-->

رواية جديدة فراشة في سكٌ العقرب لناهد خالد الفصل 4 - الخميس 26/12/2024

 

قراءة رواية فراشة في سكٌ العقرب كاملة 

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى


رواية فراشة في سكٌ العقرب

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة ناهد خالد

الفصل الرابع

تم النشر يوم الخميس

26/12/2024



- شاهين بلاش تغيب عني, مش كفاية مقدرش اشوفك, هيبقى كمان مقدرش اكلمك, انا يومي مبيعديش ومبطمنش لو مكلمتكش. 


تنهد "شاهين" بضيق وقال:


- قولتلك نتقابل واخوك لو أتكلم ه...


قاطعته بلهفة قلِقة:


- لا بالله عليك يا شاهين متحاولش حتى, انا مش عاوزه مشاكل بينك وبين مازن, كفاية اللي بينكوا, كمان... ده ممكن يقاطعني لو عرف علاقتي بيك. 


استمعت لدقات فوق باب غرفتها تبعها صوت "مازن" يقول:


- نور.. انتِ جوه؟ 


اسرعت تنهي المكالمة وهي تقول بصوت منخفض:


- طيب سلام دلوقتي يا شاهين هكلمك بعدين.


وأغلقت المكالمة فورًا قبل رد الآخر, لتتجه مسرعة للباب تفتحه بالمفتاح لتجده واقفًا أمامها يطالعها بتعجب وما لبث أن أطلق سراح سؤاله المتوقع:


- قافلة الباب بالمفتاح ليه؟ 


ابتسمت له بتوتر ثم قالت:


- كنت بعدل هدومي, كنت لابسة بادي تحت التيشرت بس حسيت الجو حر فقولت اقلعه. 


انسحب من امامها متجهًا للأريكة وجلس فوقها يقول بلهفة جائع:


- طب اخلصي بقى هاتي الأكل هموت من الجوع. 


تحركت فورًا للمطبخ وهي تقول:


- ثواني بس هسخنه في الميكرويف. 


دلفت للمطبخ لتلتقط أنفاسها براحة وهمست لنفسها بتأنيب:


- بعد كده مينفعش اجازف وارد على شاهين ومازن في البيت لازم اخد حذري اكتر من كده, مش ناقصة مشاكل لو مازن عرف... مشاكل!


رددت كلمتها الأخيرة باستنكار ثم أكملت بخوف:


- دي هتبقى كارثة مش مشاكل بس..! 


فشقيقها بينه وبين "شاهين" مصانع الحداد كما يقولون, والعداوة بينهم منذُ خمس سنوات مضت لم تخفت نيرانها يومًا, ولم يحاول أحدهما تجنب طريق الآخر حتى, بل يقفون ندًا لند, وكلاهما يبحث عن أي وسيلة تثير استفزاز وغضب الآخر, ومهما حاولت أن تقنع "شاهين" أن يحل أموره وديًا مع "مازن" بعيدًا عن عملاهما, لا يقتنع ابدًا خاصًة بعد ما فعله "مازن" من عامين مضوا, وضربته المميتة التي سددها ل "شاهين" في حياته الشخصية وبعيدًا عن العمل, ومن حينها والأخير لا ينفك عن ضرباته الخفية للأول وإعلان انتصاره دومًا وهو يعلم انه بهذا يشعل جحيم مستتر بداخل الآخر. 


❈-❈-❈

اليوم التالي... 

الحادية عشر صباحًا.. 

وصلت للمكان الذي أخبرها عنه في اتصاله لها بليلة أمس, فوجدته مول تجاري ضخم, لم تعرف أوله من آخره, دلفت  ووقفت بعد دلوفها من الباب تنظر بأعين مبهورة بالمساحة الواسعة للمكان, والمحلات التجارية الفخمة التي تنير أضوائها بشدة لامعة رغم النهار بالخارج, والسلم العالي الموجود بمنتصف الطابق الأول والذي يجاوره سلم آخر كهربائي يصعد عليه البعض, انتفضت على صوته القريب منها وهو يقول:


- وبعدين مش قولنا بلاش انبهارك يبان! 


نظرت له لتجده يرتدي ثياب شبابية عصرية كما اعتادت رؤيته دومًا, والابتسامة البسيطة تزين ثغره فبدى لطيفًا, فابتسمت بارتباك وهي تعيد خصلاتها للخلف وتمسد بكفها على وشاح رأسها الصغير مغمغمه بثرثرة بينما تنظر في اتجاه أحد المحلات:


- اصل المكان هنا واسع اوي, ده ولا 10 بيوت في بعض, بعدين المحلات قايده انوار كتير واحنا لسه بالنهار حتى, طب ده المحل فيهم يستهلك كهربا اكتر من  شارعنا كله. 


 أشار لها لتسير معه وهو يقول مازحًا:


- اكتر من شارعكوا, على كده انتوا بتعيشوا على ضو الشموع! بعدين ده طبيعي, ده مول تجاري كبير لازم كل محل يجذب الأنظار, غير انهم لو طفوا الانوار هتلاقي الدنيا ضلمت شوية والبضاعة مش هتكون بتلمع كده. 


سارت بجواره وعيناها تطوف هنا وهناك وقالت مؤيدة:


- دي بتلمع خالص.


صمتت قليلاً اثناء سيرهما ثم سألته:


- بس احنا بنعمل ايه هنا؟


أجابها وهو يسبقها بخطوة أثناء سيره:


- شوية تعديلات محتاجاهم لزوم المهمة. 


قطبت ما بين حاجبيها مرددة الكلمة باستنكار, ثم رفعت صوتها تسأله:


- تعديلات زي ايه؟ هو انا هعمل عملية تجميل! لا انا مبحبش الحاجات دي. 


نظر لها من فوق كتفه نظرة عابرة ثم عاد ينظر امامه مرددًا بسخرية:


- هتعملي عملية تجميل في مول! ثم إنك مش محتاجة تجميل اصلاً. 


استمعت لجملته الأخيرة لتبتسم على استحياء, وينبض قلبها فرحًا وهي تسمع لثناء أحد على جمالها لأول مرة, وهل فعل من الأساس!! 


توقف بها أمام أحد المحلات والتف لها يقول موضحًا:


- ده بيوتي سنتر, مش هينفع أكون معاكي جوه, بس انا اتواصلت معاهم وفهمتهم كل حاجة هم مستنيينك وهيعملوا اللازم, هتدخلي وتسيبي نفسك ليهم, وانا هستناكي في كافية هنا في المول اول ما تخلصي ترني عليا هجيلك. 


نظرت له وللمحل بتردد وقلق, قرأه هو في عينيها فقال مطمئنًا:


- متقلقيش مجرد تنضيف بشرة وتعديلات في شعرك وباديكير وحاجات البنات دي. 


ابتلعت ريقها بتوجس ولكنها اومأت برأسها له ليشير لها بالدلوف, فتحركت تدفع الباب الزجاجي وقلبها ينبض بارتباك جلي... 


- صباح الخير اقدر اساعدك؟ 


نظرت للفتاة الجالسة خلف مكتب صغير بجوار الباب, لتجيبها وهي تلاحظ نظراتها المستغربة والمستنكرة لملابسها ومظهرها, فرفعت رأسها بكبرياء زائف:


- انا فيروز يسري, في حجز باسمي. 


تفقدت الفتاة الحاسوب الموجود أمامها لثواني ثم قالت:


- مظبوط يا فندم, لحظة هطلبك مديرة البيوتي لان الحجز كان معاها هي شخصيًا. 


وبعد ثواني خرجت سيدة ربما في أوائل الاربعينات من أحد الغرف, مرتدية ثياب أنيقة وشعرها اكتسب لون أشقر "كبعض ممثلات السينما" هذا ما رددته "فيروز" بداخلها وهي تستقبل السيدة وبعد القاء التحية كانت تصطحبها لأحد الغرف وهي تقول:


- الحقيقة ان حضرة الرائد موصي عليكِ جدًا, فانا هعملك جلسة شاملة هتطلعك واحدة تانية. 


وصدقت, فبعد ثلاث ساعات قضتهم تتبع تعليماتهم, وتتنقل من غرفة لغرفة, ومن جهاز لجهاز, كانت تقف أمام المرآة تنظر لانعكاس صورتها بصدمة وفاه فاغر, لا تصدق ان هذه هي! 

بدت بشرتها أكثر رونقًا ونقاءً وشعرها لامعًا ورغم احتفاظه بتجعده لكنه أصبح مرتبًا وكأن تجعيده مفتعل بمجرد تغيير في طبيعته, تخلوا عن وشاح رأسها وصففوا شعرها بطريقة جديدة أظهرت طوله وثقله, حتى حواجبها أعادوا رسمها بشكل منمق أكثر, لم يتركوا شيء فيها إلا وأجروا عليه تغييرات وأضافوا لمستهم. 


- حلو اوي.


هكذا رددت ولم تجد كلمة أكثر توصف الأمر, لتبتسم لها السيدة وهي تقول:


- ملامحك جميلة يا انسة, كانت محتاجه اهتمام بس, عمومًا الباشا دافع الحساب مقدمًا, تقدري تتفضلي. 


اومأت برأسها وهي تنسحب خارجة, لتطلب رقمه, وبعد دقائق قليلة كان يقبل عليها بابتسامة ظهرت حين رآها, وقف أمامها مقيمًا ليكتفي بقول:


- جميل, يلا بقى نكمل مشوارينا. 


والتالي كانت محلات الثياب, وقد انتقى لها بنفسه الكثير منهم, واخيرًا طلب منها أن ترتدي فستان من ضمن المشتريات, وخرجت له بهِ فرأت لمعة غريبة في عينيه وردد:


- روعة... لايق عليكِ جدًا. 


نظرت للفستان الأسود بنقوش حمراء تتمثل في رسومات للفراولة, يصل لبعد ركبتيها وبنصف أكمام وفتحة صدر ضيقة, ضيق للخصر ثم ينسدل باتساع, مسدت على قماشته بارتباك وهي تغمغم بعدم راحة:


- بس ده قصير, وبنص كم, انا مش متعودة على الحاجات دي. 


قيم الفستان بنظرة سريعة ثم عاد لها يسألها مستغربًا:


- هو انتِ محجبة؟ 


نفت برأسها ليكمل:


- طيب, يعني انا جايبلك حاجة طويلة, ومقفول, اعمل ايه اكتر من كده! لبسك اللي كنتِ بتلبسيه ده لبس المحجبات, مينفعش هنا إلا في أوقات قليلة, لكن في العموم لازم تتعودي على اللبس ده, وانا احترمت استايلك في اللبس وجبت حاجه تكون مناسبة. 

ثم نظر لحذائها القديم الذي لا يتناسب ابدًا مع الثوب ومظهرها الجديد, وردد:


- يلا عشان لسه هنشتري الشوز. 


وبعد ساعة كانا يخرجان من باب المول, بمظهر متكامل, بعد أن بدلت حذائها لحذاء بكعب قصير وبربطة لطيفة تزينه من الأمام, وحقيبة يد "كروس" بلون أحمر أنيق يماثل لون الحذاء, وعُقد لامع بفصوص ماسية مماثلة للقرط الذي ارتدته بلون فضي جميل, وضع الحقائب في سيارته وفتح لها الباب لتجلس لجواره, ثم التف يجاورها وهو يقول بينما يبدأ بالتحرك بالسيارة:


- انا كده جبتلك كل اللي هتحتاجيه, اللبس معاه كل الاكسيسورز, حتى البرفيوم وحاجات الميكاب, ياريت لما تحبي تلبسي حاجه منهم توظفي الطقم صح عشان تطلعي بشكل شيك, هنروح دلوقتي على مطعم نتغدا, اكيد جوعتي.. وبعدها هوديكي الشقة اللي أجرتها ليكي. 


خرجت عن صمتها تسأله بعدم فهم: 


- هو انا هعمل ايه؟ يعني هروح الشقة وبعدين؟ هروح للراجل ده امتى ولا ازاي؟ 


نظر لها بجانب عينه نظرة سريعة ثم عاد ينظر للطريق أمامه وهو يقول:


- مين قالك انك هتروحيله؟ 


قطبت ما بين حاجبيها بعدم فهم وقالت:


- يعني ايه؟ مش المفروض هروحله عشان اجيب منه الحاجات اللي سعادتك محتاجها! مش هي دي المهمة؟ 


التوى جانب فمه التواء بسيط بابتسامة هازئة ثم ردد بغموض:


- لا مش هي دي المهمة, انتِ مش هتروحي لشاهين اصلاً. 


لم تفهم فعادت تسأله:


- اومال؟ 


زفر نفس قوي بحماس واضح ثم حرك رأسه بمرح وقال:


- هو اللي هيجيلك, او بمعنى ادق هو اللي هياخدك لحد عنده. 


رمشت بأهدابها بعدم استيعاب ورددت:


- مش فاهمة! 


نظر لها مبتسمًا وقال:


- مش مهم, فكري بقى هتتغدي ايه؟ 


- أي حاجه. 


رددتها بفتور وقد شعرت بالتخبط إثر حديثه والجهل, وهي أكثر ما تكرهه أن تفعل أمر دون أن تفهم كل تفاصيله وتكون على دراية كاملة بكل نواحيه, تشعر نفسها كالحمار الذي يحمل أسفار ولا يعلم لأين ينقلها ولا يدرك وجهته فلا يفعل شيء سوى أنه يسير خلف صاحبه, زفرت باختناق حين أتى هذا التشبيه في مخيلتها, ليقطب "مازن" جبينه يسألها باستغراب:


- مالك؟ 


وانفجرت بهِ وهي تقول بعصبية ذكرته بلقائه الأول بها:


- انا مبحبش ابقى زي البهيمة كده ماشيه وانا مش فاهمه حاجه, الموضوع ده بيخنقني, مفيش حاجه اسمها مش مهم, انا اللي بقوم بالدور الأهم في المهمة دي, وبناءً عليه لازم افهم كل التفاصيل, واعرف كل خطواتي هتكون ايه, محتاجه منك بقى توضحلي كل حاجه لأني مبقدرش اتحمل الوضع ده. 


ذُهل من انفجارها هكذا وكأنه سبها! لِمَ تأخذ الأمر بكل هذه العصبية! قال بهدوء محاولاً كبح غضبها:


- اهدي طيب انا مقصدش اللي فهمتيه, انا بس قولت بلاش اشغل بالك باللي هيتم, كده كده انتي هتعرفي الخطوة قبلها. 


أشاحت برأسها تنظر من النافذة وهي تردد بضيق حقيقي:


- لا لو سمحت مبحبش كده, كفاية انك خدتني المول وجرجرتني للكوافير والمحلات من غير ما تعرفني قبلها, دول كانوا بيتعاملوا معايا جوه كأني عيله, عمالين ياخدوني من جهاز لجهاز ومن اوضه لأوضه, واقعدي هنا, ونامي هنا.. وانا ولا فاهمه حاجه, وانا مبحبش كده, انا طول عمري صوتي من دماغي واي حاجه بعملها بكون انا اللي مقرراها مش حد تاني. 


لم يمنع ضحكته الخافتة التي صدرت منه وهو يقول بمرح:


- يا ستار عليكي شايلة كل ده في قلبك وساكتة! 


- انا بتكلم بجد, لو سمحت محتاجة افهم كل حاجه قبل ما نعملها. 


قال بجدية وهو يصف سيارته جانبًا أمام أحد المطاعم:


- مش كل حاجه هينفع تعرفيها, لكن اوعدك اني هحترم رغبتك واللي ينفع ابلغك بيه هقوله. 


نزلا ودلفا للمطعم سويًا, لتتفاجأ من فخامة ورقي المكان, جلست بتوتر تنظر للجميع حولها, ليطلب منها بعد أن جلس أمامها أن تفتح قائمة الطعام وتختار شيئًا, فتحتها لتتسع عيناها بصدمة وجميع ما بها باللغة الإنجليزية التي تعرف فيها بعض الكلمات التي لن تساعدها ابدًا الان, ولكن صدمتها الحقيقية كانت في الأسعار, وضعتها فوق الطاولة ونظرت له بينما تشير بإصبعها لشيء معين وسألته:


- هو ده سعرها! 


نظر لِمَ تشير له ليومئ مجيبًا, لتشهق بخفوت وهي تعيد النظر للصنف:


- ب 850 جنية! ليه؟ هي دي ايه؟ 


اخبرها موضحًا:


- ده ميكس جريل. 


ونظراتها وتجعد ملامحها اوشت له بأنها لم تفهم, فتنهد شارحًا:


- ده بيكون 2 كفتة, و2 طرب, و2 كباب, وربع فرخة مشويين مع سلطة وعيش أو مع رز حسب ما بتطلبي. 


سألته مضيقة عيناها:


- 2 كيلو! 


اجابها ساخرًا:


- 2 كيلو ايه! 2 صابع. 


علت شهقتها هذه المرة وهي تقول بصدمة:


- ليه! صابعين كفتة وطرب وربع فرخة ب 850 جنية! دي الفرخة كلها ب 200 جنية! وتعملها على اربع مرات, قوم بينا من هنا.


برق بعينيه لها وهو يحرك رأسه مشيرًا لها لتجلس:


- اقعدي, ووطي صوتك, وبطلي تتنيلي تندهشي, مش قولتلك مهما تشوفي حاجه او تنبهري بيها متبينيش! أيه اللي بتعمليه ده! 


حرك رأسها رافضة الصمت او البقاء هنا لتقول:


- اصل الأسعار دي حرام, دي فلوس ندفعها في وجبه! دي الفلوس دي تعيش أسره أسبوع كامل, يالهوي ده انا اليوم كنت بجمع فيه 300 جنيه بالعافية, وكنت بروح بيهم طايره من الفرحة, اجي ادفع في وجبة 850 جنية اللي كنت اجمعهم في 3 او 4 أيام شغل عادي كده! 


تفهم شعورها, وتفهم دهشتها واستنكارها لأسعار ومعيشة الطبقة المرفهة والذي هو منهم, ليقول بهدوء:


- بصي يا فيروز, كل واحد فينا بيعيش على قد دخله وظروف حياته, يعني انتِ اكبر مبلغ ممكن تدفعيه في وجبة كام؟ 


ردت سريعًا:


- 25 جنية, يجيبوا طبق كشري ولا ساندوتش كبدة, ولا فول وطعمية. 


تبسم ثغره تلقائيًا على مدى بساطتها وعفويتها, وقال معقبًا:


- اهو ال 25 جنية دول سعر ازازة ماية في المطاعم اللي زي دي, انا مثلا اقولك اكبر مبلغ ممكن ادفعه في وجبة 1000 جنية لو باكل لوحدي, في ناس تانيه بقى اللي مستوى معيشتهم اعلى مني ومنك يدفعوا في الوجبة لحد 5000 ولا 7000 جنية عادي خالص, ودي مش ارقام فلكية دي بجد, يعني انا اعرف مطعم سعر طبق السلطة فيه 300 جنية, تخيلي لو حبيتي تطلبي لحمة مثلا هتكون بكام! 


صمت لثواني ثم نظر لها يقول بمغزى واضح:


- يعني واحد زي شاهين لو جمعتكوا صدفة تاكلوا في مطعم, لما تلاقيه بيدفع الحساب 5000 جنية ولا اكتر متتفاجئيش ولا تبيني الصدمة اللي شايفها على وشك دي. 


ابتلعت ريقها الذي توقف طوال حديثه, وعقبت بضيق صادق:


- بس ده حرام! ليه مهما كان قدرتك المالية تدفع الوفات في اكلة! يعني طبق السلطة اللي ب 20 جنية في أي مطعم يفرق ايه عن اللي ب 300! ايه عاملين للطماطم مساج! 


ضحك مرتدًا بجسده للوراء ليستريح على ظهر الكرسي, وهز رأسه يقول:


- فرق مستويات مش اكتر, يعني ايجار المحل من اللي الطبق فيهم ب300 ده تلاقيه غالي جدا, وتلاقي الاستف عنده كبير, وهكذا.. فبالتالي يزود الأسعار والناس اللي بتروحه مبيفرقش معاهم ومتعودين على الأسعار دي. 


قلب صفحات القائمة بين يده ثم رفع عينه يسألها:


- اختارتي ايه؟ 


- اختارلي. 


واغلقتها بفتور ونزق تردد لنفسها:


- اما نشوف الاكل ده هيتبلع ازاي أصلا. 


املى للجرسون طلباته ثم نظر لها يسألها:


- ها يا ستي عاوزه تعرفي ايه؟ 


نظرت له بحماس ظهر في مقلتيها:


- يعني ايه هو اللي هياخدني؟ 


تنهد وقد توقع سؤالها وقال بحذر:


- انا وانتِ هنتقابل كتير ونخرج مع بعض, عشان نظهر للي بيراقبوني اننا في علاقة, ووقتها شاهين هيوصلك عشان يضمك لصفه. 


قطبت ما بين حاجبيها بتعجب:


- يعني لو عرف انك على علاقة ببنت هيقربلها هو عشان ياخدها منك, ده قصدك؟ ومعنى كده انه حاطط ناس بتراقبك! 


ذكية, ومستمرة في مفاجأته بفطنتها, أومأ برأسه وقال:


- ده بالضبط اللي هيحصل ومش مسموحلك تسألي عن السبب, واه حاطط ناس بتراقبني زي مانا حاطط ناس بتراقبه عشان كده بعتلك عنوان المول عشان لو كنت خدتك ودخلتي معايا كانوا هيعرفوكي لكن كده انتي دخلتي شخص وخرجتي شخص تاني، المهم انك تركزي معايا لان الأيام الجاية هعلمك كل حاجه عشان لما تكوني معاه متغلطيش وميشكش فيكي, وهنبدأ بقايمة الاكل دي اعرفك على اصنافها عشان وارد تخرجي معاه في مطعم مينفعش متفهميش المنيو ومتعرفيش تطلبي. 


ابتلعت ريقها بحرج وهي تدرك فهمه انها لم تستطيع قراءة أصناف الطعام, انتهى من القائمة بعد نصف ساعة كاملة, وقد اخبرته انها استوعبت البعض والبعض الآخر نسته, فأخبرها أنه لا بأس فمعهم عدة أيام سيعيد فيها التردد على المطاعم كي تستطع التأقلم وفهم كيف يجب أن تتصرف بالخارج ويعطي لها الفرصة في التعامل مع أصحاب الطبقة الراقية والتي تختلف تمامًا عن التعامل مع الطبقة الشعبية. 


- من النهاردة تنسي فيروز وفُلة خالص. 


أخرج من جيبه هاتفه الشخصي وفتحه وهو يقول لها:


- اتعدلي كده وبصي للكاميرا عشان هاخدلك صوره للبطاقة الجديدة. 


فعلت والتقط الصورة لتسأله:


- هي صوره البطاقة بتتاخد بكاميرا موبايل! 


نظر لها ساخرًا:


- ده على أساس انها بطاقة حقيقية وهتروح السجل المدني ولا ايه! دي بطاقة مضروبة بس بطريقة بروفيشنال استحالة حد يشكك في صحتها. 


سألته بابتسامة متحمسة وهي تستند بكوعها على الطاولة مائلة برأسها على كف يدها:


- هيكون اسمي الجديد ايه؟ 


نظر لها ليخبرها بهدوء:


- اتعدلي واقعدي كويس. 


اختفت ابتسامتها وهي تعتدل فارده ظهرها كما اخبرها منذ قليل بأن هذه هي الجلسة الراقية! 


- انتِ عاوزه اسمك ايه؟ 


قالت بتردد:


- هو يعني اسم فيروز هيسبب مشكلة! انا بقول انه اسم متعودة عليه ومحدش أصلا يعرفني بيه. 


نظر لها مفكرًا لثواني ثم قال:


- ماشي... مفيش مشكلة, بس هنغير اسم الاب, هيكون اسمك "فيروز عامر الحديدي" باباكي مسافر لندن لان شغله هناك ومستقر هناك, لما بتحبي تشوفيه بتروحيله زيارة, ومامتك متوفية, وملكيش صحاب لان معظم حياتك كانت في لندن ورجعتي مصر من سنه بس, عندك اتيلية تجاري وده اللي اشترتيه لما رجعتي مصر عشان تشغلي وقتك فيه, بتقضي يومك بين الجيم, والاتيليه والغدا في مطعم, واوقات بتروحي نادي مشتركة فيه, الشقة اللي ساكنة فيها ورث والدتك بس عليها مشاكل مع اهل والدتك, ورافعة قضية عشان يكونلك حق امتلاكها, والقضية دي هي اللي عرفتنا ببعض, بعد ما قابلتك في النادي اللي انا بردو مشترك فيه وحكتيلي عن القضية وقررت اني اتابعها معاكي ودي اللي قربت العلاقة بينا. 


- ايوه بس الاتيليه والنادي والقضية كل دول لو دور وراهم هيلاقي...


قاطعها مبتسمًا يقول بثقة:


- هيلاقي كل دول مظبوطين, الاتيليه ملكك بعقد مزور احنا عاملينه, واشتراك النادي هيلاقيه مظبوط لاني اشتركتلك فيه النهاردة بالفعل ناقص بس البطاقة عشان ياخدوا الاسم, والقضية هو مش هيعرف يوصل لحد عشان يسأل عنها.. والمحامي اللي بيتابعها هيكون حد من رجالتي اللي هيظهر وقت الضرورة... حتى الشقة بواب العمارة حافظ هو هيقول ايه لو أي حد سأله.


فغر فاهها مرددة بصدمة واعجاب في آنٍ:


- مش سايب وراك هفوة!


- كل حاجه مترتبة فوق ما تتخيلي لأن شاهين مش عدو يستهان بيه ابدا..


❈-❈-❈

"شركة العقرب لتجميع السيارات"..


كان يجلس "شاهين" بمكبته يتابع اعماله منذ مدة, شعر ببعض التعب فحرر أزرار قميصه ورجع بظهره يستند على ظهر كرسيه واسند رأسه بالمثل مغمض عينيه بإرهاق, استمع لدقات فوق الباب فسمح بالدخول وهو على وضعه, فدلفت من باب مكتبة وابتسمت حين رأت وضعه, فاقتربت من كرسيه ليشعر هو بأصابعها الرفيعة تلمس كتفه بنعومة واغراء وصوتها يهمس بإغواء:


- اسمحلي اعملك مساج يريحك..!


يتبع 


إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ناهد خالد، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية..

رواياتنا الحصرية كاملة