رواية جديدة قلب نازف بالحب لهاجر التركي - الفصل 29 - 3 - الجمعة 22/11/2024
قراءة رواية قلب نازف بالحب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية قلب نازف بالحب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة هاجر التركي
الفصل التاسع والعشرون
3
تم النشر الجمعة
22/11/2024
لكن أحلامها توقفت فجأة مع وخزة مباغتة أسفل بطنها، شعرت بها كأنها تفتك بجسدها. اتسعت عيناها، ويدها امتدت لا إراديًا لتضغط على موضع الألم. أخذت نفسًا متقطعًا، لكن الهواء بات ثقيلًا في صدرها. الألم ازداد كثافة، وكأن شيئًا داخلها يتمزق ببطء..... الألم تصاعد فجأة، مثل موجة تندفع بلا رحمة، ليجبرها على الانحناء ببطء، وكأن جسدها ينهار تحت وطأة الألم.
أحست بحرارة خفيفة تنساب على فخذيها. نظرت إلى الأسفل، فشعرت بالدم يلون العالم من حولها بالخوف. تجمدت في مكانها، وبدأت الأرضية الصلبة للسيارة تحتها تبدو وكأنها تهتز.
كانت يداها ترتجفان وهي تضغط بقوة أكبر على بطنها، وكأنها تحاول إيقاف الانهيار الذي شعرت به. عينها المرتبكة تلاحق الطريق أمامها، لكن رؤيتها بدأت تتلاشى، والمشهد كله غمره ضباب كثيف من الألم والخوف.
في تلك اللحظة، تلاشت الأحلام، واحتلتها حقيقة قاسية، كأنها فقدت قطعة من نفسها قبل حتى أن تدرك ما يحدث..... أرتجفت شفتيها، وبكت، تنهمر دموعها بخوف بالغ...
بينما كان "مُراد" يضغط علي دواسة الوقود، مركزًا علي الطريق أمامه لمح من زاوية عينيه حركة غير طبيعية من"رضوى "استدار سريعًا، واذا به يري يدها تمسك بطنها بإحكام، ووجهها الشاحب يقطر المًا، للحظة، توقف الزمن، لكن قلبه خفق بعنف جلي، كما لو أنه يدق ليوقظه من الكابوس الذي بدا وكأنه يتشكل أمامه.... عندما هبطت عيناه علي بُقعة الدماء التي بدأت تتسلل بسرعة علي بنطالها الأبيض الناصع لتلوثه، شعر وكأن الأرض أنشقت تحته ووقعَ قلبهِ من الرُعب..... همست له بضعف بينما عينيها مليئة بالدموع:
_" مُراد".
أرتجفت يداه وهو يمسك المقود، ثم أنحرف بالسيارة بسرعة نحو جانب الطريق، انفاسه كانت متقطعة، وكأن الهواء صار ثقيلاً، لا يمكنه أستنشاقه حتى، عيناه امتلأتا بذعر لم يعرفه من قبل وكأنه فقد السيطرة علي كل شئ بلحظة،... ركضت أفكاره بعشوائية، كأنها صرخات متداخله في رأسه، الدماء هناك، ماذا يحدث بحق السماء؟...
يده أمتدت نحو "رضوى"، بتلقائية، لكن أصابعه ترددت، خائفةً، من أن تكون لمستهِ عاجزة عن تحريرها من ألمها....
_" رضوى حبيبتي، أهدي.... أهدي".
كان يطلب منها أن تهدأ، وهو من يحتاج لمن يُهدأ من روعه، كان ينظر إليها، إلي وجهها الباهت، إلي قطرات العرق التي تتساقط علي جبهتها، حاول أن يسيطر علي رعشة جسده، لكن ألمه أنعكس في نظراته، وكأن الخوف تجسد أمامه، لم يشعر في حياته بهذا العجز الذي يخنقه الآن، وهو يراها تتألم ولا يفعل شئ وكأنه شُل عن الحركة، يتوسل لنفسه أن يكون ما يرآه ما هو إلا مجرد وهم....
الدماء ملئت ملابسها، تتساقط بغزارة صرخت بهلع:
_"مُراد الحقني... أنا، أنا بموت...".
❈-❈-❈
لا يعلم كيف قاداته قدميهِ وحمله جسده حتى جاء بها إلي هنا، وسط بكاءها وصراخها... أستقبلهم المُمرضين عندما راوها غارقة بدمائها بهذا المنظر،أخذوها سريعًا لغُرفة الطوارئ، بينما كانت ممدة علي السرير الصغير المتحرك،ليتهم نقلها بسرعة إلى غرفة الطوارئ، كان" مراد" بجانبها، قلبه ينبض بقلق شديد. كانت عيناها مليئتين بالخوف والحيرة، ورغم أن الألم كان يسيطر على جسدها، إلا أن فكرها كان مشتتًا بين ما يحدث وما قد تخسره....
همست بعيوان باكية، بصوت خافت، وكأنها تحاول أن تجد في كلماته ما يهدئ من روعها:
_"مُراد، أنا.... أنا مش فاهمة أي اللي بيحصل لي؟ فهمني علشان خاطري ".
_" متتكلميش، أهدئ، كل حاجة هتبقي كويسه، أنا جمبك متقلقيش".
كان يحاول أن يبدو مطمئنًا، وهو خائفًا أكثر منها بمراحل، كان يعرف أن الأمور قد تكون أكثر تعقيدًا مما يبدو
بعد قليل، دخل طبيب إلى الغرفة، وبدأ في شرح ما يحدث. كان الصوت بعيدًا وكأن "رضوي" تعيش في عالم آخر، لم تكن تعرف حتى أنها حامل، لكن كل ما كان بداخلها كان يتساقط الآن، وكان الخوف يعصف بها....
سقطت قلبها حينما نطق الطبيب بسرعة للمرضيهِ:
_"بسرعة، العملية لازم تتعمل حالاً... مفيش وقت".
هزت رأسها بعدم تصديق، تهمس بشفاه مُرتعشة، بصوت لم يصل لهم حتى:
_"لا... لا ".
_" هنعمل عملية أجهاض، الموضوع مش سهل، لكن مفيش حل تاني.... لو أستنينا شويه، هنخسر المدام ".
قال الطبيب بجدية يوجه كلماته لزوجها ، لكن كلماته كانت كالصاعقة لفي تلك اللحظة، لم يكن الألم الجسدي هو ما كان يثقل كاهلها، بل كان الخسارة المحتملة التي لم تفهمها بعد... نظر إلى وجهها، ورأى كيف تجمدت ملامحها، لم يشعر بمجري الدموع علي خديه يقول بضعف:
_" أنا آسف.... لازم نعمل كده ".
كانت كلماته محملة بالأسى، كما لو كان يعتذر عن شيء لم يفعله، لكنه كان يعرف أن كل شيء يتجه نحو الأسوأ.
“لا… لا، مش عايزة أخسره يامُراد أبوس أيدك".
قالت، والعبرة تخنق صوتها. لم يكن هناك شيء أقسى من أن تدرك فجأة أنك تحمل شيئًا بداخل جسدك، ثم يُجبرك القدر على فقدانه.
أمسك بيدها، يحاول أن ينقل لها قوة لم يكن واثقًا من وجودها، بينما كانت تُحضّر للعملية، كانت أفكارها تتلاطم كأمواج البحر. لم يكن لديها الوقت لتفكر في ما يعنيه هذا الحمل، أو كيف كانت ستبدأ حياتها كأم. كل ما كان لديها هو شعور بالفقد، كأنها تخسر جزءًا من نفسها لم تعرفه بعد.
عندما بدأ التخدير يأخذ مفعوله، أدركت أنها ستستسلم لما هو قادم." مُراد" ظل بجانبها، عينيه لا تفارقانها، يحاول أن يكون القوة التي تحتاجها. ولكن في عمق قلبه، كان يدرك أن ما يمر بهما الآن هو بداية فصل جديد من حياتهما، فصل يتطلب شجاعة لم يكن متأكدًا من أنهم يمتلكونها.
وهي تغلق عينيها، شعرت بشيء يتلاشى في داخلها، كما لو كانت تخسر حلمًا قبل أن يبدأ، وكأن الألم الجسدي أصبح مجرد ظل لما تمر به روحها.....
❈-❈-❈
بعد أن استقرّت" رضوي" في غرفة الاستشفاء، جلس" مراد "بجوارها، وهي غارقة بالنوم أثر المخدر،وجهها أصفرًا،شاحب، قلبه ينبض بسرعة، وعقله مشغول بالتفكير فيما حدث. لم تمرّ سوى دقائق قليلة، حتى دخل الطبيب، وجهه يعبر عن جديّة الموقف....حمحمَ الطبيب، قائلاً بهدوء، وعلامات القلق تلوح على وجهه:
_" بعد أذنك يا مُراد مُمكن دقيقة؟ ".
نهض على الفور، متجهًا نحو زاوية الغرفة،يسأله بقلق،خوفًا من أن يكون حدث شئ لها ويود أخباره به:
_" رضوي كويسة صح؟ في حاجة حصلت لها؟ ".
هزَ رأسه نافيًا، يقول:
_" لا هي الحمدلله متأذتش.. العملية كانت ضرورية في حالتها، بس في حاجة كده... ".
ساله بترقب:
_" حاجة أي؟ ".
أوقف الطبيب نفسه للحظة، ثم تابع:
_" أكتشفنا أن الأجهاض كان عمدًا، يعني كان مقصود، كان فيه مادة كيميائية دخلت جسمها وكانت بطيئة المفعول، يعني ممكن تكون أخدتها من ساعات طويلة، علي الأرجع أنها حباية إجهاض، وخدتها من غير علمها".
شعر للحظة، كأنه سقط من قمة جبل يسأله بعدم تصديق:
_"ازاي؟ ازاي ده حصل ".
_" الحباية دي بتحتوي علي مركبات تُستخدم للإجهاض، وده بيدل علي أن حد حطها قصدًا في أي حاجة كلتها أو شربتها.... أحنا دلوقتي محتاجين نعرف مين اللي عمل كده؟ "
تجمد مراد، الأفكار تتصارع في ذهنه. من يمكن أن يفعل ذلك:
_"رضوي نفسها مكانتش تعرف أنها حامل، أزاي حد يعمل فيها كده، وعرف منين؟ ".
_" ده اللي بنحاول أكتشافه، ضروري أنك لازم تشوف المحيط اللي حواليها من الناس اللي كانت بتتعامل معاهم مؤخرًا.... وتتكلم معاها بعد ما تفوق".
ثواني وأقتحمت والدة"رضوي "الغُرفة ومعها زوجها، بعد أن هاتفها" مُراد" وأخبرها بما حدث بأختصار، لم تمر نصف ساعة حتى جاءت، هرولت ناحية "مُراد"، سريعًا تسأله بهلع:
_" مُراد رضوي بنتي حصلها أي؟ عملت فيها أي؟.... بنتي فين".
اطرق براسه للأسفل يقول بأسي:
_"رضوي كانت حامل وسقطت".
ضربت علي صدرها بشهقة تصيح بهلع:
_"ينهار أسود، ازاي ده حصل... هي فين دلوقتي؟ ".
❈-❈-❈
جلست على السرير بغرفتها بعد عودتها من المُستشفي مُباشرةً، وجهها شاحب وعينيها دامعتين، وكأنها فقدت جزءًا من نفسها في لحظة. كانت دموعها تسقط بلا توقف، تخترق سكون الليل الثقيل، بينما كانت كلمات والدتها تتردد في أذنها، لكنها لم تتمكن من إيقاف هذا السيل الذي يتدفق من عينيها.
_ "أرتاحي شويه يا رضوى وكفاية عياط علشان خاطر أمك يا بنتي! قلبي أتقطع حرام عليك".
رفعت رأسها بصعوبة، ملامح وجهها متجعدة، وعينيها الباهتة من التعب والحزن تبرقان بالدموع. غصّة عميقة حبست نفسها داخل صدرها، وكأن كل كلمة في صدرها كانت تهوي كقطعة ثقيلة على قلبها، قالت من بين نحيبها:
_ "غصبن عني يا ماما! مش قادره أصدق ولا أستوعب أن كان في حتة جوايا وراحت في ثانية، أنا حتي ملحقتش أحس بيه جوايا....".
كلماتها كانت تخرج بصعوبة، وكأنها تعبر عن شيء أعمق من مجرد الألم الجسدي. كان الحزن يثقل روحها، يتغلغل في أعماقها ويطوق قلبها. وكل ما كانت تشعر به الآن هو فراغ قاتل، وكأن جزءًا من وجودها قد انفصل عنها للأبد.
_ "عليه العوض ومنه العوض إن شاء الله، مفهوش خير ليكِ يابنتي، صلي على النبي كده".
ردّت والدتها بصوتٍ منخفض، محاولًا تهدئتها، لكن الكلمات كانت تبدو فارغة، غير قادرة على ملء الفراغ الذي تركه الألم في قلب أبنتها،و بالرغم من دموعها، تمتمت بصوتٍ شجني:
_ "عليه أفضل الصلاة والسلام...".
في تلك اللحظة، بدأ الألم يتسلل من كلمات والدتها، ليس فقط على فقدان الطفل، بل على الوضع الذي كانت تمر به. شعور" مراد" بالحزن كان يرافقها في كل لحظة، ورغم أنه كان يختبئ وراء قناع من التماسك، كانت تعرف أنه محطم من الداخل.
_ "اهدئ كده جوزك مهقور أكتر منك أنت مشوفتيش شكله عامل إزاي، بيعيط في حضن أمه زي العيل الصغير.... هو محتاجك جمبه، هو بيمثل قدامنا أنه متماسك بس".
مسحت جفونها بمنديل ورقي قد ذبلَ من كثرة الدموع، متنهدة، تقول بآسي:
_ "أنا مش زعلانة غير على مراد يا ماما، أنتِ مش متخيلة هو كان مستني البيبي ده أزاي، وفي ثانية يروح، من غير منعرف أنه كان موجود ونفرح بيه ".
كلماتها كانت تخرج وكأنها صرخات مكتومة، تنبع من أعماق قلبها المكسور. لم يكن الألم فقط على فقدان طفلها، بل على" مراد" الذي كان يمر بألم مضاعف، وكلما فكرت فيه، كلما زادت قسوة مشاعرها... راته متماسكًا يقويها، لكنه كان أكثر منها هشاشةً وضعف
_ "معلش، إن شاء الله ربنا يعوض عليكم، احمدي ربنا أنه متولدش ولا أتعلقتوا بيه وبعدين خسرتوه... اجمدي كده علشان جوزك...".
كانت كلمات والدتها ثقيلة عليها، لكنها كانت تبحث عن دعم لا يأتي بسهولة. في تلك اللحظة، لم تكن قادرة على أن تكون قوية كما كان يتوقع الجميع، كانت بحاجة لأن يكون هناك من يساعدها في تحمل هذا الألم الكبير، لكنها شعرت أن الدنيا كلها ضدها.....
أحتضنتها والداتها تربت علي خصلاتها بحنان:
_" قُومي يا حبيبتي هساعدك تاخدي حمام ساخن يريح جسمك....".
نهضت مع والداتها بجسدٍ ثقيل، وبعقل واهن، شارد
يتبع...