-->

رواية جديدة على سبيل الألم لرانيا ممدوح - الفصل 10 - الثلاثاء 7/1/2025

 

 قراءة رواية على سبيل الألم كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية على سبيل الألم 

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رانيا ممدوح 

الفصل العاشر


تم النشر الثلاثاء

7/1/2025


سلوى نظرت إلى شوقي بقلق شديد، وقالت بصوت منخفض: "يعني إيه يا شوقي؟

 إزاي تاخد ميراث بنت أخوك؟ دا مش صح. دي حاجة تخصها هي، حتى لو هي غلطت ، و أنا واثقة من براءتها."


شوقي، وهو يحاول التبرير: "إيه اللي مش صح؟ القانون بيقول إن القاتل ما يورثش، واللي حصل حصل. هي مش هتاخد حاجة بعد اللي عملته."


سلوى، بنبرة مترددة: "لكن برضو،  كان واجب عليك تسيب لها حاجة، يعني مش دا حقها، مهما حصل؟"


شوقي، وهو يتنفس بعمق: "لا يا سلوى، مش هسيب لها حاجة. أنا عشت طول عمري في فقر، والفرصة دي مش هضيعها. مفيش حاجة هتيجي بسهولة كده تاني، و ده اخويا و دي فلوسه أنا أولى بيها ،و لازم اخد كل حاجة من غير ما أفكر."


سلوى، بعينين مليئتين بالشك، ردت: "لكن الناس هتتكلم. هيفكروا فيك إنك استغليت الموقف، وهتكون سمعتك وحشة."


شوقي، وهو يلوح بيده بتعجرف: "خليهم يتكلموا. أنا مش هقدر أعيش طول عمري في الفقر علشان تبصلي بنظرة أحترام كان عملولي ايه الناس . دلوقتي عندي فرصة، وأنا هستغلها."


سلوى، بصوت أضعف: "لكن ده مالها، هتكون هي الخسرانة في النهاية، مش أنت. متفكرش بس في نفسك. دي بنت يتيمة و منكسرة و مالهاش حد غيرنا دلوقتي"


شوقي، وهو يبتسم ابتسامة قاسية: "أنا مش مهتم. دي قتلت أخويا ، تحمد ربنا إني سيبتها عايشة."


سلوى، بعيون مليئة بالحيرة: " خلاص خلينا نشوف البيت الجديد ."


❈-❈-❈

دخلا شوقي و سلوى منزل عبدالله الوكيل الذي كان على طراز حديث ، يقع في حي هادئ وراقي. كان مكونًا من طابقين، مع حديقة صغيرة أمامه تحتوي على أشجار خضراء وزهور ملونة، تعكس الرغبة في الاهتمام بكل تفصيل من تفاصيله. المنزل كان حديثًا جدًا، بأسلوب معماري عصري، مع نوافذ كبيرة تسمح بدخول الضوء الطبيعي وتمنح المكان إحساسًا بالرحابة.


سلوى كانت تنظر حولها بانبهار، ثم قالت: "البيت ده شكله جميل جدًا، يعني واضح إنه معمول بكل اهتمام.. مش مصدقة أننا هنسكن هنا "


شوقي، وهو يمشي في الداخل بثقة: "آه، ده بيت جديد وكل حاجة فيه على أعلى مستوى. من النهاردة بقى ملكي."


دخلاا الصالة الواسعة التي كانت مفروشة بأثاث عصري أنيق، وأضاءتها الأضواء الخافتة التي منحت المكان جوًا دافئًا. الأثاث كان حديثًا جدًا، مع طابع بسيط لكنه فاخر في نفس الوقت.


سلوى، وهي تتفحص المكان: "يعني بقت كل حاجة هنا ليك؟ مش خايف حد يجي يطالب بحاجة؟"


شوقي ابتسم بثقة وقال: "أوراقي كلها تمام، ولا حد هيقدر ييجي هنا. البيت ده دلوقتي ملكي."


ولكن سلوى كانت ما تزال تشعر ببعض القلق، فالأمور لم تكن كما بدا عليها من أول وهلة.



شوقي بطمع : "البيت ملك سبيل، بس مش مشكلة. إحنا ممكن نقعد فيه على ما تخرج من السجن. هي خلاص ضاعت، والميراث كله بقى بتاعي."


سلوى، التي كانت تشعر ببعض التردد: "بس يعني مش خايف من المشاكل؟ ده البيت ملكها، وهي لو خرجت هتقدر ترجع تأخذ حقها بكل سهولة."


شوقي: "إيه يعني؟ هي في السجن، والميراث كله دلوقتي بقى ليا. هتخرج بعد سنين، والمكان ده هيفضل بتاعي حتى بعد ما تخرج و تبقى توريني هتاخده إزاي ."


سلوى: "لكن في القانون ممكن يحصل مشاكل. ده مش بيلزمك بحقها؟"


شوقي، وهو يحاول تهدئة سلوى: "مافيش حاجة هتوقفني. الورق كله في إيدي ، وبيت أخويا ده بقى ليا دلوقتي."


ابتسم شوقي وهو ينظر حوله بفخر، بينما كانت سلوى تشعر بشيء من القلق تجاه ما يحدث، لكن كان من الواضح أن شوقي قد اتخذ قراره، واعتبر أن كل شيء قد تم لصالحه.


❈-❈-❈


استفاقت سبيل على صوت مزعج ومقرف. كان الصوت يأتي من مشرفة السجن، جليلة، التي كانت توقظ السجينات في ساعات الفجر الأولى. كان صوتها خشنًا وقاسيًا، وكأنها لم تألف الرحمة يومًا.


جليلة: "يلا يا بنات، قوموا بسرعة ،مفيش وقت للراحة، لو مش قادرين تتحملوا، فاحنا  هنا في سجن مش منتجع"


رفعت سبيل رأسها بصعوبة، حيث كانت آثار الضرب والإرهاق قد تركت عليها علامات واضحة. حاولت أن تتماسك رغم الألم الذي يشعر به جسدها، لكنها كانت تدرك أنه لا مجال للاستسلام هنا .


جليلة استمرت في التوبيخ: "إيه ده؟ فين النشاط؟ قوموا بسرعة يلااا،  كل واحدة ليها شغلها، وأنتو مش هتعيشوا هنا بكسل طول ما أنا موجودة "


كانت جليلة تمشي بين السجينات وكأنها تسحبهن بالقوة من السرير، تقفز فوق أي نوع من الأعذار أو الشكاوى. لم يكن هناك مجال للرحمة في هذا المكان، كان فقط من يمتلك القوة ينجو.



كانت سبيل تعاني من بعض الكدمات التي تركتها ضربات الأمس على جسدها. كانت تشعر بألم شديد في كل مكان، من ذراعيها إلى ساقيها، لكن الألم في قلبها كان أشد. شعرت بتيارات من التعب والمرارة تتسلل إلى روحها، لكنها حاولت إخفاء كل ذلك وراء نظرة باردة، كما لو كانت لا تهتم بما يحدث لها.


بينما كانت جليلة تواصل في تعليم السجينات قواعد السجن، نظرت سبيل إلى الجدران المحيطة بها، التي بدت وكأنها ستخنقها. لكنها كانت تدرك أن الاستسلام هو آخر شيء يمكنها فعله الآن. مهما كان الألم، يجب عليها أن تجد طريقة للبقاء على قيد الحياة في هذا المكان الخالي من الرحمة و كل سبل الأمان.


جليلة نظرت إلى سبيل نظرة قاسية، وكأنها لاحظت ملامح التعب على وجهها، وقالت بتهكم: "إيه ده؟ مش قادرة؟ دي بس البداية يا حلوة، لسه في كتير."


لم ترد سبيل، بل اكتفت بالنظر إليها بعينين باردتين، وكأنها تقول: "مش هتكسريني، حتى لو كسرتوا جسمي."


قالت جليلة بلهجة قاسية: "يلا، ورانا شغل كتير، جهزوا نفسكم بسرعة." ثم بدأت تراقب السجينات بحذر، مؤكدة أن اليوم سيكون مثل كل يوم، لا مجال للراحة أو الاعتراض.


❈-❈-❈

وقفت السجينات مصطفات أمام جليلة، وكل واحدة منهن عيونها مليئة بالتحدي أو الاستسلام. جليلة نظرت إليهن ببرود، ثم بدأت توجيه الأوامر:


"أنتِ هناك، نضفي الزنزانة. إنتِ وراها، هاتي الميا. وأنتم، خلوا بالكم من كل حاجة، مش عايزة أي فوضى."


كانت الأوامر صارمة، والكلمات تقطر قسوة، وكل سجينة كانت تعرف تمامًا أن أي خطأ سيكلفها المزيد من الألم والذل.


أمرت جليلة سبيل بالتوجه إلى المراحيض لتنظيفها، وهي تعلم أن هذه المهمة ستكون مهينة للغاية. قالت جليلة بنبرة قاسية و هي تنظر إلى سبيل:


"إنتِ، تعالي هنا روحي نضفي الحمامات، مفيش خليه أنضف من وشك ."


سبيل لم تنطق بكلمة، لكنها شعرت بالقهر، لكن في نفس الوقت، كان لديها إصرار على أن تبقى قوية رغم كل ما يحدث. بدأت تمشي نحو المراحيض وهي تدير وجهها عن الجميع، وكل خطوة كانت مليئة بالاحتقار لما وصل إليه حالها.



بدأت السجينات في التحرك بسرعة لتنفيذ أوامر جليلة. كانت بعضهن مشغولات بتنظيف الزنزانة بينما كانت أخريات منشغلات بتوزيع المهام على باقي السجينات. كانت جليلة تراقبهن بنظرات حادة، وكأنها تراقب كل حركة، أي تقاعس كان سيكلفهن المزيد من العقوبات.


كانت جليلة تراقب سبيل عن كثب أثناء قيامها بتنظيف المراحيض، وكلما لاحظت تراجعًا أو إهمالًا في العمل، كانت تتقدم منها وتبدأ في توجيه الكلمات اللاذعة. اقتربت منها فجأة، وعينها تلمع بحدة، وقالت:


"إيه يا سبيل؟ فاكرة نفسك هنا هتكوني إيه ملكة و لا أميرة متوجة ؟ عايزة تفضلِي تهربي من الشغل كده طول الوقت؟ شوفتي الدنيا دي، الدنيا مش سهلة للي زيك، اللي زيك لازم يشتغلوا عشان يبقوا قدها."


حاولت سبيل أن تتجاهل كلماتها الجارحة، ولكن جليلة لم تتركها، كانت تتابعها عن كثب وكأنها تستمتع بمشاهدتها تتألم. قالت بصوت أعلى، محاولة الضغط عليها أكثر:


"إنتي مش قدّ الوقوف قدامي، إنتي مجرد سجينة هنا زي أي واحدة تانية. هتفضلي تنضفي في الحمامات والزنزانات لحد ما تتعلمي إنك ما لكِيش قيمة غير لو عرفتِ تتعاملي مع أسيادك. ولا يهمني إنك كنتِ في يوم من الأيام بنت العز ، هنا مفيش مكان للعند."


تنفست سبيل بصعوبة، حاولت أن تتحكم في نفسها، لكنها كانت تشعر بغضب يكاد يشتعل في صدرها. كانت تدرك جيدًا أن جليلة تسعى لأن تهينها وتقلل من كرامتها، لكنها لم ترغب في إظهار ضعفها.


ردت سبيل بصوت منخفض، ولكن كلماتها كانت تحمل تحديًا قويًا:

"أنا مش زي ما إنتي فاكرة، مش هتكسر بسهولة زي ما إنتي عايزة. مفيش حاجة هتوقفني حتى اللي بعمله ده ."


جليلة ابتسمت ابتسامة ساخرة، وقالت بصوت غليظ:

" كله كلام في الهوا. خليني أشوفك بعد شوية، هتعرفي الحقيقة."


ثم ابتعدت قليلاً، لكنها تركت كلماتها تتردد في الأجواء، وكأنها تقصد أن تجعل سبيل تستسلم. ولكن سبيل لم ترد، بل تابعت عملها، عازمة على ألا تسمح لجليلة أو لأي شخص آخر بأن يهزمها.


❈-❈-❈

في صباح اليوم التالي، دخل الطبيب سيف إلى الزنزانة حيث كانت الفتيات يتجمعن، وكان معروفًا بين الجميع بأنه المسؤول عن متابعة الحالة الصحية للسجناء في المكان. سيف كان يعمل بمهنية عالية، لكنه كان يواجه تحديات كبيرة بسبب البيئة القاسية التي كان يتعامل معها.


دائمًا ما كان يأتي يومين بالتبادل بين مكان الأحداث للذكور ومكان السجينات من الفتيات. اليوم كان موعده مع الفتيات، وكان يبدو قلقًا بعض الشيء وهو يلاحظ حالة الفتيات اللاتي لا يزلن يعانين من آثار ما تعرضن له.


عندما دخل، نظر حوله بسرعة، ثم توجه مباشرة إلى حيث كانت سبيل تقوم بترتيب المكان بعد يوم طويل من الأعمال الشاقة. نظر إليها بحذر، لاحظ الكدمات التي كانت تزين وجهها وأيديها.


سيف، وهو يقترب منها، قال بصوت هادئ:

"انتي أسمك ايه ؟"

"سبيل"

" أنتِ كويسة ؟ فيكِ كدمات واضحة. لازم تفحصيها."


سبيل، التي كانت تحاول تجاهل الألم، ردت بصوت خافت:

"مفيش حاجة، يا دكتور. ممكن تتابع الباقي ."


لكن سيف لم يتركها، بل اقترب أكثر وقال:

"ماينفعش تتجاهلي حالتكِ، الكدمات دي مش هتروح لوحدها. ولازم أتأكد إنكِ بخير عشان ما تزيديش تعب."


حاولت سبيل أن تقاوم، لكن الألم كان أكبر من أن تتجاهله. شعرت بالحرج والضعف، لكنها تذكرت أنها تحتاج إلى العناية حتى لو كانت الظروف صعبة. تنهدت وأومأت برأسها، وقالت:

"تمام."


بدأ سيف بفحص الكدمات على جسدها بعناية، ثم قال:

"العلامات دي مش بسيطة، ولازم تريحِي شوية، ولو استمر الألم، هنحتاج نعمل فحص أدق، خدي الدواء كل يوم قبل ما تنامي ."


نظرت إليه سبيل بإهتمام، وقالت بصوت منخفض:

"شكراً يا دكتور. بس لازم أخلص شغلي هنا."


سيف تنهد، ثم أشار إلى باقي السجينات:

"خلي بالكوا من بعض. لو في حد محتاج مساعدة، قولولي. صحياً، لازم نكون جاهزين في أي وقت."


ثم أضاف وهو يتوجه إلى الباب:

"وإنتِ، يا سبيل، خلي بالك من نفسك. لو حسيتِ إنك مش قادرة تستحملي الألم، لازم تبلغيني."


ثم خرج الطبيب سيف، تاركًا سبيل في حالة من التفكير، بين الألم والصمود، وبين حاجتها إلى الراحة وبين رغبتها في التحدي.



بينما كان الطبيب سيف يخرج من الزنزانة، كانت جليلة تراقب الموقف من بعيد. كانت تقف في الظل، وعيناها تتابع كل حركة بين سبيل والطبيب. لم تكن جليلة تحب أن ترى أي نوع من الاهتمام يُمنح لأي سجينة، خاصةً إذا كان يتعلق بسجينة جديدة مثل سبيل. شعرت بشيء من الغيرة يغلي في صدرها، وهي ترى الطبيب يعامل سبيل بلطف، وكأنها تستحق العناية.


جليلة كانت معتادة على السيطرة على الوضع داخل الزنزانة، لا تحب أن يتدخل أحد في أمورها أو في علاقتها مع السجينات. لكن ما حدث اليوم لم يكن مألوفًا لها، حيث كانت ترى سيف يولي اهتمامًا خاصًا بسبيل، مما جعل مشاعر الغيرة تتسلل إليها.


اقتربت جليلة من سبيل بعد أن خرج الطبيب، وقالت بصوت منخفض وحاد:

"إنتِ فاكرة نفسكِ مين عشان الطبيب يبص ليكي بالطريقة دي؟ مش كفاية اللي عملتيه قبل كده؟"


نظرت سبيل إلى جليلة بحذر، رغم شعورها بالضعف بسبب الكدمات التي كانت تؤلمها، إلا أنها لم تجب على استفزاز جليلة. كانت تعلم أن أي رد قد يزيد من عداوتها لها.


جليلة أكملت، وهي تنظر إليها بعيون مليئة بالكراهية:

"أنا هقولك حاجة، اللي زيك لازم يتعلم الأدب، ومش هتكوني أفضل من أي حد مهما حصل. أنتي زي أي واحدة تانية، وأنتِ مش هتخرجي من هنا بسهولة."


سبيل، التي كانت تحاول أن تبقى هادئة، ردت أخيرًا، بصوت خافت:

"أنا مش عايزة مشاكل. أنا بس عايزة أخلص من هنا"


جليلة ابتسمت ابتسامة ساخرة وقالت:

"لو كنتِ عايزة تخلصي، خلي بالك من نفسك. الدنيا هنا مش سهلة، لازم تعرفي ده"


ثم ابتعدت جليلة، تاركة سبيل في صمتها. كانت جليلة مشاعر الغيرة تغلي داخلها لأنها تحب الطبيب سيف، لكنها كانت تعرف أن هناك معركة أكبر تنتظرها.


جلست جليلة في غرفة الاستراحة مع زميلتها شهيرة، وأشعلت سيجارة بينما كانت عيونها غارقة في التفكير. كان وجهها مليئًا بالغيظ، وعيناها تلمعان بغضب. شهيرة، التي كانت جالسة بجانبها، لاحظت انزعاجها فقالت بنبرة تهكمية:

 "إيه اللي حصل؟ شايفة سيف ده بيمشي مع مين؟ دلوقتي بقى يهتم بسبيل؟ مش كنتي شايفة إنها مجرد واحدة جديدة؟"


جليلة رمقتها بنظرة غاضبة، ثم هزت رأسها بقوة:

"دي مش مجرد واحدة جديدة. ده الكل بيشوفها كأنها ملاك أو حاجة محصلتش. سيف ده مش فاهم حاجة. ده زي أي واحد يجي هنا ويشوف واحدة جديدة، يروح يعمل نفسه مهتم بيها عشان يتعاطف معاها. فاكر نفسه عامل معروف معاها؟"


شهيرة: "وأنتِ مالك؟ مش المفروض تكوني أنتِ المسيطرة هنا و لا هتسبيها تاخده منك دي مش صغيرة دي عندها ١٦ سنة و أنتي مش كبيرة عندك ٢٢ سنة؟"


جليلة: "وأنا كمان مش فاهمة. أنا اللي هنا معروفة و اسمي كل الناس بتردده و المديرين بيحترموني، وليه بعد كل ده سيف يهتم بيها هي؟  عمره ما كان كده 

أنا مش عايزة حد ياخده مني، ولا يعامل أي واحدة وكأنها شيء مهم."


شهيرة ضحكت ضحكة خفيفة وقالت:

"أنتِ عارفة إنك لو سكتي قولي على سيف مع السلامة و البت المسهوكة دي هتاخده منك، بس برضو كل حاجة هتبقى زي ما هي، مش لازم تعملي كل ده. خليكي هادية شويه في تصرفاتك قدامه علشان سيف مش يكرهك."


لكن جليلة كانت غاضبة جدًا ولم تهتم بما قالته شهيرة. كانت تلعن تلك اللحظة التي رأت فيها سيف يتعامل مع سبيل بلطف، وكأنها شيء مميز. قالت بصوت منخفض ولكن بلهجة حادة:

"أنا مش هسمح لحد ياخده مني. سيف لو فكر يقرب منها تاني، هوريه مين جليلة."


شهيرة لم تعلق أكثر، فبالرغم من معرفة الجميع بأن جليلة كانت الأقوى في الزنزانة، إلا أن شهيرة كانت تعلم جيدًا أن جليلة قد تكون في ورطة إذا استمرت في هوسها بالغضب والغيرة.


شهيرة نظرت إلى جليلة بحذر، وكأنها تلمح نقطة ضعفها. قالت بصوت منخفض:

"بس خلي بالك، يا جليلة... سبيل دي ممكن تاخد منك سيف، لو استمر الوضع كده. سيف مش زي باقي الرجالة اللي هنا. بيهتم بكل واحدة بطريقته الخاصة، بس هو مش غبي. لو حس إنه فيه حاجة مش طبيعية في معاملة البنات، ممكن يبعد عنك و يكرهك"


جليلة رمقتها بنظرة غاضبة، ثم تململّت في مكانها وكأنها تفكر في كلمات شهيرة. زفرت بضيق وقالت:

"مش هخليها تاخد حاجة مني. أنا مش زي الباقي هنا. أنا ليا مكانتي، وسيف مش هسيبه بسهولة. بس أنا مش هخليها تلعب دور الملاك كده على طول"


شهيرة كانت هادئة وهي تتأمل جليلة. فهمت أنها في مرحلة غضب شديد، لكنها قررت أن تتركها وشأنها الآن. قالت بحذر:

"خلي بالك، يا جليلة. البنات هنا عندهم طموحات، حتى لو كانوا محبوسين. وأنتِ لو مش هتكوني حذرة، ممكن تشوفي حاجات ما كنتش متوقعة منهم."


جليلة، على الرغم من محاولات شهيرة تهدئتها، كانت شديدة التركيز في تفكيرها. أغمضت عينيها قليلاً ثم قالت بحزم:

"اللي هيحصل، يحصل. بس أنا مش هسيبها تاخد حاجة مني. سيف لو فكر يقرب ناحية سبيل، أنا هكون أول واحدة واقفة قدامه."


❈-❈-❈

خرجت جليلة من غرفة الاستراحة وهي تمشي بخطوات ثابتة، وعينها لم تفارق سبيل التي كانت تقف بعيدًا قليلاً عن باقي السجينات. نظرت إليها جليلة ببرود ثم قالت بصوت عميق مليء بالتحدي:

"سبيل، روحي قصي الشجر في الحديقة. وأوعى تتأخري."


سبيل نظرت إليها بعينين متعبتين من ليلة الأمس، لكنها لم تتجرأ على الاعتراض. لم يكن أمامها خيار آخر سوى تنفيذ الأوامر. قالت بصوت هادئ:

"تمام، هروح دلوقتي."



دبرت جليلة خطة خبيثة، حيث قامت بتكسير السلم قليلاً ليتسبب في سقوط سبيل إذا صعدت عليه. كان هدفها أن تقع سبيل في الفخ وتتعرض للإهانة أمام الجميع، و ليس هذا فقط بل ليتأذى جسدها بعمق و تختفي لفترة من الوقت حتى لا يراها الطبيب سيف.



لكن سبيل كانت تجهل هذا الفخ الذي دبر لها من قبل جليلة التي زاد كرهها فور إهتمام الطبيب سيف بها .


يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا ممدوح، لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة