رواية جديدة على سبيل الألم لرانيا ممدوح - الفصل 13 - الإثنين 13/1/2025
قراءة رواية على سبيل الألم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية على سبيل الألم
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رانيا ممدوح
الفصل الثالث عشر
تم النشر الإثنين
13/1/2025
ذهبت جليلة بخطوات واثقة إلى غرفة سبيل في المستشفى، ووقفت أمام الباب للحظات قبل أن تطرقه وتفتحه دون انتظار إذن.
دخلت وهي تضع نظرة خبيثة على وجهها، وقالت بصوت هادئ ولكن يحمل نبرة تهديد: "ها يا سبيل، أخبار الجناح المكسور إيه؟"
ثم تابعت جليلة بخبث: "العصفورة اللي جناحها مكسور... يا ترى كويسة ولا محتاجة مساعدة أكتر؟"
فتحت الباب ورأت سبيل مستلقية على سريرها، الجبيرة تلتف حول ساقها، وملامح الألم ظاهرة على وجهها.
جليلة بابتسامة ساخرة: "إيه يا سبيل؟ عاملة إيه مع الراحة؟ عارفة لو كنتي شاطرة وسمعتي الكلام، كنتي وفرتي على نفسك كتير.. ماكنتيش هتقعدي هنا "
سبيل رفعت رأسها ببطء وقالت بصوت مبحوح: "لو حضرتك مشيتي على السلم اللي حطيتيه، كنتي وقعت زيي.بس ماكنتيش هتستحملي زيي"
جليلة تقدمت خطوة للأمام: "بتلمحي لإيه؟ مفيش حاجة بتحصل هنا من غير علمي، وأنا المسؤولة عنكم كلكم. خليكي عاقلة وما تتكلميش كتير.. كفاية اللي حصل "
سبيل نظرت إليها بصمت، لكن عينيها كانتا تتحدثان.
جليلة أكملت: "استريحي كويس، عشان لسه فيه شغل مستنيكي لما تفكي الجبس ده."
نظرت إليها سبيل بملامح جامدة، ولم ترد.
جليلة تقدمت بخطوات بطيئة نحو السرير وقالت بسخرية: "شكلك مرتاحة هنا. السرير ناعم، والأكل كويس، ومحدش بيأمرك. عيشة ملوك، مش كده؟"
سبيل ردت ببرود: "لو جايه تشوفي حالتي، أنا بخير. لكن لو جايه تضايقيني، الباب قدامك.. تقدري تمشي"
ضحكت جليلة بصوت مرتفع: "شوفوا الشجاعة فاكرة إنك بطلة؟ أنا بس جاية أقولك حاجة صغيرة. قعدتك هنا في المستشفى حمياكي مني، بس قريب هترجعي مكانك الطبيعي... السجن. ومافيش حد هيقدر يحميك مني هناك..حتى لو كان سيف"
سبيل رفعت رأسها وقالت بثبات: "اللي حصل لي مش هيكسرني، ومهما حاولتِ، أنا هفضل واقفة على رجلي "
جليلة اقتربت أكثر وقالت بصوت خافت: "هنشوف يا سبيل. هنشوف مين فينا اللي هيبقى واقف في الآخر." ثم استدارت وخرجت من الغرفة، تاركة وراءها هواءً مشحونًا بالتهديد.
❈-❈-❈
بعد خروج جليلة من الغرفة، بقيت سبيل تنظر نحو الباب الذي أغلقته خلفها، تشعر بمزيج من الغضب والعزم. رغم الألم الذي كان يعتصر جسدها، إلا أن كلمات جليلة زادت من رغبتها في الصمود والانتقام بطريقتها.
في تلك اللحظة، دخل الطبيب سيف إلى الغرفة، حاملاً ملفًا طبيًا. لاحظ توتر سبيل وسألها بلطف: "مالك يا سبيل؟ شكلك مش مرتاحة، في حاجة مضايقاكي؟"
حاولت سبيل إخفاء شعورها، وقالت: "لا يا دكتور، مفيش حاجة."
لكنه جلس بجانبها وأصر: "مش مقتنع. احكيلي، يمكن أقدر أساعدك."
تنهدت سبيل وقالت: "جليلة كانت هنا. واضح إنها مش ناوية تسيبني في حالي."
سيف عقد حاجبيه وقال: "ما تقلقيش، طالما أنا هنا، محدش هيقدر يأذيكي. بس لو في حاجة تانية، لازم تقولي."
نظرت إليه سبيل بعينيها المتعبة وقالت: "أنا مش خايفة، بس هي بتحاول دايمًا تكسرني. ومش عارفة ليه مصرة على كده."
ابتسم سيف بثقة وقال: "لأنك قوية، وده بيخوفها. لو كنتِ ضعيفة، مكنتش هتهتم بيكِ أصلًا."
شعرت سبيل ببعض الراحة من كلماته، لكنها لم تستطع تجاهل قلقها. بعد خروجه، أخذت نفسًا عميقًا، وقررت أنها لن تسمح لجليلة بالانتصار عليها.
❈-❈-❈
في المقابل، عادت جليلة إلى مكتبها، ووجدت شهيرة تنتظرها بفنجان قهوة. قالت لها شهيرة بابتسامة: "إيه الأخبار؟ كلمتي العصفورة الصغيرة؟"
جليلة جلست على كرسيها وقالت بثقة: "كلمتها، وفكرتها إنها مش هتهرب مني، لا هنا ولا في أي مكان تروحه."
شهيرة نظرت إليها بإعجاب وقالت: "إنتي قوية، بس خلي بالك. العصفورة دي ممكن تفاجئك بجناحها المكسور."
ضحكت جليلة وقالت: "مستحيل. أنا اللي بكسر الأجنحة، مش العكس."
❈-❈-❈
توجهت سامية إلى مكتب نادر في مبنى الإدارة، وهي تشعر بالغضب والاستياء مما يحدث. طرقت الباب بخفة، ثم دخلت فور سماعها صوته يدعوها للدخول.
سامية: "مساء الخير يا أستاذ نادر، ممكن آخذ من وقت حضرتك شوية؟"
نادر بابتسامة هادئة: "طبعًا يا سامية، اتفضلي. خير؟"
سامية جلست وهي تشبك يديها بانفعال: "أنا مش مرتاحة للي بيحصل في سجن الأحداث. جليلة أخدت ترقية مش مستحقة، والشكوى اللي قدمتها ضدها بخصوص معاملتها للسجينات ما اتاخدتش بجدية."
نادر نظر إليها بجدية: "أنا شايف إن جليلة من أفضل المشرفات. ضبطت النظام وخلت السجينات يخافوا يعملوا مشاكل. إيه اللي مخلّيكي شايفة إنها مش مستحقة للترقية دي؟"
سامية: "يا أستاذ نادر، إحنا مش في جيش! الأساليب اللي بتستخدمها غير آدمية. بدل ما نصلح السجينات، إحنا بنزيدهم كره وغضب. ده غير إنها سبب في إصابة سبيل اللي كانت المفروض تتعالج بعيد عن الضغط ده كله."
نادر: "إصابة سبيل؟ مكنتش أعرف التفاصيل. اللي وصلني إنها مجرد حادثة."
سامية: "الحادثة دي كانت نتيجة إهمال متعمد أو يمكن أكتر من كده. أنا بتكلم عن تعمدها إنها تحط السجينات في مواقف خطر. دي حاجة ماينفعش نسكت عليها."
نادر: "سامية، خلينا نتكلم بصراحة. السجن النسائي تحت قيادة جليلة كان دايمًا متميز في التقارير. وأنا شخصيًا شايف إن دي نتيجة شغلها."
سامية: "ولو كان الشغل ده على حساب الأرواح؟ إحنا هنا مش بنعاقب الناس بموتهم. أنا بطلب إعادة فتح التحقيق في الشكوى اللي قدمتها."
نادر بتردد: "طيب... هراجع الشكوى مرة تانية، لكن يا سامية، خليكي عارفة إن القرارات دي مش سهلة."
سامية بنبرة حاسمة: "لو حضرتك مش هتقدر تتحرك، أنا مضطرة أقدم شكوى للوزارة نفسها. ماينفعش نسكت أكتر من كده."
نادر صمت لوهلة، ثم قال بهدوء: "هتابع الموضوع، ووعد مني هبقى محايد. شكوتك هتتاخد بجِد، بس اديني فرصة."
سامية نهضت واستعدت للمغادرة: "شكراً يا أستاذ نادر. أنا بس عايزة الحق يظهر. دي أرواح ناس، مش مجرد تقارير."
خرجت سامية من المكتب، وقد عقدت العزم على تصعيد الأمر إذا لم تجد استجابة حقيقية.
❈-❈-❈
قامت جليلة بعد أن انتهت من استراحتها، وقررت المرور على الغرف الخاصة بالفتيات في السجن. مشت بخطوات واثقة وهي تضع يديها خلف ظهرها، وبعينيها نظرات السيطرة والصرامة.
عندما وصلت إلى الممر المؤدي للغرف، سمعت همسات خافتة من إحدى الغرف، فتوقفت للحظة. اقتربت من الباب، ثم طرقت عليه بعنف. فتح الباب ببطء، وظهرت إحدى الفتيات تنظر بخوف.
جليلة بصوت حاد: "فيه إيه هنا؟ قاعدين ليه ؟ مين اللي مشغّل المصنع ده؟ مفيش نوم ولا راحة إلا بإذني. كلكم فاهمين؟"
الفتيات داخل الغرفة وقفن في صمت وخوف واضح، بينما أكملت جليلة جولتها.
وقفت جليلة في منتصف الممر، ونادت بصوت عالٍ سمعته كل الفتيات في الغرف: "اسمعوني يا بنات، أنا مش هعيد كلامي مرتين! عايزة شغل واضح ونضيف. كل حاجة هنا لازم تبقى زي الفل. اللي هتتهاون في شغلها هتعرف أنا ممكن أعمل إيه."
اقتربت من إحدى الفتيات التي كانت تنظف الأرضية وقالت بحدة: "إيه ده؟ الأرض دي لسه مش بتلمع! اشتغلي أكتر عايزة شوية مجهود... إيديك مش للزينة"
ثم تحولت إلى أخرى كانت تقص الأشجار في الحديقة: "وأنتي، الشجر ده لازم يبقى متساوي زي المسطرة، مفهوم؟ مش عايزة أي شغل عشوائي."
مرت بعدة غرف أخرى وهي تنظر بعينيها الثاقبتين لكل تفصيلة، قبل أن تصيح: "مش عايزة أعيد ولا أشرح... كل حاجة لازم تتعمل بإتقان. اللي مش قد الشغل تقول دلوقتي أحسن ما تندم بعدين!"
كان الخوف يملأ قلوب الفتيات، وهن يتحركن بسرعة لتنفيذ أوامرها، بينما هي تقف في المنتصف كملكة تتحكم في مملكتها الصغيرة.
❈-❈-❈
بينما كانت جليلة تدير ظهرها وتراقب العمل، نسيت علبة السجائر الوردية التي كانت تضعها عادة في درج مكتبها. كانت العلبة أنيقة وباللون الوردي اللامع، وكان أحد الفتيات الصغار، التي كانت تنظف إحدى الغرف، تراقب العلبة بشغف.
بينما كانت جليلة مشغولة بتوجيه الأوامر، اقتربت الفتاة الصغيرة من العلبة وفتحتها في فضول. ظنت أنها حلوى بسبب الشكل الجذاب واللون الجميل للعلبة. أخذت قطعة منها ووضعتها في فمها، بينما جليلة لم تنتبه.
لكن فجأة، شعرت الفتاة الصغيرة بشيء غريب في فمها، واكتشفت أنها لم تكن حلوى كما ظنت، بل كانت سجائر لكنها لم تعرف . ارتبكت سريعًا، وألقت بالعلبة على الطاولة في خوف، ولكن جليلة كانت قد لاحظت ذلك بالفعل.
توجهت جليلة نحو الفتاة بغضب شديد، وقالت بصوت قاسي: "إيه اللي عملتيه ده؟ دي مش حلويات! دي سجائر! ده مش لعب ولا هزار. لو قربتي عن حاجة زي دي تاني، هتندمي."
كانت الفتاة الصغيرة تقف مرتبكة، عيناها مليئة بالخوف، بينما جليلة تتابعها بنظرات حادة، وكأنها تنتظر أي حركة منها لتوبخها أكثر.
بينما كانت جليلة تراقب الفتاة الصغيرة بنظرات غاضبة، فجأة لاحظت الفتاة تبدأ في التململ وتغطّي فمها بيدها. قبل أن تستوعب جليلة ما يحدث، بدأ التقيؤ يتصاعد من الفتاة التي شعرت بألم مفاجئ في معدتها.
صرخت الفتاة الصغيرة في رعب: "أنا... مش عارفه! بلعتها... اااااااه ....مش قادره..."
تدفق القيء على الأرض أمامها، وبدأت الفتاة تشعر بالإغماء بسبب ما حدث، بينما كانت جليلة تراقب الوضع بحيرة وشراسة.
جليلة، في البداية، كانت مفزوعة من الموقف لكنها لم تظهر أي تعاطف، فاقتربت منها وقالت بصوت قاسي: "إنتِ مش معقولة! إزاي تعملي كده؟ دي مش لعبة، دي حاجة خطيرة"
ثم رفعت يديها وأمرت على الفور إحدى العاملات بأن تأخذ الفتاة إلى الطبيب. "خديها المستشفى فورًا! ما تنسيش تكلمي الدكتور سيف."
كانت جليلة غاضبة للغاية ولكنها أيضًا كانت تشعر ببعض القلق من تداعيات الموقف.
عندما بدأت الفتاة الصغيرة في التقيؤ، جليلة انتبهت على الفور إلى ما حدث. لم يكن لديها وقت للتردد. تقدمت بسرعة، حملت الفتاة بين ذراعيها، وأخذت تهرع بها إلى أقرب مكان تستطيع أن تجد فيه المساعدة.
"إنتِ تمام؟" قالت جليلة بصوت جاد، بينما كانت تسرع في خطواتها. "مفيش وقت، لازم نروح للطبيب بسرعة."
بينما كانت تحمل الفتاة بين يديها، كانت تشعر بالضيق من الموقف. لم تكتفِ فقط بأنها ستضطر للذهاب إلى الطبيب، بل كان يزعجها أيضًا أن الفتاة قد ابتلعت السجائر التي كانت تنوي أن تكون سرًّا لها، وبهذا يكون الأمر قد خرج عن سيطرتها.
وصلت بسرعة إلى الطبيب، وكانت الفتاة تترنح بين يديها، وبينما كانت جليلة تحاول إبقاء أعصابها هادئة، كانت تشعر بشيء من القلق يعتصر قلبها.
أجابته جليلة بصوت هادئ، لكن عينيها كانتا تحملان غموضًا: "البنت بلعت السجائر من غير قصد، كنت مشغولة في مكان تاني ونسيت العلبة جنبها، وهي فكرت إنها حلوى."
سيف نظر إليها بعينين غاضبتين، لكنه حاول الحفاظ على هدوئه: "ده مش معقول يا جليلة. المفروض تبقي حريصة أكتر من كده، خصوصًا مع الأطفال دول. ممكن تكون حصلت كارثة بسبب إهمالك."
جليلة ردت بسرعة، محاولة التبرير: "أنا مش قصدي، لكن انت عارف الوضع هنا. كل شيء بيحصل بسرعة ومربك. عشان كده لازم أركز أكتر."
سيف وقف أمامها، تنهد بعمق: "أنا مش عايز أسمع أعذار. البنت دي لو حصل لها حاجة، الموضوع هيكون كبير جدًا، ومش هقدر أساعدك فيه."
نظرت جليلة إلى الأرض قليلًا ثم رفعت رأسها، وقالت بهدوء: "عندك حق. لازم أتأكد أن كل شيء في مكانه. مش هكرر ده تاني."
سيف كان واضحًا في كلامه: "مفيش مجال للأخطاء زي دي، والمره الجاية لو حصلت، هكون مضطر أرفع شكوى ضدك. احترمي مكانك والناس اللي معاكي."
سيف نظر إلى جليلة بدهشة وقال بنبرة حادة: " هي علبة السجائر دي كانت بتاعتك ؟ أنتي بتشربي سجاير يا جليلة؟"
جليلة شعرت بالحرج، لكن حافظت على هدوئها وردت: "ده مش شغلك يا سيف، مش من حقك تسألني عن حاجات شخصية زي دي."
سيف أشار إلى العلبة وقال: "لكن لما بتأثر على شغلنا وعلى صحة البنات اللي تحت إيدك، يبقى ده شغلي. لازم تكوني قدوة ليهم في الصح، مش قدوة للمشاكل."
جليلة ردت بغضب: "أنا مش محتاجة محاضرات منك، وكل واحد فينا عنده مشاكله الخاصة."
سيف وقف صامتًا لثوانٍ، ثم قال بصوت هادئ: "أنا بس عايزك تعرفي إن ده مش مكان ولا وقت للسلوك ده. لو كنتِ مهتمة بالبنات زي ما بتقولي، لازم تحترمي القوانين."
تم الكشف على الفتاة الصغيرة في المستشفى بعد ما ابتلعت السجائر، وكان الطبيب سيف مشغولًا بالتحقق من حالتها. الفتاة كانت في حالة صحية جيدة بعد التقيؤ، ولكنها بدت مرهقة.
سيف توجه إلى جليلة قائلاً: "الحمد لله، البنت بخير، بس دي مش حاجة تستهيني بيها، الموضوع كان ممكن يتطور بشكل أسوأ."
جليلة التي كانت تبدو غير مكترثة، ردت بتوتر: "مفيش حاجة حصلت. هي بس اتوترت شويه، دا مش أول مرة تحصل حاجة زي دي."
سيف نظر إليها بجدية وقال: "لأ، ده مش طبيعي. لازم تتحملي مسؤولية أفعالك. بتعطي مثال غير جيد للبنات هنا."
جليلة شعرت بالحرج، لكنها لم ترد اكتفت بنظرة غير مفهومة و بعدها همت بالرحيل.
قالت العاملة، وهي تراقب الموقف بحيرة: "يا دكتور سيف، جليلة كانت قلقانة على البنت. فضلت تكلمها طول ما هي شايلاها، وتطمنها، وتبكي بحرقة. دي أول مرة أشوفها كده، مش متعودة على تصرفاتها دي."
سيف نظر إلى جليلة بدهشة و هي تذهب، وهو يحاول فهم ما يحدث.
سيف قال بإندهاش " جليلة بتبكي ؟"
❈-❈-❈
عادت جليلة إلى مكتبها بعد أن انتهت من الموقف في المستشفى، وعندما دخلت، وجدت نادر جالسًا على كرسيها خلف المكتب، ينتظرها بنظرة صارمة. اقتربت منه بهدوء، لكن قلبها كان ينبض بسرعة.
نادر: " كنتِ فين؟ أنا كنت مستنيكي هنا. في حاجة حصلت مش واضحة."
جليلة، بابتسامة صغيرة: "مافيش حاجة. كنت بحاول أطمن على حالة بنت هنا في الأحداث. كل حاجة تحت السيطرة."
نادر، بلهجة حادة و قد لاحظ بعض الرحمة في نبرة صوتها: "تحت السيطرة؟! ده مش تصرفك المعتاد. إنتِ مش معروفة بالمشاعر دي. في حاجة غلط، وعايز أعرف إيه هي."
جليلة ترد بتوتر: "أنت مش عارف كل حاجة،يا أستاذ نادر. شوف الوضع بنفسك. أنا كنت حاسة بمسؤولية تجاه البنت دي خوفت تموت ."
نادر، وهو يحدق فيها: "المسؤولية حاجة، لكن في حاجات تانية لازم نفكر فيها. إنتِ بتمشي عكس التعليمات اللي متأكد إن والدتك علمتلهالك كويس ، وده مش مقبول."
جليلة تجلس على الكرسي المقابل له، متجنبة النظر في عينيه: "وأنا عارفة ده كويس، بس لما بتشوف حد في موقف زي ده، ما تقدرش تسيبه. كان عندي خيار إني أتجاهل وأمشي، لكن ما قدرتش."
نادر يلتقط أنفاسه، ثم يقول: "أنا بقولك، شغلك ممتاز، لكن لازم تعرفي الحدود. في حاجة مش تمام هنا، ولازم نعرفها.. الكل مستني غلطة منك و اخر حاجة عايزها إنك تقعي"
أمضوا لحظات من الصمت، حيث كانت جليلة تفكر في كلمات نادر، بينما كان هو يراقبها بهدوء، محاولًا فهم ما كان يدور في ذهنها.
عاد نادر إلى كرسيه وأخذ نفسًا عميقًا، ثم نظر إلى جليلة بعينين مشدودتين، وكأن هناك أمرًا لا بد من مناقشته.
نادر: "في حاجة تانية لازم نناقشها، ياجليلة. سامية جات لي النهارده، وقالت إنك كنت متكبرة عليها في المكتب. سلوكك بدأ يثير تساؤلات عند الكل؛ لدرجة أنها ممكن تصعد الموضوع للوزير"
جليلة، وهي تحاول السيطرة على أعصابها: "سامية دايمًا بتحاول تخلق مشاكل من و لا شيء، أنا مش هسمح لها تكبر الموضوع."
نادر، بتعبير جاد: "أنا مش هسمح بإنها تعمل مشاكل، لكن كمان مش هسمح ليكي تتجاوزي حدودك اللي سامحلك بيها. سامية ليها خبرة أكتر منك، وماينفعش تتعاملي معاها كده..لازم تحاولي تكسبيها"
جليلة، بتحفز: "أنا مش محتاجة حد يعطيني دروس في التعامل مع الناس. أنا دايمًا بعمل شغلي على أكمل وجه."
نادر يحدق فيها بتركيز، ثم يرد ببطء: "أنا عارف إنك شاطرة في شغلك، لكن لازم تفهمي إنك مش لوحدك هنا. سامية مش مجرد زميلة، هي جزء من الفريق و كمان هي أعلى منك، وأنتِ مش فوق القوانين."
جليلة تحاول تهدئة الوضع: "أنا مش ضدها، بس مش هسمح لحد يتجاوز حدوده معايا، خصوصًا لو كانت بتتكلم عني في غيابي بالشكل المهين ده ."
نادر، وهو يتنهد: "دي مش الطريقة الصح، جليلة. إحنا هنا علشان نشتغل مع بعض، مش علشان نتخانق مع بعض. خلي بالك، أنا مش هقبل استمرار التصرفات دي، لازم نكون يد واحدة في الآخر أنا بحميكي و هفضل أحميكي بس برضو مينفعش أقبل بعض التصرفات برضو .. مش كل يوم و التاني بنت رايحة المستشفى بسببك "
جليلة كانت تحاول أن تظهر بعض الهدوء، ولكنها كانت تدرك جيدًا أن نادر لا يقصد التهديد، بل هو يحاول أن يضع حدودًا واضحة لما يحدث.
" تمام الفترة اللي جاية هكون ملتزمة بالقوانين على قد ما اقدر "
" ده اللي أحب اسمعه يا جليلة ، أنا أمشي و اتمنى مجيش تاني علشان مشكلة و اجي علشان أخبار حلوة"
❈-❈-❈
فعلاً، شهدت الفترة التالية هدوءًا غير معتاد من جليلة. بدت أكثر ترويًا في تصرفاتها، وكانت تحاول التركيز على عملها فقط دون أن تفتعل المشكلات التي اعتادت عليها في السابق. حتى علاقتها بسيف وسبيل أصبحت أقل توترًا. جليلة بدأت تدرك أن أي تصرف متهور قد يعرض مكانتها في العمل للخطر.
في المستشفى، أصبحت تراقب المواقف بهدوء، لا تتدخل إلا عندما يُطلب منها، وتحاول تجنب الخلافات مع باقي الموظفين، خاصة مع سيف. كانت تعلم جيدًا أن أي حركة غير محسوبة قد تؤدي إلى تعقيد وضعها أكثر.
حتى في التعامل مع الفتيات في السجن، بدت أكثر هدوءًا وتعاملت معهن بحذر أكبر، كما لو كانت تسعى لإثبات نفسها كقائدة حقيقية وليست مجرد شخص يحكم بالقوة. لكن، رغم هدوءها، كان من الواضح أنها لا تزال تسعى لتحقيق أهدافها الخاصة، حتى لو لم تكن تظهر ذلك بشكل مباشر.
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا ممدوح، لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية