رواية جديدة على سبيل الألم لرانيا ممدوح - الفصل 5 - السبت 28/12/2024
قراءة رواية على سبيل الألم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية على سبيل الألم
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رانيا ممدوح
الفصل الخامس
تم النشر السبت
28/12/2024
"الظلم يظل جرحًا لا يلتئم أبدًا."
طرق ليث الباب على ليان برفق قبل أن يدخله، مبتسمًا وهو يلاحظ وجهها المشرق رغم الجدية التي كانت ظاهرة في عينيها. دخل الغرفة وأغلق الباب خلفه، ثم جلس أمامها. بدا عليه بعض التوتر، لكنه حاول أن يبقى هادئًا.
"مساء الخير، ليان"، قال بصوت هادئ، محاولًا أن يطمئنها. "إيه الأخبار؟ لقيتي حاجة جديدة في القضية؟"
ليان نظرت إليه لحظة، ثم ابتسمت ابتسامة صغيرة، وأجابته بصوت جاد: "حاجة جديدة؟ لأ، لكن لقيت شوية تفاصيل ممكن تكون مهمة. كلما دخلت أكتر في الموضوع، كلما حسّيت إن في حاجة مش مظبوطة في القضية دي."
ليث أومأ برأسه مؤكدًا، وأخذ نفسًا عميقًا وهو ينظر إليها بتوتر. كان واضحًا عليه ثقته في رأيها، لكنه كان خائفًا من أن تواجه المزيد من الصعوبات بسبب القضية.
"إنتِ شايفة إن سبيل بريئة؟" سأل ليث، وكان واضحًا أنه كان ينتظر إجابة حاسمة.
فكرت ليان قليلًا، ثم ردت بهدوء، وعينيها مليئة بالعزيمة: "أنا متأكدة إن في حاجة ناقصة في الصورة. مش مصدّقة إنها ممكن تكون قتلت أبوها، خصوصًا مع الغموض اللي حول اختفاء والدتها. القصة مش كاملة، والأدلة مش كافية علشان نرمي التهمة عليها."
ليث هز رأسه موافقًا، ثم ابتسم وقال: "أنا واثق إنكِ هتقدري تلاقي الحقيقة. إنتِ عندكِ قدرة على التحليل العميق في المواقف الصعبة."
ليان ردت بإبتسامة صغيرة، وقالت: "أنا متأكدة إنها بريئة، وهبذل كل جهدي علشان أثبت ده. دي فرصتي علشان أواجه الظلم، ومش هسيبها تفوت."
ليث نظر إليها بنظرة جادة وقال بثقة: "أنا معاكِ في كل خطوة، ليان. إثبتي للعالم إن سبيل مظلومة، ومش هتخلي الفرصة دي تروح عليكِ."
"أنا واثق إنها بريئة، ولا يمكن تعمل كده." قال ليث وهو يرفع حاجبيه بتأكيد، ثم أضاف: "فيه حاجة غلط في الموضوع ده، وكل حاجة هتبان في وقتها."
ليان نظرت إليه بتمعن، وهي تلاحظ التحدي في صوته، ثم أجابت بجدية: "أيوة ، وأنا كمان حاسة إن في حاجة مش واضحة. لكن لو فعلاً كانت بريئة، لازم نلاقي الأدلة اللي تثبت كده."
ليث أومأ برأسه وهو يفكر للحظة، ثم قال: "أنا معاكِ في كل خطوة. لو فيه حاجة نقدر نعملها علشان نساعدها، هنعملها. بس نحتاج نبقى صبورين ونفكر صح."
ابتسمت ليان قليلاً، وأجابته: "صح، الصبر هو الحل. وكل حاجة هتتوضّح في النهاية."
ثم تابعت " خلاص روح نام يا ليث و ماتشيلش الهم و أنا هدافع عنها بكل ما أملك من قوة"
ليث نظر إلى ليان بتقدير، ثم قال: "خلاص يا ليان، لو إنتِ هتدافعي عنها كده، أنا متأكد إنك هتكوني قد المسؤولية. بس إنتِ لازم تهتمي بنفسك كمان."
ابتسمت ليان بابتسامة حانية وقالت: "متقلقش عليا، هتلاقيني دايمًا جنبها. دلوقتي روح ارتاح، وكل حاجة هتتحل."
❈-❈-❈
في صباح اليوم التالي، كان الحاج عبدالرحمن، والد ليان، يتناول الإفطار على طاولة الطعام. كان رجلًا ذو هيبة، يتسم بالقوة والصبر، وابتسامته العميقة تعكس سنوات طويلة من الكفاح. نظر إلى فنجان القهوة أمامه، وعينيه تائهتين في ذكرياته التي بدأت من نقطة الصفر.
كان الحاج عبدالرحمن من أشهر تجار الفاكهة في المنطقة، واسمُه كان يُعرف جيدًا في السوق. لكنه لم يبدأ حياته كهذا التاجر المعروف، بل بدأ صغيرًا في السن، يبيع الفاكهة على عربة خشبية في الشوارع. كان يعمل بجد، يواجه التحديات والتعب يومًا بعد يوم، لا يشتكي ولا يستسلم، حتى استطاع أن يحقق النجاح ويصبح واحدًا من أكبر التجار في السوق.
لقد حفر طريقه بنجاح وسط الصعاب، وكان دائمًا ما يُعلم أولاده أن الحياة تتطلب الصبر والاجتهاد، وأنه لا يوجد شيء يأتي بسهولة.
قالت ليان بصوت خافت وهي تحاول أن تُخفي الإجهاد الذي يكسو وجهها:
"صباح الخير يا بابا."
لاحظ الحاج عبدالرحمن تعابير وجهها المرهقة وجسدها الذي يبدو عليه الإرهاق، فرفع نظره إليها وقال بقلق:
"صباح النور يا حبيبة قلبي، إنتِ كويسة؟ شكلك تعبان، في حاجة؟"
أجابت ليان وهي تحاول أن تُطمئنه، لكن صوتها كان يخفي بعض الضعف:
"لا يا بابا، أنا تمام، بس تعبانة شوية."
حاول الحاج عبدالرحمن أن يكون أكثر انتباهاً لإبنته، فاستفسر مجددًا:
"تعبانة إزاي؟ في حاجة قلقاكي؟"
أخفضت ليان رأسها قليلاً ثم نظرت إلى الأرض وقالت بصوت ضعيف:
"أيوه، بس مش عايزة أشيلك همي يا بابا."
تفاجأ الحاج عبدالرحمن من كلماتها، لكنه حاول أن يطمئنها:
"يا بنتي، أنا أبوكي،يعني أكتر واحد يخاف عليكي في الدنيا دي . ماليش في الدنيا دي غيرك أنتي و ليث بعد ما أبوه و أمه ماتوا و سابوه ليا حتة لحمة حمراء ، و من ساعتها و أنا مسئول عنكم زي بعض ده حتى والدتك سابتني و راحت بدري . لو في حاجة، أنا هنا موجود علشان أسمعك ."
قالت ليان بفكاهة خفيفة، مع لمسة من السخرية: "خلاص يا بابا، هتقلبها نكد على الصبح؟ مالك يا بودي؟"
ثم وقفت ليان وقبلت رأس أبيها بحرارة، قائلة بلهفة: "ربنا يخليك لينا يا أحلى بابا في الدنيا."
قالت ليان بابتسامة سريعة: "أنا خارجة دلوقتي، نكمل كلامنا لما أرجع، بحبك يا بابا". ثم خرجت بسرعة، تاركة وراءها إحساسًا بالدفء والمحبة.
❈-❈-❈
كان ليث يتدرب على التنس في النادي الرياضي مع مدربه المخضرم، لكنه لم يستطع التركيز على اللعب. كانت الكرات تسقط من يده واحدة تلو الأخرى، رغم سهولة الضربات. كان من الواضح أن ذهن ليث مشغول ببعض الشيء، وتراكضت أفكاره بينما كان جسده يحاول اللحاق بالكرة.
قال المدرب بضيق: "يا ليث، إيه اللي بيحصل؟ أنت مش بتلعب كويس ليه؟!!!! . التركيز فين؟ استريح شوية و بعدين نكمل"
كان ذهن ليث مشغولاً بقضية سبيل، لم يستطع التخلص من أفكاره المُتراكمة حولها. كل ضربة تنس وكل خطوة يأخذها، يجد نفسه يعود لذاكرة ذلك الحادث.
جلس ليث على دكة اللاعبين، ووجهه يُظهر التعب والقلق. مدّ يده لوراء رأسه، وبدأ يفرك شعره بقلق، بينما كان مدربه يراقبه بفهم، يعرف أن هناك شيء ما يضايقه.حمل مضربه و قرر العودة إلى المنزل.
❈-❈-❈
كانت سبيل تجلس في حديقة المستشفى تنظر لكل شئ على أنه باهت و كأن الحياة أصبحت باللون الأسود، محاطة بالهدوء، ولكن القلق يتلاعب بأفكارها. بينما كانت تفكر في كل ما مرت به.مازالت تنتظر مصيرها المجهول لا تعلم ماذا سيحدث.
إقتربت ليان منها بخطوات خفيفة ، ثم جلست بجانبها و همهمت قائلة :
" سبيل ، ازيك ، عاملة ايه دلوقتي ؟ "
نظرت لها سبيل بنظرة حزينة و بائسة ، فهي لم تستطع النوم منذ أن استيقظت من صدمتها ، كلما حاولت أن تنم لبضع دقائق حتى ، تأتي إليها الكوابيس من حيث لا تدري .
قالت سبيل بنبرة صوت تائهة :
" كويسة ، شكرا لسؤالك "
قالت ليان وهي تحاول أن تضفي بعض الحنان على الجو المشحون بالكآبة:
"سبيل، أنا هنا علشانك. لو في حاجة في قلبك، قوليها، متخليش الهم ياكلك لوحدك."
تنهدت سبيل بعمق، وبدت وكأنها تحاول جمع شتات أفكارها قبل أن ترد بصوت مليء بالمرارة:
"مش عارفة يا ليان... حاسة إن الدنيا كلها قلبت ضدي فجأة. مش عارفة أهرب من اللي بيحصل معايا."
❈-❈-❈
ربتت ليان على يدها بحنان، وقالت بلطف:
"أنا فاهمة إنك تعبانة، واللي عديتي بيه مش سهل، بس أنا متأكدة إنك أقوى من كده، وإن الحق هيتكشف مهما حصل."
ابتسمت سبيل ابتسامة باهتة، لكنها لم تستطع أن تُخفي القلق الذي يملأ عينيها، وقالت بصوت منخفض:
"أحيانا بحس إن مفيش حد مصدقني، وإن حتى لو قلت الحقيقة محدش هيصدقني برضو."
ردت ليان بنبرة مليئة بالعزيمة:
"أنا مصدقاكي يا سبيل، وعارفه إنك مستحيل تعملي حاجة غلط. وإحنا مش هنسكت غير لما نعرف مين اللي عمل كده. متقلقيش، أنا جنبك مهما حصل."
نظرت سبيل إلى ليان بامتنان واضح، وامتلأت عيناها بالدموع، لكنها مسحتها سريعًا وقالت بصوت مرتعش:
"شكرا يا ليان... وجودك فرق معايا كتير."
ابتسمت ليان وقالت برقة:
" تعالي نتمشى شوية، يمكن المشي يريحك."
نهضتا من مكانهما، وبدأتا تمشيان بخطوات بطيئة وسط الحديقة، وكل منهما تحاول أن تجد في الأخرى طاقة للاستمرار.
قالت ليان وهي تنظر لسبيل بجدية:
"عمك شوقي قال في التحقيقات إن والدتك يتيمة، وإنها كانت مالهاش حد غير أبوكي. بس إنتي لما حكيتيلي عنها قبل كده، قلتلي إنها من عيلة مشهورة وغنية. إيه الحكاية يا سبيل؟ في حاجة مش واضحة."
❈-❈-❈
قالت سبيل وهي تنظر إلى الأرض بتوتر:
"ماما كانت دايماً بتحكي كلام متقطع عنهم، يعني حاجات بسيطة كده، وما كانش فيه أي تفاصيل واضحة. ولما كبرت وبدأت أفهم و كنت أسألها عن عيلتها، كانت بتتجنب الكلام تماماً. كنت بحس إنها مش عايزة تفتح الموضوع خالص."
نظرت ليان إليها بدهشة وقالت:
"إزاي يعني؟ ده غريب جداً... أكيد كان فيه حاجة كبيرة بينهم خلتها تبعد بالطريقة دي."
سبيل هزّت رأسها بحزن:
"ما عرفتش أوصل لحاجة، و وقتها مش اهتميت"
قالت ليان وهي تحاول جمع خيوط الحديث:
"طب مش فاكرة مثلاً مامتك قالت أي حاجة بخصوص عيلتها؟ زي اسمهم، بيشتغلوا إيه، بيعملوا إيه مثلاً؟"
هزّت سبيل رأسها بأسف، وقالت:
"لأ، للأسف. ماما كانت دايماً تقفل الموضوع بسرعة. حتى لو حاولت أسألها بشكل غير مباشر، كانت تغيّر الكلام أو تقول لي إنه مش مهم."
❈-❈-❈
ردت ليان بدهشة:
"ده غريب قوي... يعني مفيش حتى اسم العيلة؟ أو أي حاجة تخصهم؟"
أجابت سبيل بنبرة مترددة:
"الحاجة الوحيدة اللي كنت بسمعها منها لما كنت صغيرة إنها من عيلة كبيرة، بس لما كبرت وبقيت أسأل أكتر، الكلام ده اختفى ، و بقت بتوه عن الموضوع."
قالت ليان وهي تفكر بصوت عالٍ:
"واضح إن فيه حاجة مامتك كانت خايفة منها... أو ممكن كان فيه حاجة عايزة تحميكِ منها."
نظرت سبيل إلى ليان بعينين مليئتين بالقلق، وقالت:
"بس أنا مش فاهمة ليه، وإيه ممكن يكون السبب لكل ده."
ربّتت ليان على يدها برفق وقالت بحزم:
"متخافيش، هنحاول نعرف كل حاجة. مفيش حاجة بتفضل مخفية طول الوقت."
نظرت سبيل إلى الأرض وهي تتحدث بصوت مخنوق مليء بالحزن:
"أنا مش مصدقة إن بابا خلاص مات... ده أوحش حاجة ممكن تحصلي في حياتي. كنت حاسة إن الدنيا بتقفل عليا، بس كنت دايماً أقول لنفسي إنه موجود، إنه سندي. دلوقتي... أنا لوحدي."
حاولت ليان تهدئتها وهي تمسك بيدها بلطف:
"أنا مش قادرة أقولك إني حاسة بيكي، بس اللي متأكدة منه إنك قوية وهتعدي ده."
رفعت سبيل عينيها المبللتين بالدموع ونظرت إلى ليان بصوت يكاد يُسمع:
"أكتر حاجة تعبانة منها إني كنت آخر فترة مشغولة عنه، ما كنتش بقعد معاه زي زمان بسبب الدراسة و التدريب كان كل همي أفرحهم بفوزي و بنجاحي... مش عارفة حتى لو كان عارف قد إيه أنا بحبه."
شدّت ليان على يدها بحنان وقالت:
"أكيد كان عارف، أكيد كان حاسس. الحاجات دي مش بالكلام، هي بالقلب. وأبوكي كان أكتر حد فاهمك وحاسس بيكي."
❈-❈-❈
أغمضت سبيل عينيها للحظة، ثم تنهدت بعمق وكأنها تحاول استجماع شتات نفسها، وقالت بهدوء:
"بس غيابه وجعني... مش قادرة أستوعب إنه خلاص مش موجود."
ربّتت ليان على كتفها برفق، وقالت:
"وجعك هيخف مع الوقت، بس ذكرياته اللي جواكي هي اللي هتفضل تعيش معاكي على طول."
انفجرت سبيل بالبكاء وهي تقول بصوت مختنق:
"كل أملي ماما تطلع عايشة... نفسي تظهر، محتاجة لحضنها أوي."
حاولت ليان أن تهدئها وهي تضمها برفق:
"اهدي يا سبيل، أنا معاكِ. يمكن يكون في أمل، مين عارف؟"
لكن سبيل لم تستطع التوقف عن البكاء، دموعها كانت تسيل بغزارة، وكلماتها تتقطع وسط شهقاتها:
"حاسّة إني لو شفتها، لو لقيتها، كل الوجع ده هيخف... محتاجة أوي أسمع صوتها، أحس بحنانها. أنا تعبت ، تعبت من الوحدة ومن كل حاجة."
ربّتت ليان على ظهرها بحنان، وقالت بصوت مليء بالعزم:
"هنلاقي حل، وعد مني. إحنا مش هنسكت لحد ما نعرف الحقيقة، ولو مامتك لسه عايشة، هنلاقيها، متقلقيش."
زادت سبيل من بكائها، وكأنها تُخرج كل الألم المكبوت داخلها، بينما كانت ليان تمسك بها بقوة، محاولة أن تكون السند الذي تحتاجه في هذه اللحظة.
مسحت سبيل دموعها بارتجاف وهي تقول بنبرة يائسة:
"كل الناس بتبصلي بنظرة إني قاتلة... إني مجرمة نظراتهم بتموتني ، كأني فعلاً عملت حاجة... وأنا ماليش ذنب في أي حاجة"
نظرت لها ليان بحزن، ثم أمسكت بيدها بقوة وقالت بحزم:
"بصي لي، محدش له حق يحكم عليكِ غير ربنا. الناس دايمًا بتتكلم، متخليش كلامهم يكسر فيكِ. أنا عارفة ومتأكدة إنك بريئة، وهنثبت ده قدام الدنيا كلها."
هزت سبيل رأسها بتردد، وقالت بصوت مليء بالخوف:
"بس كل حاجة ضدي ... كل حاجة. كأن الدنيا كلها واقفة في وشي"
ردت ليان بسرعة وبنبرة واثقة:
"الدنيا عمرها ما كانت سهلة، بس إحنا مش هنستسلم. هنلاقي الحقيقة، ونثبت إنك مش زي ما الناس فاكرة. صدقيني، اليوم ده جاي."
❈-❈-❈
نظرت سبيل إلى ليان، ودموعها ما زالت تتساقط، ولكن وسط عينيها كان هناك بصيص من الأمل، وكأن كلمات ليان اخترقت جدار اليأس الذي حاصرها.
قالت سبيل بتعب:
"شكراً يا ليان، أنا نفسي اعرف ليه انتي الوحيدة اللي واقفة جنبي، مش فاهمة ليه."
لم تستطع ليان أن تخبرها بأن ليث هو من طلب منها ذلك، لأن ليث كان قد طلب منها أن تبقي الموضوع سراً، وأن سبيل لا يجب أن تعرف أنه هو من وراء تلك المساعدة. كان قلب ليان يثقل بالألم، لكنها ابتسمت محاولة إخفاء تلك المشاعر.
قالت ليان بصوت هادئ:
"مفيش سبب، ده أقل شيء ممكن أعمله. كلنا في الدنيا بنحتاج حد جنبنا."
❈-❈-❈
كان ليث يعمل مع عمه بعد الانتهاء من دراسته وتدريبه، وكان دائمًا ما يصل إلى العمل في وقت متأخر كما اعتاد. لكن اليوم، تفاجأ عمه بقدومه مبكرًا على غير عادته، مما جعله يرفع حاجبيه في دهشة.
قال عمه بتعجب:
"إيه الحكاية يا ليث؟ جيت بدري النهاردة يعني"
أجاب ليث وهو يحاول إخفاء مشاعره التي كانت مشوشة:
"أيوه... كنت حابب أعمل اكتر النهاردة."
لكن عمه، الذي كان يعرف ليث جيدًا، لاحظ الشكوك في صوته وسأله بقلق:
"في حاجة؟ شكلك مش طبيعي ."
تنهد ليث بصمت، ثم أجاب:
"لا مفيش حاجة."
توجه ليث إلى مكان تخزين الفاكهة في المستودع، كما اعتاد أن يفعل . كانت هذه مهمته اليومية التي لا يتخلف عنها، حيث يبدأ بحصر عدد أقفاص الفاكهة والتأكد من أنها مرتبة بشكل جيد. كان يمر بين الأقفاص بخطوات سريعة، يعدها بعناية، ويحاول التركيز على عمله ليشغل عقله عن التفكير في الأمور الأخرى التي تشغله.
بينما كان يفحص الأقفاص، شعر بشيء من التعب يثقل قلبه، لكنه حاول إخفاء ذلك خلف تركيزه في عمله. شعر كأن تلك الأقفاص التي يعدها هي فقط ما يربطه بالواقع ويمنعه من الغرق في أفكاره العميقة.
لكنه أعاد العد أكثر من مرة، فكلما انتهى من عد الأقفاص، اكتشف أنه أخطأ في حسابه. كان ذهنه مشغولًا بشدة لدرجة أنه لم يستطع التركيز على ما أمامه. تاهت أرقام الأقفاص في ذهنه، وكان يحاول جاهداً أن يثبت لنفسه أنه ما زال قادرًا على إتمام المهمة التي اعتاد عليها، لكن ذلك كان يزداد صعوبة مع مرور الوقت.
أعاد العد مرة أخرى، وحاول أن يهدأ، لكن أفكاره كانت تسرح بعيدًا. عينيه تائهتين بين الأقفاص، ولكن عقله كان يطوف بعيدًا، يفكر في ليان وفي سبيل، وفي الموقف الذي يعاني منه حاليًا.
قال بضيق: "يوووه، أنا هروح البيت أحسن."
ثم وضع القلم في جيبه، وترك الأقفاص كما هي، متجاهلًا المهمة التي كان مكلفًا بها. كان يشعر بأن ذهنه مشوش للغاية ليكمل العمل، ولذلك قرر أن يبتعد ويأخذ استراحة. التقط حقيبته بسرعة، وتوجه إلى الباب، قبل أن يسارع بالخروج من المكان، مُتمنى أن يجد بعض الراحة في منزله بعيدًا عن التفكير المستمر في كل ما يشغل باله.
❈-❈-❈
وجد ليث ليان جالسة في غرفة المعيشة، مشغولة بأوراق قضية سبيل. كان المكتب أمامها مغطى بالعديد من الملفات والمستندات، وكان تركيزها واضحًا على ما بين يديها. كانت عيناها تبدوان متعبة، لكن عزيمتها في البحث عن حل كانت أقوى من أي شيء آخر.
اقترب ليث منها بهدوء، وهو يراقبها لفترة قبل أن يتكلم: "إنتِ لسه شغالة على الأوراق دي؟"
رفعت ليان رأسها عنهما، ثم نظرت إليه بنظرة حائرة قبل أن تجيب: "آه، مفيش حاجة تانية أقدر أعملها دلوقتي. لازم نلاقي طريقة تانية عشان نساعد سبيل."
قال ليث وهو يحاول أن يغير الموضوع قليلاً: "وإيه أخبار سبيل؟ هل هي أفضل شوية؟"
ليان توقفت عن العمل على الأوراق ورفعت رأسها ببطء، ثم قالت: "صحيح، هي لسه في المستشفى، بس حالتها النفسية مش أحسن. الظاهر إنها متأثرة قوي بما حصل، مش قادرة تستوعب اللي بيحصل حواليها."
ثم أضافت بحزن: "كل ما أقعد معاها، تحس إنها عايشة في حالة ضياع، ومش قادرة تصدق إن الدنيا اتقلبت بيها كده في لحظة."
نظر ليث إليها بتفهم، وقال بحزن: "أكيد صعب عليها جدًا. لازم نعمل كل اللي نقدر عليه علشان نساعدها تعدي من الأزمة دي."
ليان هزت رأسها وقالت: "أنا عارفة، لكن الموضوع معقد جدًا. بس مفيش حاجة هتوقفنا. هنساعدها بكل ما نقدر عليه."
قالت ليان بنبرة فضولية: "بس أنت ليه مهتم بسبيل كده؟"
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا ممدوح، لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية