-->

رواية جديدة فراشة في سكٌ العقرب لناهد خالد الفصل 1 - الخميس 26/12/2024


قراءة رواية فراشة في سكٌ العقرب كاملة 

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية فراشة في سكٌ العقرب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة ناهد خالد

الفصل الأول

تم النشر يوم الخميس

26/12/2024



تسوقك الأقدار إلى حيثُ لا تدري, وأحيانًا تظن أن الأمر كان باختيارك, لكن الحقيقة أنك مسير ولست مخير, فالتقاء شخصين لا يخضع ابدًا لجهود مبذولة منهم, بل يخضع تمامًا للقدر وترتيباته, هو من سوريا وهي من العراق والتقوا في لبنان, أين الجهد المبذول؟ هي ترتيبات قدرية, ساقت أبناء الدولتين الضحيتين لوطأة الحرب, ولمصالح أشخاص عدائية ونفوس مريضة, لدولة ثالثة تقع ضمن قائمة الضحايا لنفس السبب, والثلاثة لهم الله حين تغيب رحمة خلقه.


 دعس عقب سيجارته المتبقي تحت قدمه وبحذائه الرياضي ذو اللون الأبيض, قبل أن يزفر نفسه المحمل بالدخان بحده وقوة, وعيناه تحمل غضبًا وشرًا لا يحتمله, فمنذُ أخبره أحد رجاله بخبر فشل الإخبارية التي جاءته عن صفقة أسلحة سيقوم الأخير بها وهو يأكل نفسه, لا يتحمل خسارة جديدة أمامه غريمه, رنين هاتفه أخرجه من شروده ليتجه لمكتبه يلتقط الهاتف لتجهم ملامحه وهو يرى الاسم المدون عليه, بالطبع المكالمة غرضها الوحيد والأوحد هو الشماتة, لكنه لن يهرب من مواجهة خسارته, فلا ينقص أن يظهر أمامه جبانًا. 


- كنت مستني مكالمتك على فكرة.


اغمض جفونه بقوة معتصرًا إياهم على صوت ضحكات الأخير الساخرة قبل أن يسمع صوته الذي يمقته وهو يقول:


- مانا قولت اتصل اطمن عليك بعد الصدمة, لاحسن تكون جاتلك ذبحة ولا حاجة. 


فتح عينيه والنيران تأكلهما, وقال محاولاً أن تكن نبرته باردة:


- الجايات اكتر, مرة ليك ومرة ليا.


أتاه رد العابث وهو يقول:


- بس هي على طول ليا, نفسي في مرة اشوفها ليك. 


أطاح بكفه دباسة الأوراق الموجودة فوق مكتبه يفرغ فيها غضبه, وغمغم بهدوء عكس اشتعاله:


- أصل المرة اللي هتكون ليا هتكون الأخيرة.


سخر منه يقول:


- احلى حاجة فيك إن ثقتك في نفسك مبتتهزش رغم خسارتك كل مرة, وانا بحب الناس دي جدًا خلي في علمك. 


احتدت نبرته وهو يجيبه:


- ميهمنيش تحبني, يهمني تعرف إن الشاطر هو اللي بيضحك في الآخر, وانا اللي هضحك يا بن المنشاوي.

قهقه عاليًا وهو يبادله القول:


-  وانا منتظر يا بن عمران, بس منتظر خسارتك حتى في النهاية, عشان لا عاش ولا كان اللي يقف في وش شاهين المنشاوي ويكسب... قصدي ويضحك في الآخر. 


وانتهت المكالمة بينهما, ليلقي بالهاتف فوق المكتب وبعدها تكسر يده كل ما تطوله حتى أصبحت غرفة المكتب كأنها أصيب بزلزال, قبل أن يلتقط سلاحه يضعه في حزامه وهو يتجه للخارج تاركًا شقته قاصدًا الذهاب لعمله, يجب أن يتحدث مع اللواء كي لا يغلق القضية بعد فشل اخباريته حول الصفقة, ويستعد لقائمة طويلة من التعنيف الذي سيحل بهِ. 


❈-❈-❈

حملت عقود الفُل وخرجت من المنزل قبل أن تستيقظ والدتها, فهي تخرج في السابعة صباحًا لتلحق دورها في إشارة المرور, فالقانون هكذا, من يصل أولاً هو من يحق له الوقوف والآخر يذهب لإشارة أخرى, وهي ليست حمل التنقل فهي متعبة منذ يومين بعد أن أصابها دور انفلونزا مكثت على أثره يوم كامل بالمنزل, والمنزل ليس كم تتوقع, فهو مجرد غرفتان فوق سطح أحد البنايات المتهالكة والتي عفى عليها الزمن, غرفة تأويها هي ووالدتها وغرفة للمطبخ وتحوي الصالون الذي يتمثل في كرسيين متهالكين وطاولة صغيرة وتلفاز يرجع صنعه للتسعينات, وركن ضئيل يتمثل في الحمام, وهذه هي كل الشقة.. 

نزلت من البناية التي تتكون من ثلاث طوابق, وحملت عقود الفل على كتفها, تسير بوجه مبتسم رغم الهموم, وبشاشة لا تناسب ظروفها البائسة, لكنها تعلم أن الهم والنكد لن يحسن ظروفها ولن يزيل همومها. 


وقفت أمام عربة الفول التي تأكل منها يوميًا وابتسمت وهي تقول:


- صباح الفل يا عم محمود.


رد الرجل البشوش:


- يسعد صباحك يا فلة طلبك هحضره حالاً.


"فلة" ليس اسمها الحقيقي لكن كنية أطلقوها عليها نسبة لعملها, تبسمت وهي تلتقط منه طبق الفول والبصلة الخضراء ورغيفان الخبز, ثم سألته:


- زودت الشطة؟ 


- عيب عليكي, ملهلب. 


- تسلم ايدك يا عم محمود. 


رددتها بشهية وهي تلتقم أول لقمة طعام, وهمهمت بتلذذ رغم حرقان فمها من الشطة, لكن هذا هو زوقها, انهت طعامها وركضت سريعًا حتى وصلت للإشارة, وبعد ثواني أتت فتاة في نفس عمرها تقريبًا, لتقول بضيق:


- ايه يا فلة هو انتِ كل يوم هنا؟ 


نظرت لها "فلة" بعلياء وهي تقول:


- وانا كنت في بيتكوا, ايه كل يوم هنا دي؟ بعدين انا جيت قبلك يا حلوة, اجري شوفيلك مكان تاني. 


اشتعل الغضب فيها وهي تشيح بذراعها مرددة بصوت عالي:


- انتِ كمان لسه واصلة زيي, يبقى انتِ اللي تمشي عشان بقالك 4 أيام هنا.


رفعت حاجبها وهي تستنكر:


- مين قالك اني لسه واصلة زيك؟ انا بقالي ساعة هنا. 


- بقالك ساعة ازاي؟ انا شيفاكي وانا بعدي الطريق لسه راصة فرشتك. 


- اصل انا خدتلي لفة الأول قولت الحق ساعة الصبحية بعدين فرشت الفرشة, عندك مانع؟ 


قطبت ما بين حاجبيها بغضب تردد:


- بس انتِ مبتلفيش بالعقود على كتفك كده, انتِ كدابة, بلاش تعمليهم عليا يا فلة. 


رفعت "فلة" حاجبها الأيسر بتحدي وهي تقول:


- كدابة كدابة, ناقص تقوليلي اللي بيكدب بيدخل النار! احنا في فصل يا ابلة! انا بقولك انا هنا قبلك, يبقى تتكلي بقى قبل خلقي ما يضيق وانتِ عرفاني دماغي ضربة واحب الشَكل زي عنيا.


وهي فعلاً تعلمها, لا أحد يدخل معها في جدال إلا ويخرج خاسرًا, فلسانها سوط يجلد كل من يحاول الاقتراب منها قولاً او فعلاً, بلعت غضبها وكرهها لها وهي تتحرك من أمامها متجهة لمكان آخر بعيد, فهذه قواعد باعة المنطقة, من يقف في مكان لا يقف فيه شخص يبيع نفس الشيء. 


زفرت بضيق وهي تعاود رص العقود وتكتفي بحمل عدد قليل لتطوف بهِ بين السيارات وتدندن ببال رائق وكأنها لم تنتهي من مشاجرة للتو:


- يا حلو صبح يا حلو طُل... يا حلو صبح نهارنا فُل.


❈-❈-❈

خرجت "مديحة" والدتها للسوق لتجلب بعض الخضروات بعد أن نفذت من عندهم, قابلتها سيدة تحدثها بلهفة:


- بنت حلال يا مديحة, وفرتي عليا المشوار كنت هجيلك بعد الضهر. 


- خير يا ام مها؟ محتاجه حاجه؟ 


- كنت محتجاكي تيجي بكره تطبخيلي لعزومة عملاها, اصل بكره جايين اهل عريس مها, واحنا كلنا كده يجيلنا 20 نفر وانا معرفش اطبخ اكل لده كله. 


ابتهجت "مديحة" ما إن علمت بأن الأمر يتعلق بعمل, وقالت بفرحة:


- عنيا ليكي وليهم, قوليلي ناوية تعملي ايه؟ 


- يعني صنيتين مكرونة بشاميل على رقاق باللحمة وشوية محاشي كده غير الطيور. 


قالت "مديحة" مقدرة الوقت:


- لا يبقى كده اجيلك من بدري, على 9 كويس؟ 


- اللي تشوفيه, انتي اللي عارفه الاكل يخلص في قد ايه, هم عموما هيكونوا عندنا على الساعة 3 العصر, قوليلي بقى هتاخدي كام؟ 


ابتسمت لها بسماحة تقول:


- خلينا نتكلم في الفلوس بعد ما ياكلوا ويتهنوا, ومش هنختلف, ده احنا جيران.


ابتسمت "ام مها" وهي تنهي الحوار:


- ده العشم يام فُلة. 


سارت بعض الوقت وهي تشتري الأشياء بسعادة هذه المرة, فلن تحمل هم أنها نزلت بآخر أموال كانت تملكها, فغدًا ستحصل على أموال أخرى, حدثت نفسها تقول:


- هروح اجيب كيلو سمك البت فُلة نفسها فيه بقالها ياما. 


وقفت حين رأته أمامها يقول بابتسامة واسعة:


- صباح الخير يا حماتي. 


ابتسمت له بيأس تقول:


- حماتي بردو! مش بدري عليها دي, ده حتى البت لسه ماوفقتش. 


حرك يده بمعنى ان تسرع:


- ما تشدي حيلك معانا يا حماتي, بقالك شهرين تقوليلي ماوافقتش, هتوافق امتى طيب ونكتب الكتاب ونعلي الجواب. 


ضحكت "مديحة":


- ياه نكتب الكتاب! مش لما توافق بخطوبة الأول!


رفع كفيهِ بمحاذاة كتفه يقول:


- لا يا ام فُلة مانا مليش في حكاية الخطوبة دي, هو احنا لسه هنعرف بعض, انا وهي يجيلنا خمس سنين اهو, تشوفني واشوفها في الداخلة والطالعة, ده انا ورشتي في نفس بيتها, يعني شايفاني وعرفاني, ايه لزمتها خطوبة بقى! 


ردت "مديحة" متحيرة:


- مش عارفة يا مجد, اصل هي لسه ماوافقتش عليك أصلا, هتوافق تكتبوا كتاب على طول كده! 


رد "مجد" وهو يخرج بعض النقود من جيبه:


- ما هي دي مهمتك بقى, وهمتك معانا يا ام فُلة, امسكي دول هاتيلها علبة بسبوسة وانتِ مروحة انا عارف انها بتحبها. 

رفضت باصرار تقول:


- لا, كفاية اللي عملته المرة اللي فاتت لما خدت منك اكلة الكفتة, دي بهدلت الدنيا وحلفت عليا ما خد منك حاجه تانية, وممدتش ايدها فيها, وكانت حالفة لتنزل ترجعهالك لولايا قولتلها ميصحش تكسفي الراجل ووقفتلها. 


أعاد الأموال لجيبه يردف حانقًا:


- هي بتعمل كده ليه بس؟ هو انا اتعايب؟ ده انا حتى عاوز استتها بدل البهدلة اللي هي فيها دي. 


تنهدت "مديحة" وهي تنظر له, هو بالفعل شاب لا يعيبه شيء, طوله مناسب وجسده ضعيف قليلاً لكثرة تحركه وعمله, بشرته قمحية فاتحة وشعره اسود كثيف بذقن مماثلة, وعينان بنيتان, ملامح مصرية أصيلة, لا يمكن أن توصف سوى أنه متوسط الجمال, وعمله جيد يكسب منه بشكل يومي فهو يملك ورشة لتصليح السيارات. 


- ابدًا والله ما تتعايب, ده انت زي القمر, بس هي تقولي الجواز قبول, وانا مش حاسة اننا ننفع لبعض. 


تحمست نبرته يقول:


- خليها تجرب, قوليلها نعمل شبكة حتى, انا موافق يا ستي. 


- ربنا يقدم اللي فيه الخير.


قالتها بقلة حيلة وهي لا تعرف هل ستستطيع اقناع ابنتها للمرة التي لا تعلم عددها, ام ستفشل ككل مرة. 


❈-❈-❈

فُل, فُل يا باشا. 

نظر من نافذة سيارته نحو مصدر الصوت مقررًا صرفها فلا خُلق له للباعة المتجولين هؤلاء والآن تحديدًا لا يحتمل النفس الخارج منه حتى, لكنه ابتلع كلماته حين أبصر فتاة ببشرة سمراء جميلة وشعر غجري مجعد يصل لمنتصف ظهرها, وعينان بنيتان بدرجة فاتحة تجذب الأنظار لها ليخر الناظر صريعًا بهما, ملامح جميلة ينقصها فقط بعض النظافة, هكذا حدث نفسه قبل أن يستفيق على صوتها تقول بابتسامة ودودة:


- خدلك فُل يسعد نهارك. 


ابتسم جانب فمه ابتسامة ساحرة رغم نظرته الثعلبية وهو يغمغم:


- لا مهو نهاري اتسعد خلاص, اسمك ايه يا حلوة؟ 


قطبت ما بين حاجبيها بضيق بعدما اختفت ابتسامتها وهي تردد مستهجنة:


- وتعرف اسمي ليه؟ لو معجبكش مش هتشتري!؟ 

ضحك بخفوت عليها ونظر لها بعينيه البندقيتين وهو يجيبها بهدوء:


- لا, الموضوع ملوش علاقة بالفُل. 


فُتحت إشارة المرور, ليُجبر على التحرك بعد تعالي أصوات زمور السيارات خلفه, ليتحرك فورًا بالسيارة لكن عيناه لم تفارق المرآة الخلفية ليرى لأين ذهبت, حتى صف السيارة بجانب الطريق, وترجل منها على الفور راكضًا للجهة الأخرى حيث تقف في الإشارة المعاكسة تمارس عملها, وصل لها فجذبها من كفها بغتة جعلتها تنتفض وهي تصرخ بهِ:


- ابعد ايدك يا جدع انتَ, انتَ اتجننت؟


رفع كفيهِ مستسلمًا وقال:


- مقصدش, انتِ بس كنتِ هتمشي فوقفتك مانا معرفش اسمك. 


تجاهلت حديثه ورفعت عقود الفُل أمام عينيه تسأله:


- عاوز عقد ولا اتنين؟ 


ضيق عينيه ناظرًا للعقد في يدها قبل أن يسألها:


- بتبعيه بكام؟ 


ابتسمت بسعادة وهي تراه على وشك الشراء, فهي اليوم كان حظها عاثر ولم تبيع عقدًا واحدًا, وقالت ببهجة:


- العقد ب 50 جنية, بس ده عقد بلدي وريحته فواحة حتى شم. 


قالتها مقربة العقد من وجهة ليصدمه عبيره الرائع, ليبتسم لها بلامبالاة لِمَ تعرضه, وقال بنبرة جادة هادئة:


- واللي يديكي 50 الف جنية؟ 


امتعضت ملامحها واختفت ابتسامتها وهي تنهره:


- انتَ جاي تهزر يا بيه, روح شوف حالك الله لا يسيئك. 


كادت تتحرك من أمامه ليتحرك فورًا واقفًا أمامها يقول بجدية:


- انا مبهزرش, مصلحة... مصلحة هتطلعي منها ب 50 الف جنية. 


التمعت عيناها لوهلة بالشغف, لكن سرعان ما انطفاء وهيجها وهي تسأله بسخرية:


- وايه المقابل؟ غرضك ايه؟ 


- غرضي شريف, مش أي حاجه ممكن تيجي في بالك, انا ضابط على فكرة. 


انهى جملته وأخرج هويته من محفظته ورفعها أمامها يكمل:


- يعني مفيش مني قلق. 


تمايلت في وقفتها ساخرة:


- مفيش منك قلق؟ طب ده انا كده قلقت اكتر. 


- اسمعي بس, كل الحكاية مصلحة خفيفة ممكن تاخد منك قولي أسبوعين او شهر, انتِ وشطارتك, وبعدها الفلوس تكون في ايدك, واقولك هديكي 50 الف مقدم, و50 الف بعد ما المصلحة تتم. 


جحظت عيناها وهي تردد بفاه فاغر:- 


-100 الف؟؟ ليه كل ده؟! انا هفتح عكا! 


- لا, اهم, هبعتك لواحد كل مهمتك تجيبلي منه اللي هطلبه منك, من غير ما يحس بيكي, ولا يكشفك, وعلى فكرة ده مجرم, يعني انتي كمان بتعملي عمل وطني.


شردت بنظرها بعيدًا تردد مشدوهة:


- عمل وطني!! هو خطر كده؟ 


أجابها بلامبالاة:


- هتفرق خطر ولا لا؟ هو في النهاية مجرم, وخارج عن القانون. 


ضيقت عيناها وهي تسأله:


- هو انتَ يا بيه عاوزني اسرقه؟ 


ابتسم ثغره بهدوء قائلاً:


- لا يا... 


صمت وهو يتذكر انها لم تخبره باسمها:


- مش ناوية تقولي اسمك؟ 


زفرت بضيق من الحاحه وأخيرًا قالت:


- فُلة. 


عاود الابتسام يقول:


- اسمك حلو زيك. 


احتدت ملامحها تقول:


- ما تخلص يا بيه هو احنا هنقضيها معاكسة ما تدخل في الموضوع عندي شغل. 


هز رأسه متقبلاً طريقتها الحادة ليصل لغرضه:


- ماشي يا فُلة, قصدي اقولك ان الشخص ده مش شخص عادي عشان تدخلي تسرقي اللي عاوزه وتجري, الموضوع اكبر واخطر من كده, عشان تدخلي بيته او شركته مستحيل تعمليها الا وانتِ معاه, يعني هو اللي يدخلك, غير كده مستحيل, وإلا كنت شوفت أي حد يروح يسرق اللي عاوزه, لكن بيته ملغم, مليان حراسة وكاميرات مراقبة مبتعديش النملة, وشركاته كذلك. 


قطبت ما بين حاجبيها بتعجب وسألته:


- اومال انا هدخل ازاي لا مؤاخذه؟ 


عاد ليبتسم بمكر هذه المرة:


- هو اللي هيدخلك. 


شهقت بقوة وهي تطالعه باستنكار وقالت:


- هو اللي يدخلني!؟ وده ازاي بقى؟ 


- مهو ده اللي احنا عاوزين نتكلم فيه, بس اعتقد مش هينفع هنا. 


قالها وهو ينظر حوله للسيارات المتراصة خلف بعضها تنتظر فتح الإشارة واصوات الباعة المتجولين المتعالية تزامنًا مع زمور السيارات بضوضاء, نظرت له بتفكير ثم سألته بحذر:


- اومال فين؟ 


فهم سؤالها القلق والمتحفز لرده لتطلق للسانها العنان إن لم يعجبها:


- في مكتبي, في قسم الشرطة. 


رفعت حاجبها بذكاء تقول:


- قولي قسم ايه وانا هروحه بعد ما اخلص شغلي, وقولي لما اروح اسأل عن مين. 


أُعجب بذكائها الذي سيفيده حتمًا, وابتسم يجيبها:


- قسم ****, هتركبي من هنا أي تاكسي وتقوليله الاسم هيوصلك لحد الباب, ومتقلقيش انا هدفعلك أجرته, هتروحي وتسألي على الرائد "مازن عمران", هستناكي. 


اومأت موافقة, وهي ترميه بنظرة أخيرة محذرة قبل أن تبتعد مكملة عملها, ليغمغم بشرود وهو ينظر لظهرها:


- دي احلوت اوي يا بن المنشاوي. 


❈-❈-❈

بفيلا كبيرة, أمامها مساحة شاسعة مليئة بالخضرة والورود في جانب منها, ونافورة مياه ضخمة في المنتصف, وعلى بوابتها طاقم حراسة يبلغ العشر رجال ضخام الجسد, يرتدون بدل سوداء ويحملون أسلحة متخفية في ثيابهم, وعلى باب الفيلا حارسان آخران يقفا على الجانبين, وبداخلها أثاث فخم, ومرتبة بعناية وحرص, فصاحبها أكثر ما يكرهه الفوضى, وبأحد غرفها والتي تشبه صالة شقة كبيرة يجلس هو حيث غرفة مكتبه, نهض واقفًا بعدما انهى اعماله, رفع سماعة الهاتف الموجود فوق المكتب والمتصل بهاتف خارجي على بوابة الفيلا. 


- أمرك يا باشا. 


أردف بصوته الأجش:


- ابعتلي حد ياخد ورق يوصله الشركة لمعاز. 


ووضع السماعة محلها, ملتقطًا الأوراق خارجًا بها من المكتب حتى قابل الحارس يدلف من باب الفيلا ليعطيه الأوراق قائلاً بتحذير:


- وصل دول لمكتب معاز. 


احنى الرجل رأسه بطاعة:


- أمرك يا باشا. 


- وأنتَ خارج بلغ مرسي إني خارج كمان ساعة خليه يجهز العربية. 


وتحرك صاعدًا درجات السلم الموصلة للطابق العلوي والتي تحتل منتصف الصالة الضخمة, توقف على صوت مدبرة المنزل تسأله:


- شاهين بيه حضرتك مش هتتغدى؟ 


أجاب وهو يكمل صعوده:


- لما اصحى يا صفاء. 


تحركت السيدة التي ترتدي ثوب كحلي أنيق والتي ربما تعدت الخمسين نحو المطبخ لتقول لباقي الخادمات:


- اقفلوا على الاكل الباشا هينام الأول.


اقتربت منها احدهن تقول بصوت منخفض:


- هم مش ناويين يخرجوا الراجل اللي محبوس في المخزن؟ ده بقاله ييجي 3 ايام, او حتى على الأقل ندخل لقمة ياكلها. 

 

برقت عيني "صفاء" تقول بحدة:


- خليك في حالك يا مستكة, وبلاش تتدخلي في اللي ملكيش فيه عشان متزعليش. 


وانسحبت من أمامهم, لتقول أخرى:


- شكلك مش هتهدي يا مستكة غير لما الباشا يشدك. 


التفت لها بضجر:


- الراجل صعبان عليا, كل ما اروح ناحية المخزن اسمع صريخه واستنجاده. 


وقالت ثالثة بهمس:


- سمعت انه خان الباشا وكان بيسرب اخباره لواحد عدوه. 


لتجيب أخرى بشهقة:


- يالهوي, ده يبقى في عداد الميتين خلاص, ده كله الا الخيانة والكدب عند الباشا. 


زفرت "مستكة" أنفاسها بحزن وهي تلتمس العجز في مساعدة ذلك المسكين الذي يلقي الويلات منذ عدة أيام. 


❈-❈-❈

وصلت لقسم الشرطة بعدما انهت عملها, وطول الوقت رأسها مشغول بعرضه, بين نارين, القبول والذي سيجني لها أموال لا تحلم ان تملكها يومًا, والرفض الذي سيضيع الفرصة من يدها, وما يرددها من القبول هي أنها تسعى نحو المجهول, ولا تعلم ما سيقابلها, وإن كان ذلك الشخص الذي قابلته صادق أم لا. 


وصلت لمكتبه بسهولة فيبدو انه معروف في القسم, دلفت فابتسم لها وهو يقول:


- كنت متأكد انك هتيجي. 


نظرت لملامحه الوسيمة لوهلة, فهو ابيض البشرة بشعر بني اللون وذقن وشارب مماثلين, واعين زرقاء غامقة تظهر من بعيد كأنها سوداء, وبنيان قوي, نفضت رأسها من تأمله واتجهت بخطوات حثيثة تجلس على الكرسي أمام مكتبه وقالت:


- بص يا بيه انا مقررتش لسه, بس جايه اسمع اللي عندك, ويا اقبل يا ارفض. 


نظر لها بمكر للحظات قبل أن يفتح درج مكتبه ثم وضع عدة رزم من الأموال فوق المكتب أمامها ليبتسم حين رأى لمعة عيناها وهي تنظر للأموال دون صرف نظرها عنها, كصائم يرى وليمة طعام أمامه في عصر رمضان, ليقول:


- هقول اللي عندي, قبلتِ الفلوس هتكون معاكي وانتِ ماشية, رفضتِ يبقى...


ولصدمته حقًا, وبحركة غير متوقعة, وجدها تجذب الأموال ناحيتها وترفع عيناها له تسأله بجدية تحت اتساع حدقتيهِ بذهول:


- معاك كيس اسود؟ ولا هاخدهم في ايدي؟..



يتبع 


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ناهد خالد، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية..

رواياتنا الحصرية كاملة