رواية جديدة قلب نازف بالحب لهاجر التركي - الفصل 30 - 3 - الجمعة 21/11/2024
قراءة رواية قلب نازف بالحب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية قلب نازف بالحب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة هاجر التركي
الفصل الثلاثون
3
تم النشر الجمعة
21/11/2024
❈-❈-❈
بعد أن أخذتها والداتها لشقتها هي، أغمضت" رضوى" عينيها دفعة واحدة، ودفنت وجهها في صدر أمها بغرفتها القديمة، كما لو كانت تحاول الهروب من واقع ثقيل يضغط على قلبها. كانت الدموع تتساقط بغزارة من عينيها، وكأنها تتفجر من أعماقها، وقد انسابت بحرقة شديدة على وجهها، تُغرق كل شعور وكل لحظة من الصراع الداخلي الذي تعيشه. كل شبر من جسدها كان يصرخ بألم لا يمكن تحمله، وكأن العالم كله قد انهار فوقها دفعة واحدة.
"سهام" كانت تحيط بها بذراعيها، وتغمرها برفقها، تحاول أن تبث فيها دفء الأمان الذي يخفف من شدة الألم. يدها كانت تمسح على ظهر" رضوى" بحركات هادئة، وكأنها تحاول أن تطمئن قلبها المهشم. كلماتها كانت تنساب بصوت هادئ، لكنها محملة بكل ما يمكن أن تهدئ من الفزع الذي يعتصر صدر ابنتها:
"يا بنتي، أنا مش هقولك إن اللي عمله مقبول، ولا إنك ما عندكش حق. بس أرجوكي، خلي بالك من نفسك. لو إنتِ وقعتِ مين هيقف؟"
رفعت" رضوى" رأسها ببطء، وكأنها تقاوم ثقل الدموع التي لا تتوقف. عيناها، المتورمتان من البكاء، تحملان تعبيرًا يفضح كمية الألم التي تخفيها وراء نظرة قاسية. وجهها كان شاحبًا، كأنما فقدت الألوان أمام الوجع، لكنها كانت ممتلئة بغضب مرير وحزن عميق يعجز عن التفسير. وكأن قلبها قد تمزق بين ما يؤلمها الآن، وبين ما قد يأتي بعده.
_"وأقف ليه يا ماما؟ ليه؟ عشان يرجع يضربني؟ عشان يرجع يصدق اللعبة القذرة اللي أتعملت وأنا اللي معاه في الحلوة والمرة يكدبني كده بكل بسهولة"
كانت كلماتها تخرج ممزوجة بالدموع، كأنها تقاوم أملًا قديمًا كان يحيط بقلبها، لكنها لم تعد قادرة على تجاهل الحقيقة المُرة.
"سهام"، وكأنما تقف أمام نهر من مشاعرها المتضاربة، هزت رأسها بحركة نافية، لكنها لم تُسقط دمعتها التي كانت تغرق عينيها. كان قلبها يختنق بين كلماتها، لكنها أصرت على ما كانت تؤمن به:
"لا يا بنتي، مش عشان حد، عشان نفسك، عشان كرامتك يا رضوى، انتي قوية."
_"قوية؟!"
كانت ضحكتها، التي خرجت بعنف وسخرية، تملأ الغرفة وتدوي في آذانها. صوتها كان مليئًا بالمرارة، كأنها تقف على حافة هاوية لا نهاية لها:
_"القوة دي ضيعتها يا ماما. لما يمد إيده عليا... لما يقتلني بالحياة... لما يبص في عيني وما يشوفش الحقيقة، يشوف بس الكلام الكداب اللي قالوه.".
كانت الكلمات تتناثر من فمها وكأنها تهشم ما تبقى من قوتها،كانت تنظر إليها بعينين دامعتين، وكأن كل حرف تقوله "رضوى" يُوجعها بشكل شخصي. ومع ذلك، حاولت أن تتماسك، أن تكون تلك الصخرة التي يمكن لابنتها أن تعتمد عليها. لكن حتى هي لم تكن تعلم كيف يمكن لها أن تحارب تلك العواصف التي تعصف بروحها.
_"رضوى، الحب اللي بينكم كبير. والوجع ده ما بيجيش إلا من حب كبير. مراد محتاج يفهم الحقيقة، ومحتاج وقت يستوعب اللي حصل. بس دلوقتي، لازم تفكري في نفسك. صحتك فوق كل حاجة."
كانت كلماتها تخرج محملة بالألم، لكن محاولتها لاحتواء ابنتها كانت مريرة أيضًا.
ابتعدت "رضوى" ببطء، وكأنها تحاول أن تجد مكانًا لنفسها داخل هذا البحر من الألم الذي يحيط بها. مسحت دموعها بظهر يدها، وكأنها تحاول أن تمسح كل الذكريات التي تمسك بها تلك اللحظات. صوتها، الذي خرج ضعيفًا، كان يحمل في طياته تحديًا جديدًا:
_ "أنا خلاص يا ماما. مش هستحمل أكتر من كده. الحب ده اللي بتتكلمي عنه، لو فعلاً موجود، كان وقف جنبي، مش كسّرني.... أنا ضحيت علشانه كتير، كفاية لحد هنا بقا"..
جلست على الحافة، كأنها تجلس على حافة جرح عميق لا يشفى. الهواء في الغرفة كان خانقًا، وداخلها كان يشبه غرفة مظلمة مليئة بصدى الألم الذي لا ينتهي. رائحة الحزن كانت ثقيلة، وكل شيء حولها كان يذكّرها بأن الحياة كما كانت من قبل قد انتهت، وأن من أمامها الآن ليس هي، بل صورة مكسورة لما كانت عليه.
كانت كلمات أمها تتردد في رأسها مثل همسات الرياح التي تعوي في الفضاء، محاولة إيقاظها من غيبوبتها، لكن رضوى كانت تشعر وكأن تلك الكلمات ليست لها، لا تشبع روحها المدمرة، ولا تضمّد جراحها.. "مراد" الذي كان نغمة الحب في قلبها، ذلك الرفيق الذي جعلها تعيش في عالم من الأمان والطمأنينة، تظن أن الحياة كلها مريحة طالما هو بجانبها. لكنه هو نفسه من نزع كل شيء منها، في لحظة واحدة، مثلما تسحب الرياح غطاء من على جسد كان يظن أنه محمي.
جلست على حافة السرير، يداها مشدودتان إلى رأسها، كأنها تحاول أن تقاوم الثقل الذي يضغط على قلبها. قالت في نفسها بسخرية مريرة، تتأمل الألم الذي اجتاحها:
_"حب؟ أي هو الحب ده، وفين أصلاً؟".
أصبحت الكلمات جافة في فمها، مثل الحصى في بئر قد جف. كان الحب بالنسبة لها يومًا ملاذًا، لكن الآن أصبح الجرح الأعظم. كيف يمكن للمرء أن يؤمن بشيء دمره من كان يحمله؟
ثم انفجرت دموعها مرة أخرى، لكن هذه المرة كانت أشد وأقوى. لم تكن دموعًا عابرة، بل كانت نزيفًا داخليًا، كما لو أن روحها قد قررت أن تتنفس من خلال تلك الجروح التي لا تُرى. كانت تشعر ببرودة وجهها، وهي تحاول أن تخفيه بيدها، كأنها يمكنها أن تخفي وجع قلبها عن نفسها، ولكن الحقيقة كانت تلتهمها من الداخل. كيف تخفي قلبًا تمزقه الخيانة؟ كيف تخفي روحًا تحترق تحت وطأة الحقيقة القاسية؟
همست والدتها بحنان، تقترب منها وتضع يدها على كتفها، محاولة أن تكون البلسم الذي يشفي جراحها:
_"رضوى... استهدي بالله كده"
لم ترد "رضوى"، فقط هزّت رأسها بحركة خفيفة، وكأنها تقول لها: "أنتِ لا تعلمين". كان الألم أكبر من أن يتسع له أي تفسير أو علاج. شعرت كما لو أن العالم كله قد انهار فوق رأسها، وأن الصوت الوحيد الذي تسمعه الآن هو صوت ضربات قلبها السريعة، وهي تحاول أن تتنفس.
أغلقت عينيها محاولة أن تستنشق هواءً جديدًا، لكن حتى الهواء كان يضغط على صدرها. رفعت رأسها ببطء لتلتقي عينيها بعيني والدتها، وقالت بصوت منخفض، ممزوج بالدموع:
_"أنا مش هقدر أعيش من غيره، ياماما مش قادرة أتصور الحياة من غيره... من غير مراد. هو كل حياتي والله العظيم ونفسي يصدق ده."
كانت الكلمات تتساقط منها مثل حصى، ثقيلة، غير قادرة على السكون."سهام"لم تكن تجد الكلمات التي يمكن أن تُخفف عنها، لكن كان قلبها يعصره الحزن من أجل ابنتها التي كانت في بحر من العواطف الممزقة. ولكنها لم تتوقف، واستمرت في حديثها كما لو كانت تعلم أن "رضوى" في أمس الحاجة إلى أي كلمة تقويها.
"أنا عارفة إنك تعبانة، بس دي مش النهاية. مراد مش كل حاجة في حياتك، أنتِ أقوى من كده. الحب مش بس في رجل، الحب في نفسك، في كرامتك."
ضمتها لحضنها تُكمل قائلة:
_"أنا مصدقاكِ، وحاسة بيكِ والله العظيم ".
_" مش قادره لحد دلوقتي أستوعب أنه بجد صدقهم...هما عملوا كده علشان يبعدونا عن بعض، هو أكتر واحد عارف ده، أزاي صدقهم".
منذ وقت وهي تُشير للجمع في صياغة حديثها، مما جعل والداتها تقطب حاجبيها تسألها:
_"هُما مين دول يا رضوى؟ ".
كانت منهارة تمامًا عقلها متوقف عن التفكير، أخذت تبوح لها دون أن تفكر في كلماتها أولاً:
_" نانسي ونادر.... هُما اللي عملوا كده علشان يفرقونا عن بعض، وهو شمتهم فينا بعد ما صدقهم فعلاً، ياما قولتله نانسي مش هتسكت يا مُراد، هيكون ليها ردة فعل وحشة، علشان كانت بتحبه، هتنتقم، وهو كان بيطمني ويقولي متخافيش أنا هنا جمبك محدش هيقدر يفرقنا ولا يبعدنا... ".
ضحكت علي سذاجتها، تُكمل:
_" وأنا كنت بصدقه،كُنت واثقة فيه... كُنت طول الوقت مستغربة أن نادر محاولش يحتك بيا، ولا يتكلم حتى وطول الوقت بره البيت أو مسافر ومش بييجي غير كل فين وفين، كنت فاكراه ضميره صحى وعرف غلطه وتاب عنه..... كنت بستغرب ليه دائمًا ساكت.... كنت غلطانه، أتاريه بيحضر لأنتقام علي نار هادية... ".
قاطعتها والداتها وقد بدأ الشك يتغلغل بداخلها، وقلبها ينذرها بأن هناك خطب ما، سألتها:
_" لا أستني هنا! نادر علاقته أي باللي حصل؟ وغلط أي اللي عرفه وتاب عنه، فهميني، في حاجه أنا معرفهاش بتحصل؟ أنطقي يا رضوى نادر ماله بيكِ، عملك أي... ولي ينتقم منكم، أنا مش فاهمه حاجه، فهميني، متقلقنيش؟ ".
_" ماما".
همست "رضوى" وهي تسحب أنفاسها محاولة أن تجمع حروفها. قبل أن تنطق بالكلمات، كانت كل مشاعرها تتصارع داخل صدرها، والخوف يعصر قلبها. لكن بعد لحظة من التردد، شعرت أنه لا مفر من الحقيقة، وأنه لا يمكنها أن تكمل حياتها في ظل هذا السكوت. ارتاحت قليلاً، ثم بدأت تحكي كل شيء، مرهقة من عبء سري كانت تخفيه طوال الوقت.....
بدأت تحكي بصوت منخفض، لكن الكلمات كانت تخرج كالشلال:
"ماما، أنا... أنا مش عارفة أبدأ منين. نادر عمل حاجة مش مفهومة، حاجة مكنتش أعرف أتصرف معاها. بس كنت في حالة من... التوهان، ومكنتش عارفة أزاي أوقفه.".
يتبع...