-->

رواية جديدة على سبيل الألم لرانيا ممدوح - الفصل 16 - السبت 18/1/2025

 

 قراءة رواية على سبيل الألم كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية على سبيل الألم 

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رانيا ممدوح 

الفصل السادس  عشر


تم النشر السبت

18/1/2025


استيقظت جليلة ببطء، ملامحها مرهقة وعيناها ثقيلتان. نظرت حولها بارتباك ثم قالت بصوت ضعيف:

"أنا فين؟... إيه اللي حصل؟"


اقترب منها سيف وهو ينظر إليها باهتمام:

"إنتِ في المستشفى، فقدتي الوعي فجأة. لسه محتاجين نطمن على حالتك."


وضعت جليلة يدها على جبينها وكأنها تحاول تذكر ما حدث، ثم همست:

"سبيل... هي فين؟ حصلها حاجة؟"


رد سيف مطمئنًا:

"سبيل كويسة، هي اللي جابتك هنا. بس أنا اللي عايز أفهم... إيه اللي حصل بالضبط يا جليلة؟"


ترددت للحظات قبل أن تقول بصوت مرتعش:

"مش فاكرة كل حاجة... كنت... كنت في أوضة، وكل حاجة اتلخبطت فجأة... حسيت إني مش قادرة أتنفس.. و كأني خرجت من البحر فجأة بعد عوم طويل"


نظر إليها سيف باهتمام وقال بهدوء:

"طيب ارتاحي دلوقتي، لو حابة تتكلمي عن اللي حصل بعدين، أنا موجود هأسمعك."


لم تجبه جليلة، فقط أغمضت عينيها ودمعة انحدرت على خدها وهي تتمتم بخفوت:

"شهيرة..."


دخل نادر فجأة إلى الغرفة وهو يحمل باقة من الزهور الجميلة بابتسامة على وجهه وقال مازحًا:

"إيه يا ست جليلة، بتدلعي؟ عايزة تعرفي قيمتك عندنا ولا إيه؟"


نظر سيف إلى نادر بدهشة وهو يدون ملاحظاته، ثم قرر أن يخرج بهدوء من الغرفة دون أن يقول كلمة واحدة. أغلقت جليلة عينيها لحظة، وكأنها تستعيد وعيها بالكامل.

❈-❈-❈

قالت جليلة بصوت منخفض، وكأنها تتحدث لنفسها:

"شوية تعب و إن شاء الله هكون بخير"


ابتسم نادر وهو يضع الزهور على الطاولة بجانب سرير جليلة وقال:

"إنتِ كويسة اهوه ، يا جليلة. هو اللي بيمرض بيكون حلو كده ."


نظرت جليلة إلى الزهور ببطء ثم قالت بهدوء محاولة تجاهل مدحه:

"ماكنش تتعب نفسك و تجيب الورد ده ."

ثم صمتت للحظة، وكأنها تفكر فيما يفكر فيه نادر.


نادر، وهو يحاول تخفيف الموقف، قال بابتسامة لطيفة:

"كلنا هنا جنبك. و الورد ده هدية بسيطة ليكي عشان كل ما تشوفيه تفتكريني."


لم ترد جليلة فقد فاجئها نادر بكلماته الغير مفهومة.

نظر نادر إلى جليلة بنظرة حانية وقال:

"محبش أشوفك ضعيفة يا جليلة، ياريت ترجعي في أقرب وقت. لازم تكوني قوية زي ما اتعودنا عليكي، مش بس عشان الشغل، لكن عشان نفسك كمان."


ثم أضاف وهو يبتسم:

"إحنا كلنا هنا، وهنساعدك تعدي الفترة دي. لازم ترجعي لنفسك وتبدأي صفحة جديدة لو الشغل بيأثر على أعصابك بلاها منه خالص أهم حاجة صحتك و راحتك و لا ايه ؟."


جليلة نظرت إليه بصمت، شعور غريب يملأ قلبها. كان هناك شيء في كلمات نادر يشعرها بالأمل، وإن كان قليلًا..لكنها كانت متحيرة من طريقة كلامه ماذا يريد يا ترى؟



ابتسم نادر  فجأة وقال بحماس:

"تعالي نقعد في الجنينة شوية في الهواء، هيفيدك وتاخدي نفس عميق. الجو هناك هيساعدك ترتاحي أكتر."


جليلة نظرتها كانت مليئة بالاهتمام، فأومأت برأسها بصمت. ربما كانت تلك اللحظة هي ما تحتاجها لتخفيف بعض من الضغط الذي كانت تشعر به.


جلسا في حديقة المستشفى، حيث كان الهواء العليل يلامس وجهيهما برفق. الأشجار من حولهما كانت تتمايل مع الرياح، مما أعطى المكان شعورًا من السكينة والهدوء.


نادر نظر إلى جليلة بحذر وقال:

"عارفة يا جليلة، في أوقات الواحد بيحتاج يهدأ شوية عشان يشوف الأمور بوضوح. مش لازم كل شيء يكون بسرعة، الحياة مش دايمًا عايزة الضغط والتوتر."


جليلة التزمت الصمت لفترة، ثم قالت بصوت منخفض:

"يمكن عندك حق. كل اللي مريت بيه في حياتي خلاني دايمًا في حالة من الصراع، مش قادرة أهدأ."


نادر ابتسم بهدوء وقال:

"الحياة مش معركة دايمًا. في حاجات تانية ممكن تلاقي فيها السلام و السكينة أهم حاجة تدوري عليها علشان تلاقيها."


جليلة نظرت إلى السماء، وكأنها تفكر في كلمات نادر.


قال نادر فجأة:

"جليلة، أنتي عارفة إن أنا عندي ستة وتلاتين سنة، وكنت مطلق قبل كده، وعندي تلت أطفال بس مع والدتهم، وأنا بشوفهم مرة كل إسبوع. متكفل بيهم وكمان عندي كافية كده داخل فيه شريك بيدخلي دخل كويس بجانب الوظيفة دي ."


قالت جليلة بتعجب: "بتقولي كده ليه؟"


قال نادر بحذر: "عارف إنك وحيدة و مامتك ماتت و أختك... وأنا كمان وحيد. ومن ساعة ما شوفتك حسيت إننا لايقين على بعض وبنفهم بعض. و بفكر نتجوز"


صمتت جليلة و كانت الصدمة تسيطر عليها .


قال نادر بابتسامة هادئة: "هسيبك تفكري في الموضوع كويس."



أخذ نادر نفسًا عميقًا ثم أضاف: "أنا مش مستعجل، كل شيء بياخد وقته. لو حسيتي إنك جاهزة للخطوة دي، هتلاقيني موجود. أنا هنا لو احتجتي حاجة."


ثم نظر إلى جليلة بحذر، متمنياً أن تكون قد فهمت ما يعنيه، قبل أن يعود إلى الجلوس على المقعد أمامها.


ثم ضحك نادر بصوت عالٍ وقال: "مالك مصدومة كده ليه؟"


لتضحك جليلة هي الأخرى، محاولًة إخفاء ارتباكها، ثم قالت بابتسامة خفيفة: "مفيش، بس كان الموضوع مفاجئ شوية."


قال نادر ضاحكًا: "وشك جاب ألوان يا جليلة."


لتضحك جليلة بهستيرية، محاولًة التخفيف من توتر الموقف.


قال نادر، وهو يبتسم: "أنا هكون سعيد لو وافقتي." ثم غادر المكان، تاركًا جليلة تتأمل في كلماته.


أخذت جليلة تفكر في كلمات نادر، شعرت بشيء من التردد. هي كانت وحيدة لفترة طويلة، وكل شيء حولها كان مليئًا بالفوضى والمشاعر المعقدة. فكرة أن تجد شخصًا يهتم بها بهذه الطريقة كانت تثير مشاعر متضاربة داخلها. كانت تشعر ببعض الراحة في وجوده، لكنه في نفس الوقت جعلها تفكر في نفسها وفي حياتها السابقة، في كل ما مرت به من ألم وعزلة.


جليلة كانت تشعر ببعض التناقضات في مشاعرها تجاه سيف. على الرغم من أن سيف كان دائمًا بجانبها في اللحظات الصعبة، إلا أنه بدا وكأنه يحافظ على مسافة بعيدة جدا بينهما . ربما كان مهتمًا بصحتها وعافيتها، لكنه لم يظهر أي علامات على أنه يشاركها مشاعر أعمق، مما جعل جليلة تشعر بالحيرة. كانت تتمنى أن يمد يده ليأخذها إلى مكان مختلف عن تلك اللحظات المليئة بالدموع والآلام، لكن سلوكه البارد جعلها تتساءل هل هو مجرد طبيب مهني؟ أم أن هناك شيئًا أكثر في قلبه ولكنه يخفيه؟


بينما كان نادر يظهر اهتمامًا مباشرًا بها، ويحاول أن يكون إلى جانبها عاطفيًا، كان سيف يظل بعيدًا في نواحٍ أخرى، مما جعل جليلة في حالة من التفكر العميق حول أي طريق يجب أن تختار.


❈-❈-❈

أرسل سيف الممرضة إلى جليلة لتخبرها بأن موعد الدواء قد حان، لكنها فوجئت بأنها  تتحدث مع نادر بود وابتسامة على وجهها، ما جعلها تشعر بالقلق من أنها قد تقاطع حديثهما. ففضلت الانسحاب بهدوء.


عادت الممرضة إلى سيف في غرفته.


سأل سيف بلهجة متعجلة: "جليلة فين ؟"


أجابتها الممرضة: "كانت في الجنينة قاعدة مع الاستاذ نادر و محبتش أزعجهم."


سيف بضيق " يا سلام و أنا يتعطل شغلي قلتلك مستني حاجة مهمة "



قالت الممرضة بنبرة هادئة: "أصل الأستاذ نادر كان بيعرض عليها الجواز."


سيف توقف للحظة، وكأن الكلمات تراجعت إلى ذهنه قبل أن يدرك تمامًا ما قالته.


سيف فكر للحظة، ثم قال بجدية: "الجواز؟" نظر إلى الممرضة وكرر السؤال، "عرض عليها الجواز؟"


الممرضة لم تستطع أن تخفي تعبير وجهها المتفاجئ، وأجابت: "أيوة، وكان واضح إنها متأثرة بالكلام."


سيف تنهد، مشاعر مختلطة كانت تدور في عقله. هو لم يتوقع أن يتدخل نادر في حياة جليلة بهذا الشكل. لكن في نفس الوقت، كان يشعر بشيء من التوتر. جليلة كانت قد تغيرت كثيرًا في الفترة الأخيرة، وهو لم يكن متأكدًا إذا كان بإمكانه أن يكون جزءً من حياتها الآن أم لا.


❈-❈-❈

دخلت جليلة الغرفة بخطوات هادئة، وعينيها متوهجتين فجأة و قطعت الحديث الذي كان يدور بين الطبيب سيف و الممرضة .


جليلة " أنا جاهزة للدواء"


طرقت ممرضة أخرى الباب وقالت: "دكتور سيف، أنا عايزة الحلاوة الجواب اللي حضرتك مستنيه وصل."


رد سيف بفرحة: "بجد؟!"


ثم أخذ الجواب بسرعة من يدها وفتحه لقراءته.


كان سيف سعيدًا للغاية وقال: "مش بس الحلاوة ليكي، وزعي حاجة ساقعة على كل زمايلنا."


قال سيف بحماس: "أصل أنا كنت مقدم على شغل في لندن و كمان هأكمل دراسة هناك، والنهاردة اتقبلت، وقدامي أسبوع وأسافر."

❈-❈-❈

شعرت جليلة بالحزن العميق، ولم تستطع إخفاء الشعور الذي تملّك قلبها. كان سيف بالنسبة لها شخصًا مهمًا، رغم أنه لم يظهر أي اهتمام بها طوال الوقت. فكرت في مدى قسوته تجاهها، ولكنها كانت تشعر بشيء لا يمكنها تفسيره، كان يقترب منها في لحظات وتبتعد عنه في أخرى، حتى جاء هذا الخبر عن سفره.

❈-❈-❈

اقتربت جليلة من ملابسها الرسمية وهي تفكر في اليوم التالي، كان قرار العودة إلى العمل حتميًا. لم يعد هناك أي داعي للبقاء في المستشفى، خصوصًا بعد أن تحسنت حالتها. لكنها كانت تشعر بشيء غريب في قلبها، خليط من الحزن والفراغ، ربما لأنها كانت تود لو أن سيف بقي هنا. رغم ذلك، كان عليها أن تواصل حياتها. غسلت وجهها وبدأت في ارتداء ملابسها، تحاول إخفاء مشاعرها في أعماقها، وتستعد لتواجه عالمها الخارجي من جديد.


❈-❈-❈

عندما استدعت جليلة سبيل إلى مكتبها، كانت هناك حاجة لمناقشة أمر هام. دخلت سبيل إلى المكتب بتردد، كانت تشعر بشيء غير مألوف في الجو. جليلة التي عادة ما تكون صارمة، كانت اليوم تبدو أقل قسوة، شيء في عينيها دل على أنها تمر بفترة صعبة. جلست سبيل على المقعد المقابل لجليلة التي تحدثت أخيرًا.


قالت جليلة بصوت هادئ: "أنا عايزة أشكرك يا سبيل على كل حاجة، بجد. كنتِ دايمًا معايا في أصعب اللحظات، وقدرتك على الصبر والتفاهم كانت فوق الوصف. أنا مقدرة لكِ جدًا."


سبيل، اللي كانت متفاجئة من كلام جليلة، ردت بلطف: "أنا بس كنت بحاول أكون جنبك زي ما كنتِ دايمًا و زي ما علمني والدي إني أقدر اللي قدامي."


جليلة ابتسمت بحزن وقالت: "إنتِ أكتر من سجينة في السجن، إنتِ شخصية جميلة جدا ،ومش عارفة أقولك شكراً إزاي."


قالت سبيل بلطف" مفيش داعي لشكري يا جليلة "


قالت جليلة بصوت هادئ: "تقدري تروحي مكانك، شكرًا مرة تانية على كل حاجة عملتيها."

❈-❈-❈

بعد أن نوى سيف السفر للخارج، لم يعد أمام جليلة خيار سوى نادر. بدأت تفكر بجدية في الزواج منه وترك هذا العمل، شعرت أن الوقت قد حان لتغيير حياتها بالكامل.


دخل سيف مكتب جليلة وقال لها: "ليه سيبتي المستشفى قبل ما تخلصي علاجك؟"


قالت جليلة بهدوء: "أنا بقيت كويسة يا دكتور سيف."


قال سيف بقلق: "مالك يا جليلة؟ مش متعود عليكي كده.. ليه بقيتي كده نبرة صوتك ضعيفة"


ردت جليلة بهدوء: "أنا خلاص بقيت كويسة، مفيش حاجة تستحق البقاء في المستشفى، ممكن أرجع شغلي."


أجاب سيف بتردد: "لكن مش كده، لازم تكملي علاجك الأول بشكل كامل، مش لازم تتعجلي."


لكن جليلة نظرت له بعينين ثابتتين وقالت: "أنا حاسة أني خلاص بقيت كويسة، مش محتاجة أكمل في حاجة شايفة أنها مالهاش لازمة ."


سيف ظل صامتا لحظة، ثم قال: "إذا كنتِ متأكدة، أنا مش هقدر أقول لكِ حاجة، لكن خلي بالك من صحتك." ..  "بس الشغل هيتعب صحتك أكتر."


ردت جليلة: "هسيب الشغل خلاص."


قال سيف بدهشة: "هتسيبي الشغل؟ ليه؟"


ردت جليلة بابتسامة حزينة: "أعتقد إنه الوقت  ده مناسب للتغيير. محتاجة راحة، ولأني مش هقدر أكمل هنا، هبدأ حاجة جديدة."


سيف نظر إليها بتمعن وقال: "أنا عارف إنك مش من النوع اللي يتهرب من المسئوليات، لكني مش متأكد إنك مستعدة للقرار ده."


تنهدت جليلة وقالت بهدوء: "أعتقد إن الراحة النفسية أهم من أي شغل، حتى لو كان شيء عزيز عليا."


قال سيف بتساؤل: "أنتي وافقتي على الجواز من الأستاذ نادر؟"


ردت جليلة بهدوء: "لا لسه بفكر."


ردت جليلة بتعجب: "بس أنت عرفت منين؟"


أجاب سيف وهو ينظر إليها بجدية: "سمعت عن الموضوع من الممرضة، بس مش مهم. المهم إنك تكوني كويسة وتقرري اللي يناسبك."


جليلة نظرت إليه بتركيز، ثم قالت بصوت هادئ: "أنا لازم آخذ وقتي في التفكير."


قال سيف: "امبارح كنتي منهارة وأول مرة أشوفك كده."


قالت جليلة: "وده يهمك؟"


قال سيف بتردد: "أيوة يهمني، لأنك شخص مهم بالنسبة لي، وبصراحة... كنت حاسس إن في حاجة مش مظبوطة معاكي."


جليلة نظرت له قليلاً ثم قالت: "أنا مش عايزة تشيل همي، ومش عايزة أي حد يشفق عليا."


سيف أبتسم بحذر وقال: "مش مسألة شفقة، بس أنا فعلاً مهتم بيك يا جليلة. مش قادر أشوفك بتعاني وأنتِ بتتحملي كل ده لوحدك."


جليلة تنهدت، ثم قالت بصوت منخفض: "أنا مش عايزة حداً يشيل همي، أنا بس... مش قادرة أواجه الحياة لوحدي."


سيف نظر إليها بعينيه بعمق وقال: "لو قررتي تكملي لوحدك، أنا هنا، ولو محتاجة مساعدة أو دعم، هكون جنبك."


صمتت جليلة للحظة، ثم قالت بابتسامة خفيفة: "محتاجة وقت... لكن شكراً ليك، يا دكتور سيف."



قالت جليلة بحزن: "أنا عارفة إنك شايفني مجرد مشرفة في السجن، ماليش قيمة، ومن عيلة عادية."


سيف نظر إليها بتعجب وقال: "إزاي بتفكري كده؟ أنتِ مش مجرد مشرفة، أنتِ إنسانة قوية وعندك قيمة كبيرة. مش كل حاجة بتتعلق بالعمل أو الأصل."


جليلة هزت رأسها وقالت بحزن: "لكن ده الواقع، كل الناس شايفيني كده. أنا مش زيهم، مش زي الناس اللي عندهم فرص وحياة أفضل."


سيف ابتسم قليلاً وقال: "الواقع مش هو اللي بيحدد قيمتنا، ده بس جزء من القصة. القيمة الحقيقية بتيجي من اللي جواك، من الشخص اللي أنتِ عليه مش من وظيفتك أو عيلتك."


جليلة نظرت إليه بدهشة، ثم قالت بصوت منخفض: "ممكن تكون معاك حق، بس ده مش سهل بالنسبة لي."


سيف رد بلطف: "أنا فاهم. كل شيء بيحتاج وقت، لكن مفيش حاجة مستحيلة."


قالت جليلة بحزن: "ده كلام بتصبر بيه الناس اللي زيي وعلى قدهم."


قال سيف بصدق: "و أنا إيه يا جليلة؟ شايفاني ابن وزير ولا ابن سفير؟ أنا مجرد شخص عادي، الحياة أعطتني فرصة أبقى دكتور. لكن أصلاً اتربيت في ملجأ، وماليش أهل ولا عيلة ولا حتى صحاب. كنت بعتبر اللي في السجن هنا هم عيلتي وأهلي وأصحابي، علشان كده كنت بساعد الكل كأني أخ أو صديق."


قال سيف بصوت منخفض: "رغم تفوقي في دراستي، هفضل ابن الملجأ، مش هقدر أهرب من الحقيقة دي. حياتي بدأت من هناك، واللي حصل في الماضي بيفضل موجود في قلبي وعقلي، مهما حاولت أغيره."


قال سيف بنبرة حزينة: "على الأقل إنتِ عندك أهل، تعرفي مين أمك ومين أبوكي، لكن أنا معرفش أهلي مين، ممكن أكون ابن غير شرعي كمان. عمري ما حسيت بالانتماء لحد، واللي في حياتي كان مجرد شفقة من الناس."


 

قال سيف بنبرة يملؤها الألم: "حتى لو اتقدمت لأي واحدة، أول سؤال هيتسأل هو: أهلك مين؟ وأنا ما عنديش جواب للسؤال ده. مهما حاولت أحقق نفسي وأثبت وجودي، هفضل دايمًا في نظرهم مجرد شخص ما عندوش أصل وعيلة."

❈-❈-❈

قالت جليلة بصدق، وهي تنظر إلى سيف: "أنت في عيني أحسن الناس، ما يهمنيش مين أنت أو منين جاي. اللي يهمني هو شخصك، وده اللي بيشرفني."


قالت جليلة بابتسامة هادئة: "أنت قدرت تثبت أخلاقك مع المرضى وعطفك عليهم وروحك الحلوة. ده أكتر حاجة تعجبني فيك، مش مجرد شغلك، لكن كمان شخصيتك اللي بتبقى دايمًا في صف الناس."


قالت جليلة بحنان: "وأكيد سبيل بتحبك زي ما بتحبها، ومش هيفرق معاها إذا كنت من عيلة ولا لأ. المهم  إنتو مع بعض، بتدعموا بعض وبتشوفوا بعض بأفضل صورة."


ضحك سيف رغم ألمه وقال: "سبيل؟ مين اللي بحبها ؟ دي طفلة يا جليلة، بعتني بيها زي أي واحدة هنا."  "أنتي فكرتي إني بحبها؟ آه، علشان كده؟"


قالت جليلة دون النظر إليه " علشان كده ايه ؟"


سيف استمر: "علشان كده بتشكي فينا؟ أنا لو بحبها كنت اتصرفت بطريقة تانية، بس أنا معاها عشان أساعدها مش أكتر... علشان كده كنتي عنيفة معاها. هو انتي بتحبيني يا جليلة؟"


قالت جليلة، "هيفيد بإيه؟ ده أنت هتسافر، مش هنبقى مع بعض في النهاية."


سيف نظر إليها مباشرة وقال بهدوء: "يعني بتحبيني و لا لأ؟"


"ليه بتسأل دلوقتي ؟"


رد سيف بصوت هادئ: "علشان أنا مش قادر أعيش في شكوك، وعلشان حاسس إننا مابقيناش بعيد عن بعض زي الأول."


 قالت جليلة بغضب: "أنت عايز تعرف حبي وبعد كده تجرحني وتحسسني إني أقل منك وتدوس عليا. علشان كده، مش هقبل إنك تعمل فيا كده."


رد سيف بدهشة: "مستحيل أعمل كده، ماكنتش أقصد أجرحك، أنا بس عايز أفهم مشاعرك علشان نبقى واضحين مع بعض."


قال سيف بإصرار: "ردي علشان ألحق أمشي في الإجراءات اللازمة لسفرك معايا."


ابتسمت جليلة بلهفة وقالت: "بجد يا سيف قصدي يا دكتور سيف؟"


قال سيف بإصرار: "هتيجي معايا و لا لأ؟"


قالت جليلة بابتسامة: "اه هاجي معاك".


رد سيف: "بس خلي بالك مش هنرجع مصر تاني".

قالت جليلة بحنان :

"ماليش حد غيرك، مكاني مكانك"، قالتها جليلة بصوت هادئ، "حتى لو الدنيا كلها اتغيرت، حتى لو سافرت لآخر الدنيا، مش هيفرق في النهاية، لأنك انت اللي بتعنيلي كل حاجة".


قالت جليلة بابتسامة خفيفة: "هكون سند ليك، وهتكون سند ليا، مهما كانت التحديات اللي هتواجهنا. مع بعض هنقدر نواجه كل حاجة".


قالت جليلة بحزم: "هتكون عيلتي، وهكون عيلتك، مهما كانت المسافات أو الظروف. هنمشي مع بعض في طريقنا مهما كان صعب."



قال سيف معبرًا عن امتنانه: "شكرا يا جليلة إنك قبلتي بواحد مجهول النسب زيي."



قالت جليلة بابتسامة: "أنا اللي شكرا على قبولك بيا رغم كل اللي عملته قدامك."


قال سيف بدهشة: "معقول هتقدري تسيبي شغلك هنا عشاني؟"


أجابت جليلة بحنان: "ده أنا أسيب حياتي كلها عشانك يا سيف، المهم إني أكون جمبك وتحت جناحك وأدوق من عطفك ورحمتك وأشبع من كلامك وحنيتك وملامحك."

❈-❈-❈

قدمت جليلة استقالتها من عملها في المستشفى، واعتذرت من نادر بحرارة، متمنية له حياة سعيدة مع غيرها. ثم توجهت إلى سبيل، التي كانت السبب في تغيير حياتها، واحتضنتها بقوة، شاكرة إياها على ما فعلته معها. كما أحضرت هدايا للجميع كإعتذار عما بدر منها في الماضي.


تركت المنصب لنهى، التي كانت تعلم أنها ستبذل جهدها في التعامل برحمة مع السجينات وتقديم الدعم اللازم لهن. وبعد أن تزوجت من سيف، قررت أن تترك الماضي وراءها وتبدأ مع زوجها حياة جديدة في لندن، حيث كانت بداية جديدة خالية من المعاناة.


بدأ كل منهما حياة جديدة مليئة بالأمل والتفاؤل، وكان كل واحد منهما درعًا للآخر، يحميه من قسوة الحياة وأي صعوبات قد تواجههم.


يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا ممدوح، لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة