رواية جديدة بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) لعفاف شريف - الفصل 12 - 2 - الثلاثاء 24/12/2024
قراءة رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض)
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة عفاف شريف
الفصل الثاني عشر
2
تم النشر الثلاثاء
24/12/2024
كان مدحت يقف بالمطبخ بجانب منير، يوجهه ويعلّمه طريقة عمل طبق البصارة الشهي المشهور به وسط العائلة.
طبق شهي فوقه الكثير من البصل، وبجانبه أعواد البصل الأخضر والخبز الطازج.
ربت على معدته بجوع شديد وهو يتمتم بفخر: "شامم الريحة يا واد يا منير!"
وأكمل بتهكم: "يكش تتعلّم بس مني.
الله يرحمك يا أم تميم، كان عليها حلة بصارة يُضرب بيها المثل."
قالها بحزن، وأكمل قائلاً بسرعة:
"يلا هاتِ البصل عشان نقطّعه ونعمل التقلية قبل ما تميم يجي ويقرفنا ويقعد يزن."
وأكمل بخبث: "عايز أفاجئه."
أحضر له منير البصل ليقف يناظره بعين متفحصة قبل أن يتركه له، مقرراً أنه لن يقطع بصلًا، فهو لا يريد البكاء الآن. واتجه ليحضر عصير الموز بالحليب.
وقف لدقيقة أمام المكونات وهو يفكر باشتياق؛ كم كانت تحبه الصغيرة ملك. اشتاق لها، اشتاق لهم جميعاً، اشتاق لتجمعهم وصوت ضحكاتهم وصراخهم العالي، ركضهم وراء بعضهم البعض، صوت الصغار، والضجيج في كل مكان، مشاكستهم ودلالهم.
كانت الضوضاء تعم منزله، والدفء يحيط قلبه بهم ولهم. لم يعرف الهدوء القاتل هذا يوماً، والآن أصبح الهدوء سيد المنزل.
تميم بعمله، وهو كذلك، حتى ولو معاً لكن يظلا وحيدين.
لو كان تميم تزوج منذ سنوات، لكان له الآن الكثير من الأطفال يركضون هنا وهناك، وما ظل وحيداً هكذا. لكن ابنه العنيد يصمم على أن يظل كما هو، غافلاً أن العمر يتسرب من بين يديه.
لو أطاعه وتزوج منذ عام مضى، لكان الآن يحمل بين يديه طفله الأول.
تنهد بقهر وهو يفكر حتى من كانت من المفترض أن تكون زوجته وأم أبنائه، تزوجت.
فريدة... تزوجت.
وكم تمناها له زوجة! أحبها كابنته، وتمنى من كل قلبه أن تنير منزله، لكن تبخرت أحلامه وضاعت من بين يديه.
تحرك للخارج شاعراً بالاختناق عند تلك الذكرى. دلف حيث مكان زوجته المفضل، جلس على الأرجوحة وهو يفكر. لن ينسى أبداً ذلك المشهد وكأنه كان أمس، حينما سمع بالصدفة البحتة أن فريدة ستتزوج.
Flash Back
دلف سريعاً لمكتب شوكت وبيده عدة ملفات مهمة يجب أن يوقعها.
رفع عينه من الملف، وقبل أن ينطق بحرف ينبه شوكت بوجوده وهو يوليه ظهره.
تسمر في مكانه وهو يسمعه يهتف بغضب مردداً: "انسي يا صفية! مش هحضر يعني مش هحضر.
عايزه تتجوزه؟ تتجوزه بعيد عنّا.
لا هي بنتي ولا أعرفها. هي بنتك، فاكرة لما تتحداني وتكسرِ كلمتي؟
هتلوي دراعي؟ بكرة تيجي ندمانة تبوس إيدي، بس خلاص، هيكون الوقت فات.
من يوم ما كسرت كلمتي، فريدة مبقتش بنتي. وده آخر كلام عندي.
أنا مش هحضر كتب كتاب بنتك، خليها تعرف قد إيه هي غلطت."
قالها وهو يغلق الخط سريعاً، قبل أن يلتفت ملقياً إياه بغضب.
تسمر شوكت محله وهو يرى مدحت يقف خلفه يناظره بذهول، وواضح أنه استمع إليه.
تنحنح مدحت قائلاً بحرج: "مكنتش أعرف إن معاك مكالمة... كان في ورق محتاج يتوقّع ضروري."
تنهد شوكت وهو يلقي بنفسه على المقعد قائلاً برفض: "مش وقته يا مدحت، أنا شكلي همشي أصلاً... مش قادر أفضّل هنا."
اقترب منه مدحت وبعينه العديد من الأسئلة، قبل أن يسأله مباشرة ولم يقدر على منع نفسه: "هي فريدة هتتجوز يا شوكت؟"
جز شوكت على أسنانه بغيظ قائلاً بقرف: "أيوة، حتة محامي لا راح ولا جه. ضحك عليها وأقنعها بالجواز. خليها يكش تتحرق بجاز! أنا مش موافق على المهزلة دي. بنتي تتجوز صعلوك زي ده؟"
ظل مدحت في مكانه بضع ثوانٍ يفكر بقهر. فريدة، تلك التي تمناها ابنة له، تتزوج. أخذت الخطوة وستتزوج.
عودة للوقت الحالي
مسح وجهه بحزن وهو يتذكر.
دعاه شوكت دعوة ظاهرية بعد عدة أيام، حينما اضطر أن يوافق ويرضخ لأن يكون وكيلها في عقد القران.
وبداخله يعلم أنه غير موافق على دعوة أحد يعرفه.
هو فقط اضطر لذلك مجبراً على دعوته.
وحتى لو أراده شوكت أن يحضر،
هو لم يرد ولم يقدر على ذلك.
كيف له أن يذهب إلى عقد قران فريدة؟ لم يرد أن تزيد حسرة قلبه وهو يرى من أرادها زوجة لابنه
تزف إلى غيره.
❈-❈-❈
وقفت آلاء تقطع الخضروات بِإرهاق لتحضير حساء.
ف الصغار مرضوا دفعة واحدة.
بدأت بآية وآيلا،
ثم عز،
والآن الصغير تميم على ذراعها باكٍ.
لا يكف عن الصراخ.
أطعمته وأعطته دواءه وبدلت له ثيابه، فعلت كل شيء ممكن،
والصغير لا يكف عن البكاء، يصمت دقيقة ويعود مرة أخرى للبكاء.
تريد خمس دقائق هدوء،
خمس دقائق فقط.
لكن الصغار لا يسمحون أبداً.
وضعت الخضروات على النار بيد، والأخرى تربت بها على ظهر الصغير.
وقبل أن تكمل إعداد الطعام،
استمعت إلى صوت بكاء الصغير عز.
أغمضت عينيها، تريد أن تشق ملابسها وتلقي بنفسها من نافذة المطبخ.
ماذا تفعل بنفسها؟
رفعت صوتها قليلاً تقول بهدوء: "تعالَ يا عز، أنا هنا في المطبخ.
تعالَ يا حبيبي، ماما هنا."
لكن الصغير يريدها أن تظل بجانبه في الفراش، تحتضنه وتربت عليه.
والله، وهي تريد.
لكن كيف وهناك ألف عمل يجب أن تقوم به؟
هناك سلة الملابس، كومه كبيرة،
تحتاج للغسل،
وأيضاً للنشر.
وهناك الأطباق المتسخة،
والمنزل أيضاً،
لا يظل نظيفاً أكثر من عشر دقائق.
تنهدت بضيق وهي ترى الصغير عز أتى نحوها بوجه أحمر متعب،
يرفع يديه يريدها أن تحمله هو الأخرى.
لحظة تفكر، هل لها يد ثالثة مثلاً
لتحمل طفلين وتعد الطعام في نفس الوقت؟
فلم تجد نفسها سوى وهي تغلق على الطعام
وتحمل الصغير باليد الأخرى
وتعود بهما إلى الغرفة.
مقررة اليوم،
ستطلب الطعام من الخارج.
فالجميع متعب.
حتى هي متعبة.
تفقدت الصغار وتدثرتهم جيداً،
فلم تشعر بنفسها إلا وهي تغفو بتعب.
تضم الصغار لها،
أو هم يضمونها.
❈-❈-❈
لم تعلم كم غفت،
لكنها أفاقت بقلق على شعورها بأحدهم ينغز كتفها.
انتفضت تنظر حولها بتيه وعدم فهم.
قبل أن تصطدم عيناها بعين رامي الواقف بجانبها بملامح متجهمة،
يناظرها باستياء.
اعتدلت في جلستها، تضع الصغير تميم الغافي على صدرها بجانبها برفق لكي لا يستيقظ، وهي تعدل من ملابسها.
وتخرج خلفه لتري ماذا يريد.
خرجت لتجده يقف يناظرها بملامح غاضبة.
تجاهلته وأسرعت تلملم المنزل سريعاً،
محاولة اللحاق بأكبر قدر من الأعمال قبل أن يستيقظ أحدهم فجأة.
التفتت تدخل لغرفة الصغار بعد أن حملت ألعابهم لتضعها بالصندوق المخصص لها.
لكن ارتطامها به جعلها ترتد للخلف وتقع بعض الألعاب من بين يديها.
وقبل أن تعطي رد فعل،
أمسك بالباقي ملقياً إياهم أرضاً بغيظ.
أغمضت عينيها، تود أن تضربه،
لكنها انحنت بهدوء تلملمهم.
فلا طاقة لها حقاً.
لا تريد الشجار.
فليرحل، وهي لا تريد أكثر من هذا.
وقفت تناظره قائلة بإرهاق: "حاول تتجنب تستزفني يا رامي،
رد فعلي مش هيعجبك.
كفاية ضغط،
الضغط بيولد الانفجار،
وصدقني أنت مش قده."
قالتها وحاولت التحرك،
لكن يده منعتها،
وهو يلقي كل ما بيدها أرضاً.
يصيح بغضب أعمى: "أنت اتجننتِ يا آلاء!
هتعملي إيه يعني؟
فوقي لنفسك،
يعني إيه أجي من الشغل ألاقِيكِ نايمة في سابع نومها،
والبيت يضرب يقلب،
والغسيل متكوم،
وفين الأكل؟
حضرتك نايمة في العسل،
وسايبة الشقة زريبة.
فاكرة نفسك هانم ومستنية حد يخدم عليكي؟
آخر مرة أرجع ألاقي البيت كده."
رد فعلِي أنا اللي مش هعجبك،
عينك على بيتك وجوزك وعيالك،
غير كده هتزعلي."
قالها وهو يزيحها حتى كادت أن تسقط أرضاً،
وهو يغادر المنزل بغضب أعمى كقلبه.
وقفت محلها تراقب رحيله.
لماذا لم تصرخ به؟
"أنا لست خادمة!
افهم يا رامي،
أنا زوجة وأم،
لست جارية!"
التفتت تناظر المنزل بعين غاضبة،
تحترق ألف مرة،
كل يوم،
كل ساعة،
كل دقيقة،
هي تحترق.
أيظنها تقبل؟
هي آلاء مدحت العسيلي،
لا تقبل أبداً أن يقلل من قدرها بتلك الطريقة.
سقطت تجلس على الأريكة تفكر،
متى أصبحا هكذا؟
لا يطيقان بعضهما البعض،
وجودهم غصة في حلقهم.
كأنهم في حرب.
كانت سعيدة يوماً ما،
لكنها لم تعد منذ مدة طويلة،
بداخلها الكثير من الشكوك والتساؤلات.
لكن تظل دون أي إجابات،
تعرف فقط أنها ستحرق نفسها ألف مرة،
ولا يحرقها هو مرة.
❈-❈-❈
تمددت على أريكتها الناعمة تحمل علبة ضخمة مليئة بالفشار تأكل الكثير منه في مرة واحدة.
اشتهته، ماذا تفعل؟
هي هكذا من ساعة ونصف.
تبكي، تأكل، وتبكي، وتاكل.
دوامة من البكاء والأكل.
لا تستطيع الخروج منها.
التقطت عدة مناديل من أمامها تمسح دموعها،
وهي تبكي وتشهق متأثرة بذالك الفيلم الرومانسي.
آه، كم هم لطفاء.
انتهى الفيلم.
لتتنهد بسعادة،
كم تحب النهايات السعيدة.
بدلت القناة،
لتجد أمامها أحد قنوات الطبخ،
وهي ترى الأطعمة الشهية.
كانت الطباخة تعد المحشي.
سال لعابها وشهيتها تتحرك تجاه الطعام.
تفكر أنها تشتهي محشي البصل والباذنجان بشكل جدي.
وبجانبه قطع الدجاج المقرمشة.
ولا تنسى السلطة بالفلفل الحار.
أممم، قالتها وهي تحرك شفتيها وعيناها.
تفكر كم سيكون شهيًا ولذيذًا.
مسّدت على بطنها تحادث صغيرها وهي تفكر معه بصوت عالٍ:
"أي رأيك ناكل محشي ولا نطلب بيتزا وفرايد تشكن؟ أممم، وجنبها بطاطس كمان.
بس عايزين مكان يكون مصري وكمان نضيف قوي.
ولا أقولك بلاش فاست فود؟
خلينا في المحشي.
إنتَ أي رأيك؟"
وأكملت مفكّرة:
"أممم، نعمل إيه؟"
قاطع تفكيرها صوت أنس الذي لا تعلم من أين أتى فاجأه،
وهو يقول باستغراب:
"ملك حبيتي!
إنتِ بتكلمي نفسك؟"
انتفضت تطلق صرخة خافتة متفاجئة من وجوده.
قبل أن تمسك أول وسادة تطالها يدها لتقذفها به بقوة.
تفاداها سريعًا وهو يناظرها بتعجب من جنونها.
قيل أن يقترب منها لتضربه بقوة على صدره،
جعلته يتأوه.
وهو يمسك يدها يحاصرها تلك العفريته ذات القبضة القوية،
وهو يقول بصدمة:
"في إيه يا بنتي؟
إنتِ بتتحولي؟
عملتك إيه أنا؟"
إجابته بتأكيد:
"خضتني."
ارتفع حاجبه قبل أن يكرر مقلدًا إياها:
"خضتني!
بقالّي ساعة بخبط وأنتِ مش هنا يا ختي.
دخلت لقيتك بتكلمي نفسك زي المجانين."
هزت رأسها بحماس وهي تقول برجاء:
"أنس، أنا جعانة أوي أوي أوي.
عشان خاطري قوم هتلنا أكتر.
بص، أنا نفسي آكل بصل محشي، كمان بتنجان برضو، ويا لو في طماطم. أممم.
وعايزة كمان بانيه محمر وكرسبي، وشوية سلطة حاتي تكون حراقة.
ومايه سلطة أهم شيء.
بس متنساش، مهم تجيب الرايب والزبادي عشان الحموضة.
وكم..."
وضع يده على فمها يمنعها من المتابعة،
وهو يقرص وجنتها باليد الأخرى قائلاً بمشاكسة:
"إيه كل ده يا لوكة؟
هتكلي كل ده؟
إيه، قاعد مع دب صغير؟
وثم راح فين الأكل الصحي؟"
زمّت شفتيها بطفولية وهي تقول بمسكنة:
"والله هاكل صحي،
بس نفسي راحت أوي ل محشي البصل.
والمحشي والبانيه.
مشتاقة أوي حقيقي.
قولي بقى،
هنجيبه منين يا أنس؟"
قالتها مفكّرة.
زمّ شفتيه وهو يفكر معها.
قيل أن تصيح بسعادة وهي تقول:
"أيوة، أنا عرفت!
في بيدج، فاكر الي جبنا منها من سنة ونص؟ فاكر لما طنط كانت هنا.
لما جبنا الممبار والمشكل."
وأكملت بتأوه سعيد:
"أيوة كمان أطلب ممبار.
وحشني أوي!"
ظل يناظرها لدقيقة،
قبل أن ينفجر ضاحكًا من كل قلبه،
سعيدًا بتلك اللحظة.
بل كونه سعيدًا، شعور قليل على ما يشعر به.
فملك أخيرًا بدأت تحاول أن تنجو من تلك البؤرة السوداء التي وقعت فيها.
عادت ولو بجزء بسيط مما كانت عليه،
وهذا يجعله يريد أن يسجد لله شاكرا.
اقترب منها، يحاول ضمها لصدره،
وهي تكيل له الضربات المغتاظة لضحكة عليها.
قبل أن تتوقف فجأة لاهثة بشدة.
ليناظرها بخوف وهو يحاول أن يفهم ما يحدث،
قبل أن تمسك يده بسرعة،
تضعها على بطنها،
على جنينها.
كان ابنهم يتحرك،
كأنه يخبرهم: "أنا هنا."
يشاركهم اللحظة.
وكانت لحظة بألف لحظة.
لحظة تتسابق فيها نبضات القلب مع الزمن، وكأن العالم كله يتوقف فيها."
يتبع...