رواية جديدة قلب نازف بالحب لهاجر التركي - الفصل 9 - 2 - الثلاثاء 16/9/2024
قراءة رواية قلب نازف بالحب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية قلب نازف بالحب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة هاجر التركي
الفصل التاسع
2
تم النشر الثلاثاء
17/9/2024
وكأنه هو البرئ وهي المُذنبة المُخطئة في كل شيء، لا يعلمون أنه كسرها مئة مرة سابقًا، لا يعلمون أنه حطمَ قلبها، أنهُ خائن، وغد حقير، لكنهم يرونه بصورة الراجل المثالي الذي لا يُخطئ، نعم كان رجلاً مثاليًا تتمناه أي أمرأة زوجًا لها، لكن هذا أمامهم هُم فقط، يتقمص هذا الدور أمامهم فقط، لكن معها، كان أقل ما يُقال عنه أنه حقير، لا يوجد لديهِ أي ذرة من معالم الرجولة أو النخوة......
_"نفسي أعرف مين إللي لعب في دماغك وخلاكِ تعملي عملتك السودة دي، أكيد شيفالك شوفة..... "
وعندما وصل تفكيرها إلي هذهِ النُقطة شعرت بالدماء تغلي بداخل أوردتها، فأنقضت عليها، تُمسكها من ذراعيها تهزها بقوة وعُنف غير عابئة بحالتها السيئة الواضحة وضوح الشمس أمامها، صاحت بها بجنون وعصبية:
_"أنطقي هو مين؟ مين إللي ضحك عليكِ وخلاكِ تطلبي الطلاق وترمي أبنك؟ ماهو مش هتعملي كده من الباب للطاق، حصل بينكم أي، أكيد سلمتِ له نفسك ونسيتي أنك عندك دين، وأنك ست متجوزة.... "
كانت تهزها بعنف، وتصرخ بها، وهي لم يكن بوسعها شئ تفعله سوى البُكاء بضعفٍ وأنهيار تامَ، لَم تقوى حتي علي المدافعة عن نفسها، تجاه اتهامات والداتها لها، تلك الأتهامات الشنيعة،كيف كيف؟ تتهمها بأنها خائنة لدينها أولاً ثم لزوجها، كيف طرأ بعقلها هذا التفكير، اليست هي"رانيا"أبنتهم، تربية يداهم، كيف تفكر أنها من المُمكن أن تفعل شيئًا كـ هذا؟!......
صمتها هذا أثار الغضب أكثر، بداخل"أحلام"، فرفعت يديها تلتقط شُعيراتها، تجذبها منهم، وكادت تخرج بشعرها بين يديها، من شدة جذبها لهم، صرخت من أسفلها، تحاول تخليص شعرها، للحظة شعرت أن هناك حريق بفروة رأسها، نتيجة جذب والداتها لخُصلاتها بقوة وغضب، فصرخت بألم يعصف برأسها بأكمله، فصاحت الآخري:
_"أنطقي ساكتة لي؟ مش هسيبك الليلة إللي لما أعرف هو مين؟.... "
_"أحلام سبيها... "
خرجت هذه الكلمات بقوة من والدها، الذي هرول إليهم بسرعة ما أن أستمع صراخات أبنتهُ المُستنجدة، وفورًا علمَ أن زوجتهُ لم تتمالك أعصابها ومدت يدها علي أبنتهم، فـ هو يعرفها، أنها عصبية إلي حدٍ كبير، ولا تستطع أن تمسك بأعصابها......، وكأنها لم تستمع إليه، أو أنه لم يدخل من الأساس، ومازالت مُسيطرة علي خُصلات الآخري، والتي دقيقة آخرى وستنخلع بين يديها:
_"والله العظيم لو ما نطقتي وقولتي هو مين!؟ لهدفنك حية مكانك."
أقترب "حمدي" منهم سريعًا، وأبعد زوجته بصعوبة عن أبنتهُ، أبعدها بقوة، وما أن أفلتتها والداتها، أرتمت بأحضان أبيها تحتمي به من بطش والداتها، وقد شدد هو من أحتضانها وضمها إليه بقوة، وصاح بزوجتهِ بعصبية:
_"أنتِ أتجننتِ ولا أي؟ أزاي تمدي إيدك عليها بالشكل ده! أي ملهاش أب! هو أنا مُت؟؟..... "
_"والله دلوقتي جاي تتكلم، بعد ما وقفت جنبها علشان تنفذ إللي فدماغها، وساعدتها علي خراب بيتها؟ أنا هتجنن منكم، هتجننوني، البت دى في وراها حد خطط لها ورسم لها الطريق علشان تخرب علي نفسها وعلي بيتها.... "
قاطعها قائلاً مُدافعًا عن إبنتهُ، لأنه الوحيد الذي يعلم حقيقة الأمر:
_"بقولك أسكتِ مش عايز كلمة تاني، ملكيش دعوة بيها ولا تجي جنبها، سبيها فحالها.... "
لم تكن كلماته سوى البنزين الذي ذاد النار أشتعالاً، فـ هبت فيهِ بشراسة:
_"أسيبها فحالها.... أنتَ أزاي كده أنتَ كمان، أزاي موافقها علي خراب بيتها... طيب مش مهم جوزها، أبنها الطفل الصغير ده ذنبه أي عملها أي علشان تعمل فيه كده؟!.... "
كانت بين أحضان أبيها ترتجف بقوة، جسدها بالكامل يرتعش، خارت جميع قواها جميعُ مصادر المُقاومة غرقت، وبقيت هي وحدها علي القارب، لم تقدر حتي علي التفوه بكلمة واحدة، وكأنها فقدت النُطق، كل شيء ينهار علي رأسها دفعةً واحدة، بغير رحمة ولا شفقة بحالها، وبقلبها المُمزق إلي أشلاء صغيرة......
ظل أبيها يضمها إلي حمياتهُ، وظل أيضًا يُدافع عنها أمام جبروت والداتها، ويتقاذفون الكلمات، وبقيت هي كما هي مُلتصقة بمكانها، تشعر أن أطرافها بالكامل مُتبلدة،وأنها فقدت السيطرة علي جسدها، حتي أستسلمت ولم تدري بنفسها إلا وهي مُرتخية إلي الخلف، وكادت تسقطُ علي الأرضية، لولا يد أبيها التي كانت مُحتضنة أياها.......
❈-❈-❈
لا تدري لِمَ، كُل المواد معها تفقد خواصها ، فالماء لا يُطفئ النار ، مُنذ ساعات تقف أسفل المياه وأيضًا لم يتوقف أحتراق قلبها، وصدرها كاد يذوب من حرارة مابهِ، أختلطت دموعها بالمياه المُنهمرة فوقها، دامت حالتها هكذا لنصف ساعة آخري، تقف أسفل مياه الدُش وتترك العنان لجسدها لكي يسترخي، فبعد أن أستفاقت من غيبوبتها القصيرة، وجدت أبيها بجانبها، يُطمئنها يخبرها أنه معاها وخلف ظهرها، ليطمئن الجزء المُتبقي من قلبها، الجزء الذي مازال حيًا بعد أن مات باقي قلبها......
ودخلت بعدها إلي المرحاض، لتظل أسفل المياه حتي الآن، تُريد أن تتناسي كل شئ كل شئ حدث، ودت لو تعودُ طفلة صغيرة لأن الرُكب المخدوشة تلتئم أسرع من القلوب المنكسرة، مُنذ الآن هي أمرأة أخري تمامًا، أمرأة لا تقرب بصلة إلي تلك الضعيفة المُنكسرة والمهزومة، ستستمد قوتها من ضعفها وكسرة قلبها.....لن تترك نفسها إلي الرياح تفعل بها ما تشاء، وهي تقف مبتورة اليدين وصامتة، مُنذ الليلة هي وامرأة أخري ستفعل ما بوسعها لدفن الماضي خلفها، وأيضًا دفن تلك الشخصية المُسالمة والضعيفة،لتحل محلها أخري أقوي بفعل ما مرت بهِ........
أن الإنسان يولد من جديد بعد ليلةٍ توقع أنها لن تمرّ ومرت، بعد دموع وتساؤلات لم يجد لها ردًا، بعدما شك في نفسه وكل شيء من حوله في لحظة عجزٍ عن التصديق ورفضٍ تام من هول الخيبة، يولد بقناعات مختلفة وشخصية أنضج، يولد إنسان يسعى وراء أرضاء نفسهِ والعيش بطريقة تُناسبه، وهذا ما حدث معاها تمامًا، وأقسمت علي تنفيذه، من الآن ستحي لنفسها فقط لن تهتم لأي شئ آخر بعد الآن، فما حدث معها لم يكن هينًا، وترتب علي ذالك شخصية جديدة كُليًا، شخصية قوية....
❈-❈-❈
بعد ليلة طويلة قضاها مُنشغلاً البال، يُفكر، ويُفكر، مئات الأفكار تدور برأسهِ، بقي هكذا لمُنتصف الليل تقريبًا، كلمات" إبراهيم"تدقُ برأسهِ، يحاول مليًا أن يُقنع عقلهُ بتقبلِ الفكرة الكارثية تلك، لكن لا مفر آخر، فهو وعدها، وعدها أن يحل كل شيء، وعندما يأتهِ الحل يرفض، لكنه صعبُ حقًا يصعب عليهِ التخيل فقط.........
أنها تعتبرهُ ملاذها الآن ومُطمئنة لكونهِ سيتصرف ويحل الأمور دون قلقٍ منها، مرت أربعة أيام علي تواجدهم هُنا والداتها تتصل كل ساعتين تقريبًا تطمئن عليها، وتستعجل موعد رجوعها......
"نانسي" تطلب منه العودة سويًا، كل شئ حولهُ يستعجله لقبول الحل، حل سيُفَرض علي تلك المسكينة قَبلهُ هو، لا يتوقع ردة فعلها..... ماذا ستُفكر بهِ؟ هل ستراه يستغلها؟ بالطبع لا، فهو ليس كذالك بالطبع!.
لكن كيفَ؟ كيف سيُمهد الحديث للعائلة كلها، الموضوع أشبه بأن تسكب مياه مُثلجة فوق رأس إناس نيام ويستيقظون مفزوعون فجأة، رأسهِ حتما سينفجر من التفكير، يحاول أيجاد حل بديل لكن لا يوجد هناك حل آخر.......
عاد برأسهِ يتذكر كلمات "إبراهيم"،كلمات تدقُ برأسهِ كـ طنين ذبابة مزعجة.....
❈-❈-❈
كان" مُراد"يجلسُ في مكتبهِ، في تمام التاسعة صباحًا، لقد جاء اليوم باكرًا قليلاً، ليُنهي أعماله ويعود لها سريعًا كي لا تخاف، فـ بعد أن بدأت تلك الكوابيس تنتابها مرة ثانية وهي تخاف المكوث بمفردها، لذا حرصَ علي الذهاب والعودة قبل موعد أستيقاظها.......
لم يكن جالسًا علي مقعد مكتبهِ وأمامه كومة من الأورق، بل كان مُسطحًا علي الأريكة الجلدية الوثيرة، سوداء اللون، أمام مكتبه بمسافة قليلة....
ما أن وصلَ ينوي العمل، إلاَ أنه رُغمًا عنها تهادي إلي تلك الأريكة ينغمسُ في بحر افكارهِ، كل الأفكار تتمحور حولها هي، ماذا سيفعل؟ كيف سيحل الأمور؟......
كان شاردًا للغاية، حتى أنه لم يتبه لـ "إبراهيم" الذي دخلَ للتو، بعد أن طرقَ الباب ولم يستمع لـ ردٍ، فدخلَ، وجد صديقهِ ولأول مرة يرآهُ شاردًا وكأنه بعالم آخر، وكان يفهم صديقهِ أكثر، من نفسه، وتلقائيًا عرفَ أن أمر الفتاة تلك يستحوذ تفكيرهِ، وأنه قد كلفَ نفسه مسؤليتها كاملة......
أقتربَ منه ينادي بإسمهِ:
_"مِراد.... مُراد".
صرخَ بصوتٍ أعلي في المُنادة الأخيرة، فأنتبه لهُ الأخر، وقد فاقَ من شرودهِ:
_"أي يا إبراهيم في حاجة؟! ".
_" في حاجات.... في أنك معطلنا، وقاعد سارح في ملكوت الله".
أعتدلَ في جلستهِ، يضعُ جبهتهِ بين يديهِ بفركها بضيقٍ، قائلاً:
_" أشحال ما أنتَ عارف أي إللي شاغلني ".
جلسَ لجوارهِ يقول:
_" عارف.... علشان كده أنا لقيت لك الحل".
_"أي هو؟ ".
_" في حلين أتنين، يا إما تجيب الكلب أبن أخوك وتخليه غصبن عنه يتجوزها، وبعدين يطلقها بعد مُدة، يا أما عملية من أياهم ترجعها فيرچن تاني ".
زفر بتأفأفٍ، يُجيبهُ:
_" لا طبعاً، أولاً مينفعش خالص نادر يتجوز رضوي، رضوي حكت لي أن نادر طول الوقت كان بيضايقها وبيحاول يقرب منها بحجة أنه بيحبها، بس هي بتصده، لما بقيت تصده هو عِند، وعمل عملتهُ السودة دي علشان يذلها، تقوم قايلي أنت أديلوا أنا الفرصة علي طبق من دهب علشان يعرف يذلها كويس........... ".
حديثهِ منطقي جدًا نعم لكن لا يوجد حلول أخري، أعترض يسأله:
_" يا مُراد نادر ده حتة عيل يعني أنتَ هتقدر عليه، وهتجبره أنه يطلقها غصبن عنه..."
قاطعهُ الآخر بحدةٍ:
_"لا مش عيل يا إبراهيم، نادر مش عيل، بعد اللي عملهُ ده يبقي مش عيل خالص! وبعدين أيش ضمني أنا أنه بعد ما يتجوزها يرفض يطلقها".
_"ساعتها بقي هيبقي هو ومراته أحرار أنتَ عملت إللي عليك".
_"لا والله، أحرار ازاي، أنتَ بتقول أي، أسيبه يذلها... "
قاطعهُ الآخر قائلاً:
_"وأنتَ مين قالك أنه هيذلها، ما مُمكن بيحبها فعلاً، وعمل كده علشان ينتقم لكبريائه مثلاً وناوي أنه يصلح إللي بوظه".
_"بذمتك أنتَ مُقتنع باللي أنتَ بتقوله ده، يعني أي يصلح إللي بوظه، لو عايز يصلح حاجه مكانش عمل كده من الأول، وبعدين أهو هرب...... لو بس أيدي تطوله".
نفرت عروقهِ بغضب جامح، يهز قدميهِ بعصبية، ثم أضافَ قائلاً:
_"نادر مستني الفرصة إللي هيكسر عينها فيها ويذلها لرفضها ليه!، يعني لو نيته أي حاجة من اللي أنتَ بتقولها كان أتقدم لها بعد عملته علي طول خصوصًا بقي أنه هيبقي متأكد أنها هتوافق غصبن عن عينها بعد إللي عمله!".
ثم أضافَ بخيبة أمل:
_"أنا لحد دلوقتي مش مصدق، نادر العيل أبن أمبارح اللي مربيه علي إيدي وبعتبره أبني وصاحبي يعمل كده.... أنا لسه مش عارف أنا هعمل معاه أي لما يرجع، أنا مستبعدش إني أخنقه".
صاحَ بهِ الأخر ينبهُ أن يتحكم بأنفعالتهِ قليلاً الأمور حساسة للغاية ويجب التريس والتمهل في التخطيط والتصرف:
_"مش مهم نادر دلوقتي يا مُراد المهم البنت دي هتعمل معاها أي، أنا بقول الحل التاني أفضل ويا دار مدخلك شر، وأنا أعرف دكتور كده من بتوع الحاجات دي هيعملها ولا كأن حصل حاجه ولا حد هيشم خبر ".
هز رأسهِ نافيًا بالطبع لا يقبل حيلة واهية كتلك، لذا رفضَ رفضًا قاطعًا يقول:
_" أنت بتقول فكرة أنيل من إللي قبلها، الحاجة إللي زي دي يا فاهم يا واعي، عمرها مكانت مضمونة أنا عايز حل ينهي كل حاجة، مش مجرد حاجه سد خانة".
_"منا بقولك أهو نادر يتجوزها، ده أفضل حل واللي المفروض يحصل أصلاً".
_"لا قولتلك..... مش هينفع"
_"طيب ما ممكن ممكن يعني يكون اللي حصل ده برضاها وفعلاً كانت علي علاقة بيه، وكده...... "
قاطعهُ بحدة وصرامة يصيح بهِ:
_"لحد هنا ولا يا أبراهيم.... متخطيش خطوة تاني فاهم؟ رضوي دي متربية وسطنا من وهي عيلة، وأنا مصدقاه لأن عارف أن أبن أخويا عيل زبالة، أنتَ ناسي البلاوي اللي كان بيعملها وأنا بداري عليه، وأقول طايش وبيغلط".
_"بصراحه حيرتني يا مُراد.....، شوف هو فيه حل تالت وأخير، أتجوزها أنتَ، أتجوزها لفترة عالورق وبعدين أطلقوا! "..
توسعت عينيهِ بصدمةٍ، ماذا؟ هل قالَ تزوجها، هو و" رضوي "، عقلهِ بالكاد لا يستوعب، هز رأسهِ بعنفٍ وكأنه يزيح تلك الفكرة يخرجها من بين رأسهِ يقول يُلغي الحديث فتلك النقطة:
_" لا اكيد لا.. أنتَ بتقول كلام غريب النهارده، احسانلك أسكت أسكت، جيت تكحلها عميتها! "
_"لا ليه بس؟ ماهو مفيش حل تاني، أنتَ أنسب حد يحل الموضوع ده بالطريقة دي، فكر بالعقل يا مُراد يا كده يا مفيش حلول تانية!! ".
❈-❈-❈
لا يعلم كيفَ غفي هكذاَ، كل ما يعرفهُ أنه ليلة أمس أنهمكَ عقلهِ بالتفكير لساعات، وساعات، يعتصرهُ، يحاول أستخلاص منهُ أي حلٍ، لكن لا شيء، النتيجة صفر، لم يجد أي شيء ينفع، كل حلاً مُعقد من ناحية وجيد من ناحية أخري، معضلة فعليًا.......
نهضَ من علي سريرهِ بغرفتهِ الواسعة المطلية كُليًا بطلاء حوائط رمادي اللون، غرفة هادئة ذات أثاث داكن يتناسب مع ذوقهِ الهادئ، لكنها كانت تعمُ بالفوضي قليلاً.. أختفي بداخل المرحاض لعشرة دقائق، خرجَ مُرتديًا بنطال أسود اللون فقط، وبينَ يديهِ منشفة صغيرة يُجفف بها غصلاتهُ العسلية، مُتجهًا إلي خزانتهُ الخاصة بالملابس، أرتدي أول تي شرت قابلهُ، ثم رمي المنشفة علي الطاولة الصغيرة القابعة أسفل النافذة.....
متجهًا إلي خارج الغُرفة، يبحث عنها بعينيهِ في المنزل، الصالة فارغة وهادئة، من المُمكن أن تكون بالمطبخ تُعد لهمَا طعمًا مرة أخري، تبًا، معدتهُ لا تحتمل يكفي كيس الملح الذي تناوله أمس في المكرونة خاصتها.....
تنفسَ براحةٍ، عندما وجدَ المطبخ فارغًا ومُرتبً كما تركهُ أمس، أذًا أينَ هي؟، نادَا بإسمها بصوتٍ مُرتفع لتستمع لهُ، الساعة الآن الحادية عشر صباحًا، هي مُنذ أن أتت لا تنام إلي هذا الوقت، لكن لا بأس من أن يطرقُ بابُ غرفتها لعلها اليوم نائمَة، وأنّ كانت نائمة، فـ هذا يدلُ علي أنها نامت براحةٍ دون كوابيس، طرقَ الباب ثلاثة مرات، لا ردْ، طرقهُ مرة أخري لا رد..... ترددَ قبل أن يفتحهُ، لكن بالنهاية فتحه وقد كانَ قلقًا عليها.....
فتحَ الباب ببُطءٍ، الغرفة فارغة، السرير مُرتب أي أنها أستيقظت، أذًا أين ذهبت؟:
_"رضوي.... رضوي أنتِ فالحمام، يا رضوي ".
ظلَ يُنادي عليها لا ردٍ، وقعَ قلبهِ بين أقدامهِ، ليست بالمطبخ ولا بغرفتها، ولا بأي مكان بالمنزل، تبًا، أين ذهبت؟؟ هي لا تعرف أحدً هُنا، ولم يسبق وأن خرجت من المنزل منذ أن أتت..... كاد يخرج هاتفهُ يود الأتصال بها، لكن تراجع بعد أن تذكر أنها لم تأتي بهاتفها معاها، شعر بالخوف عليها أكثر.....
عاود البحث بالمنزل مرة أخري لعلها هنا أو هنا!، لكن لا أثرٍ لها بالمنزل كله، ظل ينادي بإسمها عدة مرات، ومع كل مرة يذداد القلق بداخلهِ، أيعقل أنها فعلت بنفسها شيئًا، هز رأسهِ بعنفٍ لا يريد أنّ يحتمل الشر أولاً......
هي ستظهر الآن، ظل يُطمئن نفسه أنها بمكانٍ ما قريب وستأتي، مع علمهِ بأنها لا تعرف أحدٍ هُنا، لكن يريد أن يهدأ أعصابهِ يُطمئن نفسهِ، مرت نصف ساعة وهو يجلس ينتظرها،لكنها لم تأتي، لم تأتي حتى الآن يكاد يجنُ....... لقد طفحَ الكيل، هل سيجلس مُكبلاً الأيدي هكذا لابد أنها قد أصابها مكروه، أنها أمانه وفي حمايتهُ هو، نهض سريعًا يهرول يغير ملابسهُ علي أستعجال، مُلتقطًا الهاتف ومفاتيح السيارة، سيبحث عنها بنفسهِ أختفائها المفجأء هذا يرعبهُ هي لا تخرج من الأساس.....
كانَ قرارً خاطئًا حينما وافق علي رحيل الممرضة بناءًا علي طلبها هي، كان عليهِ أن لا يأمن هكذا، ويترك الممرضة معاها ترعها، خصوصًا أنها بحالة نفسية ليست جيدة، ومُتقلبة، تارة جيدة وسعيدة هكذا من الفراغ، وتارة أخري مكفهرة منطفئة شاردة، لا تتحدث، حالتها النفسية غير مستقرة كما قالت لهُ "هند" عندما أتصلَ بها قبل يومين يسألها عندما وجد"رضوي "بحالة جيدة جدًا، فقالت له بأنها متقلبة، وأن أحتمالية دخولها بنوبة هلع ليست ببعيدة، وأن لا يتركها ويرعها، دونَ أن يغفل عنها.......
تذكرَ" هند" فـ أتصلَ بها سريعًا، ثواني وجائهُ صوتها تسأله وكأن قلبها يشعر أن حدث شيئًا لـ "رضوي":
_" خير يا أستاذ مُراد، رضوي كويسه جرالها حاجة؟؟ ".
_" صحيت ملقتهاش في البيت كله ".
_" يعني أي؟ هتكون راحت فين؟".
تنهد بتعبٍ، ثم مسحَ علي وجههِ:
_"مش عارف بقولك صحيت ملقتهاش في البيت، أنا بتصل بيكِ عايز أفهم هي حالتها ممكن تخليها تتصرف كده أو تعمل في نفسها حاجه ".
أطرقت مفكرة ثم أجابتهُ بعلمية:
_" لا حالتها مش بالسوء ده، هي أكيد مش هتهرب مثلاً، ده إلاَ لو كان في حد ضغط عليها وفكرها بأللي حصل وخلاها تفكر فالنتايج اللي جاية ".
_" طيب تمام أنا طالع أهو هدور عليها بنفسي، ربنا يستر".
_"لمّا توصل لحاجة كلمني ".
أغلقَ الخط معاها وقد شعر بالقلق أكثر، فهرولَ إلي الباب يخرج علي أستعجال، بينما الهاتف علي أذنيهِ يتصلُ بـ" أبراهيم "ليأتي ويبحث معهُ.........
يتبع...