-->

رواية جديدة بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) لعفاف شريف - الفصل 11 - 2 - السبت 21/12/2024

 

 قراءة رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض)

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة عفاف شريف


الفصل الحادي عشر

2

تم النشر السبت

21/12/2024


في إحدى الدول الأوروبية


أوقفت سيارتها لترتجل منها، واضعةً الهاتف على أذنها، تتحدث بهدوء مع أحدهم بخصوص أحد الأعمال المقبلة عليها، قبل أن تدلف إلى المنزل.


ويقاطعها ركض الصغيرين نحوها بسرعة. ارتدت للخلف لوهلة قبل أن تبتسم لهما، مبعدةً إياهما عنها وهي تربت على خصلاتهما بحنان سريع، قبل أن تشير للخادمة أن تصحبهما وهي تقول:


"لماذا الأطفال هنا؟ اصعدي بهم إلى الأعلى، لا أريد أن أراهم سوى في غرفهم يدرسون ويستعدون للاختبارات القادمة. لا أريد تقصيرًا أبدًا."



وأشارت للصغار مودّعةً إياهم، قبل أن تسرع إلى غرفتها لتأخذ حمامًا سريعًا استعدادًا لعشاء الليلة.


وفي الأسفل:


وصل أمير هو الآخر، يجري عدة محادثات هامة، ليقابل الخادمة وهي تحمل عنه معطفه وتخبره بهدوء:


"السيدان الصغيران مريم ومراد سألوا عنك كثيرًا، سيدي. يريدان الجلوس معك، هل آتي بهما؟"



هزّ رأسه نافيًا بانشغال، وصعد سريعًا إلى غرفته ليرتاح قليلًا قبل عشاء الليلة.


دخل الغرفة، وألقى بنفسه على الفراش قبل أن يأتيه اتصال من شقيقه تميم. فتح المحادثة سريعًا وهو يقول بشوق حقيقي:


"وحشتني يا ندل! كده متسألش عليا كل ده؟"



رمقه تميم بنظرة ساخطة وهو يرد بقرف:


"والله إنت ما عندك دم. إنت عارف أنا كام مرة أكلم الولاد ومبعرفش أوصلك؟ دايمًا تليفونك يا مشغول يا مغلق، ودائمًا يقولولي مشغول! مش عارف أوصلك خالص، بجد، إيه ده؟ فينك يا ابني؟ إيه كل ده؟ معقول مش فاضي تكلم إخواتك وتطمن على أبوك ولو خمس دقايق؟"



قالها بلوم وحزن من عدم وجوده وسطهم.


فأمير أصبح حقًا مشغولًا جدًا، وأصبح قليل الحديث معهم. أغمض أمير عينيه بإحراج قبل أن يكمل حديثه كأن شيئًا لم يكن. فهو حاليًا ينظر لمستقبله، لا وقت لديه حقًا، لا وقت حتى لأقرب ما لديه، أطفاله الصغار.


أغلق مع تميم بعد محادثة قصيرة اضطر لإنهائها للقيام ببعض الأعمال، قبل أن يقاطعه صوت دق على الباب. تأفف بضيق وهو ينظر للهاتف، وسمح للطارق بالدخول، ليأتيه بعدها صوت حماس صغيريه وهما يلقيان نفسيهما بين أحضانه.


احتضنهما بقوة، مقبلًا صغيرته مريم وأخاها مراد، وهو يسألهما أسئلة سريعة، قبل أن ينشغل بهاتفه مرة أخرى سريعًا.


لتقاطعه مريم، محاولةً جذب انتباهه:


"بابي..."



ربت على رأسها بحنان منشغل، وتدخلت زوجته التي خرجت لتوها من حمامها وهي تقول بجدية:


"بتعملوا إيه هنا؟ مش وراكم درس بيانو تقريبًا كمان شوية؟ يلا بسرعة! وقلنا قبل كده، بابي ومامي مشغولين أوي، أوك؟ يلا!"



ونادت:


"إيميليا!"



أتت الخادمة مسرعةً لتأمرها قائلةً:


"أحضري لي قهوة سريعًا، وخذي الأولاد لغرفهم. هيا!"



أومأت لها الأخرى وهي تردد:


"حاضر، مدام."



وجلست تمشط خصلاتها سريعًا تحت نظرات صغيريها وهما يغادران مجبرين.


ألقى أمير الهاتف متأففًا وهو يقول:


"يارا، عايزين نفضي وقت ننزل مصر أزور بابا ونتجمع مع إخواتي."



أجابته دون اهتمام:


"انزل إنت يا أمير، أنا مشغولة جدًا. مش معقول أسيب شغلي عشان ننزل ونضيع وقتنا هناك. حط أي حجة عادي، مش أول مرة. إحنا مش فاضيين، أنا عن نفسي مش فاضية. انت حر."



قالتها سريعًا وهي تتلقى مكالمة عمل جعلتها تندمج بها.


كاد أن يصيح بها، لكن مكالمة له هو الآخر منعته، لينغمس هو الآخر، غافلًا أنه يضحي بأهم الأشياء مقابل اللا شيء.


❈-❈-❈

كانت آسيا مستيقظة منذ الصباح الباكر، تحضر نفسها وملابسها وكل شيء. أدق التفاصيل اهتمت بها.

وقفت أخيرًا ترتدي ملابسها استعدادًا للذهاب مع عمتها إلى الشركة، أو بمعنى أصح، ستفاجئ عمتها بقرار مجيئها.

هي لا تعلم بعد، وستذهب مهما كلفها الأمر، فهي بحاجة لاستكشاف المكان أكثر عن قرب.

علمت أمس أن تميم كان المرشح الأنسب للزواج من الأميرة فريدة، والغبية الحمقاء صاحبة الرأس اليابس فريدة أضاعته من بين يديها.

غبية منذ يومها الأول، تضيع الكنوز لتتحط بين يديها هي.

تركت تميم لتتزوج ذلك الصعلوك على رأي عمتها.

تركت تميم، وكم كان هذا مناسبًا لها.

تركته لأجلها.

واضح أن تميم من نصيبها هي، سيصبح زوجها، وستربح جولة جديدة لصالحها.

قاطع خيالاتها دخول عمتها تحمل لها كوب حليب دافئ، وهي تناولته إياها، مقبلة إياها، متسائلة باستغراب وهي تراها تكاد تنتهي من ارتداء ملابسها:

"رايحة فين على كده؟"

أجابتها مؤكدة وهي ترد لها القبلة:

"جايه معاكي، مش أنتي رايحة لعمو مدحت  الشركة؟

هاجي معاكي، عايزة أروح أعمله مفاجأة، بعدين نخرج كلنا نتغدى سوا، إيه رأيك؟"

أومأت لها صفية بعقل شارد.

مدحت ليس كالمعتاد، هناك شيء لا تفهمه.

هناك حلقة مفقودة منها.

أصبح كثير التأخر، كثير السكوت أكثر من قبل.

هناك شيء هي فقدته، وكل يوم تزداد الخسارة، خسارة تظن أنها كبيرة.

❈-❈-❈

              بأحد دول العربية


كانت سارة تقف في المطبخ بجانب مربيتها حسناء، والتي تعد بمثابة أم لها ، هي من ربتها بعد ما رحلت أمها وتوفيت، وقابلت وجه كريم.

كانت حسناء الحضن الدافئ لها دائماً،

الملجأ الذي تحتمي به،

تشاركها أسرارها،

تضحك معها.

أبسط وأهم الأمور تكون معها.

نعم، هي بسيطة، بل بسيطة جداً.

أتت بها أمها منذ سنوات طويلة من بلدتها الصغيرة،

فهي مطلقة ولا تنجب.

ولم يرضَ بها سوى رجال متزوجين، امرأة واثنين وثلاثة، ويريدها لجمالها.

متعة لهم 

وهي لم ترَ نفسها سلعةً يوماً.

ف أتت مع أمها،

أصبحت أمها الثانية.

رغم بساطتها، لكنها مؤمنة أن الأمومة لا تحتاج علم أو شهادات، هي فقط بحاجة للعطاء والكثير من الحنان والحب.

حنان يفتقده الكثير من الأمهات الأحياء.

اقتربت منها، تطبع قلباً عميقاً على وجنتيها،

لتُهديها الأخرى قبلة أكبر، قل أن تكمل تحضير غداء اليوم، وهي تقول:

"يلا عشان تلفي ورق العنب،

ورانا شغل كثير،

يلا."

اتسعت عينا سارة وهي تحاول إيجاد طريقة للهروب من تلك الورطة،

ومن المطبخ بكامله.

"أي ورق عنب؟"

كادت أن تتحرك،

إلا أن يد حسناء منعتها، وهي تمسكها من ملابسها، تعيدها محلها، تجلس وتجلسها بجانبها، قائلة بصوت صارم أُمومي:

"لفي ورق العنب.

مفيش هروب.

هو كل يوم حجة شكل.

يلا بقي لفي،

وأنا براقبك."

قالتها بتحذير:

"يلا، أتعلمي عشان لما تتجوزي."

نظرت سارة للورق تارة، ولحسناء تارة،

قبل أن تضحك مرغمة على لف تلك الورقات، وهي تتحدث متسائلة:

"صح، تعرفي مين جي النهارده؟"

هزت حسناء رأسها بعدم معرفة،

وهي تقول:

"والله يا بنتي ما قال.

هو بس قال لي جهزي سفره معتبرة،

عشان جي ناس مهمة،

وادينا روقنا البيت،

وبنعمل الأكل."

هزت سارة رأسها بعدم اهتمام.

هي لا تهتم في تلك اللحظة سوى بفريدة،

تلك التي حادثتها أمس.

تشعر أن تلك الفتاة،

كلما نجت،

غرقت.


❈-❈-❈

انتهت من تنظيف سريع للمنزل،

أطعمَت لوزة ولعبت معها قليلاً فقط،

لكنها لم تقدر على أكثر من هذا.

اليوم هي لم تود أن تجلس في الشرفة،

لم تود فعل أي شيء،

بل دلفت لغرفتها مرة أخرى،

تندس بالفراش تريد النوم أكبر قدر،

النوم أم الهروب؟

لا تعرف، لم تعد تعلم.

تذكرت محادثتها مع سارة أمس،

ظلت تبكي وتحكي لساعات معها،

لم تجد سارة ما تقوله،

وهي عمر علاقة يجب فيها المعافرة من الطرفين،

محاولة التكيف لن تكون سهلة أبداً.

تنهدت بضيق،

وبعد الكثير من المحاولات الفاشلة للنوم،

استقامت تجلس، تضع الوسادة خلفها،

تمسك هاتفها وتقلب فيه بملل،

حتى وقع تحت يدها مقطع أظهر الدموع بعينها،

وهي تقرأ بحزن:


لم أرد يوماً...

ولم يحدث أن حلمت بحياة وردية...

فوق الغيوم اللّازوردية...

أردت فقط حياة...

فيها شيء من الحياة،

شيء من الألوان...

وربما شيء من الحب... شيء من الأمان...


بسيطة كانت رغباتي...

لم يكن الأمر يستحق...

أن تصفعني الحياة بسوادها ورماديتها، بدل أن تحتضنني

بشيء من حنانها...


لم يكن الأمر يستحق

ولم أكن أنا أستحق

لذا....

بحثت عن لونٍ في ركام رمادها،

عن زهرة نبتت وسط صخرها،

عن ضوء خافت يخترق ظلامها...

فربما، الحياة يوماً تبتسم... ولو بلمحة صغيرة.

فيروزة


مسحت دموعها بقسوة،

هي لا تريد البكاء.

أغمضت عينيها تحاول التفكير فيما حدث اليوم صباحاً.

Flash Back


كانت تغط في نوم قلق بعدما قضت ليلة مؤلمة مليئة بالأرق.

تقريباً الوحيدة التي نامت سعيدة كانت لوزة.

أما هي فظلت طوال الليل في قلق

ونوم مضطرب.

أفاقت من نومها على يد تمر على وجنتيها،

لوهلة لم تستوعب ما يحدث،

حتى أفاقت وهي تجد عمر يجلس بجانبها،

يمرر يده على خصلاتها،

قائلاً برفق: الفجر ضاع عليكِ يا كسولة.

نظرت له باستغراب من طريقته.

أيتخطى موقف الأمس وكان شيئاً لم يكن؟

صوته العالي والمشادة بينهم شيء لا تقبل هي به.

أخطأت نعم،

ستعتذر نعم،

لكن ليس قبل منه.

أخطأ سوياً،

فليتناقشا.

لا يتركها ويرحل بتلك الطريقة.

اعتدلت في جلستها مبعدة يده،

وهي تمسح وجهها محاولة الاستفاقة.

اقترب منها أكثر قائلاً برفق: هنفضل كده كثير يا فريدة؟

ماشي أنا غلطت بس أنتِ كمان غلطتي.

إزاي تجيبي قطة من غير ما تقوليلي؟

إزاي تخدي خطوة مهمة في إنك تجيبي حيوان أليف من غير ما أكون مشارك في القرار ده؟

أنتِ مش شايفة نفسك غلطتي؟

قالها وهو يدير وجهها بين يديه ليقابل وجهه.

زمت شفتيها قبل أن تقول بتعب: مشكلتك إنك مش قادر تفهمني يا عمر.

اللي بتعمله ده هيخلق بينا فجوة.

أنا مش بنكر إنك بتعافر عشاني.

طيب وأنا إيه؟

وأنا اللي بزرع نفسي في أرض جديدة

ويحاول بكل قوتي أكون زي ما أنت بتتمنى.

إيه المشكلة لما جبت لوزة؟

أولاً أنا مخدتش القرار لوحدي،

لوزة أنا لاقيتها في الشارع حامل والولاد بيضربوها، وشكلها قطة بيت،

بس صاحبها رماها تعبانه ومتبهدلة.

أكلتها ومشيت،

بس هي جت ورايا،

كانها اخترتني.

ربنا بعتها ليا.

أنت متخيل كمية الثواب اللي هنخدها لما نربيها؟

مش ده الدين.

إيه المشكلة؟

هي لطيفة خالص،

ومعملتش حاجة لكل العصبية دي.

كنت تقدر تتكلم بهدوء،

بس أنت خدت طريق الهجوم،

والأمر كأني مليش رأي.

وقالت أخيراً بتأكيد: بس مش أنا اللي هقبل بده يا عمر.

يمكن أهلي رفضوني،

بس أنا مش هكرر الغلطة مرتين.


عودة للوقت الحالي


انتهى النقاش أسرع مما تخيلت بمكالمة هاتفية تحثه على الذهاب حالاً للمكتب دون أي تأخير.

انتهى النقاش دون أن تكمله.

لا تلومه، هذا أمر طارئ خارج عن إرادته.

لكن بداخلها شيء لا تعلمه،

خوف يزداد،

يوم بعد يوم.

خوف من قادم تخشى أن يمزق قلبها،

خوف من تكرار الخيبات.

❈-❈-❈

كان يجلس بجانب والده يشاركه رأيه في بعض الأعمال.

منذ أشهر طويلة لم يأتِ إلى شركة والده،

لكن اليوم جاء،

ويبدو أنه سيأتي كثيراً في الفترة القادمة.

مشروع ضخم يريده والده أن يكون مساهمًا فيه، ووافق هو بشدة.

خطوة جديدة ستقربه من أن يراها.

سيرحب بها بالطبع،

وها هو يضع حجر الأساس مع والده لمشروع جديد،

مخططين نحو القادم.

قرر والده دون الرجوع إليه

أن التعامل سيكون معه فقط،

وهو سيكون همزة الوصل مع الجميع.

لم يفهم الفكرة،

لكن لم يجادل فهو ليس متفرغًا من الأساس.

رنين هاتفه قاطع شروده،

ليلتقطه وهو يقف قائلاً لأبيه:

"أنا همشي أنا يا حبيبي،

عشان ورايا شغل كثير،

بكرة نكمل إن شاء الله."

قالها بعد أن قبل رأسه،

مغادرًا سريعًا.

وفي طريقه للخروج،

لا يعلم من أين ظهرت تلك التي اصطدم بها،

أو بمعنى أدق،

اصطدمت به هي معتمدة.

تلك التي تنتظره خروجه منذ ساعتين وربع.

ها هي تسقط بين أحضانه،

وستسقطه هو قريبًا في شباكها.


يتبع...

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة عفاف شريف، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة