رواية جديدة طُياب الحبايب مكتملة لرضوى جاويش الفصل 4 - 5 - الجمعة 13/12/2024
قراءة رواية طُياب الحبايب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية طُياب الحبايب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رضوى جاويش
الفصل الرابع
4
تم النشر الجمعة
13/12/2024
كانت تتطلع للمشهد أمامها من موضعها المستتر نوعا ما عن أعين من بالداخل، لا تصدق أنها تبصر ذاك المتغطرس الذي ما لاقت منه منذ وصولها سوى الكبر والتعالي في معاملتها.. وتسيير الأمور وفقا لرغبته وظروفه هو، دون أن يقيم وزنا لرأي غيره، وبالأدق رأيها..
كان يرفع ذيل جلبابه يشده حول خاطرته، وكذا يضم طرفي كمي جلبابه حول ذراعه تجنبا للبلل، وليتحرك في حرية ويسر، وهو ما يزل يدعك جسد زفراني الأسمر في همة وبلا كلل، حتى رأسه الصلعاء نالها من كفه بعض الجهد..
هتف رجب في محاولة لاثناء حبيب عن إكمال ذاك العمل الشاق، مطالبا في نبرة متوسلة: عنك يا حبيب بيه، بكفياك كده، أني ها..
رفض حبيب مقاطعا: لاه، أنت مبتزهجش يا رچب! فكل مرة أسبح زفراني تجولي نفس الكلمتين، وأني أجول لاه.. بكفياك أنت..
أكد رجب في مودة: أني جلبي على تعبك يا حبيب بيه، وأنت من صبحية ربنا واجف على حيلك، ولساته اليوم طويل.. بجول تسيب لي زفراني وتشوف حالك يا بيه..
أكد حبيب في هوادة: ما هو ده حالي يا غشيم، لعلها المنچية على رأي الشيخ معتوج.. لعلها المنچية..
كان قد انتهى تقريبا من وضع الماء على رأس زفراني وجسده، أمرا رجب بمناولته المنشفة، وما أن بدأ في إلباس زفراني جلبابه النظيف، والذي ابتاعه خصيصا له، ليلائم مقاسه الكبير، وليسع ذاك الجسد العامر.. حتى هلل زفراني ما أن وعى للجلباب الجديد في فرحة، هاتفا في سعادة: الليلة عيد.. الليلة عيد..
قهقه حبيب في سعادة لفرحته، مؤكدا على كلامه: ايوه، ليلة عيد اومال ايه! ربنا يتمها على خير..
ما أن هم حبيب بدفع الجلباب لرأس زفراني، إلا ودخل شبل مهرولا، مناديا على حبيب في لهفة، ما دفع أُنس لتركن بالقرب من شجرة الكافور الضخمة القابعة على مقربة، متسترة من عينى شبل الذي وصل لتوه عند موضع حبيب، دافعا رسالة ما لكفه التي تأكد من جفافها قبل استلامها، تاركا مهمة تلبيس جلباب زفراني لرجب، متسائلا بنظرة نحو شبل عن مرسلها، والذي أجاب في عجالة: واد حدفها في صندوج الچوابات الجديم اللي بره السرايا ورمح ملحجتوش يا بيه..
هز حبيب رأسه متفهما، وقد أسرع في فتح المظروف ليفض الرسالة على عجل، قارئا فحواها..
"أوعى تفتكر إننا نسيناك.."..
كان هذا السطر المبهم هو كل محتواها، ضم حبيب المظروف في حنق قاذفا به بطول ذراعه، أما الرسالة فدفع بها لجيب جلبابه الذي فرده، مهرولا لخارج الزريبة، وشبل في أعقابه حتى غابا داخل السراي..
ظهرت من موضع تسترها متسائلة في نفسها عن فحوى الرسالة المجهولة، التي أثارت غضبة ذاك الرجل الواثق لهذا الحد! ..
❈-❈-❈
كانت تعتقد أنها سترى أحد الأفراح التي تشاهد مثيلتها بالتلفاز، لكن الوضع كان مختلفا، كانت الليلة ليلة عقد القران، اجتمع الرجال في المندرة التي دخلتها وممدوح مع حبيب يوم قدومهما، وتجمعت النسوة داخل السراي في البهو الواسع مهللات يرقصن على أنغام الطبول التي كانت تقرع عليها إحداهن من المتمرسات في مثل هذه المناسبات، تطلعت لذاك التجمهر الذي ملأ البراح الواسع لبهو السراي، وهي تقف على أعتاب الباب الفاصل بين المضيفة وذاك الدرج الذي هبطته مع محمود وحدث بعده اللقاء مع العجوز التي أسرها حنانها، صفية رسلان، والتي كانت تتوسط المجلس النسوي في هيبة على الرغم من بشاشتها وانشغالها بالفرح مع باقي النسوة.. وعلى يمينها تجلس امرأة آخرى لا تعرف لما كان ذاك الوجوم على قسمات وجهها، على الرغم من أن الليلة ليلة مباركة، والحدث كما أدركت ليس عاديا، فابن العمدة يعقد قرانه على ابنة عائلة عريقة مثل منيرة.. وذاك في مجتمع مغلق كهذا، حدث جلل يتطلب كل هذا الصخب..
انتفضت موضعها ما أن جاء شبل مهرولا من الخارج، هاتفا في بشر: الكتاب انكتب، الكتاب انكتب..
تعالت الزغاريد في تعاقب من هنا وهناك، وطلت العروس ومن حولها صديقاتها، ليبدأ الحفل بالداخل بين النساء ويتعالى مزاحهن ورقصهن الصاخب، وتلك الاهازيج القديمة التي كانت النساء تتغنى بها منذ زمن بعيد في مثل هذه المناسبات..
ياما حمامي سرح، ويا حمام الواد علي..
كانت منيرة بحق رائعة الجمال، ابتسمت لطلتها الخجلى وهي تجلس بين جدتها وتلك المرأة العابسة التي استنتجت بحدسها أنها أم العريس، وكانت على حق، شعرت بعدائيتها منذ اللحظة الأولى لظهور منيرة، وهي تتقدم في خطوات خجلى لتجلس جوارها، أخرجت سنية أم العريس عقد ثمين من الذهب الخالص كان يبدو عليه الفخامة حقا، وألبسته عروس ولدها، لتعلو الزغاريد بداخل السراي من جديد..
كانت أُنس تعتقد أن السامر سيبدأ عند الرجال وترى الرقص بالعصا والمزمار وتمايل الخيل على انغامه، لكن لم يكن ذاك ما رأت، فقد عادت أدراجها صوب حجرتها بالمضيفة، متطلعة في حرص من خلف نافذة غرفتها صوب باحة السراي، التي اصطفت بداخلها الطبالي ووضع عليها الصواني، التي تحمل الدبائح وأصناف الطعام الشهية، حتى أنها لاحظت أن خارج السراي في ذاك الطريق الضيق قد امتدت البسط أرضا، ووضع عليها كذلك المزيد من صواني الطعام لكل ذاهب وآيب..
طرقات على باب الحجرة وعتها متأخرة، جعلتها تترك موضعها خلف النافذة لتفتح الباب، لتجد نجية أم سالم قبالتها، تعجبت مما تحمل بين ذراعيها، متسائلة: ايه ده!
أكدت نجية: سألت عليكي تحت، البت نبيهة جالت لي إنك فوج فالمضيفة لحالك، جلت كيف يعني منزلتيش تجعدي مع الحريم، وتباركي للعروسة! هو أنتي مش زميلتها برضك!
لم تجب أُنس على تساؤلات نجية المنطقية، وشكرت لها في نفسها أنها لم تصر على معرفة إجابة لها، وهي تمد لها كفيها بصينية الطعام العامرة، مؤكدة في مودة: أني چبت لك حاچة كده تاكليها، واونسك بدل ما أنتي جاعدة لحالك..
ابتسمت أُنس لنجية، وفتحت الباب على مصراعيه، سامحة لها بالمرور بصينية الطعام، مشيرة لها على موضع ما لتتركها به، عائدة صوب النافذة فلربما جد جديد لم تشهده في مجلس الرجال بالأسفل..
تبعتها نجية متطلعة إلى حيث تنظر، لتبادرها أُنس متسائلة: هو فين الرقص والزمر والطبل! هو ده مش فرح، ده أنا عارفة إنو مفيش زي أفراحكم!
ابتسمت نجية مفسرة: لاه يا أستاذة..
ابتسمت أُنس عند لفظة أستاذة، يبدو أنه لقب متداول لكل شخص متعلم في هذا النجع، لكنها على يقين أن حبيب حين وصفها به لم يكن على سبيل التقدير، بل كان متعمدا التقليل، دفعت ذكراه عن مخيلتها محاولة التركيز على كلام نجية، التي استطردت: أصلك النهاردة الكتاب، لكن يوم الحنة، والليلة الكبيرة بجى، هتشوفي اللي عمرك ما شوفتيه، رجص ومغنى وطرب للصبح.. ولحد ما بعد العروسة ما تروح بيتها كمان..
سألت أُنس متعجبة: بس ده لسه باقي حوالي اسبوع على ليلة الفرح، هتعملوا ايه في الأسبوع ده!
شرحت نجية: هنكمل شوار العروسة لحد دارها، كل يوم زفة لحد بيت العريس بحاچتها، وتفضل الصواني ممدودة كده لكل اللي رايح واللي چاي يدخل ياكل، ده يوم عيد للفجرا والغلابة اللي فالنچع والنچوع اللي چنبينا كمان، كله چاي ينول له من الحب چانب يا أستاذة، وربنا يچعل السراي عمرانة بخيرها وناسها.. أما الليلة الكبيرة دي بجى حاچة تانية، ما هو حضرتك هتكوني معانا وتشوفي، مش هتكوني معانا برضك!
تطلعت أُنس لنجية ساهمة، وتساءلت في نفسها، هل ستكون هنا ساعتها، أم أنها ستقدر على إجبار حبيب على تنفيذ وعده لها بالجلوس معا، والاطلاع على كل ما للرسلانية من أموال وأراض قد يكون لها فيهم نصيب، ووقتها تكون أخذت ما لها ورحلت بلا عودة لهذا المكان مجددا!؟..
لم تجد أُنس إجابة لسؤال نجية، لذا حاولت أن تغير مجرى الحديث مشيرة لصينية الطعام: تعالي ناكل، أنا جعانة فعلا..
ردت نجية على استحياء: بالهنا والشفا يا أستاذة، أني هنزل اشوف يكونوا طالبين حاچة، واسيبك تاكلي براحتك..
جذبت أُنس نجية مطالبة في ود: مش هتروحي إلا لما تاكلي معايا، مين هياكل الأكل اللي فالصينية ده كله!..
هتفت نجية في عجالة: والله حبيب بيه لما جالي، چبت لك الخير كله، و..
تنبهت نجية أنها أفصحت عن أمر.. ما كان لها أن تهتك ستره، ما جعل أُنس تسأل في تعجب: حبيب بيه قالك! ..
هزت نجية رأسها إيجابا، فما عاد التكتم يفيد وقد ذُل لسانها وانتهى الأمر: ايوه، جالي إنك لحالك، كنه عارف إنك مش هتنزلي مع الحريم، وطلب مني أطلع لك بالصينية دي.. ياللاه بجى كلي، وأني نازلة أساعد، الدنيا زمنتها فوج بعضيها تحت، والبت نبيهة بتجول بوووه لحالها.. تتمسي بالخير يا أستاذة..
غادرت نجية الغرفة في عجالة، تاركة أُنس جالسة قبالة صينية الطعام الشهية، والتي عافتها فجأة، لتنهض في هوادة صوب النافذة.. تتطلع من جديد لمجلس الرجال، والصواني التي ما أن تفرغ حتى يعاد ملأها من جديد بما لذ وطاب..
سقطت عيناها على محياه في غمرة الزحام بالأسفل، كان ينضح هيبة ووقارا بتلك العباءة الكهرمانية اللون، والتي وضعها بعشوائية أنيقة على كتفيه، وكذا عصاه الآبنوسية التي لم تره يتوكأ عليها من قبل، وهو يمسك بذراع الشيخ معتوق مارا به في تؤدة بين الطبالي، والذي كان يلقي بنكاته ممازحا كل من هب ودب، حتى إذا ما وصلا قرب مدخل المندرة، حانت منه نظرة لأعلى صوب نافذتها، نظرة تعلقت بظلها الظاهر خلف أستار النافذة التلية لبرهة، قبل أن يدخل بصحبة الشيخ معتوق..
حادت بنظرها صوب صينية الطعام متطلعة لها لبرهة، كانت جائعة بالفعل، فهي لم تتناول غداءها حتى هذه اللحظة، خرجت للتمشية حين قابلت ذاك المجذوب زفراني وكذا أم سالم، لمَ إذن عافت الطعام بهذا الشكل! وكأن الطعام مغموس بسم زعاف قد يقضي عليها!
لما حين علمت أنه المرسل، استثقلت أن تضعه بفمها حتى، وهي التي على يقين أنه ما فعل ذلك إلا بدافع الاهتمام لضيفته، التي يدرك تماما أنها لن تنزل بالأسفل لتكون بين الحريم المحتفلات!.. لمَ هذه المكابرة إذن!
عادت من جديد للتطلع نحو الباحة، وقد تناهى لمسامعها صوت زفراني الجهوري، وهو يترنم في سعادة بعد أن ملأ كرشه الضخم من أطايب الطعام، وعب من اللحم ما اشتهى، كان على غير حاله التي عهدته عليها، بعد أن نال حَمّامه وبدل جلبابه المهترىء بآخر نظيف، فأصبح أكثر تحضرا على الرغم من أنه لم يتخل عن صفيحته النحاسية، ومسبحاته المختلفة الأطوال والمدلاة من عنقه في عشوائية..
تنبهت لإندفاع شبل خفير البوابة نحو حبيب، الذي خرج لتوه من المندرة، يتابع أهل النجع الذين كانوا يتحلقون حول الطبالي، يتأكد أن الكل نال كل ما اشتهى من الطعام، وما نهض أحد من موضعه إلا ممتلىء البطن، توقف شبل بالقرب من حبيب دافعا بكفه ورقة مطوية آخرى، كالتي وجدها في صندوق الرسائل الخشبي خارج بوابة السراي..
تطلع حبيب لبرهة للرسالة المطوية، ثم دفع بها لداخل جيب جلبابه، وعاود تفقد الرجال.. وكأن شيء لم يكن..
وتساءلت في فضول.. ما سر تلك الرسائل المبهمة!.. ومن يقوم بإرسالها!.. رسالتان في يوم واحد!.. كان الأمر مثيرا للريبة، دافعا للقلق بحق..
يتبع...
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رضوى جاويش، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية