رواية جديدة عقاب ابن البادية الجزء الثاني لريناد يوسف - الفصل 24 - الخميس 10/10/2024
قراءة رواية عقاب ابن البادية الجزء الثاني كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
قراءة رواية عقاب ابن البادية
الجزء الثاني
رواية جديدة قيد النشر
من روايات وقصص
الكاتبة ريناد يوسف
الفصل الرابع والعشرون
تم النشر يوم الخميس
10/10/2024
عقاب ٦٠
عاد آدم أخيراً إلى قصره، إلى حضن أمه وأبيه، جلس بينهم ينعم بالدفىء وهو يستمع اليهم وهم ينقلون له أخبار عمه وزوجته التي يعرفها سلفاً، ولكنه إستمع حتى انتهوا من احاديثهم ثم نظر لأبيه الذي كان يحارب دمعة على طرف عينه كي لا تنزل، فليس هذا المصير الذي تمناه لأخيه أبداً حتى بعد أن فعل به الأفاعيل، فقال له آدم مراعياً لحالته:
- إذا تريد تشوف خوك انا بوصلك ياأبو آدم، اعرف قلبك رجيج وايش مايسوي فيك عمي ماتفرط به، غدوه اخذك له شوفه وإذا قدرت عالسماح سامح.
هو على فراش الموت وعرفت أن نبضه توقف ورجع مره ثانيه، يعني الموت يحوم حوله، أدري انك عامل لي خاطر بس انا اللي اقولك روحله.
لم يصدق محمود أن آدم سمح له آن يذهب لأخيه بهذه البساطة ولم يمنعه، وحمد الله انه يدرك بأن للموت رهبة تُنسي كل شيء، وأن الواقف على اعتابه مُسامح َ.
فأخذه آدم وذهب به في اليوم التالي للمشفى وقد إطمئن قلبه قليلاً؛ فعمه الآن في حالة لا تسمح له بالتفكير في المزيد من الأذى، وزوجته الرأس المدبر لم يعد لها عليهم سلطة.
دلف الاثنين لغرفة يحيي بعد أن إستأذنوا الطبيب، فوجدوه في حالة يرثى لها، نعم يتنفس ولكن عيناه شاخصتان وكأنه في عالم آخر، فتحدث معه محمود بصوت مختنق وهو يمسك بيده:
-. كان جرى إيه يايحيي لو كنا عشنا حبايب وكنت سبتلي مروان ابني وسبت آدم يتربى فحضني وانت كان زمان مدحت ابنك عايش ومراتك جنبك وفحضنك وكلنا فرحانين بولادنا وحصاد عمرنا.. اخدت إيه ياابن والدي قولي.. الفلوس نفعتك انت ومراتك بايه يايحيي.. كان هيحصل إيه لو كنا عشنا زي الناس ومخسرناش أي حاجه؟
اضطربت أنفاس يحيي وشدد مسكة يده على يد محمود ونزلت دمعة من إحدى عينيه وبدا من حركة عينيه وكأنه يجاهد كي يتحدث..
لف رقبته بصعوبة نحو أخيه، إرتجفت شفتاه وكاد ان ينطق، ولكن قاطعه إبنه ياسين الذي دلف من باب الغرفة كالإعصار وأمسك آدم من تلابيبه وبدأ في دفعه للخارج وهو يقول:
- انتو ايه اللي جايبكم هنا، جايين تتشمتوا صح.. جايين تملوا عيونكم وتفرحوا قلوبكم مش كده، فاكرين أنكم انتصرتوا وجايين تحتفلوا بالنصر فوق جثث ضحاياكم!
هدر به عمه محمود قائلاً:
- نصر إيه واحتفال ايه اللي بتتكلم عنه ياحيوان انت، خلاص دماغك مبقاش فيها غير المؤامرات، كل تفكيرك عن الأذى و الشماته، مفيش حاجه في قاموسك اسمها اننا جايين نطمن عليه مثلا؟ وبعدين نصر إيه اللي بتتكلم عنه هو احنا حاربنا من الأساس ولا عملنا حاجه، دا احنا طول الوقت كنا بنهرب من هجومكم وضرباتكم المتواصلة!
آدم كان يتحرك مع ياسين نحوا الخارج دون أية مقاومة ولم ينطق، حتي أصبح خارج الغرفة، فهو يعلم أنه ليس في كامل وعيه بسبب كل ماحدث لعائلته،
ولا يريد أن يُحدث شجار أمام عمه فتسوء حالته اكثر وربما يتوقف قلبه ويموت أمام أعين ابيه ويعلم بأنه لن يتحمل، ولكن آدم هو الذي لم يتحمل حين عاد ياسين للغرفة وهم ان يفعل بأبيه نفس مافعله به، فتحرك وأصبح أمام ابيه في ثانية يحجبه عن ياسين وينظر له بنظرة نارية تخبره بأن الأمر لن يمر مرور الكرام عند أبيه.
فامسك بابيه وأخذه وخرج به، أما ياسين فوقف يراقبهم واردف متوعداً:
-طيب حلو ياآدم وكويس انك جيت في التوقيت دا بالذات عشان اخلص منك انت كمان بالمره وافوق لشغلي ونفسي واخلص من كل الوش دفعة واحدة.
اخرج جواله وهم ان يهاتف احد، ولكن يد ابيه المرتعشة التي قبضت علي يده منعته لثوانٍ، فنظر له متعجباً وإذ بأبيه يهز له رأسه برفض، فسحب منه يده بعنف وأكمل محادثته دون ان يأبه لذلك الذي بدأ يزوم ويتخبط.
- أيوه يابرنس، المهمة اللي كانت متأجلة استأنفها ونفذ في أقرب وقت، مش عايز تأجيل أو تأخير، مش عايز فزلكه المرادي من اي نوع.
أنهى مكالمته ونظر لأبيه وأردف:
-إيه مالك، قلبك لما وقف ورجع اشتغل تاني رجع رهيف ولا إيه؟ إهدا كدا وركز في اللي انت فيه ولو هتموت موت قوام قوام مبقاش فاضل غيرك حجر فوق قلبي.
انهي كلماته القاتلة لأبيه الذي تصنم وكأنه تلقى للتو ضربة افقدته الوعي، وأغمض عينيه وهو يفكر في كلام اخيه محمود
(كان هيحصل إيه لو كنا عشنا زي الناس ومخسرناش أي حاجه)
توجه آدم مع ابيه لشركته وانهوا بعض الأعمال وعادا للقصر لتناول الطعام.. الطعام الذي تُصر عايده ألا يتناولانه إلا في القصر ومن يدها هي فقط منذ موت مدحت.
اما عند حياة وإخوتها:
- ياحياة دا قرار مش سهل علينا ومش هينفع انتي تنفذيه لوحدك.
- لا سهل ياكاظم، إحنا مش هينفع نعيش هنا، إحنا مستقبلنا اتدمر وحياتنا في المجتمع دا أصبحت مستحيلة، وانا اخدت قراري سواء وافقتوني وجيتوا معايا أو لأ، وبكره نازله أقدم طلب هجره لأستراليا أو كندا.
- بس هنا اصحابنا وذكرياتنا وحياتنا كلها.. وحبايبنا ياحياة.
-حبايبك اللي بتتكلم عنهم دول انا متأكده انهم لو عرفوا إن أمك اتعدمت بسبب انها قتلت ابوك مش هيبصوا فوشك حتي لو كانت محبتهم ليك عدت كل الحدود.
،مش كل الأمور بتم بالمحبه بس ياكاظم، فيه إعتبارات تانيه أقوى وأهم.. ودلوقتي انا نازله اكمل الأوراق المطلوبه مني عشان الهجرة.
تحركت من أمامهم وهي عازمة على الرحيل بالفعل، فلا البلد أصبحت تشعر بانها منها ولا مستقبل فيها يستحق الصبر، فقررت الذهاب لبلد أخري حيث لايعرفها فيها أحد ولا يهتم احد لماضيها إو أهلها، ستبدأ من الصفر، بدون أم وبدون اقارب، والأهم بدون آدم حتي تستطيع التنفس والعيش وهي تعلم أن الأمل إنعدم تماماً.
اما في القبيلة..
-خلاص نويت يارابح؟
- اي يامعزوزتي دعواتك لي، انا الحين ماشي اجدد باسبوري، هي اهم خطوة بحياتنا، رايح وحاطط كل املي بتجارة السيارات وربي يوفقني للخير.
- الله معك يحرسك ويصونك يانور عيوني، دير بالك على حالك وأوعك تهمل بروحك ووكلك وشربك، ادري بك ماتتذكر الوكل طول مافي شي شاغلك، بغلاي عندك يارابح ماتسوي هيك.
- يانبضي هدي شوي انا رايح اجدد الباسبور بس الحين ماني مسافر، لسه ايام على هالخطوه.. بس وغلات عيونك باكل واشرب وادير بالي ع حالي واردلك ثمين وكرشي هيك كبره.. وانت ديري بالك علي روحك وعلى صقر، مااريد تجيبيلي وليد ضعيف.
- بعيوني صقر ياابو صقر.
غادر رابح القبيلة متوجهاً للمدينة ليجدد جواز سفره كي يسافر ليبيا
للإتفاق على السيارات التي يريدها وشرائها مع عمه قياتي وجلبها لمصر، وترك معزوزة تشعر بالخوف، فها هو يسعى للإبتعاد عنها في هذا الوقت القاتل، انه شهرها الثامن وماهي إلا أيام وستدخل في شهر ولادتها وكانت تريده بجانبها بشدة، ولكن هذا مستقبلهم ولن تقف أمام أول خطوة لرابح فيه، فتحاملت على الشوق والألم والخوف ودعت له وودعته بقلب يُعيذة من كل شر.
اما ياسين فبعد ان غادر المشفى توجه لمسكن حياة وحين توقف بسيارته وهم بالنزول وجدها عند مدخل العمارة تخرج، فصبر حتى إقتربت من السيارة ونزل منها سريعاً وبحركة خاطفة ادخلها السيارة ودخل خلفها وأغلقها بإحكام وأنطلق غير آبه لرفضها وصرخاتها وتوبيخها له.
عرفت من عينيه أنه في أوج شره الأن وأن أمر عظيم علي وشك الحدوث، فأخرجت هاتفها من حقيبتها وفتحته وسط محاولاته بمنعها واخذ الهاتف منها، ولم تجد في هذه اللحظة اقرب لها منه، فضغطت علي رقمه وأتصلت، وكعادته رد من اول لحظة، فصرخت قائلة:
- الحقني ياآدم الحقني ياسين خطفني.
- إيش تقولين، حطي الجوال عالاسبيكر الحين يلااا.
فتحت حياة السماعة الخارجية وهي تتالم من قبضةيد ياسين الممسكة بشعرها، فجاء صوت آدم صارخاً ومحذراً:
- ياسين إذا مسيت حياه بسوء اعلم انك حفرت قبرك بيدك، سامحت بكل شي بس عند حياة مافي سماح، فيه موت.. موت وبس تفهم علي.
- رد عليه ياسين قائلاً:
- انت تخرس خالص ومتنطقش اسمها على لسانك الزفر، ولو عالموت فالموت جاي جاي، بس مش ليا انا ليك انت. فأستعد ياروح أمك.
وهنا صرخت به حياة:
- موته لما تاخدك ياحيوان، روح ربنا ياخدك ياشيخ ويريح الدنيا منك ومن شرك.. انا بكرهك بكرهك، انت اصلاً تتكره، انا بحب آدم وعمري ماهحب غيره، واللي تحب واحد زي آدم عمرها ماتبص بعده لحشره زيك.
فكان رد ياسين علي كلماتها ضربة قوية بقبضة يده فوق رأسها افقدتها الوعي، وأفقدت آدم العقل حين وجدها صمتت مرة واحدة، فتحرك علي الفور وهو يجرى إتصالاته، وأعطى رقم هاتفها لأحدهم وهو يعلم ان العثور عليها سهل للغاية، فقد كان دائما يشدد عليها ألا تغلق خاصية تفعيل الموقع على هاتفها، وكأنه كان يعلم أن شيء كهذا سيحدث ويعلم انها لن تنسى وصية له أو تهملها، وبالفعل بعد دقائق بدأت تاتيه الإحداثيات ومن تتبع الهاتف إستطاعوا تحديد مكانها.. فذهب آدم حيث المكان الذي توقفت فيه سيارة ياسين، وكان إحدى مخازن شركتهم القديمة.
إقتحم آدم المكان بسلاحه ووجد حياة ملقاة على الأرض فاقدة للوعي ولا وجود لياسين، يعلم أنه موجود ولكنه مختبئ وينوي غدره، فإحتمى آدم بإحدي ألات الرفع وبدأ يمسح المكان بعينيه، وسرعان مااتته رصاصة تخبره بمكان ياسين بالتحديد،
فتفاداها وبدأ التراشق بالطلقات، وماهي إلا دقائق أخري وكانت الشرطة تقتحم المكان.
أخذوا ياسين بتهمة الإختطاف وقام آدم بحمل حياة واخذها بسيارته لأقرب مشفى.. إطمئن عليها وجلس معها بعض الوقت قبل ان يأخذها للقسم لتدلي باقوالها ومكالمة الهاتف المُسجلة لديه دليل على صحة الكلام..وبعد الإنتهاء من المحضر أخبرته بقرار هجرتها، حزن قلبه ولكنه لم يستطع منعها، فهو أيضاً من رأيها ويرى أن سفرها أفضل شيء لها، علي الأقل ستعيش بلاخوف أو ندم ولن تواجه المزيد من نظرات اللوم والإتهام.. والأهم من هذا ستبتعد عنه المسافة التي ستجعل قلبه يفكر جدياً بأن يتخطاها.
أخذها للبنك، وهناك فاجأها حين فتح لها حساباً ووضع فيه مبلغ كبير يعينها على أن تبدأ به حياتها وتستقر أينما ذهبت.. ومازادها تصرفه هذا سوى حسرة عليه، فهاهو للمرة المليون يثبت لخا بانه افضل رجل على وجه الأرض وانها تعيسة الحظ حيث وضعت الظروف كل تلك العقبات حائل بينها وبينه
عاد آدم لقصره وقد قُطع آخر خيط من أمل كان قلبه ينسجه خفية ويتأمل بأنه سيطالها من خلاله.
عاد لشركته وحاول أن يُنهي أعماله العالقة، ولكن ذهنه المشتت لم يساعده على التركيز،
فغادر الشركة واخذ سيارته وذهب لشاطئ النيل، توقف ونزل منها وجلس مواجهاً للنيل يحاول ترتيب أفكاره، فهو لا يفكر جيداً إلا وهو جالس في الأماكن المفتوحة، يشعر بإن هذه المساحة داخل عقله وتمنحه المزيد من الأفكار، إنما الاماكن المغلقة تجعل افكاره تختنق تماماً كما تختنق أنفاسه ويضيق صدره.
عاد للقصر وقضى بقية اليوم، وفي اليوم التالي ذهب لشركته وأصر على ابيه ان يبقى في القصر هذا اليوم، فاليوم العمل كثير ولا يريد أن يُجهده معه.
أمضي يومه بين الأوراق والملفات ولم ينتبه للوقت إلا حين هاتفته أمه تحثه على العودة للقصر لتناول غداءه معهم، ورفضت رفضاً قاطعاً ان يتناولا الطعام هي وابيه بدونه، فاضطر إلى مغادرة الشركة والذهاب إليهم،
وهو في الطريق
إنحرفت السيارة قليلاً عن مسارها فوق الجسر بفضل صدمة قوية من شاحنة عملاقة، فتوقف على جانب الجسر فوق الرصيف الذى صعدته السيارة بفضل الصدمة، وترجل من السيارة ليرى ماذا حدث لها، فهى مازالت جديدة وباهظة الثمن، ولاحظ أن الشاحنة توقفت على مسافة منه، ظن أن صاحبها توقف كي يعتذر منه وحين فُتحت أبوابها ونزل منها رجلان توقع أنهم آتون للإطمئنان عليه، ولكن ظنونه كلها خُلفت حين إقترب منه الإثنان وكانت ملامحهما لا تبشر بخير!
تلفت آدم حوله ووجد أن الجسر خالي من المارة تماماً، لا ناس ولا سيارات، وكأن الوقت تم إختياره وترتيب إختفاء كل شيئ.. دق قلبه بخوف لم يختبره منذ كان طفلُ صغير وتركه ابواه فى الصحراء يواجه مصير مجهول، وها هو الآن لا يعلم مالمصير الذي ينتظرة..
خوفه لم يكن من قوتهم البدنية؛ فلو تصارعت الأبدان لفاز هو فى النزال دون شك، ولكن الأسلحة هى التي تتصارع في مثل هذة المواقف.. وعلى الفور تأكدت شكوكه وهو يرى واحداً منهم يزيح كنزته ويلتقط سلاحة المزود بكاتم صوت، فغاص قلب آدم بين ضلوعه وعلم أنها النهاية، وأن نظرات ياسين اليوم لم تكن عبثاً كما ظن، فقد علم منذ البداية أن ماسمعه من حياة وإهانتها له وما حدث له بسببها كان الضربة القاضية له والتي لن يغفر عليها ابداً.
كان يعلم أنها مسألة وقت ليس إلا وسينتقم ياسين، ولكنه لم يتوقع أن يأتي الإنتقام بهذه السرعة.
درس الموقف سريعاً وقرر القفز من فوق الجسر، وبحركة خاطفة كان يعتلى سور الجسر ويقفز، ولكن رصاصة الغدر كانت أسرع إليه من الجاذبية فإخترقت جسدة ليسقط فى الماء على الفور، وماهي إلا دقائق طفاها فوق سطح الماء فى محاولة من جسدة لإستيعاب ماذا حدث له ثم غاص للأسفل مستسلماً للظلام، باسطاً ذراعاه وكأنه يخبر العالم بأنه تركه فارغ اليدين كما أتي إليه فارغ اليدين.
_____________
أما فى القصر..
-إبني، إبني فين، إبني جراله أيه يامحمود، رن عليه تاني وتالت اتصرف، انا حاسه آدم جرتله حاجه، هو انا وجع قلبي دا مش هينتهي، إشمعنا انا، ليه اختبر إحساس الفقد والفراق الف مره ليه، ابني يامحمود اخوك موته حتي وهو بيموت، كل السنين اللي فاتت واللي بعدته عني فيها واتحرمت من إنه يكبر قدام عيني راحت هدر، إبني راح مني ياناس، راجل ملو هدومه ملحقتش أفرح بيه.
- إهدي ياعايدة ادم بخير أكيد، آدم بخير وهيرجع، ربنا مش هيوجع قلوبنا عليه أكيد، ربنا رؤوف رحيم، ربنا عالم باللي شوفناه واللي قاسيناه ومش هيضيعه.
كان يواسيها وهناك غصات تتوالى علي قلبة الغير مصدق لكلماته المواسية، فكيف له ان يكون بخير وهاتفه مغلق وغادر الشركة منذ اكثر من اربع ساعات، كيف له ان يكون بخير وهو الذي يرد عليهم من اول رنه..
وكيف له ولعايدة أن ينجوا من الحزن هذه المرة إن حدث لآدم مكروه، فوالله إنها لكبيرة وعظيمة على قلوبهم.. اخذها بين ذراعين ودفن رأسها فى صدره وهو يتمنى أن يخفيها بين ضلوعه عل الحزن لا يعرف لها طريقاً، ولكن للأسف الشديد يبدوا أن لا سبيل لذلك.
أبعدها وأخذ يهاتف قصير للمرة التي لايعرف عددها وكالعادة هاتفه مشغول، فهاتف سالم مجدداً فاجابه سالم علي الفور وبلهفة:
-أبشر ياعمي وجدتوه، عاود عقاب، رد للبيت؟
-انا مكلمك أسألك يابني لو عرفت حاجه عنه.
ليجيب الأخر بغضب مخلوط بحزن:
-كييف نعرف شي عنه ونقاله خارج التغطية ومافي حدا عارف يوصله، حتى الموظفين اللي معاه بالشركة من القبيلة ماقادرين يوصلوله، انا بالطريق أنا ورابح وبس نوصلو لعندك راح نغربل القاهرة غربله ماهنسيب فيها جحر الا دورته فيها حتى نعثر عليه ، ولو مالقيت خوي والله لنحرق الأرض حرق ونحرق خوك وعيلته وهم احياء قدام عيونك حتى لو هنحرقك معاهم ،والله انت ما يحقلك اتكون ابو عقاب ،عقاب ولدنا نحنا واخونا نحنا وعندنا وبحمايتنا مامسه شر ولا قدر يتربصله عدو،الله لا يوفقك انت وهلك
انهى مكالمته ولكم السيارة امامه بيده قبل أن يصرخ بصوت رج السيارة:
- راااح خوووي رااااح، اااخ ياعقااااااب ياحرقة قلبي عليك ياشقيق روحيييي، والله لنحرق الدنيا لاجلك والله.
نظر إليه رابح متعجباً على هذا الحب الكبير الذي لازال سالم يكنه لعقاب برغم كل شيئ وبعد كل ما حدث، وها هو سالم يثبت مجدداً بأن اخوته لآدم فوق كل شيئ.. فلا حبيبة فرقتهم ولا غيرة شتتت قلوبهم.
فاردف له محاولاً تمثيل الهدوء والثبات برغم أنه يحترق هو الآخر على رفيقه، وقد بلغت من عقله الظنون السيئة مبلغها، ويكاد يجزم أن آدم قد غُدر، وهو يعلم جيداً ان كل تعاليم البقاء في حياة البرية لا تُجدي نفعاً أمام رصاصة تخترق القلب أو الرأس، فالاسلحة لها سطوتها التي تتغلب على سائر الأشياء:
- اطمن ياسالم عقاب مايجرؤ السوء يقرب منه، مايكون عقاب إذا سمح لهادول الفيران يغلبونه.
صدح بعدها جرس هاتف رابح معلناً عن إتصال وقد كان عمه قصير هو المتصل، فأجابه سريعاً واتاه صوت قصير الغاضب:
- هاه لوين وصلتو يارابح؟
- تو دخلنا الجيزه ياعمي يعني كلها ساعتين ثلاث وبنكونو بالقصر.
- وييش راح تسسون بالقصر؟ اطلعوا ع الشركة استجوبوا الجميع امسكوا الخيوط واتبعوها، راجعوا الكاميرات، كونوا مع الشرطة وانبشوا علي عقابي نبش، ماتردون الا وهو وسط اهله.. أو.. تجدون جثمانه وتواروا عليه التراب لنعرفله طريق.. ولك اااااخ ياعقاب ياوليدي ورباية يدي وذراعي وظهري وعيني لو جرالك شي لندعس الكل تحت اقدامي وانسويها مجزرة ماتمت من قبل.
كاد أن يغلق رابح المكالمة وأبعد الهاتف عن اذنه فاتاه صوت هلال الذي إختطف الهاتف من ابيه وصرخ برابح:
- الله لا يوفقك يارابح إنت وسالم، ليش تركتوني ومااخذتوني معكم، ليش ما نكون معاكم وانتم تبحثون عن عقاب، مو هو رفيقي متلكم، ما ترأفون بحال احد انتم، بس يلا بسيطة انا بروحي بجى ولا الحوجه ليكم، بس خليها بروسكم وتذكروها زين.
انهي كلماته واغلق الهاتف، ونظر لرجوه التي كانت تجلس دون حراك منذ سمعت الخبر، وكأنها تصنمت وتجردت من الحياة، وتحجر الدمع في عينيها فلا هو المنساب ولا العائد لمجراه، وكان حالها يُغني الناظر عن سؤالها، فكيف لها أن تخسره وهي للتو فازت به بعد معارك ضارية خاضتها بمفردها، كيف لعقابها أن ينتهى بهذه الطريقة بمجرد أن حلق في سماها وأصبح لها وكانت تضرب الهواء بأجنحتها طوال الوقت كي تتعلم الطيران وتحلق معه بعيداً حيث لا قبيلة ولا عادات وتقاليد ولا سالم وغيره يستطيعون الوقوف أمام احلامها معه..
أيعقل أن ينتهي كل شيئ قبل البداية وتعود ريما لمأساتها القديمة؟
هزت رأسها رفضاً ودفنت وجهها بين يديها وشهقت بالبكاء وهي تتخيل القبيلة والصحاري وحياتها من غيره.
غادر هلال إلى القاهرة متجاهلًا لمحاولات ابيه بإقناعه بالبقاء وبأن سفره لا فائدة منه، ولكنه كحال كل مُحب لا يستطيع البقاء بعيداً وهو يعلم إن رفيق دربه في خطر ولا أحد يعلم عنه شيئ.
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ريناد يوسف، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية