رواية جديدة على سبيل الألم لرانيا ممدوح - الفصل 7 - الإثنين 30/12/2024
قراءة رواية على سبيل الألم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية على سبيل الألم
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رانيا ممدوح
الفصل السابع
تم النشر الإثنين
30/12/2024
كان شوقي نائمًا على الأريكة المهترئة في منزله، يعلو صوت شخيره مع رائحة الكحول التي تملأ المكان.
اقتربت سلوى منه وهي تحمل طفلتها على ذراعها
نظرت إليه بضيق واضح، ثم دفعت بقدمها الأريكة بقوة
"قوم يا راجل قوم النهارده محاكمة سبيل لازم توقف جنبها ."
فتح شوقي عينيه بصعوبة، وقال بقرف وهو يفرك وجهه
"أقف جنب مين؟ دي واحدة مجرمة، تستاهل القتل.
ماحدش قالها تمسك السكينة وتخلص على أبوها ."
ردت سلوى بصوت متحشرج مليء بالغضب
" حرام عليك دي بنت غلبانة ومنكسرة، أنا متأكدة إنها بريئة مالهاش حد غيرنا دلوقتي يسأل عليها، ولا إنت خلاص قلبك مات زي ما كل حاجة في حياتك ماتت ؟"
نظر شوقي إليها بنظرة مملة وقال:
خلاص بقى ما تصدعيش دماغي اللي قتل لازم يدفع
التمن بريئة ولا لأ مش شغلتي. دي شغلة الحكومة ياختي و لا هتعرفي أكتر من الحكومة؟"
أدارت سلوى وجهها عنه وهي تهز رأسها بمرارة، وقالت بهمس:
مش كل واحد يستاهل لقب راجل، وأنت أولهم. ياريتك مكانها و كنت ارتحت منك و من قرفك "
نظر إليها شوقي بريبة وقال: "بتقولي إيه؟ مش سمعتك. "
ردت سلوى بسرعة، وهي تحاول أن تبدو هادئة:
"بقول قوم شوف البنت دي، يمكن ربنا يفتحها عليك كلمة حق و لازم أقولها."
هز شوقي رأسه باستهزاء وقال:
"ربنا؟! آه طبعًا، سيبك من الكلام ده يا سلوى إحنا دافنينو سوا يا حلوة. أنا مش ناقص وجع دماغ على الصبح."
انفعلت سلوى وقالت بحزم:
"وجع الدماغ هو إنك تعيش طول عمرك كده تافه و معدوم الشخصية ، قوم بقى، لو عندك ذرة إنسانية، حرام البنت دي تضيع وإنت قاعد مكانك."
قال شوقي بغضب وهو ينهض من مكانه: "هو أنا لازم أضربك علشان تسكتي ؟! غوري من وشي"
❈-❈-❈
تم تجهيز سبيل لكي تذهب إلى المحكمة :
كانت سبيل تجلس في المقعد الخلفي لسيارة السجن، والجو ضبابي في داخلها، حيث كانت تُحاط بجدران معدنية باردة وأصفاد تثبت معصميها. كانت ترتدي زي السجن، وهو عبارة عن قميص برتقالي وبنطال فضفاض، مما جعلها تشعر بالعزلة والغرابة، كأنها فقدت هويتها. شعور السجن كان ثقيلاً عليها، وذاك القرار الذي يتحكم في حريتها كان عالقًا في ذهنها.
تجولت أفكارها في كل اتجاه. "كيف وصلت إلى هنا؟" تساءلت في داخلها، متذكرة أيامها السابقة قبل الحادث. كيف كانت تعيش لحظات الفرح في الملاعب، والاحتفالات بعد الفوز، وكان والدها بجانبها، وهو يشجعها ويحتفل بنجاحها. الآن، كل ذلك كان مجرد ذكريات بعيدة، حيث أصبحت عالقة في هذا الوضع الكئيب.
عندما نظرت من النافذة، كانت الشوارع تمضي بسرعتها المعتادة، بينما شعرت هي وكأن الزمن قد توقف. الناس في الشوارع لم يعرفوا ما تمر به. "هل سيفهمونني؟ هل سيتعاطفون معي؟" تساءلت، لكن إجابات هذه الأسئلة كانت تتلاشى في دوامة مشاعرها.
كانت تتذكر حديث ليان، محاميتها، التي أكدت لها أنها ليست وحدها وأنها ستقاتل من أجلها. لكن شعور القلق كان يتسلل إليها. "هل سأنجح في الدفاع عن نفسي؟" كانت تفكر، وكلما اقتربت السيارة من المحكمة، زادت ضربات قلبها.
أحست ببرودة الأصفاد على معصميها، وكأنها تذكرها بالقيود التي تشدها إلى واقعها المرير. "لا أستطيع الاستسلام،" همست لنفسها. "يجب أن أكون قوية لأجل والدتي ولأجل ذكريات والدي." في تلك اللحظة، قررت أن تستجمع شجاعتها وتواجه ما ينتظرها.
❈-❈-❈
عندما توقفت السيارة أمام المحكمة، شعرت بصدمة جديدة. كان هناك حشد من الناس، الكاميرات، والمراسلين الذين ينتظرون ظهورها. كيف يمكن أن يكون كل ذلك واقعيًا؟ لكنها تذكرت كلمات ليان: "تحدثي بصدق وكوني قوية." وقد كانت هذه الكلمات هي ما تحتاجه في تلك اللحظة.
عندما خرجت من السيارة، رفعت رأسها قليلاً وابتسمت في وجه المحامين والمراسلين، متجاهلة الضغوطات التي كانت تسيطر عليها. على الرغم من أنها كانت محاطة بالسجن، شعرت بقوة داخلها تدفعها للأمام. "لن أسمح للظروف بأن تضعفني،" قالت لنفسها، عازمة على خوض المعركة.
وقفت سبيل في قفص الاتهام، وعيناها تبحثان في أرجاء القاعة، حيث كانت الأضواء مسلطة عليها من كل جهة. كانت تشعر بالقلق والتوتر، وقلبها ينبض بسرعة غير طبيعية. كل شيء من حولها بدا غريبًا، وكأنها تعيش في كابوس لا ينتهي.
❈-❈-❈
ارتدت زي السجن، الذي كان يتسم باللون البرتقالي المشرق، مما جعلها تبدو وكأنها تنتمي إلى عالم مختلف تمامًا. كانت مشاعر الخوف والضياع تجتاحها، ولكنها حاولت أن تظل قوية. كانت تتذكر كلمات ليان، محاميتها، التي قالت لها إن هذا هو وقتها للتحدث، للتعبير عن نفسها والدفاع عن براءتها.
في تلك اللحظة، تجول في ذهنها العديد من الأفكار. "كيف سأثبت براءتي؟" تساءلت، بينما كانت تنظر إلى القاضي الذي كان يجلس على منصة مرتفعة. كان يبدو صارمًا وجادًا، مما زاد من شعورها بالقلق،ثم نظرت إلى الجمهور، وتملكها شعور بالأسف، كيف أن حياتها قد تغيرت إلى هذا الحد. كانت دائمًا تحلم بأن تكون لاعبة تنس محترفة، وكانت تأمل أن تحقق إنجازات عظيمة. ولكن الآن، كانت واقفة هنا، متهمة بجريمة لم تفعلها.
وما زاد الأمر سوءً هي نظرات الشفقة والسخرية التي تلقتها من بعض الحضور. شعرت بأن العالم بأسره يراقبها، وكأنها تجلس على منصة لتعرض ضعفها أمام الجميع. لكنها تذكرت والدها، الذي كان دائمًا يشجعها على أن تكون قوية وأن تواجه الصعوبات بشجاعة.
أغمضت عينيها لفترة قصيرة، مسترجعة لحظات الفوز في المباريات السابقة. كانت تلك اللحظات مليئة بالفخر والسعادة، وكان والدها يصفق لها بحماس. " سبيل ، أنا فخور بيكي" كانت كلماته تردد في ذهنها.هربت دمعة متمردة على خدها ؛ لتكشف حاجتها لمثل هذه الكلمات في الوقت الحالي.
❈-❈-❈
ثم جاء دور المحامية ليان،بعد أن حاولت ليان جاهدة في أن تجد مخرج لسبيل من تلك الجريمة ، لكن كل محاولاتها باءت بالفشل ،ظلت التحريات مستمرة ، لكن دون جدوى ، كمان أنهم لم يجدوا أي صورة لوالدة سبيل في المنزل أو في أي مكان ، اختفت تمامًا .
جلس القاضي على منصة الحكم، مظهره الرسمي وجديته تعكس هيبة المحكمة. كان يرتدي رداء القضاة الأسود، وعليه وشاح مزخرف يدل على منصبه. وجهه كان متجهمًا، وعيناه تركزان بدقة على كل ما يجري في قاعة المحكمة، وسمح لها ببدء المرافعة .
❈-❈-❈
كانت ليان تجلس في مقعد المحاميين، ترتدي بدلة رسمية أنيقة، تعكس احترافها وجديتها في الدفاع عن موكلتها.عيناها كانتا تعكسان الحماس والتصميم، وهي تنظر إلى القضاة بتحدٍ وثقة ثم قالت:
-السيد القاضي،أعضاء هيئة المحلفين الكرام، أقف أمامكم اليوم كمحامية مدافعة عن موكلتي، سبيل عبدالله، وهي شابة لا تزال تحمل في قلبها أحلامًا لم تتحقق. منذ بداية هذه القضية، نعلم جميعًا أن الأمور ليست كما تبدو. ليست سبيل مجرد متهمة، بل هي ضحية ظروف معقدة، وعلينا أن نضع الأمور في نصابها الصحيح.
أولاً، دعونا ننظر إلى الخلفية التي عاشت فيها سبيل.
تربت سبيل في بيئة جيدة ، فهي لاعبة تنس حصلت على العديد من الجوائز و الجميع يشهد لها بتميزها و أخلاقها .
ثانيًا، دعونا نفحص الأدلة المقدمة ضد سبيل.
السكين الذي وُجد في مسرح الجريمة ليس دليلاً قاطعًا على أنها القاتلة. إنه مجرد أداة، ووجود بصماتها عليه لا يعني أنها استخدمته. يجب أن نتذكر أن العديد من الأشخاص يمكن أن يكون لهم اتصال بالأدلة، وأن هناك احتمالًا كبيرًا أن شخصًا آخر قد يكون وراء هذه الجريمة. لا يوجد أي دليل مباشر يربط سبيل بارتكاب هذا الفعل.
ثالثًا، هناك عنصر هام يجب أن نتناوله، وهو الحالة النفسية لسبيل.
تظهر التقارير النفسية أن سبيل تعاني من آثار صدمة نفسية نتيجة للظروف التي مرت بها. إن الظروف المحيطة بها تجعل من الصعب تصديق أنها قادرة على ارتكاب جريمة كهذه. إن ما تحتاجه هو الدعم والمساعدة، لا العقوبة.
أخيرًا، لا يمكننا تجاهل القيم الإنسانية.
نحن هنا لنحمي العدالة، وليس للانتقام. يجب أن ننظر إلى سبيل كفرد له مستقبل، يمكن أن يتعافى ويندمج في المجتمع. إذا كانت العدالة تعني شيئًا، فهي تعني منح الناس فرصة للإصلاح.
أطلب منكم، أعضاء هيئة المحلفين، أن تأخذوا في اعتباركم كل هذه الحقائق، وأن تمنحوا سبيل الفرصة التي تستحقها. أطلب منكم أن تبرئوها، ليس فقط من أجلها، ولكن من أجل العدالة التي نطمح إليها جميعًا.
شكراً لكم.
❈-❈-❈
أظهر القاضي اهتمامًا شديدًا بمرافعة ليان، حيث كان يحرك رأسه برفق في إيماءة تدل على فهمه لما تقوله. تارةً، يكتب ملاحظات على ورقة أمامه، وتارةً أخرى، يتطلع إلى سبيل، مشدداً على أهمية حالتها. كانت عضلات وجهه متوترة قليلاً، مما يدل على عمق تفكيره في القضية.
تجمدت سبيل في مكانها داخل قفص الاتهام، تحاول استيعاب كل كلمة نطقتها ليان، وكأنها تتشبث بحبل من الأمل وسط بحر من اليأس. نظرت نحو القاضي وهي تتنفس ببطء، تدعو في داخلها أن تصل كلمات ليان إلى قلبه. كانت عيناها ممتلئتين بالدموع التي لم تنهمر، حبيسة كأحاسيسها المرهقة.
❈-❈-❈
بعد انتهاء ليان من مرافعتها، نهض ممثل النيابة العامة بخطوات بطيئة وواثقة، متجهًا نحو القاضي. كانت نظراته تعكس حزمًا، ونبرة صوته وهو يبدأ حديثه أشعلت الأجواء في المحكمة:
"سيدي القاضي، سيداتي وسادتي هيئة المحلفين، لا يمكننا أن نتجاهل الأدلة الواضحة التي بين أيدينا. المتهمة، سبيل عبدالله، ليست ضحية كما تحاول الدفاع تصويرها. بل هي الشخص الذي كان موجودًا في مسرح الجريمة، ووجدت بصماتها على أداة الجريمة. هل يمكننا تجاهل هذا؟ بالتأكيد لا."
صمت قليلًا، ثم أضاف بحدة:
"المرافعة التي سمعناها للتو، رغم قوتها البلاغية، تعتمد على الافتراضات والتأويلات، لا على الحقائق. الأدلة المادية و ذكر شقيق المجني عليه شوقي الوكيل إن المتهمة غير مستقرة نفسيا مما يرجح ارتكابها للجريمة مما لا شك فيه "
ارتفعت همسات الحضور، وأخذ الصحفيون يدونون بسرعة، بينما نظرت سبيل إلى ليان بعينين قلقين. لكن ليان أبقت تعابير وجهها ثابتة، مشيرة إلى سبيل بالهدوء.
لكن ليان صاحت بصوت عال:
" أعترض سيدي القاضي.. هذه الأوراق تثبت أن سبيل في كامل قواها العقلية والنفسية و إن علاقتها بوالدها كانت قوية و أنه كان يدعمها في كل شئ؛ لدرجة أنها لم تكن بحاجة إلى أي شخص آخر في حياتها"
واصل ممثل النيابة قائلاً:
"سيدي القاضي، نحن هنا لنتحدث عن العدالة، و لسنا نركض خلف المشاعر و الأحاسيس نتحدث عن الأدلة الجنائية و ليس عن حب أو دعم. والد المتهمة فقد حياته في ظروف غامضة، والوحيدة التي كانت لديها الدوافع والدليل هي ابنته نحن نجهل تماما غرضها وراء فعل ذلك. نطالب هيئة المحكمة بالنظر إلى القضية بمنظور واقعي، بعيدًا عن العواطف والافتراضات. الجريمة واضحة، والمتهمة تستحق العقاب."
انتهى حديث النيابة، وأصبحت الأجواء في القاعة مشحونة بالتوتر. بدا أن الجميع ينتظر اللحظة التالية بفارغ الصبر، بينما اشتعلت عينا القاضي بالتفكير العميق في تفاصيل القضية.
بعد أن أنهى ممثل النيابة مرافعته، وقف القاضي للحظة قبل أن ينظر إلى الحضور قائلاً بصوت جاد:
المحكمة ستستكمل جلساتها غدًا للاستماع إلى المزيد من الأدلة والشهود.
تمتمت سبيل بصوت خافت بينما يتم اقتيادها إلى خارج القاعة:
"يا رب، ساعدني أخرج من ده كله."
أما ليان، فقد كانت عازمة على أن تستمر في القتال حتى النهاية، لأنها كانت تؤمن أن الحقيقة ستظهر، مهما طال الوقت أو زادت العقبات.
❈-❈-❈
اقتربت ليان من قفص الاتهام بعد أن سمح لها الحرس بذلك، وحاولت أن تبث في سبيل بعض الطمأنينة. وقفت على بعد خطوات قليلة، تلتقط نظرات سبيل المتوترة والممزوجة بالخوف والألم.
قالت ليان بصوت هادئ لكن حازم:
"سبيل، أنا عارفة إن ده صعب، بس لازم تفضلي قوية. إحنا عملنا كل اللي نقدر عليه النهاردة، ولسه عندنا فرصة نثبت براءتك."
نظرت سبيل إلى ليان بعينين تملؤهما الحيرة واليأس:
"ليان، هل فعلًا في أمل؟ كل شيء ضدي، والناس بتبص لي كأني فعلاً القاتلة."
وضعت ليان يدها على القضبان، قائلة بنبرة مشجعة:
"طالما أنا هنا، هفضل أقاتل علشانك. وصدقيني، الحق دايمًا بيظهر مهما كانت الظروف. بس محتاجة منك حاجة واحدة: متستسلميش."
أومأت سبيل بخفة، وهي تحاول أن تتمسك بكلمات ليان كأنها طوق نجاة. ثم همست:
"مش هسيب نفسي تضيع، أنا مستعدة أواجه أي حاجة."
ابتسمت ليان بحنان، قبل أن تقول بصوت خافت:
"كده تمام. إحنا فريق، ومتأكدة إننا هنكسب المعركة دي."
نظرت سبيل إلى ليان بعينين مرتجفتين وهمست بصوت مبحوح:
"أنا خايفة أوي يا ليان... خايفة إنهم يصدقوا إني فعلاً عملت كده."
اقتربت ليان أكثر، وكأنها تحاول أن تزيل الحاجز بينهما، وقالت بحنان وثقة:
"سبيل، الخوف طبيعي، لكن متخليش يسيطر عليك. أنا هنا، وكلنا بنشتغل علشان نثبت الحقيقة. انتي مش لوحدك."
ابتلعت سبيل غصتها بصعوبة، وحاولت أن تتمالك دموعها، ثم قالت:
"بس، كل حاجة ضدي... حتى بصماتي على السكين. مش عارفة إزاي أقنعهم إني بريئة."
أخذت ليان نفسًا عميقًا وردت بحزم:
"الدفاع عن الحقيقة مش سهل، وده اللي بنعمله دلوقتي. إحنا بنبني قضيتنا خطوة خطوة، وكل دليل بنجمعه بيقربنا أكتر لإثبات براءتك. بس محتاجة منك شجاعة وصبر."
أومأت سبيل بخفة، وكأنها تحاول استجماع قوتها، ثم قالت بصوت خافت:
"هحاول، ليان... هحاول علشان ماما وعلشان كل حاجة كنت بحلم بيها."
ابتسمت ليان مطمئنة وقالت:
"وكمان علشان نفسك، سبيل. انتي أقوى مما تتصوري. وأنا هنا علشان أتأكد إنك تاخدي حقك."
❈-❈-❈
في اليوم التالي، كانت الأجواء داخل السجن مشحونة بالصمت، وكأنها تحمل في طياتها انتظارًا لشيء مهم. استيقظت سبيل مبكرًا، ولم يغمض لها جفن طوال الليل. عيناها كانتا مرهقتين، تحملان خليطًا من القلق والترقب.
جلست على طرف سريرها الحديدي، ممسكة بيدها صورة قديمة تجمعها بوالدها. كانت تنظر إليها بتمعن، وكأنها تبحث فيها عن القوة التي فقدتها. همست لنفسها:
"لو كنت معايا دلوقتي يا بابا... كنت أكيد هتدعمني."
قطع تفكيرها صوت حارسة السجن وهي تفتح باب الزنزانة:
"سبيل عبدالله، إجهزي للمحاكمة ."
بينما كانت تسير في ممر السجن، سمعت همسات السجينات من خلف القضبان، بعضها مليء بالشفقة، والبعض الآخر مليء بالسخرية. لكنها تجاهلت كل ذلك، موجهة كل تركيزها نحو اللحظة القادمة.
دُفعت سبيل إلى داخل المحكمة، وعندما دخلت قاعة الجلسة، شعرت ببرودة في الجو وكأنها دخلت عالمًا آخر. نظرت حولها لترى القاضي جالسًا في مكانه، وهيئة المحلفين مستعدة لسماع ما سيُقال.
القاضي كان يجلس على منصته، ينظر إلى الأوراق أمامه بنظرة عميقة ومتفحصة. ثم رفع رأسه ونظر مباشرة إلى سبيل، التي كانت تقف في قفص الاتهام بقلق وتوتر.
قال بصوت هادئ ولكن حازم:
"سبيل عبدالله، هل لديك أي شيء تريدين قوله قبل أن نواصل الإجراءات؟ هذا هو وقتك للتحدث إذا كنت ترغبين."
سبيل شعرت بارتباك شديد، ويدها المكبلة ترتعش قليلاً. نظرت إلى ليان، التي أومأت برأسها مطمئنة، وكأنها تقول لها: "كوني صادقة."
نظرت سبيل إلى القاضي بعينين مليئتين بالخوف وقالت بصوت مبحوح:
"سيدي القاضي... أنا بريئة. ما عنديش أي مبرر يخليني أقتل أبويا. بالعكس، كان أقرب إنسان لقلبي، وكل اللي كنت بعمله في حياتي كان عشان أفرّحه."
أخذت نفسًا عميقًا وأكملت بصوت يرتجف:
"أنا مش عارفة إزاي حصل كده. كل اللي أعرفه إني صحيت على كابوس، واتهموني بحاجة عمري ما كنت أتخيلها. أنا فقدت أبويا، وأمي اختفت، وأنا الوحدي في مواجهة كل ده. كل اللي بطلبه إنكم تصدقوني... أنا ما قتلتش أبويا."
عمّ الصمت قاعة المحكمة، ونظرات الجميع كانت مسلطة عليها. القاضي تأمل وجهها لدقائق بدت وكأنها أبدية، ثم قال بنبرة جدية ولكن فيها قدر من التعاطف:
"كلماتك سُجلت يا سبيل، وسنأخذها بعين الاعتبار. ولكن الحكم سيعتمد على الأدلة والشهادات. أتمنى أن تكوني مستعدة لكل الاحتمالات."
هزت سبيل رأسها ببطء، وعادت لتجلس بصمت، بينما أخذت ليان تسجل ملاحظات بحرص، مستعدة للخطوة التالية في القضية.
❈-❈-❈
قال القاضي بجدية :
بعد الاستماع إلى المرافعات من كلا الطرفين، ومراجعة الأدلة المقدمة، نجد أنه من المهم توضيح النقاط الأساسية التي أدت إلى هذا القرار.
ظروف الجريمة: لقد ثبت أن سبيل عبدالله كانت في حالة ضغط نفسي شديد عند وقوع الجريمة. ومع ذلك، فإن تصرفاتها قبل وبعد الحادث تشير إلى غياب الوعي الكامل لعواقب أفعالها.
الأدلة المقدمة: تمتلك النيابة أدلة مادية تشير إلى وجود سبيل في مسرح الجريمة، بما في ذلك بصماتها على الأداة المستخدمة في القتل. هذه الأدلة لا يمكن تجاهلها، على الرغم من أن الدفاع حاول تقديم تفسيرات بديلة حول الحالة النفسية التي مرت بها.
حالة سبيل عبدالله: نحن ندرك أن سبيل قد عانت من ظروف صعبة أدت بها إلى حالة نفسية معقدة. ومع ذلك، فإن القانون يجب أن يأخذ مجراه، ويجب أن يكون هناك عواقب لتصرفات الفرد، حتى لو كانت تحت ضغط شديد.
بناءً على ما سبق، فإن المحكمة تقرر:
الحكم بالسجن لمدة خمسة عشر عامًا على سبيل عبدالله، مع إمكانية الاستئناف بعد الحكم.
نأمل أن توفر هذه العقوبة الفرصة لسبيل لإعادة تقييم حياتها، وأن تتلقى الدعم اللازم خلال فترة السجن.
رفعت الجلسة.
بعد نطق الحكم، صرخت سبيل بصوت عالي مليان ألم:
"مظلومةمظلوووووووووومة، والله العظيم، مظلومة، إزاي يقولوا عليا القاتلة؟ أنا ما قتلتش أبويا ما قتلتش حد! أنا ضحية الظروف، ضحية الحياة اللي جابتني هنا، ليه مش شايفني حد؟ ليه محدش بيسمعني؟ إيه ذنبي أنا؟ يا باباااااا"
وابتدت دموعها تنزل من عينيها، وكأنها بتبكي كل حاجة جواها في اللحظة دي.
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا ممدوح، لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية