-->

رواية جديدة ظننتك قلبي « لكن بعض الظن إثم » مكتملة لقوت القلوب - الفصل 11 - السبت 28/9/2024

 

قراءة رواية ظننتك قلبي « لكن بعض الظن إثم » كاملة 

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية ظننتك قلبي

« لكن بعض الظن إثم »

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة قوت القلوب


الفصل الحادي عشر 


تم النشر يوم السبت

28/9/2024 

 « سـ أُفسد الأمر ....!!!»


في بعض الروايات ودون علم منك تصبح أنت بطلها الشرير ، لكنني اليوم أعلم أنني هذا البطل بل أتقن هذا الدور ببراعة أيضًا فدور المحب لم يعد يليق بي ...


على الإنعطاف بهذا الطريق وإن كان قاسيًا فبعض المنعطفات حتمية لمواصلة الطريق وإن لم أستطع التجاوز فيجب على أن أفسد الأمر برمته ...


❈-❈-❈


الكوخ ...

من طبعِه الغموض فهذه سمة مميزة لشخصيته وتعبيراته التى تظهر جليًا على ملامحه ، لا أحد يستطيع التنبؤ بما يفكر به ويحدد إنطباعه عن الأمر ، هكذا هو "معتصم" ، لكنه على خلاف ذلك أظهر بوضوح إندهاشه وهو ينظر تجاه شاشة حاسوبه حين وردتهُ إحدى الرسائل الإلكترونية للتو فور أن دلفت "كاتينا" تحمل أكواب القهوة ..

- غريبة ..! !!!

إنتبهت له "كاتينا" متسائلة ...

- هل قلت شيئًا "ماوصي" ...؟؟

رفع رأسه تجاهها ومازالت تلك النظرة المندهشة تعلو عيناه القاتمتان قائلًا ...

- لقد وصلت لي رسالة غريبة الآن ... لقد عرض على أحدهم عرض سخي للغاية لشراء برنامجي ... إنه عرض لم أحلم به حتى ...

بإهتمام بالغ وفضول إعترى ملامحها الباهته ...

- وماذا عرض عليك ...؟!؟

تقوست شفته السفلى قليلًا ببعض التعجب وهو يجيب "كاتينا" ...

- إنهم يودون شرء برنامجي الذى قد أخبرتك عنه بمقابل خيالي ...

تهللت "كاتينا" بحماس وهى تهتف بسعادة بالغة ...

- رائع يا "ماوصي" ... إنها فرصة رائعة لا يمكنك رفضها ...

مال برأسه للجانب قليلًا وهو يمط شفته الممتلئة بتفكر وتردد ..

- أتظنين ذلك ... أخشى أن أخسر شيئًا لا أفهمه بعد ... فعرضهم مثير للريبة بشكل غريب  ...

حملت كوب من القهوة لتقدمه له وهي تحثه على قبول العرض الذى لا يرفض مطلقًا ...

- ولم لا ... إنها فرصة لا تعوض للثراء ... لقد صممته من قبل لبيعه ... فلم الرفض الآن ..!!!

حمل "معتصم" الكوب بيده اليمنى ليدق فوق لوحة المفاتيح الخاصة بحاسوبه بكفه الأيسر ببراعة ليشير إليها تجاه شاشته ...

- إنظري ... كم هو رائع وجاهز للعمل ... لم يتبقى سوى خطوة واحدة للإنتهاء منه ..

لمعت عينا "كاتينا" ببريق إنبهار لمهارة "معتصم" التى لا مثيل لها ...

- إنك ماهر للغاية يا "ماوصي" ... هيا .. إقبل هذا العرض إنها فرصة رائعة لا يمكنك هدرها ...

نظرة مطولة دون إجابة محدده فقد عاد لغموضه مرة أخرى ولم تستطع أن تستشف إن كان وافق على البيع أم لا ..

رفع كوب القهوة ببطء تجاه شفتيه وقد لامسهما بالفعل لكن قبل أن يرتشف رشفة منه تفاجئ بهجوم "عهد" عليه لتضرب الكوب بكفها ليسقط أرضاً محدثًا صوت تهشم قوى تبعه لون القهوة المنسكب ببقعة كبيرة تزيد فى الإتساع ...

تحفز "معتصم" بغضب وقد قضب حاجباه بقوة يرمق "عهد" بنظراته الجارحة القوية ليهتف بها بحدة وإنزعاج من تصرفها الأهوج ...

- إيه ده ... إنتِ إتجننتِ ...؟!!

إتساع مقلتيها العسليتان بتلك الصورة وقد علاهما نظرة ثابتة جافة للغاية لكن بها قوة و حِدة غريبة الشكل ، هيئتها تجعلك للوهلة الأولى تتيقن بأنها ليست طبيعية وأنها بالتأكيد مريضة نفسية سوف تنقض عليهم وتفتك بهم ...

شراسة مخيفة ظهرت بملامحها الناعمة بتضاد مقلق خاصة لـ"كاتينا" التى تراجعت بضع خطوات للخلف وهى تطالع "عهد" بأعين مذعورة ...

مدت "عهد" يدها بكوب آخر من القهوة مردفة بنبرة غريبة لم يتيقن من مقصدها ، فعل هي تلقائية بسيطة أم أنها نوع من التهديد ...

فقد عادت "عهد" لتلك الشخصية المحيرة التى أربكت عقله بالبداية مسببة له حيرة غير منطقية للتضاد الكبير مما تظهره الآن عما كانت بالأيام السابقة ...

فبعد أن كانت مشاكسة تقابل مناوشتة بقلب متقبل سعيد وربما يرى مَيلُها وإنجذابها نحوه كما قالت من قبل أصبحت الآن قاتمة مخيفة قوية إلى حد بعيد ترفض تمامًا أن تكون تلك الشخصية الضعيفة المحبة والتى تنساق خلف قلبها ...

فلم تبدلت .. ؟! أم أنها هكذا من البداية وهو لم يدرك ذلك إلا الآن ....؟!!

أسرعت "كاتينا" إلى جوار "معتصم" وهي تنهر "عهد" بقوة ...

- إنكِ جننتِ على الأخير ... أكُل هذا لأننى أنا من صنعت القهوة لـ"معتصم" ...؟!!! يا لكِ من غريبة الأطوار ...!!!

كالعادة كان رد فعل "معتصم" ثابت صامت تمامًا كمن ينتظر من "كاتينا" المواجهة للدفاع عنه ، تابع بهدوء و تحفز بذات الوقت جدال "كاتينا" مع "عهد" التى رفعت شفتها بتهكم قائلة بالعربية التى لا تفهمها "كاتينا" ...

- مالكيش فيه يا سكر ...

طأطأ "معتصم" رأسه قليلًا يحدق بتلك المتطاولة التى عادت للسانها السليط مرة أخرى ثم أردف بحدة ...

- أظن أن الأمر زاد عن حَدِه ... لن ننتظر تحسن الطقس أو غيره ... أخرجي حالًا من هنا ... إذهبي إلى شخص آخر يتحمل جنانك هذا ...؟!!

أغمضت عيناها لوهلة تسحب بها نفسًا طويلًا لتبقى على ثباتها النفسي قبل أن تردف ببسمة ساخرة فوق ثغرها المنمق تجيبه بإصرار ...

- ده بُعدَك ... ( ثم أردفت بالإنجليزية لتفهمها "كاتينا" ) ... لن أُبرِح مكاني هنا مطلقًا ... فلترتاحا ... إن هنا مكاني ويناسبني للغاية ...

ضرب "معتصم" كفيه بعضهما ببعض يناظر "كاتينا" التى لملمت شفتيها الباهتتان بغيظ وإشتعل وجهها الأبيض بحُمرةِ إنفعالٍ ، بينما كانت "عهد" باردة الأعصاب تمامًا مستكملة بإصرار على بقائها معهم بطريقتها المريبة المثيرة للقلق ..

أطلقت "كاتينا" غضبها بوجه "عهد" متحدثه بهياج شديد ...

- أخرجي من هنا .... ما هذه المصيبة ...؟؟!

ببرود تام كان لقاء تلك الكتلة من الجليد بنيران إنفعال "كاتينا" المتوهج ...

- أنتِ المصيبة ... 

توهجت عينا "عهد" ببريق وهي تدفع بكوب القهوة التى أحضرته تجاه "معتصم" بنبرة قوية ...

- إشرب ...

دفع "معتصم" بالكوب بعيدًا عنه ثم أردف بقوة تماثلها ...

- لأ ...

زمجرت بقوة تظهر شراستها فها هي تعود لـ"عهد" التى إشتاقت إليها تتحداه بنظراتها القوية والتى لاقت ذات الحدة والقوة وهو يدني وجهه قبالها ليظن البعض أن لقائهما سيشعل وهج قوى بتنافرهما كقضبي المغناطيس ...

إنتهى هذا اللقاء بجلوس "عهد" على أحد المقاعد متشدقة بعنقها للأعلى تناظرهما بنظرة إنتصار فلم يُخلَق بعد من يُجبرها على القيام بأمر ترفضه ...

مال "معتصم" بأذن "كاتينا" قائلًا بهمس خفيض للغاية ...

- إنني لن أتحمل تلك الفتاة لأكثر من ذلك ... إنها مخيفة للغاية ولن تتركنا بهذه السهولة ... أخشى أن تقتلنا حقًا ... إن علينا الرحيل بالفعل ... إن حياتنا هنا بخطر ...

تفكرت "كاتينا" قليلًا قبل أن تجيبه بذات النبرة الهامسة ..

- أعرف مكانًا جيدًا ... قريب من هنا أيضًا ....مكان لن تستطيع هي الوصول إليه ...

- إذن علينا خداعها حتى لا تكتشف الأمر وتتبعنا ...

رفع "معتصم" رأسه بزهو للأعلى ليوجه حديثه بنبرته الشجية المميزة تجاه "عهد" والتى كانت تراقب حديثهم وهمهمتهم الغير مسموعة ..

- حسنا يا "عهد" ... لقد إتفقت مع "كاتينا" أن نعطيكِ فرصة أخيرة ... أليس كذلك يا "كاتي" ...؟!!

أومأت "كاتينا" رأسها عدة مرات ثم رسمت إبتسامة عريضة على وجهها الضئيل مؤكدة حديث "معتصم"...

- بالطبع ... لقد إتفقنا ليبقى ثلاثتنا هنا ...

إستطرد "معتصم" بالعربية ...

- مبسوطة ...

بحركة فكها المنتصره هزت "عهد" رأسها بخفة ثم أردفت بإعجاب ...

- تعجبني سيطرتك ..

وقفت بخفة لتدنو نحو الصينية الموضوعة فوق المنضدة والتى قد أحضرتها "كاتينا" منذ قليل لتحملها بين يديها ...

- دى بقى ملهاش لازمة عشان ننام بدرى ....

خرجت من غرفة المكتب نحو المغسلة لتسكب القهوة كلها ثم إتجهت بنفس هادئة نحو غرفتها لتغفو قليلًا فلم تعد تتحمل البقاء كل هذا الوقت مستيقظة ...

إنتهز "معتصم" تلك الفرصة بغياب "عهد" ليهمس تجاه "كاتينا" قائلًا ...

- ستخلد إلى النوم ... هيا لنُحضِر أهم أغراضنا لنهرب من هنا ... سأحضر بعض الملابس والحاسوب الشخصي الخاص بي فقط ...

- حسنًا "ماوصي" ...

صعدت "كاتينا" لإحضار بعض الأغراض بحقيبة ظهرها كما فعل "معتصم" ليحمل كل منهما حقيبته بعد إرتدائهم لمعاطفهم الثقيلة ...

خرجا من باب الكوخ بتسلل وهدوء شديد لتسحب "كاتينا" الباب من خلفها بدقة متناهية حتى لا تشعر بها "عهد" ...

فها هى الآية تنقلب ويصبح المعتدى هو من يخشاه صاحب البيت ، فقد أصبحت "عهد" هي المسيطرة على الكوخ بمن فيه وليس العكس ....


❈-❈-❈


صباح جديد يهل على من يقترن إسمه بالبدايات لكنه لا يمت للإشراقة بصلة ...

"صباح" إسم للبداية والتفاؤل لكنه يتنافى مع صاحبته ذات القلب الصلب والنهايات التعيسة ...

لم يمر خروج بنات "زكيه" مرور الكرام اليوم أيضًا فلم تلحق "صباح" بهم كالأمس تمامًا ، قصة محفوظة وردود أفعال تكاد توثق من تكرارها ، فخروجهن متسللات وتصيد "صباح" لهن أصبح من الروتين اليومي لحياتهن ، لكن اليوم يقع تربصها سدى لتهيج وتجور على منفسها الوحيد إبنتها "راوية" تارة تؤنب بها ومرة توبخها ومرة تزيد من حنقها على بنات عمها ...

وكعادة كل يوم تلاقيها "راوية" بعدم إكتراث مستكملة نومها ...


زكيه ..

بعد أن إطمئن قلبها المتوجس على خروج إبنتيها لعملهما كالعادة خرجت "زكيه" بآخر ما تملكه لشراء بعض المستلزمات من البقالة ، تسللت كما يتسلل اللصوص كما فعلت إبنتيها من قبلها ، تسلل بمهارة فقد إعتادت على ذلك لسنوات طويلة كما لو أنها ليست من أصحاب هذا البيت ، قلق يثقل قلبها و حيرة تتخبط برأسها فمن أين ستأتي بالمال لبقية أيام الشهر الباقية فما تملكهُ لن يكفي ليوم آخر ...

وقفت مثقلة بالهموم تطلب من هذا الشاب الذى وقف بمحل البقالة ليحضر لها طلباتها القليلة بهدوء شديد وبشاشة وجه رغم همومها ...

- صباح الخير يا "على" .. هات لي جبنة وملح وصلصة ...

قابلها الشاب بحفاوة ليسرها بالتعامل معه على الدوام فهي مختلفة عن بقية عائلة النجار ...

- صباح الخير يا ست "أم شجن" ... من عنيا حاضر ...

وقفت تنتظر حين باغتتها إحداهن من خلفها قائله ...

- "أم شجن" ... والله كنت عاوزة أجي لك النهاردة ...

إنتبهت "زكيه" لمحدثتها لتلتفت نحوها مرحبة بها بمجاملة ...

- "أم يوسف" ... أهلًا يا حبيبتي ... وحشاني والله ...

زمت المرأة فمها ببعض الملامة قائلة ...

- لو كنت وحشاكِ بجد كنتِ جيتي طليتى عليا ...

أجابتها "زكيه" بضيق فهي تخشى الخروج من البيت حتى لا تلاقي "صباح" لتتهرب معللة ...

- الدنيا مشاغل والله ... ده حتى البنات بتشتغل دلوقتِ ومفيش غيري بيساعدني فى شغل البيت ...

إستكملت "أم يوسف" كما لو أنها لم تنصت لحديث "زكيه" وقد لمعت بعينيها بريق حماس لإخبارها بشئ ما لا يمكنها كتمانه لتستطرد بإبتسامة ...

- على سيرة البنات ... فيه واحد قاصدني أكلمك ضروري ... عايز يخطب إسم الله عليها بنتك "شجن" .. ربنا يجعله من حظها ونصيبها ... ( إتسعت حدقتاها بفخر وهى تلفظ بها قائله ...) .. ده دكتور ...

كلمات مبهجة وحديث يبث بها الروح ليدق قلب "زكيه" فرحًا فقد أصبح زواج إبنتيها أمل تتمنى الوصول إليه بعدما أنهوا دراستهن لتردف بسعادة ظهرت بنبرة صوتها الذى عادت له الحياة ...

- بجد ... دكتور ... 

أجابتها "أم يوسف" بزهو لما تخبرها به وتوسطها لتلك الزيجة لتؤكد لها ...

- أيوه ... الدكتور "سليم" إبن "السيد سليمان" ... ما إنتِ عارفاه ...

قالتها "أم يوسف" وهي تتباهى بعرضها المبهر لهذا الطبيب ميسور الحال لطلبه الزواج من إبنتها وتوسطها لمعرفة قبولها به ، لتلتهم"زكيه" سعادتها المفرطة بمعرفتها بهوية العريس لتظهر ثقلها ولا تقلل من قيمة بناتها لتردف ببعض الإتزان رغم موافقتها الشديدة لإتمام الأمر ...

- عمومًا برضه يا "أم يوسف" مهما كان لازم نشور البنت ونشوف رأيها واللي فيه الخير يقدمه ربنا ... دول ونعم الناس يعنى ...

بإيمائة خفيفة عقبت رفيقتها ...

- على خيرة الله ... شوفي رأيها إيه وبلغيني ... عشان أقول للدكتور يروح يتقدم لعمها "فخري" ...

- بإذن الله ... 

إنتظر الشاب إنتهاء حديثهم ليتدخل بهدوء ...

- إتفضلي يا ست "أم شجن" ... أى طلبات تانية ...؟!!

أخرجت "زكية" بضع ورقات من محفظتها لتمد بها إليه ومازالت إشراقة وجهها تعبر عما تشعر به قائله ..

- تشكر يا "على" ... خد حسابك ...

حملت أغراضها عائدة إلى البيت بمقابل البقالة وهي تلملم إبتسامتها السعيدة فأخيرًا ستسعد بزواج إحدى إبنتيها ، حِملها الثمين لسنوات قاسية ...

لم تكن تدرى وهى تتعلق بسعادتها التى زارتها بعد عقود مرهقة مرت بها بأن هناك أعين تتقد حقدًا وكراهية تتابعها سيرها وإبتسامتها دون أن تدرى ...

غمغمت "صباح" وهي تحدق بـ"زكيه" التى رأتها من شرفتها تقف بمحل البقالة بالمقابل ...

- مالها فرحانة كدة ليه دي ....؟؟!

رفعت رأسها تجاه محل البقالة لتلتقط أول الخيط محدثة نفسها ...

- هي أكيد الوليه دى قالت لها حاجة ولازمن أعرفها ...

دلفت "صباح" نحو الداخل تلف حول نفسها كفرخ الدجاج المتحير لا تدرى كيف تكتشف سر سعادة "زكيه" ...

وقت طويل لم تجد به فكرة سوى هذا الشاب الذى يعمل بمحل البقالة ليخبرها بما يعرفه ، سحبت هاتفها لتتصل به لتطلب طلبات عديدة كالمعتاد قبل أن تجلس بتلهف بإنتظار مجيئه بعد قليل ...

عبأ الشاب طلبات السيدة "صباح" فهي تنهره بقوة عندما يتأخر عنها ، بدقائق قليلة كان "على" يدق باب "فخري النجار" لتقابله "صباح" التى أكل الفضول و التلهف صبرها لمعرفة الأمر ...

أسرعت "صباح" تقابل الشاب لتحمل الطلبات من يديه وهي تمد يدها بنقود تفوق ثمن مشترواتها بكثير ...

- خد يا "على" ...

- خلى علينا يا ست "أم فريد" ...

نظر الشاب لهذا المبلغ المالي الكبير ليتهف بتوضيح ...

- ده كدة كتير يا ست "أم فريد" ... إنتِ كدة ليكِ باقي كتير ...

رفعت كفها السميك ليهوى مصدرًا ضجيج لتخبط أساورها الذهبية بعضهم ببعض تمنعه من إعادة النقود وهى تهمس كلأفعى بأعين لامعة ..

- لأ ... خليهم عشانك ... بس قولي ... الوليه اللي إسمها "أم يوسف" دى كانت بتقول لـ"زكيه" إيه ...؟!!

لم يكن الأمر يحتاج لذكاء فائق لإدراكه لم أعطته المال ليجيبها على الفور بما سمعه فالأمر لا يعد سرًا ولا به شئ مخجل وإلا كانوا أخفوه عنه فقد كانت أصواتهن واضحة للغاية ...

- أبدًا يا ست "أم فريد" ... دى كانت جايبه لبنتها عريس ...

شهقت "صباح" بقوة ليعلو صوتها الغليظ والذى إنتبهت له "راوية" التى خرجت من غرفتها للتو ، ضربت "صباح" صدرها بكفها لتزيد الأمر إندهاشًا تخوف له الشاب ...

- عريس ...!!!!!

نكست "راوية" عيناها بتحسر بينما أكمل الشاب بالمزيد من المعلومات ليكسب رضاها ...

- أيوة يا ست "أم فريد" عريس ... دى حتى بتقول إنه دكتور ...

ظن أنه بهذا الأمر سيخبرها بأمر مفرح يستحق عليه المكافأة ، لكن "صباح" مدت كفها لتقبض مرفقه بينه بقوة تحدثه بنبرة حادة إهتز لها الشاب للغاية ...

- دكتور ...دكتور مين ده ... إنطق ... قول أوام مين هو ...؟!

إحساس بالإرتباك جعل نبرته تهتز تخوفًا من "صباح" حين إتسعت عيناها المخططتان بالكحل الأسود ببريق مخيف زاد من وهج بشرتها السمراء لتزداد قتامة ، أجابها بنبرة متلعثمة محاولًا التحرر من قبضتها المتمسكة بمرفقه فيبدو أنه أخطأ بإخبارها بالأمر ...

- الدكتور ااا .... "سليم سليمان" ... إبن الحاج "سيد سليمان" ...

بمجرد نطقه بالإسم وإنتهاء حاجتها له حررت "صباح" ذراعه من بين كفها ليسرع بخطوات متعثرة مبتعدًا حتى لا تسأله عن أى شئ آخر فيما أردف بإضطراب ...

- لا مؤاخذة يا ست "أم فريد" ...أصل ااا ... سايب المحل لوحده ..

إختفى طيفه بلحظات فيم إستدارت "صباح" نحو الداخل لتبدأ تنفيس غضبها بأول وجه تقابله ، "راوية" بالطبع ...

- بقى بت "زكيه" يجي لها عريس دكتور ... وإنتِ زى الكُبة خيبة قاعدة لي كدة ..!!!!

تهدج صدر "راوية" بحنق فما ذنبها هي بزواج بنت عمها من طبيب ، وما ذنبها أن الخُطاب لا يخطون بابهم كبنات عمها ...

- وأنا مالي ..!!!!!!!

بدأت "صباح" سلسلة من التوبيخ المعتاد والسُباب بدون داعي ، أمر يجعلها تزداد حنقًا وكرهًا لبنات عمها ...

- مالك ...!!! مالك يا بايرة يا ***** ... يا ****** ... شوفي بيعملوا إيه عشان يجيبوا رِجلين الرجالة دول ... لكن إنتِ حتفضلي قاعدة لي كدة ...ولا حتتجوزى ولا حتغوري من وشي ... بس على مين ... مبقاش "صباح" لو خليت الجوازة دى تتم .. طول ما إنتِ قاعدة لي كدة ... هم كمان لازمن يفضلوا قاعدين لأمهم ... ولا واحدة فيهم حتخطي عتبة جديدة ...

توعد وترصد تقدر عليه بالفعل كان رد فعلها عن هذا الأمر الذى لن تاركه يمر مرور الكرام ، فلن تتزوج إحداهن قبل أن تتزوج "راوية" والتى لا يقُدم أحدهم على طلبها مطلقًا ليُكتب عليهن نفس مصيرها بالإكراه ...


❈-❈-❈

شقة فريد النجار ...

التذمر الدائم هو ما يوصف به تلك المرأة النحيلة التى تعد نفسها أذكى وأرقى من تلك العائلة حتى مع إمتلاكهم المال الذى لا تمتلكه عائلتها ..

نفخت "حنين" بتذمر وضيق من زوجها محدود الذكاء والذى لا يساعدها مطلقًا للوصول لمبتغاها وما تحلم به ، ثم رمقته بسوداوتيها بتقزز ...

- يعني وأخرتها معاك ... لحد إمتى حفضل أفهم فيك وإنت البعيد مبتفهمش ...!!!

طأطأ "فريد" رأسه بخنوع وقلة حيلة ..

- ما هو يا "نونه" أبويا كل ما آجى أقرب منه يصدني ومعرفش أخد معاه لا حق ولا باطل زى ما يكون مش طايقني .. خصوصًا ومأمون موجود معاه ...

لوت فمها الممتعض طيلة الوقت وهى تقضم شفتها السفلية بحركة عصبية قائله ساخرة من "فريد" ...

- إذا كنت أنا مراتك أهو ومش طايقاك ... المهم ... المشكلة فى أخوك اللي إسمه "مأمون" ده ... بنى آدم مش سهل ... 

بقلق بالغ أوضح "فريد" تخوفه من معرفة "مأمون" بما يقوم به فى الخفاء ...

- ده أنا قلبي وقع فى رجليا لما كان بيتكلم معايا إمبارح ... كنت فاكر إنه عارف بعمل إيه ...

ضربت "حنين" كفيها بعضهم ببعض ، أهو ساذج أم غبي ..؟؟ لأنه لا يمكن أن يكون صادق صافي القلب لتردف بإنفعال من غبائه الذى لا تتحمله لأكثر من ذلك ...

- فاكر ...!! إنت متخيل إن "مأمون" ميعرفش إنت بتعمل إيه ... إنت غبي أوى كدة ...؟؟! 

ثم إعتدلت لتتوهج عيناها الماكرة وهي تبث به سمومها ...

- ده أخوك ده مصيبة من مصايب الزمن ... ده مفيش حاجة ميعرفهاش ... ومش بعيد يكون وقعك فى الكلام بجد عشان يثبتها عليك وتفضل مرمي فى مكانك فى المخازن ...

لم يبالي بطريقتها التى تُدنى منه وتقلل من شأنه ولا من تطاولها عليه بل كان إهتمامه منصب فقط على كيفية التصرف بهذا الأمر ...

- طب والعمل يا "حنين" ..؟!!

طرفت بعيناها لوهلة بغرور وهى تجيبه بدهاء ...

- مش عارفه من غيري كنت حتعمل إيه ... اللي المفروض تعمله دلوقتِ هو إنك تخلي أبوك يشك فى "مأمون" عشان يبعده عن الوكالة ويخاف يملكه على الفلوس ...

إتسعت عينا "فريد" بإنبهار قائلًا بترقب ...

- إزاى ...؟!!

ضحكت "حنين" بتهكم ضحكتها القصيرة قبل أن تستكمل حديثها ...

- المفروض تعرف "مأمون" مسافر إمتى يستلم بضاعة ووقتها تفهم أبوك إنك الكميات اللي وصلت أقل من الحقيقة ... ساعتها أبوك حيشك إن "مأمون" بيلعب فى الكميات وبياخد فلوس لحسابه ... ووقتها بقى واحدة واحدة تدخل لأبوك وتاخد مكانه ...

- فهمت ..

قالها "فريد" بحماس وعليه التنفيذ فى الحال لمعرفة متى سيسافر "مأمون" لبدء خطته ...

غمغمت "حنين" بنبرة خفيضة للغاية بسخط ..

- يا ريت تكون فهمت ... هو إنت بتفهم أصلًا .. ده ناقص آجى أتكلم بدالك ... مش كفاية عليا أمك وأختك .. عيلة ما يعلم بيها إلا ربنا ...


❈-❈-❈



سويسرا ...

لم يعد شعور الإستغراب يهيم بالنفوس ، فقد أصبح كل شيء متوقع ، لمحة عين إختلفت بها الأوضاع ، فصاحب البيت أصبح هاربًا والمعتدي أصبح مالكًا ...

وسط تلك الأجواء التى تبعت هذا الطقس العاصف برودة قارسة وسحب كثيفة تغطي السماء ، أمطار مازالت تتفاوت شدتها رياح تتنقل بين الأشجار التى إبتلت من الأمطار ...

أجواء تبعث بالضيق والكآبة خاصة وهما بوسطها دون ملجأ أو حامي منها ...

كانت "كاتينا" هي المرشدة الآن بعد خروجهم المتسلل من الكوخ للهروب من تلك المتوحشة المجنونة ، سارت "كاتينا" متقدمة "معتصم" لإرشاده نحو بيت قديم يملكه والديها لا يبعد كثيرًا عن طريق الكوخ ...

وسط طريق يخترق الغابة والأشجار الكثيفة التى تحجب الرؤية بشكل واضح إتخذا طريقهم للشمال ، بعد سير لوقت لا بأس به بهذه الطرقات الغير ممهدة بفعل العاصفة وقفت "كاتينا" تشير إلى أحد الإتجاهات لتخبر "معتصم" بإرهاق ...

- ها هو "ماوصي" ... إنه الكوخ خاصتنا ...

وقف "معتصم" يستقيم بهامته حاملًا حقيبته فوق ظهره ليضغط جبهته متطلعًا بتمعن بذات الإتجاه الذى تأشر إليه "كاتينا" ...

من بين فروع الأشجار الكثيفة ترائى له كوخ قديم لا يمكن رؤيته بشكل واضح لتنبسط ملامح وجهه المتجهمة ببسمة ضعيفة للغاية ليردف معقبًا ...

- إنه كوخ بالفعل ...

تطلعت "كاتينا" بوجهه المستريح حينما إستطرد قائلًا ...

- أظن أنه من المستحيل أن تصل "عهد" إلينا ها هنا ... لقد وصلنا نحن بأعجوبة ...

إتسعت بسمتها التى تدل على إنتصارها على تلك المتطفلة ..

- بالطبع "ماوصي" ... لن تستطيع الوصول إلينا مهما حاولت .. مكان الكوخ هنا مختبئ لدرجة كبيرة لا يمكن أن يأتي إليه أحد إلا من يعرف مكانه بالتحديد مسبقًا ...

أومأ "معتصم" بخفة وهو يتقدم بخطواته تجاه الكوخ لتتبعه "كاتينا" ...

كان كوخًا عاديًا للغاية لا يشبه الكوخ الذى كانا يقيمان به فيبدو أنه قديم للغاية ، مدت "كاتينا" ذراعها القصير لتصل بصعوبة لأحد المصابيح تسحب المفتاح من فوقه لتشعر بالزهو لتحصلها عليه ...

إتجهت نحو الباب الموصد لتفتحه بالمفتاح قبل أن يدلفا نحو الداخل ...

إجتاح جسديهما شعور بالبرودة فالكوخ صامت ، هادئ بشكل كبير بعكس كوخهما الدافئ ، حتى المدفأة المطفأة هي من النوع القديم الذى يحتاج للأخشاب لإشعالها للشعور بالدفء ...

لم تكن الأجواء بالخارج أقل برودة لكن يأمل المرء عندما يخطو داخل البيت بالشعور بالدفء والأمان ، فهو مفهوم يغرس بالنفس قبل الشعور به ...

وضع "معتصم" حقيبته أرضًا ليتحرك بأرجاء الكوخ بحثًا عن الأخشاب لإشعالها بالمدفأة التقليدية ليشعرا بالدفء ...

وجد المدفأة بأقصى اليسار وإلى جوارها بعض الأخشاب ليسحب بعضها ويلقى بهم بداخل المدفأة مشعلًا النيران ليستمتعا ببعض الراحة وربما الخلود للنوم بعد قضائهم لليلة طويلة لم ينالا بها راحة ونوم هادئ ...


❈-❈-❈


وسط الملامح الهادئة أشياء محطمة ، تلك مقولة لا يدركها الكثيرون ، كم من طائر يملك جناحين دون أن يعطى لهم قيمتهما ، تلك الأجنحة خلقت لتطير فربما كان بالإستغناء إذن بالحرية لتحلق الأجنحة من جديد ...


بيت عائلة الأسمر ...

ضغطت "وعد" بكفها فوق شفتيها لبعض الوقت تمنع قلبها المتهدج من الصراخ لما يتصارع بداخله ، رفعت أصابعها الطويلة لتسحب هاتفها تدق برقم خالتها "زكيه" بإشتياق لسماع كلمة حانية لينة ولم ولن تلقاها إلا منها فقط ...

- صباح الخير يا خالتى ...

قالتها "وعد" بصوتها الناعم و نبرتها الهادئة لتجيبها "زكيه" بلهفة أم حنون على إبنتها التى لم تراها منذ فترة طويلة ...

- صباح الخير يا حبيبتي ... وحشتيني أوى ...

- وإنتِ كمان يا خالتي ... وحشاني أوى ...

أنهت عبارتها لتتنهد بضيق شعرت به "زكيه" لتتسائل بقلق ...

- مالك يا "وعد" ... فيكِ إيه ...؟!!

لملمت شفتيها بتأثر وقد تقوست شفتيها اللامعتان للأسفل بضيق وإنقباض بقلبها ثم اجابتها بنبرة مستسلمة ...

- متلخبطة ومش عارفه أعمل إيه يا خالتي ... حتى "عهد" زعلانة مني ودايمًا تليفونها مقفول ... وإنتِ بعيد عني ومشغولة طول الوقت ... أنا حاسة إني لوحدى .. مش عارفه إللي بعمله ده صح ولا غلط ...!!!!!

كانت إجابة "زكيه" مختلفة عما يظنونه من يحيطون بها بمفهومهم عن الصواب والخطأ بل كان بكلمات تريح قلب تلك المسكينة المتعب ...

- كفاية يا "وعد" تأنبي نفسك ... شوفي بيتك وحياتك وإبنك ... و "عهد" مسيرها تقتنع في يوم من الأيام بأن اللي عملتيه ده كان لمصلحتك ومصلحة إبنك ... كفاية تلومي نفسك وتتعبي أعصابك أكتر من كدة ... ده إنتِ ممكن يجرى لك حاجة ... 

صمت "وعد" المنصتة لحديث "زكيه" الذى يهدئ من ضغط قلبها المتعب كان ردًا بليغًا على حديثها العقلاني الذى يحثها على تقبل حياتها ...

إستطردت "زكيه" مستكملة ...

- والله يا بنتى أمك "عايدة" لو كانت عايشة مكنتش حترضى أبدًا تشوفك تعبانه كدة ...

أغمضت "وعد" عيناها للحظات فربما تلك الكلمات هي ما تحتاجها لتعطيها الروح والقوة لإكمال حياتها التى أصبحت كالماء لا لون ولا طعم لكنها على قيد الحياة ...

عبارات حانية من خالتها ذات القلب الطيب لكنها كانت بالفعل تحتاج النصيحة من قلب قوى كقلب "عهد" ، تتمنى أن تستمع إليها وتبثها بعضًا من قوتها لكن الأمر الآن غاية بالصعوبة ، فـ"عهد" لا تلين بسهولة ولن ترضى بأنصاف الحلول ، قراراتها تتخذها بما يُقنع عقلها فقط و تقصى حسابات القلوب جانبًا تلقيها ببئر لا نهاية له ...

بعد فترة من الإنصات أردفت "وعد" ...

- ماشي يا خالتي ... معلش شغلتك معايا ..بس إنتِ عارفه إني لوحدى ومش بعرف أتصرف ...

- عيب يا "وعد" تقولي كدة وإنك إنتِ و"عهد" تعتبروني غريبة كدة ... هو إنتوا مش زى "شجن" و"نغم" ولا إيه ..!!

بحبور شديد عقبت "وعد"...

- غريبة إيه بس يا خالتي هو إحنا لينا غيرك فى الدنيا ...

- طب أبقى هاتي "زين" وتعالي ... وحشتوني أوى ..

رغم أنها تخشى الوعود خاصة تلك الوعود التى لا تستطيع الوفاء بها إلا أنها وعدتها بذلك ...

- إن شاء الله يا خالتي ... حاجيلك قريب ...

إنتهت تلك المكالمة بخيال "وعد" الذى قفز لذكرى جديدة ، ذكرى قاسية من "عاطف" مرة أخرى ...


فلاش باك ...

﴿إعتاد "عاطف" حياة القسوة واللا مبالاة معها ، إنصاته لأخته "عتاب" وأمه بأنه لابد أن يُظهر القوة وسيطرته على زوجته ليكون رجلًا كما يظنون ، لكن هؤلاء هم أشباه الرجال ، لا يملكون من الوصف سوى كلمة ذكر ببطاقة هويتهم ...

أيام تمر لا تجد بها "وعد" سوى الضيق و إقتضاب الوجه ، حديث مقتصر وإستهزاء وتحقير منه لها ...

نفسها الحساسة كانت هشة للغاية ، لم يمر ذلك عليها بروية بل كان إحساس عاصف جعلها فريسة لحياة حزينة وإنزواء واضح ..

بالبداية كانت "وعد" تحاول إلتماس بعض الأعذار حتى لو لم تكن مقنعة بذلك ، لكنها كانت تجد بها سببًا يدفعها للتحمل والإستمرار ، أخذت تمنى نفسها أن كل ما يمر بعلاقتهم يمكن تداركه فهو من داخله يُحبها ، ولأجل ذلك ستتحمل أملًا بأن يتغير ذات يوم ...

حتى جاء هذا اليوم ، اليوم الذى أعلن به نهاية إختلاقها لأعذار له لمعاملته السيئة معها ، اليوم الذى توقفت به نفسها عن البحث عن سبب لما يفعله معها ، لتقف بنقطة الصفر حين تجبرها تصرفاته قتل شعور المحبة بداخلها لتصبح كإناء أجوف فقد إنعدم رصيده من إلتماس الأعذار وأصبح ببداية إحساس آخر هو من أجبرها عليه ...

عاد "عاطف" من متجرهم ليلًا بنفس ضائقة لم تدرى "وعد" سبب ذلك ، أهو العمل بحد ذاته أم لخلاف ما بين أبيه أو أخيه "محب" كالعادة ...

كان كالثور الهائج يبحث عن متنفس لإسقاط غضبه عليه لتتجلى أمامه تلك الضعيفة اللينة كمثال مناسب لهذا ، بدأ حديثه الصارخ بالسُباب المهين لها والغير معتاد بينهم ...

- قومي يا *** ***** إعمليلي شاي ...

إتسعت خضراوتيها بصدمة من إلقائه عليها بتلك الألفاظ النابية لتفغر فاها بقوة لكن ملامتها له كانت بمثل نعومتها تمامًا ...

- "عاطف" ...!!! ليه كدة ...؟!!!

عقد حاجبيه بقوة وهو يرفع أنفه بإشمئزاز منها قائلًا بتجبر ...

- كيفي كدة ... حد شريكي ...ومن هنا ورايح مش حتكلم غير كدة يا *** ***** .

تعالى تنفسها بقوة فقد شعرت بأن الهواء إنعدم تمامًا بداخل رئتيها لتحرك رأسها برفض لهذا الإسلوب الجديد المهين بالتعامل معها ، خاصة وأن غضبه وسُبابه بدون سبب من الأساس ...

- لأ يا "عاطف" ... متكلمنيش كدة ... عيب كمان الولد ممكن يسمع ويقلد الكلام ده ...!!!

وقف بقامته الطويلة ليضرب بكفه جانب رأسه بقوة بصورة أخافتها للغاية مع إنفعاله وصراخه المتكرر حتى أنها تراجعت لبضع خطوات للخلف بإرتجاف ...

- هو كدة ... بمزاااااجي ... أقول اللي عايز أقوله ... وإنتِ تتكتمي خالص ... فاهمه ولا مش فاهمه يا روح *** .

تهدج صدرها بقوة لتهتز شفتيها بقوة تبعها تساقط لدموعها صعبة التحكم مردفة بنبرة محتقنة خرجت بقوة لإهاناته المتوالية ...

- لو .. سمحت يا "عاطف"... بلاش الطريقة دى ...!!!

باغتها بقبضه لمرفقها بقوة يسحبها تجاهه وهو يصرخ بها بغضب جعل عيناه تشع بريق مفزع بأعين "وعد" التى بهتت تمامًا من شدة الإرتعاب ...

- إنتِ حتعلميني أقول إيه وما أقولش إيه ... إعرفي حجمك كويس ... ده أنا "عاطف الأسمر" ... أقول زى ما أقول ... ولا حد يحاسبني ...

رغم رجفتها وبرودة أطرافها حاولت بقوة واهية الدفاع عن نفسها فعليها أن تكون قوية كـ "عهد" ...

- لأ ... طبعًا ... فيه حد حيحاسبك ... ولا نسيت ربنا ومبقتش عامل له حساب .... بلاش كدة يا "عاطف" ... أنا مش قليله ... عشان تعاملني بالشكل ده ... طريقتك وإسلوبك ده ربنا حيحاسبك عليه ...

لم يتقبل ردها وإنتقادها له بل عليها الرضوخ والسماع والطاعة ، عليه أن يظهر كالرجل القوى الذى لا تجرؤ زوجته على معارضته ، ترضخ له بإشارة من إصبعه الصغير ...

عليه إستخدام القوة ، تلك الطريقة الهمجية الذكورية التى يظنها البعض سيطرة وقوة وهى أبعد عن الرجولة الحقيقية بالنقيض ...

رفع كفه بقوة ليهوى فوق وجنتها الممتلئة بصفعة شعرت بصداها بداخل قلبها أولًا فعليه إخراسها وإجبارها على قوته الجديدة بالسيطرة عليها ...

صفعة أطلقت سيل من الدموع الموجعة المتلاحقة ، ربما ما شعرت به من ألم لم يوازى تهشم ما حدث بداخلها ، جدار صلب إستطاع هدمه بصفعة واحدة ، ذلك الخيط الرفيع الذى حال بين نقيضين من قلب عطوف محب لقلب جامد صلب ..

كيف إستطاع نزع محبتها له برد فعل عنيف منه ...؟!

كيف إستطاع خلق إحساس مغاير بداخلها بهذه الصورة ؟!!

بل كيف توقف قلبها عن الشعور ؟؟! أصبحت تقف على حافة جسر بين أحاسيس مختلفة لتبقى لا تنتمى لأى منهما ، لقد أعادها للحياد ونقطة الإنطلاق ، لقد أوصلها لدرجة الغرباء الذين لا يعرفون بعضهم البعض ...

رفعت وجهها المحتقن بنظرة عميقة كمن تبصر ما كُشف منه للمرة الأولى وقد أزيلت غشاوة عينيها لترى سوء خُلقه و أنانيته ، شخص بغيض غريب ...

أزاحت خصلات شعرها الأسود التى إلتصقت بوجنتها إثر دموعها التى غطتها ليظهر أثر كف "عاطف" تاركًا رسم لأصابعه فوقها ، رفعت أصابعها تملس فوق وجنتها المتوهجة متسائلة بأعين مستنكرة فعلته ...

- إنت بتضربني يا "عاطف" ...؟!!

كِبر نفسه متجاهلًا عتاب قلبه عما فعله بها ليظهر وجه لا يبالي رافعًا من هامته بثبات مغلفًا صوته بقسوة أنهت هدم جدار المحبة بينهما ..

- وأكسر رقبتك كمان ... ومن هنا ورايح ده ردي عليكِ يا "وعد" لو في يوم وقفتي قصادى كلمة بكلمة معايا زي النهارده ...

هزت رأسها برفض لهذا الوضع المهين وهي تقلب شفتها السفلى بحزن رجف له قلبه المتعالى الذى وضعه تحت قدميه كما لو أنه لا يكترث لها ولا لألآمها لتردف بغصة ...

- ليه يا "عاطف".... ليه ...!!!!!

ثم أردفت بآخر أمل لها تعاتبه وتترجى أن يفيق من غفلته قبل خسارتها بشكل نهائي ...

- إنت كنت بتحبني ... ليه تقسى عليا ... أنا عملت لك إيه ...؟؟

تنهدت بأنفاس متقطعة لتستكمل ببعض الإستجداء ...

- بلاش تسمع كلام "عتاب" ... بلاش تقسيك وتقويك عليا ... بلاش ...

رغم وجودهم بشقتهم إلا أن خيال "عتاب" ترائى لناظرى "عاطف" يراها تسخر من ضعفه وإنسياقه خلف لين "وعد" وطيبة قلبها ليتجلى شيطان نفسه رافضًا حديث "وعد" ضاربًا بحديثها عرض الحائط ليهتف بنبرته الغاضبة ...

- إخرسي ....!!! ( زادها بإتمام شهادة رجولته حين هوى بكفه بصفعة ثانية كانت هي من ألقت كلمة النهاية على حطام قلبها ومحبتها له ) ... إوعى تجيبي سيرة أختي على لسانك بالصورة دى ... دى ستك وتاج راسك ... دى بنت "محفوظ الأسمر" ... إنتِ تطلعي إيه عشان تتكلمي عنها بالصورة دى ...

ألم يكتفي بصفعاته القاسية ليكمل قُبحه بإهانة وتجريح ودونية أيضًا ، لِمَ يحطم كل ما كان جميل بينهم ؟!! لِمَ يحطم قلبها الذى ظن أنه يومًا يحبه ؟؟؟ 

كانت تود بعتابها أن يعيد بناء ما إهتز بينهم لكنه أصر على تحطيمه حتى لم يعد للعتاب سبيل فقد قطع الوصل ...

حتى العتاب فقدت الرغبة به ، حينها فقط تأكدت بأنها شيعت محبته لمثواها الأخير ، لم يقدر قيمة الأحجار النفيسة التى يمتلكها فغدًا سيجد أنه لا يملك سوى الحصى ..

إن العتاب هو الوصل بين الأحبة لكنها الآن لم تعد تقوى على عِتابه ، لم تعد تريد هذا الوصل فقد كسر ما لا يمكن إصلاحه ..﴾


عادت "وعد" لواقعها لتحمل إبنها لداخل غرفته تبدل ثيابه بصمت تحاول الإعتياد على حياة لا حياة فيها ...


❈-❈-❈


بذات المكان والتوقيت بشقة محفوظ الأسمر إنتهزت "عتاب" فرصة غياب والدتها "قسمت" عن البيت ووجودها بمفردها لتدلف لغرفة نوم والديها ...

تركت بناتها لتتسلل نحو غرفة والديها مستغلة هذا الوقت بالخصوص فلن يزعجها أحد ، حتى "وعد" التى أصبحت لا تختلط بهم متيقنة بأنها لن تأتي وتكتشف الأمر ...

فتحت "عتاب" الخزانة الخاصة بوالديها لتخرج حقيبة الأوراق الكبيرة الخاصة بهم ، تلك الحقيبة التى تمتلئ بكل ما يخص العائلة بأكملها من أوراق ومستندات تخص والدها "محفوظ" الذى لا يجرؤ أحدهم على إمتلاك ورقة واحدة منهم بل كان له كل السيطرة للإستحواذ حتى على الأوراق ...

طلت بوجهها الطويل وشفتيها المضمومتان تنظر نحو باب الغرفة بتشدق الإطمئنان بأن الوضع هادئ تمامًا لتضع الحقيبة فوق الفراش لتفتحها وهى تعبث بمحتوياتها بتركيز شديد ...

لم تنتبه لهذا الذى وقف بباب الغرفة يحدق بها وهي منشغلة بالتقليب بين الأوراق لتنتفض بفزع حين نطق مفاجئًا إياها ...

- بتعملي إيه يا "عتاب" ....؟!!

إضطربت للغاية حتى كادت تشق الورقة التى تحملها بين يديها لنصفين من مفاجئتها لتبتلع ريقها الذى تحجر بحنجرتها وهي تطالعه ببعض الإضطراب قبل أن تهدأ نفسها قليلًا مجيبة إياه ...

- محب ...!!! خضتني ... 

عقد ذراعيه أمام صدره ومازالت نظراته مثبتة عليها ليعيد سؤاله مرة أخرى ...

- أيوه مقولتيش برضه ... بتعملي إيه عندك ...؟؟!

وضعت الأوراق عن يدها وهي تزم شفتيها بقوة ثم نهضت من جلستها لتدنو منه قائلة ...

- تعالى حقولك ... عشان إنت لازم تفهم بدل ما يتاكل حقنا ... أنا وإنت أكتر إتنين مهمشين فى البيت ده ... وجه الوقت عشان ناخد حقنا بإيدينا ...

عقد حاجباه بدون فهم محاولًا إستنباط عما تتحدث ...

- قصدك إيه ...؟!!

لمعت عيناها بخبث وهي تستكمل بث سمومها بأفكار "محب" أيضًا فعليه التعاون معها لإسترداد حقهم الذى على وشك الضياع ...

- قصدي إن الفرصة جت لنا نرجع حقنا يا "محب" ... ولازم تحط إيدك في إيدي عشان نرجع اللي راح ...

رغم عدم إدراكه لما تنوي فعله إلا أنها أثارت فضوله ليسألها بتمعن في حديثها المبهم ...

- إنتِ عاوزة تعملي إيه بالضبط ..؟؟

- عاوزة .. ااا ....

قطعت حديثها حينما سمعت صوت والدتها تتحدث مع بناتها بالخارج لتسرع نحو الحقيبة تلملم ما بعثرته بعجالة ...

- مش وقته مش وقته ... حبقى آجى لك أوضتك أفهمك إيه الحكاية وحنعمل إيه ... روح دلوقتِ عطل ماما لحد ما أشيل الأوراق دى مكانها ....

رفع كتفيه و أهدلهما بدون فهم ليخرج لوالدته التى عادت للتو من الخارج بينما أعادت "عتاب" كل شئ كما كان كما لو أنها لم تفعل شيئًا ....


❈-❈-❈

بيت النجار ...

نيران حامية تصارعت بنفس "صباح" منذ علمها بأمر خطبة هذا الطبيب لإبنة "زكيه" ، نيران إلتهمت أعصابها وقلبها المفعم بالسواد ...

إرتدت عبائتها السوداء المزينة بالنقوش الذهبية والتى أظهرت جسدها الممتلئ ، تلك العبائة التى طغت بسوادها على قلبها ، زينت ذراعيها السميكان بالمزيد من الحلي الذهبي فهي لابد وأن تكون بكامل بهائها وتأنقها ...

تعجبت "راوية" من رؤية والدتها تستعد للخروج لتتسائل بإندهاش ...

- رايحه فين يامه ... ؟!! ده إحنا لسه بدرى ...!!!

مصمصت "صباح" شفتيها بإزدراء وهي تطالعها بجانب عينيها قائلة بإستهزاء ...

- يا برودك يا بنت "فخري" ... يعني مش عارفه أنا رايحه فين ...!!!! طبعًا وإنتِ بيهمك إيه ... قاعدة زي البقرة تاكلي وتنامي ولا حاطه فى دماغك حاجة وسايباني أنا أولع فى نفسي ... قال على رأى المثل ...( إيش على بال القرد من سواد وشه ...) ...

زفرت "راوية" بضيق من إستهزاء والدتها بها ثم أردفت ...

- ما كفاية بقى تحرقي فى دمي ليل ونهار ... أنا ذنبي إيه ...!!!!

- ذنبك ...!!! ذنبك إنك بايرة ... مش عارفة تجيبي لك عريس زى بنات الخدامة ...

أزاحت "راوية" وجهها بإمتعاض عن والدتها فقد إعتادت طريقتها القاسية معها ، لم تعد تهتم أو تتأثر بما تقوله لها ، متبلدة المشاعر حتى الحزن ودموعه فارقا حياتها لتُفضل اللامبالاة عن التأثر بحديثها المتهكم منها طوال الوقت ...

إستدارت عائدة نحو الشرفة عوضًا عن بقائها مع والدتها التى تضغط عليها طيلة الوقت ...

رفعت "صباح" طرف عبائتها بغيظ لتخرج مغمغة ...

- عَيله باردة ... أبرد من ماية طوبة ... 

خرجت من شقتها عاقدة العزم لإفساد أمر خطبة "شجن" مهما كلفها الأمر لتتخذ طريقها لتنفيذ ذلك ...



...يتبع 


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة قوت القلوب، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية..

رواياتنا الحصرية كاملة