-->

رواية جديدة عقاب ابن البادية الجزء الثاني لريناد يوسف - الفصل 30 - السبت 19/10/2024

  

قراءة رواية عقاب ابن البادية الجزء الثاني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




قراءة رواية عقاب ابن البادية

الجزء الثاني

 رواية جديدة قيد النشر

من روايات وقصص 

الكاتبة ريناد يوسف


الفصل الثلاثون

تم النشر يوم السبت

 19/10/2024



عقاب ٦٦


خرج سالم من الخيمة فوجد رجوه مازالت واقفة أمامها ، وكأن برق ضربها فأحترقت في مكانها، فأمسكها من ذراعها ولفها عليه وسالها بغضب عارم :

- أنت إيش السويتيه الحين، انهبلتي يارجوه ولا إيش، أسمعي إذا تقصدي شيي بالسويتيه قوليه الحين. 

ارتجفت شفتاها وهي تحاول أن تجمع الكلمات لترد عليه، وبالكاد نطقت:

-رر رابح سس سوى.. وقبل ان تُكمل سبقها أحد شباب القبيلة حين صرخ بسالم وهو قادم نحوه يجري:

-ايش واقف تسوي عندك وتارك رابح مانعلم عنه شي ولا ندري إذا حي ولا مات؟ تحرك ياسالم ماحد يعرف دروب رابح غيرك. 

نقل سالم انظاره بين الشاب ورجوه وسأل بعدم فهم:

- إيش تقول إنت إيش به رابح؟ 

- ياخوي سوا حادث وماحد يدري عنه شي، وجواله مع واحد غريب وهو اليرد عليه. 

أمسك سالم رأسه بكلتا يديه وهو يتلفت حوله لا يعلم ماذا يفعل او من أين يبدأ، فاخذ يجري هنا وهناك كمن أصابه مس، تحرك نحوا السيارة ولكنه تذكر شيئاً، هرول ناحية الشاب وجذبه من ذراعه ناحية البئر وخلع جلبابه وبقى بالسروال فقط وأمره أن يصب الماء عليه بالدلو مباشرة من البئر، فنفذ الشاب وبدا يصب فوقه الماء وكان هذا على مرأي من الجميع، أما مزيونه فكانت واقفة على باب خيمتها تنظر إليه تارة وتخبئ وجهها من الخجل تارة وشعرت بأنهم فُضحوا امام القبيلة بأسرها، ونظرت لرجوه بغضب وصاحت بها:

-أنت يافانص ياعديمة الحيا يالمتجيبين إلا الأخبار الشينه يابومة البوادي إيش سويتي، والله الحين لأمشي للشيخه عوالي وأشكيك لها واشوفها ترضى لك بالسويتيه ولا لأ.

 

ادارت رجوه رأسها نحوها ونظرت لها دون أن تتفوه بحرف ولازالت تحت الصدمة، وتفحصتها من رأسها لأخمص قدمها، ياإلهى كم هي جميلة! ثم اخفضت عينيها لبطنها وإشتعل قلبها وهي ترى بطنها المنتفخة قليلاً وبدت بارزة.. كانت تراها وكانها تكتشف وجودها للمرة الأولى! 

وعادت لرشدها وكأنها كانت فى غيبوبة والآن استيقظت منها.. إنه طفل سالم الذي تحمله في أحشائها، كيف ذلك؟ 

كيف لطفل سالم أن يأتي من غيرها، كيف لا تكون هي أمه؟ وكيف تراهما معاً في هذا الوضع، كيف يقترب سالم من غيرها بهذه الطريقة، كيف فرطت في كل هذا وتنازلت عنه وتركته لغيرها بمنتهى البساطة والسهولة؟ 

جرت من أمام مزيونه حتى لا تفرغ فيها كل الغضب الذي إجتاحها الآن. 

وصلت عند خيمة معزوزه وجلست بجوارها منهارة تبكي وتصرخ مع الصارخين، الكل كان يظن بأن صراخها خوفاً على رابح، ولكن صراخها كان لسبب آخر لا تستطيع كتمانه وكأن الله هيأ لها حادث رابح لتصرخ بحريتها دون أن تخشى لومة لائم. 


غادر سالم مع الشباب وهاتف آدم ونقل إليه الفاجعة فتحرك الآخر بسيارته فوراً وهاتف رجاله يبحثون في جميع المشافي الموجودة في نطاق الحادث، وأخيراً عثر أحدهم عليه وأبلغ آدم،

 فذهب للمشفى وهو يسابق بسيارته الريح ونزل منها مسرعاً نحو المبني وأخذ يسال ويتقصي عن رابح وعلم أنه فى غرفة الطوارئ، فإقتحمها وفتش بين المصابين وإذ به يجده فوق أحد الأسرة والطبيب يفحصه، إقترب منه بلهفة واخذ يقلبه وهو يسأل الطبيب بخوف:

-إيش فيه رابح يادكتور، هو عايش مو هيك، بعده حي يادكتور؟ 

نهره الطبيب وهو يحاول إبعاد يديه عن رابح:

- يافندم مش كده الحركه والهزه دي غلط على المريض هو عنده إشتباه في كسور ونزيف داخلي بس لسه هندخله على أشعات عشان نحددها، لكن في المجمل هو حالته مستقره وعايش ياسيدي، يلا ابعد شويه بقى خلينا نشوف شغلنا الحالات كتيره زي ماانت شايف وعندنا عجز في الدكاتره. 

إبتعد آدم وخرج من الغرفة وهاتف سالم، وعرف أنهم وصلوا المشفى، فوقف في الممر كي يستقبلهم ويطمئنهم على رابح.. وبعد ان هجم الجميع على المشفى مما تسبب بحالة زعر للعاملين، وصل قصير آخرهم وعلى الفور أمر إدارة المشفى بإخراج رابح بعربة إسعاف مجهزة حتى ينقله لمشفى خاص، وبالفعل تم نقله وعمل اللازم وتم الإطمئنان عليه، ولم يكن يعاني سوي من كسر فى احد اضلاعه وتهتك في الطحال وتم إستئصاله، وخرج لغرفة الإفاقة وبدأ يستعيد وعيه. 

في هذه الأثناء هاتف سالم مزيونه، وهلال هاتف معزوزه وطمأنوهم، ولكن معزوزه أصرت على هلال أن يعود للقبيلة ويأخذها هي وإبنها لزوجها؛ 

فهي لن تطمئن عليه إلا إن راته بأم عينها وسمعت صوته وقال لها بلسانه إنه بخير، وأمام إصرارها ذهب هلال ليحضرها. 


ساعة كانت كفيلة بأن يجلبها ويعود، وفي هذا الوقت بدأ رابح يستعيد وعيه، وأول ما نطقه لسانه هو إسم معزوزه، فأسرعت بإمساك يده وإخباره بإنها بجانبه لم تتركه، فتبسم وأغمض عينيه بعد أن إطمأن لوجودها ووجود إبنه بجواره، وبدأت رحلته فى إكتشاف مواضع آلامه وأيهما الأقوى. 

أما سالم وآدم والجميع فغادروا الغرفة بعد الإطمئنان عليه، وطلب قصير من الجميع العودة للقبيله فرابح بخير الآن، وحتى سالم وآدم أمرهم بالعودة، ولم يترك بجوار رابح سوي معزوزه وهلال اخيها، وقال انهم كافيين والطبيب أخبره بأن حالة رابح مستقرة ولا يوجد خطر من اي نوع، فإمتثل الجميع، وعاد آدم لعمله، وعاد الباقين للقبيلة. 


وبمجرد رجوع سالم كانت رجوه متوجهة نحو خيمة عوالي، فعرف أنها ذاهبة لتلقى العقاب على فعلتها إن كانت الشيخة علمت بها،

 فذهب خلفها يتحرى، ولما إقترب وسمع صوت مزيونه قادم من خيمة عوالي تأكد بأن رجوه علي شفى جحيم عوالي، فهذه المرة العقاب أشد من جميع المرات السابقة، لأن هذه الغلطة هي الأعظم في تاريخ غلطاتها. 


فإستأذنت رجوه ودخلت وتلقتها عوالي صارخة:

-أشوفك تعرفين الإستئذان يافانص، لكان ليش ما تتذكرينه وقت تقتحمي الخلوات وتهجمين على الناس الغافله بخيامها، من سواها أمامك من أهل القبيلة من وقت الربك خلقك لليوم يارجوه، من تجراء وسواها لجل تسوينها أنت؟ 

تلعثمت رجوه في الكلام ولم تعرف بما تجيب فردت عليها مزيونه:

-. والله ياشيخه انا للحين ماقادره استوعب انها دخلت علي انا وراجلي وقت الكنا.. ياناس ماقادره انطقها ولا اتقبلها ياعالم. 

- اعرفها ماتتنطق او تنعقل والعقاب عليها ماراح يكون شي عادي، إلا ماأخليك عبره لكل القبيلة يارجوه وتمشي وسط الكل بسواد الوجه.. غدوه انا بجمع كل أهل القبيلة واخلي كل وليدات القبيلة يرجموك، كل وليد بثلاث أحجار، وشوفي أنت قديش وليدات القبيلة وقديش راح تدجك احجار. 

ظلت رجوه على صمتها ولم تنطق، فهي في حال يجعل هذا العقاب هين أمام ماتشعر به، وهنا إستأذن سالم ودلف من باب الخيمة وقال:

-عمتي مافي داعي لحساب أو عقاب، هي غلطه مو مقصودة وانا متأكد إن خوف رجوه على رابح هو الدار عقلها وخلاها تسوي هيك، وإنا مسامحها وهي ماراح تعيدها انا اضمن لك هاد الشي. 

صاحت به مزيونه لأول مرة:

-بس أنا مامسامحه ياسالم، وهاد الإمر مايخصك لحالك. 

- وأنا سامحت يامزيونه وأنت تسامحي ماتسامحي شي يخصج، بس أنا ماراح أسمح بالعقاب الحكمت به عمتي ولا راح يصير هاد الشي، ولا أي عقاب غيره يقع على رجوه، انا أقول التصرف مو بإرادتها وماراح تكرره،

 إي هو تصرف مايطلع غير من بهيمة، لكن فيه مواقف عقل الإنسان يوقف بيها ويصير عقل البهيمة أفهم عنه. 

عوالي:

-يعني هاد رأيك ياسالم؟ 

-أي ياعمتي هاد رأيي، والحين بعد إذنك أصرفي رجوه وكتمي عالخبر وأنت يامزيونه هيا على خيمتنا اريد اكل شي جوعان وحاسس حلقي مر حنظل. 

غادرت مزيونه مع سالم وبعدها إنصرفت رجوه بأمر من الشيخه عوالي بعد إن أسمعتها سم الكلام، وجلست مع مايزه يتباحثن في أمرها..

 فذهبت رجوه رأساً للعنود، وهناك إرتمت في حضنها وشهقت وهي تقول:

-ريتهم سوا يالعنود، شفته باحظانها وهي بين يديه ووقت شفتهم لمها بحظنه ودثرها كيف ماتكون بنيته وخايف عليها، سبني ورماني خارج الخيمة لأجلها، 

وقصت عليها كل شيء، فهمست العنود لها:

-وهي هى الصفعة اللي ماكنت اعرف من وين بتجيك، جاتك أسرع مما تخيلت وبالقوة المطلوبة.. والحين يارجوه راحت السكره وجات الفكره، والله يقوي قلبك وعقلك عاللي جاي. 


ادخلتها واخذت تتحدث معها في موضوعات عدة كي تجعل عقلها يفصل قليلاً، واشركت معها نوف وعفراء التي رقت لحال رجوه بعد أن رات إنتفاخ عينيها وشهقاتها المتواصلة، وظلوا على هذا الحال حتي نامت رجوه في مكانها، فتركوها تنال قسطاً من الراحة وغادروا جميعاً للخارج. 


اما في خيمة سالم.. 

- مزيونه لا تقلبين خلقتك علي، انا ادري بها ماقاصده، حتي انا نفسي انخبصت وماعرفت إيش اسوي وقت السمعت الخبر، خلص انسي الموضوع وماتحطين ببالك. 

- انسى إيش ياسالم، أنسى إيش، انسي إنها شافتك بلا ملابس، شافت اللي مو من حق حدا غيري يشوفه، انسى إنها فاتت على خيمتي وهي مفكره أن لها الحق تسوي هيك وماراح تتعاقب وبالفعل هاد اللي تم. 


- يامزيونه افصلي لاني مو ناقص كلام، وإذا عالشوف وربي إذا ماسكتين لاخلع كل ثيابي وامشي بنص القبيلة متل ماولدتني امي وأخلي الماشاف يشوف مو بس رجوه، صغيره يابت الحلال لا تكبريها. 

- إي تسويها ماانت فنص وماتستحي. 

ضحك سالم بخفوت وجذبها من يدها وإجلسها في حجره وأردف لها مهدئاً.. وقت الكنا صغار انا ورجوه كنا نستحم سوا عند العين وانا ماكنت ألبس أي شي وهي كانت تشوفني، يعني هي مو أول مره والشافته عادي ماشي جديد عليها. 


هبت مزيونه واقفة وصرخت به:

- حنظل عليك وعليها وعلى وقت الكنتوا صغار.. ياسالم لا تجنني، يعني انت الحين تشبه روحك بوقت الكنت فيه صغير؟ تعرف.. أنا ماضل عندي كلام أنا بروح اجيبلك الوكل احسن شي، تاكل وتصكر فمك. 

ضحك سالم عليها وهو يراها تغادر الخيمة وتتتمتم بغضب، واردف لنفسه بعد مغادرتها:

-إي صح والله معها حق، إيش هاد القولته ياسالم، كيف يعني شافت كل شي، الله ياخذك يارجوه خليتيني اخربط ماأدري إيش اقول. 


غابت مزيونه قليلاً واتت لسالم بالطعام وجلست بجواره تراقبه وهو يأكل، وبين الفينة والفينة تتسلل لشفتيه إبتسامة سرعان مايخفيها بتناوله الطعام، فصاحت به مزيونه بعد أن فاض بها:

-اشوف التِباسيم ماتفارق فمك ياسويلم، أشوفك فرحان كيف مايكون العملته رجوه جاى على هواك! 

-مزيونه خيمتك بدا يجيني منها وجيج الراس وماعاد بيها راحه، انا باكل وماشي اجلس مع الشباب، وماراح ارد إلا وانت نايمه، وهاد الراح يصير إذا ضليتي على هي النغمة وتعيدين وتزيدين بشي انقفل،  وياتنسيه ياتنسي وجودي بخيمتك. 


صمتت مزيونه وهو انهي طعامه وخرج بالفعل، وظلت تلوم نفسها على اعصابها التي فلتت منها رغماً عنها وهي المعهودة بالثبات. 


أما سالم فلم يكن يعلم أن هناك حفل بإنتظاره من شباب القبيلة على إستحمامه من البئر، وكل بكلمته والضحك والقهقهات وصلت عنان السماء، وهو ماكان منه إلا الصمت والصبر ولعن رابح ورجوه وحتى مزيونه على ماصار به، وكأن الجميع تكاتف لخزيه اليوم! 


عاد آدم من المدينه وفي المساء الكل مجتمع في مجلس الشباب، فذهبت رجوه ونادت علي آدم امام الجميع واخذته بعيداً وبعد تردد دام لدقائق أفرغت مابداخلها مرة واحدة وقالت له:

-عقاب انا ماعدت اريدك، فك رهنك لي وقول إنك مارايدني. 

صدم آدم مما سمعه ونظر إليها متفحصاً فوجد آثار البكاء على وجهها، وبما أن سالم أخبره بما حدث منها صباحاً ربط الأحداث ووجد أن قلبها أخيراً عاد إلى قواعده، وأن عقلها عاد لرأسها بعد هجرة طويلة، فتبسم وقال لها:

-لك التريديه يارجوه.. اعتبري رهني عليك انفك وصرتي حره. 

- زين.. من غدوه استلم أغنامك وشوفلك حد يرعاهم، انا ماعدت الغنامه حقك. 

ضحك آدم وقال لها:

-لا يبه أنت زينة الصبايا، وهادول الأغنام مني لك، هديه، حلا فك الرهن وثمن حريتي منك، إيش رأيك بحياتك شفتي هيك شي؟ 

-تبسمت رجوه وهي ترد عليه:

-تدفع ١٠٠ راس حلا لجل إنك ماتزوجتني؟ 

- وأدفع الف راس، يبه انت ماتدرين إنك بلا يمشي على رجول واليجاورك مبتلى فيك ومبتلى بأفعالك، هادول أعتبريهم عتق رقبة لاني وربي من يوم الرهنتيني وانا احس إني خسرت حريتي وراحة بالي والحين ردوا لي.. روحي يارجوه ال١٠٠ راس غنم لك والله لا يحطك بطريقي  وسلام الله عليك ليوم الدين. 


تحرك من أمامها مغادراً ووقفت هي تراقبه مبتسمة وهو يبتعد، وفي هذه اللحظة لم تراه سوى عقاب الصغير صديق الطفولة واخيها الذي كان يحملها على ظهره احياناً كي يعين سالم عليها شفقة على سالم وليس عليها، فكيف إختلطت مشاعرها وإعتبرته حبيب، وماذا كانت ستفعل إن فاقت بعد فوات الأوان وهي في بيته زوجة؟ من التي كانت تتصرف طوال الفترة السابقة ومالخراب الذي كانت تُحدثه في حياة رجوه وحياة الجميع؛ فبالتأكيد ليست هى من كانت تفعل كل ذلك.! 


أزاع آدم الخبر وسط الشباب بأنه فك رهن رجوه وأصبحت حرة منه، وصمت سالم ولم يُعقب أو يُظهر أية ردة فعل، ولكنه كان مستغرباً، وأخذ يسأل نفسه عن السبب فالتوقيت غريب لحدوث هذا، وكيف وافقت على التخلي بهذه البساطة وهي بالكاد حصلت على آدم بعد حرب طويلة؟ أجنت بالفعل هذه الفتاة كما يقول الجميع أم ماذا؟


يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ريناد يوسف، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة