-->

رواية جديدة على سبيل الألم لرانيا ممدوح - الفصل 4 - 2 - الثلاثاء 24/12/2024

 

قراءة رواية على سبيل الألم كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية على سبيل الألم 

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رانيا ممدوح 

الفصل الرابع

2

تم النشر الثلاثاء

24/12/2024



ضحك ليث وقال بجدية أكثر:


"لما عمي يعطيني فلوس، هبقى أعطيكِ. المهم تسرعي في الموضوع."


ضحكت ليان بصوت عالٍ، وكانها أرادت أن تخفف من التوتر الذي شعر به ليث، ثم قالت مع ابتسامة عريضة:


"أنت ظريف أوي يا ليث خلاص، علشان أول قضية رسمية ليّا، مش هاخد فلوس وهتكون مجانًا للنهاية. وربنا يقدرنا على فعل الخير، هروح لها وأمشي في الإجراءات اللازمة."


ابتسم ليث لها بإمتنان، وكان من الواضح أن هناك شعورًا بالراحة والاطمئنان في عينيه. قال:


"شكرًا أوي يا ليان، ربنا يوفقك دائمًا."


ليان هزت رأسها بتفهّم، ثم قالت:


"طيب يا أخويا، روح بقى على تمرينك علشان متتأخرش."


أجاب ليث بابتسامة عابرة وهو ينهض من كرسيه:


"تمام، سلام."


ثم غادر، بينما كانت ليان تتابع تحركاته بخطوات سريعة في ذهنها، تحضر خطة الدفاع التي ستضعها من أجل سبيل.

❈-❈-❈

دخلت ليان إلى قسم الشرطة وهي تحمل حقيبتها بحذر، عيونها مليئة بالعزم والإصرار. كانت قد سمعت الكثير عن قضية سبيل، وقررت أن تقف بجانبها وتدافع عنها رغم تعقيد الأمور. توجهت مباشرة إلى مكتب الضابط حسام، الذي كان مشغولًا في ترتيب بعض الأوراق. عندما رفع نظره ورآها، ابتسم ابتسامة صغيرة وهو يرحب بها.


"مساء الخير، أنا ليان، المحامية المتطوعة للدفاع عن سبيل عبد الله. جئت للحصول على تفاصيل القضية"، قالت ليان بهدوء وهي تضع حقيبتها على الطاولة.


حسام نظر إليها بجدية قبل أن يرد: "مساء النور. أهلاً بكِ. لقد سمعت عنكِ، ويبدو أنكِ شجاعة جدًا لتأخذي هذه القضية رغم تعقيدها. سأسهل لكِ الأمور، سأعطيكِ كافة المعلومات التي تحتاجينها."


ليان ابتسمت قليلاً، ولكن كان في عينيها شغف عميق لمعرفة التفاصيل. "شكرًا جزيلاً. أنا عايزة أعرف تفاصيل التحقيقات، هل في أي أدلة جديدة؟ وكيف تم اكتشاف القضية أصلًا؟"


حسام تنهد قليلاً ثم بدأ يروي التفاصيل بتركيز: "القضية بدأت عندما تم العثور على والدها ميتًا في المنزل، وكان متعرضًا للطعن بالسكين. للأسف، لم نجد أي أثر للعنف من الخارج، وكل شيء داخل المنزل كان طبيعيًا. الكاميرات أيضًا لم تسجل أي شيء غير عادي. سبيل كانت آخر من دخل المنزل، ووجدناها فاقدة للوعي بجانب جثة والدها ، و تحمل سلاح الجريمة."


عينا ليان اتسعتا قليلًا وهي تستمع لكل كلمة، كانت تحاول أن تجمع قطع اللغز المفقودة. ثم سألت، "والدتها؟ أين هي؟ هل كان هناك أي أثر لها؟"


حسام حرك رأسه قليلًا وهو يجيب: "والدتها اختفت، ولم نعثر على أي دليل يشير إلى مكانها. لكن، مع اختفاء الأم، الأمور تصبح أكثر تعقيدًا. الكل يشك في سبيل، لأنها الوحيدة التي كانت موجودة في المنزل. لكن لا أستطيع أن أقول شيء مؤكد بعد."


توقفت ليان للحظات، وجهها مليء بالدهشة. كانت تفكر في كل الاحتمالات. ثم قالت بصوت منخفض: "هل هناك أي دافع يمكن أن يبرر الجريمة؟"


حسام أطلق زفرة قصيرة وهو يحرك يديه بتوتر: "هذا ما نبحث عنه، لكن حتى الآن لم نجد دافعًا واضحًا. القصة تبدو غامضة، لكن هناك شيء واحد واضح: الكل يظن أن سبيل هي المذنبة."


ليان عبست قليلاً، ثم قالت بجدية: "أنا مقتنعة أنه فيه شيء مفقود في الصورة دي. يمكن يكون في تفاصيل صغيرة احنا مش شايفينها. المهم إن كل الأدلة ضدها. لكن أنا هنا علشان أكتشف الحقيقة."


حسام كان ينظر إليها لفترة، وكان واضحًا في عينيه نوع من الحذر والاحترام في الوقت نفسه. ثم قال بنبرة معتدلة: "أنا فاهم موقفكِ، وليكِ كل الحق في الدفاع عن موكلتك. بس لازم تكوني حذرة، لأن القضية معقدة، وفي أدلة قوية ضدها."


ليان ابتسمت ابتسامة خفيفة، وعينيها تلمعان بالعزم: "أنا فاهمة، لكن في محاميين كتير رافضين الدفاع عنها، ودي فرصة ليّا علشان أثبت براءتها. أنا هشتغل على القضية وأتأكد من كل حاجة."


حسام هز رأسه موافقًا، ثم قال بنبرة دافئة: "حسنًا، سأترك لكِ الملفات المتعلقة بالقضية. وإذا كنتِ بحاجة لأي شيء آخر، أنا هنا للمساعدة. لكن تذكري أن هذه القضية قد تكون أصعب مما تتصورين."


ليان ابتسمت بحماسة، ثم قالت: "شكرًا على مساعدتك، أنا هبدأ الآن في جمع الأدلة والشهادات. وهدور على الخيط المفقود اللي يمكن يغير كل حاجة."


حسام منحها ابتسامة صادقة، وأشار لها مغادرًا: "حظًا موفقًا، ليان. وإن شاء الله تكتشفي الحقيقة."


ثم غادرت ليان قسم الشرطة، وقلبها مليء بالأمل. كانت عازمة على أن تكشف الحقيقة، مهما كانت الصعوبات التي ستواجهها.

❈-❈-❈

توجهت ليان بسيارتها إلى المستشفى، وقلبها مليء بالتساؤلات. عند وصولها، طلبت التحدث مع سبيل. بعد لحظات من الانتظار، وافقت سبيل على مقابلتها. دخلت ليان الغرفة حيث كانت سبيل مستلقية على سريرها، عينيها متورمتين من البكاء، وحركاتها بطيئة، كأنها لا تزال تحت تأثير الصدمة.


ليان جلست بجانب السرير، وبادرت السؤال بصوت منخفض، محاولة أن تكون لطيفة دون أن تزيد من حدة القلق الذي بدا على وجه سبيل:

"يعني اليوم ده ملاحظتيش أي تغيير، أي حاجة غريبة غير مألوفة في بيتكم؟"


تجمدت سبيل للحظة، ثم نظرت إلى ليان بعينيها اللتين أطفأتهما الدموع، قبل أن تنطق بصوت متحشرج:

"لأ، مفيش زي أي يوم عادي. ده حتى مرات عمي شوقي كلمت ماما في اليوم ده علشان تطمّن عليها زي ما بتعمل كده كل فترة. مرات عمي دي قريبة جدًا لينا، وست طيبة وغلبانة، وماما كانت بتحبها وبتعطيها لبس وفلوس كتير. علشان عمي شوقي كان عاطل عن العمل وكمان بيشرب خمرة وحشيش، وكل يوم يضربها علشان عايز فلوس. ماما ماكنتش بتحبه علشان كده، هي كانت بتكره أي راجل يمد إيده على واحدة ست. فرق كبير بينه وبين بابا."


كان التعبير على وجه ليان يظهر تفاعلها مع كل كلمة، عيونها مليئة بالاستفهام، ثم تابعت بسؤال آخر:

"هي جت زارتك أقصد مرات عمك بعد اللي حصل؟"


سبيل هزّت رأسها بحزن، وكأنها تعيد ذكرى مؤلمة. وجهها بدا شاحبًا، وعينيها محملتين بالأسئلة عن الحياة التي كانت قد تدمّرت.

"لأ، أكيد جوزها مانعها، لكن أنا عارفة متقصّرش معايا أبدًا ؛ لأنها ست طيبة جدا ، و كانت على طول تسأل علينا في التليفون."


ليان شعرت بقلق متزايد، فاقتربت منها أكثر وسألتها بتردد:

"طب ما أخدتيش أي حاجة من أي حد، مشروب مثلًا؟"


سبيل نظرت إليها بعينين مليئتين بالتساؤل، متسائلة عن مغزى السؤال. كانت عيونها مليئة بالتعب، لكنها حاولت التركيز في الجواب.

"لأ، ليه؟"


ليان تحركت في مكانها قليلاً، ثم قالت بحذر، وكأنها تشك في شيء لم تتضح معالمه بعد:

"ممكن يكون حد حطلك حبوب هلوسة، أو مخدر ميبانش في التحليل."


سبيل عبست وجهها قليلًا، وتفكيرها مشوش، ثم ردّت بعينين خائبتين:

"لأ، أنا علاقتي محدودة مع الكل، في المدرسة وفي التمرين."


ليان شعرت بأن هناك شيئًا آخر وراء كلمات سبيل، فحاولت أن تفهم أكثر. كان وجهها متجهمًا قليلاً من القلق:

"طب ليه؟"


سبيل نظرت إليها بنظرة حنين، وابتسمت ابتسامة حزينة. كانت تتحدث وكأنها تفتح جزءًا من قلبها المكلوم:

"أصل أنا كنت ساكنة في حي شعبي، وماما كانت مانعة أني أتعامل معاهم علشان هم كانوا بيئة على حد قولها، ومش حابة أحتك بيهم، فتعودت أكون من غير أصدقاء، وأكون لوحدي."


سألت ليان بنبرة هادئة، "سبيل، ممكن تقوليلي أكتر عن والدتك؟"


❈-❈-❈


نظرَت سبيل إلى ليان بنظرة مليئة بالحزن الخافت، ثم بدأت تتحدث بصوت منخفض، كأنها تعيد تذكر الماضي بصعوبة. "ماما سميرة كانت دايمًا تقول لي إنها جاية من عيلة مشهورة شوية، عيلة كبيرة، بس دايمًا كانت تقول الكلام ده في لحظات معينة لما كنت أسألها عن أصولنا، و كانت دايمًا بتقول إنهم بيعتزوا بشرفهم وبكرامتهم. كانت بتقول إنها مش عايزة تحكي تفاصيل أكتر عن الموضوع ده لأن مفيش داعي، لكن كانت تفتخر دايمًا بالحكايات اللي كانت سمعاها عن عيلتها، بس مكنتش بتقول حاجات كتير، دايمًا كانت تبتسم وتقول إنها مش عايزة تفتح صفحة صعبة من الماضي."


"كانت دايمًا تقول الكلام ده لما تحس إني محتاجة أعرف حاجة عن نفسي، كأنها كانت عايزة تملأ الفراغ اللي كنت حاسة بيه، مش عارفة ليه كانت متمسكة بالجزء ده من ماضيها، بس كان واضح إنها مش حابة تفتح المجال دايمًا."


شعرت ليان باهتمام متزايد، وواصلت سؤالها برفق، "هل كنتي تعرفي أي حاجة عن عيلة مامتك؟ يعني حتى لو حاجة بسيطة؟"


أومأت سبيل برأسها برفق، وكأنها تسترجع الذكريات بصعوبة، وقالت بصوت هادئ "كانت ماما تقول دايمًا إنهم كانوا محترمين جدًا، وكانوا بيعيشوا حياة مختلفة، حياة بعيدة عن مشاكل العالم الخارجي. كانت بتقول دايمًا إنهم كانوا يهتموا بسمعة العائلة وبحفاظهم على الكرامة، بس دايمًا كانت تبتسم وتغير الموضوع بسرعة من غير ما تكمل تفاصيل أكتر."


قالت ليان بفضول، "طب محدش كان بيسأل عنكم؟ يعني، ما فيش حد حاول يتواصل معاكم أو يسأل عن أحوالكم؟"


أجابَت سبيل بصوت هادئ وبعينيها لمعة غامضة، "لأ، مفيش حد. ماما كانت دايمًا تقول إننا مش محتاجين حد، وإن العيلة بتكون معاك في الأوقات اللي فيها الناس محتاجين فعلاً لبعض، بس غير كده، ما كانش في حد بيسأل."


ثم أضافت سبيل، وهي تحاول أن تخفي مشاعر مختلطة من الحزن والمرارة: "ماما كانت دايمًا تقول إن العيلة دي مش زي ما الناس بتظن، كانت مشغولة بمشاكلها الخاصة، وما كانوش مهتمين بنا. كانوا بيعيشوا في عالمهم الخاص، ودايمًا كانت تقول إننا لو محتاجين حاجة لازم نقدر نحلها بأنفسنا."


شعرت ليان باندهاش لما سمعته، وكأن هناك جوانب مظلمة ومخفية عن عائلة سبيل، ولم تستطع إلا أن تتساءل: "يعني حتى بعد ما حصل الحادث، مفيش حد من العيلة جالكم؟"


قالت سبيل بصوت منخفض، وكأنها تكتم شيئًا عميقًا في قلبها: "أنا معرفش حد من عيلة ماما. ماما كانت دايمًا تقول لي إنهم مش قريبين منها، وإنها مش بتحب تتعامل معهم. كانت دايمًا تقولي إنهم ناس بعيدين عننا، وإننا مالناش أي علاقة بهم."


ثم أضافت وهي تنظر إلى الأرض، "ماما كانت دايمًا حريصة على إننا نعيش حياة مستقلة بعيدًا عن مشاكلهم. يمكن كان عندها أسبابها الخاصة، بس ما كنتش أفهمها وقتها."


ليان، التي كانت تتابع حديث سبيل بعينين مليئتين بالفضول، لم تستطع إلا أن تشعر أن هناك شيئًا ما غير واضح في كلام سبيل. "هل ماما كانت بتتكلم عنهم في مرات معينة؟" سألت ليان بحذر.


أجابَت سبيل بتردد، "أيوة، لكن كان دايمًا كلام مختصر. لما كنت أسألها عن عيلتها، كانت تكتفي بالرد وتقول لي 'هم ناس مش زيكوا، ودي حياتهم'، وكأنها مش عايزة تفتح الموضوع أكتر. بس أعتقد إن كان في حاجات مش كويسة حصلت مع عيلتها، عشان كده ماما كانت دايمًا تفضل نعيش بعيد عنهم."


قالت ليان بتعبير يعكس الدهشة: "حاجة غريبة فعلاً." كانت تنظر إلى سبيل بتركيز، وكأنها تحاول فهم كل كلمة قالتها. "يعني ماما كانت بتحاول تفتعل حاجز بينك وبين عيلتها؟ ده بيخلي الموضوع أكتر تعقيدًا."


ثم تنهدت ليان بعمق، وتفهمت أكثر حجم المعاناة التي عاشتها سبيل. شعرت بالمسؤولية تزداد على عاتقها. ثم قالت بصوت هادئ:

"طيب يا سبيل، هاحاول أعمل اللي أقدر عليه، وأنتِ برضو إن افتكرتِ أي تفصيله حتى لو صغيرة، قوليهالي."


كانت كلماتها مليئة بالأمل والتشجيع، في محاولة منها لإضفاء بعض الطمأنينة على قلب سبيل المكسور.

❈-❈-❈

عادت ليان إلى منزلها، وكانت أقدامها تقودها إلى غرفتها دون أن تشعر. جلست على سريرها، وتركت حقيبتها على الأرض بينما كان ذهنها مشغولًا بكل ما اكتشفته. كانت أفكارها تتنقل بسرعة بين كل التفاصيل التي أخبرتها بها سبيل، والحوار الذي دار بينهما. كان هناك شيء غريب في القصة، شيء غير مترابط، وكان كل جزء منها يثير تساؤلات جديدة.


شعرت ليان بالغموض تجاه شوقي، شقيق القتيل، وزوجته سلوى. كان هناك شيء غير واضح في العلاقة بينهما وبين باقي أفراد الأسرة، شيء يثير الريبة في قلبها. رغم أن كل شيء في السطح يبدو طبيعيًا، إلا أن هناك تفاصيل صغيرة تركت شكوكًا تنمو في ذهنها.


فكرت ليان في المحادثة التي جرت بين سبيل ومرات عمها سلوى، خاصة عندما ذكرت سبيل كيف كانت سلوى دائمًا تتابع حالة والدتها وتطمئن عليها. ولكن ليان شعرت أن هناك أكثر من ذلك. لم يكن الأمر مجرد علاقة طيبة بين أفراد العائلة، بل كان هناك شيء يثير تساؤلات عن نوايا شوقي وسلوى، خصوصًا بعد ما عرفت عن سلوك شوقي الذي كان يعاني من مشاكل مع زوجته بسبب إدمانه للخمور والمخدرات.


ثم تبادر إلى ذهنها كيف أن سلوى قد تكون على دراية بما يحدث داخل البيت، وربما كان لديها دافع ما للتصرف بطريقة معينة. ليان كانت تشعر بوجود حلقة مفقودة، حلقة تتعلق بشوقي وزوجته، قد تكون مفتاحًا لفهم ما حدث في تلك الليلة المأساوية.


ثم توقفت ليان عن التفكير لفترة، مغمضة عينيها في محاولة لتصفية ذهنها. كانت تشعر أن مهمتها ستكون صعبة. سلوى وشوقي كانا يشكلان جزءًا من اللغز الكبير، وربما كانا أعمق مما يظهر للعيان.


يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا ممدوح، لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة