأسلحة، حيث انه يرى تكلفة الإستيراد والشحن ومخاطرة التهريب تجعل ثمن الاسلحة باهظ جداً، وهو أولي وأحق بالفارق، سيكون مشروعه قانوني، وتأكد أن هذه هي التجارة الوحيدة الرابحة بنسبة مليون بالمائة، 

ولكن هناك بعض العقبات ستواجهه، مثل استيراد قطع معينة من الخارج، لأن هذه القطع تحتاج لآلات خاصة باهظة الثمن ودقيقة لتصنيعها، وهو إن بدأ في هذا المشروع سيدفع كل قرش يمتلكه في تأسيسه فقط. 


وبعد الكثير من الاستفسارات وجد انه لن يستطبع في الوقت الحالي بدأ التصنيع لأنه سيتكلف مبالغ طائلة لا يمتلكها، ولكن بعض الأراء أقنعته بأن يستورد قطع الغيار والأجزاء منفردة ويقوم بتجميعها في بلده، وهذا سيوفر عليه الكثير من الأموال،

 وإن كان يبحث عن التجارة بشكل قانوني فهذا قانوني ولا خوف منه.. فقرر أن ينتهي من عرس سالم ويدرس الفكرة بشكل أعمق ويبدأ في تنفيذها، 

وسيأتي من القبيلة بمن سيساعده، فلا أمان إلا لمن تربى معهم ويعرفهم مثل خطوط يده، فهناك لا يعرفون الخيانة ولا تعرف الخيانة لنفوسهم سبيل. 

وبينما هو جالس سمع جرس الباب، فقام إليه، ولما فتحه كان مدحت إبن عمه هو من يقف خلف الباب، دعاه للدخول بإبتسامته المعتادة، فدخل مدحت وتلفت حوله وقال:

-أمال فين عمي ومرات عمي؟ 

- سافروا البادية يحضرون عرس سالم خوي ، وانا بلحقهم غدوه. 

- خساره دانا جعان وجاي مخصوص عشان آكل من إيد مرات عمي وحشني اكلها. 

- غالي والطلب هين، أمي معبيه المجمده وكل، وقالت بس تجوع سخن وكل، تعال نشوف ايش مسويه ونسخن وناكل سوا حتى انا جوعان. 

- يلا. 

ودخل الاثنان المطبخ وبدأوا في إستكشاف أنواع الطعام، وكُل منهم أخرج ماتدنت عليه نفسه وقام آدم بتسخينه، وجلس الاثنان علي الطاولة في المطبخ يأكلون بإستمتاع وشهية مفتوحة،

 حتى آدم الذي لم يكن يعلم أنه جائع إلى هذا الحد، أو ربما طريقة تناول مدحت للطعام أمامه بهذه الطريقة اشعرته بالجوع؟! 


وبعد إنهائهم للطعام قام آدم بصنع القهوة بطريقة أهل البوادي المميزة، ولكن الاختلاف ان القهوة هناك تصنع على الجمر، أما هنا فالموقد الغازي هو الراعي الرسمي لكل شيء. 


شربا القهوة وهم يتجاذبون أطراف الحديث، وكم ود آدم ان يطلب من مدحت أن يشاركه فى عمله، فهو حتى هذه اللحظة يثق به كثيراً ويشعر تجاهه بالإرتياح، 

ولكنه نفض الفكرة من رأسه سريعاً، فالأيام علمته أن يتأنى كثيراً قبل أن يضع ثقته في شخص ما،

 مهما كان الشخص، وخاصة إبن عمه يحيي وفريال، سيكون التأني أطول والحرص أكثر، ولكن لا مانع في تجربة خفيفة تساعد في الإكتشاف سريعاً.. فقال له:

- يامدحت اريدك معي ياابن العم، اريد اكلفك بمهمات استلام البضايع وتوزيعها بالمواعيد المظبوطه طول فترة غيابي. 


فتهلل وجه مدحت وهو يجيبه دون تردد:

- انا معاك ياابن عمي، معاك وتحت أمرك وأمر عمي فأي حاجه تطلبوها، وهتلاقوني سداد بأمر الله. 


- كفووو والله والنعم منك ياابن العم.. خلص من غدوه نبدأ على بركة الله، الموضوع مايتطلب التعيين بشكل رسمي، والراتب راح احددهولك بس أرجع. 


تجهم وجه مدحت ورد عليه:

-انا مش عايز رواتب ياآدم، أنا كل الحكايه إني حابب اساعدك انت وعمي لمجرد المساعدة وبدافع المحبة، انا نفسي اقدملكم أي حاجه، نفسي أعتذرلكم كلكم عن كل حاجه وحشه شفتوها بسبب اهلي، أنا اه مليش ذنب بس كمان عارف ان السيئه تعم ولازم حد يدفع تمن اخطاء اقرب الناس ليه، أو يتحملها. 


-ماتحكي هيك يامدحت، أنا مو من اللي ياخذون ناس بذنب غيرهم ولا احب احمل حد اغلاط حد تاني، الكل عندي مسئول عن تصرفاته وبس. 

- بصراحه لو دي تعاليم القبايل ياآدم ياريت التعاليم دي تنتشر فى الدنيا كلها،

 أنا حاسس إنك واخد مبادئك من أعدل ناس على وجه الأرض، ياريتني كنت رحت معاك وكبرت واتربيت على أديهم، حقيقي أنت حببتني في حياة القبايل وأهلها وكل حاجه فيها. 


تنهد آدم ونظر أمامه ورد عليه:


- أييش شفت انت من حياة القبايل ياأبن عمي،، هناااك تحت السما والأرض الواسعه حريه مالها نهاية وراحه مالها حدود.. تحس بينهم الحياة أبسط من البساطة وأن المال هو آخر شي يفكرون فيه، ومع هيك القروش تحت رجولهم مالها عدد، الأب يعطي حريه بس يعطي معاها مبادئ وقيم، ويطلق أولاده متل الطير يتعلمون التحليق ويغدون نسور ماعليهم خوف،

 بالليل الكل ينام جوار بعضه سواسيه، لا حد يحمل لحد كره ولا ضغينه، الكل خوات وتهون الروح لجل الروح، وماينعز عن الأخ عزيز ولا غالي. 

وقت يمرض فرد تحس المرض تفشى بكل القبيلة وتداعتله افرادها بالسهر والخوف والقلق، والكل يشاركه أوجاعه. 

انا شفت هناك الحب الغير مشروط، ريت العطى بدون مقابل، تعلمت واااجد أشياء جيت هون مالقيت منها شي!

صدق انا اتمنى لو اني اقدر ارجع اعيش هناك لآخر عمري، بس اااخ.. أبي ومصالحه وانتظاره لي وهو متأمل اعاود ارجعله كل حقوقه المسلوبه، مااريد اخذله وانقله من جذوره لمجتمع غريب مااعتاد عليه ولا بعد هالعمر يقدر يتأقلم، لا هو ولا أمي.


-حقيقي انا فاهمك وعاذرك وحاسس بيك، بس على فكره إنت تقدر تكون نقطة البداية عشان تنشئ محيط خاص بيك أنت، وتعمل حواليك دايره ميدخلهاش إلا شخص بنفس قناعاتك ويتعامل معاك بنفس أسلوبك ويكتسب منك مش انت تكتسب منه. 

-مااظن.. الامر اشبه بإختلاط قطره ببحر، ماراح تأثر فيه ولا حد بيلحظ وجودها.. بس راح احاول إن القطرة تكون قطرة زيت، تضل محافظه على نفسها متل ماهي لا تختلط بالماء ولا الماء يختلط بيها. 

- حتى تشبيهاتك جميلة ياآدم زي اخلاقك بالظبط. 

-الله يعزك ياطيب القلب.. هاا هيا علي المكتب لاعرفك كيف يمشي الشغل. 

- يلا. 

_________


أما عند يحيي في الشركة:

- يعني ايه انا قولت خلاص، انا مش قادر أستحمل وجود البني آدم ده في الدنيا أكتر من كده، انا حاسس إنه طابق على انفاسي. 

- اهدى ياياسين واصبر معلش كل تأخيره وفيها خير، وبعدين كام يوم مش هيفرقوا كتير يعني. 

- يابابا انت مش فاهمني..

- فاهمك وحاسس بيك والله بس هنعمل ايه يعني، ادي الله وادي حكمته. 

صمت الاثنان قليلاً، ثم اردف  ياسين متسائلاً :

- متعرفش حاجه عن خالتي فاطمه وولادها راحوا فين ولا عملو إيه؟ 


- وليه بتسأل عنهم مالنا بيهم، خليهم يبعدوا عنا ويخرجوا من حياتنا بقى هما كمان، كفايه بقالهم سنين قاعدين على قلوبنا. 

-انا مليش دعوه بخالتي وأولادها يغورو فستين داهيه، انا بسأل عشان حياة اللي اختفت مره وحده ومحدش راضي يقولي مكانها فين.. البت دي هجيبها يعني هجيبها وهتجوزها غصب عنها وعن عين أمها. 

- ماتبعدنا عن السلسال المنيل ده يبني وتاخد أي وحده غيرها، دي لو زعلتها فيوم ممكن تسمك. 


- ليه ماهي امي معاك مسمتكش لحد النهارده ليه؟ 

- وهو انا أقدر ازعل امك ولا اكسرلها كلمه واقولها تلت التلاته كام؟ مانتاش شايفني ماشي جنب الحيط وكل كلامي معاها نعم وحاضر واحايل وادادي، دانا يابني بخاف اكح جنبها بصوت عالي، وبالليل لو رجلي ولا إيدي خبطتها بالغلط بفضل اعتزر واتأسف لغاية ماتقولي خلاص اتخمد.. وخصوصاً وانا شايفها اليومين دول ماشيه بقزازة السم فأيدها زي ماتكون مقريفه ونفسها تموت اي حد وخلاص! 

-لأ حياة غير أمها وأمي خالص. 


- متراهنش على كده عشان العرق دساس ياحبيبي. 

- بابا لو سمحت خليك انت بعيد عن الموضوع ده. 

- حاضر، امرك يابن فريال. 


أما في القبيلة.. 

- هااا يافانص فرحانه ومرتاحه توا بعد ماضيعتي من يدك بلح الشام وماطولتي ولا راح تطولين عنب اليمن؟ 

- مكاسب حلي عني وانتي بالذات ماتحكي بالموضوع. 

- وليش مااحكي وانا الضرر طايلني واكثر منك، ابوكي من ساعة ماهرب عقلك وهو ماطايقني ولا طايق خيمتي، وكن يم سدينه، ضيعتي تعب السنين وعكرتي صفونا الله لا يوفقك. 

- اي هو هاد كل اللي يهمك، ابوي ودخلته خيمتك، ابوي وبس، مايوم حسيتي بي، مابيوم كنت انا جزء من تفكيرك ولا حالي صعب عليكي، انظري لقلبي بقلب أم يامكاسب مره، بس مره. 

- ولا انظر لقلبك ولا اريد حتى انظر لوجهك، قبح الله وجهك متل اخلاقك القبيحة، يمكن اذا قبيحة الوجه ماعشقك سالم ولا ابتلى قلبو فيك، 

روحي الله ياخذك اخذ عزيز مقتدر ويريح كل القبيلة منك يالفانص. 

ردت عليها وقد تجمعت الدموع بعينيها:

-الله يسمع منك.. والله الموت راحه والله. 

-الله ينولك هي الراحه يارب، انا ماعارفه ليش قصير صابر عليكي للحين؟ ليش مادق عنقك ودفنك وريحنا؟ 

- والله اللي يجي يم بتي لاحرق القبيلة كلها برجالها وصباياها وكل مافيها انخليه احطام، أمي اطلعي من الخيمة واتركيها بحالها، يعني ماشايفه عيونها تنزف دمع؟

 خلاص وصلتيها للمرحلة اللي يرتاحلها خاطرك  حرام عليك فارقيها . 

- معزوزه انتي لا تتدخلين اشقي بروحك وبراجلك وبس 

- ومين اللي يتدخل غيري، رجوه غلطت وغلطها كبير، بس ماحد راح يدفع عنها تمن غلطها، انتي اصبري وابوي هيردلك بس تهدا الأمور ويتقبل الوضع، ومن الحين اذا كل اللي يشوف رجوه يدعيلها بالموت اعتبروها ماتت وماتحكوا معها حرف، الأموات اذا ماينذكر طاريهم بالرحمه ماينذكروا بالسوء، يتركوهم بحالهم وبس. 


- اي وانا يعني راح اخد منكم حق ولا باطل؟ انا بطني ماتجيب إلا الفوانص. اللي يواطن الراس.


- هيا ياامي عدي  ساعدي صبايا القبيلة في تجهيز شي، عدي خلي عين ابوي تشوفك ويغلبه الحنين ليكي ياأم هلال، بس غيري ملابسك قبل وجري عيونك كحل وحطي شوي حُمره. 

كانت هذه الكلمات تخرج من فم رجوه بسخرية، وتهكم، وكأنها تخبر أمها بطريقة غير مباشرة بإنها خُلقت وتعيش من أجل هذا الأمر فقط، من أجل إرضاء أبيها على حساب أي شيء،

 حتى فلذات أكبادها، وأنها خالفت الطبيعة وشككت رجوه فى كل الغرائز، حتي التي يجزم الجميع أن لا شك فيها. 

تركت مكاسب الخيمة بدون ان ترد عليها، فلا الحديث معها يجدي ولا توبيخها يأتي بفائدة، وكأن عقلها وقلبها خُتم عليهم بالغباء، وكما عهدتها ستظل.. سبباً مستمر لتنغيص حياتها وإفسادها. 


غادرت مكاسب الخيمة، وبمجرد أن فعلت دفنت رجوه رأسها بين ذراعيها بعد أن لمت أرجلها، وأبت معزوزه أن تتحدث معها فتزيد عليها الوجع،


 فالكل يعلم أن العتب واللوم يهلكان، ولا احد يتحمل منهم فوق طاقته، فرأفت بها وتركتها وهي تعلم أن القادم سيكون وجعاً لرجوه لن تتحمله. 


اما في القبيله، فبدأت ليالي العرس، وكان اليوم هو أول يوم للذبح وإعداد الولائم لأهل القبيلة وزوارها، إنه عرس سالم ويجب ان يكون من افخمهم، 

وأشرف قصير بنفسه مع ابو سالم على تقديم الولائم، أما الليل فكان تنظيم الإحتفال فيه للشباب والنساء، وكانت الأجواء جميلة أعجبت محمود وعايده كثيراً، 

وكم تمنت عايده أن تعيش فرحة كهذه ولكن العريس يكون إبنها آدم، ففرحة زواج الإبن فرحة لا تضاهيها فرحة، واندمج الإثنان في الأجواء ولأول مرة فرحتم لا تكون ناقصه. 


وصل آدم القبيلة اخيراً بعد إنهائه لجميع الأمور العالقة، وبمجرد ان سمعت رجوه بقدومه جن جنونها، غادرت خيمتها بحثاً عنه ولم تهدأ حتى رأته امامها، 

أصبحت تتواجد على مقربة منه دائماً، تراقبه اينما ذهب، وقررت ان تحدثه هذه المرة في أمرها، فلا عيب في ذلك إن كان سيأتي بثماره التي تتمناها. 


كل هذا تحت أنظار سالم المراقبه، فهي تراقب وهو يراقب، وكل مُراقب لا يهتم سوى بمن يراقِب. 


وفي اليوم الذي يسبق يوم الزفاف، ترقبت رجوه لآدم في الصباح الباكر ، فهي تعلم أنه في هذا الوقت يمتطي حصانه وينطلق في الوديان يسابق الريح ويستمتع بالنسيم العليل،

 وفي مثل هذا الوقت كان خمستهم يفعلون ذلك، 

ولكن الآن تفرق الجمع وانشغل من إنشغل، ولكنها تعلم أنها عادة لن يفوتها آدم لأي سبب مادام بالقبيلة، فهو لم يتكاسل عنها يوماً حتى وإن تكاسل الجميع. 

ركبت حصانها وتبعته حيث ذهب. 

اما هو فقد علم بانه مراقب منذ الوهلة الأولى، وعرف انها هي من يتبعه، فاخذها إلي أبعد نقطة ممكنه، وتوقف واستدار بحصانه مرة واحدة وانتظرها. 

وصلت إليه واوقفت الحصان وترجلت من فوقه، ونظرت لآدم وقالت:

- انزل ياعقاب من فوق  ضهر حصانك ودي احكي معاك. 

- ما يلزم ننزل، قولي ايش تريدين يارجوه. وياريت تحفظي مي وجهك

 

- اريدك ياعقاب، اريدك وانت تعلم، اريد قربك ومحبتك. 

- واذا قولت لك ماعندي 

- ايش هو اللي ماعندك؟ 

- ماعندي لكي لا محبه ولا قرب، ولو انتِ آخر نساء الكون ماتهنيلي ولا تكوني حِل لي يارجوه. 

- ليش ياعقاب، اذا على سالم بيتزوج غدوه، يعني مافي عقبات ولا موانع. 

- ومن اللي فهمك ان سالم هو العقبه والمانع؟ انا من حالي مانريدك، مانريدك، ماشايفك اكثر من أخت. افهمي يابهيمة الوادي.


- بس انا مو أختك، وانحللك ياعقاب. 

- يابنت الحلال افهمي، انا ماانريدك، ماتطيب نفسي عليكي. 

- جربني وراح تشوف مني كل اللي يسر عينك وينسيك نفسك ياعقاب. 


 تعصب كثيراً من كلماتها ورد عليها بغضب:

- يارجوه مانريد اتذوقي كرباج لساني كيف يقتل مو بس يوجع بالحكي، فبالله ماتخليني انسويها معاكِ . 

- ياآدم لا تكون قاسي بهالشكل. 

- رجوه هي مو قسوة، انتي عرضتي علي محبتك وسالتيني المحبه وانا مااريد الأولى ولا عندي الثانيه،

وازيدك من الشعر بيت، انا رايد حياة بت فاطمه، اظنك شفتيها وتعرفيها، واتفقنا على الزواج، وقريب بتم خطوبتنا، بس مسألة وقت مو أكثر، يعني موضوعنا منتهي. 


 ترنح جسدها فور سماعها لكلماته الصادمة، واستندت على حصانها واردفت وقد اختنقت عبارتها بالدمع:

- وانا ياآدم، ايش نسوي بحالي، ماسألت حالك رجوه ايش تسوي؟ 

-وانا ايش اسوي لك، انا يابنت الحلال ماوعدتك بشي

وكيف ماانت تدورين راحة قلبك انا كيفك انريد شويقي وراحة قلبي، الحب اناني  ومافي تضحيات، ولو الواحد ملزوم يضحي لجل واحد يحبه، كانت التضحيه اولى بك انت لسالم، اللي مافي حبيب قدم ولا راح يقدم لحبيبه اكثر من اللي قدمه لك. 


اووووف سالم سالم - ياآدم بس افهمني، انا اذا تركتني أنموت، واللله أنموووت.


- ليش يارجوه تحكين بكل هاد العشم، من وين جبتيه انتي؟ 

- ماادري، ماادري، انا كل اللي اعرفه اني نحبك ياعقاب نحبك. 

- ولك حبتك الضباع الجياع والتفوا حولك واكلوكي بعظامك، رجوه ردي للديار والا وربي ادفنك اهنا حيه وماحد يعرفلك طريق. 


نظرت إليه وبتوسل أكبر همست له:

-عقاب

فصرخ بها بكل قوته:

-اغربي عن وجهي بلا عقاب بلا هباب، قولتلك خطبت، رهنت، حبيييت، ما لكي مكان بقلبي ولا حياتي. 

انهي كلماته وانطلق بحصانه مبتعداً وتركها تواجه الخيبة التي القاها علي مسامعها تواً، فكيف يخطب أخرى وهي التي تحارب من أجله، كيف يستطيع ان يكسر قلبها بهذه القسوة؟ 

عادت ادراجها للقبيلة، وهناك تركت الحصان دون حتى ان تربطه، تحركت نحو خيمة معزوزه التي كانت تقف أمام خيمتها، اقتربت منها بأقدام تغوص في الرمال من ثقلها، ولما اقتربت منها خارت كل قواها، كادت تسقط ولكنها استعانت بقائمة الخيمة، ولما رأت معزوزه حالها سارعت إليها وأمسكتها وهي تسألها بخوف:

- رجوه ايش فيك، ووين كنتي؟ 

لم تجبها رجوه واكتفت بالسكوت، أخذتها معزوزه للخيمة واوصلتها للفراش، أجلستها وتركتها وهي تعلم أنها ماهي إلا بداية المعاناة. 


أما سالم فكان يقف بعيداً، رأى المشهد كاملاً وعرف سر حالتها وهو يرى آدم عائد للقبيلة من بعيد على حصانه، علم أنها حاولت التقرب فصدها العقاب بكل قوته، بل وغرز مخالبه في قلبها، وعلي قدر حزنه منها كان حزنه عليها، فلا هو الشامت ولا هو الراضي. 


إستقبل آدم بإبتسامة بشوشة واخذه وتناولاً طعام الإفطار سوياً مع رابح وهلال، وأخبر الجميع بما قاله لرجوة ليقطع عليها الطريق، واوصاهم إن سألت أحدهم يخبرها بنفس الشيء، وهو سيوصي أبواه والشيخة عوالي أيضاً بأن يكون الكلام موحد. 


كان سالم صامتاً طوال الوقت لم يتفوه بكلمة وكأن الأمر لم يعد يعنيه، ولكنه كان الأكثر إهتمامً من بينهم وأكثرهم إنصات. 


إنتهى اليوم بكل ماحمله من أوجاع للجميع، واليوم هو عرس سالم.. القبيلة كلها على قدم وساق،، الكل يجري ولكل فرد مهمة ينجزها. 


اما في خيمة مزيونه فكانت اصوات الضحكات الصاخبة والاغنيات تعبر عن سعادة من بالخيمة، مزيونه حتى هذه اللحظة لا تصدق بأنها أصبحت عروس سالم واليوم انعقد اسمها بإسمه، لا تصدق بأن سويعات قليلة تفصلها عن الذهاب لخيمته ومقاسمته كل شيئ حتى أنفاسه. 


أما فى خيمة معزوزه فكانت رجوة جالسة بمفردها، تتعالي حولها أصوات الفرح ولا تقوي على الخروج والمشاركة او المشاهدة، فلا أحد في كامل القبيلة يريدها، لا اهل ولا رفاق، ولا حتى أقارب، ولكن كل هذا لم تكن ستلقى له بالاً لو ان شخص واحد من بينهم قرر البقاء معها، كانت ستبدل العالم كله به، ولكنه خذلها. 


اما سالم فكان يشارك الشباب في الصياح والفرحة والرقص، ولكن كل هذا من وراء قلبه، وكأنه يرقص فوق رفات قلبه، 

رقصته كانت تشبه رقصة الموت التي يظن الناظر أن صاحبها يتخبط فرحاً وليس ألماً، هو يرقص وهذا كل مايهم. 


انتهى كل شيئ وحان الوقت.. وقف سالم وسط الشباب وحمله آدم علي كتفيه وسار به والكل خلفه، تتعالى اصواتهم بالهتافات المعروفه بـ(أغاني الزفة الفلكولوريه)  حتى أوصلوه لخيمته، خيمته التى جهزها له رابح وهلال معه بما يليق بصديقهم، واحضر له نفس الأغراض التي احضرها لنفسه، بل وأفضل. 


انزل آدم سالم والتفوا حوله، وهي دقائق من التصفيق والتهليل قاطعها سالم بتحية من يده أخبرت الجميع بأن هذا القدر كافى، فانفض الجميع من حوله، وإستدار هو للخيمة وهو يستجمع كل قوى قلبه، فشعوره الآن يشبه شعور شخص على وشك الخيانة، لا يعلم ماسر هذا الشعور، ولكن ربما عقله الذي نسج احلاماً غير هذا الواقع تماماً هو مايرفض التخلي عما نسجه وتعب فيه ويبث له هذا الشعور! 

 ولكن بالنهاية هذه الخيمة وما بداخلها هي الحقيقة الوحيدة، ووداعاً للأحلام والأوهام. 


دخل الخيمة وكانت مزيونه في إنتظاره، تشهد عيناه انه مارأي مثل هذا الجمال الهادئ المريح من قبل، فإقترب منها وجلس بجانبها، صمت وطال الصمت، فأردفت مزيونه:

- جوعان ياسالم؟ 

- لا مو جوعان اذا جوعانه انتي هيا قومي ناكلو. 

- لا لا، انا اسألك بس، انا مو جوعانه. 

-طيب. 

- احممم سالم.. اذا ماتقدر اليوم أ.... 

قاطعها بغضب عارم:

- على ايش مااقدر، عليكي لعنة الله يامزيونه، صكري خشمك وقومي طفى الضو وتعالي،وكلمة اذا ماتقدر هي اذا زارت لسانك مره ثانيه راح انخليكي تمسكين لسانك بيدك بعد مااقطعه فهمتي؟


- اي فهمت فهمت... وقامت سريعاً تطفئ الضوء، وما إن فعلت وأقتربت من سالم حتي إلتهمها كأسد جائع. 


..يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ريناد يوسف، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة