رواية جديدة رواية في فبضة فهد لهالة زين - الفصل 6 - الخميس 24/10/2024
قراءة رواية في قبضة فهد كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية في قبضة فهد
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة هالة زين
الفصل السادس
تم النشر الخميس
24/10/2024
في غرفة الاستجواب المضيئة بضوء بارد في مركز الشرطة الفرنسي، جلست ميلا على الكرسي المعدني، ترتجف بصمت، تحدق إلى الأمام. بجانبها، يجلس ضابط فرنسي خلف مكتبه الخشبي، يمسك بقلم ويسجل ملاحظاته. وجهه صارم ونظراته حادة، لكنه يحاول أن يكون مهنيًا معها لأقصى حد
يمر بعض الوقت حتى يدخل يمان مبتسما ساخرا من حالها الخائفه بعدما علمت بتدخل موظف رفيع المستوي من السفارة المصريه وإجبارها عن التنازل .
بينما دخل الشابان الاخران ويداهم مكبلتان بالأصفاد، وملامحهم مشدودة من فشلهم الذريع في التخلص منها بل والقبض عليهم.وبينما هم كذلك لا يعلمان كيف يخرجان من هذه التهمه بأقل عقوبه كان يمان يمشي بخطوات ثابته وواثقه ...ينظر إليها بعينين لا تخفي التوعد..بينما نظر الضابط إليه بإحترام مختلطا ببرود، مشيرًا له بالجلوس.
الضابط : ميلا تفضلي بالحديث.
قال الضابط بصوت هادئ وهو ينظر إليها ولاحظ نظراتها المكسورة أمامه بينما تمتنع عن النظر الي هذا المغرور الآخر .
التقطت هي نفسًا عميقًا محاوله منها السيطرة على مشاعرها. وأشارت علي الرجلين وقالت بصوت متهدج وعيناها تغرورقان بالدموع لكن كانت نبرتها متماسكة بقوة، وكأنها لا تريد إظهار ضعفها أمامه.
ميلا : الاتنين دول بس ... هما اللي إتحرشوا بيا ..وأشارت الي يمان الجالس بكل غرور ...مستر يمان ما كانش معاهم أنا قلت كدة لما قرب عليا بس من خوفي من الموقف كله.
يهتز الكرسي الذي يجلس عليه يمان من قوة انحنائه إلى الأمام.....بينما ابتسم هو في إنتصار وإقترب منها بقصد
يمان : مش قلتلك ماتقفيش قصادي ... وبخها هو بصوت خافت ضعيف يكاد يصل إلي أذنها .... لكن الغضب كان يغلي تحت السطح لمن لا يري ..فهو يشعر بهذا الغليان والفوران .فأكمل
يمان : هخليكي تندمي على كل كلمة قلتيها هنا . وأديكي شوفتي...يمان الفهد بيقدر يشتري إيه وبتوصل قوته لفين ....مش يمان الفهد اللي واحدة تدخله قسم شرطه وبتهمه عبيطه زي دي ...أنا أمثالك بيجولي لحد عندي وبيطلبوا الرضا مني علشان بس أرضي عليهم ... . وعلي فكرة قوتي دي تقدر تخليكي ما تخرجيش من هنا كام يوم كدة لحد ما تتربي وتتعلمي الطاعه العمياء وتنفذي كل اللي أنا عاوزة وتيجي تركعي تحت رجلي وتقولي سماح ...وبعد اليومين الحلوين دول ما يخلصوا .. هاجي آخرجك بنفسي وأشوفك حطيتي دماغك في راسك ولا لسه هتعصلجي ...ودة مش علشان ما أقدرش أقعدك هنا العمر كله ...لا بس علشان أنا عاوزك بره علشان لما تخرجي هعرف أحاسبك كويس .
كانت عيون الضابط تتحرك ببطء بين الاثنين وهو لا يفهم اللغه التي يتحدث بها يمان ...فتسلل الصمت إلى الغرفةوأصبح ثقل التهديد معلق في الهواء
لم تهتز ميلا لكلماته، بل تقدمت نحوه خطوة، ثم رفعت حاجبيها ثم وقفت هي حيث أصبحت الأجواء مشحونة بالتوتر، وأشارت بإبهامها أمام وجهه وهي متجهمه الوجه و عيناها تشتعلان بالغضب والتحدي....
أنزل إصبعها بتهكم قبل أن تتحدث وجلس خلف المكتب ببرود، يراقبها بعينين ضيقتين، قبل أن تنطق بلهجة ملؤها التحدي
ميلا : لو فاكرني واحدة من الستات اللي تقدر تتحكم فيهم تبقي غلطان ؟! اسمعني كويس يا يمان بيه أنا مش هكون لعبة في إيدك، ولا هبقى واحدة من اللي بتسيطر عليهم بأي شكل من الاشكال ... و توديني السجن؟ توديني جهنم الحمرا ولا حتي توديني سابع أرض أنا مش فارق معايا وموقفي ما بيتغيرش.
ثم أضافت بلهجة تهكمية و عينها تتوهج نارا الحقد من إنتصاره
ميلا : أنا ميلا الشمري ...إفتكر الاسم ده كويس ...، مش واحدة من حريم السلطان اللي بيخافوا بكلمتين منك يا دنجوان عيله الفهد.
إبتلع ريقه بصعوبه بعد أن إحمرت أذناه من الغضب ولكنه لم يرد وفضل السكوت ...حيث ساد صمت ثقيل للحظات، وظهرت لمحة من الدهشة على وجهه، لكنه سرعان ما أخفاها وعاد لوجهه البارد وهم بالوقوف
يمان : يبقي إنتي اللي إبتديتي... والبادي أظلم ...ولو فاكرة إنكِ هتهربي من اللي عملتيه النهاردة يبقي بتحلمي... هتباتي هنا في القسم الليلة وإعتبريها قرصه ودن صغيره للي جي .
ثم غمز لمحاميه الذي أعطي للضابط المسؤول حقيبه بها بعض من رزم الدولارات..وانصرف مبتسما
في الصباح التالي
إستيقظ يمان نشيطا لظنه الاقتراب من هدفه
إرتشف قهوه الصباح بعد أن جهز حقائب السفر إستعداد للرحيل بعد أن تمم الصفقه الكبيره أمس التي سيكون عائدها المادي ضخم جدا لشركته ناهيكعن سمعه الشركه الطيبه ....حتي استمع الي ما أغضبه وغير مزاجه
داخل مكتبه الفخم في فرنسا كان يمان يجلس على كرسيه الجلدي وهو يمسك هاتفه بعصبية واضحة. عيناه كانتا تشتعلان بالغضب، ووجهه تحوّل إلى لون قاتم. ما إن جاءه الخبر حتى ارتفعت درجة التوتر في المكان بشكل مفاجئ.
يمان : خرجت من قسم الشرطة؟ إزااااي يعني ؟؟
كيف تخرج هذه الحسناء من تحت طوعه وتخرج ليس بإرادته؟! ومن الذي تجرأ على تحديه بهذا الشكل وأخرجها؟
صرخ يمان بغضب وهو يقفز من مكانه، القي هاتفه على المكتب بقوة جعلته يصطدم بالحافة ويسقط على الأرض.
ثم بدأ يصرخ بأحد رجاله وهو المحامي الذي كان بصحبته بالامس بلهجة عامية مفعمة بالهياج
يمان : أنت إزاي تسيبها تخرج من القسم؟ مين اللي سمح بكدا ؟! والظابط اللي هناك اللي قابض فلوس أد كدة سابها إزاي ...هو أنا مابقاش ليا كلمة ولا إيه؟!"
المحامي :البنت واصله هنا يا يمان بيه ساعدها إتقانها للغه ...وليها قرايب كتير واصلين ساعدوها وكانوا هددوا رئيس القسم لولا إني إتدخلت وخصوصا إنها هي اللي كانت بشتكي علي حضرتك .
يمان :وهي فين دلوقتي .
المحاني: في القاهرة يافندم ده اللي قالهولي سمير من شويه .
ظل يسير في المكتب ذهابًا وإيابًا، لا يستطيع أن يستوعب ما حدث. كيف تجرأت ميلا على الخروج من القسم دون علمه، ودون حتى أن تحاول التواصل معه؟ وما زاد من غضبه أن الخبر جاءه متأخرًا، فهي سافرت بالأمس إلى القاهرة، بعيدًا عن قبضته وعن سيطرته.
يمان : يعني كانت في القاهرة من امبارح؟! وأنا هنا آخر من يعلم؟!" قالها وهو يضرب بيده على المكتب، وكأن صوته وحده قادر على تمزيق الجدران.
اقترب منه محاميه محاولاً تهدئته، لكن يمان لم يمنحه فرصة للتحدث.
المحامي :أرجوك إهدي يا يمان بيه
يمان : لا! مفيش هدوووء ... أنا مش هعديهالها مش هديها فرصه إنها تكون علمت عليا انا يمان الفهد وتكون عملت اللي هي عايزاه وتخرج عن طوعي هجيبها تحت رجليا حتى لو كانت في آخر الدنيا ولو كلفني حياتها ...إنت فاهم .
المحامي :فاهم يا باشا
❈-❈-❈
خرجت ميلا من المغفر وهي تبتسم عازمه أن تذهب الي هذا الوغد وتلقنه درسا آخر لن ينساه لتتفاجئ لتفتح هاتفها التي أغلقته بينما كانت في المغفر لتتفاجأ بمكالمات وارده كثيره من داليدا واحده تلو الاخري ..لا تعلم لما انقبض قلبها فجأه وتذكرت والدتها فحدقت في الفراغ، وإغرورقت عيناها بالدموع وإنقبض قلبها من كثره الهموم والمشاعر المتخبطة.
الجو أصبح مشحونًا بالصمت الثقيل الذي كسرته رنة هاتفها المفاجئة مرة إخري نظرت إلى الشاشة لترى اسم "داليدا" يتوهج أمامها، ثم أجابت ببطء.
"ألو؟"
جاء صوت داليدا من الجهة الأخرى، ناعمًا وحزينًا، وكأن الكلمات نفسها كانت ثقيلة على قلبها
داليدا : ميلا... أنا مش عارفة أقولك إيه، بس...إنتي لازم ترجعي القاهرة النهارده
لم تستوعب ميلا الجملة في البداية. ظلت صامتة للحظات، كأن الزمن توقف حولها، ثم همست بصوت مرتجف
ميلا : ماما ....ماما جري لها حاجه
تابعت داليدا بصوت مملوء بالأسى والحنان
داليدا : البقاء لله حبيبتي .هما قالولي في المستشفي
والدتك تعبت فجأة وما لحقوش ينقذوها للأسف ..وأمر الله نفذ ...أنا مش قادرة أتصور حجم الألم اللي إنتي فيه دلوقتي، بس لازم ترجعي القاهرة... لازم تودعيها وتعملي استعدادات الدفن لأنهم رفضوا إني أنا أو الدكتور مصطفي نتدخل قبل إنتي ما تيجي .
كانت كلمات داليدا تحمل في طياتها كل الحنان والدفء الذي يمكن أن يمنحه صديق في مثل هذا الموقف. شعرت ميلا وكأن قلبها انفطر على الفور، وبدأت دموعها تسيل على خديها دون مقاومة.
ميلا : مش مصدقة... أمي راحت كده..يعني بقيت يتيمه أب وأم ؟!" قالتها ميلا بصوت مخنوق، كأنها تحاول أن تستوعب الحقيقة الموجعة التي طعنتها فجأة.
حاولت داليدا تهدئتها بصوت مليء بالحنان:
"أنا جنبك يا حبيبتي ، مش هسيبك لوحدك أبدا . لازم تكوني قوية دلوقتي علشان يوسف..إنتي بقيتي أمه
وأبوه ...واجهزي بسرعه أنا هساعدك هنا في كل حاجة بس تعالي بسرعة، عشان تلحقي تودعيها.
كانت ميلا لا تزال في حالة من الصدمة، همست بصوت هادئ مليء بالألم.
ميلا :حاضر ياداليدا ...جايه علشان أشوف أمي للمرة الاخيره ....لأني بجد مش قادرة أصدق اللي بيحصل دة .
كانت ترتب ملابسها في الحقيبة، توقفت فجأة. كأنها سمعت صوت والدتها يتردد في ذهنها. ذلك الحديث الأخير الذي جرى بينهما قبل أن تغادر ميلا الي فرنسا وذهبت لكي تطمأن عليها للمرة الاخيره وتخبرها بإضطرارها الي السفر .. كانت والدتها تنام بفراش المرض ...نظراتها مليئة بالحنان، وكلماتها تحمل نبرة وداع خفي.
فلاش باك
إيف : خلي بالك من نفسك وما تقلقيش عليا أنا هبقي كويسه
ميلا :حاضر يا حبيبتي ..بس إزاي ما اقلقش عليكي وإنتي قلبي اللي بيدق يا قلب ميلا ..انشاء الله هو أسبوع ومش هتأخر عليكي .
ابتسمت هي بضعف ونظرت إليها
إيف :بتفكريني بأبوكي ...كان صعيدي إفل ...بس كنت بموت فيه
ضحكت ميلا علي عبثها معها وهي تعلم إنها تفعل ذلك لتدب الطمأنينه في قلبها وتغادر وهي مرتاحه البال .
ميلا : هنبتدي بقا وصله رثاء الغزل في إستاذ سعد العماري اللي مش هتخلص وهتخليني اتأخر علي الطياره
.
ضحكا معا من قلوبهم ولكن أيف إبتلعت ريقها بصعوبه لشعورها بالألم
أيف : كان نفسي اندفن جنب أبوكي في الصعيد. كان نفسي أرجع هناك... وأعيش جنبه لو حتي كان ميت .. المكان اللي شهد قصه حبنا و ارتحنا فيه مع بعض ..كان نفسي ما أفارقهوش .
توقفت ميلا عن الحركة، وعيناها امتلأتا بالدموع من جديد. شعرت وكأن والدتها كانت تعرف أن هذا اليوم قريب وقادم لا محاله وأن كلماتها تلك لم تكن عابرة. كانت وداعًا... وداعًا أخيرًا لها .
همست لنفسها بصوت مكسور:
ميلا : كانت عارفة... كانت حاسه إن ده هيحصل...بس ماقلتليش إنه هيحصل بدري أوي كدة
باااك
جلست على طرف السرير، تلتقط أنفاسها، ثم رفعت الهاتف لتتأكد من حجز الطائرة. كانت الرحلة جاهزة، لكنها بدأت تفكر في رغبة والدتها الأخيرة. هل ستتمكن من تنفيذها؟ هل ستعيدها إلى الصعيد، لتكون بجانب والدها كما تمنّت؟
ميلا :هعمل كده... مش هسيبها هنا. هوديها الصعيد زي ما كانت عايزة
قالتها ميلا لنفسها بلهجة متماسكة، رغم الألم الذي يعتصر قلبها...وصعوبة ذلك
حملت حقيبتها وخرجت من الغرفة، متوجهة إلى المطار، وهي تعلم أن الرحلة القادمة لن تكون مجرد وداع لوالدتها، بل ستكون وفاءً بوصيتها الاخيره .
وصلت ميلا إلى القاهرة وهي في حالة يرثى لها. كانت عيناها منتفختين من كثرة البكاء، وملامحها منهكة، كأنها تحمل على عاتقها ثقل العالم. عند وصولها إلى المشفي ، علمت أن آدم، خالها، قد أنهى جميع الترتيبات. كان قد أنجز أوراق خروج جثمان والدتها من المستشفى وحصل على تصريح الدفن، بل وقرر دفنها في مقابر عائلة الشمري.
إنتظرت ميلا خالها من العودة إلى المشفي بفارغ صبرها وهي تتنفس بصعوبة وما إن رأته حتى انفجرت في الحديث، حيث كان غضبها متحكم بها ويختلط مع الحزن العميق.
ميلا : إزاي؟ إزاي تعمل كل ده من غير ما تسألني...إزاي تقرر عني .
صرخت ميلا بصوت متهدج، عيناها تمتلئان بالدموع.
نظر إليها آدم بوجه مليء بالدهشة والاستغراب، ثم رد بهدوء محاولاً تهدئتها لغضبه من أسلوبها المستفز معه.فأمسك ذراعها وأدخلها الي إحدي الغرف الجانبيه
آدم : أنا كنت بحاول أخلص كل حاجة عشان أختي ترتاح ،كفايه اللي كانت فيه ... والدتك خلاص ارتاحت… ومافيش داعي نتعبها أكتر من كدة مكانها الطبيعي مع عيلة الشمري جنب أبوها .
لكن ميلا لم تهدأ. نظرت إليه بعينين غارقتين في الألم وقالت بحزم:
ميلا : لا مكانها مش معاكم ... أمي وصتني قبل ما أسافر إنها عايزة تدفن جنب أبويا في الصعيد، وده اللي هعمله.
دفعها للحائط بكل قوته بعد أن بدت علامات الرفض عليه فهو غير مستعد لجدال معها الان
آدم : إنتي إتجننتي ...عاوزة تفتحي علينا فاتوحه ..ما صدقنا إننا قفلناها وإرتحنا ..عاوزة تروحي برجليكي لناس عاوزين ياخدوا منك إنتوا وأخوكي طار مش هيتقفل غير بدم واحد فيكم .
ميلا : أطمن علي يوسف ماحدش يعرف إنه عايش ولا له وجود من الاساس ..وغير كدة إنه مكتوب بإسم جدي يعني الكل يعرف إنه أخوك مش أخويا وأكيد مافيش حد هيقدر يآخد طاره منه خوفا منك ...دة غير أصلا الصعايده مابياخدوش تارهم من واحدة ست
جذب شعره من حديثها المستفز وكاد أن يصفعها لتعود الي رشدها لولا وضعت يدها علي وجهها بخوف فتراجع للخلف وطبق قبضته وصرخ بها
آدم : ده علي أساس اللي موتها أبوكي دي مش واحده ست ...
ميلا ... دة لا وقت عناد ولا مكانه إفهمي يا متخلفه انا بعمل كل دة لمصلحتك ..وبعدين دة مش منطقي إنك تروحي الصعيد علشان تدفينها جنب أبوكي وبعد الدفنه عيله العماريه هيسيبوكي ترجعي هنا ....دة لما أبوكي إتقتل كانوا عاوزين يجوزوا أمك لعمك بعد أربعين يوم بحجه إنكم تتربوا في بلد أبوكي لولا إنها هربت منهم وغيرت أساميكم كان زمانكم هناك أخوكي مقتول جنب أبوة وبيونسه في تربته وإنتي متجوزة طور من التيران ولاد عمك وبتربي في عياله .
قاطعت ميلا كلامه، نبرتها حازمة وعيناها تتلألآن بالعزم
ميلا : مهما قلت أنا مش هسمح لأي حد يتدخل في الموضوع ده. أمي لها حق إنها تدفن زي ما كانت عايزة، وأنا هحقق وصيتها الاخيره ...خلاص مافيش كلام تاني.
تركته يغلي كالمرجل وكادت أن تخرج تتفاجئ بدخول داليدا عليهم والتي كانت لا تعلم بوجوده...والذي عندما رآها تحول لطور هائج يكاد أن يسحقها فدفع ميلا خارج الغرفه وهو يصرخ بها .
آدم : إعملي اللي إنتي عايزاه يا ميلا بس إني ما تنسيش إني حذرتك
أغلق باب الغرفه في وجهها بينما أخذت داليدا تنسحب للخلف بخوف
داليدا :إنت هتعمل إيه يابني إنت مابتحرمش ..إبعد عني أحسنلك.
آدم : إنتي اللي بلغتيها...رغم إني حذرتك إني تكلميها وتقوليلها
رمشت بأهدابها بتوتر وابتلعت ريقها بصعوبه بالغه
داليدا :بس دي أمها ولازم تعرف ..ماكانش ينفع ماأقولهاش
سجنها آدم بينها وبين جسده وأخذ يضرب الحائط بجوار أذنها
آدم : إنتي عارفه إنتي عاملتي أيه بعملتك السودا دي ...إنتي كتبتي قصه معاناتها للباقي من حياتها...لو خلصت من عيلتها مش هتخلص من العيله اللي ليهم طار عندهم ...عقلي صحبتك ...قبل ما تروح في سكه اللي يروح ما يرجعش..ويبقي مش في إيدينا حاجه نعملها الا نسيبها تغرق
نظرت له برقه وعشق واضح يتراقص بعيونها
داليدا :وإنت رحت فين من كل اللي قلته دة ...
توتر هو الاخر من نظراتها التي تقطر عشقا وتلسع قلبه بنار لا يريد إشعالها الآن فاردف ببرود
آدم :إذا كان أختي اللي بين إيدين ربنا دلوقت ما طلبتش مني الحمايه وإتنزلتلي عن كل ورثها مقابل إن أبعد عنها وما أقربش من عيالها هتيجي بنتها هي اللي تطلب مني ...ميلا دي بني آدمه برآس بغل ...بقنع فيها مش بتقتنع ...مش قادرة تفهم إني بعمل دة لمصالحتها هي وأخوها .
ربتت علي كتفه تواسيه بمحنته وايقنت أنه كان يتعذب هو الاخر مثل أخته وابنتها واردفت بحب
داليدا : الاهتمام ما بيطلبش...إنت خالها يعني إنت المفروض اللي تفرض وجودك عليها ...أختك صحيح ماتت لكن دلوقت ولاد أختك هما اللي موجودين ومحتاجينك جنبهم أكتر من أي وقت عدي ...وميلا لو راحت جهنم الحمرا مش راحت الصعيد بس وفي ضهرها راجل الأعمال الكبير آدم الشمري الدنيا كلها هتعملك قبلها ألف حساب لأنهم هيبقوا عارفين إنك إنت اللي في الوش .وهما هيوجهوك أنت قبلها.
إستدار متهربا من سهام نظراتها اللاذعه
آدم : طب وليه كل دة طالما بإدينا نتجنب كلنا الحرب دي ...ليه نجازف بسلامها وآمان يوسف .
داليدا : علشان وصيه ميت.
❈-❈-❈
غادرت ميلا عندما لم يسمح خالها لمحاولاتها المتكررة بفتح بابا الغرفه وإنقاذ صديقتها من براثنه ولكنها ادركت من صميمها أنه لن يؤذيها .
هي تعلم تمام العلم أن خالها وجدتها سيحاولان منعها من تنفيذ رغبتها. توجهت مباشرة إلى الطبيب مصطفى، الرجل الذي كان يعرف عائلتها منذ سنوات، وكان بمثابة أخٍ لأبيها. عندما دخلت عليه، كان يعلم مسبقًا بوفاة والدتها، ورأى في وجهها الحزن العميق، فاستقبلها بتعاطف.
مصطفي :البقاء لله يا حبيبتي .
ميلا : حياتك الباقيه يا دكتور مصطفى،....دكتور أنا محتاجة مساعدتك في أمر مهم جدًا. والدتي لازم تتدفن في الصعيد، جنب أبويا، وده كان آخر طلب ليها أنا عارفة إن خالي هيرفض الموضوع، عشان كده محتاجة سيارة إسعاف مجهزة عشان ننقلها من غير ما حد يعرف."
نظر إليها الطبيب بجدية، ثم سألها بهدوء:
مصطفي : إنتي متأكدة من القرار ده، ميلا؟ الموضوع مش سهل، إنتي فاكرة وصيه أبوكي ليا كانت إيه ...إنتي كده بتحيي مواضيع الطار القديم وحيكون فيه مشاكل كتير فكري في أخوكي وسلامته .
أومأت ميلا برأسها وقالت بنبرة مصممة:
"أيوه، متأكدة. دي وصيتها، وأنا مش هخذلها...وأخويا ماحدش يعرف إنه عايش .إحنا هندفنها ونطمن عليها ونرجع علي هنا علطول .
هز الطبيب رأسه متفهمًا، وقال لها بلطف:
"تمام، هرتب لك كل حاجة. بس خليكي مستعدة، ممكن يحصل أي حاجة في أي وقت."
شعرت ميلا بالراحة أخيرًا، عرفت أن الأمور تسير كما كانت والدتها تتمنى...ولكن ما فاجئها هو خالها الذي حضر من خلفها وأردف
آدم : جهزي نفسك أنا كلمت عيلتك في الصعيد وبلغتهم باللي حصل وجدك يحيي منتظرنا بكرة في النجع وقرر إنه هو يعملها العزا هناك .
نظرت له بإستغراب ولكنه عندما أخبرها لم تمانع بإلقاء حالها بين ذراعيه في عناق حميمي يهون عليها آالام فراق والدتها.
كانت داليدا تقف بعيدا عنهم تراقبهم وقد هطلت عبره متألمه علي حال صديقتها ...حتي حدق آدم بعينيها وهو يبتسم لها بإمتنان وهو يعانق ميلا ويشدد من معانقتها وكأنه يخبرها أنه موجود دائما.
❈-❈-❈
في صالة الانتظار بالمطار، كان يمان ويزن وباقي الفريق يجلسون في حالة من الترقب، ينتظرون الطائرة التي ستقلهم الي القاهره بعدما أتموا مهمتهم بنجاح فقد كانت أجازة بالنسبه لأحدهم وصفقه ناجحه بالنسبه للآخر .
كان الجميع يلهو ويحدقون بهواتفهم يتفقدون الصور التي التقطها كل منهم مع تذكر المواقف المضحكه بينهم ...الا منه هو حيث التجأ للصمت وأخذ منه كدرع واقي لإخفاء هزيمته أمام معذبته الشقراء ...يحارب حشرات الهواء من حوله..ابتعدا عنه الجميع فجلس وحيدا فقط يستمع لأصوات الخطوات المتسارعة والنداءات المتكررة للرحلات.
فجأة صدح رنين هاتفه و قطع ذلك الصمت صوت يحفظه عن ظهر قلب ..ويذكره بماض تمني أن ينساه يوما او يعود به الزمن ولا يكرر أخطائه به مره أخري .
أجاب بكل هدوء وإحترام ولكن وجد الصوت يتردد في أذنيه كالرعد. اإندهش يمان عندما لاحظ حده الحاج عزام، والد زوجته المتوفية، يتحدث بلهجه غاضبه . كان واضحًا من صوته أن هناك أمراً جللاً يحدث.
تحدث عزام بصوت خشن مشحون بالتوتر:
عزام : لازم تيجي على الصعيد فورًا يا يمان بيه الوضع اتقلب تمامًا...ونار الطار ولعت من تاني وهتاكل في سكتها شرف بنات العيله وخيره شبابها.
إستمع يمان إلى الحاج عزام باندهاش، وهو يحاول أن يفهم ما يجري او يمسك طرف خيط
يمان : خير يا حاج عزام إيه اللي حصل لكل ده ؟"
أجاب الحاج عزام بصوت متهدج وكأنه يحاول أن يسيطر على غضبه:
عزام : الطار ر، يا يمان يا ولدي . النار اللي كانت مدفونة سنين رجعت تشتعل تاني. مرات المحروق سعد ماتت...والعماريه عاملين ليها صوان من أول البلد لاخره ...والعيلة عندينا بتقول إن اللي حصل ده لازما ما يمرش مرور الكرام ....ومصممين إن العار مش هينتهي غير لما ياخدوا طارهم لأنهم متأكدين أن مش هما اللي قتلوا سعد .
هز يمان رأسه بعدم تصديق، محاولاً استيعاب الموقف:
يمان : طار ..طار إيه يا حج ؟! أنا كنت فاكر إن الموضوع ده انتهى خلاص. ليه يرجعوا يفتحوا الكلام ده تاني ...إحنا كنا قفلنا علي الموضوع من بدري ؟"
رد الحاج عزام بحزم، وعيناه تلمعان بالغضب والخوف:
"العيلة مصممة على أخذ الطار يا ولدي والطريقة اللي شايفينها مناسبة هي إنهم يخطفوا بنته . عاوزين يذلوا عيلة العماري كلها عشان يحسوا إنهم خدوا حقهم. الموضوع كبير، والوقت مش في صالحك. لازم تنزل الصعيد حالاً قبل ما يحصل اللي مش هتعرف تسيطر عليه وهتكون أنت وولدك وأخوك اللي في وش التيار ."
شعر يمان بثقل الكلمات وهي تتساقط عليه كالصخور. و نظر إلى يزن الذي يحمل الصغير النائم زياد ...لينظر الي رؤوف الذي إقترب منه بقلق .
يمان : شوفلنا تذاكر للأقصر حالا
رؤوف : في إيه يا يمان ؟؟
يمان :بعدين يا رؤوف ....ثم أردف متحدثا في الهاتف
يمان : والناس دي فاكرة إني هسيبهم يلمسوني انا وأخويا وإبني ؟! أنا هنزل الصعيد، وهوقف اللي بيحصل ده بأي طريقة.
رد عليه عزام بحزم
عزام :ولا هما هيوافقوا يابني إننا نمس شرفهم وشرف بتهم .ولو إبتدينا هيفضل سلسال الدم شغال ومش هيوقف لا بينا ولا بينهم أجيال كامله .
❈-❈-❈
في صالة الانتظار بالمطار، كان يمان ويزن وباقي الفريق يجلسون في حالة من الترقب، ينتظرون الطائرة التي ستقلهم الي القاهره بعدما أتموا مهمتهم بنجاح فقد كانت أجازة بالنسبه لأحدهم وصفقه ناجحه بالنسبه للآخر .
كان الجميع يلهو ويحدقون بهواتفهم يتفقدون الصور التي التقطها كل منهم مع تذكر المواقف المضحكه بينهم ...الا منه هو حيث التجأ للصمت وأخذ منه كدرع واقي لإخفاء هزيمته أمام معذبته الشقراء ...يحارب حشرات الهواء من حوله..ابتعدا عنه الجميع فجلس وحيدا فقط يستمع لأصوات الخطوات المتسارعة والنداءات المتكررة للرحلات.
فجأة صدح رنين هاتفه و قطع ذلك الصمت صوت يحفظه عن ظهر قلب ..ويذكره بماض تمني أن ينساه يوما او يعود به الزمن ولا يكرر أخطائه به مره أخري .
أجاب بكل هدوء وإحترام ولكن وجد الصوت يتردد في أذنيه كالرعد. اإندهش يمان عندما لاحظ حده الحاج عزام، والد زوجته المتوفية، يتحدث بلهجه غاضبه . كان واضحًا من صوته أن هناك أمراً جللاً يحدث.
تحدث عزام بصوت خشن مشحون بالتوتر:
عزام : لازم تيجي على الصعيد فورًا يا يمان بيه الوضع اتقلب تمامًا...ونار الطار ولعت من تاني وهتاكل في سكتها شرف بنات العيله وخيره شبابها.
إستمع يمان إلى الحاج عزام باندهاش، وهو يحاول أن يفهم ما يجري او يمسك طرف خيط
يمان : خير يا حاج عزام إيه اللي حصل لكل ده ؟"
أجاب الحاج عزام بصوت متهدج وكأنه يحاول أن يسيطر على غضبه:
عزام : الطار ر، يا يمان يا ولدي . النار اللي كانت مدفونة سنين رجعت تشتعل تاني. مرات المحروق سعد ماتت...والعماريه عاملين ليها صوان من أول البلد لاخره ...والعيلة عندينا بتقول إن اللي حصل ده لازما ما يمرش مرور الكرام ....ومصممين إن العار مش هينتهي غير لما ياخدوا طارهم لأنهم متأكدين أن مش هما اللي قتلوا سعد .
هز يمان رأسه بعدم تصديق، محاولاً استيعاب الموقف:
يمان : طار ..طار إيه يا حج ؟! أنا كنت فاكر إن الموضوع ده انتهى خلاص. ليه يرجعوا يفتحوا الكلام ده تاني ...إحنا كنا قفلنا علي الموضوع من بدري ؟"
رد الحاج عزام بحزم، وعيناه تلمعان بالغضب والخوف:
"العيلة مصممة على أخذ الطار يا ولدي والطريقة اللي شايفينها مناسبة هي إنهم يخطفوا بنته . عاوزين يذلوا عيلة العماري كلها عشان يحسوا إنهم خدوا حقهم. الموضوع كبير، والوقت مش في صالحك. لازم تنزل الصعيد حالاً قبل ما يحصل اللي مش هتعرف تسيطر عليه وهتكون أنت وولدك وأخوك اللي في وش التيار ."
شعر يمان بثقل الكلمات وهي تتساقط عليه كالصخور. و نظر إلى يزن الذي يحمل الصغير النائم زياد ...لينظر الي رؤوف الذي إقترب منه بقلق .
يمان : شوفلنا تذاكر للأقصر حالا
رؤوف : في إيه يا يمان ؟؟
يمان :بعدين يا رؤوف ....ثم أردف متحدثا في الهاتف
يمان : والناس دي فاكرة إني هسيبهم يلمسوني انا وأخويا وإبني ؟! أنا هنزل الصعيد، وهوقف اللي بيحصل ده بأي طريقة.
رد عليه عزام بحزم
عزام :ولا هما هيوافقوا يابني إننا نمس شرفهم وشرف بتهم .ولو إبتدينا هيفضل سلسال الدم شغال ومش هيوقف لا بينا ولا بينهم أجيال كامله .
يمان : حاضر يا حاج عزام أنا جاي وهتصرف .
هز الحاج عزام رأسه بتفهم، لكنه أضاف بلهجة تحذيرية:
عزام : اعرف إن الوضع إهنه أخطر مما تتصور، العيلة مش هترحمك لأنهم هيتهموك بالتقصير ...بس يا ولدي الطار عمره ما كان سهل، ولا حد بيطلع منه من غير دم ..وبيروح في سكته زينه شباب العائلات .
أخذ يمان نفسًا عميقًا، وعيناه تلمعان بالعزم والغضب
يمان :إنشاء الله خير يا حج عزام
❈-❈-❈
في فجر اليوم التالي، كانت الأجواء مشحونة بالقلق والتوتر. الجميع كانوا منشغلين بالتحضيرات للذهاب إلى الصعيد لدفن إيف بجوار زوجها، وفقًا لرغبتها الأخيرة التي أصرت ميلا على تحقيقها. كان المنزل يعج بالحركة، بين تجهيز الحقائب وترتيب الأمور المتعلقة بالجنازة.
كان يقف آدم في إحدى الزوايا يتحدث في هاتفه بصوت جاد وحازم. كان قد ألغى حجز تذاكر الطيران للجميع، واستبدلها بخطة أكثر تعقيدًا. اتصل بإحدى أكبر شركات الحراسة في البلد لترتيب حماية مشددة لميلا، عارفًا أن العائلة في الصعيد قد لا ترحب بوجودهم، وقد تحدث مواجهات خطيرة.
أنهى مكالمته ثم اتجه إلى ميلا التي كانت تجلس في زاوية الغرفة، شاردة الذهن، عيناها مغرورقتان بالدموع، تفكر في والدتها وفي ما سيحدث في الصعيد. جلس بجانبها، وضع يده على كتفها وقال بصوت هادئ لكنه مليء بالجدية.
آدم : ميلا، أنا رتبت كل حاجة. هننزل الصعيد بس مش هنسافر بالطيران. الوضع هناك ممكن يبقى خطير، والعيلة مازالت مش مرتاحة لفكرة إننا ندفن والدتك جنب أبوكي. اتفقت مع شركة حراسة كبيرة، هيبعتوا فريق كامل عشان يحمينا ويوصلونا بسلام."
نظرت إليه ميلا بقلق
ميلا : بس يا خالو أنا مش عايزة الموضوع يكبر أكتر من كده. أنا بس عايزة أحقق وصية أمي... مش عايزة مشاكل.
رد آدم بلهجة مطمئنة ولكنها حازمة
آدم : أنا فاهم يا حبيبتي .. بس لازم نكون مستعدين لأي حاجة. العيلة في الصعيد معروفة بتقاليدها، وممكن ميكونوش قابلين الموضوع بسهولة. المهم دلوقتي سلامتك، وأنا مش هخاطر بيها لأي سبب.
حاولت ميلا استيعاب الموقف، وبينما كانت تمسح دموعها قالت
ميلا : طيب خالو ، هعمل اللي تقول عليه ، بس المهم نودعها بطريقة تليق بيها.
أومأ آدم برأسه مطمئنا لها .
آدم : هتودعيها زي ما تستحق، وهنعمل كل حاجة بشكل محترم. اطمئني، أنا جنبك..ومش هسيبك أبدا .
نظرت له بحب فلأول مرة تراه بهذه الوداعه معها فعانقته هي وتشبثت به بقوه وسألت مستفهمه
ميلا :ويوسف؟؟؟ مش هيجي معانا ؟؟؟
نظر إليها بحزم واردف
آدم : آدم بالذات ما نقدرش نغامر بأمانه ومش هيقرب من الصعيد طول مانا عايش .
أومأت له بطاعه وهمت بالانصراف .
في تلك اللحظة، كان الجميع في المنزل يستعدون للمغادرة. الحافلة المجهزة كانت في الخارج تنتظر، وفريق الحراسة على استعداد للتحرك. انطلقت الرحلة نحو الصعيد، والجميع يترقب ما سيحدث هناك، بينما ميلا كانت تحاول جاهدة أن تسيطر على مشاعرها وتحقق رغبة والدتها الأخيرة، مهما كانت التحديات.
وصل موكب الجنازة إلى الصعيد ببطء مهيب، وسط الصمت الذي يخيم على المكان. سيارات الإسعاف والحراسة كانت تسير خلف بعضها البعض في موكب طويل، يتقدمها سيارة الإسعاف التي تحمل جثمان إيف. كانت ميلا تجلس في إحدى السيارات الخلفية، عيناها مثبتتان على الطريق، وقلبها مليء بالألم والحزن. كانت تعرف أن هذه اللحظة ستكون الأصعب في حياتها، ولكنها مصممة على توديع والدتها بجوار والدها كما تمنّت.
عندما دخل الموكب إلى النجع، كان الناس يقفون على الجانبين، يراقبون بعيون مختلطة بين الشماتة والغضب. كان هناك من يتحدث بصوت منخفض، ومنهم من يراقب بصمت مريب. كانت النظرات الموجهة نحو ميلا كالسكاكين، تشعر بها تخترق قلبها. لم يكن الأمر مجرد جنازة بالنسبة لبعضهم، بل فرصة لإشعال نيران قديمة من الثأر والصراعات العائلية.
من بين الحشد، برزت زينب، بنظراتها الحادة، تلك المرأة التي لم يكن في قلبها سوى الغل والكراهية تجاه إيف التي إعتبرتها عدوتها اللدود . وقفت زينب على حافة الطريق، عيناها تمتلئان بالغضب، وجسدها متوتر كأنها تنتظر الفرصة المناسبة للانقضاض. كانت زينب تعتقد أن إيف هي السبب في دمار حياه إبنتها ورد وحرمانها من مال طائل لدي سعد كما كانت تعتقد أن سعد نفسه هو سبب في عدم محبه أخيها الحاج يحيي لها حيث كان دائما يفضله عليها هي وأخيهم ياسر كما أنها إعترضت علي عدم دفن إيف في الصعيد وإعتبرته أهانة جديدة لها ويجب أن ترد عليها...ولكن كان كالمعتاد لم يستمع الجد يحيي لحديثها هي وأخيها ....وأصر أن يلبي نداء شقرائه الجميله حفيدته ميلا الباقيه من إبنه الراحل سعد .بدفن والدتها الحبيبه بجوار والدها.
همست زينب لنفسها وهي تراقب الموكب:
زينب : مش هسيبكِ يا ميلا، زي ما خلصت على أبوكي، وعلي أمك ...الدور جاي عليكي إنتي كمان ...نفدتي من تحت إيدي مرة ..بس اوعدك مش هتنفدي المرة الجايه .
كانت تشعر ميلا بثقل الجو المحيط بها، رفعت عينيها لتلتقي بنظرات زينب. شعرت على الفور بالتهديد وعدم الراحه لكن قلبها كان ممتلئًا بالعزم. لن تسمح لأحد بأن يمنعها من تحقيق وصية والدتها، مهما كانت أمامها من صعوبات .
وصل الموكب إلى مقابر العائلة، وبدأ الجميع في النزول ببطء، الحزن يلف المكان. كانت ميلا تشعر بالأنفاس المتلاحقة من حولها، ونظرات الناس المليئة بالحقد، لكنها ظلت متماسكة. وقفت بجانب القبر وهي تهمس بصوت مليء بالحزن:
ميلا : ماما حبيبتي ... أنا عارفه أنك دلوقتي فرحانه وسعيده لانك رجعتي لمكانك الصحيح وهو جنب بابا الله يرحمه ..أنا عارفه إنه المكان الوحيد اللي هتكوني مرتاحه فيه ...اتمني أكون سددت ولو جزء واحد من جمايلك عليا أنا وأخويا وتعبك علينا وسهرك بعد ما بابا سابنا... .الله يرحمك يا حبيبتي هتوحشيني ..بس اللي مهون عليا هو إني عارفه إنك إرتاحتي من اللي كنت فيه وهتكوني سعيده بمكانك دلوقتي جنب حبيبك سعد...
في تلك اللحظة اللي إنتهت بها ميلا من وداع والدتها كانت اللحظه التي أيقنت بها أن الصراع لم ينته أبدا بل بدأ لتوه عندما رأت نظرات إبن عمها باسل وهو ينظر إليها بغل دفين .
بعد انتهاء مراسم دفن الجثمان، بدأ الحضور يتوافدون إلى صوان العزاء الذي كان مقامًا بجانب الدوار . الليل قد أرخى سدوله، والسماء كانت ملبدة بالغيوم، تضفي على الجو مزيدًا من الحزن والكآبة. وسط هذا الجو الثقيل، كان عدد كبير من رجال الحراسة يتواجدون حول المكان، يراقبون كل حركة، لضمان سلامة ميلا التي كانت تجلس بجانب خالها آدم، متعبة، لكنها متماسكة.
كانت ميلا تحاول استيعاب كل ما حدث خلال اليوم. فقدت والدتها، دفنتها في الصعيد، وهي الآن تجد نفسها في صلب الصراع الذي لا يزال مشتعلًا في العائلة. العيون كانت تراقبها، بعضها مليء بالحزن والتعاطف، وبعضها بالكره والخوف. لكنها لم تكن تبالي بأي منهم في تلك اللحظة. كانت فقط تريد أن تمر هذه الليلة بأمان.
في وقت متأخر من الليل، بعد أن انتهى العزاء وبدأ الناس في المغادرة، شعرت ميلا برغبة في الجلوس بمفردها لبعض الوقت. جلست في ركن هادئ، تفكر في والدتها وأبيها، بينما كان الصمت يحيط بها.
فجأة، شعرت بيدٍ حنونة تلمس كتفها بلطف. رفعت رأسها لتجد جدها الحاج يحيى، رجل مسن، ملامحه قاسية من السنوات الطويلة التي عاشها، لكنه كان مليئًا بالحب في تلك اللحظة. عيناه كانت مغرورقتين بالدموع، وهو ينظر إلى حفيدته الشقراء، الباقية من ولده الراحل سعد.
يحيي : تعالي هنا يا ميلا... محتاج أشوفك وأحضنك يا بتي قالها الجد بصوت متهدج وهو يحاول كبح دموعه.
لم تستطع ميلا مقاومة هذا النداء العاطفي. قامت ببطء وعانقت جدها، الذي بكى بحرقة، وكأن عناقه لها هو عناق لذكرى ولده الذي فقده.
يحيي : إنتي الباقية من ريحة أبوكي.. والله لسه فاكر ضحكته كانت شبه ضحكتك قوي ...بتفكريني بيه.
ميلا :اللي يرحمه يا جدو
يحيي: اوعديني إنك مش هتسيبي بيتك تاني يا حبيبتي ...إنتي مكانك هنا في الدوار ده ...ده حقك وحقه وحقي عليكي يا بتي .
كانت كلمات الجد تخرج بصعوبة، وهو يشعر أن ميلا هي الرابط الأخير الذي يجمعه بابنه الراحل. استمرت ميلا في عناقه، وهي تشعر بألم عميق، لكنه كان أيضًا مليئًا بالحب والدفء.
بعد أن هدأ قليلاً، نظر الجد يحيى نحو آدم، خال ميلا، الذي كان يراقب الموقف عن كثب. ثم قال بصوت حازم، لكنه مليء بالتأثر:
أدم : يالله بينا يا ميلا ..أبعد إذنك يا حاج أنا حجزت لنا في فندق في الاقصر... يالله علشان الوقت اتأخر يا ميلا .
ضرب الحاج يحيي بعصاه الغليظه أرضا ووقف وكأن لدغه عقرب
يحيي : إنت بتشتمتي في بيتي يا آدم بيه ميلا لازم تفضل هنا ...البيت ده بيتها ، وهي لها فيه إرث كبير كمان . ما ينفعش تسيبوه وتروحوا فندق يا عيب الشوم يا ولاد .
آدم.: آسف يا حاج ....بس للأسف أنا عملت كدة لأمان بنت أختي ....تردد للحظة. فقد كان يشعر بعدم الراحة والقلق من بقاء ميلا في الصعيد، خاصة مع التوتر الذي يسود العائلة، لكنه رأى إصرار الجد في عينيه. بعد لحظة من التفكير، قال آدم ببطء:
آدم : طيب يا حاج، زي ما تحب...أنا هخليها هنا النهاردة ...بس أرجوك خلي بالك منها انا عارف إن الوضع هنا مش مستقر ..أنا بعد إذنك طبعا هسيب الحراسه معاها ... وهعدي عليها بكرة آخدها ونسافر .
هز الجد رأسه موافقًا، لكنه كان واثقًا أنه سيؤثر عليها ويجعلها تمكث معه فاردف قائلا:
يحيي: متخافش، هي في قصرها، محدش يقدر يقرب منها اهنه .
رغم موافقة آدم على مضض، كان داخله يشعر بأن الليلة قد تحمل في طياتها ما هو أكثر من مجرد ذكريات.
في الدوار الكبير، صممت داليدا على البقاء بجانب صديقتها ميلا. كانت ميلا تمر بواحدة من أصعب اللحظات في حياتها، وداليدا لم تكن لتتركها وحدها في هذا الوقت. مكثتا معًا في غرفة واحدة في الطابق العلوي من القصر، حيث كانت الأجواء ثقيلة بالذكريات والتوتر.
كانت داليدا تجلس بجوار ميلا، تحاول مواساتها، وقد وضعت يدها على كتفها بلطف. همست لها:
داليدا : ميلا حبيبتي إنتي قوية... وأنا هنا جنبك مهما حصل."
أومأت ميلا بصمت، وهي تشعر بثقل الحزن في قلبها. ولكن وجود داليدا كان يمنحها بعض الطمأنينة، فقد كانت تعلم أن صديقتها لن تتركها، مهما اشتد الوضع من حولها.
بعد فترة من الصمت المريح بينهما، بدأت داليدا تتحدث بصوت منخفض وكأنها لا تريد أن يسمعها أحد
داليدا : على فكرة، انا لاحظت حاجة غريبة في العزاء النهارده... ابن عمك باسل دة ما شالش عينه من عليكي طول الوقت. ماوقفش يبص ليكي ولا لحظة.
تجمدت ميلا لوهلة، ثم نظرت إلى داليدا بنظرة متوترة، وكأنها تتذكر شيئًا لم تكن تريد الحديث عنه. سكتت للحظة قبل أن تجيب:
ميلا : عارفة يا داليدا، باسل ده مش أي حد في حياتي. جدي يحيى كان متفق مع بابا إن أنا أتجوز باسل لما أوصل لسن الـ 18 سنه . الموضوع كان محسوم عندهم من وأنا صغيرة ..كان جدي مفكر إني لما أتجوز باسل هيقدر يخلي بابا يقعد في النجع معاه أطول فتره ممكنه .
رفعت داليدا حاجبيها بدهشة وهي تغمز بعينيها بعبث
داليدا : بجد؟ دة مز أقسم بالله ...مارشميلو كدة يتآكل أكل ..راجل في نفسه كدة وأسمر زي بتوع السينما وصعيدي بس يارب ما يكونش أفل زي خالك ..حاجه كدة فاخر من الاخر
تنهدت ميلا وإبتسمت إبتسامه صغيره إستطاعت هذه الصديقه الوفيه أن تخرجها منها وتواسيها بها .
ميلا : اتهدي يا داليدا وإسمعي اللي حصل بعد كده
وقفت داليدا بطريقه مسرحيه ووضعت يدها بخصرها
داليدا :وإيه ياختي اللي حصل بعد كدة.
داليدا : اللي حصل ياختي إن باسل متجوز من سنتين دلوقتي وعنده طفلين وبعدين الموضوع ده اتقفل من زمان... بس أنا بصراحة مش مرتاحة لنظراته. نظراته دي مش طبيعية، بحس إنه بيراقبني طول الوقت. ومش عارفه بيتصرف معايا كدة ليه .
هزت داليدا رأسها بتفهم، ثم قالت:
داليدا : الله يخيبك يا باسل هو مش خايف مراته تأفشه وهو بياكلك بعنيه كدة ...دة كان بيبصلك ولا كأنك البت بتاعته ..بس والله معاكي حق كان شكله فعلاً مش طبيعي النهارده، بس إنتي خليكي متماسكة. أنا هنا جنبك، ومش هسيبك...ولو قرب منك سيبه سيبهولي...أنا هشخرمهولك الحمد لله خالك خلاني سوابق .
ابتسمت ميلا ابتسامة ضعيفة، شاكرةً لداليدا دعمها. لكنها في داخلها كانت تشعر بالخوف من تلك النظرات الغامضة التي لم تفارقها طوال العزاء.
ظلت داليدا طيله الليل تتمازح تارة وتتحدث تارة أخري حتي شعرت بالجوع
داليدا : علي فكرة بقي أهلك دول بخلا أوي...إللي ماحد فيهم جابلنا صينيه عشا كده عليها المحمر والمشمر اللي بنشوفهم في الأفلام
إبتسمت ميلا علي طرافتها المعتادة .
ميلا : أستني وأنا هنزل أدعبثلك تحت علي أي حاجه تتاكل الساعه دي لحد مالنهار يطلع ونفطر معاهم بدل ما تكليني انا وأنا عرفاكي ساعه ما بتجوعي ما بتشوفيش أدامك ...لتاكلي دراعي وانا نايمه ولا حاجه
ضحت داليدا علي هي الاخري
داليدا :طب قومي يا ختي في بيت أبو لهب اللي إحنا فيه دة
خرجت ميلا للخارج ونزلت للطابق السفلي متجه نحو غرفه الطعام لتجهيز أي شطيره لصديقتها لتسد بها جوعها .
انتظرت داليداما يقرب النصف ساعه وعندما شعرت بالملل نزلت الي الأسفل هي الاخري لتبحث عن صديقتها
داليدا : ماكنش حته ساندتوتش ده يا ميلا هانم اللي هتزليني بيه طول الليل.
اتجهت داليدا الي غرفه الطعام لتجد الغرفه فارغه ومبعثر أطرافها وهناك طعام ملقي علي أرضيه الغرفه لتدلف االي غرفه المعيشه وتنظر من نافذتها عندما إستمعت لصوت تحركات بالخارج لتجد ميلا تصرخ صرخات مكتومه وتقاوم الخاطف الذي يقيد حركتها و وكمم فاها بيده وهو يضعها قسرا بالسياره
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة هالة زين، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية