-->

رواية جديدة عقاب ابن البادية الجزء الثاني لريناد يوسف - الفصل 27 - الأحد 13/10/2024

 

قراءة رواية عقاب ابن البادية الجزء الثاني كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




قراءة رواية عقاب ابن البادية

الجزء الثاني

 رواية جديدة قيد النشر

من روايات وقصص 

الكاتبة ريناد يوسف


الفصل السابع والعشرون

تم النشر يوم الأحد

 13/10/2024



63

 ردت معزوزه على رجوه بعصبية:


-رجوه لا تتهبلين وإذا شايفه الكل مرتاح ارتاحي مثلهم، أنا وغلاة رابح مااعرف شي، بس متلي متلك من راحتهم مرتاحه ومطمنه، وأكيد عقاب بخير وكاتمين الخبر لسبب هم أدرى به. 

- بس انا أولى الناس بمعرفة هيك شي يامعزوزه، انا من بعد أمه اجي بالأهمية، ليش هو يآمن الكل على سره وعندي انا يروح الآمان ليش، للحين ماعرف غلاه عندي وأني افرط بروحي ولا افرط بسر سرني بيه وأمني؟

 للحين عقاب ماعرف هو إيش عند رجوه وكيف ناويه تصونه، طيب يجربني ويشوف وبعدها يسوي اليريحه. 

صمتت معزوزه وهي تواجه نوبة الم جديدة من النوبات التي بدأت تداهمها منذ عشية الأمس على فترات متباعدة، فلاحظت رجوه وسألتها بخوف:

-إيش فيك يامعزوزه، ولاده ولا ألم ماله علاقة بالولادة؟ 

- ماادري يارجوه بس هو ألم جديد مامر علي من قبل، من البارحه يجي ويروح، بس ماأحس إني ولاده! 

-هي إسمها تقاطيع وجيج سمعت أمي تقول كان يجرالها هيك وقت كانت حبله بهلهولها، كانت تقول البطن تستعد لطرد الوليد بالوجيج. 

-أي وحتي خالتي جنديه قالت هيك لما فحصتني من شوي. 


- أبشري، تجيبين ماتجيبين انا جنبك مااتركك.. ووقت يطل الوليد براسه اقول وااااك الم لك كل نساء القبيلة تسحب. 

صمتت رجوه وهي تراقب معزوزه، وفي هذه الأثناء سمعوا هلاهل آتية من بعيد، فنظرت رجوه لمعزوزه بتساؤل فقالت لها معزوزه:

-هاد عرس خوله وسعود، اليوم عرسهم. 

- عرس بالقبيلة ورجلي غايب مافي عنه خبر؟ يوم اغبر عليهم وعلى عرسهم، والله لأخليه صخام فوق روس الكل. 

انهت جملتها وغادرت الخيمة متوعدة، ومشت حتي بلغت خيمة خوله ودخلت الخيمة دون إستئذان وكانت خوله جالسة وبعض نساء القبيلة ملتفات حولها يلبسنها الحُلي ويخططون وجهها بالكحل والحُمرة، فتوقفوا مع دخول رجوه التي صاحت بهم:

-من منكم الهلهلت وماإستحت وهي تعرف راجلي مفقود ومافي عنه خبر؟ 

ردت عليها خوله بنديه:

-أنا الهلهلت وهاد عرسي واسوي الأريده، وغياب راجلك تروحي تشقي به  مع روحك بعيد عني، هي الخيمة مايخشها غير الجاي يفرح لي ومعي، واللايم يغرب عن وجهنا، راجلك مفقود وانا هلهلت وتزوجت، وقت ينفقد راجلي هلهلي وسوى فرح طنان. وهاك هلهوله لجل دخلتك علي: كللللللللوش. 


تلفتت رجوه حولها فأتتها صالحه مهروله وأمسكت ذراعها وقالت لها متوسلة:

-اتركيها اليوم عروس ماتكسري بفرحتها وحقك عندي ومنك ومن الجميع السماح، أدري اننا غالطين ووجهنا صاير تراب منكم، بس والله كل شي تم بشور الشيخه عوالي والشيخ قصير وهم الجهزوا، ولو ماكانوا رايدينهم يعرسوا ماكانوا ساعدوهم. 


أخذت رجوه نفس عميق وزفرته، وها هي أمام دليل آخر بأن عقاب بخير، فلو لم يكن كذلك ماسمحت عمتها عوالي وابيها بأي إحتفال من أي نوع في القبيلة، ومع ذلك لم يهدأ وجعها، فشعور النبذ والتجاهل شعور مقيت لا يُحتمل. 


غادرت الخيمة وهي تجر اقدامها في الرمال جراً وتشعر بالخذلان، وذهبت عند الاغنام،

 تلك الكائنات التي لا تعرف من الدنيا إلا الأكل والنوم والتناسل، لا صراعات ولا احقاد ولا قلوب تعشق دون امل ولا شكوى من اي نوع، فاخذتهم وذهبت بهم للوادي هرباً من كل شيء بعد ان أرسلت مسك لمعزوزه تحل محلها لحين عودتها.


مرت الساعات وعادت رجوه عند حلول الليل وحبست الأغنام في مكانهم، وعادت لمعزوزه التي إشتد عليها الألم ودخلت فى الولادة بالفعل، ووجدت رابح يحوم حول الخيمة بخوف وتوتر وكأنه هو الذي يلد، وأعلن حالة التأهب في كل القبيلة، وأتي لمعزوزه بكل النساء كي يساعدنها فى الولادة، ظناً منه بأن كثرتهم تغير من الوضع شيء.


ساعتين قضاهم وهو ينزف حمماً وليس عرقاً من شدة إشتعال جسده، دعا بكل آية تذكرها ونذر الذبائح وإطعام القاصي والداني إن نجاها الله هي وإبنه وقر عينه بهما.

وكم رفرف قلبه وهو يستمع لذلك المزعج الصغير وهو يعلن عن قدومه للقبيلة ببكاء متواصل، ضحك ودمعت عيناه وإستدار حتى لا يراه سالم ويتهمه بالضعف، ولا يعلم ان سالم بالفعل رأي ضعفه وفرحته وتمنى مثلها لنفسه.. أما رجوه فكانت أول من حمل الطفل وخرجت به من الخيمة وذهبت به لرابح الذي مد لها يديه قبل أن تصله بمسافة وهو يضحك، 

وحين وقفت أمامه ضمت الولد لصدرها وقالت لرابح ممازحة:

-اريد الحلوان قبل لا يدك تطاله.

- تطاله.. يعني وليد! ذكر يارجوه؟

- اي وليد متل البدر بتمامه، إذا تريد تشوف يشبه من انت ولا اختي يدك على شدة قروش.

-يبه الروح تهون لجل وليدي، هاك الشدة واعطيني صقري أضمه لقلبي.


اخذت رجوه النقود واعطت الولد لرابح ووقفت تشاهده مبتسمة وهو يشمه ويكبر بأذنيه ويكاد يأكله بعيونه التي تلمع فرحاً.


أما سالم فكان يتبسم ولكن لسبب آخر، تبسم منذ ان خرجت من الخيمة حاملة للطفل، رأها وهي تقترب وشعر بأنها كبرت حتى أصبحت الأمومة تليق بها، 

كم حلم بهذا المشهد وكم تمناه، كم رأها فى خياله تحمل طفلهم وتتهادى به نحوه، وعلى قدر جمال الأحلام والأمنيات كانت الحقيقة أجمل وهو يراها بأم عينيه.


إنتهت النساء من تنظيف معزوزه وخيمتها، وتركوها لتنعم بقسط من الراحة، فدلف رابح من باب الخيمة وهو يحمل طفلهم، وجلس بجوارها وقد تبخرت الكلمات فى جوفه، ولم يخرج منه سوى:

-الف الحمد لله على سلامتكم يانبض قلبي، الف الحمد لله على ماوهب وأعطى ، سمي وخذي صقر ياأم صقر واعطيه من حنانك.

إعتدلت معزوزه وأخذت الولد من يده، ونظرت له للمرة الأولى، فقد إختطفته رجوه وفرت به قبل حتى أن تراه! 

سمت وصلت واخذت تمسد باصابعها على خده الناعم، ثم بدأت فى إرضاعه إمام رابح الذي كان يشاهد أجمل شيء رأته عينه على مدار سنوات عمره.


اما رجوه فنظرت لسالم وأستغلت تبسمه وصفوه الغريب وسالته برجاء:

-سويلم، ياسالم، ياسلومتي اللي أحبه وادري به مايردني من على اعتابه خايبة سؤال.. قولي ياخوي عقاب عايش وانتوا تعرفون طريقه صح، قولي ولك كلمتي..التقوله يندفن تحت الرمال ماحد يدرى به بس طمني.


- فاق سالم من شروده وانتفض قلبه وهي تدلله فى البداية، ثم هدأ وعاد لوعيه وهو يكتشف سبب الدلال، فأجابها ببرود:

-انا عن نفسي مااعرف شي، وإذا عايش ليش ندس عنك؟ انت وغيرك والكل لزوم يعرف إذا عرفنا عنه شي.


- تريد تفهمني إن هاد حزنك على عقاب ياسالم؟ تاكل وتشرب وتروح وترد ولا كأنه مفقود؟

تريد تفهمني إن هاد حزن امه وابوه عليه وبوي وعمتي ورابح والكل؟  ياااخ إنت وقت كان يموت منك صخل كنت تحزن عليه اكثر من حزنك الحين على رفيق عمرك!

- رجوه انت ايش تريدين؟

- اريد اسمع منك إن عقاب بعده حي.

-وانا مااقول شي مامتأكد منه، ومن رخصتج سوي مجال خليني أمر وراي واااجد أشغال.

-إيش وراك اشغال بهاليل ياسالم، قول انك تريد تهروب من سؤالي وماتجاوب.

-وراي ولا مو وراي شي مايخصك، أما إذا عالهروب فمو سالم اليهرب من سؤال ولا من جواب، تحركي اريد اروح اقف مع سعود بعرسه الوليد وحيد وماعنده اخو يقف معه.


-أي روح اعراس وادبك وارقص لحتي تطيح من التعب، وتعال قولي إنك ماتعرف شي عن عقاب يالكذاب.

- زيحي شوي زيحي خليتي راسي هيك كبره من كثر كلامك الما منه نفع، والله إنك وجيج راس ووجيج قلب.

غادر سالم وتركها تفرك من الغضب واخذت تتمشى بين الخيام وهي تشعر بالضياع تواجه الغرق ولا يريد أحد أن يأخذ بيدها لبر.


جلست بجانب البئر فإذ بالعنود تقتحم خلوتها وتجلس بجوارها، فصاحت رجوه بملل:

-اهوووو جات كثيرة الحكي.

- معليش اريدك تتحمليني شوي، اريد اجلس معك إيش بيها؟

- لا مابيها شي، إجلسي بس ماتفتحين خشمك ولا تتكلمي.

-نجلس اصنام يعني؟

-أي إذا تريدين تجلسي معي تصنمي.


ضحكت العنود بخفة ثم سألتها بهدوء:

-تحبينه كل هاد الحب؟

-تقصدي من؟

-اقصد آدم.

-يعني لو مااحبه اتحمل كل هاد لاجله؟

-وهو يحبك؟

صمتت قليلاً واردفت بحيرة:

-كان يحبني وقت الكنا وليدات صغار، كان يخاف علي، وبس عرف إن سالم يحبني ماصرت من ضمن إختياراته وسقطت من عيونه كحبيبه، حاربت حتى كسبت الحرب وكسبته معها، وراح نعمل ونسوي كل اليطلع بيدي لجل ماأخسره.

-أنا سؤالي واضح.. يحبك؟

-راح انخليه يحبني، مافي حد مايحب اليحبه.

--إي بس هاد إذا مافيه حدا واقف بينكم، وسالم راح يضل واقف بينك وبين آدم لآخر العمر؛ 

إذا تم زواجكم بكل مره يقربلك فيها راح يتذكر إن صديقه كان نفسه فيك ويتمناك، وإذا ماعذبته الغيره وهو يتخيل غيره تخيلك له زوجه وأم أولاده راح تعذبه حسرة رفيقه الحب وماطال.


-لا ماراح يتعذب بشي، وقت اكون بخيمته وبين يديه ماراح يتذكر من الدنيا مخلوق.

-مو صحيح.

-صحيح ولا مو صحيح، الايام التحدد مو انت ولا أنا.

- مرتاحه من وقت الفوزتي به يارجوه؟

-فرحانه، بس مو مرتاحه.

طيب فيك تحكيلي عن طفولتك، عن كل شي حلو عشتيه، اذكريلي اكثر موقف ضحكك واكثر موقف فرحك واكثر يوم تمنيتيه مايخلص.، بس قبل هادول احكيلي اكثر موقف مزعج عشتيه وماتقدري تنسيه. 


نظرت إليها رجوه نظرة جانبية وصمتت فألحت عليها العنود قائلة:

- يابنت خلينا نتسلى إيش فيك، أحكي خلينا نكسر حاجز الصمت  ونضيع الملل الليل طِويل.

نظرت رجوه للأمام وتنهدت وبدأت تحكي، 

بدأتها منذ طفولتها، منذ ان وعت على نفسها وهي في أحضان أختها معزوزه ورأت أمها منشغلة بغيرها، سردت كل أوجاعها دفعة واحدة.. حتى وصلت لسالم ورابح وعقاب ومرافقتها لهم.. وهنا تغيرت ملامحها ولاحت بسمة على فمها وبدأت تحكي كل شيء.

تبسمت العنود وهي تستمع إليها وترى سالم بطل جميع مواقفها الجميلة، وكم تختلف وتيرة صوتها وتتحول للراحة وهي تذكر مواقفه معها، تضحك وهي تحكي المواقف المضحكة، وتخجل وهي تحكي المواقف المخجلة، وتخاف حين تذكر   تعبه في المرات التي مرض فيها وجلست بجواره ترعاه وكأنها عادت لنفس اللحظة وتعيشها مجدداً! 

وحين انتهت تأكدت العنود مما كانت تشك به.. رجوه لم تحب عقاب ابداً، ولا تكن له أية مشاعر سوى مشاعر أخوية إن وجدت، 

والعشق الأول والأخير والدفين كله لسالم، والأمر لا يحتاج أكثر من صحوة لمشاعرها التائهة، موقف يعيدها لرشدها كالصفعة ينزل على قلبها فيجعله يستفيق.. ولكن ترى ماهو الموقف وماهى الصفعة القوية ومن الذي سيصفعها، هل ترى آدم أم سالم، أم كلاهما، أم القدر.

إنتظرت رجوه من العنود أن تقول شيء بعد أن إنتهت من قص كل شيء عليها، ولكن كل ماقالته العنود:

-طفولتك كانت واجد حلوة، خليتيني تمنيت لو أنا عشتها ومريت بكل مغامراتك، انا راده الحين للمبنى اريد انام نعست.. بس قضيت معك وقت جميل وأتمنى يتكرر، في المرة الجايه، وأنا الدور علي غدوه احكيلك طفولتي وراح احكيلك سر ماحد يعرفه غيري أنا، وراح تصيري أنت الثانيه، راح أءمنك على اللي ماأمنت عليه وحده من خياتي ولا حتى أمي ولا أي مخلوق.

تحمست رجوه واردفت لها مشجعة :

-أي وانا اريد أسمعك. نلتقي هين بنفس الوقت غدوه؟

- لا.. غدوه انا راح ارافقك للوادي ونقضي اليوم كله مع بعض ولحالنا، انا قصتي كبيره وطويله وماتكفيها ساعه ساعتين، وإذا بدأتها لزوم انهيها لاني مااحب افتح موضوع إلا انهيه.

-تم، غدوه جهزي حالك قبل طلوع الضو تكوني هين جنب البير منتظره، ولا تنسي جيبي معك وكل وقربة مي، الوادي مابه طعام ولا شراب.

-لا تشيلي هم راح أجهز كل شي من الحين، راح يكون يوم ممتع.


غادرت العنود وتركت رجوه تراقبها وهي تشعر براحة غريبة، فهذه المرة الاولى التي يستمع إليها احدهم ولا يوبخها بسبب قرارتها أو تركها لسالم، لا يلومها وينعتها بالفانص، لا يعترض على أي شيء فعلته طوال حياتها، بل وكانت ملامحها تتألم معها حين تمر بذكرى مؤلمة وتحكيها،

 هذه هي المرة الأولى التي تتحدث مع أحدهم وكأنها تحدثت مع نفسها، والرائع أن تُقابل الثقة بثقة والإطمئنان بالإطمئنان.. إنه حقاً لشعور رائع.


يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ريناد يوسف، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة