رواية جديدة قلب نازف بالحب لهاجر التركي - الفصل 24 - 3 - الإثنين 4/11/2024
قراءة رواية قلب نازف بالحب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية قلب نازف بالحب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة هاجر التركي
الفصل الرابع والعشرون
3
تم النشر الإثنين
4/11/2024
نظر إليها بنظرة ملؤها الإخلاص، وابتسم نصف ابتسامة خجولة، ثم أضاف بصوت هامس:
_" أحيانًا بقيت أحس أن أنا اللي فالبُرج وأنتِ اللي بتحاولي تنقذيني، كأنك بتساعديني علي إني أشوف الحياة بشكل مختلف، بطلعي من جوايا حاجات أنا مكنتش أعرفها.... دلوقتي أنا مش بناديكِ بالأسم ده من باب الهزار. "
بقيت "رضوى" صامتة، لكن عينيها كانتا تتحدثان بعمق أكبر من أي كلمة، وكأنها تستوعب كل حرف وكل إحساس ينقله لها حاولت أن تتماسك، إلا أن قلبها كان ينبض بقوة، وابتسامة خفيفة ارتسمت على شفتيها، تلامس روحها التي طالما كانت تشتاق لتسمع مثل هذا الاعتراف.
مراد اقترب منها خطوة، مدّ يده بخفة وأمسك بيدها، ناظراً إليها وكأنها سرٌ عظيم، لم يُفهم كاملاً بعد. قال بصوت متهدج، يحمل ما بين الرقة والامتنان:
"دي أول مرة مرة أقولها لحد، وأول مرة أعترف بيها فعلاً.... رضوي خليكِ جنبي، أوعي تتخلي عني"
تعمقت نظراتها إليه، وكأنها ترى شيئًا لم تره من قبل. لأول مرة تشعر بقربه الحقيقي، ذلك القرب الذي يتجاوز الكلمات ويخترق جدران الصمت. كان مراد صادقًا، هشًا، وشفافًا أمامها، كأنه يعترف ليس فقط بحبه، بل بضعفه، بمخاوفه، وبحاجته إليها.
ضغطت على يده بلطف، وقالت أخيرًا بصوت ناعم، كهمسة في الظلام:
"مراد…أنا بحبك، ولحد آخر نفس فيا أنا جنبك، أنت مش متخيل أنت بالنسبة ليا أي؟ "
كانت تلك اللحظة كأنها وعد غير معلن، حب لم يُفصح عنه بالكامل لكنه تخلل الأرواح، كأنه وعد بالنقاء والوفاء، بشيء أعمق من الكلمات، شيء يتجاوز القصص والأساطير ليبقى محفورًا في ذاكرتهما إلى الأبد....
❈-❈-❈
جلس" مراد" و"رضوى" في ركن هادئ من غرفة المعيشة، وقد نثرت ضوء الشموع ألقاً خافتاً على الجدران، مفعمةً برائحة الفانيليا التي امتزجت برائحة الكتب القديمة. كان" مراد" يحمل بين يديه رواية" عشرون ألف فرسخ تحت الماء"،" لجول فيرن" يحكي لها مغامرات عجيبة تحت سطح البحر، محاولاً أن ينقل لها شيئًا من شغفه وحبه للروايات الكلاسيكية.
بينما كانت جلستها إلى جانبه هادئةً وملهمة، استسلمت "رضوى" لصوته العميق الذي ينقلها إلى عالم مختلف. كانت تستمع له بعينين مغمضتين، مستشعرةً دفء حضوره إلى جوارها، وكأن كلماته تنساب كالموسيقى، تلتف حولها وتدغدغ روحها.
"مراد" بدأ يتحدث عن شخصية الكابتن نيمو، قائلاً:
"تخيلي، رجل متسلط، غريب الأطوار، يهرب من العالم البريء إلى أعماق البحر من قسوة الحياة على سطح الأرض ، يجد في المحيط ملاذه وجنته الخاصة، بعيدًا عن البشر وحروبهم..."
ثم توقف، ناظرًا إلى وجهها لينتظر تعليقهاابتسمت" رضوى "بخفة، قائلةً:
_" في جمال غامض في الهروب أحيانًا، كأننا كده بنستسلم لعالم أحنا اللي عملينه، بنبعد عن كل حاجه قاسية، علشان نعيش في مكان آمن، يمثل فقاعة الآمان بتاعتنا "
نظراتها كانت عميقة، تعكس مشاعرها الخفية وكأنها تشاركه فلسفة الهروب، قراءتها للكُتب بمختلف الثقافات واللغات جعلتها تملك خلفية عميقة عن الحياة برغم صُغر سنها....
استمر بالقراءة، ليصف اللحظة التي واجه فيها "نيمو "وحش البحر العملاق، وكان صوته متوترًا وكأنه يتحدث عن قتال حي. لم تكن الكلمات مجرد كلمات، بل كأنها تخرج من عمق قلبه. رأته" رضوى" للحظات يخرج عن شخصيته الجادة،شخصيته العملية ، يظهر شغفه غير المعتاد بالأحداث، وكأن الكابتن "نيمو" يمثل جزءًا من روحه.فكرت "رضوى" في كل ما يقوله، محاولة أن تفهم أكثر عن عالم "مراد" الداخلي الذي لا يشاركه مع أحد.... طالمَا كان هادئًا منعزل بحياته الخاصة بعيدًا، لا يتحدث عن نفسهِ كثيرًا، لا يذكر ما يُحب وما يكره.... عزمت علي أن تسحب منه الكلمات وتتعمق بداخلهِ، تعرف كل شئ عنه..... وكأنها لم تكن متربصة له سابقًا كالجسوسة ترصد كل حركة وكل فعل يصدر منه.....
مع استمرار" مراد" في القراءة، كان صوته يتغير وفقًا لتصاعد الأحداث في الرواية. حين يتحدث عن أمواج المحيط العاتية، كانت نبرته تصبح خافتة، مفعمة بحذر ورهبة، وكأن الأمواج تتسلل إليهم في هذا الركن الدافئ من الغرفة. كان يحكي عن لحظات الترقب والخوف، فيشعرها بأنهما جزء من هذا العالم السحري الذي يُطوى تحت الأمواج العميقة...
في لحظة من اللحظات، توقف فجأة وقال لها بنبرة مختلفة، وكأنه يخرج من جو القصة:
_"عارفة، الكابتن نيمو ده، أحيانًا بحس أنه بيمثل جانب مننا كلنا، جانب بنخبيه، الجزء اللي جوانا، اللي عايز يهرب من واقع الحياة، ويعيش في أعماق بعيدة، ومحدش يعرف عنه حاجة".
نظرت إليه بعينين لامعتين، وقد لامست كلماته شيئًا عميقًا داخلها. همست قائلة:
_"ممكن يكون كل واحد فينا في أعماقه في محيط خاص بيه، ملجأ سري كده، نستخبي فيه لما نحس اننا محتاجبن نهرب من العالم... تقريباً كده هو ده السبب اللي بيخلينا نتعلق بالروايات والكُتب، لأنها بتسمح لنا أننا نهرب من غير منبعد فعليًا".
تسللت يدها إلى يده، وشبكت أصابعها في أصابعه، محاولةً كسر حاجز الصمت الذي كان يحاول "مراد "أن يفرضه بينهما دائمًا. شعرت بنبضات يده القوية، وتمنَّت للحظة أن يبادلها حديثًا عفويًا عن كل ما يثقل قلبه..
عاد" مراد" إلى القراءة، لكن صوته الآن صار أهدأ، وكأن لمستها قد أزالت عنه بعض العبء. كان يقرأ لها عن غوص الكابتن" نيمو" بين الأسماك الغريبة والشعاب المرجانية التي تزدان بألوان زاهية. كان يصف تلك الأعماق وكأنها ملاذٌ لا يعرفه أحد سواهما، عالم بعيد عن الضوضاء، عالم يمتلئ بالسكون والسلام.
خلال قراءته، كان يميل برأسه نحوها بين حين وآخر، يرى نظراتها الساهمة، وكأنها تغوص معه في أعماق المحيطات، تلمس مياهها الهادئة بأطراف خيالها. ضحكت رضوى فجأةً حين وصف مراد كيف واجه الكابتن نيمو مخلوقًا بحريًا عملاقًا:
_"أظن أن أنا كمان هحتاج لكائن زي ده علشان يحميني لو قررت أهرب "
قالتها بنبرة مازحة.ابتسم "مراد" ابتسامة خفيفة، لم يظهرها كثيرًا، وقال لها بهدوء:
_"لو أحتاجتي لحامي، فـ أنا هنا موجود، مش علشان أنا كائن بحري عملاق، لا، علشان أنا واقف جنبك يا رضوي .... ومحتاجلك أكتر ما أنتِ محتجالي بمراحل "
صمتت" رضوى "للحظات، وقد ارتعش قلبها من وقع كلماته. كان للصمت بينهما عمق أكبر من أي حوار، حتى قرر مراد أن يُكمل القراءة، بينما كانت يدها تظل متمسكة بيده.......
بعد أن انتهى" مراد" من قراءة الفصل الأخير من الرواية، التفت ليجد سيدة كسولة، قد غفت بعمق، مستندةً برأسها على كتفه. ابتسم بامتنان، مراقبًا وجهها الهادئ، وشفتيها المنفرجتين بخفة وكأنها تستمتع بحلم هادئ. شعر بشيء من السعادة وهو يراها بهذه الحالة من الراحة، وكأنها وجدت في حضوره ملاذًا دافئًا.
ثم رفع يده الأخرى برفق ولمس كتفها برقة، محاولاً إيقاظها دون أن يزعج نومها، همس بصوت دافئ وناعم:
_ "رضوى…أصحي،أصحي يا روبانزل؟"
لكنه بالكاد تجرأ أن يكون صوته عاليًا، وكأن الكلمات تتردد في صدره قبل أن تنطلق. فتحت عينيها ببطء، واستقرت نظراتها على وجهه، مرتجفة بعض الشيء بين النوم واليقظة، وتبسمت بخجل عندما أدركت أنها قد غفت على كتفه.
ضحك مراد بهدوء وقال:
"كنتِ نايمة شبه الملاك والله … بس بلاش تجربيها تاني مع دراعي ده، مش قادر أتحرك يا بنتي!"
ضحكت "رضوى"، متذكرةً سحر اللحظة بامتنان،معتذرة بخفة ولطافة، مرر يده على جبينه بابتسامة مرحة، وقال مازحًا:
_" للأسف الشديد كُنت أتمني أشيلك وأدخلك جوه لأن عارف ساعتها أن الموضوع هيتطور أكتر وأنا بصراحه هموت ويتطور..... بس دراعي بقا أقول أي؟ ده بقا هادم اللذات واللحظات.... ".
داعبَ أرنبة أنفها بإبهمه، نظر إليها. بجاذبية، وملامحه تحمل مزيجًا من الشغف والحنان. كان الضوء الخافت من الشموع ينعكس على وجهه، مما أضفى على ملامحه هالة دافئة. اقترب منها، ويداه تستقران برفق على ذراعيها، كما لو كان يحاول أن يربط بين قلبيهما.
_" بس هانت كلها بكره وهفكُه أخيرًا، ساعتها أقدر أنحرف براحتي ".
عندما نظر إلى عينيها، استشعر وجود شيء عميق يتجاوز الكلمات، وكأن كل نظرة تحمل معها مشاعر غير مُعلنة. كانت عينيه تعكسان الكثير من الحب والإعجاب، مما جعل قلب" رضوى" ينبض بسرعة. مع كل لحظة يقضيها بالقرب منها، كان يشعر وكأن الوقت يتوقف، وكأنهما في عالم خاص بهم، بعيد عن كل شيء آخر.
بينما كانت "رضوى" تبتسم بخجل، كانت تعكس أيضًا مشاعرها، وهي تدرك أن تلك اللحظات الهادئة تحمل فيها شغفًا دفينًا. كانت أنفاسه قريبة، ورائحة عطره تملأ المكان، مما جعلها تشعر بالحميمية التي كانت تحيط بهما....
_"بقولك أي، هو أنا ممكن أخد حاجة صغيرة كده من تحت الحساب.... حاجه زي بتاعتة من يومين كده ".
أبتعدت عنه تقول بتعلثم وخجل:
_" مُراد بس بقا... ".
أصدر ضحكة قوية نابعة من قلبه، شدها مرة اخري لتستقر علي ذارعهِ، يقول بينما يدفن وجههِ بخصلاتها:
_" علي فكرة أنا مؤدب جداً، وهتشوفي كمان...... عاملك مفجأة كده حلوة بكره.... ".
طالعته بحماس تقول بفضول فشلت في أخفائهِ:
_" بجد، أي هي طيب؟ ".
_لا ماهي كده مش هتبقي مفجأة... بس أوعدك هتعجبك جدًا، بس يكون في علمك هتردهالي بمفجأة علي زوقك، بُكره هنزل أفُك الزفت ده، وبعدين هجي باليل نروح، أجي الاقيكِ جاهزة".
يتبع...
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة هاجر التركي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية