-->

رواية جديدة لؤلؤة الليث لإيمي عبده - الفصل 24 - الخميس 19/9/2024

 

قراءة رواية لؤلؤة الليث كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى






قراءة رواية لؤلؤة الليث

 رواية جديدة قيد النشر

من روايات وقصص 

الكاتبة إيمي عبده


الفصل الرابع والعشرون 

تم النشر يوم الخميس

19/9/2024



كانت نجمه أكثر من سعيده؛ لرؤية أُسيد بعد غياب شهر كامل، وإحتفت بقدومه، وأصرت على إقامة حفل، وقد وافقها سلمان رغم إنزعاجه من الأمر برمته.


إجتمع الأهل والأصدقاء، ودارت نجمة ترحب بالجميع، بينما جلس سلمان يتابع بضجر، وضيق ما يحدث، ثم تنهد بسخط.


- أريد أن أسافر.


نظر له عابد بجانب عينه: أنت غيور أحمق.


- أريدها أن تستقبلنى هكذا ولو لمرة واحدة قبل أن أموت.


رفعت ورده حاجبيها بدهشه: هل تغار من إهتمامها بأُسيد؟!


تأفف بضيق، فأدركت صحت ظنها، فهتفت بذهول: إنه إبنكما!


رفع حاجبه بإنزعاج: وقد أصبح رجلاً، لما مازالت تعتنى به وكأن حياتها خاوية من البشر سواه، إنها تحتضنه وتقبله بإشتياق لا أراه منها نحوي! سأسافر علها تشتاق إلي.


فغرت فاهها، ثم نظرت إلى عابد الذى بدى عليه الضجر، ونظر نحو سلمان زاوياً فمه بسخريه.


- أخبرنى.. كيف ستتحمل عدة ليالى بدونها؟


- ماذا؟!


تنهد بيأس: لكى تشتاق لك ستسافر، وتغيب أيام، كيف ستقضيها بدونها؟ أبهرنى!


قضب جبينه منزعجاً: لم أفكر بالأمر!


- هذا لأنك أحمق.


عاتبته ورده: كفاك عابد.


قبل أن يقل شىء كان كاظم يقف خلفهما يتمتم بإنزعاج: لقد جعلتمونى عجوزاً أيها الحمقى!


قهقه إثنانيهما، ثم سأله عابد بمرح: ما الذى حدث معك يا عماه؟


فزجره بغضب: كف عن مناداتى هكذا! لديك حفيده أيها البائس، سيظن الناس أننى كهل.


- الشباب بالقلب عماه، والسيدة أورجيندا لا تبالى حتى ولو كنت عظاماً محطمه، فهى تعشقك على كل حال.


- لدى شعور بأننى من سأحطم عظامك.


حينها أتت ليان بمرحها الممتع جعلت الجميع ينشغل بها


❈-❈-❈


أخذ رسلان كوباً من العضير من الخادم، وما إن تحرك بضع خطوات حتى إصطدم به جسد صغير، أغرق ثيابه بعصير التوت الذى كان يملأ كأسه، فتلطخ قميصه الأبيض، فرفع رأسه ليصرخ بمن إصطدمت به وكأنها قطار شحن سائقه نائم، لكنها سبقته بالصراخ!


- أيها الأحمق! الأحول، الغبي، ألا ترى أمامك؟! لقد أفسدت فستانى الجديد، إذا كنت تعانى من ضعف نظر، لما لا ترتدى نظارات؟


ثم تركته متجمداً بعينان متسعه، وأُسيد يجاهد ليمنع ضحكته لهيئه صديقه المصدوم، فلأول مره هناك من أوقف الكلمات بحلقه.


مرت لحظات حتى إستعاد رسلان إدراكه بما حوله، فنظر إلى أُسيد يسأله بذهول.


- هل وبختنى للتو؟!


حينها إنفجر أُسيد ضاحكاً، فلم يعد يحتمل كبت ضحكته، مما جعل رسلان يشتعل غضباً، ويقسم على الفتك بها، فحاول أُسيد تهدئته.


- إهدأ ياصديقى، إنها فتاة صغيره.


- لكن لسانها ليس كذلك، وسأقطعه لها، من تكون تلك البلهاء؟!


- لا أعلم، لم أرها سابقاً، من المؤكد أنها أحد ضيوف الحفل، قد تعرفها فيروز.


- لا أهتم، ساقتلع لسانها من حلقها.


حينها وجدا فيروز وخطيبها يتوجهان نحوهما، فسألته فيروز بتفاجؤ.


- من فعل بك هذا؟!


أجابها بسخط: حشرة صغيره، تظن نفسها ديناصور.


قضبت جبينها متعجبه: ماذا؟!


إصطكت أسنانه بغضب: اااه... إذا رأيتها سأطحن رأسها كالقمح، تلك ال.....


توقف فجأه عن تهديده الساخط، حين سمع صوت غاضب، يهتف بسخط.


- الأحمق! لو رأيته فسأعلق رأسه على الباب.


نظر رسلان إلى أُسيد، يسأله بعدم تصديق: لما يخيل إلي، أننى سمعت هذا الصوت سابقاً؟!


كبح ضحكته، وأجابه ساخراً: أعتقد لأن صاحبة الصوت وبختك منذ دقائق.


كاد رسلان أن يدفعه بعيداً، ويتجه نحوها، لكن أُسيد هدئه من أجل أن يتم الحفل بسلام، لكن الأخرى تمادت، وإزداد صوتها حدة، ومازالت تصرخ موبخه له، حتى إستوقفتها من تسير معها.


- كفا! لقد صرعتى رأسى، إنتهى الأمر، وحللنا المشكله، رغم أن لدى شك بأنكِ قد تكونى من صدمته، وأنتُ تركضين كالبلهاء.


ظلت ساخطه، ولن تعترف بخطئها: وما المشكلة أن أركض؟! هو الغبى، لما يحمل العصير معه أينما ذهب؟! ألم يتعلم آداب المائده ؟!


زوت جانب فمها بسخريه: كما لم تتعلمى آداب السير، ويبدو أن حدسى صحيح وأنتِ المخطئه.


رفعته رأسها بغرور مصطنع: أنا لا أخطئ، فالمرأة دوماً على حق.


- وأى أحمق أفتى بهذا؟! لا تخبرينى، مؤكد هذا الأبله الذى يركض خلفك هذه الأيام.


-؛وما المشكله؟


تنهدت هاله بيأس: المشكله أنه يُسمِعك ما ترغبين به؛ حتى تسقطى بحبائله، ثم يركلك بعيداً حين يضجر منكِ.


إستنكرت ما تقوله بضيق: أنتِ تظلمينه هكذا! إنه...


تابعت هاله بدلاً عنها: إنه مخادع، غبى، وأنتِ أغبى منه، يكفى أن يخبركِ أنكِ دوماً محقه، تشاجرى معه بأمر جدى يرغب به بشده، وسترين كيف سيتحول إلى شخص آخر، وحينها سيؤكد لكِ أنه لا يراكى دوماً محقه أيتها البلهاء!


حين تبين وجه من تحادثها، هتف أُسيد بتفاجؤ: أليست هذه هاله التى تسير معها؟!


أجابه رسلان بإمتعاض: نعم.


- امم.. لا أعتقد إذاً أنك ستتمكن من قطع لسانها.


إبتسم بخبث: ولما لا؟ بما أنها لا تعلم من أنا، فكيف ستشكونى لها؟


- نعم، وأنت أيضا لا تعلم من تكون.


قضب رسلان جبينه: إنها صغيره، قد تكون إحدى صديقات إبنتها.


حرك رأسه نافياً: لا أظنها صغيرة إلى هذا الحد، أعتقد أنها ناضجه لكنها فقط قصيره.


زوى جانب فمه بسخريه: ناضجه! إنها بلا عقل!


- تماماً مثلك.


تدخلت فيروز بينهما بإنزعاج: بما تثرثران؟


نظرا نحوها متفاجئين، وكأنهما يرونها لأول مره، ثم تذكرا أنها كانت تقف هنا مع خطيبها اللزج، ولكنهما إنشغلا بشأن الفتاة الأخرى، فإبتسما لها بطريقه جعلتها تستشيط غيظاً، فهى تدرك ما تعنيه بسمتهما تلك، فهذا يعنى أنهما يستأذنان، وبمعنى آخر لا يريدان إنضمامها لحديثهما، فأسرعت بالإبتعاد وتبعها خطيبها.


ما إن غادرا، فإستدار أُسيد ليجد صديقه الآخر يصطحب أخته، ومتوجهين نحوهما، فرفع رأسه إلى السماء، وهتف بسخط. 


- يا إلاهى، هل أنت غاضب علي إلى هذا الحد؟!


إستدار رسلان ليرى سر تذمر أُسيد، فزوى جانب فمه بسخريه، وأومأ بتأكيد: نعم هذا أكيد.


نظر لها ساخطاً: هل تمزح الآن؟!


فأجابه بلا مبالاه: لا، تلك الحقيقه، الفتاة لو قتلتها ستستيقظ روحها لتلاحقك.


- أتعلم، أنت مزعج، وتستحق ما حدث معك.


ضاقت عيناه بضيق، حين ذكره بتلطخ قميصه، وإهانته من فتاة لا تكاد تصل بطولها إلى منتصف صدره.


- أتعلم أنت، كنت بدأت أشفق عليك، وأفكر بمساعدتك، لكنك لا تستحق.


فهتف بترجى: لا، أحتاج مساعدتك حقا.


تنهد بضيق: حين أخبرك، أركض من هنا إلى أبعد مكان قد تجده.


- حسنا سأركض إلى اقاصي الأرض، هيا.


- إنتظر، إنتظر، الآن.


لم يصدق رسلان أن أُسيد بالفعل قد ركض مسرعاً نحو الحديقه، لقد كان يراقب صديقه وأخته حتى مر من أمامهما عدة أشخاص، فحجبوا الرؤية عنهما، حينها أعطى أُسيد الإشارة بالركض، لكنه ظنه سيسرع بالإبتعاد فقط، لكنه بالفعل ركض! ولكن لما العجب، فلديه ألف حق، فالفتاة بلا كرامه، ولا تنفك تلتصق به بكل مكان، مسسبةً له الحرج، وقد نشرت إشاعات عن زواجهما الأكيد، مما يضع أُسيد بموقف حرج، وقد يتزوجها مرغما، بسبب إنتشار تلك الأقاويل، والفتاة مغروره فظه طامعه لا تناسبه بالمره.


❈-❈-❈


بدى على وجه "ريتال" السخط، والذهول حين إختفى أُسيد، فوقفت أمام رسلان تسأله، وكأنه خادم لديها عنه أُسيد، فرمقها بإزدراء ثم تركها تكاد تنفجر غيظاً وغادر.

بينما كان أُسيد يلهث بعد أن ركض حتى وقف على مشارف الحديقة، يلتقف أنفاسه، يتسائل، ما الذى حدث له؟! كيف أصبح أضعف من أن يواجه؟! أو كل هذا لكى لا يترك لتلك الحمقاء ريتال فرصة لنشر المزيد من الشائعات حول زواجهما المرتقب، لا يريد لأى شىء أن يقف حائلاً بينه وبين رينا، إنه يعشقها، يرغب بها زوجة له، لكنه يتنظر أن تواتيه الفرصة للتقرب منها أكثر، والتيقن من إهتمامها بأمره، ومن ثم مفاتحتها بشأن الزواج منه، ومهما قرأ بعينيها من قبول له، فلا قدرة لديه لطرح قضيته معها بمكان عملها؛ لكى يتسبب لها وله بحرج لا طائل منه، ولكن كل مره لا يجد الفرصة لدعوتها إلى لقائه خارج المتجر، فمهما تحدثا يتقيد لسانه، ولا يستطيع التفوه بالأمر، منذ متى أصبح متخاذلاً خجولاً، هو لا يعلم.  

أصوات الحفل أنبهته أنه لازال قريباً من الحفل، وعلى مرأى من المدعوين، وقد تجده ريتال، لذا إبتعد قدر المستطاع حتى وصل أقصى مكان بالحديقة، يختبأ فى ظلال الأشجار العالية البعيدة، وحينها فقط توقف ليهدأ، ثم جلس إلى جذع شجرة يتنهد بإرتياح، ثم شرد يتذكر ملامح وجه رينا، ولحظات قليلة وتنهاى إلى مسمعه صوت فيروز الغاضب المستنكر.


- ما الذى تفعله؟! كف عن هذا!


لقد فاجئها عزيز حقا بمحاولته عناقها هكذا على حين غره، لقد خرجت معه إلى الحديقة حين عرض عليها هذا علها تتخلص من غضبها، وتغيظ رسلان، لكنها لم تتوقع أن يأخذه خياله، بأنها تنتظر منه موقفاً رومانسياً! لكنه برر موقفه بثبات أغاظها.


- أنتِ خطيبتى!


إقترب أكثر، فدفعته عنها بسخط، وقد ظنته تناول عدة كؤس من الخمر، أفقدت عقله إتزانه، فصرخت به ليفيق.


- ما الذى تفعله أنت؟! أفق هيا! وإلا صرخت بأعلى صوتى.


لكنه إبتسم ساخراً من ظنها الأحمق: لما يا عزيزتى؟ مهما فعلتى، فرسلان لن يهتم.


إتسعت عيناها بتفاجؤ، وشحب وجهها بصدمه: وما الذى أتى على ذكر رسلان الآن؟!


إتسعت إبتسامته الخبيثة: هل تظنينى أحمقاً؟! أعلم جيداً أنكِ أردتِ إغاظته بخطبتى منكِ، ولكنك بلهاء، لو كان لكِ أى قيمة عنده لما إنتظر حتى الآن، رسلان ليس ممن يخجل مما يريده.


لو كان عناقه المفاجىء قد صدمها، فمعرفته بما لا يعرفه أحد عن مشاعرها تجاه رسلان أذهلتها، وقد غشى الإرتباك نفسها، فسألته بتوتر.


- وأنت لما وافقت مادمت تعلم بهذا الأمر؟!


تأملها من أعلى رأسها حتى أخمص قدميها بنظرة أرعبتها، وتمتم بهمس فحيح.


- لأننى أريدكِ.


إبتلعت ريقها بصعوبه، وسألته بعدم إستيعاب: كيف تحبنى، وأنت تعلم أننى أستغلك؟!


رفع حاجبه، وزوى جانب فمه بسخريه: ومن أتى على ذكر الحب عزيزتى، أنا فقط أريدكِ.


فقد وجهها لونه، حين أدركت سوء نواياه، ورغبته بها لا بقلبها، فصرخت به مستنكره: أيها الوغد!


اقترب منها أكثر: أنا لستُ وغداً، أنا سأعطيكى الخبرة التى تستطيعين بواسطتها الإيقاع برسلان.


تراجعت للخلف أكثر، ولم تعلم أنه يفصل بينها وبين سور الحديقة عدة خطوات قليلة، وتصطدم به، لكنها كانت تزداد هلعاً من نظراته، فصرخت به تهدده.


- أيها الحقير! إبتعد عنى!  أغيثونى.


قهقه بصخب هازئاً بها:  لن يسمعك أحد، الحفل بعيد، والكل منشغل، كفى عن لعبة القط والفأر هذه، أردتِ إزعاج رسلان، وإغاظته؛ ليغار، فأتيتى معى هنا، عزيزتى، لن يتبعك رسلان ولا غيره.


تقدم أكثر، فتملك الفزع منها، وصرخت لكنه لم يبالى، بل هجم عليها، وأمسك بمقدمة ثوبها، وجذبه بحدة حتى مزقه، وما إن كادت أن تصرخ مجدداً، حتى إرتطم بوجه عزيز قبضة قوية أسقطته بقوة على الأرض، وقبل أن ترفع رأسها لترى من فعل ذلك، تفاجأت بأُسيد يهدر بغضب.


- أيها الوغد!


ومن ثم إنقض على عزيز، يمطره باللكمات، وهى تنتفض خائفة، وتتراجع إلى الخلف حتى إصطدمت بسور الحديقة، فإتسعت عيناها برعب، حين أدركت أنها كانت محاصره.


وفجأه ظهر رسلان من اللامكان، فحين غادرت بصحبة عزيز لم ينتبه إليها سوى خالها عابد، فنظرات عزيز كان تؤكد له نفاذ صبره منها، وقرأ بعيناه أشياء سيئة يعلمها جيداً، فأدرك نيته لفعل شىء ما، لذا حين إنشغل عابد عنهما مع بعض المدعوين للحظات، وتفاجىء بعدم وجودهما، ولم يجد أُسيد أيضا، أمر رسلان بأن يبحث عن فيروز فوراً، ورغم غرابة طلبه، لكن رسلان لم يستفسر منه عن شىء، فهو يفهمه من مجرد نظره، وقد توجه إلى الحديقة حيث لاحظها عابد آخر مره، أسرع رسلان يبحث هنا وهناك حتى أنبهته صرختها الأخيرة بمكانها، فركض مسرعاً حتى وجد ضالته، ودون أن يستفسر عن شىء، أو حتى يلقى نظرة عليها، أسرع بإبعاد أُسيد عن عزيز، فحاول عزيز النهوض، فلكمه رسلان بكوعه بقوة أسقطته فاقداً للوعي، ثم أمسك بأُسيد فقد لاحظ سخطه العارم، ونظراته نحو فيروز التى ترتجف رعباً، وتلملم ثوبها الممزق عله يوارى جسدها، فأدار رسلان وجهه عنها، وحاول تهدئة أُسيد.


- كفاها ما رأته.


لم يكن رسلان يحتاج إلى الإستفسار عما حدث، فهيئة فيروز تشرح كل شىء، لكن أُسيد هتف بسخط.


- تستحق الموت على هذا.


حاول رسلان تهدئته، وتبرير موقفها: مؤكد لم تكن تعلم بنواياه.


لكن أُسيد لم يهدأ، بل ثار أكثر، فقد سمع حوارهما كاملاً، وهو بسبيله لإنقاذها، فصوتها العالى تردد صداه فى الظلام، لذا هى ملامة على ما حدث، وتهورها ودلالها المزعج ما أوصلها إلى هذا، لذا لم يرأف بها ، بل هتف بغضب.


- حتى ولو كانت هكذا، كيف وافقته أن تأتى معه إلى هنا وحدهما بالليل؟!


تنهد بغضب، فهو محق، لكنه لا يستطيع مسايرته فقد يقتلها بثورته هذه، لذا حاول مجدداً تهدئته.


- إهدأ، فالإنفعال ليس الحل، لقد مرت برعب يكفيها ويفيض.


حاول رسلان تهدئة أُسيد قدر المستطاع؛ لكى لا يفتك بفيروز.


❈-❈-❈


كان عابد يقف على مشارف الحديقة، ينتظر بقلق إستطاع إخفاؤه أسفل قناع من الجمود، وقد تنبهت ورده سريعاً إلى غيابه عن الحفل، فخرجت تبحث عنه حيث وجدته غير منتبه لوجودها، ويبدو متوترا على غير عادته فوضعت كفها على كتفه فأجفل لمفاجئتها إياه، مما أكد لها وجود خطب، فسألته بقلق.


- ما بك ليث؟!


  أدار رأسه نحوها، ووضع كفه على كفها الموضوع على كتفه، ثم حمله برفق وقبله، ثم أجابها بهدوء يتنافى تماما مع الهياج القاطن بفؤاده فى هذه اللحظه.


- لا شىء مهم حبيبتى، أخبرينى، أين قد اجد سلمان ونجمه؟


- ستجدهما بالداخل بالتأكيد!


أومأ بهدوء، ثم سألها مجدداً: وهاله؟


رفعت حاجبيها متعجبة من أسئلته التى يعلم جوابها اليقينى: كذلك بالداخل، ماذا هناك؟!


- لا شىء مهم، ولكنى أريد منكِ أن تأتى لى بهم، دون أن يشعر أى أحد بهذا.


- حسنا.


لحظات وكانوا جميعهم أمامه، فسألت نجمه عابد  بقلق: ماذا حدث؟! هل أنت بخير؟


- نعم.


جوابه المختصر البارد آثار ريبتهم أكثر، وقبل أن يسأله سلمان عن شىء، وجده يوجه حديثه إلى هاله.


- أنصتِ إلى جيداً.


- خيراً يا أبى.


- حين ترين فيروز، أريدك أن تكونى هادئه؛ لتمتصى هياجها.


قبل أن تستعلم عما يقصده، صرخت نجمه بفزع: إبنتى؟! ماذا حل بها؟!


نظر إليها ساخطاً: أنا من أريد أن أعلم، ما الذى سيحل بنا بسببها؟ لقد دللتها حد البلاهه.


إتسعت عيناها بتفاجؤ: ما بك؟! ألا يكفى معاناتى؛ لتعانى إبنتى أيضا؟!


قهقه بصوت أخافها حتى تراجعت للخلف، تمسك بيد سلمان المتابع بصمت، بينما عابد كان قد فاض به الكيل، فهتف بسخرية لاذعة.


- عن أى معاناة تتحدثين؟ حتى ببيعك لم يؤذيكى أحد، صدمتك بالواقع فقط هى ما أذتك، لم تقعى مع مشترٍ مختل، كما حدث مع ورده.


إستنكرت سخريته بضيق:  ليست كل المعاناة جسديه!


إحتدت نبرته بعتاب غاضب: لو جربتى معاناة الألم الحقيقى، لأدركتِ سطحية ما عنيتيه، لقد كنت درعك الحامى دوماً، أتنكرين؟! لقد تماديتى كثيراً يا إبنة العم العزيزه، بصغر فيروز نعم، يمكنك الخوف عليها من التعرض لما مررتِ به، لكنها أصبحت حمقاء كبيرة الآن، لا تستمع لأحد، ومازلتِ تدافعين عن فكرتك البلهاء، أفيقى! لا يوجد بيننا سيلانه أخرى، وإبنتك تخطت العمر الذى قد تُخطتف به، كما أن تجار الرقيق لم يعودوا كما السابق، نحن نحاربهم حتى أوشكوا أن يندثروا، المشكلة الآن هى أن إبنتك بعمر حرج، ويجب أن تنتبهى أكثر لها، يجب أن تكونى اكثر حزماً، إن دلالك لها وضعها بخطر حقيقى.


قضبت جبينها منزعجه: لا أفهم، ما المشكلة ألا تعانى؟!


- المشكله، أن ذلك يجعلها لا تستطيع أن تستوعب أشياء لا حصر، لها... أشياء بديهه. 


أشارت إلى نفسها بإستنكار: إنها إبنتى أنا!


- وإبنة سلمان، ألم ترى أنه ناقم على أفعالها الهوجاء؟


- هما فقط لا يتفقان.


- مازلتِ تحاولين إستعادة أيامك التى فقدتيها بالأسر، فجعلتى فيروز دميتكِ المفضله، ولم تتقبلى واقعك، ولم تنتبهى أنها تغرق إلى أذنيها فى الخطر، والجميع يرى، ويصمت، وأولهم سلمان، لا يوجد أب لا يتفق مع إبنته، بل على العكس تماماً إلا إذا كان هناك شىء خاطىء، وهذا الشىء هو دلالك لها.


قبل أن تعترض نجمه مره أخرى، تمتم سلمان بإنزعاج: هذا ليس وقت الجدال، فلتتشاجرا لاحقاً، الآن أخبرنى، ماذا فعلت فيروز؟


- سنرى الآن.


قبل أن يتحدث أحد آخر، شهقت هاله بطريقة جعلتهم جميعاً يديرون رؤوسهم نحو الحديقة حيث تنظر، فوجدوا فيروز تخرج بثياب ممزقة، ووجه باكى، فألجمت المفاجأة نجمه، بينما حمحم عابد لينبه هاله التى ركضت مسرعه نحوها، وأنزلت شالها من على كتفها لتلف به كتفي فيروز، وتسير بجوارها وحين أفاقت نجمه من ذهولها، أسرعت تتعثر بخطاها نحو إبنتها، بينما خرج أُسيد ورسلان، ووجهما الغاضب يؤكد فداحة الكارثه، تلاهما عزيز الذى بالكاد يستطيع الرؤية بعيناه المتورمه، وقد تشوهت ملامحه من كثرة الضرب، فإستشرست نظرات سلمان وتوجه نحوه، لكن عابد أوقفه،


- لقد أخذ كفايته، وإذا أكملت أنت الآخر ستقتله ولا داعى لأن ترتكب ذنب كهذا، مادامت الفتاة بخير.


- وما أدراك؟!


- أعلم؛لأنه مازال حياً، فلو وصل إلى مبتغاه، لقتله هذان الإثنان.


أشار برأسه نحو أُسيد ورسلان، اللذان تفاجئا بصراخ نجمه بهما: أين كنتما؟! ماذا حدث لإبنتى؟!


أجابها أُسيد بحدة لم تعتادها منه: إسأليها هى، ماذا كانت ستفعل بنا لأجل غرورها الأحمق.


فنظرت إلى إبنتها بخوف: ماذا هناك حبيبتى؟! ماذا حدث لكِ؟!


أنكست فيروز رأسها بخزى، فدفعتها هاله لتسير معها: عذراً عمتى، أعتقد أنها تحتاج إلى الراحة الآن.


أومأت بخوف: نعم، إعتنى بها أرجوكِ.


- سأفعل.


تسللت هاله بها إلى داخل القصر، وصولاً إلى غرفتها، دون أن ينتبه أحد، وساعدتها فى تغيير ثوبها، وتهدئتها، وشجعتها أن تستحم، بينما تضع لها الثوب الممزق بمكان مخفى بخزانة ثيابها، وهى تنتوى أن تمزقه إرباً لاحقاً، وتستغل قماشه بأى شىء، فإذا رأى الخدم الثوب ممزق هكذا، ستنتشر الأقاويل سريعاً، ولم تترك فيروز إلا بعد أن نامت فى فراشها، وقد سألتها عما حدث بينها وبين عزيز، فأفضت لها فيروز  ما حدث باكية، حتى غلبها النوم، ومن ثم عادت هاله إليهم، بينما إستطاع عزيز بصعوبة بالغه أن يتسلل خارج القصر، حين إنشغلوا عنه بفيروز.

يتبع..

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة إيمي عبده، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية..

رواياتنا الحصرية كاملة