-->

رواية جديدة عقاب ابن البادية الجزء الثاني لريناد يوسف - الفصل 7 الأثنين 16/9/2024

  

قراءة رواية عقاب ابن البادية الجزء الثاني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




قراءة رواية عقاب ابن البادية

الجزء الثاني

 رواية جديدة قيد النشر

من روايات وقصص 

الكاتبة ريناد يوسف


الفصل السابع


تم النشر يوم الأثنين

 16/9/2024




عقاب ابن البادية الفصل 43


عادت رجوه لخيمتها، وجلست تخطط لما ستفعله، وكيف ترد الصاع صاعين لسالم، ولكل القبيلة، تعلم أنها إن ماتت سيتألم هو، وإن تألم لن يترك أحد ممن أذوها دون عقاب..

 تثق به وبمحبته وأخذه لثارها حتى بعد موتها، فقررت أن تريح الجميع منها وتستريح هي أيضاً، فلن تعيش حياة فُرضت عليها ابداً.

نامت وأغمضت عينيها، ونوت أن تبدأ التنفيذ من الغد.


أما سالم فنهض أخيراً وقرر العودة لخيمته، وفور ان رأته مزيونه من بعيد ينهض نهضت هي أيضاً وهرولت تسبقه نحو خيمتها، أبدلت ملابسها سريعاً ورشت عطرها وأشعلت البخور، ثم إستوت على الفراش تمثل النوم.


دلف للخيمة، إقترب منها وجلس بجوارها، فتحت عينيها وكأنها إستيقظت للتو، سألته بهدوء:

- هلا سالم، جوعان انقوم انجيبلك وكل؟

- لا يامزيونه مو جوعان، ردي نامي.

- لا مافي نوم، طار النوم بجيتك، اذا انت رايد تنام نام، وانا بقوم احوص بالخيمة واشوف ايش فيه ومافيه، ولا تخاف ماراح تسمع مني أي صوت يزعجك.


-لا لا أبقي لا تقومين، خليكي معي شوي.. قالها ثم نزع جلبابه ونام بجوارها وإحتضنها بكلتا يديه ووضع رأسه فوق رأسها وأغمض عينيه، يعلم أنها تعرف كل مايحدث، ولكن صبرها وهدوئها لا حدود لهم، وهذا مايعجبه فيها ويشعره بالإرتياح، فلا يصدر منها ماينغص عليه حياته ويزيد من همه، هي وخيمتها أصبحت راحته بالفعل كما طلب منها.


اما مزيونه فدفنت رأسها بصدره وطوقته بذراعيها، تشعر به وبمدى جرحه وتلتمس له الاعذار، فهى إختبرت الحب من طرف واحد وتعرف جيداً كم يؤلم، ولكن عزائها أن الله عوضها به،

 نعم لم تحصل عليه كاملاً، وتعلم أنه معها جسد بلا قلب، ولكنها راضية وحامدة، وستفعل مابإستطاعتها كي تحصل على مكان ولو صغير في قلبه.

اغمضت عينيها وإستسلمت للنوم أخيراً على دفئ انفاسه، فهو بجوارها ولا داعي لمزيد من القلق.

أما هو فعرف من إستسلامها السريع للنوم بأنها لم تكن نائمة كما كانت تدعي، ولم تنم من الاساس، وكانت محاولة منها لجعله يعتقد أنها لا تُبالي بكل مايحدث، وهذه طريقتها لفصله عن العالم الخارجي، وكانت ستنجح ، ولكن في موقف آخر غير هذا، فما حدث اليوم كثير جداً على النسيان أو التخطي.


أما عند آدم، بعد أن صلى الفجر جماعة جلس مع عمه قصير وباقي الرجال المسئولون عن إستلام شحنات السلاح، ومن ضمنهم صياح..

- عقاب اقول لزوم تنتظر لتستلم هي الشحنه بنفسك، سالم مافي عقل ورابح لحاله مايقدر.

قفز صياح أمامه وقال:

- انا نقدر ياعمي، جربني وشوفني واذا ما إستلمت الشحنه لحالي ووزعتها برفة عين ماتحسبني من ضمن الرجال. 

- اجلس ياصياح الشحنه هالمرة كبيره وماينفع فيها لعب، هي فيها كل مالي وحالي. 

- وانا انخاف على مالك وحالك اكثر منك ياعمي، هاد أصبح مال ابو مرتي، بس انت اترك كل شي علي انا وهلال وبتشوف ايش راح نسوي. 


آدم:

- ياصياح القصة مو عافية ولا بالدراع تنحل، السلاح بالذات مافيه لعب. 

- اعرف ياعقاب، واعرف زين أن الممر مالزوم ينفتح غير ساعه وحده وبيوم معين من الشهر وبليله معينه، اعرف كل شي ومو اول مره اسويها انا لي سنين معكم، انت سافر ياخوي اشقى بأشغالك وشركاتك واترك السلاح لينا ونحن سدادين. 


نظر آدم لقصير ولم يرد على صياح، فهو بالفعل يريد السفر؛ فعمله في بدايته وإن غاب عنه سيخسر كثيراً، ففهم قصير بأن آدم واقع في حيرة من إمره، فقال له:

- خلاص يا عقاب روح انت لاشغالك متل ماقال صياح وانا وهو وهلال ورابح بنستلم الشحنة ونوزعها، بس تابع معنا بالنقال وتابع مع الموردين وماتكف إلا والسلاح بالممر داخل علينا. 

- أبشر ياشيخ، انا ماراح اترك الشحنه إلا وهي بين اياديكم،والحين اسمحلي أنا باخد أهلي واسافر غدوة، وبأقرب وقت انرد وانشالله تكون كل أمور القبيلة اتحسنت.. واذا قدرت اجي وقت إستلام الشحنة باجي، وراح اعمل كل جهدي لاكون موجود وربك يسهل الحال. 


تنهد قصير وقد فهم مايرمي إليه آدم ورد عليه :

- بتتحسن لا تحطط ببالك، هاد كلو لعب وليدات صغار وبينتهي.. المهم انت دير بالك على روحك واهلك وشغلك، لا تغفل ولا تتغافل ياعقاب وأوعاك تحط على الأرض، راح تلاقي الذياب بإنتظارك، خليك دوم محلق فووق، ماتطالك يد ولا ناب. 


- الله يسترها ياعمى.. يلا بخاطرك. 


-الله معاك ياوليدي. 


عاد آدم لخيمته يخبر أبوه وأمه بأنهم سيغادرون القبيلة غداً، وإستلقى على الفراش يستريح قليلاً، فسألته أمه:

طمني يابني شفت البنت اللي اسمها رجوه اللي انكوت بالنار ، ياترى عامله ايه دلوقتي؟ 

- مااعرف ولا اريد اعرف، بس هي ماتموت ولا يجرا عليها شي، كام يوم وتقوم تفرفر بالبوادي وتنعق بحسها متل غراب اكحل. 


- يبني حرام عليك دي البنت صعبانه عليا اوي من ساعتها. 

- لا تاخذك بيها شفقة، رجوة فانص والفوانص ماتجوز عليهم الشفقة.. والحين جهزي حالنا ياأمي انريد نتحرك بالصباح الباكر. 

- حاضر ياحبيبي، احنا نعتبر جاهزين مفيش إلا اخرج اسلم على ستات القبيلة وأودعهم. 

- وينو أبي نايم؟ تصدقي من وقت رجله حطت القبيلة ماشفته غير بس مرتين وكانوا عابرين، أشوفه مندمج مع عمي قصير وباقي الرجال كثير. 


- فرحان يبني باللمه والدفا اللي عاش عمره كله محروم منهم، طول عمره لا له حبايب ولا بيأمن لأصحاب، عمك الله يسامحه خلاه فقد ثقته في كل الناس،وماصدق لقى الناس الطيبين اللي هنا. 


تنهد آدم وأردف:

- تعرفي ياأمي، أنا بالبداية كنت وااااجد زعلان وعاتب عليكم لانكم تركتوني وماسألتوا، وااااجد بكيت بالليل وانا أنحس بالوحدة، بس شوفت الأم بالقبيلة شلون تقسى وتتحمل فراق وليدها وإنفصاله عنها، وتشوفه متل الضيف من الحين للحين وهاد لجل مصلحته ولجل يصير قوي قلبي برد شوي.. ومع الأيام،

 ومع معرفتي للسبب اللي بعدتوني لاجله حسيت إنه أصوب قرار اخذتوله بخصوصي.. جبتوني للمكان اللي طلعت منه بكل شي حلو.. والحين اقولك لو رجع بينا الزمن ماتاخدوا غير هذا القرار. 

 تبسمت عايده وهي تقترب منه، وأخذته بين أحضانها، أما هو فدفن رأسه بين ذراعيها واغمض عينيه، وكأنها واحة حنان إرتمى على ارضها بعد عمر من التعب. 


أما عند صياح بالخيمة... 

أخذ يدندن وهو يشعل سيجارته الثالثه على التوالي، فهدرت به خوله:

-كاااافي دخان كااافي. 

- خايفه علي ياخوله؟ 

- لا خايفه ولا شي، بس الخيمة صارت كلها دخان وماعاد نعرف نتنفس، قوم اطلع للخلا واشرب اللي تشربه بس غادر كتمت انفاسنا. 


- لا ماطالع، انا جالس مع أمي اطلعي انت لخيام البنات وعوفي الخيمه. 

- لا والله مااطلع ولا اروح مايبطلون ضحك وغشمره علي ويحكون بالعشق ويتغزلون بشباب القبيلة وانا استحي. 

- اقووول ياخوله، لمن يتغزلون بشباب القبيلة مايجيبون سيرتي؟ مافي بنيه تقول صياح كذا.. مثلاً صياح جميل، صياح حلو، صياح زينة شباب القبيلة. 

ضحكت خوله ولم ترد عليه ففتح عينيه على وسعهما، وخاصة وهي تعود للضحك كلما صمتت قليلاً، فقال لها:

- خلص كافي ضحك عرفنا الجواب. 

- زين عرفت، يلا قوم روح لخيام الشباب ونام حدهم ولا تيجي الخيمة، انا انريد ناخد راحتي بالنوم وانت طابق على انفاسي بقعدتك ودخانك، يلا روح وغدوه تعال لامك، هي موجودة وين بتروح؟ 

تنهد ثم إستسلم لأمره وغادر الخيمة، فخولة لن تسكت حتى يفعل ماتشاء. 


أما خوله فبعد خروجه نظرت لأمها وقالت-

-اقول يمه، اريد اجيب ملابس جديدة تلوق بمقام سلفة بت الشيخ، اريدهم ملونات ويظهرن جمالي، انا من الحين كل العيون بتصير علي

- روحي لابوكي مناحي وجيبي منه قروش، اعطيهم للشيخة عوالي وهي تجيبلك من الحضر اللي تريديه. 

- حييييه عليا، ابوي يعطيني قروش؟ ومرته الخايسه تخليه يعطيني.. هي لو شافته واقف معى تخرب الدنيا، إيش تسوي لو طلبته قروش؟ 

- دزي عليه وخديه بعيد وماتطلبي منه قدامها. 

- اقول يمه، هو ابوي له حق يتزوج عليكي وكل شي، وأنا لو منه بتزوج عليكي ثلاث، بس يعني إنت ليش ماكنتي مره مفتحه وطالبتي بحقك وحقنا وشكتيه للشيخه والشيخ؟ 

وكان جه خيمتنا غصبن عنه وعطانا قروش متل الخلق والناس، وصرف علينا متل مايصرف على خيمته التانيه ومرته وعياله؟!


- لأن ياخايبه لو انا سويت هاد الشي كان بوك رمالي قروش ماتكفيكم ولا تكفيني، لكن لما تركته وأشتكيت بس جوعي وجوعكم للشيخ منصور تكفل بيكم وبوكلكم وشربكم وثيابكم، وعطاني حلال وساعدني اربيكم، وحتي الشيخة عوالي ماقصرت، وابوك ماتعدل حاله غير بس من كم سنه من وقت اللي مات أبو مرته وفاتلها حلال وهوايش وكام راس جمال ومنهم عاشوا. 


- ايييي... طيب اقول يمه انت ماتشتاقي لابوي، يعني مايهفك الشوق يجيك ليلة ويبات بخيمتك؟ 

 تنهدت أمها وقالت:

- ااايييه، كان يهفني الشوق، بس مو كل الشوق مُلبى ياخوله، يلا الحمد لله هي كانت مرحلة ببداية زواجه والحين نسيته ونسيت أيامه ونسيت الشوق. 

- تعرفي ياأم خوله، انا من اللي اشوفه منك ومن ابوي مااريد اتزوج، وارفض كل اللي يجوني. 

- اهوووو.. ليش انت حد جالك وطلب يدك ورفضتي؟ اسكتي ياخوله ونامي وكافي حكي مالو داعي وبطلي احلام. 

- ياااخ اتركيني اتخيل، هو حتي الخيال ممنوع؟ 

- تخيلي بس غدوه، الحين نريد اننام. 

- نامي يمه نامي.. أقول يمه، ايش رأيك اروح لرجوه نقعد معاها شوي واخطف منها ملابس وأجري؟


- حييييه عليكي، والله ماراح تجيبيها لبر إلا ورجوه مخلصه عليكي، يابهيمة ماليكي كام ساعة كنتي بتروحي فطيسة بيدها! 


-بس ماموتت، وماراح احلها واللله. 


تنهدت امها وأستغفرت، فهي تعلم أن إبنتها ستفعل مانوت عليه على أية حال، ورجوه لن تتهاون هذه المرة وستقتلها، ولا دية لها. 


فى الصباح الباكر... 

غادر آدم بعد ان ودع رابح والبقية، وترك سالم ليستريح، ولكنه لحقه عند السيارة وودعه، ووقف يراقبه وهو يغادر القبيلة مع عائلته، 

وتمنى لو يستطيع المغادرة مثله وترك كل شيئ وراءه، فلو كان ذلك متاح لترك كل شيئ وهرب بعيداً. 


عاد لخيمته ووجد مزيونه مستيقظة.. إستقبلته بإبتسامتها المعتادة ونهضت لتلبس ملابسها، فتقدم منها سالم وسألها:

- ليش تلبسين وين رايحه؟ 

- طالعه اجيب الفطور والمي ياسالم. 

- وليش انتي تجيبي، ليش ماتعطي امر لأي حد غيرك يجيب.. انتي عروس ولا نسيتي؟ 

- ضحكت بتهكم لأول مرة وهي ترد عليه:

- عروس؟ لا انا اقول كافي معرسه واطلع التهي بالشغل واضيع الوقت الطويل. 

صمت وهو ينظر إليها فإدركت خطأها وقالت له:

- اعتذر منك يابن عمي، مو بقصدي انا أقصد وقت تطلع لشغل أنا اضل لحالي وو.... 

- ششش، لا تبررين، حقك يامزيونه، والله حقك.. تعي يامزيونه واقعدي انا مااريد وكل مو وقته. 

- ليش مو وقته ياسالم، انت من الليله الماضيه مادوقت شي. 

- قبل الوكل يامزيونه انت لك حق علي وانا احب ارد الحقوق لاصحابها.. تعي يامليحه واقربي علي. 

ضحكت وهي تراه يطوقها بيديه واردفت ممازحة:

-. هااا تضحك علي وتقول مااريد وكل وانت تريد تفطور لصيمه؟ 

 ضحك هو الآخر وضمها عليه وبدأ يعتذر لها بطريقته الخاصة عن كل الالم الذي سببه لها بالأمس، وهى تقبلت كامل إعتذاره وغفرت وهذا كان جلياً على وجهها وإبتسامتها التي لم تفارق شفتيها. 


أما في خيمة رجوه... 

- يلا يارجوه قومي افطوري معنا.. 

-. مااريد اتركوني بحالي. 

- كيف ماتريدي يعني، انت مريضة والوكل اللي راح يخليكي تشدي حيلك. 

- مسك اشقي بروحك وحلي عني، وكلمة زايدة بتركلكم الخيمة واروح اقعد براها.. او اقوم ادقك. 


- لا لا وعلى ايش، هاك صكرت فمي وانت حره تاكلين ماتاكلين مايهمني. 

- شاطره. 


بعد دقائق دلفت معزوزه من باب الخيمة وهي تقول:

-. هااا نهاركم باااهي ياصبايا قصير يازينة صبايا البوادي، انشالله اموركم مليحه.. إيش اخبارك يارجوه اليوم؟ 


- اخبار الهم والغم، ايش اخباري يعني، شو اللي تغير بالساعات اللي تركتيني فيهم؟ 

إقتربت منها وجلست بجانبها وقالت لها وهي تمسد علي شعرها:

- ياحبيبة قلبي، ياروح الروح انت، هوني على نفسك وكل الأمور بتنحل.


- مافي شي بينحل يامعزوزه، الأمور كل يوم تتعقد اكثر، حياتي ماعاد لها لزوم ولا أنا المحبوبه، مافي حد حبني بكل القبيلة غير سالم، بس خسارة حبني بطريقة ماكنت اريدها. 


- وليش ماتريدينها، انا سمعت مسك وهي تنصحك وانا اريد اعطيك نفس النصيحة، الفرصة مازالت امامك لا تضيعيها، سالم يحبك وإذا شاورتي بروحه يلبي، قوليله انك وافقتي تتزوجيه وهو الوحيد اللي راح يخلصك من كل اللي تعانيه. 


-ياناااس افهموني، انا مااحب سالم هاداك الحب، مااقدر اتخيله زوجي ومعي بخيمة وحده ونفعل متل المزوجين، سالم عندي متل هلال.. تخيلي روحك مع هلال تجمعكم خيمة وحده وراح تعرفي شعوري. 


- شعور كذاب وعقلك مارد براسك وقلبك ماأدرك بيش ضحى.. سالم مو متل هلال وانتي تحبي سالم، ومع الايام يارجوه بتشوفي. 


- معزوزه قومي اغربي عن وجهي، ردي لخيمتك وماتجيني، انا لا اريدك لا انت ولا سالم ولا اريد أشوف اي بشر. 

- تم يارجوه، انا الحين بمشي بس شوي واعاود ولنا كلام كثيير، والكلام ماخلص.. وتذكري إن الفرصة ماراح تطول، سالم أمامك وصياح خلفك. 

- وانا ماراح اكون لهاد ولا هاداك يامعزوزه. 


غادرت معزوزه وهي تشعر بالشفقة علي اختها وتسخط عليها أيضاً، فهذه العنيدة سوف تتعذب بعنادها ولن تستطيع النجاة إلا بسالم.. ولكنها لا تريد الإعتراف أو الإستسلام. 


مر اليوم ولم تتذوق رجوه طعم الزاد.. أضربت عن الطعام وكانت هذه خطتها البطيئة للضغط على سالم. 


أما سالم فكان يسأل عنها من بعيد، علم بأمر رفضها للطعام وفطن لخطتها، ولكنه قال لنفسه بانها لن تستطيع الصمود، ستضعف وتأكل إما اليوم أو الغد.


أما في القاهرة... 

وصل آدم اخيراً وذهب لشركته فور وصوله، بعد إن أوصل ابويه للقصر.. ووجد مدحت بإنتظاره فى مقر الشركة، راجع كل شيء فوجد مدحت فعل كل ماأوصاه به واتم العمل على اكمل وجه.. فرح آدم كثيراً وتأكد ان مدحت شخص يُعتمد عليه وبدايته موفقة. 

جلسوا حتي وقت متأخر من الليل في الشركة هم الاتنين يتباحثان فى أمور العمل، وبينما هم كذلك سمعوا دقات علي باب المكتب، فأذن آدم لمن بالباب بالدخول، وفوجئ آدم بحارس القصر والمسئول عن الحديقة هو الطارق. 

فدعاه آدم للدخول.. 

وهم أن يسأله عن سبب مجيئه وماهذا الصندوق الذي يحمله، ولكن قاطعه رنين هاتفه، وكانت أمه المتصلة فأجابها على الفور:

- ايه ياحبيبي معقول كل ده في الشركة.. بالراحة على نفسك ياآدم وقسم الشغل عالايام يانور عيني مفيش حاجه بتخلص مره وحده. 


- والله ياأمي ماانتبهت للوقت، آسف، الحين بنهي كل شي وارد للقصر. 

- طيب انا عملتلك لقمه وبعتهالك مع البواب، تسيب كل اللي فأيدك وتاكل ياآدم وتبقى بعد ماتخلص ترجع للشغل مفهوم. 

- ابشري.. والله الوكل جه بوقته، قلبك حس بوليدك وبجوعه ياأم آدم.

- وانا قلبي له غيرك يحس بيه يانبض قلبي إنت. 

سمع آدم ابوه يتنحنح بجوار أمه، ففهم ان كلامها أثار غيرته، فضحك وانهى المكالمة، وإستدار ينظر لحارس القصر فلم يجده.. ووجد مدحت قد فتح الصندوق وأخرج الطعام وبدأ في تناوله.. متى حدث كل هذا لا يعلم، فقال له:

- انت لزوم تعمل تحديات وكل متل اللي يعملوها الصينيين وراح تكون اشطر وأفجع واحد بينهم كلهم. 


- اقعد اقعد الأكل جميل أوي وانا كان واحشني اكل مرات عمي. 

- ع اساس ماكنت تاكل كل يوم من المجمده؟ 

- والله الاكل خلص من امبارح واضطريت آكل من اكل فريال مرات عمك، ودا مش أكل دا تكفير ذنوب. 


ضحك آدم وجلس يشارك مدحت في تناول الطعام، أو يخطف من أمامه بعض الطعام قبل ان ينهى مدحت عليه كله. 


في شقة يحيي الجديده.. 

-يايحي انا حاسه اني بتخنق في القمقم ده، انا اخدت علي القصر والعيشه فيه ومش قادره اتكيف مع الشقه دي شوفلك حل بقى. 

-. وانا اعمل ايه يعني يافريال، انتي شايفه كل حاجه بعينك، ابن محمود خلانا عالحديده، والقصر اخده ومبقاش باليد حيلة. 

- بص بقى يايحيي انا مش هستنى ياسين لما يخطط وينفذ والخطه تفشل وكل اللخبطه اللي بيعملها دي، انا هتصرف وهخلص الموضوع بمعرفتي.

- هتخلصي ازاي وهتعملي ايه؟ 

- ملكش فيه، انت ليك النتيجه وملكش دعوه بالتدبير. 

-اعملي اللي تشوفيه يافريال، ولو عرفتي تخلصي من الكل اخلصي  

- اعتبره تم.. 


عاد آدم للقصر في نهاية الليل، وعاد مدحت لشقتهم الجديدة، ولولا غارات أمه المتكررة لبات في القصر مع آدم، ولكنه لا يحب الصدام معها. 


كانت فريال في إنتظاره، وبمجرد دخوله أضاءت الضوء وسألته بغضب:

-. كنت فين للساعادي يامدحت افندي؟ 

- مساء الخير ياماما كنت في الشركة مع إبن عمي بنخلص شغل. 

- خلي بالك انا سايباك بس عشان تعرف الشغل في الشركة ماشي إزاي، لأنها قريب اوي هتكون شركتك وإنت اللي هتديرها. 

- شركتي ازاي يعني مش فاهم؟ 

- مش مهم تفهم.. المهم دلوقتي اتعشيت ولا احضرلك العشا؟ 

- سيبك من العشا وردي عليا، هتبقى شركتي إزاي؟ أقسم بالله ياأمي لو آدم إبن عمي جرتله حاجه بسببكم انا ماهسكت ولا هسامحكم، سيبوه في حاله بقا هو وعمي ومرات عمي كفايه عليهم كده انتوا إيه؟ 

- إنت تخرس خالص وصوتك مسمعهوش.. إتفضل على اوضتك. 

تحرك مدحت مبتعداً من أمامها فسالته مجدداً:

- مردتش عليا اتعشيت ولا اجيبلك تطفح؟ 

- طفحت مع آدم في الشركة .

- جيبتوا اكل دليفري من بره يعني؟ 

- لا مرات عمي بعتتلنا اكل بيتي. 


صمتت فريال وأخذت تفكر بعمق، ثم تبسمت وكانها وجدت الحل. 


مرت الليلة على الجميع، وفى الصباح إستيقظ سالم وغادر خيمته بعد أن شعر بوخذات في قلبه، وذلك بعد أن رأها في منامه، كانت متعبة وتئن من الحروق وتطلب مساعدته، تنادى بإسمه فهب من نومه وأخذ يتلفت عليها حوله، ثم إرتدى ملابسه وخرج سريعاً غير آبه لأسئلة مزيونه حول ماحدث له وأين ذاهب. 


وصل خيمتها وبالفعل سمع صوت أنين مكتوم، دار حول الخيمة حتى أصبح عندها تماماً وصوت أناتها أصبحت أعلى، تحدث من خلف قماش الخيمة بصوت منخفض ولكنه متأكد من أنها ستسمعه:

- رجوه إيش فيك، يارجوه ليش تئني جاوبيني، بشو حاسه يانبض هالقلب. 


- إبتعد ياسالم، مالك علاقه بي ولا تسأل عن أوجاعي، متلك متل اللي ذبح شخص وجاي يمشي بجنازته، عوفني ياسالم ولا تشغل بالك بي وأشقى بروحك ومرتك. 

- مااقدر اعوفك وانت تعرفين.. والحين أنا مااقدر ادخل عليكي الخيمة وحدا يشوفني طالع منها ويحكي كلمه عاطله، بس اريد اطمن عليكي ولزوم اشوفك بعيني،، اطاعي يارجوه من الخيمه بالله عليكي. 

- لا.. ماني طالعه ولا راده وحل عني.. حل عنييييي انا اكرهك اكرهك يااكتر حد اناني بالدنيا كلها، يالمتحب إلا روحك. 


-أنا يارجوه؟ 

- اي أنت ياسالم.. والحين اغروب مااريد اسمع صوتك. 


صمتت وصمت هو، لا يعلم ماذا يفعل، لا يستطيع المغادرة دون الإطمئنان عليها، ولا يستطيع المكوث بجوار خيمتها أكثر، فهذا سيجلب له المتاعب،، فذهب لخيمة رابح، أيقظه وطلب منه ان يرسل معزوزه لرجوه، فذهبت معزوزه علي الفور بعد ان عرفت من سالم ان رجوه تتألم.. 


دلفت للخيمة وصاحت بها بغضب:

- قولتلك اللي تسوينه ماراح يجيب نتيجه ولا راح تجني منه غير الوجع والألم. 

- ماحد له علاقه بي، كل واحد يشقى بروحه.. عوفوني انا مابيا حيل اجادل ولا اريد اشوف حد. 

- زين، قومي كلي لقمة وبعدها ماحد راح يقرب عليكي لا يجادل ولا يحكي شي. 

- لا والله ماآكل ولا احط الزاد بخشمي. 

- لمتى يارجوه؟ 

- لحين الله ياخد أمانته يامعزوزه، انا خلص مابدي هي الحياة كلها،مااريدها.

- يارجوه هاد إسمه كفر وقلة دين وقلة عقل بعد. 

-سميها كيف ماتريدي، بس عوفيني الله يخليك. 

غادرت معزوزه الخيمة وهي غاضبة، فهي تعلم أن تلك العنيدة لن يثنيها عن قرارها أي شيء، إلا رحمة من عند الله بها. 

أخبرت سالم بأنها مضربة عن الطعام منذ الامس فجن جنونه، أمر معزوزه بتجهيز الطعام وفور أن فعلت أخذه وذهب به لخيمتها وقد ضرب كل بكل شيء عرض الحائط.. 

تنحنح ودخل بعد أن رأيدأخواتها كلهن بالخارج، وبمجرد دخوله أدارت وجهها بعيداً، إقترب منها ووضع الطعام بجوارها وجلس هو أيضاً، همس لها بحنو بالغ:

- ليش تسوين بروحك هيك يارجوه.. يعني حياتك رخيصة عندك لهادرجه يعني؟ 

- وايش تسوى الحياة والعمر واحنا مانطول اللي نتمناه ياسالم، إيش اسوي فيها الدنيا وانا انرهنت لنباح وأمامك وانت ماتكلمت ولا منعت وتعرفني أموت ولا يجرا هالشي، معناها أنت تعرف إني هيك أو هيك بموت، بيش تفرق الطريقة والتوقيت؟ 

- انا ماطلع بيدي أرفض أو اعترض يارجوه، على أي أساس أعترض زواجك ها، بس قوليلي بربك على اي أساس؟ 

- على أساس اني بت عمك، رباية يدك وانت بمقام خوي. 

أغمض عينيه وسحب نفساً عميقاً وإستغفر بداخله قبل أن يرد عليها:

- هاد عندك انت، أما بين أهل القبيلة انا كنت راهنك، وأي تصرف راح يتفسر أنه تحت بند الغيرة والحقد، وتعرفين زين أنا آخر واحد يحقلي اتكلم بأمر زواجك. 

- إنت ماتقدر بس عقاب كان يقدر، ليش ماخليته يتكلم ويمنع عني حكم الموت ليش؟ اقولك ليش، لأنك واحد  أناني

- كافي ظلم يا رجوه واسمعيني زين، أنا ماكنت رايد أجرحك، بس انا فاتحت عقاب وقولتله، عرضت محبتك عليه وهو رفضها، ترجيته لأجلك وهو قال على موته ولو انت آخر بنت بالكون مايتزوجك. 

-كذاب ياسالم. 

- وغلا رجوه عندي ماكذبت بحرف، هاد اللي تم واللي صار،ولو ماتصدقيني إسألي رابح هو يعرف كل شي صار. 

-رفضني.. طيب ليش رفضني؟ 

- يحب غيرك يارجوه، متل ماأنت تحبين غيري ورفضتيني، حجتك إن هاد حقك، طيب ليش ماتشوفي إنه حقه هو كمان، مو كل واحد حقه يقبل محبة الشخص اللي يحبه أو يرفضها، ولا تحللين لروحك وتحرمي على غيرك وتكيلي بمكيالين؟ 

- لا ياسالم مااكيل بمكيالين، بس البنت غير الولد، البنت واحد بس اللي يملكها ومايحقلها غيره، ولهيك لزوم ماتاخد إلا شويقها، اما الولد يحقله يتزوج ٤، منهم شويقه ومنهم اللي تعجبه ومنهم اللي يتزوجها مصلحه بدون سبب..وانا مستعده اتزوجه ويتزوج بعدي، او قبلي ماتفرق. 

سمع كلماتها وهدر بها قهراً:

- كافي يارجوه كافي، كافي لا تذلين نفسج وقلبك وتنزلين من روحك، الحب مايذل لهالدرجه يعني، إي يعذب ويوجع بس مايذل، محبتك لعقاب ماتوازي نص محبتي لك، ووقت حكيتي مااريدك وقلبي تعلق بغيرك بعدت، ماتوسلت ولا ترجيت ولا حطيت حلول تحط من قدري وكرامتي ولا قبلت على نفسي. 


- اي ماهاد اللي توا نحكي فيه، إنت رجل والرجال غيير. 

- العشق مافيه رجال وبنيه، العشق واحد ومتل ماينزل قلب النساء ينزل قلب الرجال، بس الفرق ان الرجال لزوم يتحملون، يتحملون برغم الوجع اللي مابينحمل، يتحملون وإلا يركبهم العار ويصيروا بين الناس ضعاف وحفنة مشاعر بعثرتهم وهزت ثباتهم.. يعني فوق ضيم القلب ضيم الخوف من وصمة الضعف. 


-صمتت واغمضت عينيها، فهو لم يخطئ بشيء ونعم هذه هي الحقيقة، ولكنها الآن لن تتعامل بالمنطق أو تقتنع. هي ترغب بشيئ وتريد أن تقول له كن فيكون. 

ساد الصمت قليلاً، وظن سالم بأنها إقتنعت بكلامه، فقرب منها الطعام واخذ منه القليل ومده لها وهو يهمس:

- يلا افتحي خشم السحليه وكلي كافي عناد.. يلا وانا باكل معك، إشتقت لما كنا ناكلوا سوا وتخطفي من يدي الوكل وماتهنيني بلقمة. 


اغمضت رجوه عينيها وادارت وجهها عنه، حاول معها مرة تلو مرة ولكن بلا جدوى، فإستشاط غضباً وغادر الخيمة وأخذ حصانه وأنطلق به في الصحراء لعله يهدأ. 


أما فى القاهرة.. 

- آدم إستنى باباك هيصلى الضحى ويروح معاك الشركة هو قالي خلى آدم يستناني. 

- تم ياأمي، انا فايت عالمكتب اشوف شي عاللابتوب لحين ينهي صلاته. 

-. دلف داخل المكتب وبدأ في مراسلة بعض الشركات ومتابعة التطورات، وفي هذه الأثناء سمع صوت يحيي يصيح في الخارج:

- مرات عمي انا جعااان وعايز من إيدك العجه اللي بعشقها ومعاها المخلل بتاعك وياسلام على كباية شاي مظبوطه جنبهم. 

- من عنيا ياحبيبي. 

- تسلم عيونك ياأحن وأطيب ست في الدنيا.. قالها وإقترب منها يقبل جبينها، وهمس لها ممازحاً:

- انا مش عارف ليه مجبتيش بنت شبهك كده كنت اتجوزتها وبقت نصيبي الحلو من الدنيا! 

- هههه معلش بقا نصيب وربنا مأرادليش يكونلي بنت مع أني كنت اتمنى. 

- وانا كمان والله كنت اتمنى. 

قاطعهم آدم وهو يقول بصوت عالى:

- أشوف وصلة الغزل طولت، بس أبوي يتشطر علي وقت تحكيلي كلمة حلوة! 

وهنا رد عليه ابيه الذي خرج من الغرفة بعد ان انهى صلاته:

- لا بقولك ايه ياحبيبي إنت وهو، إلا مراتي اديني بقولكم اهو، إتجوزو وكل واحد فيكم يجبله وحده يغازلها طالما بتحبوا الغزل، إنما مراتي ليا انا وبس. 

قالها وإقترب منها يقبل جبينها ويدها، فتبسمت عايده وهي تشعر بانها أميرة وسط ثلاث ملوك ويتقاتلون على محبتها، وغادرت على الفور تعد طعام الإفطار لمدحت الذى تزداد محبته في قلبها يوماً عن يوم دوناً عن عائلته، وخاصة منذ أن عاد آدم وأصبح الاثنان مثل الإخوة. 


تناول مدحت الإفطار، وهموا جميعاً بالمغادرة، ولم تنسى عايده ان ترسل معهم صندوق الطعام البلاستيكي المليء بكل ماهو شهي ولذيذ من صنع يدها، والذي تمضي اغلب الليل تعده بمحبة ونفس راضية لأحبتها، فأحتضنه مدحت وتولى هو مهمة حمله ورعايته حتى مقر الشركة، وهناك سيكون تحت ناظريه حتى يحين موعد الغداء. 


مر يومان... 

ساءت فيهم حالة رجوه كثيراً، بلا طعام أو شراب، وأصبحت على حافة الموت.. أما سالم فإمتنع مثلها عن تناول الطعام، وأقسم ألا ينزل جوفه الزاد قبل ان ينزل جوفها، وإن كان الموت هو قرارها، فليذهب معها أينما قررت الذهاب، فلا حياة بعدها تطيب ولا للعمر قيمة. 


وصل الخبر بالتاكيد للشيخه عوالي، حاولت مع رجوه مره باللين ومرات بالشدة ولم تجد أية نتيجة لا لهذا ولا لذاك، فكانت تطلب من مايزه أن تنقط لها بضع قطرات من الزيت في فمها من حين لآخر، حتى لا يجف حلقها ويتشقق. 


اما صياح وعائلته فكانوا أشد الناس حزناً على رجوه وحالها، ليس حباً فيها وإنما حرصاً على أحلامهم التي بنوها على هذه الزواجة ويبدوا انها لن تتحقق. 

اما مكاسب فلأول مرة يرق قلبها على إبنتها وهي تراها تموت امامها، دخلت عليها الخيمة وإقتربت منها وجلست بجوارها، وهمست لها وهي تمسد على شعرها:

- طول عمري يارجوه اسب فيك وماراضيه عن افعالك، بس للحق كنت من جواتي اغير منك وفرحانه بيك.. اغير لانك اخذتي حرية ماطولت انا ربعها، وعشق سالم لك العشق اللي يخلي اي وحده من نساء القبيلة واي قبيلة تحسدك عليه، حتى أمك.. أمك اللي مضت طول عمرها تجري ورا ابوك وتحاول بكل حيلها وقوتها تخليه بخيمتها وتضل حلوه بعيونه وما يعوفها متل الخيمة المهجوره بس تلفها الرياح. 

سالم كان بيتوجك ملكة على كل نساء القبيلة بمحبته، وماكنتي مضطره تقيدي اصابيعك شموع ليرضى عنك، كان القليل منك راح يخليه ممنون. 

بس لانك غبية ضيعتي كل المحبة ورمحتي ورا السراب، السراب اللي حطك على طريق الموت يارجوه. ياخساره وألف خسارة، كنت اشوفك بالجايات فوق جريد النخل عالية، بس انت اخترتي تكوني تحت الرمال مدفونه ومنسيه.

نظرت رجوه لها بضعف، فليس هذا ماتوقعته منها، وكالعادة خلفت توقعها، كانت تمني نفسها بضمة منها وأستعدت لها بكل جوارحها حين جلست بجوارها، ولكن قسوتها غلبت امومتها مجدداً. 

وغادرت مكاسب خيمة رجوه بعد ان أتت تخبرها بانها غبية وضيعت نفسها، فاغمضت رجوه عينيها ورغبتها في مفارقة الحياة صارت اقوى من بعد لقاء أمها، وحتى ابيها الذي لم ياتي لرؤيتها ولو لمرة واحدة وهو يعلم حاله حال الجميع بانها تحتضر.. وحتى هلال يسأل عنها من بعيد ولم يقترب. 


اما معزوزه فكانت تتعذب ولا تملك عليها حيلة، حالها حال سالم، ولكن الفرق ان معزوزه يرغمها رابح على تناول الطعام بالقوة من أجل الطفل الذي داخلها، ومن أجلها هي أيضاً، اما سالم فأنتهت معه كل حلول الارض على يد مزيونه، واستسلمت تنتظر حلول السماء تنتشله مما هو فيه، لدرجة انها ذهبت لرجوه بنفسها داخل خيمتها وحاولت معها أن تأكل، فقط لأجله.


في القاهره... 

إستيقظ مدحت علي هزات من يد أحدهم، وكانت أمه تقف فوق رأسه، إعتدل وسألها وهو يفرك وجهه:

- صباح الخير ياأمي، خير فيه حاجه ولا ايه، حضرتك مصحياني بدري عن ميعادي بساعه ليه؟ 

- مصحياك عشان اقولك متروحش الشركة عند عمك وابنه النهارده انا عايزاك توصلني البلد، خالك تعبان وعايزه اروح ازوره. 

- هو خالي ده مش من فتره قالوا إنه مات باين ورحتي البلد تعزي فيه؟ 

- لا كان تعبان تعب جامد مماتش.. المهم متخرجش من البيت النهارده ولا تروح الشركة. 


غادرت الغرفة وظل هو يراقبها بعينيه وقد تولد في قلبه تيار من الخوف، شعر بأن أمه تدبر لشيئ واليوم ستنفذ، وهو لن يسمح لها بذلك أبداً. 

نهض وتحمم وإرتدي ملابسه وخرج عليها، فهبت صارخه حين رأته:

- انا قولت إيه ولا كلامي مبيتسمعش؟ 

 فرد عليها وهو يجلس على طاولة الطعام:

- مش رايح الشركة بس ورايا مشوار مهم هروح لواحد صاحبي في محافظه تانيه، فرحه النهارده وكان داعيني وناسي، هرجع على بالليل خلي  ياسين يوصلك أو بابا. 

- صمتت قليلاً وهي تراقبه يتناول طعامه وقد تأكدت بذلك أنه لن يذهب بالفعل، فهو كف عن تناول الطعام في المنزل نهائياً منذ عمله في شركة عمه.. وقالت له بنبرة يغلفها الهدوء:

- ماشي بس خلي بالك من نفسك، هاخد ابوك معايا ياسين مش فاضي. 


تلفت مدحت حوله وأردف:

- هي كارمن فين؟ 

-بايته عند صحبتها ساره من إمبارح. 

تغيرت ملامح مدحت وترك الطعام من يده ونظر لها وتحدث بغضب:

- انا مش سبق ونبهت عليها قدامكم متباتش مع البنت دي ولا حتى تصاحبها واني مرتحتلهاش من ساعة ماشفتها؟ 

- البنت كويسه بطل إوهام، انت بس اللي بتفكر بعقلية رجعيه متخلفه. 


خرج يحيي من غرفته علي اصواتهم وقد سمع كل ما قيل، فنظر لمدحت وقال له محاولاً إنهاء هذا الجدال الصباحي:

- ملكش دعوه باختك يامدحت، وطول ماانا عايش محدش يقولها تروح فين ومتروحش فين غيري. 


- ماشي بس كمان وقت ماتحصل حاجه محدش هيكون عليه لوم غيرك يابابا.. بعد اذنكم انا ماشي يادوب الحق اشوفلي مواصله. 


خرج ونظرت عايده ليحيي وأردفت:

- النهارده هنخلص من آدم وهندق اول مسمار في نعش عيلة اخوك كلها يايحيي، إستعد 

- مستعد وجاهز لكل حاجه. 


غادر مدحت المنزل وتوجه للشركة مباشرة، فقد قرر أن يؤمنها جيداً، وأعطى خبراً لرجال الأمن أن ينتبهوا جيداً اليوم، وهاتف آدم واخبره بأن ينتبه لنفسه في الطريق، ومكالمته اثارت الشكوك والخوف في نفس آدم، فرفض مرافقة ابيه له اليوم وتحجج بأن العمل قليل، وأوصاه هو وأمه بعدم مغادرة القصر، وهاتف شركة الأمن التي تأخر كثيراً في مهاتفتها بأن ترسل له اربعة حراس على القصر واعطاهم العنوان.

 وغادر القصر وهو متوخي الحذر وعينيه كعيون عقاب تراقب كل صغيرة وكبيرة في طريقه،إلى أن وصل الشركة. 

اخبره مدحت بأن اليوم من المحتمل أن تكون هناك مؤامرة ضده وستنفذ، ولم يصرح اكثر، فعرف آدم بان  المؤامرة من عمه وزوجته ومدحت في موقف لا يُحسد عليه. 


إنقضت الساعات سريعاً وقد إطمأن الإثنين بأن ليس هناك اية خطر، وأن مدحت كان متوهماً ليس اكثر، فإنكب آدم على بعض الأوراق ينهيها، أما مدحت فلم يتحمل أكثر، لقد كان جائعاً وزوجة عمه كالعادة اعدت مالذ وطاب، وهو لم يتناول فطوره جيداً، فنادى عامل البوفيه وطلب منه تسخين الطعام، 

فنفذ العامل وعاد بالطعام مسخن، ففتح مدحت الصندوق وبدأ في تناول الطعام دون إنتظار آدم، وماكاد ينتهي منه حتى شعر بألم غريب وشديد فى بطنه، وكأن أمعائه تذوب، أمسك بطنه ونظر لآدم وهمس له بوجع:

- آدم إلحقني بطني بتتقطع. 

رفع آدم رأسه فوجد مدحت في حالة يرثى لها، يتألم ويتلوى، فأسرع إليه يسأل ماذا أصابه، أشار له مدحت على الطعام وهمس له بصوت متقطع:

- الأكل، متاكلش منه.. الأكل.. مسموم. 

أنهى كلماته وصرخ بقوة صرخة رجت المكان كله، إرتعدت أوصال آدم فور رؤيته لحالة إبن عمه فهاتف الإسعاف على الفور، وإمسك هاتف مدحت واتصل على أمه وقال لها:

- الووو، ولدك الحين في طريقه للمشفي جيبي ابوه وحصلونا. 


صرخت فريال بزعر:

- ابني مين ومستشفى إيه، إنت مين إنت آدم مش كده، هو مدحت راحلك، مدحت جالك وأكل من الأكل صح.. ابني أكل من الأكل صح؟ 


صمت آدم ففهمت أن سكوته عدم إيجاد رد وأن مدحت تناول من الطعام فعلاً، فصرخت بكل ماأوتيت من قوة:

- إبنااااااااااااااااااي 

..يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ريناد يوسف، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة