-->

رواية جديدة عقاب ابن البادية الجزء الثاني لريناد يوسف - الفصل 1 الأثنين 16/9/2024

  

قراءة رواية عقاب ابن البادية الجزء الثاني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




قراءة رواية عقاب ابن البادية

الجزء الثاني

 رواية جديدة قيد النشر

من روايات وقصص 

الكاتبة ريناد يوسف


الفصل الأول


تم النشر يوم الأثنين

 16/9/2024




عقاب ابن الباديه الفصل السابع والثلاثون


نظر آدم لسالم بنظرة غاضبة ممزوجه بالسخط والشفقة معاً، وسخطه على رأفة قلبه بها حتي بعد أن القته للتو من أعلى سفاح الجبال دون رحمة! 

أماالشفقة لأجل قلبه الذي لا يقوى على كرهها او النفور منها وإقتلاعها من داخله، حتى بعد كل هذا الكم الهائل من الجروح الذي تسببت له بها ومازالت.

فهِم سالم نظرته وأبعد يده عن ذراع رجوه، ونظر إليه ثم إليها يحثه على الاعتذار منها وتطييب خاطرها،ولكن آدم أبى ذلك، وابتعد بخطوات تضرب الارض نفوراً من رجوة ومخالطتها وقربها، 

وحتى عيناه سبقت خطواته هرباً؛ حتى لا تنظران لمن تسببت لرفيقه في كل هذا الأذى.


وصل آدم إلى خيمة عوالي، فنادى عليها بصوته الرخيم، وماإن سمعت عوالي صوته حتى خرجت مهللة ومرحبة، فإستقبلته داخل خيمتها، وهناك أخذ منها الأوراق وباح لها بكل مايؤرق قلبه؛ 

فلطالما كانت الشيخة عوالي ملاذ قلبه التائه وطمأنينته، وها هي تنصحه هذه المرة بما لم يتوقع منها، وأتت نصيحتها مطابقة لرأي الجميع، 

فقرر آدم ان يُعيد النظر في الامر، وأن يراجع قلبه في محبته لحياة، وأن يجرب الابتعاد عنها قليلاً لعله يستطيع، 

وبدأ عقله يحاول الإستسلام وتصديق أن ماإجتمع الكل على رفضه لن يأتي من ورائه سوى المزيد من المتاعب. 


قضى بقية اليوم مع رابح وباقي شباب القبيلة بعد أن اخبر عمه قصير بما يريده الشيخ منصور، وقرر قصير شراء إحدى المبنيين، والاخر تركه لآدم ليشتريه هو. 

أما سالم فقد توارى عن أنظار الجميع وركب حصانه وانطلق به هارباً، وجلس بمفرده عند الربوة يتدبر أمره، فمن كان مجيئه للبادية بمثابة عيده، أصبح مجيئه بمثابة خنجر مسموم يندس في قلبه في كل مرة فيضعفه، فلا هو السم المميت، ولا عاد يقوى سالم على تحمل ألمه، فقرر هو الآخر الاستماع لنصيحة الشيخ منصور والبحث عن اخرى علها تستطيع ان تنتشله من عالم الضياع الذي هو فيه الآن، 

ولعله صدقاً لا يفل الحبيب إلا الحبيب، 

وربما إن سمح بدخول شخص جديد في حياته يغير مجرى كل شيئ.. فيأخذ حيزاً ولو صغيراً في قلبه، ويكبر مع الوقت حتى يطرد سكانه القدامى، ويستوطنه هو.


يعلم انها أمنية بعيدة المنال، يعلم ذلك جيداً، ولكنه يجب أن يحاول.

 

فعاد للقبيلة وذهب إلى عمته عوالي وإستأذن بالدخول، جلس بجانبها صامتاً لبرهة من الوقت وهي تراقب سكوته ثم اردف بشرود:

-عمتي انريدك تختاريلي عروس على ذوقك ونقاوة عينك، ونا عارف زين الشيخه عوالي ايش تختار. وانا   لخطاويكِ متبع .

عوالي بفرحة:

- هااا نويت تترك الدروب اللي ماعادت تليق بك ياسويلم؟ 

والله انك توا فرحت قلبي وبردت ناري عليك ، ابشر ياوليدي الغالي ومايصير خاطرك الا طيب، وتو تشوف كيف عمتك راح تجيبلك اللي مو بس تنسيك رجوه، لا اللي تنسيك امك وابوك والقبيلة كلها واسمك بعد..

 روح ياوليدي واكتم الامر بيني وبينك واتركني نختارلك ونوازي  بين بنيات القبيلة بنيه بنيه لغاية مانلقى المهرة  اللي تليق بفارس متلك. 


- معك كل الوقت اللي تحتاجينه ياعمتي، بس بالله عليكي ماتجيبيلي اللي تزيد اوجاعي وتزود وجيج الراس،انا انريد اللي تطيب جروحي وتصبر على اوجاعي انا ودي نرتاح ياعمتي نرتاااااح. 

ان شاءالله- راحتك عندي ياسويلم، هيا قوم امشي لرفاقك وتسامر معهم وجالس حبيبك اللي مايهون عليه زعلك وضرب الفانص لاجل عيونك وهو يده ماعمرها ماتنمد على حرمه ولاعلى بنيه، بس لاجلك هانت رواسخ لعقاب وخان عهد الرجال.


أومأ لها برأسه ونهض مغادراً، ومسح المكان بعينيه باحثاً عن عقابه، ولكنه لم يجده، فتتبع صوت الهرج والمرج واقترب من الشباب فوجده جالس معهم، يشاركهم الحديث ولكن عقله شارد وعيناه زائغة،


 فإقترب منه سالم وجلس بجواره واخذ من يده العصا وبدأ هو بالرسم على الرمال بدلا عنه، فتبسم آدم وهو ينظر لما يفعله وهمس له:


-من يومك تكملني وتكمل حتى خطوط يدي، بس شايفك اليوم قفلت كل الدواير وماخليتهن يتلاقن!


- من الحين كل الدواير بدها تنقفل ومافي دواير تتلاقى، خلص ياخوي ماعاد عندي صبر ولا طول بال نلف بالدواير حتى نلقى المخرج، خلي نعرف ان مافي مخارج ونبقى داخل الدايره وهي مقفلة.

- اووووف كلامك صار  يحمل معاني واااجده ياخوي،وياهل ترى حددت من اللي راح تبقيه جوات دايرتك ولا طلعت الكل وقفلت على حالك وبس هيك؟


- لا.. طلعت ناس وبقيت ناس،لان البعض ماينفع يولي برا والبعض ماينفع يضل.


نظر إليه آدم وتلألأ السؤال في عينيه ورفت شفتاه تريد أن تسأل ولكن خوفه من الجواب منعه، فأجابه سالم دون أن يسأل:

-انت بقلب الدايره وبقلب صاحب الدايره ياعقاب، انت ماأذنبت ولا سويت شي، ومو سالم اللي يحمل ذنب حدا لحدا تاني، انت لك مكانه بالقلب مايأثر عليها غياب حدا او حضوره، بعده أو قربه.انت بالأول وبعدك يجي اللي يجي. 


تبسم آدم وزفر بإرتياح، فما قاله سالم للتو هو مبلغ همه وشغل عقله الشاغل،

 أما الآن فلا خوف ولا خجل من ذنب لم يقترفه والتصق به بفضل تلك المجنونه.

انتهت السهرة وعاد الجميع إلى الخيام، أما آدم فقرر اليوم أن ينام في غرفته، مع ذكرياته واشيائه التي تذكره بعشر سنوات من عمره قضاهم هنا واكتسب فيهم كل ماهو عليه الآن، وليس لديه استعداد ان يخسر مما اكتسبه اي شي، لا محبة ولا صداقة ولا أخوة. 

 وفي سكتة الليل والوقت الذي يسبق اذان الفجر، لم يستطع آدم النوم وهو يفكر في كل مايحدث معه، فأمسك بهاتفه وهاتف من ستشاركه قلقه وحيرته، ومن أول مرة اتاه صوتها مجيب وكأنه الغيث لقلبه الظمآن،

 فقاوم حنينه وكتم تنهيدة وجع لا تخرج من جوفه إلا على اثر صوتها الحنون، 

وتحدث معها بجدية على غير عادته، فأخبرها بما يجول في في خلده... 

- حياة.. ياحياة، أنا قررت قرار وانريدك تدعميني فيه، نعرف عقلك كبير وقلبك أكبر وووو. 

- أنا معاك ياآدم.. وموافقه وبأيد قرارك كمان، فعلاً علاقتنا مستحيله وكل الظروف معانداها، إحنا لازم نبعد حتى عشان خاطر الناس المتعلقه فرقابنا دي ومينفعش نخذلها. 


كانت الكلمات تخرج من جوفها هادئة ولكنها مغلفة بنيران يكاد يشعر بحرارتها في كامل بدنه، وصوتها المهزوز ونبرتها المهزومة شرحت ماتشعر به في هذه اللحظة، فرد عليها هامساً:

-كيف عرفتي باللي ودي احكيه؟ 

-بقراك حتى وانت بعيد عني وبعرف بتفكر في إيه،، بحس بيك وكأنك جوايا، حته مني مش شخص تاني مختلف. 


تنهد وهو يقاتل قلبه الذي يصرخ عليه طالباً الرحمة:

-انا محقوق لك  ياحياة الروح والله مو بيدي، بس وعد مني إذا الأمور تحسنت وإذا صار مجال وزواجنا أصبح شي عادي ماراح انتردد لحظة بإني نخطفك من براثن الدنيا وانخبيك بين ضلوعي  وندير بالي عليكي لآخر العمر.

- وأنا ياآدم مش هوعد ومش هقولك اني هستناك لآخر العمر عشان أخاف أوعد وماأوفيش، كل اللي هقولهولك إني هفضل أحبك لآخر العمر، وغلاوتك في قلبي هتزيد مع الأيام متقلش، جايز هبقى على إسم واحد غيرك، وجايز ولادي متكونش إنت أبوهم ولا حياتي هتكون زي ماخططتلها معاك، بس الأكيد إن قلبي هيفضل ملكك بلا منازع. 


- لا تراهني عالقلوب ياحياة فسبحانه يقلبها كما يشاء، واللي اليوم غالي بالغد وارد كتير تتغير مكانته. 


- مش هراهن على حاجه ياآدم.. اعتبرهم كلمتين فارغين اتقالوا فلحظة وداع واللحظات دي المشاعر هي اللي بتتكلم ومشاعرنا ملهاش عقل تفكر بيه.


بعد دقائق من الصمت نطق الإثنان في آن واحد:

-ودلوقتي هنعمل ايه؟ 

-والحين ويش راح نسوي؟ 

ضحك الإثنان معاً واختلطت دموع حياة بضحكتها وأردفت بحزن بالغ:

-وجودك كان مكملني ومش عارفه من بعد ماحسيت اني لقيت نصي التاني هعيش ازاي من غيره، صعبه لما ترجع لنقطة الوحده من بعد مالقيت رفيق وخليل وحبيب وصاحب يحلي أيامك. 


- بالله عليك ماتصعبيها ياحياة ولاتزيدي اوجاعي بهالحكي، والله اذا تفتحين قلبي هالحين راح تشوفي محرقة وروحي بنصها جثة عم تحترق. 

-طيب نقول سلام دلوقتي ولا نقول الوداع، ولا المفروض نقول إيه في اللحظات دي، انا حقيقي مش عارفه، بس هو على كُلٍ لازم نقفل وننهي الكلام بينا. 

- ليش ليش، وين بدك تروحي.. يعني أذا مو أحباب مايصير نضل أصحاب، مايصير نحكى لبعضنا ايش متعبنا ونرمي حمولنا ع بعض، عندك العلاقات كلها مرتبطه مايصير نلغي علاقة وتستمر الآخرى؟ 


-هكدب عليك لو قولتلك ينفع.. لا يا آدم مينفعش، مينفعش اكون مجرد صديقة بعد ماكنت حبيبه، مينفعش تفضل تحكيلي مشاكلك وهمومك وأنا أحلهالك واشاركك فيها لحد مايجي اليوم اللي الاقيك فيه جاي تكلمني عن وحده تانيه دخلت حياتك وتسألني تعمل معاها ايه، مينفعش ياآدم صدقني.. وسامحني. 


-مااظن الدنيا راح تهاديني بغيرك وحده تسكن روحي وتفهمني وتستولي على عباراتي، وتكون محور احاديثي، اللي صار معاك ياحياة الروح متل الموت والولادة مايصير مرتين، حبى إلك ماراح يتكرر ولو جاء بعده الف حب ماراح يكون متله ابد. إنت تباشير هالروووح وأول حصاد القلب يادقة القلب. 


تنهدت حياة بعد أن إبتلعت غصة كادت تختنق بها، فمن بعده سيسمعها هذا الكلام، ومع من سوف تشعر بهذا الشعور اللذيذ، وكم تمنت في هذه اللحظه أن يكون حلماً وتفيق منه، حلم جميل ليس إلا وتستيقظ لتجد كل شيئ كما كان وقلبها على سيرته الأولى،

 خالي ولم يسكنه أحد، أقسمت وقتها أن تأخذه وتفر هاربه خوفاً من أن تعيش هذا الألم مجدداً. 


- ويش فيك ياحياة ليش هاد الصمت؟ 

-اقول ايه ياآدم، لحظات الوداع مبيتقالش فيها كلام كتير. 

- كافي لا تذكرين كلمة الوداع مره ثانيه بالله عليكِ، هي الكلمه بتسَكن روحي الوجاع. 

- سلامة روحك من الاوجاع.. طيب ياآدم انا هقفل معلش عشان مش قادره اتحمل اكتر من كده. 

- ابقي معاي شوي بالله عليك. 

- لا معلش صدقني مش قادره. 

- انا معاود بعد يومين او ثلاثه عالاكثر.. رح تكوني بإنتظاري ونشوف اللهفه بعيونك متل ماتعودت ولا خلاص من الحين راح تروح اللهفة والشوق؟ 

-تعال بالسلامة ولكل مقام شعور وإحساس متسبقش الاحداث. 

- إي والله معك حق.. لكل مقام شعور. 

سلام  يامنية الروح وديري بالك على حالك وماتنسين إن عقاب راح يضل يحوم بسماكي وحولك وإذا فكر حدا مجرد تفكير أنو يأذيكي ماراح تشوفي منه غير بقايا.. كوني هانيه أنا دوووم بجوارك.. إنت بين عيوني ياعيوني


اغلقت المكالمة والقت الهاتف من يدها لتستسلم لموجة عاتية من البكاء والنحيب، نحيب أتت على إثره أمها مهرولة تتسائل عما حدث، ولكنها لم تجد من إبنتها الجواب الشافي،

 فعادت كما أتت، ولكنها علي يقين بأنه حتماً آدم من تسبب لإبنتها في هذا كله، ولكن ماذا حدث بينهم ياترى؟

أما في غرفة يحيي.. 

-يبني إهدا واقعد وفكر إنت وقاعد زاولتني والروح والجي في الأوضه مش هيخليك تفكر أحسن. 

- افكر ايه هو انا عاد فيا مخ افكر بيه؟ أفكر فأيه ولا إيه وإبن اخوك خربها من كل حته، عامل زي الطوفان جه وأخد كل حاجه فوشه وبلع كل اللي بقالي سنين بتعب عشان احققه.. الحيوان الهمجي تربية المعيز والجمال ده. 

لترد عليه أمه فريال:

- لا وإنت الصادق دا تربية دماغ سم، تربية منصور الكلب اللي سقاه من حوضه وخلاه غول زيه محدش يعرف ولا يقدر يواجهه.. لعبها صح عمك وغلبنا.. بس علي مين الفرصه لسه موجوده. 

- فرصة إيه وهو أخد كل حاجه وعمال يبرطع وكأن الدنيا كلها بتاعته ومحدش عايش فيها غيره. 

فريال:

- وانا بقول لسه الفرصه موجوده واللي اخده كله نقدر نرجعه..كفايه بقى نفذ صبرنا وانتظارنا للحظه المناسبه، واثناء انتظارنا هو عمال يزحف علينا زي الحريق ويبلع الاخضر واليابس في جوفه، 


الحل الوحيد قدامنا هو اللي عايز يعمله ياسين، 

اساساً الموت اتخلق عشان نزيح من طريقنا كل حد ينغص علينا الحياة، الحياة اللي اتخلقنا عشان نعيشها براحتنا ونسعد فيها مش نفضل تعبانين وخايفين وشايلين هم ده وده.

 ياسين من بكره ابتدي حط خطة الهجوم كفايه انتظار ودفاع.. شيل العقبة اللي اسمه آدم من طريقنا وخلينا نرجع تاني نعيش في أمان وسلام. 

انتهى الإجتماع المغلق وغادر ياسين غرفة ابيه وأمه وذهب لغرفته منفرداً بنفسه كي يضع الخطة المناسبة للقضاء على غريمه فور عودته من الباديه. 


وفي صباح اليوم التالي في مقر شركة يحي 

دلف ياسين لمكتب ابيه كالإعصار  وهو يمسك في يده بعض الأوراق وقام برميهم على المكتب أمام إبيه بغضب وقال له وهو يزمجر:

-اتفضل شوف لما بتتطربق بتتطربق من جميع النواحي ازاي.. الصفقة اللي مصدرينها وقابضين نص تمنها والنص بعد الإستلام هتقعد اسبوع في عرض البحر بسبب عطل مفاجئ في السفينه،

 والصفقة المستوردينها الشركه المصدره رجعت في اتفاقها ورفضت تبعتها بحجة ان معندهاش اللي يغطي الطلبيه وهتدفع الشرط الجزائي، يعني بكده اتخرب بيتنا رسمي وانضربنا في السوق وخلاص كل الاوتيلات والمستشفيات الخاصة والمنتجعات اللي بنتعامل معاها هتشوف بديل وهتلغي التعامل معانا.


أمسك يحيي الأوراق وكانت عبارة عن فاكسات وتأكد من كلام إبنه، ثم القاهم من يده بعيداً وهو يقول:

- دي لو مترتبه من شياطين الارض متجيش كده ابداً، يعني ايه لا وارد ولا صادر؟

- ومين قالك انها مش مترتبه من شياطين، او خلينا نقول شيطان متبعدش عليه حاجه، بيعرف كل حاجه وبيتكلم كل اللغات وعنده السلطة اللي تخليه يعرف يعمل كده.

- تفتكر يكون هو؟

-مش افتكر دا انا متأكد.

- إذاً عليك بيه ياياسين، إعمل اللي كنت مانعك منه، بس متبقاش غشيم وتحط نفسك في موضع شك، خليك بعيد وخد حذرك.

- متقلقش انا عامل حسابي ومخطط لليوم ده وكنت مستني إشارة التنفيذ بفارغ الصبر، والحمد لله أخدتها من امي أمبارح وحضرتك اكدتهالي النهارده. 


❈-❈-❈


 أنهى آدم ماأتى اليه وهم بالمغادرة بعد أن هاتفه أبيه يخبره بأن الصفقة المستوردة قد وصلت الميناء وعليه أن يمضى أوراق إستلامها بنفسه،


 فودع الجميع على عجلة من أمره، ولكن أوقفه سالم بجانب السيارة قبل أن يصعدها وقال له:

- خوي دير بالك ع حالك، واذا احتجت اي شي بس ارفع جوالك ودقلي راح تلاقيني قدامك مسافة الطريق. 

- عارفك يانصي ومتأكد أنك بتكون حدي بمجرد مانطلبك، ومتأكد زين ان ما في مخلوق في الدنيا يحبني قدرك.. وعايزك انت كمان تتأكد أن مافي مخلوق يحبك قدري،

 ومافي  أي شي في هالدنيا ممكن يفرقنا الا الموت، 

وأن اللقمه اللي في فمي انشيلها ونعطيهالك لو قلت جوعان، وأن قلبي لو ساكنه حدا نطرده منه لأجل خاطرك  ومو انا اللي ناخد شي خوي رايده. 

- مالو لزوم هالحكي ياعقاب لاني اعرفك زين، اعرفك اكثر من نفسك، وما محملك ذنب شي، هو الغلط كله من البدايه غلطي،والذنب ذنبي  أنا زرعت محبه بأرض مو أرضي ورويتها من روحي وانا مامتأكد إني راح آخد طرحها.. 

على كل حال انا خلاص تركت الأرض لصاحب نصيبها واستعوضت ربي بالتعب، وراح اندور ع أرض جديده، بس راح نشتريها من حر قلبي ونكتب صكها ع يد مأذون وماراح نعطي شي قبل ما ناخد، خلص تعلمنا الدرس ياخوي ومافي عطا من اليوم، فيه أخذ وأخذ وأخذ وبس. 


-راح تخلي حدا ماله ذنب يحاسب ع اخطاء غيره ياسالم؟ 

- ماندري ويش راح انسوي، بس صدقني ماعندي شي تاني نعطيه، هي الفانص خذت من سالم كل شي ينوخذ، ومابقت شي لحدا. 


-طيب ماتتعجل واصبر واعطيها فرصه، رجوه بعدها صغيره وتوا اللي بدت عيونها تتفتح، وجايز مع الايام يردلها عقلها وتعرف ان رجوه مالها غير سويلم اللي تربت ع يده وشالها اكثر ماأمها حملتها. 


- وسويلم ماراح يضل رهين عطفها ولا عقلها، توانعلمها ان سويلم كان لرجوه فرصة وفرصته متلها متل الصيده إذا مااقتنصتها ولت منك وضاعت للأبد. 


انتهى الحديث بينهم ولازت الافواه بالصمت، ورأى آدم أن سالم قد أصدر حكمه على رجوة بالنفى من قلبه، ولكنه يعلم جيداً بأن وراء هذه الملامح الصامدة غصة مميتة، 

ومن سيشعر به غيره فهو يشرب الآن من نفس الحوض وبداخله نفس الشعور، ويعلم كم هو مؤلم، فالرجال يتألمون أضعاف، إذ أنهم لا يستطعون البكاء أو الصراخ والتذمر.. هم فقط يحملون محرقتهم بداخلهم ويواصلون السير بها، حتى وإن غدوا رماداً من الداخل عليهم المواصله. 


عاد آدم إلى القاهرة، وتوجه الى الشركة مباشرة، أخذ منها بعض الأوراق واتجه نحوا الميناء وأنهى استلام شحنته، 

ومن ثم توجه للفيلا، وهناك ارتمى في أحضان أمه، واخذ يشم رائحة الجنة فيها، اغمض عينيه وفتحهم على صوت خبطات صغيرة فوق الدرج، قطب حاجبيه وهو يرى حياة تنزل حاملة حقيبة سفر، إبتعد عن أمه وهرول إليها ووقف أمامها وسألها بخوف:

- ايش هالحقيبة ، وين رايحه انتي؟ 

 ردت عليه وهي تتأمله بشوق وحسرة

- انا رايحه عند أهل بابا في البلد ياآدم، هقعد مع عمتي هي وحيده معاها بنت وحده وجوزتها، طلبت منها اني اعيش معاها ووافقت ورحبت جداً وطارت من الفرحه. 


إقترب منها أكثر وهمس بفزع:

-وتتركيني! لهي الدرجة هان آدم عليكي؟ خلاص مو طايقه عينك تلمحه ؟وين الرأفة بالقلوب هوني لكن.. شوي شوي جافيني بس خلي عيني تراعيكي. 

اجابته وهي تهرب بعينيها منه:

-انا بحاول اهرب منك ياآدم واتأقلم مع فكرة عدم وجودك فحياتي فياريت تساعدني وتقويني مش تضعفني.. ارجوك انت متعرفش الحرب اللي خوضتها عشان اعرف انفذ قراري ده، فخليك إنت عالاقل رحيم بقلبي. 


صمت وهو يدور ببصره في جميع انحاء القصر متخيلاً اياه بعد رحيلها، فخُيل إليه كبيت مهجور مخيف، عاد ينظر إليها وهم ان يتحدث ولكنها أوقفته بأن أشارت له بيدها ليصمت، ثم اشارت بعينيها للأعلى، ومن ثم طلبت منه إيصالها للسيارة.

شعر آدم بأن لديها مزيد من الكلام، ولكن تلك المتطفلة الممسكة بسور الدرج وتنظر اليهم من فوق والشماتة تعتلي تقاسيم وجهها هي ماتمنعها..


 فأمسك الحقيبة منها حملها وتوجه بها إلى الخارج، وانتظرها بجانب سيارته، أما هي فاقتربت من أمه وتمتمت لها ببعض الكلمات تلتهم  تنهيدة، ثم اخذتها أمه بين احضانها، كانت ضمة شكر من أمه  هو يعرفها جيداً! 

ولولا أنه هو من اقترح البعد وبادر لظن أن لأمه يد بالموضوع.. 

مسح وجهه وأستند بكلتا يديه على السيارة ووالاهم ظهره، فعقله الآن ليس في حالة تسمح له بالاستنتاجات، 

هو مرهق ومتعب ومشتت ويعيش أصعب شعور في العالم.. لحظات الوداع. 


انهت حياة حديثها القصير مع أمه، ثم اتت إليه، حرك شفتاه ليتحدث ولكنها قاطعته حين فتحت حقيبة كتفها وأمسكت بإحدى كفيه ودست بها رزمة صغيرة من الأوراق وهي تتلفت حولها!


شعر آدم بأنه سر لا تريد أن يعلم عنه احد شيئ، فقام بتخبئتهم في جيب سترته علي الفور وهو يهمس لها:

- ويش هادول؟ 

-دول حقك ياآدم، اوراق القصر والأرض والمخازن، عارفه انك بعت الأرض والمخازن والقصر مش عقد اللي هيقف قدامك لو حابب تتصرف فيه، 

لكن الاوراق دي لازم تبقى معاك لانهم هما اللي مقويين أمي وخالتي ومخلينهم متمسكين بوجودهم في القصر، ولو الأوراق دول معاك وهما عرفوا هيسيبوا القصر بدون اي اعتراض، وترتاح منهم ومن تطفلهم على حياتكم.. حقيقي انتوا متستاهلوش ناس زيهم يكونوا فمحيطكم. 


أنهت حديثها ولم يتثنى له الرد عليها، فقد وصلت سيارة أجرة خارج القصر، وهمت بحمل حقيبتها والمغادرة، ولكن آدم منعها بنظرة من عينيه، فحمل الحقيبة ووضعها داخل سيارته هو، وذهب لسائق السيارة أعطاه بعض النقود وطلب منه الانصراف، وعاد اليها وزمجر وهو يفتح لها باب سيارته:

-هي غلطه اذا بظرف غير الظرف مابيها سماح..اكون موجود وتركبين سيارة مع رجال غريب وتحت انظاري؟ والله ياحياة انتي ناقصك ربايه. هدا اسمه فنص عندنا 


تبسمت وهي تتلقي كلاماته اللازعة وتوبيخه وتنظر لعينيه الغاضبتين، فكل هذا ستشتاق إليه حتماً. 

صعدت داخل السيارة وصعد هو وادار محركها وبدأت أول خطوات في رحلة البعد. 


اوصلها ثم تحرك بالسيارة فور ان فتحت لها عمتها باب المنزل، لم ينتظر لتستدير بعد ان تنتهي من احتضان عمتها وهرب من النظرة الاخيرة التي ستهدم كل قِلاع الصبر التي بناها مؤخراً، وتمحى كل عبارات المواساة التي ظل يرددها داخله طوال الطريق، وترغمه على إختطافها والعودة بها مرة أخرى وتباً لكل شيئ. 


أما حياة فدلفت إلى منزل عمتها وهي تشعر بالضياع، منزل جديد وحياة جديدة ووحدة لا تعلم متى وكيف ستنتهي. 


وصل آدم للقصر آخيراً، وبمجرد دخوله وقف في منتصف البهو وصرخ بعلوا صوته:

-ياااعمي،، يامرت عمي ياياسين، كارمن دكتوره فاطمه، كل البقية يحضرون هون والحين. 

خرجوا جميعاً علي صوته فوقف مقابل عمه وياسين وقام بإخراج حجة القصر من جيبه وفردها أمامهم وأردف:

- تغادرون بكرامتكم هاد إذا عندكم شي منها باقي ولا تغادرون بالحكومة ؟ 

تبادل عمه وإبنه النظرات ورد عليه ياسين محاولاً حفظ ماء وجهه المسكوب سلفاً:

-لا مفيش داعي احنا كده كده كنا ماشيين وسبق وقولنالك ادينا مهله بس نشوفلنا مكان وشوفناه، ولو صبر القاتل عالمقتول كان مات لوحده. 

نظرت فريال لأختها فاطمة بإتهام، فهي الوحيدة التي تستطيع سرقة العقد، أما فاطمة فتمتمت بسخط على تلك التى باعتها لغريمها وهي من إفترضت بإبنتها الذكاء والفطنة،ولكنها فاجأتها بغباء منقطع النظير. 

انسلوا جميعاً نحوا غرفهم وبدأو في حزم امتعتهم وكل مالهم في القصر على مضض، أما عايده ومحمود فجلسوا يراقبون تطهير قصرهم من تلك الآفات التي إنتشرت فيه لسنوات طويلة وأستوطنوه وكأنه حق من حقوقهم. 

وكانت لحظة خروج الجميع من القصر أمام أعين عايده كلحظة رجوع الروح للجسد، فهاهو كل شيئ يعود إلى قواعده، إبنها وأملاكها وقصرها وسعادتها. 


أما محمود فكان يراقب خروج اخيه من القصر وهو ينظر له بحسرة ،وكم تمنى لو أنه كان أنقى، أتقى وأرحم، وأخ بُشد به العضض.. لنفذ فيه وصية ابيه حتى آخر العمر، وعاشا معاً تحت سقف واحد ينعمون بالسعادة، ولكن للأسف لقد أفسدت زوجة أخيه كل الود، وقطعت بأفعالها كل خيوط المودة وحولت العلاقة المقدسة لعلاقة سامة لا ترياق لها. 


وصلوا حديقة القصر وصعدت فريال وزوجها وأولادها سيارتهم، وتركت فاطمة وأولادها دون حتى النظر إليهم، مما اثار حنق فاطمة وأقسمت على ألا تترك فريال وشأنها بعد كل ماأقترفته يداها من جرائم لأجلها، وإن حياتها وعائلتها التي تحاول الفرار بها منها اليوم لها فيهم نصيب لن تتركه. 

 وصلت فريال وزوجها لفندق وقاموا بتأجير غرفتين، واجتمعوا في غرفة واحدة يتناقشون فيما بينهم ويرسمون خطواتهم القادمة، وبينما هم كذلك تلقى ياسين مكالمة تجهم بعدها وجهه، ونظر لأبيه وهمس صاكاً على أسنانه:

- مش قولتلك هو اللي وراها، شركة البيه الجديده استوردت نفس الطلبيه اللي كنا مستوردينها وخلص اوراقها من المينا وفي الكام ساعه اللي فاتوا اتوزعت على كل المطاعم والأوتيلات والقرى اللي كنا متعاقدين معاهم واتأخرنا عليهم، والكارثه إن السعر أقل والجوده اعلى وكل الأماكن دي بعتولنا يوقفوا التعامل.. شفت بجاحه وخسه اكتر من كده؟ 

رد عليه مدحت قائلاً:

- ايوه بس دا شغل ياياسين وهو مغلطش لما وزع بضاعته، إنت ليه حاسبها كده. 

لتسرع فريال امه بالرد عليه:

-انت تخرس خالص ومتتدخلش، انت قعدتك مع عايده وابنها بوظتك وعملولك غسيل مخ. 

فهب واقفاً وهو يرد عليها:

- والله ياماما لو جينا للحق عايده وابنها وعمى انضف وأحن ناس ممكن الواحد يقابلهم في حياته، عالأقل لا عندهم غل ولا غيره ولا بيقضوا طول الوقت في التخطيط يأذوا دا ازاي ويخلصوا من دا ازاي، ويكون في علمكم لو آدم إبن عمي جرتله حاجه انا بنفسي اللي هروح ابلغ البوليص واشهد عليكم. 

سيبوا الناس فحالها بقى واتقوا ربنا وارجعوا عن اللي بتعملوه بقالكم سنين كفايه. 


انهى كلماته وترك لهم الغرفة وغادر وهو يتمنى لو كان يمتلك حق إختيار أبويه، لكان تنصل منهم واختار أن يكون إبناً لعايده وعمه محمود بكامل قواه العقلية. 


تمشى في محيط الفندق قليلاً ولم يجد مكان يذهب إليه، فذهب لآدم وعمه مقر شركتهم الجديدة،، فلطالما استقبلاه بوجه بشوش وترحيب يشعره بأنه فرد منهم، أخ وإبن، وهذا بجانب احاديثهم التي لا يمل منها، وخاصة آدم الذي يزيد إعجابه به في كل مرة يتجاذبون فيها اطراف الحديث، فيرى جانب جديد من شخصيته يشعره بالإنبهار أكثر. 


أما فريال فعقب مغادرة مدحت وكارمن اولادها الغرفة، توجهت لحقيبة ملابسها فتحتها وأخرجت منها قنينة صغيرة، ضمتها لصدرها، ثم نظرت إليها وكأنها طوق النجاة الذي ينتشلها من محيط الخوف في كل مرة. 

فقال لها يحيي:

- ماتسيبي ياسين هو اللي يتصرف المرادي يافريال.

فأجابته بشرود:

- منا هسيبه يتصرف، بس مفيش مانع إني اكون محضره خطة بديله لو معرفش هو ينفذ، اصل المرادي آدم لازم يموت باي طريقة. 


اما فى الباديه

هلال:

- يابوي ويش هاد الحكي، رجوه اذا ماتزوجت سالم مايمسها بشر آخر ولا تتزوج لآخر العمر وتصير خدامة نساء القبيلة، يابا هي شويق سالم من صغره والقبيله كلها تعلم.وللا انقولك ندفنوها حيه قدام عيونه حتى اتهدأ نار قلبه ونفتكو من الفانص 


- ياولدي ايش انسوي إذا قالتله مانريدك وسالم كرامته فوق كل شي وما ياخذ شي بالغصب. 


هلال:

-ندق عنقها وندفنها وتبلعها الرمال واذا ماكانت لسالم راسها ماتشم الهوا. 

- هدي ياوليدي إلا ماتنحل. 

- ماراح تنحل يابوي، اذا عمتي الشيخه عوالي تدور عروس لسالم من بنات القبيلة قولي ويش يحلها وكيف تنحل، ضيعاته من يدها الفانص وخسرت شيخ شباب كل القبايل مو بس قبيلتنا. 


أغمض قصير عينيه فور سماعه للخبر، بالرغم من انه المتوقع، إلا أن الواقع اشد قسوة من الخيال بألاف المرات، فنهض من مجلسه وذهب لخيمة رجوه وباقي بناته وخطواته التي يدك بها رمال الصحراء لا تبشر بخير، فضرب بعصاه إحدى قوائم الخيمة وهو يزمجر كأسد غاضب:


- اخرجي ياكسرة الضهر ياعااااري، اطلعي يافانص يابنت الفانص، والله الليله لأهد الخيام فوق راسك وراس أمك اللي خلفت واني ابتليت.

انهى كلماته وأخذ بالضرب في قائمة الخيمة بكل قوته، وخرجت منه الفتيات تصرخ، ووقفت مسك ابنته على مسافة منه وقالت بخوف:

- يابوي ايش فيك، اذا تدور رجوه توا طلعت من الخيمه وخدت الفرس ريحان وطارت بيه تجاه التله. 


رد عليها غاضباً: 

- جابت آخرها كمان  ركبت فرس وطلعت بي واني نهيتها ماتعملها مره تانيه، بسيطة يابت مكاسب الا اليوم لأدق عنقك..وانتي خشي الخيمة ولمي هادول الفوانص واكتموا انفاسكم لحين عودتي، اليوم كل واحد من شباب القبيلة يريد وحده منكم ينهي عليها والجاهز يشيل، انا ماراح الفيكم تاني بخيامي وانتوا اللي مايجيني من وراكم الا وجيج الراس. 


انهى كلماته وانصرف، ونظرت الفتيات لبعضهن وعم السكون للحظات، ثم انطلقن للخيمة وهن يضحكن وتكالبوا على الصندوق الخشبي وكل واحدة فيهن تريد إختطاف المكحلة وقلم الحمرة حتى تتزين وكأن اليوم عرسهن! 


أما مسك فتركتهم وخرجت باحثة عن مرسال تبعثه لرجوة حتى تنجوا من ثورة ابيها وتسلك طريقاً غير طريقه، فلم تجد أمامها إلا معزوزه أختها فهرولت إليها ووقفت أمامها ودون ان تلتقط انفاسها تحدثت:


-معزوزه انجدي بنيتك رجوه طلعت بريحان للربوه وابوكي تبعها الحين وحالف ليدق عنقها ومايعاودها إلا ميته.. فنظرت معزوزه حولها تبحث عن زوجها رابح فلم تجده، فهرولت بإتجاه خيمة الشيخه عوالي تطلب مساعدتها، فوقفت امام خيمتها ونادت بعلوا صوتها:

- عمتي.. ياعمتي انجدي رجوه من ابوي زحف عليها وناوي عالشرور ومالاقيه اللي يغيتها منه وانا رابح محذرني من ركوب الخيل من وقت اللي حبلت. 

صاحت الشيخه عوالي من داخل خيمتها:

- واااك عليها رجوه الفانص واااك، ويش سوت بعد، يعني مايفوت عليها يوم إلا ومسويه نايبه؟ 


خرجت من خيمتها على عجل وهمت تكمل صراخها، ولكن صوت صهيل أحد الخيول جعلها تتوقف وتنظر ناحية الصوت، فإذ به سالم إمتطى إحدى الأحصنة وانطلق به يسابق الريح، ولم تكن وجهته بالأمر الخفي، فحيث رجوة وكوارثها يتواجد سالم.

فهمست عوالي بشفقة:

-ابتليت وبلوتك مااكبرها ياوليدي.. الله لا يوفقك يامكاسب على خلفتك الخايسه. 


أما سالم فكان يحث الحصان على الإسراع في كل لحظة ودقات قلبه تسابق أرجله الأربعة، ولأنه على علم بالطرق المختصرة للربوه سلكها ووصل في وقت قياسي. 


توقف بحصانه والتقط انفاسه وهو يراها أمامه تصوب سهمها وتقنص، فصمت حتى لا يضيع عليها تركيزها، وما أن أطلقت السهم نحوا الهدف وأصابته حتى صاح بها:

- هي.. يابلوه احضري هووون. 

التفتت إليه وقطبت حاجبيها وكانت على وشك الإستفسار، ولكن حركته المفاجئة نحوها ألجمتها، وخاصةً اختطافه لها بيد واحدة ووضعها أمامه والإنطلاق بها من المكان بسرعة مهولة! لم تفهم ماذا يدور ولماذا يفعل سالم ذلك!؟! 

ولكن حين رأت ابيها قادم من بعيد يضرب رمال الصحراء بحوافر حصانه غضباً فهمت سر تصرف سالم. 


نظرت إليه وسألت بخوف:

-ايش فيه، ماله بوي وايش سويت انا؟ 

نظر لعينيها وأبتلع غصته وهو يكاد يفقد السيطرة علي نفسه من قربها ورائحتها التي اشتاق إليها حد الجنون، صوتها وربطة رأسها التى إحتضنت أطرافها رقبته بفعل الرياح.. كل هذا جعله يلعنها في سره ألف مرة، بل ولعن الحب معها، ولعن قلبه، ذلك الذي لا زمام له ولا يمتلك عليه حيلة. 

تنهدت رجوة وهي تراه يقابل سؤالها بالصمت، ونظرت امامها ولم تتفوه بكلمة حتى وصلا القبيلة. 


أما قصير فبمجرد أن رأي سالم عائد برجوه أمامه، وهو الذي رآه في القبيلة قبل خروجه منها، توقف وزفر بضيق، فسالم أفسد رجوه في البداية بدلاله ومحبته، والآن سيفسدها بدفاعه عنها وحمايته لها،

 فعاد قصير ومعه ريحان وهو يشعر بأن رجوه كُتب لها عمر جديد بفضل سالم، فقد نوى على أن يتخلص منها ويدفنها ويعود من دونها وكانها لم تكن،ولكن دوما لسالم رأي وحكم في أمرها يسرى عليه وعلى الدنيا بأسرها. 


ترجل سالم من على ظهر الحصان وساعد رجوه في النزول، وبمجرد أن وطأت اقدامها الرمال صاحت بها معزوزه:

- ايش سويتي ياكلبة القبايل وخليتي ابوكي يجن جنونه ويجري يدور عليكي متل المكلوب؟ 

ردت عليها رجوه وهي تنظر لسالم:

-انا والله ماسويت شي، بس الظاهر  اني من الحين راح اندوق من أفعال ابوي مر العلقم حتي من دون ماأسوي ولااا شي

انهت كلماتها واقترب منها هلال ورد هو عليها:

-ابوكي مايظلم ولا يدوق المر بلا سبب، أبوكي محروق قلبه ومواطي راسة من عمايلك، وخاصة بعد ماسمع ان الشيخه تدور لسالم على عروس. 


صمت ونظرت رجوه نحو سالم الذي تمنى ان يرى ولو بصيص من غيرة في عينيها، ولكنها طعنته مجدداً بإبتسامة واسعة وهي تقول له:

صحيح والله؟! عم تدور علي عروس ياسويلم؟ طيب وليش ماقولتلي وانا بروحي اندورلك وانقيلك زينة بنيات القبيلة؟ 

 ردت عليها الشيخه عوالي وهي تلكذها في كتفها بغيظ:

- وليش انتي تختاريله؟ ايش علاقتك بالأمر، سويلم يريد بنيه زينه عاقله وراسيه تعوض وتصون وتليق بسويلم زينة شباب قبيلتنا وكل القبايل.. اما انتي إذا جيتي تختاريله ماراح تختارين إلا فانص متلك ماتلوقله ولا تعمر خيام الشيوخ. 


انهت كلماتها وكانت هناك من تسمعهم بإنصات، وأمسكت بقماش الخيمة تستند عليه وهي لا تصدق ماسمعته تواً، وكأن السماء الآن استجابت لجميع دعواتها، وكأن الله نظر لقلبها بعين الرأفة وقال لأمنياتها كوني.. وستكون. 


..يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ريناد يوسف، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة