رواية جديدة حان الوصال لأمل نصر الفصل 42 - 3 - السبت 21/12/2024
قراءة رواية حان الوصال كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية حان الوصال
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة أمل نصر
الفصل الثاني والأربعون
3
تم النشر يوم السبت
21/12/2024
كان قد وصلا إلى مدخل المنزل المفتوح على آخره، في استقبال المهنئين، وقعت عينيها على العروس التي تحتل مقعدها في الواجهة، فظهرت أمامها بالكامل، بالزينة الصارخة والفستان الحريري الملتصق بجسدها بصورة فجة، فعقبت لورا بفراسة ساخرة:
واضح أوي إنها مغصوبة بدليل إنها فرحانة بإمكانياتها.
تمتمت الأخيرة بصوت خفيض، لتدلف إليها وتحضر الحفل الجديد عليها.
❈-❈-❈
داخل الحفل الضخم الذي تم إقامته بمقر الجمعية، ليزيده عراقة وهيبة، وبترتيب عالي الجودة من مصطفى عزام، الذي أعطاه كامل اهتمامه خلافًا عن كل المرات السابقة وكأنها سنة مميزة بالنسبة له، بمقصد غير معلن ولكن فهمت عليه والدته، بعدما رأت بأم عينيها ما جعلها تزداد حقدًا وغيرة، لتعبر عما يعتريها من غضب مكتوم أمام مساعدتها:
شايفة يا إيفون، الكبير العاقل لافف إيد نجوان على دراعه وبيلف بيها يقدمها للجميع وكأنها عروسته مش خالته، حتى مراته الغبية ماشية معاهم ومبسوطة باللي بيعمله.
تطلعت إيفون نحو الجهة التي تقصدها بهيرة، لتعقب بذكائها المهني البحت:
وماله يا بهيرة هانم، الظهور المميز لنجوان بعد الغيبة سنين طويلة، وحضور نور بصفتها نجمة كبيرة، بالإضافة طبعًا للدور الكبير اللي قايم بيه مصطفى والحفل الضخم برموز البلد المهمين اللي عازمهم، دا كله يصب في زيادة شهرة الجمعية، وعلو سعرها وزيادة نشاطها أكتر وأكتر.
زيادة نشاطها أكتر وأكتر. تمتمت بها بهيرة تلوي بغيظ شديد شفتيها التي ترسم بها الابتسامات في مجاملات مع الجميع دون ود حقيقي، لترفع رأسها فجأة بقدوم الأشخاص المفضلين إليها، كارم وزوجته، وابن شقيقتها رياض، والذي قادته أقدامه إليها بعد الترحاب ومصافحة بعض الأشخاص الذين يعرفهم من أعضاء الحفل.
رياض حبيبي. رددت بها بحنين تفتح ذراعيها إليه، وكأنها تجد به المأوى أو ربما البديل، لتجبره على مبادلتها العناق لكن بحرص:
أهلا يا خالتو، عاملة إيه؟
ردت بود مبالغ فيه:
أنا كويسة أوي يا حبيبي لما شوفتك، ياريتك معايا كل يوم، أنت بتوحشني أوي يا بني. اضطر في الأخيرة أن يدعي التصديق، رغم تعجبه الشديد من طريقتها، ليوميء برأسه في استجابة لحديثها والرد بمجاملة، قبل أن تنقل أبصارها نحو المرافقين له:
وأنت يا كارم ومراتك القمر دي، كل مرة كده تزيدي حلاوة عن المرة اللي قبلها يا رباب.
مفيش حلاوة من بعدك يا هانم.
علقت بها رباب لتأخذ دورها في مجاراة المرأة العجوز مع زوجها، في حديث متبادل، لا يخلو من التملق والمجاملات الزائفة في تلك اللقاءات، أما رياض، والذي احتفظ بطبيعته الجليدية فقد اندمج هو الآخر في الترحيب بعدد من الأشخاص الذين يعرفهم، وشعور بالضيق يجثم على أنفاسه، وهو يتابع هذا المدعي في الاستحواذ على والدته، وعدم تركها حتى تتنبه إليه ولحضوره، يتساءل عن غياب بهجة، لقد كان يتوقع حضورها اليوم كما سمع من والدته، لو يعلم من البداية عن غيابها، ما كان حضر من الأساس.
هذا ما خطر بعقله قبل أن يجفله وعلى حين غرة ظهورها أمامه بطلة ملائكية جعلت الرؤوس تلتف ناحيتها، ليس لتفوقها في أناقة الرداء الذي ترتديه وفقط، ولا بزينة الوجه، التي جعلته فتنة وقبلة للنظر، بها هالة تخطف الأبصار نحوها، عروس من الأساطير، أو أميرة أتت من عالم الخيال.
يا نهار أبيض! معقول دي بهجة؟ كان هذا تعليق كارم الذي غمره الذهول هو الآخر، حتى صدر منه الاستفسار، لتعلق زوجته هي الأخرى:
مين بهجة دي؟ بنت حد نعرفه؟
جاء الرد من بهيرة التي امتقعت ملامحها بمقت شديد:
لا يا روحي عمرك ما هتعرفيها، عشان دي مجرد مساعدة لنجوان في الجمعية، عاملاها لعبتها وكل يوم بتفرضها على الوسط بعد ما كانت جليسة عندها، أكيد اللي معاها دا يبقى خطيبها.
مراتيييي. صدرت من رياض لينهض فجأة مؤكدًا على الكلمة:
بهجة تبقى مراتي يا بهيرة هانم، ياريت تخلي بالك من كلامك بعد كده عنها.
قالها وتحرك ذاهبًا، غير آبهٍ بوقع الخبر على المرأة العجوز، والتي شخصت أبصارها، وانسحبت الدماء من بشرتها بهلع، لا تصدق ما وصل إلى أسماعها، صدمة حلت بها أفقدتها النطق والسؤال عن صحة ما سمعته.
❈-❈-❈
أما عن بهجة، والتي بالكاد استطاعت تخطي توترها، بدعم صديقتها التي لا تتركها، والطبيب هشام الذي ذهب ليأتي إليهما بكوبين من العصير، وقبل أن يصل إليهم، جاء هو ليخطفها من بينهما ويسحبها من يدها دون استئذان، حاولت صفية إيقافه لكن هشام منعها، أما بهجة فقد صارت تهمس مرددة له بحرج:
إيه ده في إيه؟ ساحبني كده ورايح بيا فين يا رياض؟ رياض منظرنا قدام الناس، رياااض. لم ينطق ببنت شفاه، بل واصل سحبها غير مكترثٍ بنظرات البشر التي تستغرب فعله.
ليدلف بها داخل إحدى الشرف الواسعة للقصر والمطلة على الحديقة، ودفعها عنه، لتصبح مقابلة له، فتواجهه بانفعالها:
أفندم حضرتك، ساحبني زي البهيمة قدام الناس، ولا مراعي حتى منظري قدام أعضاء الجمعية اللي شغالة معاهم.
ميهمنيش. قالها ببساطة ضاعفت من حنقها:
بس أنا بقى يهمني، ولا يمكن أسمح لحضرتك بأنك تهز صورتي ولا تقلل من احترامي، وقبل ده كله، أنا لازم أحافظ على سمعتي.
ضاقت عينيه بشر، وانتفخت أوداجه بطاقة من الغضب قادرة على إحراق الأخضر واليابس، يطالع نظرة التحدي بعينيها، وذلك الاستخفاف المقصود منها، ليطبق على ذراعها بعنف مهددًا:
من غير حلفان يا بهجة لو ما لميتي نفسك ومشيتي دلوقتي حالًا وسيبتي الحيوان اللي برا ده مع البت المسترجلة اللي معاه، لا أعملك فضيحة وأنت المسؤولة.
نزعت يداه عن ذراعها للتخصر أمامه وتدهشه بفعلها:
أولًا هو مش حيوان، بل بالعكس، دا دكتور محترم، ومحترم أوي كمان، وثانيًا بقى، أنا مقبلش إنك تتكلم كده عن صاحبتي، ولا عشان هي لسانها طويل وبتقف زي الشوكة في الحلق قدام الرجالة الظلمة.
بما يشبه الصدمة، أشار بسبابته نحو صدره:
إنتي تقصديني أنا بالكلام ده؟ أنا في نظرك ظالم يا بهجة. ارتفع كتفيها وارتخيا بمراوغة تجيبه:
والله أنا بتكلم عن الظلمة، لو أنت شايف نفسك كده هعملك إيه؟
لاحت بثغره ابتسامة ساخرة يعقب:
واتعلمتي اللوع كمان يا بهجة، بعد ما كنتي قطة مغمضة.
والمغمض مسيره يفتح. قالتها تقرب وجهها منه في مقارعة له، غافلة عن تأثيرها على قلبه المشتاق بلوعة، منذ أن رآها تلج إلى داخل الحفل بهيئتها الساحرة تلك، تخطف أبصار الجميع نحوها وهي تمر كالملكة برفقة هاذين الغبيين. كم ود لو يخطفها من بينهم أو يسحبها من يدها ويخرج بها، رغم وجود الحضور من أصدقائه ومعارفه، ولكنه أضحى لا يضمن رد فعلها، كما يحدث الآن وقد بعثر كيانه ونسي حتى غضبه، بعد أن كان على صفيح ساخن منذ دقائق، لمجرد نظرة واحدة منها، وهذا الدلال الذي صارت تتعمده في كل مرة تخالفه، وكأنها تستمتع باحتراقه.
بهجة يلا. جاء الصوت من مدخل الردهة الصاخبة بأعداد الحضور، لينتشله من لحظته، ويعيده إلى نقطة الصفر، ليلتف إلى صاحبها بأعين مشتعلة، قابلها الآخر بابتسامة سمجة وكأن الأمر لا يعنيه، تساعده تلك المتحذلقة:
الدكتور هشام وراه العيادة، مش عايزين نأخره بقى يا بهجة. في رد منها، تبسمت إليهما بملء شدقيها:
عيوني جاية أهو. قالتها وهمت تتحرك ذاهبة إليهما، ولكنه أوقفها يقبض على رسغها يتمتم كازًا على أسنانه:
هقتلك الاتنين، هقتلك الاتنين يا بهجة. رفضت تنفض يده عن ذراعها بعنف: