-->

رواية جديدة رواية في فبضة فهد لهالة زين - الفصل 3 - الخميس 24/10/2024

  

 قراءة رواية في قبضة فهد كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية في قبضة فهد

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة هالة زين


الفصل الثالث

تم النشر الخميس

24/10/2024




جلست ميلا على مقعد في المقهى الصغير أسفل المشفي تنتظر صديقتها وهي  تتأمل الناس وهم يمضون في عجلة من أمرهم  عبر الشارع المزدحم من خلف زجاج المقهي... رفعت يدها لتعدل خصلة من شعرها الأشقر  الذهبي  التي وقعت على جبينها، ثم نظرت إلى الساعة مرة أخرى. 

ميلا : داليدا اتأخرت ليه كدة مش عادتها  ...هكذا فكرت ميلا وهي تتنهد بصوت مسموع.


مر الوقت بطيئًا، وكان كل دقيقة تشعر وكأنها ساعة. أخذت هاتفها لتتفقده، ولكن لم تكن هناك أي رسالة أو اتصال جديد. بدأ التوتر و القلق يتسللان إلى قلبها.


ميلا : يا ترى حصل لها حاجة؟" هكذا همست لنفسها مرة أخري ، قبل أن تُفاجأ بصوت مألوف يناديها من بعيد.


السائق : صباح الخير يا آنسة ميلا!"


رفعت ميلا نظرها، لتجد سائق خالها، عم حسين، يقترب منها بابتسامة مطمئنة.


ميلا : مساء النور يا عم حسين!"  هكذا ردت عليه ميلا وهي تحاول إخفاء توترها.


اقترب  منها وأشار إلى الحقيبة الكبيرة التي كان يحملها. "


السائق : جميله هانم جده حضرتك قالت لي أجيب لك الشنطه ديةبسرعه .... قالت لي إنك مسافرة النهاردة ضروري علشان شغل مهم ... صح كدة بردو ؟"


أومأت ميلا برأسها، وقالت بصوت خافت، "آه فعلا ...بس إيه دخل تيته جميله  أنا كنت مستنية داليدا هي اللي تيجي بيها ، وهي اتأخرت ومش عارفة ليه ما جاتش لحد دلوقت .


ابتسم عم حسين أبتسامة أبوية خالصه مازحا 


السائق : متقلقيش يا بنتي  داليدا  هانم هتيجي أكيد . يمكن بس الطريق زحمة شوية. وبعدين، أهم حاجة إنك تطمني وتاخدي بالك من نفسك."


ميلا : إنت كدة قلقتني  أكتر ياعم حسين إنت عارف حاجه أنا مش عارفاها ...أوعي يكون خالي إتعرض لداليدا 


قهقه الرجل العجوز بصوت صاخب ورد بإحترام مازحا 


السائق: وهي دي حد يقدر عليها يا بنتي ...دي هي اللي إتعرضتله وضربته بالمفك فتحت كرشه وسيحت دمه بس البودي جاردات كانوا هيسلموها للبوليس بس جميله هانم رفضت فأ خدوها للفيلا ...بس جدتك بتقولك ماتقلقيش هي في حمايتها .


ضربت علي صدرها بطريقه سوقيه 

ميلا :نهاره أسود  يعني  الكلام دة ؟؟؟

السائق :إهدي بس يا آنسه ميلا ماحصلش حاجه هي هتسبها والله ... وما تقلقيش علي داليدا هانم دي لحمها مر  إنتي ما شفتيش عملت إيه دي  كسرت الفيلا علي دماغ الشغالين والسيكيورتي و بطحت واحد منهم و شالوه من تحت إيديها بالعافيه بعد الست الكبيره ما صوتت ولمت عليهم كل  الحرس الباقي  ....دي خلت الست إنهارت  لما شافت إبنها هيموت من الدم اللي بينزفه  وهيا واقفلهم  ند بند ومافيش حتي إعتذار ولا نظرة ندم .


أخذت ميلا الحقيبة من يده وقالت بابتسامة خفيفة، "شكرًا يا عم حسين. دايمًا بتطمني."

إندهش الرجل من برود رد فعلها 


السائق : ده واجبي، يا بنتي. لو احتجتي أي حاجة، أنا موجود.بس إنتي مش قلقانه علي  خالك .


ومع كل ما ذكره  هذا الكهل لطمئنتها الا أنها لم تستطع  إخفاء القلق الذي ظل يرافقها، منتظرة داليدا التي لم تظهر بعد.

ميلا :لا خالص هو ابن حلال ويستاهل كل اللي يجراله  ...اللي شاغلني داليدا ...ليه ما ظهرتش لحد دلوقتي.


السائق : أكيد هتيجي يا فندم بس مش دلوقت علشان هي أكيد  روحت تغير هدومها علشان كانت متغرقه دم  بعد الست الكبيره ما هربتها وهي أكيد هتكلمك علطول 


أمائت له ميلا بتفهم ثم انطلقت في طريقها وهي تحاول الاتصال بها مرارا وتكرارا .



❈-❈-❈


في المكتب الواسع ذي النوافذ الزجاجية التي تطل على إحدي أكبر  نوادي المدينة.... كان   يجلس يمان  خلف مكتبه الأنيق الواسع مشغولاً بتصفح بعض الأوراق الهامةالخاصه بالعمل  التي تخص  الصفقه التي سوف يقوم بإتمامها بباريس ،قطع حبل أفكارة الهادئه صوت خطوات ناعمة على الأرضية الخشبية... وعطر أنثوي أخاذ شتت تركيزه للحظة، فرفع نظره ليجد ليل  السكرتيرة الخاصة به... تتجه نحوه بخطواتها الممشوقة... وابتسامتها المفعمة بالإغراء التي لا  تخلو من  وجهها حينما يكونوا علي انفراد .لتردف بصوت ناعم وهي تضع بعض الملفات علي مكتبه 


ليل :صباح الخير يمان .


يمان :صباح الخير يا  ليل ....


رد بهدوء دون أن يرفع عينيه عن الأوراق أمامه 


تقدمت بخطوة أخرى.. ثم وقفت بجانبه وهي تميل قليلاً لتهمس له 

ليل :على فكرة... أنا عرفت إنك مسافر باريس النهاردة .وإنت طول الليل عندي وماقلتليش ...علشان كدة أنا زعلانه 


رفع رأسه أخيرًا... لينظر إليها باستفهام ....


يمان: الصفقه دي مهمه وقررت اتممها بنفسي .


ابتسمت ليل وهي تلعب بخصلات شعرها الطويلةالسوداء  ثم قالت بنبرة دافئة


ليل : إيه رأيك بقى تاخدني معاك المرة دي؟ باريس مدينة العشاق... وأكيد الرحلة هتبقى أحلى بوجودي معاك .


ضرب يمان سطح المكتب بيدة ثم أردف بصوت جاف و بنبرة جادة 

يمان : ليل  دي رحلة عمل ...مش فسحه .


تقدمت ليل  خطوة أخرى وأخذت تقترب منه بطريقة مغرية... قائلة

ليل : طب إيه رأيك نخليها فسحة ...ونفك عن نفسنا هناك شويه .


نظر إليها يمان بنظرة حازمة

يمان لا.... مش هينفع  المرة دي ..وأنا حذرتك قبل كدة ياريت توفري إقتراحاتك لنفسك...وأنا لمت أقرر حاجه تبقي جزء منها هبقي أقولك .


لم تتراجع...بل ابتسمت ابتسامة خبيثة وهي تمسد علي مقدمه قميصه وتفتح أزرارة 

ليل : طب خلاص ما تزعلش مني ... بس طالما مش هتاخدني باريس، على الأقل عاوزة هدية كبيرة بقى تعوضني."


رفع حاجبه مستغربًا ورمقها بنظرة إستفهام


يمان : هدية؟ زي إيه بقى؟


ليل : مش عارفة، حاجة كده مميزة وغالية. يعني ساعة ماركة مثلاً... أو عقد ألماس...إنت عارف... أنا  بحب الحاجات اللي تلفت النظر وخصوصا لحبيبه واحد زي يمان الفهد


دغدغت رجولته بثنائها علي شخصه ولكنه فهم مقصدها فتنهّد   وهو يعود إلى أوراقه ويهندم ثيابه ويبعدها عنه بقسوة للوراء  وقال بنبرة حازمة لكنها ليست خالية من التسلية

يمان :ماتنسيش نفسك يا ليل... إحنا هنا في الشركه ...ودي آخر مرة هحذرك... في  الأول خلينا نركز في الشغل وهشوف موضوع الهديه ده بعدين .

ابتسمت ليل  بخبث وأجابت وهي تتراجع بخطواتها الهادئة... "ماشي يا مستر يمان  أنا واثقة إنك هتفكر في الموضوع." ثم غمزت بعينيها قبل أن تخرج من الغرفة، تاركة خلفها عبق عطرها المميز يعطر المكتب بأكمله هو قميص صاحبه  .


❈-❈-❈


في مطار القاهرة  كان يمان يقف أمام بوابة الصعود للطائرة.. متوترًا وهو ينظر إلى ساعته مرارًا وتكرارا فالطائرة على وشك الإقلاع....ولم يكن هناك أي أثر لابنه يزيد أو أخيه يزن. الجو داخل المطار كان مليئًا بالضجيج، بينما بدأ المسافرون في الصعود وهو لا يحب الانتظار بالزحام حيث قرر السفر مع جروب شركه السياحه حتي يضمن إستمتاع كلا من يزيد ويزن ...ليمسك هاتفه ويقوم بالاتصال بأخيه ولكن كان هاتفه خارج الخدمه ...

يمان : فينهم دول بقا ؟


تمتم يمان لنفسه وهو يحاول الاتصال بأخيه مجددًا، لكن دون جدوى ولكن  فجأة، سمع صوتًا مألوفًا قادمًا من بعيد.


يزيد :يا بــاااابي !!هكذا  صرخ يزيد وهو يركض نحو يمان....حاملا  حقيبه  ظهر ضخمة تكاد تكون أكبر منه بينما  كان يزن يركض خلفه  بأقصى سرعة... محاولاً اللحاق به.

يزن :إستنى يا زيزو  هتقع كده ...وأبوك هيدينا كلمتين في عضمنا ودرس في الانضباط واحترام المواعيد .


وصل يزيد إلى والده... لاهثًا... وابتسم بسعادة بريئة بنبرة متقطعه من اللهاث 

يزيد : بابي... شوفت ....يزن هو اللي إتأخر عشان نسي الباسبور بتاعه  في الفندق ورجعنا تاني نجيبه  ...عاقبه هو لوحدة بقا !"


نظر يمان إلى يزن الذي كان يلهث أيضًا، وهو يحاول التقاط أنفاسه. ليردف بغضب وهو يحاول تجنب الازدحام والضجيج 


يمان :  إزاي  راجل كبير ومسؤول زيك بتنسى الباسبور زي العيل الصغير كدة ومافيش أي أدني إحساس بالمسؤولية؟!"


ابتسم  يزن ابتسامة خفيفة  وهو يداعب شعر الصغير 

وقال

يزن : صراحة يا يمان، كنت مفكر إنه معايا... فكها وعديها بقا يعني مش أول مرة يحصل  معايا كده يا كبير ...ثم نظر الي يزيد وصفعه علي مؤخرة رأسه 

يزن :وإنت بتبعني  لابوك يابن يمان  ؟؟


رد يمان ساخرًا من عدم لا مبالاته ومسؤوليته 


يمان :أيوة طبعا ...ما هو لو كان أول مرة،...كنت هتعجب!"


قاطع يزيد  الحوار بحماسة طفل برئ


يزيد :بابي بابي ...أنا كمان نسيت حاجة...ممكن أرجع أجيبها أنا كمان


نظر إليه يمان باستغراب، ثم سأل بعصبيه متناهيه


يمان :إيه كمان اللي نسيته؟"


أجاب يزيد بابتسامة عريضة وغضب طفولي محبب


يزيد :نسيت أجيب الكاب بتاعي اللي فيه سبايدر مان!"


نظر يمان  الي يزن بطرف عينه ثم تحدث بصوت عالٍ وأمر الحا رس الشخصي المخصص لحمايته بحمل طفله الصغير 


يمان :ورايااااااا...علشان قربت افقد صبري منكوا انتوا الاتنين 


أمر  يزن  الحارس الشخصي بالابتعاد وأحتضن الصغير وأخذ يداعب وجنتيه وهويقبله وأردف 


يزن :ما تزعلش يا حبيبي وأوعدك أول ما هنوصل باريس  هنشتري لك واحد جديد علي زوقك 

أماء له الصغير ثم إحتضنه بحب 

يزيد: بجد يا يزن 

يزن :بجد يا حبيبي 


هذه اللحظة، أتى صوت الموظفة عند بوابة الصعود معلنة أن الطائرة ستغلق أبوابها بعد دقائق.


يزن : يللا يا زوز  الطيارة هتفوتنا وأبوك ممكن يرتكب فينا جنايه وهي مش ناقصه 


قال يزن هذا وهو يركض نحو البوابة، ويزيد يركض بجانبه،يحاولون بلوغ الطائرة  بينما يمان يسير بهيمنه بالمطار وهو يحاور رؤوف عن كيفيه سير  العمل أثناء غيابهم لاتمام  الصفقه القادمه دون أدني أضرار وخسائر  تذكر .


صعدوا جميعًا إلى الطائرة في اللحظة الأخيرة، وبينما كانوا يجلسون في مقاعدهم، نظر يمان إلى يزيد ويزن قائلًا


يمان :ماسمعش صوت حد فيكم لحد ما نوصل...علشان أنا عارف  أنتوا أكتر اتنين ممكن يعملوا فيلم كوميدي من مجرد رحلة طيارة."


رد يزن  بابتسامة ساخرة

يزن :إنت جي تقعد علي قلبنا  وتعد علينا الهوا اللي بنتنفسه ولا إيه يا كبير دا أنا قايلك من الاول إننا  جايين  نتفسح ...وبصراحه بقا  لو مشينا كل حاجة على مزاجك، مش هيبقى فيه أي مغامرات وإحنا ناويين نخربها ....صح يا يزيزو...ومد يده له قائلا 

يزيد: صح يا يزن ....give me 5🫸


ضحك الصغير وقد انفلتت قهقهه عاليه 

يزيد : أنا عاوز مغامرات كتير وصور وذكريات حلوة 


نظر يمان إليهما بقله حيله وهو يتحدث بين أسنانه بغضب 


يمان :عاوزين مغامرات وماله ....أول مغامرة هتبدأ دلوقتي حالا .. مغامرة النوم على الطيارة...ولو سمعت صوت واحد فيكم  هقلب عليكوا وأحبسكوا انتوا الاتنين في الحمام لحد ما نوصل انتوا فاهمين .

ليردا معا بصوت واحد : فاهمين يا كبير .


لينقلب حال هذا اليزن المشاغب عندما يري هذه الجميله الشقراء ذات العيون الخضراء الكريستاليه وهي تتبعهم للداخل فينظر إليه يمان بعدما لمح النظرات اللعوب قد ملأت وجهه فوجه نظرة  حيثما ينظر أخاه ليبتسم بعبث وهو يداعب شفتيه بطرف إبهامه 


جلست ميلا في مقعدها بالطائرة، مستعدة لبدء رحلة العمل الجديدة كمرشدة سياحية مع مجموعة من كبار رجال الأعمال المعروفين لدي شركتها حيث كان الجو في الطائرة هادئًا نسبيا  والركاب يستعدون للإقلاع. رفعت عينيها لترى شخصًا يقترب من المقعد المجاور لها. كان طويل القامة، أنيقًا في ملابسه الرياضيه المجسمه وملامح وجهه الواثقة وشعره الأسود اللامع الذي يحاول أن يجذب إنتباهها به حيث يمسد داخله بأصابعه وهو يتحدث 


يزن : صباح الخير 

ابتسمت له باحترافية بتلك الابتسامة التي تعوّدت عليها في تعاملها مع السياح الأجانب دائما 


ميلا :صباح الخير ....قالتها  له ميلا بلباقة بالغه وبمهنيه شديدة وهي تشير إلى المقعد بجوارها....إتفضل يا فندم إزاي أقدر أساعد حضرتك 


ابتسم لها بابتسامة ساحرة، وقال بصوت هادئ عابث 

يزن : أنا يزن ... وأشار الي الصغير ودة يزيد صاحب الرحلة دي اللي عاوزين نفسحه .... أنتِ ميليا .... صح؟ المرشدة السياحية اللي الكل  هنا بيتكلم عنها."


ضحكت ميلا بخجل طفيف، وأردفت 

ميلا : آه، بس مش للدرجة دي يعني....ماتخلنيش آخد مقلب في نفسي يا أستاذ يزن 


جلس يزن بجوارها وقبل  بداية حديثهم أشار الي الصغير ليأتي راكضا إليه ثم عرفهما  الي بعضهما ليردف بعبث محبب 


يزن : دة بقا يزيد الفهد  نمس عيله الفهد ...ليردف الصغير مازحا 

يذيد :إنتي حلوة أوي يا  ميليا شبه عرايس البربي

إبتسمت بخفه علي مزاحه المحبب الي قلبها لتقف قبالته ثم تنحني لتصل إلي طوله وتمسد علي وجهه وشعره

ميلا :إنت كمان جميل أوي يا أستاذ يزيد ...غمز لهل يزن بعبث

يزن: مش قلتلك نمس 

إبتسم يمان بخفه علي خفه ظل طفله الصغير التي اكتسبها مؤخرا من يزن ...ليتبعهم رؤوف ويجلس بجانبهم تاركين  يمان وحدة بينما عيونه  تراقبهم  وتترصد بصمت.


بدأت شرارة خفية تتسلل إليه  ...حتي هو لم يكن واعيا لها ...كان يتابع حديثها عن قرب وهو يتأملها من خصلات شعرها الذهبيه الي حذاء قدمها الرياضي المريح .... كما كان دور للضوء الخافت  المنبعث من نافذة الطائرة  الذي تسلل ببطء، وانعكس على وجهها بشكل جعل من ملامحها تبدو كلوحة فنيةفائقه الجمال ...لم يكن بحاجة إلى كلمات ليعبر عن إعجابه بهذه الفاتنه  كل حركة منها كانت بالنسبة له أغنية صامتة تعبر عنها .....بدأت عيناه تتنقل ببطء على تفاصيل وجههافشعرها الذهبي اللامع الذي انسدل بعفوية على كتفيها، كان يبدو وكأنه يمتص الضوء ليعطيه وهجًا خافتًاوكل خصلة منه تحكي قصة مختلفه عنها ...وآه من عيناها ... عميقتان كبحر هادئ، تجذبانه دون أي مقاومة ...فكلما رفعت نظرها  ونظرت تجاهه تجده يحدق بها ببلاهه ...لا يعلم لما كان قلبه يخفق بهذه السرعة..بمجرد ما إن شرد بوجهها قليلا .

تعمدت ميلا النظر إليه والتحديق له عندما وجدته ينظر إليها ويركز نظرة فوقها أحيانا وأحيانا أخري يتأمل أماكن حساسه بجسدها لينتبه الي حاله ويرتدي نظارة الشمس خاصته بكل عنجهيه وتكبر وينظر الي الجهه الاخري ...ولكن كان فات الاوان فقد  لفت إنتباهها وحدث ما حدث .


إرتبك قليلا فكان هناك شيء في تلك النظرة التي رمقته بها فهي كانت  خليط من البراءة والقوة، يجعله يشعر أنه في حضرة شخص ليس كأي أنثي  قابلها من قبل . عينان قد  تحملان معها  الأحلام والآمال  والقصص التي لم تروَي بعد.


بعد وقت ليس  بالكثير جاء أحد أفراد شركه السياحه ليتملق هذا اليمان بتفاخر 

سمير :عامل أيه  يا يمان بيه ...إحنا جهزنا لحضرتك بروجرم هايل لأستاذ يزن والفهد الصغير يزيد  بيه تحب حضرتك تتطلع عليه 


ركو  يمان نظرة  الي ميلا ثم أعاد  نظره  الي سمير بنظرة تساؤل ففهم هذا المتملق هذا الوغد زير النساء  فجلس بجانبه دون أن يأذن له 


سمير :ميلا بنت هايله في شغلها...أسمها ميليا بس معروفه بينا بميلا  ...و هتتعبك يا أفندم لانها مش شمال خالص  ...ودي مش سكتها ...خريجه فنون جميله والدها متوفي وعندها أخ مريض بالسكر وأم مريضه بالسرطان وبتتعالج بجلسات كيماوي ...بتشتغل معانا في الشركه من وهي طالبه لانها بتتكلم  اللغه الفرنسيه بطلاقه  ووقت فراغها  بتشتغل مع والدتها من البيت بتعمل تصميمات لفساتين سهره وسواريه  وبتبعهم للناس الهاي كلاس ....ثواني أعرفك عليها 


أماء له يمان بالموافقه فهب واقفا مناديا لها لتترك الجميع وتأتي حيث يجلس يمان بكل غطرسه ويردد بنفسه إسمها 


سمير :ميلا أحب اعرفك يمان بيه صاحب الفهد جروب موتورز  ....ومن أكبر العملاء عندنا اللي دايما بنتعامل مع  الكرو بتاع شركته .....أمائت له ميلا بإحترام شديد 

ميلا :أهلا بحضرتك يا أفندم ...سعيدة إني اتعرفت علي حضرتك ...أنا ميليا الشمري هكون من يزيد ويزن بيه انشاء الله وإنشاء الله هتكون رحله سعيده .


أماء لها برأسه دون حديث 

كانت ستعود الي مقعدها فتحدث ولاول مرة لا يعلم ماذا يقول إلا أنه لعن غبائه علي تسرعه 

يمان : آنسه ميلا 

حمحمت له باحترافية وتساؤل عن معرفه هذا الاسم ..فهم مقصدها ونظر الي سمير ليردف سمير 

سمير :ميلا ...من أشطر tour guides اللي عندنا وخصوصا إنها قعدت فترة كبيره في فرنسا ....إقعدي يا ميلا علشان يمان بيه عاوز يعرف البروجرام هيمشي إزاي .


أمائت له بإبتسامه هادئه وجلست بجانبه بعدما استأذن سمير بالانصراف للانضمام للجروب الاخر المصاحب له .


أخذت تتحدث وتشرح ولكنه لم يستمع منها لاي كلمه بل كان كل الارتكاز علي بشرتها الخمرية، الناعمة كحبات الحرير، كانت مضاءة بنعومة الضوء. كان يراقب كيف تتحرك شفتيها برقة وهي تقرأ هذه الورقه أمامها ، وكيف ترتسم ابتسامة خفيفة على زوايا فمها عندما تثيرها خطه طسوف تتبعها خلال الأيام المقبله ... تلك الابتسامة الصغيرة كانت قادرة على إشعال قلبه وهو لا يعلم لماذا ...حتى أنفها الصغير، الذي رآه مثاليًا بتفاصيله البسيطة، كان له تأثير خاص علي إبراز  تفاصيل ملامح وجهها الجميل . كان ينظر إليه ويتأمل كيف يتحرك بخفة مع كل نفس تأخذه، كأنها قطعة فنية منحوته بدقة.


أما يديها، فكانتا عالمًا آخر. أناملها الطويلة الرقيقة، وهي تقلب الصفحات بحذر، كانت تبدو وكأنها تلامس العالم بكل حذر، وكأنها تخاف أن تكسره. فشرد للحظه وكأنه يتمنى أن يمسك بتلك اليد وأن يشعر بحرارتها، أن يضعها على قلبه ليُخبرها دون كلمات كم هو معجب بها بل أفتتن بهذا الجمال الذي نعته بالخطير علي قلبه لم يكن مجرد جمالها الذي يجذبه، بل تلك التفاصيل الصغيرة التي لا يلاحظها أحد غيره. تلك الحركات العفوية، والنظرات الخفية، والابتسامات الصامتة. كل شيء فيها كان يروي قصة حب سوف تبدأ بعد

كان كلما تأملهاأكثر كان يشعر معها بأحاسيس تولد لأول مرة بعد وقت طويل من إنعدامها وعدم الثقه بها فشعر  كأن كل دقيقة معها هي لحظة جديدة من الدهشة والانبهار والولوج بطريق يعلم هو وحدة  نهايته جيدا وهو كيف يجعلها من نسائه .


ميلا :أنا خلصت يا يمان بيه ...

كان هذا صوتها بينما كان الحديث عادياً لكن كان هناك شيء مختلف، شيء أشعل التوتر حيث دق قلبه حينما فقط ذكرت أسمه .حمحم ثم نظر اليها متملقا إياها 


يمان : يعني، واضح إنك شاطرة في شغلك. أول مرة أتعامل مع مرشدة شكلها فاهم كل حاجة، وكمان... لطيفة كده." قالها بنبرة مغازلة غير مباشرة، وهو يحدق بنظره إلي  عينيها.


شعرت ميلا بنبض قلبها يزداد. كانت معتادة على المجاملات، لكن هذه المرة كانت مختلفة. نظرت إليه وهي تحاول الحفاظ على هدوئها المهني.

ميلا : شكرًا، دا من ذوقك. بس أنا شغلي هو اللي بيخليني دايما أكون كده."


رد عليها بنظرة عميقة

يمان  : "أكيد ...أنا واثق من دة 


شعرت ميلا بارتباك داخلي، لكنها حاولت تجاهل ما يجول في خاطرها.

ميلا : أنا هرجع مكاني علشان أبلغ  يزن بيه بالبروجرام وكيفيه سير الرحله 

يمان :مش وقته ...خليكي... كل حاجة عاوزاها هتحصل  بس دلوقتي خليكي .


ابتلعت ريقها بخجل وهي تعيد ظهرها للخلف وتحاول أن تبعد نظرها عن مرمي سهام نظراته إلا أنه لن  يترك  فريسته أبدا  فتبادلوا النظرات، ومع كل كلمة كانت تنطقها، كانت هناك شرارة غير مرئية تزيد قوة بينهما. تلك اللحظة الصغيرة في الطائرة لم تكن مجرد صدفة، بل كانت بداية لقصة حب قد تبدأ بشكل غير متوقع..حتي هو لم تكن بحسبانه أن تبدأ وهنا ....في داخل الطائرة، وبين أصوات المحركات والمقاعد المزدحمة....حيث كان هناك عالم صغير يتكوّن بين ميلا ويمان، مليء  بالحيره والاحتمالات والتوقعات.غير مدركين أن هناك ماضي يربطهما معا منذ زمن ليس بالبعيد قد يجرهم لحرب قاتله يدافع كل منهما علي جيشه الفقيد داخل حرب الماضي هذه.


استأذنته هي لتجلس بجوار النافذه فسمح لها بكل طواعيه وأخذت تتابع خط سير الطائرة فوق المحيط  بينما تمسك بفنجان قهوتها التي قدمته لها المضيفه للتو فتاره تنظر من النافذه وتاره تحدق في سائل القهوة  الداكن، تحاول تجنب نظرات يمان التي كانت تراقبها بصمت. بينماالهواء كان مشبعًا بشيء من التوتر الهادئ، مشاعر غير مرئية تتسلل بينهما دون أن يتحدث أحدهما.


رفع يمان كوبه ببطء، ونظر إليها بنظرة ثابتة، كما لو كان يقرأ أفكارها. كان هادئًا، باردًا في مشاعره على السطح، ولكن خلف تلك الواجهة الباردة كان هناك شيء أعمق، شيء جذب ميلا بشكل لم تكن تستطيع تفسيره.


يمان :إنتِ ليه ساكتة كده؟ أنا أعرف أن مرشدين السياحه دول ما بيبطلوش كلام ...ونظر الي هذا المتملق البعيد ....وسمير دة أكبر مثال ....قالها يمان أخيرًا بصوته العميق ليفتح مجالا للحديث معها 


شعرت بوجهها يشتعل خجلًا. كانت تحاول أن تتجنب الحديث عن ما يدور في ذهنها، ولكن طريقة يمان في الكلام، تلك الثقة التي تملأ صوته الهادئ، جعلتها تشعر بالارتباك. حاولت أن ترد عليه دون أن يظهر خجلها: 

ميلا : أنا؟ لا، مفيش... بس يمكن علشان إحنا في الجو 


رفع يمان حاجبه قليلًا، وكأن إجابتها لم تقنعه. "وقال بنبره مغلفه بشئ من السخريه 

يمان  : يعني الجو  هو السبب؟ دة إنتي وأنتي معاهم وأشار الي أخيه وطفله  ورؤوف ...مابطلتيش كلام وضحك وهزار 


شعرت ميلا بنبضات قلبها تزداد. لم يكن الحديث عاديًا، كان هناك شيء في أسلوبه يجعلها تشعر بأنها مكشوفة تمامًا أمامه، كأنها لا تستطيع إخفاء أي شيء. حاولت أن تغير الموضوع، لكنها وجدت نفسها عاجزة عن ذلك.


ابتسم يمان ابتسامة صغيرة، وكأنه كان يعلم تمامًا تأثير كلماته عليها. 

يمان : إهدي ...إنتِ على فكرة مش محتاجة تقولي أي حاجة


شعرت بالحرج ثم نظرت  إليه، ووجدت نفسها تشعر بانجذاب غريب لهذا الشخص الذي يبدو باردًا في الحب، ولكن غموضه كانت يغلف شيئًا مغريًا. تأكدت  أنها منجذبة له بطريقة لا تستطيع تفسيرها. رغم بروده الظاهر، كان هناك جاذبية في شخصيته، في غموضه، في صمته، في تلك النظرات التي يرسلها نحوها دون أن يحاول التودد بطريقة تقليدية.


أخذ  يمان رشفة من قهوته ونظر إليها بنظرة ثابتة، ثم قال ببساطة

يمان :حاولي تفكي أنا مش هاكلك علي فكرة 


كانت كلماته كافية لتجعل ميلا تشعر بأنها عارية تمامًا أمامه. شعرت بأنها لا تستطيع مواجهته، فحولت نظرها بسرعة إلى المحيط الذي ينساب بهدوء من النافذه. لكن حتى مع هروبها، لم تستطع إنكار الانجذاب الذي بدأ يتسلل إلى قلبها، شيئًا فشيئًا، رغم كل محاولاتها للتجاهل.


كان يمان مثل لغز، بارد في ظاهره، ولكن في أعماقه كان يحمل شيئًا معقدًا وجذابًا. ومع كل لحظة تقضيها بجانبه ، كانت تجد نفسها أكثر تورطًا وتفكيرا به ، رغم أنها تعرف أن هذا النوع من الحب قد يكون الأخطر.


بعد فتره ليست بقليله  نظر رؤوف  إلى يزن الذي يقف أمامه بوجه متحمس ومستعد للتحرك.

رؤوف : إنت رايح فين يا يزن؟" سأل رؤوف بنبرة تحمل مزيجًا من الفضول والريبة.


توقف فجأة وأدار رأسه بعد أن كان علي وشك التحرك وأردف بابتسامة عريضة. 

يزن : "رايح عند يمان والسحليه الشقرا اللي شقطها مننا وهي قاعدة وسطينا بإشارة من صباعه الصغير .


رفع رؤوف حاجبيه وكأنه اكتشف شيئًا خطيرًا، ثم قال ببطء: رؤوف  :  إنت متأكد إنك عاوز تروح عند يمان دلوقتي  ؟"


نظر إليه باستغراب وقال: 

يزن  :أيوة طبعًا! ..لازم أنكد عليه ..زي ما بيقطع علينا ...فيها لاخفيها.


ابتسم رؤوف ابتسامة خبيثة وقال

رؤوف :  "لأ، بلاش تقطع عليه المرة دي ...

يزن : إشمعنا المرة دي يعني ...هو في مشكله فيا  ولا إيه 


رؤوف : المشكلة مش فيك... المشكلة في يمان نفسه .


ضيق يزن  عينيه، مشوشًا بما يقصده رؤوف، وسأل بمغزي 

يزن : "يمان؟ إيه اللي فيه؟ هو كويس مش كدة ...صح؟"


تنهد رؤوف بعمق، ثم وقف من كرسيه وتقدم نحو يزن بخطوات بطيئة... فإبتسم يزن وهو يستعد لسماع شئ علي ما يبدو إنه  كبير وخطير .


يزن : قول يا عم، إيه اللي حصل؟" تنهد بخبث وأردف 


يمان : بص  لاخوك  كدة ...بص  بيبص عليها إزاي ...ده هيكولها بعنيه ...وكل شويه يبصلنا يشوفنا بنبص عليها ولا لا ...باين كدة أخوك طب ولا الهوي اللي رماه "


تجمدت ضحكة يزن في حلقه بغير تصديق 


يزن : نعم ...إنت بتتكلم عن  "مين " .....قال وهو يشعر بتوتر مفاجئ. وينظر الي الفاتنة التي كان يسعى إليها منذ قليل لتقابله نظرات أخيه المليئه بنظرات شرسه مليئه بلمحات من الغيرة  المحببه التي جعلته  يتراجع وتؤكد حديث رؤوف ...فغمز له في صمت وأردف  بصوت ضعيف لا يسمعه الا كليهما

يزن :الله يسهلوا يا عم .


في فيلا آدم الشمري 


في غرفة مظلمة بإضاءة خافتة، كانت داليدا تقف متأهبة، أنفاسها تتسارع بعد لحظات من الفوضى التي أحدثتها بالغرفه..ليستيقظ هذا الوغد الذي كان نائما إثر التعب والمسكنات التي هدأت ألم جسدة قليلا .


داليدا :  هتفضل حابسني هنا إنت وبودي جارداتك كتير يا أستاذ إنت .


خرج من الفراش ثم إنحني  ممسكًا بيده على جانبه حيث الجرح الذي أصابته به هذه الشرسه فتأوه من الالم ....وكأن آنته  جعلت الغرفة مليئة بالتوتر، وكأنها في لحظة من التوقف، ينتظر كل منهما ما سيحدث بعد ذلك.


صرخ آدم بصوت مملوء بالألم، وهو يحاول أن يسيطر على الجرح حتي لا ينزف مرة أخري 


آدم  : إنتِ مجنونة صح ؟!" 

نظرت إليه بنظرة مليئة بالتحدي والجرأة، رغم أنها لم تكن واثقة تمامًا من خطوتها التالية. 

داليدا :مجنونة؟!  انا مجنونة ؟ ده انت  هتشوف الجنان علي حق بعد ما اطلع من هنا ...إن ما كنت أحبسك وأفضحك بعدللي حاولت تعمله معايا  مابقاش أنا ديدا .


حاول آدم  أن يتماسك، لكن الألم كان يزداد مع كل حركةويحركه الي أقصي درجات الغضب . 

آدم : يعني إنتِ فكرتي إن الطعنة دي هتوقفني عن اللي أنا عاوز أعمله ....قالها  وهو يحاول الاقتراب منها، لكن خطواته كانت بطيئة ومرهقة.


رأت الضعف في عينيه، وعدم قدرته علي الحركه والالم فإستغلت نقاط ضعفه ولعبت علي أوتارها فابتسمت بخبث


داليدا :"آه، واضح إنها هتوقفك تمامًا....ووشكلها هتشلك كمان ...شكلك مش هتقدر حتى تواجهني وتقف أدامي  دلوقتي!"


حاول آدم أن يظهر القوة والصلابة، لكن الحقيقة كانت واضحة. كلما حاول الاقتراب منها، كان الألم يجبره على التراجع 

آدم : لسه الموضوع ما خلصش... أنا مش هسيبك ..وهدفعك تمن اللي عملتيه غالي أوي ."


استندت داليدا  على أحد الجدران وقالت بنبرة ساخرة: داليدا : بجد؟ هتعملي إيه يعني...بس نصيحه مني قبل ما ترد فكر علشان مصلحتك الأول لاني مش هرحمك والجرح الهايف اللي مش مخليك قادر تقف علي رجلك ده  ده هخليه جرحين ....هشخرمك يابن الشمري ...ثم ضحكت ضحكه رقيعه عابثه تتخللها السخريه .


صرخ  آدم بقوه  وهو يضغط على الجرح

آدم : إنتِ دايمًا كده....لسانك طويل ... تفتكري إنك أذكى مني يا بيئه يا تربيه الشوارع ."

صكت علي أسنانها من الغضب علي تعمد إهانتها الدائم 


داليدا :طبعا أذكي ولساني مش هو بس اللي طويل   ... دراعي  أطول منه بكتير وعلطول سابق لساني بمراحل  ...ومابيسميش علي حقي وعلي إهانتي ... وأنت أكتر واحد عارف دة دلوقتي 


تحرك بخطوات ثقيلة نحوها، لكن داليدا، التي لاحظت ضعفه، استغلت الفرصة. بسرعة البرق ودفعت الطاولة الصغيرة التي كانت بجانبها نحوه، ما جعله يفقد توازنه ويقع أرضًا.


داليدا : أنا بقول كفاية عليك كدة المرة دي ... شكلك خلاص مش قادر تكمل. فكر في الموضوع، إنت حرفيًا واقع على الأرض...فكل ما تحاول تقربلي تاني ...إفتكر إنك إنت اللي تحت رجلي وهنا في قلب بيتك يا آدم بيه ... قالتها وهي تضحك بسخرية لثير حنقه 


آدم، وهو مستلقٍ على الأرض، حاول أن ينهض ولكنه شعر بالألم يشتعل في جسده. 

آدم :إنتِ... مش هتهربي مني ...مش هتعرفي أصلا ...هقوملك وهتشوفي وهتعيشي في جحيم هيخليكي تتمني الموت علشان بس في يوم وقفتي أدامي. 


داليدا اقتربت منه وهي تمسك بحقيبتها وتضعها على كتفها، ثم انحنت بجواره وقالت بنبرة تهكمية

داليدا : "بص بلاش كلام كتير إنت مش أده  ...علشان أنت المفروض ترتاح دلوقتي...نظرت اليه بحزن يظهر مدي الخزي الذي تعرضت له علي يدة ..ثم أردفت ... هتحتاج مساعدة طبية هطلبلك السكيورتي بتوعك يساعدوك قبل ما تفكر تخطف حد تاني."


حاول آدم  أن يرفع يده ليمسك بها، لكنها تحركت بخفة بعيدًا عنه. 

داليدا : سلام يا آدم بيه خلي بالك من الجرح ده. سمعت إنه ممكن يقعد معاك فترة  وبسيب ندبه كبيره لو  مالحقتوش بالاسعافات وعملتلوا تجميل 


غادرت الغرفة بخطوات واثقة، تاركة خلفها آدم المرهق الذي لم يستطع فعل أي شيء سوى التحديق في الباب الذي أغلق خلفها مع صرخاته المتألمه  التي تهز الغرفه.


آدم :آه يا بنت......الحقوها يا بهايم ياللي بره .


كانت السيدة جميلة  والده آدم تجلس في غرفة الجلوس الكبيرة، حيث يملأ المكان هدوءٌ غريبٌ، لكنه لا يُخفِي التوتر الذي كان يخيم على البيت. فإتجهت الي الغرفه التي إستضافت بها داليدا فلم تجدها وسألت الخادمات أخبروها أن آدم قد استيقظ وأمر السكيورتي  بإحضارها للغرفه فجرا ...فشعرت  بأن شيئًا ما غير عادي قد حدث مع ابنها آدم ...لتستمع الي ما يحدث بينهم بالغرفه فأيقنت أن هذا الادم يكن مشاعر  مخفيه لهذه الفتاه .....

بعد برهه وجدت  هذه الهرة الشرسه تخرج من الغرفه وتقف أمامها بتلك النظرات المليئة بالغضب والتحدي في آن واحد ....حيث كانت جميلة تعرف ابنها جيدًا، وتعرف أن هذه  الداليدا قد وقفت أمامه بشجاعة نادرة، وهو ما جعلها تحترمها، رغم كل ما حدث....فأردفت بهدوء للخادمه 


جميله :أطلبي له دكتور وجدي  بسرعه وحد يدخل يساعده .


خرجت داليدا من الغرفة بسرعة، وملامح التوتر ما زالت مرسومة على وجهها، لكنها توقفت عندما رأت السيدة جميلة. كانت تعرف أن عليها أن تكون حذرة، فهي أم آدم، وقد تكون العقبة الأخيرة أمام خروجها من هذا البيت.


جميله : داليدا....مش داليدا بردو ....أمائت لها بإيجاب ...لترد عليها بنبره هادئه ...طب استني شوية قالتها  السيدة جميلة بنبرة هادئة وهي تنظر إليها بعينين تملؤهما الحنان والحكمة


لتتوقفت داليدا عن الحركة ونظرت إلى السيدة جميلة بحذر، لم تكن متأكدة مما تخبئه لها هذه المرأة.


جميله : إنتِ بنت قوية أوي يا ديدا ...مش أي حد يقدر يقف قدام آدم ويتحداه كدة .... قالت السيدة جميلة وهي تقترب من داليدا ببطء.


صدمت هي من رده الفعل الهادئه هذه بعدما كانت تتوقع أن تجد مقاومة أو لومًا فشعرت بالدهشة لوهله ثم أردفت 

داليدا : أنا بس... كنت بحاول أحمي نفسي ...هكذا ردت بصوت منخفض، وهي تحاول أن تفهم ما إذا كانت السيدة جميلة تقف إلى جانبها أم لا.


ابتسمت السيدة جميلة، وأشارت بيدها نحو الأريكة. 

جميله : تعالي اقعدي شوية. لازم ترتاحي قبل ما تروحي."


ترددت داليدا   للحظة، لكنها في النهاية جلست، وما زالت عيناها تتنقلان بحذر بين الباب والسيدة جميلة.


جميله : أنا عارفه إن آدم  زودها لما أمر رجالته يجبوكي هنا غصب عنك ....أنا نفسي مستغربه ومش هكدب عليكِ. هو مش سهل أبدًا... بس إنتِ عملتي اللي كان لازم يتعمل. وأنا بقدر ده"، قالت جميلة وهي تجلس بجانبها، واضعةً يدها على كتف داليدا بحنان.


داليدا شعرت براحة غير متوقعة، لكنها ما زالت متوترة.وتريد الخروج من هذا السجن حتي تنال حريتها وتشعر بالراحه قليلا وتستطيع أن تتنفس لتردف بصعوبه 


داليدا :أنا مش عارفة هو عمل معايا  كده ليه ... ودايما لما بيشوفني بيحاول يستفزني ويهيني ...أنا عارفه بعد اللي عملته فيه  هو مش هيسيبني بسهولة. أكيد هيحاول يعمل حاجة تانية.


أومأت السيدة جميلة برأسها وقالت.

جميله :عارفة وإطمني  أنا مش هسمح له يأذيك أكتر... بس لازم نتصرف بسرعة دلوقتي ...علي ما أقدر اتصرف معاه . تعالي معايا."


وقفت السيدة جميلة وبدأت تمشي نحو الممر المؤدي إلى باب خلفي للبيت، وداليدا تبعتها دون أن تنطق بكلمة واحده . كان المكان هادئًا تمامًا، لا صوت سوى خطواتهما على الأرضية الخشبية.


عندما وصلتا إلى الباب، توقفت السيدة جميلة والتفتت إلى داليدا. 

جميله :بصي، أول ما تطلعي من هنا، لازم تمشي بسرعة وما تبصيش وراكي. أنا هحاول أشغله لحد ما تبعدي. وإياك تسيبي له فرصة إنه يلاقيكي اليومين دول لحد ما أكلمك .....وما تقلقيش علي ميلا أنا بعتلها السواق وهخلي حد تبعي يستني مع إيف في المستشفي ... ووصيت والدتك علي يوسف وقلتلها إنك مسافره تبع شغل مهم خدي التليفون دة خليه معاكي  وروحي العنوان دة وأنا هتواصل معاكي منه وتقدري تبقي تكلميني تطمني علي إيف رقمي متسجل عندك وكمان تقدري تكلمي منه ميلا زي مانتي عايزة.


نظرت داليدا إلى السيدة جميلة بتردد. 

داليدا :إنتِ ليه بتعملي كده؟ هو ابنك في النهاية."


ابتسمت السيدة جميلة بحزن وقالت

جميله :لأن الحق حق، وحتى لو كان ابني، لما يغلط لازم حد يوقفه. أنا مش هسمح له إنه يأذي حد تاني....زي دلوقتي ماهو بيأذي أخته وبنت أخته وبيظلمهم وباعدهم عنه وبدل هو ما يحميهم سايبهم ملطشه لليسوي واللي مايسواش وواخد منها كل ورثها من أبوها الله يرحمه ...بس إنتي مش زي أي حد... إنتِ قوية، وأنا بحترمك عشان كده."


ابتسمت داليدا بابتسامة خفيفة، وكأنها وجدت أخيرًا شخصًا يقف إلى جانبها في هذا المكان الغريب. 

داليدا : شكرًا... مش عارفة أقول إيه."


جميله : ماتقوليش حاجة. بس خلي بالك من نفسك

هكذا  قالتها  السيدة جميلة وهي تفتح الباب ببطء.


خرجت داليدا إلى الخارج، والهواء البارد لفح وجهها. نظرت حولها للحظة، ثم بدأت تركض دون أن تلتفت إلى الخلف، تاركة وراءها ذلك البيت وكل ما فيه من ذكريات ثقيلة علي قلبها متجه الي العنوان التي أعطتها إياه 


السيدة جميلة ظلت واقفة عند الباب، تراقبها وهي تبتعد. تنهدت بعمق، ثم أغلقت الباب ببطء، وعادت إلى الداخل، حيث تعلم أن المواجهة مع آدم قادمة لا محالة.


هبطت الطائرة بسلام في المطار، حيث امتدت الأرض تحت عجلاتها ببطء. من النافذة، كانت ميلا تراقب مشهد المطار المكتظ بالطائرات، والأشخاص الذين يتحركون بسرعة هنا وهناك، كأنهم في سباق مع الزمن. شعرت بتوتر خفيف، لكنها حاولت إخفاءه، خاصة بعد تلك الرحلة التي كانت مليئة باللحظات الغريبة بينها وبين يمان.


يزن ويزيد، ورؤوف اللذين كانوا  يجلسان في المقاعد الخلفية  قاموا  على الفور وأخذا يتجادلان بشأن من سيخرج أولاً من الطائرة.فقال يزن بإبتسامه ساخره 

يزن : يزيد ، إنت لسه طفل، أنا اللي هنزل الأول 


نظر إليه يزيد  الذي لم يكن ليتقبل الهزيمة بسهولة، ورد بسرعة طفوليه :  "طفل إيه ..انا فهد كبير ...إنا هسبقك ومش هخليك تعرف تخرج من الطيارة حتى!"


ضحكت ميلا بصوت خافت وهي تسمع جدالهما الطفولي، ثم نظرت إلى يمان الذي كان يجلس بجانبها بصمت كعادته في السويعات القليله الماضيه ووجهه لم يُظهِر أي انفعال حيث كان يمان طيله الرحله هكذا، باردًا وهادئًا، لكن  مع نظراته المبهمه الغير مفهومه شعرت ميلا بشيء مختلف، شيئًا لم تستطع تفسيره وتفسير ما يفعله بها .


بعد أن خرجوا من الطائرة وجمعوا أمتعتهم، كانت ميلا تنظم الأمور كما اعتادت وهي تحمل حقيبتها الصغيره .


ميلا : طيب يا جماعة، العربية بتاعتنا مستنيانا بره، هنروح على طول الفندق. استعدوا عشان الرحلة لسه طويلة


يزن ويزيد  ورؤوف لم يهتما كثيرًا بالتفاصيل، فقد كانا مشغولين بالحديث عن الأماكن التي سيزورونها والبروجرام الذي أعدته  لهم هذه الحسناء ...ليردف يزيد بحماس 

يزيد : عايزين نروح برج إيفل الأول، صح

رد عليه يزن وهو يمسد علي شعره 


يزن : أكيد هنروح  بس أنا عاوز أروح أول مطعم بدايه كدة علشان  أنا جعان جدًا....ولو إستنيت شويه كمان ...هآكل دراعك الحلو دة .


ابتسمت ميلا وهي تراقب مزاحهم المحبب ، لكن ما أن التفتت إلى يمان حتى وجدت مفاجأة تنتظرها.


قال يمان بنبرة هادئة لكنها عازمة

يمان : ميلا ...هتروحي معايا  في عربية تانية."


نظرت إليه بدهشة. 

ميلا : عربية تانية؟ ليه؟ عربيه الشركه جاهزة  بره وكلنا هنروح سوا 


رفع يمان حاجبه قليلاً، وقال ببرود: 

يمان :أنا رتبت حاجة خاصة. العربية مستنيانا بره.وإنتي  هتيجي معايا."


اردفت بتردد يشوبه بعض الخجل 

ميلا : بس أنا لازم أبقى مع المجموعة. دي شغلتي إننا نتحرك سوا."


ابتسم يمان ابتسامة خفيفة، تلك الابتسامة التي تحمل الكثير من الغموض والتي قليلا ما ترتسم علي وجهه  وقال

يمان : المرشد السياحي مش هيضيع لو اتحرك شوية بعيد عن المجموعة. ..وبعدين ما تقلقيش هنكون في نفس المكان في الآخر بس إنتي معايا وسمير معاهم .


نظرت ميلا حولها، محاولة أن تجد طريقة للخروج من هذا الموقف الغريب، لكنها شعرت بأن يمان لا يقبل الرفض بسهولة.


ابتسم يزن بعبث وهو  الذي كان قد سمع الحديث بأكمله فقال مازحًا

يزن : أيوة يا ميلا، سيبيه ياخدك بالعربية التانية. هو كان جيبنا علشان يفسحنا بس تقريبا كدة نسينا وعاوز يتفسح هوة لوحده ...علشان كده رتب رحلة خاصة ومرشده سياحيه خاصه وبدل ما يجيبك معانا بلانا بالزفت سمير دة اللي شبه دادا فاطمه .


ضحكت ميلا بارتباك وقالت 

ميلا : انا تحت أمرة طبعا  طالما تحت قواعد الشركه بس أصل دي أول مرة تحصل، مش متعودة إني أتخلف عن المجموعة وأكون مرشدة سياحيه خاصه بحد 


نظر إليها يمان بثبات، ثم قال بصوت حازم

يمان :فيه أول مرة لكل حاجة يا آنسه ميليا ... ثم نظر لأخيه نظرة الجمته .....آنسه ميليا هد....وكأنه فهم مغزي حديثه وهو يأمره بأنه لا يلقبها بإسم دلالها 


يزن :طبعا آنسه ميليا ...


وأمام إصراره، لم يجد يزن الا الانصراف واتباع سمير المتملق ...أما ميلا لم تجد خيارًا سوى الموافقة. فخرجت مع يمان من المطار، حيث كانت سيارة سوداء فخمة تنتظرهما. فتح لها الباب بنفسه، وهي تشعر بمزيج من الفضول والتوتر.


ركبت السيارة وهي تحاول أن تبدو مرتاحة، بينما جلس يمان بجانبها، محاطًا بهدوئه المعتاد. السيارة انطلقت ببطء، تاركة خلفها الضوضاء والزحام لتردف بنبره فضوليه محاوله كسر الصمت المريب بينهم .


"إيه بقى الفكرة؟ ليه العربية الخاصة دي؟" 


نظر إليها يمان للحظة، ثم قال ببساطة

يمان :حبيت أخد وقتي بعيد عن الزحمة. وأنا أستحق أجازة فيها  شوية هدوء بعد كل الشغل اللي بشتغله. 


شعرت ميلا بأن

هناك شيء أكبر من مجرد الهدوء الذي يحاول أن يأخذه فهو منذ أن رآها وهو يحاول أن يستحوذ علي روحها  وق

نجح فقد  شعرت أنها تنسلت منها رغما عنها لكن لم تكن واثقة تمامًا من دوافعه فمع كل لحظة في تلك السيارة، كانت تشعر بأن الموقف ليس كأي موقف آخر مر بها بحياتها ولكن هي حياه تستلذ بتجربتها مع هذا الغامض لأول مرة وتمشي بطريق لا تعرف نهايته 


يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة هالة زين، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة