رواية جديدة على سبيل الألم لرانيا ممدوح - الفصل 6 - الأحد 29/12/2024
قراءة رواية على سبيل الألم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية على سبيل الألم
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رانيا ممدوح
الفصل السادس
تم النشر الأحد
29/12/2024
"كل ساقٍ سيسقى بما سقى."
تردد ليث للحظة، ثم تنفس بعمق وكأنه قرر أخيرًا أن يكشف ما كان يخفيه. نظر إلى ليان مباشرة وقال بصوت منخفض لكنه صادق:
"يمكن عشان... أنا معجب بيها."
حدقت ليان فيه بدهشة، ثم ابتسمت بخبث وقالت:
"آه، عشان كده الاهتمام الزايد، كنت عارفة إن في حاجة."
هز ليث رأسه بخجل وأضاف:
"مش عارف ده بدأ إزاي، لكن في حاجة فيها مختلفة... رغم كل اللي مرت بيه، لسه عندها قوة جوة عينها، كأنها بتقاوم حتى وهي تايهة. وده خلاني... خلاني أشوفها بشكل مختلف."
ابتسمت ليان وقالت بنبرة داعمة:
"شكلها مش بس هي اللي محظوظة إنك موجود، أنت كمان محظوظ إنها لفتت انتباهك. بس خلي بالك، سبيل مش في حالة تسمح لها تفكر في أي حاجة دلوقتي غير إنها تلاقي نفسها."
هز ليث رأسه بتفهم وقال:
"عارف، وعشان كده مش مستعجل. المهم دلوقتي إنها تخرج من اللي هي فيه، وبعدها... بعدها نشوف."
ساد الصمت بينهما لثوانٍ، كأن الكلمات كانت بحاجة لبعض الوقت لتستقر في الهواء. نظرت ليان إلى ليث بدهشة ممزوجة بإعجاب، ثم قالت بنبرة هادئة:
"إنت مش بس شخص ناضج يا ليث، إنت كمان نادر. قليل اللي يقدر يحب بالشكل ده."
ضحك ليث بخفة وقال:
"ما أعتقدش إن ده نضج، يمكن ده بس عشان فاهم اللي هي بتمر بيه. لما تشوف شخص بيحارب علشان يلاقي نفسه، ما ينفعش تضيف على همومه."
ليان ابتسمت وهي تميل برأسها:
"طيب، يعني لو الزمن خدها بعيد عنك، إنت هتكون بخير؟"
هز ليث رأسه بخفة وقال:
"مش بسهولة، لكن آه... هكون بخير. لأن الحب الحقيقي مش بيحتاج إنك تملك الشخص اللي بتحبه. أحيانًا، كل اللي تحتاجه هو إنك تكون موجود لما يحتاجك، حتى لو من بعيد."
ليان تنهدت وقالت بابتسامة حزينة:
"سبيل محظوظة إن فيه شخص زيك في حياتها. بس برضه يا ليث، ما تنساش نفسك. ما تضحيش بكل حاجة من غير ما تعرف إذا كانت تستحق."
نظر إليها بابتسامة مطمئنة وقال:
"ما تقلقيش عليا. أنا مش بدور على مقابل، أنا بس عايز أشوفها كويسة."
أومأت ليان برأسها وقالت بخفوت:
"طيب... أتمنى إن الأيام تعطيك اللي تستحقه. مش دايمًا الأمور بتمشي زي ما إحنا عايزين، لكن يمكن ربنا يخبيلك حاجة أحسن."
حرك رأسه يمينا ثم رفع ليث عينيه نحو السماء الملبدة بالغيوم عبر النافذة وقال:
"يمكن... المهم إني أكون صادق مع نفسي ومعها. الباقي في إيد الزمن."
ليان تركت كلمات ليث تغرق في صمتها، وهي تدرك أن هذا الرجل أمامها يحمل مشاعر أعمق مما قد يبدو عليه. شعرت بشيء من الحزن له، لكنه كان مزيجًا مع إعجاب بقوته وصبره.
ربما، فقط ربما، الحياة تحمل له ما يستحق...
قال ليث بإبتسامة هادئة:
"أسيبك بقى تكملي شغلك، واضح إني بعطلك."
ردت ليان بابتسامة ممزوجة بشيء من المزاح:
"أيوة فعلاً ، بس مش هقولك عشان ما تزعلش."
ضحك ليث بخفة وقال:
"تمام، مش هزعل، بس لو احتجتي أي حاجة أنا موجود."
ثم وقف استعدادًا للمغادرة، وألقى عليها نظرة سريعة وقال بلطف:
"ليان... شكراً إنك دايمًا موجودة."
شعرت ليان بحرارة في قلبها، لكنها اكتفت بابتسامة صغيرة وهمست:
"وأنت كمان، يا ليث."
تركها ليث تجلس بين أوراقها، لكنها لم تستطع التركيز مرة أخرى، وكأن حديثهما كان كافيًا ليشغل بالها لبقية اليوم.
❈-❈-❈
في منزل شوقي، الذي كان عبارة عن غرفة ضيقة تقع في حارة شعبية، كان الجو خانقًا، ممتلئًا برائحة الخمر والضياع. شوقي، الذي كان عاطلًا عن العمل ويعيش حياته في سُكر مستمر، كان جالسًا على الأريكة القديمة في حالة من التخبط، نظراته ضبابية وعيناه شبه مغلقتين. زوجته سلوى، التي كانت تكاد تتفجر غضبًا، دخلت الغرفة وهي تحمل كوبًا فارغًا.
سلوى، وهي تلقي نظرة شديدة الغضب على شوقي، قالت: "يا شوقي، إنت كل يوم هتشرب خمرة، مالك ومال الدنيا؟ بنتك محتاجة لبن، مين هيدفع عنك؟ أنا خلاص زهقت من العيشة دي "
شوقي، الذي كان يشرب من زجاجة خمر أخرى وهو يتهامس مع نفسه، نظر إليها بتثاقل وقال: "إيه يعني؟ كلها كام جنيه؟ بنتنا مش هتموت لو ما جابتش لبن. أنا عايز أشرب وأعيش براحتي، خليني في حالي. مش ناقص بوزك يخربلي مزاجي"
سلوى، وقد بدأت تعلو نبرتها بالغضب، قالت:
"أنت مش فاهم حاجة من الزفت اللي بتشربه ده ، كل يوم بتخلينا نعاني أكتر ، مش قادر تشتغل زي العالم و الناس، مش قادر تعمل حاجة عدلة أبدا، وكل اللي بتعرف تعمله هو شرب الخمرة وبس ، إنت مش فاكر إننا عايشين مع بعض، ولا أنت عايش لوحدك في عالمك ده؟"
شوقي ابتسم ابتسامة صفراء، ولم يرد على كلامها مباشرة، بل أكمل شربه دون أن يهتم بما قالته.
ثم رد بصوت مبحوح: "وأنتِ مالك؟ لو مش عاجبك، اطلعي من هنا، انا مش محتاج حد يعلمني إزاي أعيش."
سلوى، وهي تقف على حافة الانهيار، قالت بصوت مرير: "أنت فاشل! حتى بنتك مش قادر توفرلها حاجاتها. كل ما تشرب، كل ما تخليني أكرهك أكتر."
شوقي رد بتجاهل تام: "أنا فاشل؟ والله لو مش عاجبك، تروحي تشتغلي وتجيبي الفلوس، إيه المشكلة؟"
سلوى، وهي على وشك الانفجار، قالت: "أنت مش هتتغير، هتفضل تدمّر حياتنا وتعيش في الخمرة لحد ما تقع على وشك. لكن لما تقع، هتكون لوحدك، زي ما كنت دايمًا."
سلوى، التي كانت على وشك الانهيار، نظرت إلى شوقي بعيون مليئة باليأس وقالت بصوت مكتوم: "مش عارفة حظي وقعني في واحد زيك ليه؟ كنت فاكرة لما إتجوزتك هنبني حياة سعيدة مع بعض، بس طلع كل شيء سراب. إنت مش قد المسؤولية، مش قادر توفر لعيلتك أبسط حاجات الحياة."
شوقي نظر إليها ببرود، لم يهتم بكلماتها، بل أخذ رشفة أخرى من زجاجته، وقال: "لو مش عاجبك، ممكن تسيبيني وتروحي. أنا مش هتغير علشانك. حياتي على ما هي عليه، وانتِ مش هتغيري فيها."
سلوى، وقد امتلأت عيناها بالغضب والخذلان، هزت رأسها وقالت: "متى هتبطل تعيش في وهمك؟ أنا مش قادرة أتحمل أكتر من كده. كل يوم بيعدي، بيزيد يأسي، وأنتَ أناني مش شايف غير نفسك"
سلوى، وهي تكاد تقتلع الكلمات من بين أسنانها بسبب الغضب والحزن، قالت بنبرة مكسورة: "حتى فلوس شغلي واخدها أول بأول ،منك لله يا شوقي، حسبي الله ونعم الوكيل فيك، حتى الست سميرة اختفت، اللي كانت بتنجدني وتديني كل اللي عايزاه. دلوقتي هروح لمين؟ مين هيساعدني؟"
❈-❈-❈
شوقي، الذي كان في حالة سكر تام، نظر إليها بنظرة فارغة، ولم يهتم بكلماتها. قال بلامبالاة: "أنتِ اللي جيبتي لنفسك المشاكل دي، وأنتِ الوحيدة اللي ممكن تخرجي منها. أنا مش مسؤول عنك ولا عن حياتك. روحي شوفي حد تاني يساعدكِ."
سلوى، التي لم تعد تتحمل وقاحة شوقي، قالت بصوت محطّم من الغضب: "أنت فاكر نفسك راجل؟! ولا مجرد عالة على الناس و المجتمع طول عمرك عايش على دم الناس، لولا سميرة مجايبها كانت حياتنا كانت هتبقى في خبر كان. بتشرب خمرة وعايش في دنيا تانية، وأنت حتى مش قادر تكون أب ولا زوج، ولا حتى إنسان محترم"
شوقي، الذي لم يكن في حاله طبيعي، رد بنبرة مهزوزة، "أنا مش محتاج حد يقيمني... أنا مش هقول لك تاني خليكي في حالك."
❈-❈-❈
شوقي، الذي أصبح في حالة غضب شديدة، خلع حزام بنطاله بعنف وهو يصرخ، "أنا مش راجل؟ هوريكي دلوقتي" وبدأ يضرب سلوى بحزامه بقسوة، بينما كان يردد كلمات قاسية تكشف عن كل كراهيته واحتقاره لها" عايزاني راجل اهوه "
سلوى، التي كانت تتألم من الضرب، حاولت أن تتفادى هجومه، ولكنها كانت محاصرة في الزاوية، عاجزة عن الهروب. "أنت مش إنسان" كانت تبكي، لكن صوتها خافت وسط الضرب المتواصل.
استيقظت فرح ابنة شوقي وسلوى الكبرى التي كانت تبلغ من العمر سبعة أعوام، على صوت الصراخ والعويل في البيت. فزعت من الصوت الذي كان يملأ المكان، وجرت نحو غرفة والديها، قلبها يخفق بسرعة. عندما وصلت إلى الباب، توقفت قليلاً، فزعا مما رأت.
داخل الغرفة، كان والدها شوقي يصرخ وهو يضرب والدتها سلوى، بينما كانت "فرح" تغطي وجهها بيديها محاولة أن تحمي نفسها. فرح لم تستطع فهم ما يحدث لكنها شعرت بشيء خطير يحدث في داخل البيت الذي كان من المفترض أن يكون مكانا آمنا لها.
صرخت فرح صوتها بريء ومختلط بالخوف، "بابا، ماما" ركضت نحوهم، لكن شوقي انتبه لها فجأة وتوقف عن الضرب. نظر إليها بعينيه الغاضبتين، وكأن غضبه قد زاد أكثر. إنت كمان هتيجي تعملي مشاكل ؟" قالها بنبرة تهديد.
سلوى، رغم الألم الذي كانت تشعر به، حاولت أن ترفع يدها لتلمس وجه ابنتها في محاولة للتهدئة، "فرح، ابعدي عن هنا مفيش حاجة، إنت مش مفروض تشوفي ده."
كانت فرح تبكي بصمت، عيونها مليئة بالدموع، بينما قلبها الصغير لا يستطيع فهم ما يحدث حولها. اختبأت في زاوية غرفة نومها، تحت البطانية، محاوِلةً أن تمنع نفسها من سماع الأصوات التي تأتي من غرفة والديها. لكن حتى في صمتها، كانت تشعر بالخوف يلتهمها.
اقترب شوقي من زوجته ونزع السلسال الذهبي الذي يلتف حول رقبتها. "أهو هبيعه وأجيب اللبن، والباقي يكفي السجاير والخمرة"، قال ذلك بنبرة قاسية، وهو ينظر إليها بابتسامة باردة، غير مكترث بالألم الذي كان يعصف بها.
كانت سلوى تقاوم بصمت، لكن الألم كان يعلو وجهها مع كل لحظة. نظرت إليه نظرة يائسة، وهي تشعر بالعجز يتسلل إلى أعماقها. "انت مش هتخاف من ربنا؟" قالت بصوت خافت، لكن شوقي لم يبالِ بكلامها.
"أنتي جايه تكلّميني عن ربنا دلوقتي؟" ردّ عليها بسخرية وهو يلتقط السلسال الذهبي
خرج شوقي من المنزل، تاركًا وراءه الفوضى والدموع. ركضت فرح الصغيرة نحو أمها، أحاطتها بذراعيها الصغيرة، وحاولت أن تجد فيها الأمان. كانت دموعها تتساقط على وجه أمها، التي كانت تراقبها بحزن وعجز. همست فرح بصوت مبحوح: "ماما، أنا خايفة... ليه بابا بيعمل كده؟"
❈-❈-❈
ذهب شوقي إلى الملهى الليلي "الليل الطويل" وهو في حالة من الغضب والضياع، يبحث عن مكان يهرب فيه من الواقع المرير الذي يعيش فيه كما يعتقد. دخل الملهى المظلم، حيث الأضواء الخافتة والموسيقى الصاخبة التي تنبعث من كل زاوية. جلس على أحد الطاولات البعيدة، يطلب مشروبًا قويًا ليغرق في أفكاره.
وصل تامر إلى الملهى الليلي وهو يتنقل بين الطاولات برشاقة، حتى وقع نظره على شوقي الذي كان جالسًا بمفرده في زاوية مظلمة من المكان. اقترب منه بخطوات سريعة، وعيناه تتألقان بحذر.
"إزيك يا شوقي؟" قال تامر بابتسامة خفيفة، وجلس إلى جانبه.
شوقي رفع رأسه ببطء، فغلب على ملامحه التعب والإحباط، لكنه حاول أن يُخفي ذلك وراء ابتسامة متكلفة.
"تمام... مش قادر أقول إني في أحسن حالاتي، لكن عادي، كلنا في نفس الوضع." رد شوقي، وهو يحرك نظراته بعصبية بين الملهى ويديه.
تامر ضحك بحذر وقال: "أنت مش لوحدك، شوف، أنا جايبلك فكرة جديدة. عندك فلوس قد إيه؟"
شوقي فرك يديه وقال بصوت منخفض: "عندي شوية. بس مش كفاية. الدنيا صعبة."
ابتسم تامر ابتسامة خبيثة وقال وهو يلمس جيبه: "ما تخافش. لو معاك شوية، احنا ممكن نلعب بيهم... بس الجايزة كبيرة."
شوقي نظر إلى تامر بحذر، ثم أدخل يده في جيبه وأخرج السلسال الذهبي الذي كان خلسة قد نزعه من عنق سلوى.
"أهو ده معايا، دي السلسلة بتاعت سلوى... لو لزم الأمر، ممكن نلعب بيه." قال شوقي بنبرة تحدي، وهو يلوح بالسلسال في يد تامر.
تامر نظر إلى السلسال وقال بابتسامة قاسية: "ممتاز. ده يكفي يدخلك اللعبة الكبيرة... وصدقني، لو ربحت، هتغير حياتك كلها."
شوقي نظر إلى السلسال في يده، ثم رفع رأسه وقال بحسم: "أوكي، خلينا نلعب."
❈-❈-❈
وضع شوقي السلسال على طاولة لعب القمار، عيناه تتألقان بشغف ولهفة، متجاهلًا تمامًا نظرة الحزن والقلق التي كانت تلوح في وجه زوجته سلوى . لم يكن لديه ما يخسره، والشعور بإمكانية الفوز كان يستهويه أكثر من أي شيء آخر. كانت أفكار السلسال الذي تركه خلفه في منزله، وابنته التي كانت بحاجة إلى اللبن، أمورًا بعيدة عن تفكيره تمامًا. كل ما كان يهمه هو الربح الآن، أن يهرب من واقعه البائس لحظة واحدة.
تامر ابتسم ابتسامة شيطانية وهو يلمس السلسال بيديه. "إيه، ده بداية كويسة، شوف حظك النهارده"
بينما كان شوقي مستغرقًا في تفكيره، لم يلاحظ التأثير الذي قد يكون على ابنته الصغيرة التي كانت تئن من الجوع في البيت.
جلس شوقي على الطاولة وسط أضواء الكازينو الخافتة وصوت الرقائق المعدنية وهي تتساقط، مستعدًا للعب. تامر كان يجلس أمامه مبتسمًا، عينيه تراقب كل حركة من حركات شوقي. بدأ اللعب بتوتر، قلبه ينبض بسرعة، لكن عقله كان مشوشًا بالرهانات الكبيرة التي وضعها.
الورق في يديه كان سيئًا، لكنه حاول التظاهر بالعكس. تامر لم يكن غافلًا عن ذلك، كان لديه الخبرة الكافية في قراءة تعبيرات شوقي. "أنت مش في المود النهارده ياشوقي. إزاي هتلعب كده؟" قال تامر ضاحكًا، وهو يرفع رهانًا كبيرًا.
شوقي، الذي كان يريد أن يثبت نفسه، زاد من رهانه، على أمل أن حظه سيتغير مع الجولة التالية. كلما رفع رهانًا، كان يشعر بتوتر أكبر، وعيناه تتسابقان على أوراق اللعب. تامر كان أكثر هدوءً، لا يظهر عليه أي توتر. في كل مرة يراه شوقي يتخذ خطوة مريحة، كان يشعر بالقلق من خسارته.
الجولة تلو الأخرى، خسر شوقي المزيد من المال. بدأ يشعر كأن الأرض تبتعد تحت قدميه، لكن عناده منعه من التوقف. بدأ يشعر باليأس، لكنه كتم مشاعره في داخله، يظن أن اللعب قد يعيد له شيئًا من كرامته المفقودة. في النهاية، بعد سلسلة من الخسائر المتتالية، وجد نفسه أمام حقيقة مريرة: السلسال الذهبي الذي وضعه على الطاولة قد اختفى في أعماق اللعب، تمامًا مثل حلمه في الفوز.
"خسرت كل حاجة يا شوقي... مش مهم تعوض بعدين" قال تامر، وهو يراقب شوقي بعيون باردة، بينما كانت يد شوقي تتساقط على الطاولة، يحاول استيعاب ما حدث.
❈-❈-❈
عاد شوقي إلى المنزل، ويداه فارغتين تمامًا
سلوى رفعت صوتها بغضب وهي تقترب من شوقي، قائلة: "فين اللبن؟ جنة كانت محتاجاه إنت مش قادر تجيب لبن لبنتك؟!"
شوقي رفع رأسه بلامبالاة . "مفيش. خسرت كل حاجة. حتى الفلوس اللي كنت هجيب بيها اللبن راحت في القمار."
"خسرت؟" قالت سلوى بنبرة خافتة، لكنها كانت تعرف الإجابة.
شوقي أطلق زفرة طويلة، لم يستطع إخفاء التوتر الذي كان يعتصر قلبه. "أيوه، خسرت كل حاجة."
سلوى نظرت إليه بغضب ممزوج بالحزن. "و إيه بقى هنعمل ايه دلوقتي؟ إزاي هنعيش؟"
سلوى انفجرت بالبكاء. "إنت كل مرة بتضيع فلوسنا في القمار، وما بتفكرش فينا، دلوقتي بنموت من الجوع بسببك ..حرام عليك"
قال شوقي بغضب" اخرسي مش عايز أسمع صوتك غوري "
❈-❈-❈
ذهبت سلوى إلى الصيدلية وهي تحمل أملًا ضعيفًا في قلبها. كان في ذهنها صورة "جنة" الصغيرة، التي تتضور جوعًا وتبكي بسبب غياب اللبن. دخلت الصيدلية بسرعة، ثم طلبت اللبن. عندما جاء الدور لدفع المال، شعرت بشيء من التردد، لكنها لم تجد خيارًا آخر. قالت للصيدلي: "ممكن أدفعلك الفلوس بعدين؟ بنتي محتاجة اللبن، وأنا... أنا بمر بوقت صعب."
نظر إليها الصيدلي لحظة، ثم تنهد وقال: "أوعك تخلّي بنتك تحت رحمة الظروف، خدي اللبن وادفعي بعدين زي ما قلتِ." سلوى شعرت بالامتنان لكنها كانت تعرف أن هذا الحل مؤقت فقط، وأنها في دوامة كبيرة قد تؤدي بها إلى ما هو أسوأ.
❈-❈-❈
حملت اللبن في يديها، وعادت إلى المنزل. وعندما دخلت، كان شوقي قد استلقى على الأريكة وهو في حالة من السُكر التام. سلوى تجاهلته تمامًا واتجهت بسرعة إلى" جنة" التي كانت ما زالت تبكي، ثم أطعمتها اللبن بصبر، عيونها تملؤها الحسرة على الحال الذي وصلت إليه حياتها.و تندم على اختيارها السئ.
❈-❈-❈
ذهبت ليان إلى سبيل، التي كانت تجلس في غرفة المستشفى، عيناها متعبة من كثرة التفكير في مستقبلها المجهول. دخلت ليان بوجه جاد، وقالت لها: "المرة دي أنا جيت أقولك إن تم تحديد موعد لقضيتك في المحكمة. جهزي نفسك."
نظرت سبيل إليها بقلق، وجسدها يرتجف من الخوف. "المحكمة؟" قالت بصوت منخفض. "أمتي ده؟"
"الموعد بعد أسبوعين. لازم تكوني مستعدة نفسياً ما فيش وقت ، يا سبيل، واللي جاي مش هيكون سهل."
سبيل أخذت نفسًا عميقًا وحاولت أن تكون قوية، لكنها كانت تشعر أن كل شيء ينهار حولها. "بس أنا مش عارفة لو كنت هقدر أواجه ده كله. عمّي بيقول إنّي وراء القتل، لكن أنا مش فاهمة حاجة."
ليان جلست بجانبها، وقالت لها بهدوء: "مش لوحدك، . إحنا معاكِ، وكل حاجة هتبان في النهاية. هنتعامل مع الموضوع خطوة بخطوة، و بحذر لازم تكوني قوية"
نظرت سبيل إلى ليان بتفاؤل، وكأنها تلقت شحنة أمل جديدة. لكن في داخلها كان القلق ما زال يسيطر عليها.
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا ممدوح، لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية