-->

رواية جديدة على سبيل الألم لرانيا ممدوح - الفصل 14 - الثلاثاء 14/1/2025

 

 قراءة رواية على سبيل الألم كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية على سبيل الألم 

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رانيا ممدوح 

الفصل الرابع عشر


تم النشر الثلاثاء

14/1/2025



ذهب شوقي إلى الكباريه بعدما ورث ثروة كبيرة عن أخيه عبدالله الوكيل، والد سبيل. بدا عليه الانغماس الكامل في حياة البذخ واللهو، وكأنه يحاول أن يمحو سنوات الفقر والحرمان التي عاشها. دخل المكان بخطوات واثقة، مرتديًا بذلة باهظة الثمن، محاطًا برائحة العطر الفاخر، وكأن المال قد غيره بالكامل.


جلس على إحدى الطاولات الأمامية، وأمر بأفخم المشروبات، وأشار للنادل ليحضر له أطباقًا فاخرة. لم يكن يعبأ بالمال الذي ينفقه، بل بدا وكأنه يحاول إظهار سلطته الجديدة أمام الجميع.


في الركن الآخر، لاحظت إحدى الراقصات وجوده، فتقدمت نحوه بابتسامة خفيفة وقالت:

"أهلا وسهلا بحضرتك... أول مرة نشوفك هنا؟"


شوقي، وهو يرفع كأسه، أجاب بثقة:

"أيوة، أول مرة... بس ما أعتقدش إنها هتكون الأخيرة."


الراقصة بابتسامة دافئة:

"طالما كده، يبقى مكانك دايمًا هنا."


شوقي، وهو ينظر حوله:

"المكان عجبني... والجو أهو مناسب للواحد ينسى الهموم."


الراقصة بإبتسامة ساحرة :

"واضح إن حضرتك راجل كبير وأكيد عندك قصص كتير و أنا أحب أسمعها ."


شوقي بابتسامة ساخرة:

"قصص؟ آه عندي... بس خليها لوقت تاني."


كان الكباريه يعج بالأضواء والموسيقى الصاخبة، وشوقي بدا كأنه وجد مكانه الجديد، حيث يمكنه أن ينسى ماضيه القاسي ويعيش اللحظة بكل تفاصيلها. لكن، في أعماق نفسه، كان هناك شعور غامض بالخوف؛ خوف من أن هذه الحياة قد تكون مجرد وهم مؤقت، وأن الماضي يمكن أن يطارده يومًا ما.




اقتربت الراقصة من شوقي أكثر بابتسامة دافئة ثم قالت:

"ياريت تتفرج عليا وأنا برقص... الرقصة دي بهديهالك."


ابتسم شوقي ابتسامة عريضة وهو يرفع كأسه مجددًا، وقال بنبرة متفاخرة:

"يبقى أنا محظوظ النهارده... الرقصة دي أكيد هتبقى حاجة مميزة." ثم غمز بعينه اليسرى 


❈-❈-❈

تحركت الراقصة نحو المسرح بخطوات واثقة، بينما كانت الأضواء تتغير لتعكس ألوانًا نابضة بالحياة. وقف شوقي يتابعها بعينيه وهو يميل برأسه إلى الخلف، كأنه يريد أن يُظهر للجميع أن العرض هذا يُقدم خصيصًا له.


بدأت الموسيقى تعلو، وبدأت الراقصة في استعراض حركاتها المبهرة. كانت تنظر بين الحين والآخر إلى شوقي بابتسامة خفيفة، وكأنها تقول له: " الرقصة دي ليك أنت وبس."


شوقي، وهو يصفق بانفعال بين الحين والآخر:

"ايوه كده ده الفن اللي يستاهل!"


عندما انتهت الرقصة، عادت الراقصة إليه بخطوات بطيئة وقالت بابتسامة دافئة:

"الرقصة عجبتك؟"


رد شوقي وهو يضع بعض الأوراق النقدية على الطاولة أمامها:

"عجبتني؟ أنا عمري ما شفت رقصة زي دي قبل كده... أنتِ موهبة نادرة."

ثم وضع لها النقود على الطاولة.


قالت الراقصة وهي تجمع النقود بلطف:

"طالما عجبك، يبقى أنا دلوقتي مضطرة أقول إنك زبون مميز عندنا."


ضحك شوقي وقال:

"مميز؟ أنا شوقي الوكيل... اللي هيعرفه المكان كله قريب"


ضحكت الراقصة معه، لكن في داخلها كانت تعلم أن مثل شوقي يأتون ويرحلون سريعًا، وأن الحياة التي يعيشها مبنية على أضواء براقة قد تنطفئ في أي لحظة.



اقتربت الراقصة من شوقي وهي تملأ كأسه مرة أخرى وقالت بخبث:

"ليك في القمار يا شوقي بيه؟"


ضحك شوقي بخفة وقال:

"وأنا حاجة تقولي لأ؟ بس على مزاجي، مش أي لعبة تعجبني."


ردت الراقصة وهي ترفع حاجبيها بإغراء:

"يبقى لازم أجرب حظي معاك... سمعت إنك دايمًا بتكسب."


قال شوقي بثقة وهو يشعل سيجارة:

"المكسب مش بالحظ، المكسب لللي يعرف يلعب صح. بس إنتي كده ناوية تخسريني اللي ورثته ولا إيه؟"


ردت بابتسامة ماكرة:

"مافيش حاجة اسمها خسارة معايا، كل حاجة مكسب."


نظر شوقي إليها بعينين مليئتين بالطمع والغرور وقال:

"طالما المكسب مضمون... يلا بينا!"

❈-❈-❈


أخذته الراقصة بخطوات واثقة نحو طاولة في زاوية الكباريه، حيث جلس مجموعة من رجال الأعمال يضحكون ويتبادلون الأحاديث بصوت مرتفع. كانت الطاولة مزدحمة بالأموال، والنرد، وأكواب الشراب.


ابتسمت الراقصة بخبث وقالت:

"شوقي بيه، خلي الناس تعرف مين اللي فعلاً يعرف يلعب هنا."


أحد الرجال رفع عينيه نحو شوقي وقال بتهكم:

"ده اللي ورث عن أخوه المقتول، صح؟ سمعت عنك يا باشا."


رد شوقي بابتسامة مغرورة وهو يخلع سترته:

"وأسمع عنك أنت كمان لو كنت راجل ياريت تعرف تلعب. قدامي"


ضحك الجميع بصخب، وقال أحدهم وهو يخلط الأوراق:

"تعالى يا شوقي بيه، نشوف حظك بقى... بس خلي بالك، الطاولة دي ما بتعرفش غير الكبار."


جلست الراقصة بجانب شوقي وهي تهمس في أذنه:

"وريني إزاي هتكسبهم كلهم."


أمسك شوقي بالأوراق ونظر حوله بثقة، ثم قال بصوت مليء بالتحدي:

"اللي يلعب معايا يجهز يدفع تمن الخسارة."



بدأ اللعب بحماس على الطاولة، وأصوات الضحكات والتحدي تملأ المكان. شوقي كان في البداية متماسكًا وواثقًا، يلقي الأوراق على الطاولة بقوة، وكأنه يعرف اللعبة جيدًا.


الراقصة تراقب بعينين لامعتين وتشجعه بين الحين والآخر:

"هايل يا شوقي بيه، خليهم يشوفوا مين اللي ورا الطاولة دي."

❈-❈-❈

لكن بعد مرور ساعة، بدأ الحظ يخذله. الأوراق التي كانت تبدو رابحة أصبحت بلا فائدة، والخسائر بدأت تتراكم. رجل الأعمال الذي جلس أمامه ألقى بورقة رابحة على الطاولة وضحك:

"شوقي بيه، مالك؟ الحظ مش معاك الليلة؟"


شوقي تظاهر بالهدوء، لكنه كان يشعر بالتوتر يتصاعد داخله. حاول تعويض خسارته برفع الرهان، لكن الأمور ازدادت سوءًا.


بعد خسارة كبيرة، ألقى شوقي بآخر ورقة لديه على الطاولة وقال بغضب:

"الجولة دي لسة ما انتهتش"


رد أحدهم بابتسامة ماكرة:

"لو كملت كده، هتسيبنا لحد ما ناخد نصيبك من الورث كله."


شوقي نظر حوله، ثم التفت إلى الراقصة وهمس:

"الفلوس اللي معايا خلصت، لازم أكمل بأي طريقة."


ردت الراقصة بخبث:

"مالك ومال القمار يا شوقي بيه؟ كنت قومت رقصتلك رقصة تريح أعصابك."


لكنه لم يستمع، وطلب من أحد العاملين هناك أن يفتح له دَينًا ليستمر في اللعب، غير مدرك أنه يدخل في دوامة قد تأخذه إلى الهاوية.


استمر شوقي في اللعب بعناد، غير مبالٍ بالخسائر المتزايدة. كان يسعى لتعويض ما خسره بأي ثمن، لكن الحظ ظل يعانده. مع كل جولة، كان يخسر المزيد من المال، حتى تراكم عليه دَين كبير لصالح رجال الأعمال الجالسين على الطاولة.


أحدهم قال بسخرية:

"يا شوقي بيه، شكلك متعود على المخاطرة، بس مش دايمًا المكسب مضمون."


شوقي رد بحدة:

"مش هسيب الطاولة إلا لما أكسب"


أحد رجال الأعمال، الذي كان يبدو قائد المجموعة، ابتسم بخبث وقال:

"طيب، لو ما معاكش فلوس تكمّل بيها، ممكن نلاقي طريقة تانية تسدد بيها."


الراقصة، التي كانت تراقب الموقف، شعرت بالقلق واقتربت من شوقي وهمست في أذنه:

"بلاش يا شوقي بيه، الموضوع كده بقى خطر."


لكنه دفعها بعيدًا وقال بغضب:

"أنا عارف أنا بعمل إيه"


بعد جولة أخرى، خسر شوقي مجددًا، ولم يتبق له شيء. نظر حوله بارتباك، ثم قال لقائد المجموعة:

"هسدد الدَين قريب. الورث لسه جديد، وكل حاجة تحت السيطرة."


لكن الرجل لم يبدُ مقتنعًا وقال بصوت حازم:

"ما تقلقش، إحنا هنتصرف ونجيب فلوسنا بالطريقة اللي تناسبنا."


شوقي حاول التظاهر بالثقة، لكنه كان يعلم أنه وقع في مشكلة كبيرة. الراقصة اقتربت منه مرة أخرى وقالت بهدوء:

"كنت فاكرة إنك أذكى من كده. الناس دي ما بيرحموش."


شوقي نظر إليها بعينين مليئتين بالخوف والندم، لكنه لم يعرف كيف سيخرج من هذه الورطة التي صنعها بنفسه.

❈-❈-❈

بعدما خرج شوقي من الكباريه، كانت أفكاره مشوشة تمامًا. كان يعلم أنه ورّط نفسه مع أشخاص لا يعرفون الرحمة. جلس في سيارته لبعض الوقت، يحاول التفكير في حل. لكنه لم يستطع سوى الشعور بالخوف والضغط.


في الأيام التالية، بدأ رجال الأعمال الذين خسر أمامهم في التواصل معه بشكل مكثف. أحدهم اتصل به وقال بصوت بارد:

"يا شوقي بيه، الوقت بيجري، والفلوس ما بتستناش. لو ما سددتش قريب، ممكن نحجز على حاجة من أملاكك، أو نتصرف بطريقة تانية مش هتعجبك"


شوقي رد بصوت متردد:

"ادوني فرصة، الموضوع بس محتاج شوية وقت."


لكنهم لم يتركوا له أي مساحة. بدأت التهديدات تتصاعد، ومعها توتر شوقي. حتى أنهم أرسلوا أحد رجالاتهم لتحذيره بشكل مباشر. الرجل وقف أمام شوقي وقال بنبرة تهديد:

"ما تضطرناش نعمل حاجة تزعلك. عندك أسبوع، وإلا هتشوف وشنا بشكل تاني."

❈-❈-❈

شوقي استيقظ في اليوم التالي وقرر أن يتحرك بسرعة. ارتدى أفضل ملابسه وتوجه إلى البنك. جلس في غرفة الانتظار بينما كان يخطط لما سيفعله بالمبلغ الذي ينوي سحبه.


عندما جاء دوره، دخل إلى مكتب المدير بابتسامة عريضة وقال:

"صباح الخير، يا باشا. عايز أسحب مئة ألف جنيه."


مدير البنك نظر إليه باستغراب وقال:

"ده مبلغ كبير يا شوقي بيه. كل حاجة تمام؟"


شوقي رد بثقة:

"أكيد، ما تقلقش. مجرد شغل صغير."


بعد الانتهاء من الإجراءات، تسلّم شوقي الحقيبة الصغيرة التي تحتوي على المال. خرج من البنك وهو يشعر بالثقة والقوة. ذهب مباشرة إلى الكباريه، حيث كانت الراقصة تنتظره بفارغ الصبر.


عندما وصل، استقبلته بابتسامة ساحرة وقالت:

"ها يا شوقي بيه، إيه الأخبار؟ الفلوس جاهزة؟"


شوقي أخرج الحقيبة ووضعها أمامها على الطاولة وقال:

"أهو، زي ما وعدتك."


الراقصة نظرت إليه بدهشة وقالت:

"أنت كريم قوي يا شوقي بيه. بس خلي بالك، الكرم ده ممكن يكلفك كتير."


شوقي ابتسم بثقة ورد:

"ما تقلقيش. أنا عارف أنا بعمل إيه."


لكن في داخله، كان يشعر بالخوف والتوتر. كان يعلم أن المال بدأ يتناقص بسرعة، وأنه يضع نفسه في موقف خطير. ومع ذلك، قرر تجاهل كل هذه الأفكار والاستمتاع باللحظة، غير مدرك أن هذا القرار سيضعه في ورطة كبيرة قريبًا.


❈-❈-❈

في المساء، جلست سلوى تنتظر شوقي في غرفة المعيشة. عندما دخل شوقي المنزل، بدت عليه علامات الإرهاق والارتباك، لكنه حاول التصرف وكأن الأمور على ما يرام.


سلوى، وهي تعقد ذراعيها وتنظر إليه بحدة، قالت:

"شوقي... سمعت إنك سحبت مئة ألف جنيه من البنك النهارده. الفلوس دي راحت فين؟"


شوقي تظاهر بالاستغراب وقال:

"مئة ألف جنيه؟ إنتي سمعت الكلام ده منين؟"


سلوى ردت بحدة:

"يعني مش كفاية بتعمل حاجات من ورايا، كمان عايز تكدب؟ أنا عارفة كويس إني مش غلطانة. وديت الفلوس فين يا شوقي؟"


شوقي تنهد وحاول التظاهر بالهدوء:

"ما تكبريش الموضوع يا سلوى. كنت محتاج الفلوس عشان مشروع صغير كده. حاجة ممكن تجيب لنا مكسب كبير."


سلوى رفعت حاجبها وقالت بسخرية:

"مشروع صغير؟! أيوه، مشروع صغير في الكباريه؟ ولا مع الناس اللي بتقعد معاهم تلعبوا قمار؟"


شوقي انفعل وقال:

"إنتي ماليكيش دعوة أنا بعمل إيه! الفلوس فلوسي، وأنا حر أتصرف فيها زي ما أنا عايز."


سلوى، بغضب واستياء، قالت:

"فلوسك دي من ميراث بنت أخوك اللي سايباه أمانة عندك. حرام عليك، الفلوس دي ليها حق فيها! بترميها في الهوا مع ناس ما يستاهلوش!"



شوقي نظر إلى سلوى ببرود وقال: "لا دي فلوسي يا سلوى، ده ورثي، والحكومة ياختي مدياهولي. مفيش حاجة غلط في كده."


سلوى نظرت إليه بغيظ وقالت: "إزاي يعني دي فلوسك؟ الحكومة مدياك إيه؟ مش فاهمة دول فلوس عبد الله، أمانة في رقبتك... ولا أنت مش فاكر؟"


شوقي عبس وجهه وأجاب بسرعة، محاولًا إخفاء ارتباكه: "دي فلوسي يا سلوى، ده ورثي أنا، مش ورث حد تاني، الحكومة مدياني كل حاجة قانوني، إنتي ليه مستغربه كده؟"


سلوى ردت بعصبية: " عيب عليك، ليه تصرفهم كده؟"


شوقي زفر وهو يخطو نحو الباب قائلاً: "إنتي بقى فكري زي ما أنتي عايزة، ده شغلي وحقي أنا."


سلوى جابت بصوت قاسي: "بس الفلوس دي مش ليك لوحدك، فيه ناس تانية ليهم حق فيها. ما تقوليش بقى إنك مش هتسأل وتدور على الحق، ."


لكن شوقي تجاهل كلامها وخرج من الغرفة، بينما سلوى بقيت واقفة في مكانها، عينيها مليانة غضب وحيرة.


سلوى نظرت إليه بقلق وقالت: "وأنا وبناتك لينا في الفلوس دي، وبصراحة كده أنا خايفة انك تبعزق الفلوس في الهواء."


قال شوقي بتململ: "لا يا سلوى، أنتِ بتاكلي وبتشربي، عايزة إيه تاني؟"



سلوى نظرت إليه بحذر وقالت: "أنا مش عايزة حاجة، بس أنا خايفة تضيّع الفلوس دي زي ما عملت قبل كده."


شوقي ضحك وقال: "إزاي يعني؟ دي فلوسي وأنا حر أعمل بيها اللي أنا عايزه." ثم نظر إليها بعيون مشتعلة وقال: "وأنتِ كمان لازم تعملي زي ما أنا عايز، عشان ده بيتي وفلوسي."

قالت سلوى بضيق 

"أنت الكلام معاك خسارة"


شوقي رفع حاجبيه وقال: "إيه؟ فاكرة نفسك هتقدرِي تسيطرِي على الموضوع ده؟". سلوى نظرت له بغضب وقالت: "مفيش حاجة بتدوم على حالها."


تركته وحيدا و ذهبت بعيدًا 



شوقي أصبح يقضي أوقاته في الكازينوهات والأماكن المشبوهة، يجلس مع الأشخاص الذين لا يهمهم سوى المال والمراهنات. كل يوم، كانت الخسائر تتراكم، وكان يعود إلى المنزل خالي الوفاض، مشوشًا ويغمره شعور بالذنب، لكنه لا يستطيع التوقف.


❈-❈-❈

بعد ثلاثة أشهر من العلاج، جاءت اللحظة المنتظرة. نزع الطبيب الجبيرة من قدم سبيل، وكانت لحظة مؤثرة بالنسبة لها. شعرت أخيرًا بحريتها بعد فترة طويلة من الألم والعجز. كانت قادرة على الوقوف مجددًا والتحرك بحرية، لكن بالرغم من ذلك، كانت تشعر بحذر في خطواتها الأولى بعد الجراحة.


عادت سبيل إلى سجن الأحداث، لكن هذه المرة كانت تحمل في قلبها عزيمة أقوى. كانت متوترة قليلاً، حيث عادت إلى المكان الذي عاشت فيه صراعاتها وألمها، لكن في الوقت نفسه، كانت عازمة على عدم الاستسلام. بمجرد أن دخلت، شعرت بشيء مختلف في الجو. ربما كان هذا التغيير في نفسها، ربما كانت أقوى من قبل.


دخلت سبيل إلى سجن الأحداث، وفي طريقها إلى غرفتها، رأت جليلة تقف هناك، تنتظرها كما لو كانت تعلم أنها ستعود. نظرت إليها سبيل بحذر، بينما اقتربت جليلة منها بابتسامة قاسية.


جليلة: "أخيرًا رجعتي، يا أختي. كنتِ فاكرة نفسكِ هتخلصي من هنا؟"


سبيل بهدوء: "رجعت عشان أواجه الواقع. مش عشان أخاف منكِ."


جليلة بغضب مكتوم: "أنتِ مش فاهمة لسه. أنا هنا علشان أتحكم في كل حاجة، وأنتِ مجرد واحدة مش مهمة."


سبيل بتحدي: "أنتِ مش هتتحكمي في حياتي تاني. مفيش حاجة هتوقفني."


جليلة مستهزئة: "وأنتِ لسة فاكرة إنكِ هتعملي حاجة؟ لو فكرت ترفعي راسك هنا تاني، هتندمي."


سبيل بابتسامة هادئة: "مش هخاف منكِ، جلي. الدنيا مش هتدور حواليكِ طول العمر."


جليلة باستفزاز: "ده رأيك. خليني أشوفكِ بقى هتعملي إيه."


سبيل بتحدي أكبر: "كل حاجة في وقتها، لكن الأهم إني مش هخاف. أنا هخلي الدنيا تشوف مين هي سبيل."


ابتسمت سبيل وأدارت وجهها، ماضية في طريقها نحو غرفتها، بينما ظلت جليلة تراقبها بغضب من بعيد.

❈-❈-❈

دخل الطبيب سيف إلى غرفة سبيل حاملاً معه حذاء طبي خاص. نظر إليها بابتسامة دافئة، ولكنه شعر بالقلق في عينيه.


سيف: "سبيل، جبتلك الكوتشي ده علشان رجلك تتعافى بشكل أفضل. هيكون مريح ليكِ، وبإذن الله هيساعدك على الوقوف والمشي بشكل أسهل."


سبيل مبتسمة بتأثر: "شكرًا يا دكتور سيف، مش عارفة إزاي أشكرك، ومش عارفة لو كنت هقدر أتعافى ازاي لولا مساعدتك."


سيف بحنو: "أنتِ قويّة، كل اللي هتحتاجيه هو وقت وصبر. والشيء الأهم هو إنك مش لوحدك. "


سبيل بتأكيد: "أنا فعلاً حاسة بده، وأنت مش بس دكتور، أنت شخص مهتم بكل التفاصيل."


سيف بتواضع: "دي شغلتنا. المهم إنك تكوني مرتاحة، وبإذن الله هترجعي لحالتك الطبيعية قريب."


سبيل وهي تضع الحذاء: " شكراً مرة تانية يا دكتور سيف."


سيف مبتسم: "ده واجبي ."


ثم ترك سيف الغرفة وهو يشعر بالراحة أنه استطاع أن يقدم عمله على أكمل وجه .

❈-❈-❈

جليلة كانت تراقب الموقف عن كثب من بعيد، تتابع كل حركة وكل كلمة بين سيف وسبيل، ولكنها لم تتدخل في البداية. نظراتها كانت مشوبة بالغيرة والحقد، لكنها فضلت أن تبقى صامتة. كانت تراقب سيف وهو يقدم الحذاء الخاص لسبيل، بينما سبيل كانت تبدو ممتنة وسعيدة بالمساعدة.


جليلة تفكر في نفسها: "هو ده الوقت اللي هيتغير فيه كل شيء، ماكنش المفروض يكون فيه أي اهتمام من الدكتور سيف بيها. دلوقتي هي اللي هتخطف الأضواء منه."


استمرت جليلة في مراقبتهما عن كثب، ولكنها لم تُظهر أي رد فعل في تلك اللحظة. كانت تعرف أن الفرصة المناسبة ستأتي لتثبت قوتها مرة أخرى.


❈-❈-❈

أثناء الليل استفاقت سبيل فجأة من نومها عندما شعرت بشيء غريب يلامس فمها، وعينيها لم تفتحا بالكامل بعد. كانت يد قاسية تغطي فمها وتجذبها إلى الخارج بقوة. حاولت أن تصرخ، لكنها لم تستطع، الصوت محجوز وراء يد الشخص الذي كان يسحبها.


بينما كانت تُسحب في الظلام، حاولت أن تستجمع قوتها، إلا أنها لم تتمكن من رؤية شيء جيد. كانت تتنفس بصعوبة، وعقلها مشوش. لا تعرف إذا كانت هذه محاولة من جليلة للانتقام أو من شخص آخر داخل السجن. لكن شيء واحد كان واضحًا في ذهنها: "مين بيعمل كده ؟"


قبل أن تتمكن من التفكير أكثر، وجدت نفسها في غرفة مظلمة تمامًا، ولا تعرف ما الذي ينتظرها هناك.


كانت جليلة تسحب سبيل بقوة، ثم أجلستها على كرسي في غرفة مظلمة. بسرعة، بدأت جليلة تربط يدي سبيل بالحبل، بينما كانت تنظر إليها بابتسامة خبيثة على وجهها.


شهيرة بضحك هستيري " برافو عليكي يا جليلة خطتك نجحت " 


قالت جليلة بصوت مليء بالشر: "اربطي معايا يا شهيرة بسرعة."


ردت سبيل و هي تلتفت حولها ، وقد شعرت بالفزع يسيطر عليها: "شهيرة مين؟ مفيش غير أنا وأنتِ هنا" كان صوتها متقطعًا، وكأنها تبحث عن إجابة وسط هذا الموقف المرعب.


كانت الغرفة فارغة تماما


يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا ممدوح، لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة