-->

رواية جديدة بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) لعفاف شريف - الفصل 7 - الثلاثاء 10/12/2024

  

  قراءة رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض) كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية بين الرفض والقدر (عريس قيد الرفض)

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة عفاف شريف


الفصل السابع

تم النشر الثلاثاء

10/12/2024





غيمة الشعور هذه تثقلني،

لا مطر ينقذني من الجفاف،

ولا ريح تقتلعني من مكاني.

أقف بين الحافة والفراغ،

أراقب قلبي يختار طريقه،

فأجدني معه، رغم كل التناقضات.

ربما الحب ليس سوى درس،

نتعلم فيه كيف نضيع

لنجد أنفسنا من جديد."

❈-❈-❈

استيقظ متأخرًا في اليوم التالي، فصداع الأمس جعله يسقط كجوال بطاطا فوق الفراش، يغُطّ في نوم عميق، متعب ومرهق.

ظل يدعو على آلاء وإخوتها حتى غفا.

"تلك ابتلاء وليست آلاء!"


واتضح بعد ذلك أنها أتت لتكفّر ذنوبه هي وأطفالها المزعجين.

وزيادة الطين بِلّة، أطلقت على ابنها تميم  تيمناً به، لتتيح لنفسها قول كل ما تريد براحة وضمير منقطع.


مسَد رأسه بتعب وإرهاق.

أصبح صداع الرأس يلازمه بطريقة بشعة.

نظر جانبه إلى هاتفه الذي يرن منذ فترة بلا انقطاع.

لن تيأس حتى يحظرها نهائيًا.

"هي تستحق الحظر والقتل، صدقًا!"


رفع الهاتف إلى أذنه ليستمع إلى صوتها الهادئ، منذ فترة طويلة، لدرجة أن حاجبيه ارتفعا بصدمة، وهو يسألها بريبة:


مالِك؟ إنتِ كويسة؟


صمتت قليلًا، ليكمل بعدها بحذر:


بصّي، ردي بـ"آه" أو "لا"، وأنا هعرف.


في حد مرفعك؟ ولا مثبتك يا بَتّ؟


آلاء، إنتِ كويسة يا بنتي؟


أجابته بتملق وصوت هادئ مخادع:


حبيبي، أنا كويسة. وحشتني، بس قلت أطمن عليك.


وحشتني أوي يا تيمو!


أزاح الهاتف من أذنه ليتأكد من المتصل.

تأكد: نعم، هي.

نعم، إنها آلاء شقيقته.

نعم، هي بذاتها، سرينة الإسعاف والطوارئ التي تنغص حياته وتزعجه ليل نهار، حتى شارف على الانتحار.


إذًا، ماذا يحدث؟

أعاد الهاتف إلى أذنه بسرعة، مجيبًا بتقرير وهو يدلك رأسه، مهيئًا إياها للصداع القادم:


آلاء، عملتي إيه؟

وأغمض عينيه وهو يرد بإرهاق:


أبوس رجلك، ما تقوليليش إنك عملتي مصيبة.


آلاء، أنا مش ناقص. طيب، أدعي عليكي بإيه أكتر مما بدعي؟


وأكمل بصوت مفكر:


طيب، أعملك عمل؟


تأفّفت بصوت عالٍ، ليعود صوتها الغاضب وهي تقول بعصبية وملل:


تميم! بس بقى!


الله! طيب أعمل إيه؟ مهو غصب عني.


ضرب وجهه عدة ضربات وهو يدعو عليها، ويجيبها بسخرية:


الله! الله يا عبد الله!


قولي، قولي، أشجيني! غني وسمّعيني!


حسبي الله ونعم الوكيل فيكي يا شيخة!


الواحد لسه مغسلش وشه حتى! يعني يرضي مين يا رب؟ الناس كلها تصحى على بيبي وحبيبي، وأنا أصحى من هنا، والمصايب تلزق في وشي من هنا!


تنهدت بتعب هي الأخرى قبل أن تجيبه باستسلام:


اللاب بتاع رامي اتحرق يا تميم.


وعليه شغل مهم. أعمل إيه أنا بقى؟ يدوب دخلت الحمام البي "نداء الطبيعة"، خرجت لقيت الحيوان الكبير عامل منه مركب في الحمام الصغير وقاعد بيلعب!


أنا هتشل! أنا كان مالي ومال الجواز والهم ده يا ربي؟ حسبي الله ونعم الوكيل فيكم. أنتم السبب!


اتسعت عينا تميم وهو يستمع إلى حديثها الوقح، ليصيح بها: آلااااااء!


تمتمت بقنوط: أعمل إيه؟


رامي هيزعق جامد، عليه شغل مهم. وأنا مش قادرة أتخانق حقيقي. طاقتي صفر يا تميم، ومش عايزة حقيقي.


أنا بقيت أكره الخناق وتعبت منه.


أغمض عينيه وهو يستمع إلى صوتها الخائف.

رغم كل شيء، هي آلاء. رغم كل جبروتها، لها لحظات ضعف لا يسمح هو بها.

هي شقيقته، قطعة من قلبه ونور عين أمه رحمها الله. لا عاش ولا كان من يمسّها.


قبل أن يجيبها بطمأنينة:


ما تخافيش يا حبيبتي، محلولة بإذن الله.


بس على طول اعملي اللي هقولك عليه. وبإذن الله، هبعت رامي لحد يرجّع كل البيانات اللي عليه من غير ضرر، وهيكون عنده غيره النهارده يا لولو.


ما تزعلِيش. هو أصلاً ما يقدرش يزعقلك. أخواتك في ضهرك. هو إحنا عندنا كام آلاء يعني؟


أجابته بصوت اشتاق لسماع نبرته:


يخليك ليا يا حبيبي ويباركلي فيك.


ابتسم هو الآخر مجيبًا إياها بمشاكسة:


وحشتيني أوي يا لولو! مش ناوية تنزلّي بقى؟


أجابته بتأكيد ونبرة فيها شيء أقلقه:


قريب أوي يا تميم. قريب أوي.


سألها بهدوء وقلق:


آلاء، إنتِ كويسة؟ صوتك مش كويس.


صمتت لعدة ثوانٍ قبل أن تجيبه بهدوء:


بخير يا حبيبي، ما تقلقش.


رغم تكرار سؤاله، ظلت إجابتها واحدة.


تنهد محاولًا التخفيف عنها، وظل معها عدة دقائق حتى هدأت واطمأن عليها.

أجرى عدة مكالمات لرامي ولأحد أصدقائه لمساعدته، وظل محله عدة دقائق يطالع اللاشيء... هامد، لا يتحرك، لا يريد، فقط شارد.


في إخوته... أبيه... و... بها.

والسؤال المتكرر بداخله:

هل تعلّق بها؟ هل أحبها؟

حبّ؟ حقًا؟ لا يعلم.


هو لم يشعر بالحب يومًا، بل هناك شعور آخر.

أن يمس أحدهم روحك.


لكن غريب هذا الشعور. تلك المشاعر غريبة، هو نفسه لا يفهمها.

لم يعد يفهم ما بقلبه. كأنه يلتف حول نفس النقطة مرارًا وتكرارًا. لا هو قادر على الدخول بها، ولا هو قادر على إكمال طريقه.


توقف حيث لا يريد التوقف.

كيف لقلبه الغبي أن يفعل هذا؟ كيف له أن يشعر بهذا في تلك الأيام القصيرة؟


لكن لم يكن حبًا. هذا شيء آخر.

نظرة لعين... ومسٌّ لقلب.


لكن لماذا شعر بذلك بعد فوات الأوان؟

لماذا بعد أن انتهت القصة وزُيّنت بشريط الختام؟


ألم؟ أم افتقاد؟

كيف له أن يكون متألمًا ولا يريد سواها؟


هي فقط.

عيناها... ضحكاتها... و"غباء أفكارها".


شقّت ابتسامة وجهه الشارد.

يتذكر حديثها... أفعالها... وأخيرًا قولها.


هي كانت مجبرة مثله. لا تريد ولا يريد.

لا تحبّه وهو كذلك. تهرب ويهرب.


لكنه لم يعد كذلك. لم يعد كما كان.


لكن ما الفرق؟

فات الأوان، وخطّ القدر كلمته الأخيرة.

❈-❈-❈

هبط الدرج منشغلًا بهاتفه، يحادث أحمد ليتقابلا بأي مكان، فهو بحاجة أن يشغل عقله قليلًا، والعمل ليس بكافٍ.

"فليذهب إذن لأي مكان."


رفع رأسه في نفس اللحظة التي ارتطم فيها بوالده، ليتمتم معتذرًا وهو يقبّل رأسه بحنان:


معلش يا حبيبي... صباح الفل.


ربّت أبوه على صدره وهو يقول:

صباح الخير، حبيبي. كويس إنك نزلت، كنت لسه هنادي عليك.


أرجع رأسه قليلًا بتوجس لا يعلم سببه، وهو يقول بحذر:


عيوني يا حبيبي، اؤمر. كنت عايزني في حاجة ولا إيه؟


ربّت على صدره بحنان وهو يقول بابتسامة:


عايزك تيجي معايا المول نجيب شوية حاجات.


قطب حاجبيه باستغراب قائلًا بدهشة:


حاجات إيه؟ غريبة! إنت مش بتحب تروح أي مول بسبب الزحمة.


أجابه الآخر بلا مبالاة:


لا، محتاج حاجات مهمة.


هي إيه؟

قالها باستغراب، لينفجر فيه والده بعصبية مفتعلة:


هو إيه اللي "هتروح ليه وهي إيه"؟! إنت هتحقق معايا؟! مش عايز تيجي قول، خلاص!

ما أنا خلفت وربيت وكبّرت عشان كل عيل يتلهي في حياته وينسى أبوه! حتى اللي قاعد على قلبي بيقل أدبه!


ظل تميم ينظر له بصدمة قبل أن يضحك قائلًا بدهشة:


الله! في إيه يا بابا؟ هو أنا قلت حاجة؟ لا طبعًا، أنا عيوني ليك!

نروح طبعًا يا حبيبي. شوية كده، هروح أقابل أحمد وأجي، نروح.


وقبل أن يتحرك، منعته يد والده وهو يقول بسرعة، يجرّه للخلف :


لا لا، دلوقتي!


دلوقتي!

قالها مكررًا، ليرد والده وهو يشير للأعلى:


آه، ويلا اتفضل اطلع غيّر اللي إنت لابسه ده. إنت هتخرج معايا بالمنظر ده؟!


نظر تميم إلى ملابسه بعدم فهم.

ما بها ملابسه؟

كان يرتدي زيًّا رياضيًا مهندمًا وحذاءً رياضيًا أنيقًا، كعادته في معظم أوقات فراغه.


ماله لبسي؟ زي الفل أهو!

قالها وهو يشير لنفسه.


هزّ الآخر رأسه برفض وهو يردد لنفسه:


أعمل إيه مع الزفت ده؟ فينك يا آلاء تساعديني!


وقبل أن يتحدث، وجد المساعد يمر بجانبه يحمل المياه.

لمعت عيناه بخبث ليشير له قائلًا بصوت واهن:


اديني كوباية الماية، لحسن ريقي نشف.


رفعها إلى فمه وهو يرتشف منها قبل أن يبصقها بقوة على وجه وملابس تميم، مما جعله يرتد للخلف بصدمة ووجه مبلل.

تظاهر مدحت بالسعال وهو يقول بصدمة:


يا حبيبي، أنا آسف... شرقت!


وأكمل سعاله تحت نظرات تميم المصدومة، وهو يضرب كفًّا على آخر، ليصعد سريعًا لغرفته لتبديل ثيابه.


هتف مدحت من خلفه:


البس حاجة عدلة! وما تلبسش أسود! هو أبوك مات؟ كُتْكُم القرف! عيال تجيب الغم!


لم يجبه تميم وهو يصعد يتمتم بكلمات غاضبة، قبل أن يلتفت مدحت لمساعده الذي أتى بماء أخرى وهو يقول:


لا، مش عايز. روح بسرعة جهزلي الهدوم يا منير عشان ما نتأخرش! يلا بسرعة!


هزّ المساعد رأسه بحماس، فهو يعلم مخطط ربّ عمله، فقد استمع له وهو يحدّث ابنته مساء أمس.

ركض سريعًا، ومدحت خلفه يقف مبتسمًا بسعادة.


سعادة ستقع على رؤوسهم جميعًا... هذا إن لم يقتلهم تميم.

❈-❈-❈

دلفت صفية إلى المطار بأناقة لم تتخلَّ عنها يومًا.

كانت تتحدث بالهاتف قائلةً بهدوء:


متقلقش، ارتاح، كل شيء هيكون زي ما أنت حابب، أنا هنا بدالك، وهعمل زي ما اتفقنا، متقلقش.

وأغلقت الخط، قبل أن تنظر إلى ساعتِها لتجد أن هناك بعض الوقت بعد، فقررت الجلوس في أحد المقاهي لتحتسي كوب قهوة إلى أن يُعلن عن وصول الطائرة المنشودة.


رفعت فنجان القهوة نحو فمها، متلذذة، قبل أن تطلب كعكةً أيضًا.


حسنًا، فلتخرب الحمية اليوم! هي أصلاً لا تأكل جيدًا منذ فترة، فلتتمتع قليلاً.


فتحت أحد مواقع التواصل تقلب فيه بلا هدف، فقط لمجرد إضاعة الوقت، قبل أن تتوقف يداها وعينها على شيء واحد فقط، كان قادرًا على لفت نظرها وآثار فضول من الصعب إثارته.


حركت إصبعها تتلمس الصورة أمامها بعين لامعة، فخورة، مستاءة، حزينة، وربما مشتاقه.


كانت صورة لفريدة وزوجها يحتضنها، يضمها إلى صدره، وهي تنظر له بحب يظهر للأعمى.


كانت، كانت جميلة لا لعينها فقط، بل لاعين الجميع.

كانت عيناها مختلفة، كأنها تشع سعادة وراحة، راحة لم تعرفها سوى معه، وهدوء سكن قلبها، فقط بين يديه.

كأنه أعطاها ما فشلوا هم عنه، ومنحها أكثر مما حاولوا هم.


كيف لذلك أن يحدث؟

كيف بعد كل هذا؟

ألم ترَ حبها؟

هي فعلت ذلك من أجل اسم العائلة.

فريدة وريثتهم، وكان يجب أن تحيا كذلك.

لكنها لم تفعل، وفرّت من بين يديهم.


قطرة مياه سقطت على الصورة، لم تدري من أين أتت، حتى رفعت يدها تمس عينها.

لم تكن قطرة، بل كانت دموعها.

وإن لم تكن بسبب عمرها السابق، فكانت لأنها لم تعد حيث يجب أن تكون: أمًا لابنتها.

فقدت حقًّا من حقوقها، وكان هو السبب.

لعنة الله عليه.


تنهدت بألم وهي تفكر:

إلى أين وصلوا بسببها وبسبب عنادها الغبي؟

وظلت تتطلع إلى الصورة، بداخلها نقيدان، أحدهم يريد الفرار نحوها، والآخر بعيدًا عنها.

❈-❈-❈

كان يسير خلف والده منذ ساعة.

يدلفان إلى المحل، ينظر للملابس بلا مبالاة، يختار قطعة واثنين، يدلف للقياس عشر ثوانٍ، ويخرج يلقيهم بوجهه مخبرًا إياه أنها ليست ذوقه.

محلٌ تلو آخر، وها هم في محل جديد.

والمريب أنه محل للملابس النسائية.

وحينما سأله مستنكرًا، أخبره بتأكيد أنها لحبيبته ملك.

وأيضًا لم يعجبه شيء.

وأخيرًا قرر والده بحزم:


أنا تعبت، يلا نشرب حاجة.

أومأ له تميم بسرعة مؤيدًا قائلًا:


آه، يا ريت والله، أنا رجلي مش قادر.


في هنا كافيه تحفة، تعالي أدوقك القهوة عنده.


التفت ينظر لوالده ليجده يسير في الجهة الأخرى، ليسرع خلفه قائلًا بصوت عالٍ:


بابا، أنت رايح فيه؟

أشار له على مقهى آخر وهو يقول:


هدخل ده.


نظر تميم للمقهى بتقييم، قبل أن يقول:


اشمعنا؟ في هناك واحد أنا بحبه.


هز أبيه كتفيه وهو يقول بتأكيد:


مش مهم، أنت يا حبيبي. أنا عايز أجرب ده.

ودلف بكل بساطة، ليتبعه تميم بصمت.

قبل أن يوبخه، وهو حقًا لا ينقصه توبيخ.

❈-❈-❈

جلس أمام والده الذي أصرَّ على الجلوس على طاولة كبيرة لا تناسب كونهما فردين فقط.

وحين حاول الجدال، وبَّخه كطفلٍ في الخامسة.


والله، هو لا يدري لماذا يُعامَل تلك المعاملة.

حسنًا، حسنًا... فقط ليرى أحد إخوته؛ سيضربهم ضربًا حتى يطلبوا الرحمة.


جاء النادل ليأخذ الطلبات.

طلب لنفسه قهوةً بدون سكر، ليردَّ والده بسرعة:


لا، هاتله شاي بالنعناع يروق دمه.


نظر له تميم بقهرٍ وهو يردد:


يا بابا... يا بابا، أنا عايز قهوة. شاي إيه؟ أنا عايز حاجة تفوّقني.

لا، أنت النهارده مش طبيعي. والله حرام اللي بيحصل ده.


اتسعت عينا مدحت وهو يقول بتأثرٍ مصطنع:


كده يا تميم؟ بعد كل ده؟ بعد كل اللي عملته عشانك؟

حسبي الله ونعم الوكيل!


كاد أن يبكي قهرًا وهو يسب الجميع.

حسنًا، ماذا فعل؟ ها، ماذا فعل حقًّا؟


أومأ مكرهًا وهو يقول:


ماشي، شاي... شاي.

وأكمل هامسًا:


يا رب اليوم يخلص... يا رب... يا رب.


لكن يبدو... يبدو أن اليوم سيطول.

وسيقطع رأس آلاء ويعلّقها على باب منزلهم كعبرةٍ للجميع.


فمن حيث لا يدري، ظهرت سيدة راقية جدًّا، بجانبها فتاة شابة جميلة ملفتة للنظر.

ترحِّب بوالده الذي أبدى اندهاشًا غريبًا، مرحِّبًا بهما بسعادة، وبالصغيرة ترحيبًا حارًّا، كأنه وجد ضالته أخيرًا.


أشار إليه قائلًا بفخر:


ابني تميم.

وأكمل متسائلًا:


مش فاكر طنط شاهي؟ دي كانت تعرف ماما الله يرحمها، وكانت صحبتها أوي. فاكر؟


قالها مشيرًا له بحزم.

"آآآه يا ولاد ال..."، 

قالها بداخله،

وهو يدرك الوضع:

أنه، وللأسف الشديد، 

قد وقع في الفخ، 

وأُحكم الغلق عليه.

❈-❈-❈

وقفت بالمطبخ وفي يدها كوب الشاي، وعلى أُذنها الهاتف يُحادثها عمر قائلًا برفق:


هتعملي غدا النهارده، صح؟


أومأت له كأنه يراها، وهي تقول:


المفروض.


ضحك الآخر وهو يرد عليها ممازحًا:


إيه المفروض دي؟


هزَّت كتفها، وقبل أن تُجيبه، أتاها رده وهو يقول بسرعة:


حبيبتي، هقفل معاكي دلوقتي. أوك، يلا، باي.


وأغلق.


نظرت للهاتف بغيظ قبل أن تضعه بجانبها على القرآن الكريم. أصبحت تُحب الاستماع له، فهو رفيق لأوقاتها. لكنها عادت وأغلقته لحاجتها للهاتف، وخرجت سريعًا لتفتح التلفاز على قناة القرآن الكريم، ثم عادت إلى المطبخ لتبدأ المعركة.


طلب منها عمر أرزًا بالشعرية وطاجن بطاطس بالدجاج. أرسلت لزوجة الحارس وأخبرتها أن تأتي لها بمستلزمات الوصفة، والأخرى سلَّمت يدها، لم تُقصِّر، وأعطتها مبلغ كما أخبرها عمر.


والآن، لا رفيق لها سوى البحث عن الوصفة. فتحت أحد المواقع تبحث عن الطريقة، وظهر أمامها العديد من الوصفات، فأصبحت في حيرة: أيُّهم تختار؟ وفي النهاية، اختارت أكثرهم مشاهدة وبدأت تُشاهد الشرح وهي تتبع الخطوات.


لكنها تأففت بضيق وهي تحاول تقشير حبات البطاطس؛ كانت صعبة. هي لم تشرح بالفيديو كيف تُقشِّرها، فأرسلت لسارة لتساعدها، لتُجيبها الأخرى بأنها بحاجة للحديث معها عن مَن تُحب.


صرخت بها فريدة:


سااارة! أقسم بالله هعملك بلوك. نخلَّص الأكل وبعدين نشوف الموضوع الثاني.


تأففت سارة، فهي مثلها لا تُحب المطبخ، لكن على الأقل تعلم أساسيات قد تُساعد. جرحت يدها عدة مرات بسبب السكين وظلَّت تبكي، وسارة تحاول تهدئتها.


وبعد الكثير من المحاولات والبكاء، قشَّرت حبات البطاطس بعد إهدار جزء كبير منها. لتقترح سارة أن تُنظفها جيدًا وتُطعمها للكلاب، فهم يُحبونها. وافقتها الرأي.


ثم انتقلت بعدها للدجاج، وكانت مهمة صعبة حقًّا. هي لم تمسَّ دجاجة من قبل؛ كانت رائحتها وملمسها غريبين عليها. لتقرر في النهاية شراء قفازات. وبالفعل، أتت لها زوجة الحارس بها، وبدأت بالتعامل.


انتقلت من مرحلة إلى أخرى، تكاد تبكي، وبعد ثلاث ساعات -ثلاث ساعات من الصراخ والبكاء في سارة- انتهت أخيرًا ووضعتها في الفرن، الذي واجهت أيضًا صعوبة في تشغيله.


وعندما سألتها عن الأرز، أخبرتها أن تُحضره قبل مجيء عمر ليكون ساخنًا.


تحدثت فريدة بضيق متسائلة:


هو أنا هعمل كده كل يوم؟


أكدت عليها الأخرى بابتسامة:


آه طبعًا، كمان في فطار وعشا.


وبَّختها الأخرى قائلة بإرهاق وهي تمسح وجهها:


انتي بتضحكي ليه؟ لا بجد الموضوع صعب، وكمان أنا محبتش التعامل مع الفراخ.


ردَّت سارة بهدوء:


معلش يا روحي، هي فترة وهتتعودي بإذن الله.


كانت سارة تُكمل حديثها ولم تنتبه إلى شرود فريدة. هي تُحب عمر، تُحب هذا المنزل، لكن هذا الموضوع صعب حقًّا، وهي تشعر بالتقصير والتعب.

❈-❈-❈

تحرَّكت فريدة في الشقَّة، وعلى أُذُنها الهاتف تُحادث سارة، وهي تكاد تصرخ بسببها. هم على هذا الوضع منذ ساعة، وهي تعبت حقًّا:


واللهِ أنا تعبت، يا سارة! هو ده كلام ناس عاقله؟ نعمل أكونت فيك إيه وندخل لمين؟


انتي واعية؟ انتي عايزة تعملي إيه؟ عايزة تدخلي تقولي له إيه؟ "بشوف رؤى وبدعي بقالي سنين بيك، وإنك هتكون زوجي، وأنا مؤمنة بربنا".


يا سِتِّي ونِعْم بالله، بس هو اللي بيحصل ده يرضي ربنا؟ ماشي، دخلتي وقلتي. مش هيصدَّق. انتي عارفة الشخص ده عنده كام متابعة بتحبه؟ كام واحدة دخلت تكلمه؟ تعرفي منين أصلاً إنه مش مرتبط؟ عادي جدًا، ممكن يكون بيحب ومش حابب يعلن.


تحدَّثت سارة ببكاء:


عشان خاطري يا فريدة، كلِّميه انتي طيب. ووعد أو قال مفيش نصيب، هصرف نظر، وعد.


يا الله يا ولي الصابرين، أقول طور؟


قالتها بنفاد صبر وتعب من تكرار الحديث لتُكمِل بعدها:


مينفعش يا سارة. واللهِ غلط اللي بيحصل ده. انسي الشخص ده. انتي مستنيَّة لما أبوكي يجبرك تتخطَّبي آخر ما يزهق؟ لا، مينفعش بجد. انتي محتاجة تعيدي حساباتك من أول وجديد.


سارة، صدقيني انتي أول حد هيتأذَّى من الوضع ده، وهتتعبي جدًا لو في يوم أعلن خبر ارتباطه أو جوازه. هتعملي إيه يا بنتي؟ ليه تعلِّقي نفسك بيه وهو مش عارفك أصلاً؟ كلامي جارح، بس انتي محتاجة تسمعيه وتفهمي إن ده غلط. فوقي لنفسك قبل ما يجي وقت وتندمي.


لو سمحتي، أنا فعلاً خايفة.


قالتها بخوفٍ صادق.

❈-❈-❈

انتفضت صفية على يد تحاوطها، ووجه ينكب عليها بقبلات سعيدة، وصوت افتقدته يردد بسعادة:


وحشتني، وحشتني أوي يا عمتو.


التفتت لها تحاوط وجهها بسعادة حقيقية، وهي تقول بشتياق:


وحشتني، وحشتني يا آسيا. كده تغيبي كل ده عن عمتو؟


أحاطتها الأخرى بسعادة، مجبرة إياها على التحرك معها وهي تثرثر بسعادة واشتياق، وافتقاد حقيقي.

آسيا ابنة أخيها الوحيد، هي لا تراها سوى ابنتها الثانية من شدة حبها لها. هي من أسمتها، وحملتها أول مرة ضامَّة إياها نحو صدرها. حينها، وقعت في غرامها.


مسَّت خصلاتها بسعادة قائلة بشتياق:


وحشتني يا روحي. يلا نروح البيت، خليتهم يجهزولك الأكل اللي بتحبيه. وكمان مدحت هيجي بدري اليوم في استقبالك.


قالتها وهي تسير معها نحو السيارة، وقبل أن يتحركوا، أجابتها الأخرى بنفي وإصرار:


لا، لا. أنا عايزة أعمل شوبينج في ستور افتتاحه اليوم. أنا ضبَّطت نزولي على اليوم ده مخصوص. بليز، بليز نروح يا صافي.


ضحكت صفية وهي تقرصها من وجنتيها وتقول بحنان:


مستحيل أرفضلك طلب.


وأكملت إلى السائق:


اطلع على هناك لو سمحت.


قالتها وهي تضمها لصدرها بشتياق حقيقي، لم تفعله مع ابنتها فريدة.

❈-❈-❈

ارتدت ملابسها وهي تحدث عمر في الهاتف قائلة بدلال:


يا حبيبي، معلش، بس محتاجة أجيب حاجات.


حاضر، هاخد بالي.


متخفش يا عمر، مش أول مرة أروح هناك لوحدي. بس هجيب حاجات وأرجع.


عارفة يا حبيبي، بس محتاجتها. المرة الجاية نروح سوا.


أوك، باي.


أغلقت معه، وحملت حقيبتها وغادرت لشراء ملابس تناسبها والعودة سريعًا.

❈-❈-❈

يجلس هكذا منذ نصف ساعة، صامتًا لا يستمع حتى. يضع ساقًا فوق الأخرى، يشرب قهوته التي طلبها متحديًا أبيه، ولِيَعترض! ها ليعترض، ليرحل مرحبًا بالشجار.

كان والده يناظره شزرًا لعدم مشاركته في الحوار.


حسنًا يا تميم، حسنًا.


نظرت له الفتاة التي تدعى مريم، وقالت محدثة إياه بابتسامة تسقط أقوى الرجال:


عامل إيه يا تميم؟


نظر لها لعدة ثوانٍ قبل أن يجيب بأدب مضطرًا:


الحمد لله.


وصمت، ليرميه والده بنظرات متوعدة.

لم يهتم بها، وقابلها بضحكة باردة، قبل أن يقول بهدوء وهو يمسك هاتفه ويقف معتذرًا بلباقة وأدب:


بعتذر منكم، مضطر أستأذن، عندي مكالمة مهمة للشغل.


خلص وكلمني يا بابا.


سلام عليكم.


وخرج من المقهي سريعًا تحت نظرات والده المحرجة.

لكنهم يستحقون. هو ليس بفتاة ليزوجوه بتلك الطريقة.


خرج يرفع الهاتف على أذنه، مقررًا توبيخ آلاء، تلك الحرباية الصغيرة هي السبب.


حسنًا يا آلاء، صبرًا.

❈-❈-❈

دلفت إلى المركز التجاري،

تتجول بهدوء، تحاول إيجاد الأقل سعرًا.

هي لا تريد شراء ما يفوق المتاح وتحميله فوق طاقتها، رغم كل شيء.

وفي نفس الوقت، هي لا ترتاح لتلك الملابس.

لا ترى نفسها فيها أبدًا.

حاولت، لكنها تشعر بالغرابة ولا ترتاح بالسير فيها.


تجولت قليلًا، تشاهد وتنتقي،

حتى وجدت أحدهم،

به ما تريد وأيضًا بسبب أنه يوم افتتاحه.

ورغم التزاحم الذي لا تفضله أبدًا،

لكنها دلفت.


وقبل أن تفعل أي شيء،

توقف كل شيء أمامها.

كان الوقت قد توقف،

ولا ترى سوى صورة واحدة فقط،

حيث هناك كانت أمها تقف، تضحك، وتضم آسيا، ابنة خالها، إلى صدرها.

تنتقي لها الثياب بحرص وحنان،

وحب واضح للجميع،

حيث يراهم الجميع كأم وابنتها.


تفعل مع آسيا ما لم تفعله يومًا معها.

تضحك وتضمها إلى صدرها،

تضمها بحب، فقدته هي

وتُحرم من أن تنعم بدفئه.

تساقطت دموع من عينيها،

دموع قهر وخذلان

ممن كان يجب أن تكون لها كل شيء.


من صدرٍ كان يجب أن يضمها هي،

من ابتسامةٍ كان يجب أن تخرج لها هي،

وأخيرًا...

كل هذا كان يجب أن تحظى به هي.


وماذا فعلوا؟

أخذوا حقها،

وأعطوه لمن لا حق لها فيهم.

ببساطة... حطموها.

❈-❈-❈

ظلت تنظر إليهم،

تراقبهم بعيون غائرة، تريد البكاء

والصراخ بهم: "هذا حقي!

مكاني!

أمي أنا!"

لكنها لم تتحرك،

لم تذهب مطالبة بحقها،

فهي لم تكن يومًا صاحبة حق،

بل لم تكن شيئًا،

ولا أي شيء.


التفتت بسرعة وهي تراهم يتحركون مغادرين،

لا تريد أن يروها،

ولا هي تريد.

تتحرك بخطوات سريعة،

جعلتها لا ترى القادم نحوها، منشغلًا هو الآخر،

حتى ارتطمت به بقوة.


اعتذرت له بحروف مختنقة،

ويد تمسح دموعها

وأسرعت بالعدو سريعًا،

شاعرةً بقلبها يحتضر،

ولم تلتفت لذاك الذي اعتذر لها هو الآخر.


ولوهلة، لا يعلم لما التفت ينظر لتلك الراكضة،

كأنه يعرفها.

كان هناك ما يجب أن يراه،

لكنه لم يرَ سوى ظهرها،

ومن ثيابها البسيطة الفضفاضة تيقن أنه لا يعرفها،

ليلتفت مكملًا طريقه بشعور غريب لا يعلم سببه،

وهو لا يعلم أن من تزور أحلامه كل ليلة،

متمنيًا لقاءها ولو ثانية،

ارتطمت به للتو.

❈-❈-❈

كان يسير يحادث حسام بذهن مشغول،

حتى ارتطم مرة أخرى بأحدهم،

جعله يستغفر ربه متأففًا من حاله،

وهو يرفع رأسه تلك المرة معتذرًا بأسف،

لكن توقف لسانه عن الحديث،

وهو يرى أمامه صفية، والدة فريدة،

تحتضن شابة جميلة تشبهها،

تنظر له بإعجاب لم يغفله عينيه.


يتبع...

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة عفاف شريف، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة