-->

رواية جديدة لؤلؤة الليث لإيمي عبده - الفصل 22 - الجمعة 6/9/2024

 

قراءة رواية لؤلؤة الليث كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى






قراءة رواية لؤلؤة الليث

 رواية جديدة قيد النشر

من روايات وقصص 

الكاتبة إيمي عبده


الفصل الثاني والعشرون

تم النشر يوم الجمعة

6/9/2024 


بالعودة إلى الزمن الحالي فقد حان اللقاء والحساب.


قبل أن يستوعب سلمان ما حدث، كانت لؤلؤه تهجم على ورده محتضنه إياها بسعاده، وتقفز بها بمرح، وتصرخ بحماس.


- لقد إشتقت لكِ كثيراً.


ضمتها ورده باكيه، فقد إشتاقت لها هى الأخرى،وسلمان يتابعهما بذهول.


حين أحست لؤلؤه بوجود أحدهم خلفها، إستدارت مبتسمه، وظنها سلمان ستفزع، لكنها فقط جمدت بمكانها، وهى تتأمل وجهه بنظره جعلته يتمنى لو كانت تفهم معناها، لقد قرأ بعينيها إشتياقاً يعتقد أنه بالتأكيد ليس له، هذا أو أنها اليوم تبحث عن أى أحد لتحتضنه، وتفرح لمرآه، فشملته معهم، حتى همست بخجل.


- حمداً لله على سلامتك.


إبتسم بإشراق: وسلامتك أيضاً.


بعد الترحاب والثرثره بين ورده ولؤلؤه، تسائل سلمان عن سر معرفتهما ببعض، فأخبرته ورده بشجاعه أنها جارية هاربه، وقد ظنته سيتخذ تجاهها إجراء ما، لكنها تفاجأت به يحى بها بسالتها، ويرحب بها ضيفة مكرمه بقصره، وقد أسعده علاقتها بلؤلؤه، فستكون وسيلته للوصول إلى سر خوف لؤلؤه منه، وبالتالى يجد الحل، ويسعى لكسب ودها، ولم يلحظ نظرات لؤلؤه المختلسة نحوه.


❈-❈-❈


خرج سلمان إلى حديقة قصره؛ ليرى ما سر تلك الزيارة الغريبه من والديه والسيد كاظم وذاك الغريب الغامض الذى أخبرته عنه رئيسة الخدم، ولكن لن يكون السبب هو إيوائه لعلي وزوجته، فوالده لن يدعم خاله مطلقاً، وكذلك الحال مع السيد كاظم، فما سر جمعتهم هنا؟! وهو يعلم أن كاظم ينفر حتى من  المكان الذى تتواجد به والدته، أما والده فهو يحيا معها لأجل المظاهر فقط.


لم ينتبه لوجوده أحد سوى والده، فقد كانت هناك حرب من النظرات قائمه بين البقيه، فهتف متعجباً.


-  هل فاتنى شىء!


إلتفت نحوه الرؤوس نحوه متفاجئين لوجوده، لكن والدته ولأول مرة، لم تبدو سعيده مطلقاً برؤيته، كانت تتمنى لو تختفى من هنا، بينما أجابه والده ببسمه ودوده، وذراعين مرحبين.


- لا شىء، لقد إشتقنالك، فأتينا لرؤياك ما إن علمنا بعودتك.


رحب به سلمان بمحبه، ثم إستقبل كاظم بإحترام، وتجاهل والدته، لكنه وقف مذهولاً أمام ليث لشدة شبهه بكاظم.


❈-❈-❈


خرجت لؤلؤه بعد قليل؛ لتطمئن على شجرة الورد التى أنعم عليها سلمان بزراعتها، ولكن أيضا لترى سلمان، فقد إنشغلت بورده ولم تنتبه متى غادر، ولم تنتبه أيضاً أن ورده لحقت بها، وحين وجدتها شارده سألتها عما بها؟ فأجابتها لؤلؤه بشرود.


- لقد سقط قلبى بالهوى.


رفعت ورده حاجبيها متفاجئه، ثم تتبعت مسار نظر لؤلؤه، لتجد أنها تنظر بإتجاه سلمان ومن معه، وإتسعت عيناها حين رأت وجه الرجل المجاور لسلمان، فسألتها بحزن لم تنتبه له لؤلؤه.


- أتحبينه؛ لأنه يشبه ليث.


قضبت لؤلؤه جبينها متعجبه من ذكر إسم ليث، وحين نظرت حيث تنظر ورده أدركت مقصدها، فقد كانت تنظر إلى كاظم، فأومأت بتفهم، ومن ثم أوضحت لها.


- لقد أسأتِ الظن، لم أقصد ذاك الرجل، أتعلمين حين رأيته أول مره ظننته أيضاً ليث.


تعجبت ورده من قولها، فسألتها: إن لم تكونى تقصدينه، فمن تقصدين؟!


تورد وجه لؤلؤه، وقضمت شفتها السفليه بخجل، فإتسعت عينا ورده بتفاجؤ، فليس بين هؤلاء من تطضح ملامحه بخلاف هذا الرجل سوى سلمان، والبقية ملتفون من حوله ولا تظهر ملامح أى منهم بوضوح، فهتفت بذهول.


- يا إلهى أتعنين السيد سلمان؟!


حاولت لؤلؤه إخراسها لكى لا يسمعها أحد، لكن الجميع إنتبه لوجودهما، لكن لم يسمع أحد شىء مما كانتا تتحدثان به، لكن جميعهم إستداروا نحو الصوت، فبهت وجه والدة سلمان حين رأت لؤلؤه بمواجهة ليث، فلو كان لديها ذرة أمل بأن يرحمها ليث، ولا يفضح أمرها، فبعد ظهور لؤلؤه هنا، سيظن أنها من أخذتها منه، وإدعوا أنه تم بيعها لآخر، فإزداد إضطرابها وهى تراقب تعابير وجه ليث الجامده، الشاخصة بإتجاه لؤلؤه، وهى لا تدرى أنه لم يكن حتى يرى لؤلؤه!


فحين إستدار ليث ورأى ورده توقف الزمن من حوله، وتجمد الهواء، وهو ينظر إلى تلك المشاكسة التى أغرقت قلبه بعشقها، هل أصبح يهذى من ألم الفراق؟! أم أن إشتياقه لها أفقده ما تبقى له من عقل؟!


وبين ذهوله وصدمته كانت لؤلؤه تنظر نحوه بعدم تصديق، هل اليوم هو اليوم العالمى لجمع الشمل؟! هى لا تعلم لكنها سعيدة جداً لرؤيتها له مجدداً، فركضت مسرعه تلقى بنفسها بين ذراعيه الذى إستقبلها بهما بلهفه كبيره، ودار بها فرحاً يحتضنا بعضهما بقوه، ولم تنتبه هى أو أى من الحضور أن ليث إنتبه لوجودها بآخر لحظه، أو أن فرحته ليست حقيقيه، لأن عقله شارد بالحمقاء الأخرى.


بينما أغمض سلمان عيناه بألم، وإستدار ليغادر، فيمكن لوالديه إستقبال ضيوفهم، كما أنه بوجود والده فعلي وأسرته الصغيرة بخير، ولن يتحمل رؤيته للؤلؤه وهى ترحل، بينما كانت ورده تنظر لهما، وتبتسم بإنكسار،  فأسرعت خلف سلمان.


- إنتظر.


- أنتِ! ماذا تريدين؟!


لاحظ الحزن بعينيها، ونظراتها المختلسه تجاه ذاك الشاب، فقضب جبينه بإرتياب.


- من أنتِ؟!


- أنا شبيهتك بالطرف الآخر من هذه القصه، هيا فلنغادر فلم يعد لنا مكان.


رفع حاجبيه مندهشاً، وتعجب لحديثها، لكن بعد تفكير للحظات فطن لمقصدها، وقبل أن يجيبها، صدع صوت لؤلؤه الصارخ.


- ورده إنتظرى!


أسرعت لؤلؤه نحوها تسألها ببراءه لما لم تأتى لترحب بليث، بينما إرتجف قلب سلمان لضحكة لؤلؤه الطفوليه، فى حين توجه كاظم نحوها يتأملها بلهفه وحب، أزعجا سلمان، وكاد يصرخ به، لولا يد والده الذى سحبه بعيداً عن كاظم، وأوضح له القصة كامله، فبعد أن رحبت لؤلؤه بليث تركته بنفس سرعتها بلقائه، ولحقت بورده، فأوجز كاظم لوالد سلمان سبب مجيئه هنا.


إبتسم والد سلمان ووعد إبنه أن يزوجه من لؤلؤه، فكاظم لن يرفض، فتعجب سلمان لكلماته تلك، لكنه أوضح له أن والدته حين إبتعد عن جمعهم بدأت تسب وتلعن، وتمتمت بسخط عن إهتمامه بلؤلؤه، ولم تظن أن أحد قد سمعها، كما أن نظراته نحو لؤلؤه كفيله بالشرح، فإبتلع سلمان ريقه بإضطراب، فكيف سيشرح لأباه أن المشكله لا تكمن فى موافقة السيد كاظم من عدمه، المشكله أن لؤلؤه نفسها لا تريده.


- إتركنا من هذا يا أبى، لقد عادت لتوها إلى أسرتها، ولا يمكننى إنتزاعها من بينهم فجأه، إتركها لتستمتع بتواجدها بينهم.


- حسنا بنى، كما تريد.


بينما كان علي وزوجته يقفان متابعان لما يحدث بإندهاش شديد، فثرثرة أحد الخدم وصلت إلى آذانهما، ودفعهما الفضول لرؤية ما يحدث، فوقفا بالشرفة يتابعان كان كاظم يلتقف إبنته بين ذراعيه بعد أن أوضح لها ليث كل شىء بإيجاز، وذلك بعد أن إقترب منها، وهى تقفز فرحه برؤية ورده التى حاولت تجاهله، ومغادرة المكان فقبض على ذراعها، وظل يتحدث وكأنها ليست هنا، ولم يبالى بتململها، ولا محاولتها الفرار منه، وظلت قبضة يده فولاذيه على ذراعها، حتى إبتسم بتهذيب، وأومأ نحو كاظم وإبنته، ثم سحب ورده، وإبتعد بها إلى أبعد ركن بتلك الحديقه، فى حين كانت والدة سلمان تتابع ما يحدث بقلب يغلى نيراناً، لكنها فضلت الإنسحاب لكى لا تواجه ليث، فيكشف ستر أفعالها  القذره، فأسرعت بالركض خارج القصر قبل أن ينتبه لها أحد، ولم تبالى لا بلؤلؤه ولا بما سيؤل له مصيرها مع سلمان، بعد أن إتضح أنها إبنة كاظم.


❈-❈-❈


وقفت ورده تنظر له بعتاب وسخط، وهو يتأمل وجهها بهدوء، ثم همس بإسمها بحنان لكنها ظلت تنظر له بتحدى، لكن رجفة عيناها المشتاقه له جعلت نظراتها المتحديه تهتز، وشفتاها ترتجف؛ لشوقها لنطق إسمه مرة أخرى، لكنها تذكرت ألمها مما قاله لها شيخ الغجر، فقضبت جبينها بقوة؛ لتمد قلبها بالقوة التى يحتاجها للتماسك، ثم إبتلعت ريقها بحزن، وسألته بجمود ظاهرى.


- ماذا تريد منى؟!


قضب جبينه يتأملها للحظات أخرى، ثم صرخ بها بغضب أجفلها، وجعل كل من بالمكان يصمت، وينظر نحوهما.


- أين كنتِ أيتها البلهاء؟!


فبادلته صراخه بصراخٍ مماثل: وما شأنك أنت؟!


أمسك بذراعها بحده: إنظرى إلي هنا، وأخبرينى هل حقا صدقتي حديث ذاك الشيخ الأبله؟!


إتسعت عيناها بتفاجؤ: من أخبرك؟! هو؟


زوى جانب فمه بسخريه: ومن تظنين؟ بالطبع هو! لقد أسعده إحراق قلبى بواسطتك، لما صدقته؟!


أنهى سخريته بضربه بكفه لصدره، وصراخه العاصف، فأجابته بغضب.


- لأنها الحقيقه!


- أية حقيقه؟!


- أردت الإستمتاع معى دون رابط، كنت تحتقر الجارية التى لا تليق بك، أليس كذلك؟ أم كنت تفكر بإذلالى ثم بيعى لأحدهم؟!


- كنت أعلم أنك حمقاء، ولكن الآن تيقنت أنكِ ملكة الحمق. 


وقبل أن تتفوه بحماقة أخرى، جذبها بقوه نحوه، يضمها إليه بإشتياق، فحاولت أن تبعده، لكنه كان كالشجرة القوية، ثابت جذورها فى الأرض، وقد دفعها شوقها نحوه إلى اللين والإستسلام، وقد رأتهما لؤلؤه، فأسرعت نحوها لكن يد كاظم منعتها، وضاقت عيناه عليها.


- أخبرينى إبنتى، أتحبينه؟


- من؟!


- عابد.


قضبت جبينها متعجبه من الإسم، فهى لم تعتاد عليه بعد، فأوضح لها كاظم أن ليث هو عابد، فأومأت بحماس.


- بالطبع أبى أحبه.


تنهد بضيق، وسألها بهدوء: أتريدين الزواج منه وهو يحب أخرى، أعلم أننى كنت دوماً أرغب بتزويجكما، ولكنى لا يمكننى التغاضى عن رغبات قلبيكما، فعلى ما يبدو تلك الفتاة هى من تتربع بقلبه.


لذا إبتسمت لوالدها بتفهم.


- أبى ليث، أقصد عابد أحبه ولكن كأخ، كصديق أمتن لتواجده بجوارى طوال عمرى، وقد أسعدنى أنه يحب ورده، فكلاهما أقرب الناس إلى قلبى، وكلاهما يستحقان كل خير، أنا كنت فقط أريد أن أبارك لهما.


إبتسم كاظم: حسناً يا نجمتى، سعادتك كل ما يهمنى.


إبتسمت نجمه بحرج: أتعلم سآخذ وقتاً ليس بقليل لأعتاد على هذا الإسم.


- لا يهم، المهم هو عودتك إلى سالمه، لكن أخبرينى هناك نظرات لاحظتها بعينيكِ تجاه سلمان، هل هناك ما ترغبين بإخبارى به.


أنكست رأسها بخجل: حسنا أنا أشعر بأشياء لطيفه تجاهه، فرغم خوفى منه بالسابق، لكن قلبى إستجاب له الآن.


لم تنتبه أن سلمان ووالده عادا، وقد سمع سلمان كلماتها، ولم يشعر بنفسه حين تقدم بجوارها، ينظر نحو كاظم بثقه.


- سيد كاظم أريد طلب يد إبنتك.


خيم الصمت والذهول للحظات، ثم إنفجرا الوالدان بضحكات صاخبه، أحرجت سلمان ونجمه، كما أنبهت عابد وورده أنهما ليسا وحدهما، فإبتعدت عنه مرتبكه، وكادت تبتعد لكنه حرك رأسه نافياً، وأمسك بيدها وجذبها خلفه، حتى توقف أمام كاظم الذى توقف عن الضحك؛ ليستمع إليه، فطلب نفس الشىء لنفسه، ولكن مع ورده، ولم ينتظر جواب كاظم، بل هتف بتحدى.


- وإذا لم توافق لفقرها، ورغبتك فى تزويجى من إبنتك، فإعتبر أنك لم تجدنى مطلقاً، فأنا لن أحيا لحظة أخرى بدون ورده، كفانى ما عانيته لغيابها.


تورد وجه ورده خجلاً وذهولاً مما قاله ليثها الحبيب، وقبل أن تستفسر أو تستوعب الأمر، وجدت ليث ينظر لها بغضب.


- أم تراكِ لديكِ رأياً آخر!


حركت رأسها نافيه، فقهقه كاظم، وربت على كتفه: هذا رائع، لقد طرقت الأفراح بابنا من جديد، سنبدأ بتجهيزات الزفاف الكبير.


- لا أهتم إن كان كبيراً أم لا، أريد أن أتزوجها فحسب.


- ستتزوجها بنى، كما ستتزوج إبنتى من سلمان، وسنقيم زفافاً لم ترى المملكة مثيلاً له.


إتسعت عيناه بدهشه، لكنه لم يكون وحده، فجميعهم هكذا، لكن صوت عابد الساخر الذى إستفاق من صدمته سريعاً أوقف سعادتهم، وحولها لتعجب.


- وهل والدة السيد سلمان المبجله، ترضى بتلك الترتيبات؟


أجابه والد سلمان بإنزعاج: وما شأنها بهذا؟! لقد قررنا وإنتهى الأمر.


قهقه عابد بلا مرح، ثم نظر له ببرود: لقد إستطاعت  سيلانه أن تفنى العائلة برمتها؛ لأن لا أحد منهم إهتم بما يعتمر نفسها من حقد.


فهتف به كاظم مستنكراً: وما دخل هذا بذاك؟! إنسى شأن الماضى عابد؛ لتحيا مرتاح البال.


- الماضى دروس للمستقبل يا عماه.


قضب جبينه بإرتياب: ماذا تعنى؟!


- أعنى أن من تدير منظمةً لتجارة الرقيق، وتستبيح الدماء والأجساد، إمرأه فقدت كل معنى للحياء والرحمه، لو كانت سيلانه قاتله، فتلك الوضيعة ألعن منها بكثير، لن تتوانى عن تحقيق أغراضها الدنيئة بأى سبيل كان.


هجم سلمان عليه، كالأسد الجريح، وإستطاع الرجال إبعادهما عن بعضهما بصعوبه، فهتف عابد بسخط، مشيراً نحو علي الذى لمحه منذ لحظات بالشرفه وعرفه فوراً.


- إذا لم تصدقنى دعه يسأل أباه ، قد أكون أنا كاذب لا تصدقني، لكن يمكننا إثبات هذا.


تهاوت يدى سلمان، ووقف ينظر نحو والده بتيه، فغمر قلب لؤلؤه الحزن لحاله، وإقتربت منه تواسيه، لكنه كان بحالة بائسه، فرفض الإنصات لها، أو لغيرها، وهتف بجمود.


- أثبت هذا.


- حسنا، سأذهب إلى مسكنها، فمن المؤكد أنها تختبىء بذاك المكان الذى إلتقيت بها هناك ذات مره، ويمكنكم أن تلحقوا بى بعدها بقليل، وحينها سترى وتسمع كل شيء، كل ما يهمنى بالأمر ألا تعانى لؤلؤه ما عانته والدتها من حماة حاقده.


- حسنا.


❈-❈-❈


تبعوا خطة عابد، حيث تفاجئوا بالمسكن الغريب الذى تسكنه، بناء قفر عتيق يشمخ بين الأدغال رغم قدمه، يحيطه هاله مخيفه من الضباب، وتكثر حوله المستنقعات، حيث تنق الضفادع هنا وهناك، فتحركوا جميعاً بحذر، لكن لا أحد يحرس المكان، المكان لا يحتاج فعلاً إلى حراسه، فهو يحمى نفسه بنفسه، الخوف ليس على المكان، ولكن على من يدخله!


تسلل الجميع بحذر، ورغم كثرتهم لم يحدثون ضجه، بينما أصبح عابد يقف أمام تلك الحاقده، ينظر لها بتحدى، وهى تبادل تحديه بسخط.


- لماذا أتيت؟! أتريد إبتزازى؟


- أريد ان أعلم لما أخذتى لؤلؤه منى؟


- لم آخذها! ذاك الأحمق هو من باعها، وكان لابد أن أجدها، فالفتاة لم تكن مستعدة بعد، ولم تدرب بما يكفى لتصبح جاريه، وكانت ستتسبب فى فوضى، فتلحق بنا خسائر جمه، يكفي ما أحدثته تلك الاخرى التى أعيدت إلينا، لقد كاد يدمر المنظمه بفعلته تلك، ولم يكن يجب أن تعود لؤلؤه إلى المنظمه، فذلك سيحدث بلبله بين الأسرى، وسيضر بمصالحنا، فأحضرتها إلى قصر إبنى، وهو لا يعلم أنها جاريه، وحدها رئيسة الخدم من أمرتها بألا تخبر أحد، فهى من تعطى الأجور للخدم، أتعلم المزعج أن سلمان لم يبالى كونها خادمه، إنه يزدرى الجوارى! فكيف به لم يهتم؟!


بدأ صوتها يعلو، وتحطم بالأشياء، وهى تصرخ مستنكره: لماذااا؟! لماذا تعجبه؟! لماذا تعجب الجميع؟! لقد رفضتنى من أجلها أيها الفظ! ألا ترى أننى نجمة بالسماء لا تستطيع أن تنالها، وأننى أنعم عليك بمجد لن تناله بإعجابى بك.


- انتِ حمقاء حرفياً، لؤلؤه إبنة عمى وأختى الصغيره، وقلبى ملك لأخرى، لكن كلاهما تأذيتا منكِ، أما عن إبنكِ فمن المؤكد أنه أحب لؤلؤه، فهى بريئه طاهره بخلافك أيتها الشمطاء الحقود.


- أيها الوقح!


صرخت به وركضت تريد صفعه وضربه، لكنه أمسك بيدها يوقفها، ثم دفعها بحده، فسقطت على الأرض بحده، وهى تنظر له مستنكره، لكن إستنكارها تحول إلى ذهول حين وجدت سلمان يدخل وكرها الخفى ويتبعه زوجها والجميع خلفه، فشحب وجهها حتى أصبحت كالأموات، تحرك رأسها رافضه ما تراه عينيها، ولكن نظراتهم المتقززه منها أكدت لها أن ما تراه حقيقه، وقبل أن تبحث عن كذبه تخدعهم بها، وجدت سلمان ينسحب من بينهم، وتبعته لؤلؤه، وخلفها واحداً تلو الآخر، فسألها علي.


- هل أبى حقا شريكك؟


تهربت من نظراته ولم تجيبه، لكنه دوماً ما أحس بوجود خطب ما بأعمال والده التى لا يعلم عنها شىء، والغموض الذى يلفه دوماً ما آثار ريبته، فأومأ بصمت وإنكسار، وأخذ زوجته وغادرا، ولم يبقى سواها مع زوجها، فحاولت النهوض، لكن السوط الذى هوى على جسدها جعلها تصرخ بألم، ولم تتمكن من النهوض، وتعالت صرخاتها تنفذ خارج الجدران السميكه من هول الضربات التى تتلقاها، لقد كانت تزيد حائطها بأدوات مخيفه ترهب بها الرجال العاملين لديها، ولم تتخيل أنها ستنال جزائها من ذاك السوط الذى لم يفرق يدها وهى تتحدث مع الرجال، ولكن لا صراخها، ولا ألمها، ولا دمائها التى سالت، خففت من غضبه، فقد ترك السوط وهو يلهث، وجرها من خصلات شعرها جراً، وقد حاولت التخلص منه، أو التمسك بأى شىء يحميها بلا فائده، فقد كانت أرضية المكان ملساء، وبعد أن سحقها بجره لها على الدرج الامامى للمنزل، أغرق جسدها بين حشائش الأرض المبلله، ودمر ثيابها الفاخره، وشعرها غرق بالوحل، وقد ربطها بأحد أعمدة المنزل، وتركها وغادر، ثم أبلغ عنها وعن أخاها الشرطه، ورحل من البلاد، غير عابئاً بها ولا حتى بمصير سلمان، فلديه لؤلؤه تقف بجواره.

يتبع..

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة إيمي عبده، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية..

رواياتنا الحصرية كاملة