رواية جديدة فراشة في سكٌ العقرب لناهد خالد الفصل 5 - الخميس 26/12/2024
قراءة رواية فراشة في سكٌ العقرب كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية فراشة في سكٌ العقرب
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة ناهد خالد
الفصل الخامس
تم النشر يوم الخميس
26/12/2024
فتح عينيهِ على حركة أصابعها على كتفه وتتسلل لصدره نظر لها بصمت لتتشجع أكثر وهي تقترب بجسدها مردده بهمس:
- بقالك كتير مبتسألش فيا, يا ترى في جو جديد؟
مسك كفها بقسوة اخفت ابتسامتها عن وجهها ولمع القلق في عينيها, ليبتسم ابتسامة باردة وهو يقول:
- اولاً محدش يسألني بعمل ايه ولا مع مين, ثانيًا ايه جو دي انتِ شيفاني عيل *** واخيرًا بقى انتِ عارفه اني بكره الحركات دي في الشغل.
ابتسمت بارتباك جلي وتوتر حاولت اخفائه:
- اانا مش قصدي.. اانا بس...
- يا ترى داخله عشان شغل ولا عشان لعب العيال ده!
حاولت استعادة توازنها وابتعدت عنه خطوات عدة وقالت:
- لا كنت جايه ابلغ حضرتك ان في اجتماع بعد ساعة مع شركة المقاولون.
- فاكره.
رددها باقتضاب لتبتلع ريقها بحرج وهي تنسحب بصمت كي تتجنب غضبه, ليوقفها حين كادت تفتح باب الغرفة وهو يقول بجدية:
- هنتعشي سوا الليلة.
لتعود الابتسامة تزين ثغرها وهي تلتفت ناظرة له بسعادة واضحة لكنها وجدته يتابع اعماله وكأنه لم يقول شيء, لتنسحب وهي تكاد تطير من فرط سعادتها مفكرة في عشاءهم المنتظر في شقته!
----
خرجت معه من المطعم بعدما انهوا طعامهم لتقف معه امام سيارته حين قال:
- يلا عشان اوصلك الشقة.
اتسعت عيناها من الصدمة تسأله بتفاجئ:
- الشقة! هو انا مش هروح؟
قطب ما بين حاجبيه باستغراب وتشدق ساخرًا:
- اومال انا بحكي في ايه من الصبح!
رفرفت بأهدابها وكأنها استوعبت الأمر للتو:
- ايوه بس انا مقولتش لامي, انا فكرت اني راجعه!
رفع كتفيه بلامبالاة:
- كلميها عرفيها.
- مش معاها تليفون.
مد كفه لها يقول:
- هاتي تليفونك.
فتحت حقيبة يدها الباهظة الثمن لتخرج الهاتف العتيق واعطته له, ليضعه في جيبه وهو يخبرها:
- هبعت حد بيه لها, وانتِ انا كده كده جايبلك موبايل جديد في العربية ابقي استخدميه رني عليها وكلميها.
انصاعت لرغبته قسرًا واستقلت معه السيارة ليعطيها الهاتف الذي نظرت له بجهل وهي تقلبه بين يدها وقالت:
- بس انا مش هفهم فيه.
ابتسم له ابتسامة لطيفة هكذا رأتها قبل أن يقول بابتسامة جانبية:
- هعلمك, اومال انا لزمتي ايه!؟
ابتسمت على جملته وهي تنظر من نافذة السيارة تنظر للطريق بسعادة فدومًا كانت ترى السيارات الفارهة تمر من أمامها وتقف على نافذتها لتبيع بضاعتها لكن ولأول مرة تكون بداخلها وتستقلها, شعور جديد ونظرة مختلفة وهي تنظر للعالم من داخل سيارة حديثة مثل هذه, ولكن انثرت ابتسامتها فور أن تذكرت أن كل هذا مؤقت, وبعد فترة طالت أو قصرت ستعود لترى السيارات من الخارج دون أن تجرأ على الاقتراب منها إلا لبيع الفُل!
❈-❈-❈
ضيق عينيه وهو يستمع لِمَ يُقال عبر الهاتف, وما لبث أن سأل المتصل:
" مين البت دي؟ ظهرت معاه قبل كده؟ "
" اممم, يعني شكلها مش مألوف ليك!"
" تمام عمومًا عاوز اعرف كل حاجه عنها, وتنقلي كل اللي بيحصل عندك"
أغلق معه الهاتف وهو يفكر فيما وصله من أخبار, ليبتسم شدقه ساخرًا وهو يهمس لذاته:
- معقول يكون في علاقة غرامية!
صمت يفكر مرة أخرى فقط لو كان الأمر حقيقيًا ليقول ثانيًة وقد تبدلت ابتسامته لأخرى ماكرة:
- ده لو كده يبقى لازم اتدخل.
وشرد بنظره في الفراغ يتذكر تلك الضربة القاسية التي سددها له "مازن" منذ عامين وعدة أشهر, تلك الضربة التي نجحت ولأول مرة بهزه, وزعزعت ثباته لكنه سريعًا ما ثبت وهو يستعيد نفسه كي لا يسمع لعدوه بالانتصار والرقص على جثته, ولكن بينه وبين نفسه يعترف انه قد خسر تلك الجولة, وكانت بئس الخسارة.
❈-❈-❈
دلفت للشقة تنظر لأرجائها بصدمة لم تبرح وجهها, وفاهها فاغر كعادتها, لا تصدق أنها ترى شقة كتلك التي تراها في التلفاز, كتلك التي رأتها في فيلم "لرشدي أباظة" بعدما ابتاعها ليسكن بها هو وزوجته والتي أدت دورها الفنانة "شادية", لم تمنع لسانها وهي تغمغم بينما تستكشف المكان:
- دي زي اللي كانت في الفيلم بالضبط!
هز رأسه يائسًا منها وهو يقول بتعجب:
- انتِ الأفلام لحست مخك! كل حاجه في الدنيا بتشبهيها بالافلام وابطالها!
نظرت له تبتسم بحرج وهي تبرر:
- هو يعني الحاجات دي هشوفها فين غير في الأفلام يا باشا.
- مازن.
قطبت جبينها بعدم فهم, ليقول موضحًا:
- قوليلي مازن, اعتقد ده هيسهل علينا اكتر نبان قدام اللي بيراقبونا اننا في علاقة فعلا.
ارتبكت وظهر هذا على تحركات جسدها وكفها الذي ارتفع يمسد جبهتها بحرج, واكتفت بعدها بقول:
- هحاول اصل مش متعودة يعني.
ليقول بابتسامة مرحة:
- لا اتعودي بقى.
طافت في أرجاء الشقة ذات الردهة الواسعة والاثاث الفاخر التفت له تسأله بحيرة:
- بس الشقة فيها اربع اوض نوم هعمل بيهم ايه؟
- بصي انا كنت بدورلك على شقة تكون مناسبة مستواكي, فاكيد مفيش شقة اوضة واحدة, اقعدي في واحده منهم وسيبي الباقي فاضيين عادي, المهم الشنط اللي معايا في العربية مش هينفع اطلعهم لاني لاحظت الكلب اللي بيراقبني تحت ولو شاف كل الشنط دي هيشك, هبقى ابعتهملك مع حد ومعاهم حاجات اكل لزوم القعدة.
- هتمشي؟
سألته بقلق واضح ليضحك عليها:
- اومال هفضل؟ احنا هنظهر بينا علاقة مش متجوزين!
اختضبت وجنتها بحمرة الحرج والخجل في آنٍ, وابتسم هو مكتشفًا خجلها واحمراها الدائم والذي يزين سمرتها فتبدو جميلة بحق, جمال فريد ومميز, وقالت بارتباك:
- مش قصدي.. بس قلقانة من المكان, جديد عليا والليل دخل.
تفهم خوفها, فقال يطمئنها:
- متقلقيش, الدنيا هنا امان, في تحت بواب وحارس, وغير ان الباب له قفلين, وكمان انا سجلت رقمي عندك, أي حاجه تحصل كلميني هكون عندك, مش انتِ بقيتِ تتعاملي مع الموبايل؟
- يعني على قد الاتصال اللي ورتهولي.
- مش هتحتاجي اكتر من كده حاليًا, لحد ما بكره اقعد معاكي وافهمك حاجات اكتر فيه.
غمغمت بهدوء:
- ماشي.
انسحب للباب الخارجي وهو يخبرها:
- اقفلي ورايا كويس, هبعتلك الحاجة كمان ساعة مع حد من رجالتي.
خرج فاغلقت الباب خلفه, ووقفت تنظر للشقة برهبة, رغم سعادتها, لكنها تشعر بالرهبة من مكان جديد وحياة جديدة وكل هذا وهي بمفردها بدون والدتها التي اعتادت على وجودها معها دومًا.
❈-❈-❈
ارتدت ثياب بيتية مريحة وجميلة, وجلست فوق الفراش وقد احتلتها سعادة لا يمكنها وصفها, الآن بالفعل تشعر بجمال الحياة الجديدة, وهي تنظر للمقرمشات التي تملأ الاطباق امامها وكوب القهوة الساخنة التي تضعها أمامها, والتلفاز الألوان الذي تراه لأول مرة, رفعت هاتفها تطلب رقم والدتها لتجيب بعد ثواني, فقالت بلهفة:
- ماما عامله ايه؟
- انا كويسة, طمنيني عليكِ انتِ يا فيروز, كده تمشي فجأة من غير ما تعرفيني, وتقبلي مهمة الراجل ده من غير ما نتكلم.
عقبت "فيروز" بحزن:
- يا ماما احنا اتكلمنا امبارح, وانتِ اقترحتي فكرة مجد, لكن انا مش هقبل بكده, مجد فعلاً شخص كويس, يبقى يستحق اني اخدعه واقبل بيه عشان مصالح شخصية ليا! مش هقدر أكون زوجة كويسة له, انا اخترت الحل اللي لو أذى مش هيأذي حد غيري.
اتاها صوت والدتها القلقة:
- طب طمنيني بتعلمي ايه ولا عملتي ايه؟
سردت لها كل ما حدث على مدار اليوم وأنهت حديثها قائلة ببهجة كالطفل الصغير:
- الشقة حلوه اوي, والهدوم تجنن, انا قاعدة على السرير وقدامي كوباية قهوة وحاجات كده انا مش عارفه هي ايه بس طعمها حلو.
تحمست أكثر وهي تنظر للتلفاز امامها وتنقل الصورة لوالدتها:
- ماما هنا في تلفزيون من الملون ده, الصورة فيه تحفة, احسن من الأبيض واسود بكتير, تحسي انك قاعدة معاهم, كان نفسي تكوني معايا وتشوفي كل الحاجات دي.
أردفت أخر جملتها بحزن حقيقي التمس قلب والدتها التي ابتسمت وهي تخبرها:
- لما انتِ تتمتعي كأني انا معاكِ بالضبط, بس المهم تخلي بالك يا بنتي, ركزي وخدي بالك من نفسك يا فيروز, لو جرالك حاجه بعد الشر مفيش حاجه هتنفعنا ولا حتى البية اللي اهم حاجه مهمته تخلص.
- متقلقيش, وبصي انا سبت ال20 الف عندك, اصرفي منهم ومتبخليش على نفسك, وانا أي فلوس هتيجي في ايدي هبعتلك منها.
- يا بنتي فلوس ايه بس, ده ال 20 الف دول يعيشوني سنه, المهم خلي بالك من نفسك ودايما كلميني طمنيني عنك.
- حاضر يا ماما, عاوزه حاجه؟
- لا يا حبيبتي تصبحي على خير.
أغلقت معها المكالمة, وأنهت ما امامها, مع انتهاء الفيلم, فنظرت للساعة لتجدها تشير للحادية عشر مساءً, فردت ذراعيها بتعب وقد حضر سلطان النوم, لتحمل الاطباق وتضعهم في المطبخ, ثم عادت تغلق التلفاز والاضواء لتتسطح فوق الفراش الوثير لتشعر وكأنها تنام على بساط, لكنها شعرت في الوقت ذاته بالخوف, وأصوات الهواء بالخارج كانت تثير رعبها رغم خفوتها, ظلت هكذا لمدة لكنها لم تستطع النوم, فنهضت تفتح الأضواء ثم التلفاز وأتت بقناة للقران الكريم, وتسطحت فوق الفراش تستمع لها حتى غلبها سلطان النوم بسرعة, وقد كان كلام الله خير ونيس.
❈-❈-❈
ثلاثة أيام مروا...
لم ينفكوا عن الخروج, بين المطاعم والمقاهي وأماكن عِدة, والمراقب يترصد كل شيء يحدث وينقله لسيده, ألحت عليه أن يذهبوا للسينما ورغم رفضه لكنه انصاع اخيرًا, وقد كان يوم رائع وتجربة اسعدتها حقًا, خرجا من السينما, لتبتسم بفرحة عارمة, وتفتح ذراعيها بحماس وهي تردد:
- تحفـــــــــة, السينما دي طلعت ممتعة اوي اوي.
ابتسم تلقائيًا على رد فعلها, وسعد أنه لم يرفض عرضها للقدوم لتجربة كهذه, نظرت له وهي تسير بظهرها مرددة بسعادة:
- المرة الجاي نروح الملاهي.
ارتفع حاجبيه بدهشة سرعان ما تحولت لضحكة عالية صدرت منه وهو يقول:
- فيروز احنا قولنا في علاقة يعني بنحب بعض, مقولتش انك بنت اختي!
ضحكت بانطلاق وهي تقول بمرح:
- يعني هترفض بردو زي السينما وفي الاخر طلعت ممتعة وانت اتبسط.
أردف بلهفة وهو يجذبها من ذراعها له حين رآها على وشك الاصطدام برجل يسير غير منتبها خلفها:
- حاسبي..
ارتطمت بصدره على أثر جذبه لها, لتنظر خلفها بخضة لتجد رجل يسير باتجاههما, انتبهت لوضعها فنظرت له وهي بهذا القرب الخطير, لينتفض قلبها ويتجمد جسدها بين ذراعيه, منذ رأته وهي تشعر بمشاعر غريبة تجاهه, مشاعر بدت تغزوها اكثر بكل موقف يجمعهما, وكل قرب بينهما رغمًا عنها تشعر بشيء يغزوها جديد عليها ولا تستطع تفسيره.
وعنه فنظر لها بعد أن رفعه يده للرجل بمعنى لا شيء, وعاد ينظر لها ليتحدث فرُبط لسانه وهو يراها بهذا القرب, عيناها قريبة جدا له, حتى بات يرى نفسه فيهما بعد أن رفعت رأسها لتنظر له, عيناها جميلة بها شيء مميز, كلونها وملامحها, تشبه المزج بين البندق وحبات البُن, شيء جعله ينظر فيهما صامتًا لثواني قطعتهما هي حين استوعبت لوضعهم, فابتعدت بخجل ظهر على وجهها, ونظرت لجهة أخرى متفادية النظر له, ليتحمم هو الآخر بارتباك قبل أن يقول وهو يسبقها:
- يلا خلينا نروح كفاية كده.
اتبعته وهي مازالت تحت وطأة الخجل والحرج من الموقف لتتمنى أن تغمض عينيها وتفتحهما لتجد نفسها في الشقة وقد انفردت بنفسها بعيدًا عن نظراته.
❈-❈-❈
ولم تنم ليلتها بسهولة, ابدًا... بل ظلت تتقلب على فراشها كالذي يتقلب على الجمر, وعقلها لا ينفك عن تذكر اوقاتهما معًا, تارة تعنف نفسها بأن كل هذا مجرد مهمة وليس حقيقي, وتارة تترك نفسها لخيالها ومشاعرها التي تشعر بها لأول مرة, وبين هذا وذاك ضاعت وتأرجحت على حبال الحيرة, فقط ما تدركه أنها تتحمس لغد رغم خجلها منه بعد موقف اليوم, تتحمس لقضاء جولة أخرى وذكريات جديدة.
❈-❈-❈
وهو لم يسهد ليله مثلها, لكنها شغلت باله لفترة ليست بقليلة, وظل يفكر بها بشكل مختلف بعيد عن مهمتهم الرسمية, يتذكر عيناها, ولونهما الذي ضاع بهما, وشعوره وهي بين يديهِ, يتذكر سعادتها بأقل الأشياء التي كان يفعلها او يجلبها لها, وفرحتها كالطفلة الصغيرة بكل تجربة جديدة, لتبدأ الحيرة بالتسلل له..!
❈-❈-❈
وقف امامه بعدما سرد له كل ما حدث في الفترة السابقة, تفصيلاً! وانهى حديثه منتظر تعليماته, كان جالسًا فوق كرسيه ينفث دخان لفافته بهدوء مصنعًا غمامة من الدخان حوله, وملامحه جامدة, كأنه لم يستمع أو لم يهتم! وأخيرًا خرج عن صمته يسأله:
- يعني معرفتش علاقتهم ايه بالضبط؟
أجابه حائرًا:
- والله يا باشا مش عارف, انا جبت لحضرتك كل المعلومات عنها, بس يعني مشوفتها شمعاه قبل كده, فبقول لو بينهم علاقة ازاي ظهرت فجأة كده؟
سأله بتروي:
- صورتهم زي ما قولتلك؟
اومأ سريعًا واخرج هاتفه يعبث به ثواني ثم رفع رأسه يقول:
- بعت لحضرتك الصور.
التقط هاتفه وفتح الصور, ليجد خمس صور بوضعيات وملابس مختلفة, وتوقف عند أحدهم وهي بين أحضانه بهذا القرب! دقق بالصور جيدًا ولم يظهر بها وجهها فكان ظهرها للصورة, والصور الأخرى كانت تظهر بنصف وجه, فلم يتبين ملامحها جيدًا, تمعن في الصورة لثواني قبل أن يقول ساخرًا وابتسامة ثعلبية تزين ثغره:
- يا حمار بقى بعد الصور دي ومش متأكد من العلاقة بينهم! مش مهم بدأت ازاي وامتى, المهم ان في علاقة.
- اللي تشوفه يا باشا سعادتك أدرى.
رفع عينيه الماكرتين وهو يقول بتلذذ:
- سيبهم شوية كمان, خليهم يستمتعوا بحياتهم, بس مش هنسيبهم كتير.
- أمرك يا باشا بعد اذنك.
وانسحب لتستقر رأس "شاهين" على كرسيه وهو ينفخ دخانه باستمتاع ولذة غريبة انتابته فور تأكده من شكوكه, وقال بعبث:
- وقعت تحت ايدي يا بن عمران, والمرادي هعلن انتصاري كالعادة بس هتكون نهاية الفورة.
❈-❈-❈
بدأ اليوم..
وكانت ما زالت تلبس رداء الخجل في بدايته حتى وجدته يتعامل كأن شيء لم يحدث, فتعاملت هي الأخرى بطبيعتها, وفازت بإصرارها حين ذهبا لمنطقة الألعاب, ليخبرها بحزم ما إن دخلاها:
- بصي أي لعبة هتركبيها هتكوني لوحدك, انا مش ناقص هبل.
نظرت له بخبث واومأت ببراءة زائفة موافقة على حديثه فقط ليبدأ المرح وبعدها ستوقعه في الفخ..
وقد كان فبأول لعبة وقفت تنظر لها برهبة حقيقية لأنها تجربها لأول مرة, وما تراه أمامها يخيف, فحثها صاحب اللعبة على الإسراع للركوب فهي على وشك البدء, لتنظر له حينها بخوف حقيقي وهي تقول:
- ممكن تركب معايا؟
برقت عيناه وهو يقول بحدة:
- احنا قولنا ايه!
بدلت نظراتها بينه وبين اللعبة لتقول بتمني وخوف في آنٍ:
- نفسي اجربها بس خايفة؟
احتدت نبرته اكثر وهو يسألها ساخرًا:
- وما دام خايفة بتيجي ليه من الأول!؟
نظرت له ببراءة صادقة هذه المرة وبررت بحزن خفي لكنه أدركه:
- اصل انا طول عمري وانا صغيرة اشوف الملاهي واعدي عليها اقف بره اتفرج على اللي بيلعبوا, بس عمر ما كان عندي رفاهية اني ادخل واجرب, انا عارفة ان كل اللي بنعمله شغل, وكل ده جزء من المهمة, بس مش هكدب عليك, انا خدتها وسيلة احقق بيها كل حاجه اتحرمت من اني اجربها, بس خلاص لو مش عاوز خلينا نمشي.
زفر أنفاسه بضيق وقد لمسه شعورها, ليصمت لثواني قبل أن ينظر للرجل بضيق وهو يقول:
- هركب معاها وابقى اقطع التذكرة بعد ما انزل.
وافق الرجل, ليتجه للعبة يسبقها, لتضحك بسعادة بالغة وهي تصفق بكفيها, واتبعته حتى جلست جواره بعد أن اغلق الرجل المانع الحديدي الحامي لهما, ولم تمنع نفسها من النظر له بابتسامة مردفه:
- شكرا.
اكتفى بهز رأسه لتبدأ اللعبة ويبدأ صراخها المستمتع والذي تحول لصراخ خائف حين ارتفع مستوى الصعود, لتتمسك بذراعه بخوف وهي تصرخ به ان يوقف اللعبة وكأنه المتحكم! فانطلقت ضحكاته عليها وهو يتابع رد فعلها وحركاتها التي لم تزده الا ضحكًا.
نزلا من اللعبة وهي تترنح بينما ذراعه يسندها وضحكاته لا تتوقف عليها, لتقول بتعب:
- يلا نروح.
رفض بشدة ضاحكًا:
- نروح ايه والله ما يحصل, ده انا حبيت الألعاب اوي تعالي نجرب حاجه تانيه.
وتكرر صراخها وتكرر ضحكه عليها واستمتاعه بأفعالها ولم يتوقف إلا حين شعر بتعبها حقًا.
وبنهاية اليوم كانت تخبره بابتسامة صادقة:
- انا عارفة ان كل ده شغل, بس مش شغلك انك توديني أماكن حابة اروحها, ونجرب حاجات كان نفسي اجربها, فحابه اقولك شكرًا.
ابتسم لها ابتسامة صافية واحنى رأسه بطريقة مسرحية:
- العفو يا آنسة.
ضحكت باتساع وهي تنوي الهبوط من سيارته فأوقفها يقول:
- بكره عندنا مشوار مهم, هعدي عليكي الساعة 2 الضهر.
اومأت دون أن تسأله عن ماهية المشوار وترجلت وابتسامتها تزين ثغرها لليوم الرابع على التوالي وبسببه...حتى وإن كان عملاً.
❈-❈-❈
باليوم التالي...
توقفت معه امام باب شقة لم تدرك ماهيتها ولا لِمَ أتيا لهنا, لكنه أخبرها أنهم سيزورون أحدهم, ورغم قلقها لكنها أعدت نفسها للفرار في أي لحظة غدر, فتح الباب بمفتاحه وهذا جعلها تستغرب أكثر وارتدت خطوات قليلة للخلف بعدم اطمئنان, فابتسم على فعلتها وغاب بالداخل قليلاً وهي يأكلها القلق في الخارج, حتى خرج لها ومعه فتاة بعمر صغير لتتسع عيناها ذهولاً وقد ظنت أنها زوجته, فامتعضت ملامحها وأحست بضيق يطبق على صدرها, سرعان ما زال وانفرجت اساريرها حين قال معرفًا:
- نورهان أختي...
ولكن سؤال لاح في أفق ذهنها لماذا يعرفها على شقيقته؟!
- ودي يا نورهان فيروز تقدري تقولي اننا بنحضر لخطوبة قريب.
وهنا طاح عقلها أكثر وهي لا تفهم ما يفعله ولِمَ يفعل؟؟!
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة ناهد خالد، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية..