رواية جديدة بحر ثائر لآية العربي - الفصل 7 - 4 - السبت 30/11/2024
قراءة رواية بحر ثائر كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية بحر ثائر
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة آية العربي
الفصل السابع
4
تم النشر السبت
30/11/2024
جلست ليلًا في ركنها الهادئ تحمل بين يدها كتابه بعدما قررت فصل شخصيته عن كتبه ، ستتعامل مع كلماته فقط بعدما راق لها بحره .
زفرت بقوة ثم تحسست الكتاب بيدها وفتحته تقرأ مقدمته حيث دوّن في الصفحة الأولى :
- أعيدي كتابي إلى ركنهِ إذا ..
*أتيتِ من أسفل حطام انتقاده لكِ .
*اكتشفتِ خيانته وتسعين لاستعادته .
*أَحَبّكِ في السراء وسخر منكِ في الضراء .
*يوهمكِ دومًا بأنكِ سبب نرجسيته .
أعيديه وإلا ستتألمين .
وقفت بعقلها أمام تحذيراته لها ، كأنه وصل لأعمق مستوى داخل مشاعرها لتبتسم بسخرية مؤلمة .
يحذرها بألا تقرأ كتابه وإلا ستتألم ! يبدو أنها وقعت معاهدة سلامٍ مع الألم برغم أنه عدوها اللدود لذا مدت يدها تقلب هذه الصفحة وتقرأ التالية حيث كُتب :
- قبل التعمق في القراءة واستكشاف داخلكِ ونقاط متعتكِ يجب أن تدركي أنكِ لا تشبهين الرجل عزيزتي ، الذكر لا تؤثر على متطلباته الجنسية أي تأثيرات نفسية فيمكنه بسهولة دفن زوجته نهارًا وإقامة علاقة مع أخرى ليلًا .
أما أنتِ .. يكفيكي فخرًا بأن الله أعطاكِ عطلة شهرية لأنه أفضل من يعلم دواخلكِ ، لا يمكننا قطع الحبل المتصل بين نفسيتكِ ومتعتكِ الجسدية وإلا ... أصبح الحبل مشنقة .
ابتلت الورقة بدموعها التي سقطت على كلماته ، كان محقًا حينما نصحها ألا تقرأ ، كان محقًا حينما أخبرها أنها ستتألم .
إن كانت بداية الكتاب آلمت روحها هكذا فماذا إن تعمقت فيه لذا أغلقته ، كاذبة إن قالت أنها والألم باتا صديقين ، هما عدوان للأبد .
❈-❈-❈
بعد مرور عدة أيام .
لم تعد تحتمل الصبر أكثر من ذلك ، لقد مر وقتًا طويلًا وإلى الآن لم تصل إلى هدفها ... لذا.
تهيأت وتجملت واتجهت لتراه في محل عمله ، اليوم ستحسم أمرهما وترى هل سيتزوجها أم سيتزوجها فلا يوجد لديه خيارًا آخر .
وصلت إلى المحل ودلفت تباغته بنظرة معاتبة ومتلاعبة في آنٍ وهي تتقدم منه حتى وقفت أمامه وبنبرة يشوبها الحزن والبكاء الماكر قالت :
- أنا جاية النهاردة ومش ناوية أمشي غير وانت مرسيني على بر ، ولا انت كنت بتلعب بيا ؟
التفت ينظر حوله يتأكد من العمال الذين يعلمون بالأمر من البداية ولكنهم يلتزمون الصمت خوفًا من قطع رزقهم ، ليقف يخطو نحوها ويقبض على ذراعها يجلسها بنظرة تحذيرية وبنبرة مهيمنة ينفش شخصيته بها قال وهو ينحني نحوها :
- قلتلك بلاش تيجي هنا وأنا اللي هجيلك ، وبعدين إيه بلعب بيكِ والكلام الأهبل ده ؟ شيفاني عيل قدامك ؟
اقتربت منه وتغنجت في حركتها ونبرتها تجيبه :
- فشر ، دانت سيد الرجالة كلهم ، بس إنت سايبني لعقلي يودي ويجيب ومش مرسيني على بر وانت عارف إني بحبك ومابقتش اقدر ابعد عنك ، فكرك يعني سهل عليا احب واتعلق بواحد متجوز وعنده عيلين ؟ بس اعمل إيه في قلبي اللي اتعلق بيك أول ما شافك .
كطفلٍ صغيرٍ أبله استقطبته ساحرة بتفاحتها المسموسة وكم كان محرومًا لتذوقها كأنه مل من تناول الشهد لذا ... جلس في المقعد المقابل لها ومد يده يمسك بكفيها وينحني عليها مجيبًا بنبرة مأخوذة بما قالته :
- طب اهدي بس وانا هعملك اللي انتِ عايزاه ، أنا بس بدور على شقة كدة تكون على قدنا واضبطها ونتجوز .
نزعت يدها من يده وطالعته بتعجب تستطرد :
- بتدور على شقة ؟ ليه إن شاء الله مانت عندك البيت كذا دور ؟
توترت نظرته قلقًا حينما تذكر ديما ليتحمحم مسترسلًا بتوضيح :
- أيوة بس مراتي والعيال وكدة ، مش عايزهم يعرفوا ، أنا مش ناقص دوشة .
اعتدلت وتجهمت ملامحها وصاحت باستنكار :
- يعني إيه الكلام ده يا كمال ؟ لتكون ناوي تتجوزني في السر ياخويا ؟ لا يا حبيبي إنت لا بتعمل حاجة عيب ولا حرام ده جواز على سنة الله ورسوله وحقك ، مش إنت بردو قلتلي إنها مش بتديلك حقوقك ومقصرة معاك ؟
ابتلع لعابه وعاد ينظر حوله ثم استقر عليها يردف بنبرة راجية :
- وطي صوتك العمال حوالينا اللاه ، واهدي كدة واصبري لما اشوف هعمل إيه؟ وبعدين بلاش تيجي هنا تاني أنا مابحبش الأسلوب ده .
عادت تقترب منه ورفعت كفها تربت على صدره مسترسلة بهمس وغنج :
- حاضر ، إنت تؤمر يا كمولتي ولما أشوف هتعمل إيه علشاني ، أنا هستنى منك خبر قريب .
نهضت بعدها تطالعه بعيون يتلألأ فيها المكر واستطردت قبل أن تغادر :
- يالا سلام .
غادرت من حيث أتت وجلس يتابعها حتى اختفت ليطلق سراح أنفاسه ويملس على صدره باستمتاع كأنه تناول وجبة دسمة لتوه ، يشتهيها بكلماتها وحركاتها وطريقتها التي تناسبه كما لو كانت فُصّلت على قياسه .
❈-❈-❈
تفعل المستحيل لتعود زوجته من جديد ، بحثت ونقبت عن جميع الخطط والألاعيب التي يمكنها استعادته بها وجميعها باءت بالفشل معه ، حتى ابنهما استغلته ولكن خاب ظنها .
هي لا تستطيع فعل شيء سوى معاقبة كل من تقترب منه ، إذا كان اختار البعد عنها فليبتعد عن أي أنثى تمشي على هذه الأرض وإلا رأى الجنون على أصوله .
ولكنها تتآكل كلما استعادت ذكرياتها معه ، أسلوبه وغموضه وشخصيته ، لمساته لها ، أحيانًا تصبح على وشك الانفجار اشتياقًا له ولذا .. ها هي تقرر اللعب على أوتار شخصيته ولتستمتع قليلًا معه فلم تعد تجد سبيلًا آخرًا للوصول إليه .
تناولت الكأس الذي لم تعد تعلم عدده وجلست بين الجميع تتمايل وتغني بصخب لا يضاهي صخب المكان من حولها .
ترتدي فستانًا التصق بجسدها فباتت تشبه الحية إلى حدٍ كبير خاصة بنقوشه التي تشبه جلد الثعبان ، أحمر شفاهها القاني التصق بالكأس الذي تجرعته دفعة واحدة لذا ارتعشت وانكمشت ملامحها ثم وضعت الكأس على الطاولة واقتربت من النادل تناوله هاتفها قائلة بنبرة مهتزة مترنحة :
- خذ هذا وهاتف زوجي أخبره أن يأتي ليصطحبني فأنا على وشك السقوط .
نهضت بعدها تترنح وتخطو نحو حلبة الرقص بين الرجال والنساء ثم خلعت نعليها وبدأت تتمايل على أنغام الموسيقى باستمتاع وتنتظر مجيئه وتعلم جيدًا أنه سيعاقبها وهذا ما تسعى له .
وبالفعل هاتف النادل ثائر الذي كان يجلس مع شخصٍ ما في مكانٍ ما فأجابها متسائلًا بترقب :
- ماذا هناك مارتينا ؟
- سيدي هل يمكن أن تأتي إلى ملهى المدينة ؟ زوجتك هنا وهي ليست في حالة جيدة.
اغمض عينيه يزفر ويدرك جيدًا إلام تسعى ليجيبه بجمود :
- حسنًا أنا قادم .
❈-❈-❈
كمبنى هدمت أعمدته الداخلية ولم يتبقَ سوى الهيكل الخارجي الذي يأبى الاستسلام .
دلف منزله يفكر باستمرار منذ أن زارته ديما ، يبحث عن سببٍ لفعلته القادمة ، باستطاعته أن يستل من الشرع ما يساعده ولكنه يسعى للبحث عن اتهامٍ لها وكأن فعلته نتيجة تصرفاتها .
كالعادة المنزل هادئ ، صغيراه ناما مبكرًا والسكون يعم الأرجاء ، سكون دومًا ما أجبرها عليه ولكنه الآن يستنفره ، يشعره بالكآبة ، حتى هذه الرائحة العطرة التي تفوح من أركان البيت تخنقه وكأن عقله تهيأ لاستقبال حياة جديدة .
بحث عنها في ركنها المعتاد فلم يجدها لذا تحرك نحو غرفته ليراها فلم يرها لذا زفر وارتد على الفراش يفكر مجددًا ويبحث في كومة عقله عن سببٍ مقنعٍ ليناوله شيطانه ما يريد .
كانت في الحمام تنظر لساقيها اللتان امتلأتا ببقع الدماء المتجلطة ، حزينة على نفسها ولكنها راضية ، صابرة ومحتسبة ، يكفيها أن صغيريها بخير وصحة جيدة وحياة كريمة .
أنزلت قميصها الأبيض الدانتيل المكون من عدة طبقات ثم نظرت لوجهها في المرآة المعلقة تتمعن النظر في ملامحها الجميلة ، تحتفظ برونقها ولكن عينينها تحملان حزنًا مضاعفًا برغم ابتساماتها التي توزعها جيئةً ورواحًا .
غسلت وجهها وجففته ثم تحركت نحو الخارج لتستمع لصوت هاتفه يتصفحه لذا تنفست بقوة وتحركت نحو غرفتها .
دلفت تبتسم له قائلة بنبرة هادئة :
- حمدالله ع السلامة ، احضرلك العشا ؟
لم يجبها بل ظل يتابع الفيديو عبر الهاتف فتنفست بقوة لتسيطر على ضيقها وقررت البوح ببعضٍ مما تشعر به فلن تنتظر حتى تصاب بجلطة رسمية لذا استرسلت بنبرة محتدة :
- كمال أنا بكلمك .
أبعد الهاتف يزفر بضيق ويطالعها مجيبًا :
- عايزة إيه ؟
- مش عايزة حاجة ، بسألك لو هتتعشى .
اعتدل في جلسته يحدجها بعيون التمعت فيهما القسوة وبدأ يلقي سهامه نحوها مسترسلًا :
- مش عايز منك حاجة ، مش إنتِ عايزاني ابعد عنك ومش طايقاني وكل ما اقرب منك تطلعيلي بحجة شكل ؟ خلاص ابعدي عني بقى .
كيف لها أن توضح لشخصٍ مثله ما تشعر به ؟ كيف لها أن تقعنه أن أفعاله هي التي تعيقها عنه .
لقد جفت ينابيع حبها وودها وصبرها ، جفت وتصحرت ولن تروي عطشه بقطرة حب بعد ذلك .
زفرت وحاولت تدريب نفسها على ما قرأته في كتاب علم النفس الذي ابتاعته وقررت التحدث إليه لذا أردفت معبرة بتروٍ تحاول تجاهل ما علمته عن شخصيته النرجسية علها تصل معه إلى حلٍ يمكنه مساعدتها على التأقلم :
- أنا غيرك يا كمال ، وحـاول تركز كويس في كلامي وماتعملش زي كل مرة وتقلب عليا الترابيزة وتطلعني أنا الغلط ، مشاعري غير مشاعرك ، أنا محتاجة أحس إنك بتحبني ومراعي مشاعري ومهتم بيا ، أنا مش بشوف منك أي حاجة تدل على كدة وغصب عني بحس إني مش قادرة اتعامل في حقوقك الشرعية ، كل ما أحاول اتعامل مع الموضوع على إنه حق وواجب بحس إني مش قادرة ، إنت حاطط حاجز بيني وبينك بمعاملتك ونقدك كل شوية واتهامك ليا بكل صغيرة وكبيرة بتحصل ، فيه سد انت بنيته باستهتارك بأي حاجة بعملها وده على مدار سنيني معاك ، كل مرة كنت بحاول أوصل معاك لحل بتتهمني إني مملة ومدية المواضيع فوق حجمها لدرجة انك خلتني أشوفك بتمسح دموع واحدة تانية غيري وقلت لنفسي عادي بلاش تدي الموضوع فوق حجمه ، إنت وصلتني لطريق مسدود في علاقتنا ، غصب عني وانت السبب .
كأنها نبشت عش الدبابير وقد كان ينتظرها لتنبشه ، بكل ما أوتي من غضبٍ هاجمها بكلماته المسمومة وهو ينهض يتجه نحو خزانة ملابسها ويفتحها ويصيح :
- أنا السبب ؟ أنا راجل ماعنديش دم ، أنا مش بعرف اتعامل مع ستات .
كان يتحدث وهو يلقي بملابسها الخاصة التي اشتراها لها أرضًا ليثبت لها أنه فعل ما بوسعه لها وظل يتابع :
- أنا راجل ناقص مابفهمش ، مشاعرك ومشاعري إيـــــــــــه ؟ دانا ماخلتش هدوم وبرفانات وهدايا غير لما جبت ، دانا مافيش راجل في الدنيا كلها زيي ، وفي الآخر أنا السبب ؟
لطم الخزانة بعنفٍ واتجه نحو مرآة الزينة يلقي من فوقها العطور وأدوات التجميل التي ابتاعها لها ويسترسل بأسهمٍ حادة استهدفت روحها :
- إنتِ اللي ست ناقمة ، بتتبتري ع العيشة اللي مافيش حد زيك عايشها ، دانتِ واهلك تحمدوا ربنا إني اتجوزتك ، دا أبوكي زهق منكوا ورماكوا وأنا اللي علمتك يعني إيه لبس وهدايا ، لاء فوقي .
نطق الأخيرة وهو يرطم آخر زجاجة عطر في مرآة الزينة فتهشمت كما تهشم خاطرها ووقفت بين الفوضى وكلماته عاجزة عن الحركة ، دموعها أتت خوفًا عليها من الكتمان ، أتت لتعبر عن وجعٍ مقيدٍ فانهمرت من عينيها أمامه وباتت كلمة الطلاق على طرف لسانها تتأرجح ليمنعها من قولها صغيرها الذي استيقظ على صوت التكسير وصراخه وأسرع نحوها وحينما رأى هذه الفوضى استقرت عينيه على والدته التي لأول مرة لم تفتح ذراعيها لتستقبله وتطمئنه بل وقفت عاجزة تشتكي عجزها له لذا قرر تولي الأمر عنها وباغت والده بنظرة كريهة ليتحدث بجرأة تملكت منه لأول مرة :
- ماتزعلش ماما ، ابعد عنها .
خمدت نيرانه بعدما عمت الفوضى ووقف ينظر نحو ابنه بغيرة من حبه لأمه ولولا أنه اعتاد ألا يضربهم لكان تلقى منه ما يستحقه لذا اندفع يمر ويغادر الغرفة بل والشقة بأكملها وصعد لشقته العلوية تاركًا خلفه ابنه يحمل على عاتقه مسؤولية التخفيف عن والدته حيث اتجه نحوها وعانق خصرها يردف بحنان :
- ماتزعليش يا ماما ، أنا هشيل الحاجات اللي كسرها ، اقعدي إنتِ .
ولكنها هي التي انكسرت أيها الصغير ، هي التي تفككت إلى قطعٍ يصعب جمعها مجددًا لذا وقبل أن تتراجع فيما طرأ على عقلها ، ربتت على كتفه ثم تحدثت بنبرة تحمل قوةً وضعفًا :
- مالك روح صحي اختك يالا علشان هنروح عند تيتا .
ابتعد يطالعها وتجلت الفرحة في عينيه متسائلًا :
- هنروح دلوقتي ؟
أومأت له ليتساءل بخوف :
- طب وبابا ؟
زفرت بقوة وأردفت :
- روح بس يالا صحيها وماتخافش .
أومأ لها وأسرع الخطى عائدًا إلى غرفته كي يوقظ شقيقته بينما هي اتجهت تحضر حقيبة وتجمع بها أغراضهم لتغادر ولترى ماذا هي بفاعلة .
يتبع...
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة آية العربي، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية