-->

رواية جديدة بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) لعفاف شريف - الفصل 6 - الأربعاء 11/12/2024

  

  قراءة رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض)

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة عفاف شريف


الفصل السادس

تم النشر الثلاثاء

10/12/2024





كنت لي درع الحماية،

سفينةً انتشلتني من وسط الأمواج العاتية،

وشاطئًا احتواني حين أنهكتني الرحلة.

كنت وطنًا ضمّني إليه،

فشعرت بالأمان كما لم أشعر به من قبل."

❈-❈-❈

كانت تسمع عن الحب

قصصٍ ورواياتٍ،

ولكل راوٍ قصةٌ مختلفة.

هناك من يقول أن العشق تارة مرضٌ،

وتارةً أخرى يُقال لعنة،

وهناك من يقول أن العشق أمان،

وآخرون يرونه داءً لا دواء له.


لكنها تظل مجرد أقاويل تحيط بها.

تراها... 

تتمناها،

وتنظر إليها بعينٍ راجية أن يحين دورها،

أن يحتضن أحدهم قلبها.

أن تعيش

قصتها الخاصة...

هي و أميرها،

هي و حبٌ لها ولأجلها،

هي و عشقٌ يحتضن روحها المعطوبة،

هي و رجلٌ لا يرى سواها.


تلك الأمنيات لم تعد أمنيات.

أصبحت حقيقة،

فهي حصلت على أميرها الخاص،

وقصتها الخاصة.


مرَّ الأسبوع كغمضة عين،

مرّ أسرع مما تخيلَت.

دائمًا كانت تسمع أن اللّحظات السعيدة

تمُر كغمضة عين،

لم تصدق... لكنها الآن عاشت الشُّعوريْن؛

اللّحظات السعيدة،

ومُرورُها السّريع.


رأته بعينيها،

يومًا تلو الآخر،

أذاقها سعادةً لم تشعر بها من قبل.

كان أسبوعًا مليئًا بتفاصيل ستظل في ذاكرتها دائمًا،

كأنه يصرّ على حفر تلك اللحظات في قلبها

قبل ذاكرتها.


أخذها إلى أماكن لم تذهب إليها من قبل،

أراها الشوارع القديمة،

يسير معها،

يضمها إلى صدره.

يريها هذا وذاك،

تسأل ويجيب،

لم يملّ هو ... ولم تملّ هي.


دلّلها كطفلةٍ صغيرة،

واشترى لها كل ما أرادت دون أن تنطق.

شعرت وكأنها مع والدها يدللها بكل حب.

أخذها إلى مطاعم غريبة،

وتناولت أطعمةً لم تسمع بها من قبل.

وكم كانت رائعةً،

دافئةً ككل شيء يمنحها إياه.


حسنًا، لن تنكر رفضها لبعض الأطباق الغريبة،

ولن تنسى صوت ضحكاته الساخرة منها،

وهو يرى اتساع عينيها ووجهها الممتعض

من شرحه لأحد الأطباق.


كان يشرح بدقةٍ خبيثةٍ

من أي منطقةٍ في الذبيحة جاءت تلك الوجبة.

صرخت به وقتها مشمئزة،

تخبره أنه شرير،

وظل يراضيها لثلاث ساعات،

انتهت بها هي تراضيه

بالقميص الأزرق الجديد.


خبيثٌ هو حقًا.

عوّضها ومنح قلبها سكينةً كانت تهفو إليها منذ سنوات.

حاول إقناعها بالسفر لبضعة أيام قبل عودته للعمل،

لكنها رفضت بشدة.


أرادت أن تظل في بيتهما،

الدافئ و جلستهما المفضلة كل ليلة:

مع مشروبهما الدافئ،

وصوت إحدى مقطوعاته المفضلة التي عشقتها.

كان يضمها إلى صدره،

يهمس لها بشعرٍ يسلب نبضها،

يمشط لها خصلاتها،

يحكي لها ذكريات... 

وترد عليه بالضحكات... 


كان لكلٍّ منهما ألمه الخاص،

وكانا بطريقة ما يداوي كل منهما الآخر.

لتكتشف أنها لم تكن الوحيدة المكسورة،

بل حبيبها صاحب القلب الذهبي مثلها اوجعته الحياة

لكنه فقط لا يريد أن يزيد حزنها.


لهذا أرادت اغتنام كل دقيقةٍ داخل أحضانه،

لعلها تشبع من دلاله وحبه،

وإن كانت لن تفعل.

قضت سبعة أيامٍ معه وله،

يبثها عشقه،

يخبرها في كل لحظة: "أحبك".

تخجل هي...

ويضُمّها هو نحو صدره،

أمانها ووطنها.


فمن ذاق طعم الغربة وسط الأحبة

سيشعر بقيمة الوطن في غريبٍ

أصبح لها كل شيء.


فكم من غريبٍ يصبح أغلى من ألف قريب.

كان عُمر قارب النجاة لها

وسط عواصف ابتلعتها طوال حياتها.

ببساطة، كان لها كل شيء،

ولم ترد في تلك اللحظة

سوى أن تراه بخير .

❈-❈-❈

كانت تحظى بنومٍ هادئٍ

بعد أن نامت عقب صلاة الفجر،

فعمر يواظب يوميًا على الصلاة في المسجد،

وقبل أن يذهب للصلاة

يوقظها.


في البداية، كان الأمر صعبًا،

فالجو بارد،

لكن مع إصراره

أصبحت صلاة الفجر عادةً يوميةً لها هي الأخرى.

تصلي الفجر وتركض إلى الفراش،

ويتبعها هو بعد قراءة الأذكار والاستغفار،

يضمها إلى صدره

إلى أن يستيقظا سويا.


لكن اليوم مختلف...

حين أفاقت على صوت وقوع شيءٍ ما في الغرفة.

أحدث صوتًا كفيلًا بإيقاظها،

قطّبت حاجبها بقلقٍ وهي تتقلب،

تنظر حولها بنعاس،

لتراه ينظر إليها بأسفٍ ويقول بندم:

"معلش يا حبيبتي، البرفان وقع غصب عني وأنا باخد حاجة."


ابتسمت له برقة،

وهي تتقلب على الفراش بكسل،

تراقبه وهو يتحرك هنا وهناك،

خصلات شعره المبتلة وهيئته المنمقة وهو يستعد للعمل.


اليوم هو اليوم الأول بعد إجازة أسبوعٍ كامل،

أخذها بصعوبةٍ شديدةٍ لأجلها.

ابتسمت له وهي تقول بخفوت:

"صباح الخير."


اقترب منها،

قبل وجنتيها وقال:

"صباح الورد للورد.

معلش صحيتِك. يلا كملي نومك."


أجابته وهي تعدل الوسادة لتجلس براحةٍ أكثر،

وتهندم مظهرها:

"لا، خلاص فوقت.

ممكن كمان شويّة أحضر لك الفطار.

النهارده أول يوم...

بس مش نازل بدري كده؟

أنت ملحقتش تنام."


قالتها بأسف.

أجابها بضيق:

"للأسف مضطر أنزل بدري الفترة الجاية،

عشان أعوّض أسبوع الإجازة.

ورايا شغل كتير أوي،

والمدام مش بتحب التأخير،

والإجازات بالنسبة لها مش متاحة إلا في الطوارئ القصوى أوي أوي أوي."


قطبت حاجبيها وهي تتحرك من فراشها،

تتهادى بقميصها الطويل أمام عينيه المحبة،

وهي تقول:

"هي صعبة أوي كده؟"


أجابها وهو يقربها منه أكثر:

"يعني...

بس عموماً مفيش شغل سهل.

أكل العيش صعب

ومحتاج تحمل منّا.

هي دي الحياة."


وأكمل ممازحًا:

"محدش بيأكلها بالساهل."


استندت على صدره وهي تسأله بخفوت:

"حلوة؟"


قطب حاجبيه من سؤالها الهامس،

وظل هكذا بضع ثوانٍ فقط،

قبل أن يرفع وجهها بيده،

وهي تطالعه بارتباك،

ويطالعها هو بحنانٍ،

مجيبًا إياها بصدق:

"مفيش ستّ تملى عيني غيرك،

ولا عمري هبص لحد أبداً غيرك.

أنا بحترمك، والأهم بحبك.

حبنا أنقى من إني ألوثّه بنظرة لست غيرك."


وأكمل بعتاب:

"ولا إنتي ليكي رأي تاني؟"


تنهدت براحة،

وهي ترتفع على أطراف أصابعها،

تقبل وجنته بارتياح.

هي لا تشك أبدًا بحبه،

لكنها تغار عليه... فهو يستحق.


ضمّته إليها،

وضمّها إليه،

حتى أخرجها من أحضانه مضطرًا،

وهو يقول بضيق:

"أنا مضطر أنزل بسرعة عشان اتأخرت."


أجابته بتساؤل:

"طيب إفطر الأول!"


هز رأسه نافيًا بابتسامةٍ صغيرةٍ،

وهو يرتدي ساعته بسرعة:

"معلش يا ريدة، مش هلحق.

هاكل أي حاجة في الشغل إن شاء الله."


تحركت خلفه،

وهو يدور في الغرفة يجمع أشياءه،

كطفلةٍ صغيرةٍ تتبع أباها،

وهي تردد:

"طيب، هترجع إمتى؟"


وقف فجأةً، فارتطمت بظهره،

ليلتفت إليها،

ويربت على وجنتها وهو يقول:

"إنتي عارفة، النهارده هيكون أول يوم أمسك التاكسي.

وردية بالليل إن شاء الله،

فأنا هخرج من المكتب،

وأروح أخد التاكسي.


معلش يا حبيبتي،

هتقعدي لوحدك كتير،

بس بإذن الله فترة وتعدي."


أجابته بحزن:

"هتتأخر كتير يعني؟"


ظل ينظر إليها بضيق.

هو لا يريد تركها كل هذا الوقت،

لكن ماذا يفعل؟

يوجد عليه الكثير من الأقساط،

والكثير من الديون،

يجب سدادها في موعدها.


وأيضًا البيت الآخر.

فريدة امرأة عاشت عمرها مدللةً ماديًا،

وهو لا يريد أن يجعلها تشعر بالاحتياج.

وهذا يكلفه الكثير من العمل.

لكن لا يهم...

لأجلها سيتحمل، إن شاء الله.


قبّل وجنتها بحنوٍ وهو يقول:

"بإذن الله مش هتأخر أوي،

والفون معاكي.

كلميني لو حصل أي حاجة."


وأكمل وهو يشير إلى طاولة الزينة:

"والفلوس مكانها زي ما وريتك،

عشان لو تحتاجي أي حاجة،

تبعتِ لمراة الحارس تجيبها. تمام؟"


أجابته برجاء:

"بس أنا عايزة أنزل...

لو سمحت يا عمر."


وقف لدقيقةٍ مفكرًا.

هو يخاف عليها،

لكن هل سيسجنها في الشقة؟

لا يريد هذا.


ليجيبها مضطرًا رغم خوفه:

"تمام...

بس متبعديش عن المنطقة،

لسه جديدة عليكي.

أوك؟

يلا سلام يا حبيبتي،

عشان أنا اتأخرت."


قالها بعد أن قبّلها،

وغادر سريعًا.

وظلت هي تنظر في أثره،

مفتقدةً إياه منذ الآن

❈-❈-❈

تحركت في الشقة تقوم بروتينها اليومي.

فتحت التلفاز على قناة القرآن الكريم.

أشعلت البخور.

كان المنزل شبه نظيف لا يحتاج للكثير، فعمر إلى حد ما شخص منظم، فالمنزل على حال جيد.

فقد لمسات بسيطة.

تحركت للشرفة تحمل بين يديها كوب الكاكاو الخاص بها.

رفعته لفمها قبل أن تبتسم بفرح.

كان ذا مذاق مميز كخاصّة عمر، فهو يومياً يصنعه وهي بجانبه تتعلم.

لم تكن تعلم أن الأمر سهل، حتى أنها أمس تعلمت صنع الشاي أيضًا.

ابتسمت وهي تنظر للشارع بهذا الوقت المبكر.

كان فارغًا إلا من بعض المارة، وذاك المحل هناك.

منذ ثلاث أيام رأته لكن خجلت أن تطلب من عمر أن يحضر لها.

فهم يعتمدون على الجبن والإفطار الخفيف.

فلم تجد نفسها سوى وهي تدلف للغرفة، تقلب تفتح خزانتها تراقبها بحيرة.

هي لا تحب تلك الملابس.

لا ترتاح، أغلب ما يشتريه عمر كانت ملابس فضفاضة بشكل غريب لها.

هي تريد الجينز خاصتها.

لا تحب هذا.

لكن صمتت ولم تتحدث.

وقررت أن تذهب للشراء قطعة أو اثنين مؤقتًا إلى حين شراء ما يكفيها.

لكن بها ماذا ترتدي؟

في النهاية أغلقت الخزانة، وهي تقرر التمرد على نفسها.

وترتدي إسدال الصلاة.

نظرت لنفسها في المرآة تضحك بخفوت.

تراها غريبة، غير نفسها.

وقفت تمشط خصلاتها التي استطالت في آخر عام وأصبحت أجمل.

أخذت المفاتيح والمال من مكانه.

وتوجهت للأسفل لأول مرة وحدها منذ تزوجت.

❈-❈-❈

خرجت من البناية ليلفح وجهها نسمات الهواء الباردة.

مسّت ذراعيها وهي تستقبل الهواء بابتسامة.

كم تعشق الشتاء!

هو فصلها المفضل.

ظلت تمشي قليلاً حتى اتضح الزحام أكثر وأكثر.

والحرارة المنبعثة منه.

كان الجميع يقف في تزاحم يملي البائعين الطلبات.

وفي الناحية الأخرى، شاب صغير يقف يصنع الفلافل الساخنة بحرفية يناظر هيئتها باستغراب.

ظلت واقفة تخشى الدخول.

حتى مرت عشر دقائق وهي واقفة.

يأتي ناس يشترون ويرحلون، وهي واقفة.

حتى التفت لها البائع.

كان رجل متقدم في السن يبدو عليه الشقاء.

أهداها ابتسامة لطيفة وهو يقول: "قربي يا بنتي، عايزة إيه؟"

اقتربت بتردد وهي تقول: "شكراً، كنت عايزة فطار."

ضحك الفتي خلفه ليرمقه بنظرة اخرسته، وهو يلتفت لها بود قائلاً: "عايزة قد إيه؟"

أجابته بابتسامة رقيقة: "فطار ليّا لوحدي."

هز رأسه بتفهم وهو يخبرها: "بخمسة فول وبخمسة طعمية، عايزها سادة ولا محشية?"

أجابته بعدم فهم: "إيه الفرق؟"

شرح لها بصبر تعجب له الفتي: "السادة بس عجينة مقلية، والمحشية بتكون خلطه بس حارقة شوية."

ابتسمت له وهي تجيبه: "خليها سادة."

أشار لها بيده على عينه وهو يقول: "عينيَّا، بتحبي البتنجان؟"

هزت رأسها موافقة.

ليقول للفتي: "وحطلها كمان سلطة."

ابتسمت له شاكرة وهي تسأله عن الحساب.

ليجيبها: "خليها علينا المرة دي يا ست البنات."

قالت بخجل وشكر: "شكراً لحضرتك."

وأخرجت المال ليعطيها الباقي.

لتشكره بأدب وتعود للمنزل.

مشت في الشارع تحمل طعامها.

وبداخلها تشعر بأن تلك الحياة غريبة عليها.

تشعر بشعور لا تفهمه.

نعم، بسيطة وتمس قلبها.

كما مسّها صاحبها.

لكنها تظل غريبة لها.

❈-❈-❈

جهزت الطاولة بفطورها الشهي، وأعدت كوبًا من الشاي وأضافت إليه بضع ورقات من النعناع، اشترتها وهي عائدة من مرأة مسنّة كانت تبيعها.


أمسكت هاتفها، صورته، وأرسلته له، لتتبعها رسائله ويغلق سريعًا، فهو مشغول.


لتقرر بعد مدة طويلة من الإنشغال أن تحادث سارة.


فتحت محادثتهم وبدأت بمكالمة مرئية فورًا، فكم اشتاقت لها!


ثوانٍ وكانت الأخرى ترد بحماس يفوقها:


"فرييييده، وحشتني أوي! يا أهلا، يا أهلا من لاقي أحبابه فعلاً. وحشتني أوي يا بنتي! عاملة إيه؟ طمّنيني عنك، والجواز؟ ما تنطقي يا بنتي!"


انطلقت ضحكات الأخرى وهي تقول بتهكم:


"يا ستي خدي نفسك الأول! هو أنا لحقت؟"


وأكملت بإشتياق:


"وحشتيني أكثر والله، ووحشني كلامنا أوي! شفتي صور كتب الكتاب؟"


أجابتها سارة مؤكدة بسعادة:


"طبعًا، وبجد كنتِ زي القمر! يا ريت كنت أقدر أكون جنبك اليوم ده، بس انتي عارفة الوضع. الدنيا هنا مش أحسن حاجة."


قطبت حاجبها بقلق وهي تسألها:


"ليه؟ حصل إيه؟ هو لسه الوضع زي ما هو؟"


أتاها الرد الأخرى غاضبة وبشدة:


"زي ما هو! وهيفضل كده طول ما الوضع زي ما هو! أنا مش هقبل بالوضع ده!"


زمت شفتيها وهي تقول بهدوء:


"بس يا سارة، الي انتي بتعمليه ده غلط."


اتسعت عيني الأخرى وهي ترد:


"معقول انتي اللي بتقولي كده يا فريدة؟ انتي أكتر حد عارف معنى إن الإنسان يتجبر على حاجة!"


قاطعتها الأخرى بحنق:


"يا سارة، افهمي! وضعك غير وضعي. أولًا، انتي رافضة الجواز من غير أي سبب من ناحيتهم على الأقل. انتي كل عريس يجي ترفضيه من برة لبرة بدون سبب، تخيلي لو عرفوا السبب؟ طبيعي كل أب وأم يخافوا على بنتهم ويستغربوا رفضها الغريب، مش بس غريب، لا متكرر! سنين طويلة مش مرة ولا اثنين، ولا حتى سنة ولا اثنين."


وأكملت مؤكدة:


"بسبب معارف باباكي بيجوا ليك كثير، وانتي اللي على لسانك إنك مش عايزة."


أجابتها سارة بكآبة وحزن:


"انتي عارفة السبب."


هزت الأخرى رأسها مؤيدة وهي تقول:


"وعشان عارفة السبب بقولك كفاية يا سارة، الي بيحصل غلط! غلط بجد! ده مش مبرر ولا دليل قاطع. إيمانك بربنا شيء، والي بتعمليه ده شيء تاني خالص. حبك للشخص ده مش صح. أولًا، ده شخص على السوشيال ميديا يعني عالم تاني! عالم الناس فيه مش حقيقيه. مش قصدي بالمعنى الحرفي، قصدي إن كلنا ورا شاشات نقدر جدًا نمثل، نقدر نكون كويسين واحنا مش كده. الكذب شيء وارد! بينزل استوري وفلوجات بوستات، لو كل دقيقة! هتفضل ورا الشاشة، إيه الي عرفك إن الشخص ده كويس أوي زي ما انتي شايفاه؟ وارد جدًا يكون مش كده. ممكن يكون وحش وده كله تمثيل! وارد جدًا يكون أحلامك بسبب تفكيرك المستمر! وارد جدًا! تقدري تثبتي غير كده؟"


لا، طبعًا! مستحيل!


"عقلنا الباطن بيعكس كل حاجة في أحلامنا، وده كل الناس مرت بيه! حبك ليه من طرف واحد، حتى حبك ليه حب مش كامل. وده مش استهزاء بيكي أبدًا، وانتي عارفة أنا أكتر حد بيتمنى إنك تكوني سعيدة! بس انتي متعرفيش متعاملتيش معاه! هتعملي إيه لو في يوم أعلن خبر ارتباطه بعد كل السنين دي؟ بعد كل الحب ده؟ هتعملي إيه؟ هتموتي نفسك؟ لا طبعًا، هتضطري تكملّي حياتك، بس بعد ما قلبك اتكسر مليون حتة! لازم تتخلي عن العلاقة دي، لأن ببساطة إحنا ممكن ندعي ربنا طول حياتنا بحاجة ومتتحققش، مش عشان ربنا ظالم، حاشا لله! بس لأن وارد حدًا ما يكونش الخير ليكي. ربنا وحده يعلم! ولو ربنا أراد تتجوزو هيجيلك ولو من آخر العالم. بس حرام الي بتعمليه في نفسك ده!"


تنهدت سارة وهي تطالعها بحزن، قبل أن تقول:


"وتظني سهل؟ سهل أغمض عيني وأفتح ألاقي نفسي نسيته! أنا حبيته! وانتي مش حاسة بيا! أنا موجوعة وانتي بتديني محاضرة يا فريدة! انتي دُقتي طعم الوجع ده، نسيتي؟"


بهتت ملامح الأخرى وهي تطالعها بجمود، وظلت صامتة بضع ثواني، قبل أن تتلعثم سارة مسرعة بالقول:


"فريدة، فريدة أنا آسفة!"


وأكملت بدموع:


"آسفة والله! أنا بس موجوعة، موجوعة أوي!"


تنهدت فريدة بتعب، فمن مثلها يعلم ذاك المذاق. هي تجرعته حتى اكتفت.


لذا أجابتها متفهمة:


"ولأني حاسة بيكي، بقولك انقذي نفسك. بعض العلاقات السامة قاتلة."


وظلوا هكذا، تحدثها، تنصحها، تربت على قلبها. في النهاية، هي صديقتها الوحيدة، والمها يوجع قلبها هي الأخرى مهما حدث.

❈-❈-❈

كان يومًا حافلًا بالعمل بعد انقطاعٍ دام لأسبوع.


انغماسه في العمل لم يجعله يلاحظ العينين المتابعتين له، تراقبانه بلا خجل.


ولماذا تخجل؟ هي تحصل على ما تريد، حتى وإن كان هذا صغيرًا، حتى وإن كان رجلًا متزوجًا. لا فارق لديها.


تحركت تخطو نحو مكتبه الصغير الفارغ سوى منه، بعد أن رحل الجميع.


أفاق من انغماسه في العمل على صوت خطوات حذائها عالي الكعبين، وعطرها الذي اخترق أنفه، ليجدها تنظر له بحاجب مرفوع، وشفتاها مصبوغتان بأحمر شفاه كأنهما جُددتا الآن.


خفض رأسه وهو يستغفر بهمس، يحرك رأسه كأنه يحاول إخراج أفكار لا يريدها أن تدخل، وهي تقترب منه، تجلس بكل أريحية أقرب للوقاحة على طرف المكتب، تضع ساقًا فوق الأخرى لتظهر اكتناز ساقها المثيرة لأعين أي رَجُل، وتنورتها التي ارتفعت تلقائيًا مع جلوسها الغير مناسب أبدًا.


خفض نظره وهو يجد نفسه يطيل التطلع أكثر من الطبيعي، ليشحب وجهه بالإرهاق، وهو يسألها بهدوء:


"اتفضلي، مدام رفيدة، حضرتك محتاجة حاجة؟"


تمهلت في الرد وهي تحرك ساقها بحركة رتيبة جزبت انتباهه بغير قصد، وهي تقول بابتسامة خبيثة، ملاحظة نظراته:


"خلصت اللي طلبته منك؟"


أومأ لها وهو يخرج أحد الملفات معطيًا إياها، لتمد يدها تأخذه منه ملامسة يده عن قصد.


ارتبكت ملامحه وهو يسحب يده سريعًا، قبل أن يقول:


"حاجة تانية؟"


ظلت تنظر له قليلاً، قبل أن تقول:


"أه، كل يوم هتقعد ساعتين بعد ما الكل يمشي. في حاجات لازم تخلصها."


ولم تعطه حق الرد، وهي تلتفت لتغادر.


وخلفها، وهو يستغفر بكثرة.


رفيدة محامية كبيرة وزوجة صاحب المكتب، تصغره بخمسة عشر عامًا.

تنهد ..... إنه حقا لا يتقبلها.


نظراتها، مظهرها، كل شيء، يوتره.


استغفر ربه، وهو يعود لعمله سريعًا، ليلحق بعمله الآخر، متمنياً أن يعود سريعًا ليضم فريدة إلى صدره، وهذا يكفي له.

❈-❈-❈

كانت تجلس وحدها بالمنزل ككل يوم.


تذهب في الصباح للنادي قليلاً، لكن ما أن تمل حتى تعود تقضي الوقت بالمنزل.


تحركت صفية في غرفتها بملل وهي تفكر بجدية أن تسافر بضع أيام مع شوكت فقط لتغير الأجواء الصامتة بينهم تلك الأيام.


لكن وللصدق، متى لم تكن كذلك؟ أم هي فقط من كانت تحيا بوهم صنعته بنفسها؟


تنهدت بحيرة وهي تجلس على فراشها، شاعرة بالفراغ، فراغ حاوطها.


تجلس وحدها أغلب اليوم. شوكت أصبح أغلب وقته يقضيه بالخارج، وهي بمفردها هنا. وكم كان هذا صعبًا.

❈-❈-❈

كان تميم يجلس على الفراش، يستند بظهره على إحدى الوسائد بتعب، يربط رأسه بأحد الأقمشة بقوة.

كسيدة مسنّة تحتضر، يمسك بين يديه كوبًا كبيرًا من القهوة عله ينهي هذا الصداع ويُفيق عقله المنهار.

وهو ينظر أمامه بتعب ويأس، قبل أن يقول بألم وهو يمسد رأسه:


"الحقيقة أنا عندي سؤال مهم قوي.

إحنا بنعمل إيه دلوقتي؟

أو بمعنى أدق، بما إني متكلمتش كلمتين على بعض، فإنتي بتعملي إيه؟

حرام عليكِ، حرام عليكِ، اتقي الله.

هو أنا مبصعبش عليكي؟

طيب، مثلاً مفيش شوية شفقة؟"

وصرخ بتعب:


"شوية دم!

يا معدومة الدم، إيه إيه؟ أنا لو ابن الجيران؟ ابن جيران إيه؟

أنا لو ابن كلب كنتي اشفقتي عليا أكتر من كده.

إيه يا شيخة؟

إيه؟

عمال أقول هتحس هتشوف، قالها وهو يشير على رأسه المربوطة،

وأكمل بعصبية:


"بس اللي ميشوفش من الغربال..."


نظرت له آلاء بنظرة استعطاف كاذبة، وهي تقول بتمسكن:


"كده يا تيمو يا حبيبي؟"


أجابها مستنكرًا:


"حبك برص!

ساعة ونص!

ساعة ونص رغي بدون هدف، بدون أي هدف!

أنا مالي أنا ومال الواد اللي طلع بيسرب؟

مالي أنا ومال طشة البامية اللي طلعت حادقة؟

مال أمي أنا إن سعر المسحوق غلي؟

حسبي الله ونعم الوكيل، حسبي الله ونعم الوكيل!"


رفع رأسه ودعا عليها:


"يا آلاء يا بنت مدحت..." قالها بتعب وهو يمسد رقبته.


نظرت له الأخرى شرزًا، وهي تردد:


"بتدعي عليا؟

حسبي الله ونعم الوكيل فيك إنت!

بتدعي عليا؟

على أختك؟

تصدق، إنت مش أخ جدع!"


بدل ما تقولي فضفضي يا أختي يا حبيبي،

فضفضي بدل ما تطقي وتموتي!"


قالتها بصراخ، وهي ترفع الخف من قدمها، تقذفه بقوة ودقة على صغيرها الراكض،

وأكملت بعدها كأنها لم تفعل شيئًا:


"المهم عملت إيه مع أبوك؟"


تنهد تميم بضيق وهو يقول:


"هعمل إيه يعني؟

قلتله هقابل بنات وكده...

واديني هشوف هيحصل إيه؟

هو أنا يعني بإيدي حاجة؟

أبوك بيلوي ذراعي، على أساس أني ناقص.

والله أنا ههج وسايبلكم الدنيا عشان ترتاحوا.

عرايس إيه وزفت إيه، هو أنا بقي فيا حيل للجواز؟"


لمعت عيني الأخرى بحماس ولم تهتم بحديثه حتى اقتربت من الهاتف بدرجة مخيفة، حيث غطى أنفها معظم الصورة، وهي تقول بفرحة كمن وجد كنزًا:


"لقيتها! لقيتها!

أنا لقيتها يا واد يا تيمو!"


هز الآخر رأسه بتساؤل متخوف:


"هي إيه؟"


أجابته بانتصار:


"عروسة يا واد!

عروسة تشرح القلب!

ده أنا عندي ليك يا واد يا تميم عرو..."


وقبل أن تكمل، وجدت إصبع تميم يقترب بشدة من الشاشة، قبل أن يغلق في وجهها.

ارتدت للخلف في صدمة وهي تراه أغلق المكالمة.

قبل أن تمسك الهاتف بعصبية وتشتمه وهي تهاتفه من جديد.

لم يرد.

ولم تستلم.

حتى رد قائلًا بصوت قاطع، مانعًا إياها من القيام بوصلة صراخ مطولة:


"هششش!

لو سمعت نفسك، هسافر مخصوص، اكتمه!"


ناظرته بقرف، ليكمل:


"إياكِ شوفي، إياكِ اسمعك بتقترحي عرايس!

شوفي مجرد الاقتراح قدام أبوك،

استعدي للهلاك!

هقتلك، هفصل رأسك الحلوة دي عن جسمك!"


وأغلق المكالمة مرة أخرى في وجهها بلا مبالاة.

ظلت تنظر للهاتف بشر، وهي ترفع الخف الآخر من قدمها، تقذفها على الصغيرة التي تجلس فوق أخيها، تكتم أنفاسه رغم محاولتها التخلص منه.

قبل أن ترفع الهاتف، وتتصل بأحدهم قائلة بابتسامة واسعة شريرة وخبيثة:


"بابا حبيبي، وحشتني أوي أوي.

عندي ليك خبر هيفرحك أوي.

مش أنا لقيتلك عروسة لتميم؟"

قالتها بشر منتقم.

❈-❈-❈

تحرَّكت في الشقَّة بمللٍ لا تعرف ماذا تفعل طوال اليوم.

التلفاز مملٌّ، وهي لا تميل كثيرًا للتصفُّح، لذا قضت معظم يومها جالسةً تتحرَّك هنا وهناك، حتَّى غفت على الأريكة ولم تشعر بنفسها، سوى على لمساتٍ حانية تداعب وجهها وتَمرُّ على خصلاتها.


فتحت عينيها بنعاسٍ ليُقابلها بابتسامته المعتادة وهو يقول:


صحِّ النوم يا كسلانة.


اعتدلت ببطء تنظر حولها لتعلم أنَّها قد غفت دون أن تدري، فأجابته بابتسامةٍ مرهقة:


ما حسِّتش بنفسي، نمت.


قبَّل وجنتيها وهو يستقيم، ثم توجَّه إلى غرفته وهو يقول:


وماله يا حبيبتي، نوم الهنا. بس كده هستهري جامد، يلا حضَّريلي الأكل عقبال ما آخد دش.


تسمَّرت في مكانها وهي تنظر في أثره. أي طعام؟

هي لم تُحضِّر طعامًا! أسرعت خلفه وهو يُبدِّل ثيابه لتقول بصدمة:


أكل إيه؟ أنا ما عملتش أكل. مش انت هتجيب جاهز زي كل يوم؟


التفت إليها الآخر بملامح مُتهجِّمة وهو يقول بحدَّةٍ سريعة:

أكل إيه اللي هجيبه؟

المفروض كنتِ عملتِ أكل. هنتغدَّى كل يوم من برَّه يا فريدة؟!


قالها بصوتٍ عالٍ قليلًا، لتُجيبه باضطراب:


بس انت ما قولتليش! وكمان انت عارف إني ما بعرفش أطبخ، وأنا كنت قايلالك كده قبل الجواز، وانت قلت مفيش مشكلة، أتعلم وكده.


أشاح بيده قائلًا بعصبيَّة وكأنَّه يُفرغ بها ضغط العمل دون وجه حق:


المفروض أنا اللي أعلمك ولا إيه يا فريدة؟!


وأكمل وهو يقترب، يمسك ذراعيها ويشدد عليهما:


لما جوزِك يرجع من الشغل، لازم يكون الأكل جاهز.

مش المفروض أنا اللي أقولك.

دي أساسيات المفروض تكوني عارفاها، زي كل الستات.


قالها وهي تُطالعه بعينٍ واسعة ودمعةٍ محترقة أبت أن تبقى، فتحرَّرت. حرَّرت نفسها من بين يديه، وهي تردُّ بقوةٍ وغضب:


ما تعلِّيش صوتك عليَّا! أنا مش خدامة، أنا زوجة، ولو مش فاهم الفرق يبقى المشكلة عندك. لو أنا طبخت، فده يكون حبًّا واهتمامًا، مش شيء أنا مُجبرة عليه.


أكملت بنبرةٍ غاضبة:


انت عارف إنِّي ما عنديش مشكلة أتعلم، بس انت حتى ما بلَّغتنيش أعمل أكل. مشيت وطول اليوم ما فكَّرتش تتصل تقولي حتى. طيب، والمفروض أنا أعرف منين؟


صاح بها بعصبية:


وهي دي المفروض تتقال؟! ده واجبك! البيت ده، المطبخ، أنا!

زي ما أنا طول اليوم بشقى عشانك، عشان البيت ده وعشان راحتك.


أكمل بصوتٍ أعلى:


انتي وراكي إيه غير البيت ده؟ سعادتي هي المهمَّة عندك. انتي زوجة، تقبلي ده.


ظلَّت تنظر إليه عدَّة لحظات قبل أن تقول بصوتٍ حاسم:


أنا ما اسمحلكش تتكلم معايا بالطريقة دي.

أيًّا كان اللي عصبك أو ضايقك، نتشارك ونتناقش، لكن نتخانق؟ لا.

مهما كان اللي اتعرَّضتله، ما يديلكش الحق تعمل كده.

كفاية لحد كده.


وكادت تغادر الغرفة، لولا يده التي منعتها، تشدُّها إليه وهو يقول بعصبية:


أنا لسه ما خلَّصتش كلامي!


أزاحت يده بقوةٍ أكبر، وهي تقول بصوتٍ حاسم:


بس أنا خلَّصت!


وغادرت الغرفة، وربما في تلك اللحظة أرادت أن تغادر المنزل، لكن إلى أين؟ فلا سبيل منه إلا إليه.

❈-❈-❈

كان يتحرَّك في الغرفة ذهابًا وإيابًا، يشعر بصدره يحترق ألف مرَّة.

التفت ينظر في أثرها بندمٍ شديد، وصوت أنفاسه يعلو، شاعرًا بالتيه. رفع يده يضرب الخزانة عدَّة مراتٍ بغضب، ليقف بعدها عاجزًا لا يعرف ماذا حدث.


التفت ووقف ينظر لنفسه في المرآة.

كيف فعل ما فعل؟ كيف فعل هذا بها هي تحديدًا؟ أهذا الأمان الذي وعدها به؟! أتلك وعوده وكلماته؟! أين ذهبت؟ كيف يغضب منها بتلك الطريقة؟ كيف خذلها في أول المطاف قبل حتى أن يُثبت لها العكس؟ بأي حق؟


فريدة زوجته وحبيبته، كيف أن يجعل غضبه يطالها بأي شكلٍ من الأشكال؟!

يحترق ألف مرَّة ولا أن يطالها ذرَّة واحدة من الألم. لا يحق له، لا يحق له!


قالها لنفسه وهو يُسرع بالذهاب إليها.

فلا عاش ولا كان من يُحزنها، حتى وإن كان هو.

❈-❈-❈

كانت تقف في الشرفة، تنظر حولها بفراغٍ مؤلم، شاعرة بالضيق الذي يكتم قلبها. تكتم دمعتها، لا تريد تحريرها، لا تريد أن تسمح لنفسها أن تضعف. ليس مجديًا، أبدًا أبدًا.


لكن ماذا فعلت؟ هي أخبرته، صارحته. لم تكذب ولم تخدع، بل هو فعل. هو وعدها، أعطاها أمانًا انتشلها منه في أول لحظة، بأول موقف، بكل بساطة.


كيف حدث ما حدث؟ تساؤلات كثيرة بداخلها.

لم تتوقَّع أن تأتي تلك اللحظات بتلك السرعة. لم يمر سوى أسبوع واحد فقط.


هبطت دمعةٌ حارقة دون إرادتها، وقبل أن ترفع يدها لمسحها، سبقتها يده.


انتفضت تنظر له بغضب وكادت أن تغادر، إلا أن يده منعتها، يقربها لصدره وهو يقول بندم:


ما عاش ولا كان اللي يبكيكي.


وأكمل وهو يمسح على يدها برفق:


سامحيني يا فريدة، أنا آسف، حقيقي آسف.


أبعدت وجهها للجهة الأخرى تبكي، ليضمَّها بندمٍ أكبر وهو يقول بخزي:


سامحيني يا حبيبتي، أنا ما أعرفش إزاي عملت كده. أنا حقيقي آسف.


وأكمل مبررًا وهو يمسك وجهها بين يديه:


صدقيني ما أعرفش، أنا آسف. بس الشغل ما كانش أحسن حاجة، وجت فيكي بالغلط. ليكي كل الحق تزعلي، بس صدقيني مستحيل أكررها تاني. سامحيني يا حبيبتي، أنا آسف.


وأكمل وهو يُقبِّل رأسها يُراضيها:


أوعدك ما تتكررش تاني أبدًا.


قالها وهو يضمها إلى صدره، ويتساءل بخوف:


سامحيني؟


ظلَّت تنظر له عدَّة لحظات قبل أن تقول بصوتٍ هامس:


أنا قلبي اتجرح كثير يا عمر، أوعي تكون جرح جديد تاني.


أوقف حديثها بيده التي وضعها على فمها وهو يقول بنفيٍ قاطع:


مستحيل، مستحيل يا فريدة. أوعدك، أوعدك يا حبيبتي.


وأكمل برجاء شديد:


سامحتيني، صح؟


ابتسمت له ابتسامة باهتة قبل أن تهزَّ رأسها موافقة، لتشرق ابتسامته أمام عينيها، وتجعل الحزن يتراجع.


جرَّها خلفه قائلًا بحماس:


وعشان خاطر عيونك، هنخرج ناكل برَّه. يلا بسرعة، البسي!


قالها بحماس وهو يساعدها.


وبداخلها، لوهلة، خاف قلبها.

شعرت به يصرخ بأعلى صوت:

"أرجوك، لا تخذل الأمان، فجرحي عميق، وصدقك كان الحنان."


يتبع...

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة عفاف شريف، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة