-->

رواية جديدة على سبيل الألم لرانيا ممدوح - الفصل 17 - الأربعاء 22/1/2025

 

 قراءة رواية على سبيل الألم كاملة

تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر


رواية على سبيل الألم 

 رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة رانيا ممدوح 

الفصل السابع عشر


تم النشر الأربعاء

22/1/2025



انتقلت سبيل إلى سجن النساء بعد أن أتمت عامها الثامن عشر، لتبدأ فصلًا جديدًا من حياتها داخل أسوار مختلفة. كانت تعلم أن الحياة في هذا السجن لن تكون سهلة، لكن نظراتها كانت مليئة بالتحدي والقوة، عازمة على مواجهة ما ينتظرها.


بدأت سبيل تتأقلم مع البيئة الجديدة، محاطة بنساء يحملن قصصًا وأسرارًا لم تكن تعلم بوجودها. كانت تستمع بصمت، تحلل، وتتعلم من كل كلمة وحركة، لكنها لم تفقد هدوءها وصلابتها، وهي تحمل بداخلها عزيمة لتغيير حياتها يومًا ما، مهما كانت الظروف.


كل لحظة كانت تمر عليها تزيدها قوة، مستعدة لأن تكون قصة مختلفة وسط كل تلك الحكايات المظلمة.

❈-❈-❈

جاءت سلوى، زوجة عمها، إلى السجن لتزور سبيل لأول مرة منذ انتقالها. كانت سلوى تحمل في يديها كيسًا مليئًا بالطعام والملابس النظيفة، لكنها تحمل في قلبها مشاعر مختلطة بين الحزن والحنان.


عندما رأت سبيل، بدا على وجهها التأثر، لكنها حاولت أن تخفي دموعها خلف ابتسامة خفيفة.


قالت سلوى وهي تجلس أمام سبيل:

"إزيك يا سبيل؟ عاملة إيه؟ يا رب تكوني بخير وسط الظروف دي."


نظرت سبيل إلى وجه زوجة عمها بملامح جامدة، لكنها شعرت بالدفء في كلماتها. أجابت بهدوء:

"أنا بخير يا طنط... متشكرة إنك جيتي. بس أنا حاسة مش قادرة استحمل كل ده"


سلوى تنهدت وقالت:

"إحنا كلنا مستنيين اليوم اللي تخرجي فيه، يا سبيل. واثقة إنك قوية وهتعدي المرحلة دي. المهم إنك متخليش الحزن يهزمك."


كانت كلمات سلوى محاولة لبث الطمأنينة، لكنها لم تستطع أن تمنع نفسها من السؤال الذي يلح في ذهنها:

"ليه حصل كل ده يا سبيل؟ كنت متوقعة منك إنك أحسن من كده."


سبيل ظلت صامتة لوهلة، ثم قالت بصوت مبحوح:

"محدش يعرف الحقيقة كاملة، يا طنط. بس اللي أعرفه إن الحياة أحيانًا بتظلمك حتى لما تحاولي تعملي الصح."


بدا أن سلوى تفهمت كلام سبيل، لكنها قررت ألا تضغط عليها أكثر. مدت يدها بحنان وربتت على يد سبيل قائلة:

"إحنا معاكِ مهما حصل. خليكي قوية، يا بنتي."


كانت تلك الزيارة تحمل بداخلها مزيجًا من الألم والأمل، لتترك في نفس سبيل شعورًا بأنها ليست وحدها تمامًا، وأن هناك من ما زال يهتم لأمرها.


قالت سلوى وهي تهز رأسها بحسرة:

"عمك الله يسامحه، عمال يبعزق في الفلوس يمين وشمال، ومخلي عيشتنا ضنك. قربنا نفلس يا سبيل. مش مكتوب علينا نعيش مرتاحين أبداً."


رفعت سبيل رأسها ونظرت إلى سلوى بدهشة، قائلة:

"هو فيه إيه يا طنط؟ يعني الوضع بقى صعب للدرجة دي؟"


ردت سلوى بتنهيدة طويلة:

"آه يا بنتي. الفلوس اللي كان المفروض تبقى للبيت والأولاد، بيصرفها على حاجات ملهاش لازمة. يشتري أراضي ملهوش فيها، ويدخل مشاريع فاشلة. وأنا اللي قاعدة أحارب لوحدي علشان أجيب أكل لولادي."


شعرت سبيل بالذنب تجاه معاناة زوجة عمها، لكنها لم تستطع إخفاء استغرابها:

"بس كان دايمًا بيتكلم إنه بيعمل مشاريع ناجحة."


هزت سلوى رأسها بمرارة:

"كلام في كلام. لما تيجي الحقيقة، تلاقي الديون بتزيد والمشاكل بتكبر. ربنا يسامحه ويهديه، بس أنا قربت أتعب. مش عارفة آخرتنا إيه."


نظرت سبيل إليها بحزن، ثم قالت:

"ربنا يصبرك يا طنط. إن شاء الله الحال يتعدل. ولو أقدر أعمل حاجة، مش هتأخر."


ربتت سلوى على يد سبيل بابتسامة خافتة، قائلة:

"إنتِ اللي لازم تركزى دلوقتي على نفسك، يا بنتي. خلي بالك من حالك، وربنا يهدي النفوس."


قالت سلوى وهي تنهض ببطء:

"أنا همشي دلوقتي يا بنتي. ولو عرفت أجيلك تاني، هاجي. خلي بالك من نفسك يا سبيل."


نظرت إليها سبيل بحزن وأجابت:

"هستناكي يا طنط. متأخريش عليا لو قدرتي."


ابتسمت سلوى ابتسامة شاحبة، ثم اقتربت واحتضنت سبيل بحنان.

"ربنا معاكي يا بنتي. إنتِ قوية وهتعدي كل ده. متخليش أي حاجة تكسر قلبك."


همست سبيل:

"دعواتك يا طنط. هي اللي واقفة معايا."


غادرت سلوى الغرفة بخطوات بطيئة، تاركة وراءها قلب سبيل مثقلًا بالمشاعر المختلطة.

❈-❈-❈

اقتربت مشرفة السجن من سبيل بابتسامة هادئة وقالت:

"يا سبيل، عندنا هنا في السجن أكتر من مهنة ممكن تشتغلي فيها. ده غير إن شغل الإيد بيشغل البال وبيخفف الضغط."


نظرت سبيل إليها باهتمام وسألت:

"زي إيه حضرتك؟"


ردت المشرفة وهي تعدد الخيارات:

"عندنا تفصيل الملابس، تطريز، أشغال يدوية، وحتى شغل في المطبخ لو حبيتي."


فكرت سبيل لبرهة وقالت:

"أنا بحب التفصيل... كنت بشوف أمي وهي بتشتغل على الماكينة في البيت وكنت بحاول أتعلم منها."


ابتسمت المشرفة بفخر وقالت:

"اختيار جميل. التفصيل محتاج صبر وذوق، وأعتقد إنك هتبقي شاطرة فيه. تعالي أوريكي المكان."


قادتها المشرفة إلى ورشة صغيرة مجهزة بماكينات خياطة وبعض الأقمشة المعلقة.

"هنا هتشتغلي مع باقي البنات. كل واحدة بتاخد جزء بسيط تتعلمه في البداية، وبعدين نوزع الشغل حسب مهارتكم."


لمست سبيل إحدى الماكينات وقالت بابتسامة خفيفة:

"بحس إن ده المكان المناسب ليا."


ردت المشرفة مشجعة:

"أهو شغل جديد وفرصة تبدأي صفحة جديدة. وصدقيني، المجهود اللي هتبذليه هنا هيكون ليه قيمة."


أضافت المشرفة بابتسامة مشجعة:

"وكمان مش بس كده، يا سبيل، الشغل هنا مش هيساعدك تتعلمي حاجة جديدة وبس، لا، ده كمان ليه مكافأة بسيطة تقدري تشتري بيها اللي نفسك فيه من الكانتين أو تجمعيهم لمصاريفك الشخصية ."


نظرت سبيل إليها بدهشة وقالت:

"بجد؟ يعني ممكن أوفر فلوس وأجيب اللي عايزاه؟"


أومأت المشرفة برأسها وقالت:

"طبعاً، وكل ما كنتي شاطرة ومجتهدة، كل ما زادت فرصتك تجمعي أكتر."


ابتسمت سبيل لأول مرة منذ وقت طويل وقالت:

"حلو جداً... شكراً لحضرتك، أنا فعلاً محتاجة أعمل حاجة زي دي."


ردت المشرفة وهي تضع يدها على كتف سبيل بحنو:

"خديها فرصة يا سبيل... كلنا بنمر بظروف صعبة، لكن المهم إننا نحاول نخرج منها أقوى."


بدأت سبيل تتعلم التفصيل على يد مشرفة السجن، هبة، وهي امرأة في الخمسين من عمرها كانت تتمتع بملامح هادئة وابتسامة مطمئنة. كانت هبة تعامل النزيلات كأنهن بناتها، تنصت إليهن وتساندهن في أوقات ضعفهن.


أمسكت هبة بقطعة قماش ووضعتها أمام سبيل قائلة:

"شوفي يا سبيل، التفصيل مش بس شغل إيد، ده فن وصبر. أول حاجة نتعلمها هي إزاي نقص القماش بطريقة صحيحة."


نظرت سبيل إلى القماش بتردد، فابتسمت هبة وأعطتها المقص قائلة:

"يلا، جربي بنفسك. لو غلطتي مش مشكلة، هنتعلم من كل غلطة."


بدأت سبيل تقطع القماش بحذر، وكانت يدها ترتجف قليلاً. لاحظت هبة ذلك وقالت بلطف:

"براحة يا حبيبتي، ما تخافيش. ركزي وخدي وقتك."

❈-❈-❈

مع مرور الأيام، بدأت سبيل تشعر بثقة أكبر. كانت هبة دائمًا ترفع من معنوياتها بكلماتها المشجعة:

"شغلك بيتحسن يا سبيل. قريب هتلاقي نفسك بتصممي حاجات جميلة، وهتشوفي إنك موهوبة فعلاً."


مع الوقت، لم تكن سبيل تتعلم التفصيل فقط، بل بدأت تشعر بأن هناك شخصًا يهتم لأمرها ويدعمها، مما جعلها ترى بصيص أمل وسط حياتها القاسية.


مع مرور الأسابيع، أصبحت سبيل أكثر مهارة في التفصيل. كانت تعمل بجد، تقضي ساعات طويلة في الورشة الصغيرة داخل السجن، تحاول تعلم كل التفاصيل الممكنة عن الخياطة والتصميم.


لاحظت هبة شغف سبيل فقالت لها يومًا:

"أنا شايفة فيكي موهبة كبيرة، يا سبيل. لو كملتي بالشكل ده، ممكن يوم ما تخرجي تبقي مصممة أزياء مشهورة."


ابتسمت سبيل بخجل وقالت:

"بصراحة، مش متخيلة إني أقدر أعمل حاجة زي دي. حياتي كلها كانت مشاكل ومعاناة."


ردت هبة بحزم ولطف:

"الحياة ما بتقفش عند العقبات يا بنتي. اللي بيبدأ من تحت الصفر ممكن يطلع للقمة لو كان عنده العزيمة. وأنتِ عندك العزيمة."


ذات يوم، جاء طلب كبير من إدارة السجن لتصميم زي موحد للنزيلات. قررت هبة أن تجعل سبيل تشارك في تصميمه. قالت لها:

"دي فرصتك يا سبيل. لو نفذتِ التصميم ده، هتثبتي لنفسك إنك تقدري تعملي أي حاجة."


عملت سبيل ليلًا ونهارًا، تجمع الأقمشة، ترسم التصميمات، وتختار الألوان بعناية. وعندما انتهت، قدمت التصميم إلى هبة، التي نظرت إليه بإعجاب وقالت:

"تحفة! ما شاء الله عليكِ، يا سبيل. التصميم ده لازم الكل يشوفه."


وبالفعل، تم تنفيذ التصميم الذي ابتكرته سبيل، وحصل على إشادة من الجميع، سواء النزيلات أو المشرفين. شعرت سبيل لأول مرة منذ فترة طويلة بأنها ذات قيمة، وأنها قادرة على تحقيق شيء يفتخر به الآخرون.

❈-❈-❈

بدأت ترى في التفصيل ليس مجرد مهنة داخل السجن، بل نافذة على مستقبل أفضل. أصبح لديها هدف جديد: أن تخرج يومًا ما وتبني حياة جديدة باستخدام هذه الموهبة التي اكتشفتها.


كانت هبة تجتمع مع النزيلات في ورشة التفصيل، تجلس وسطهن كأنها أم حنون، تعمل وتضحك وتروي قصصها التي دائمًا ما تثير البهجة في القلوب. في أحد الأيام، وبينما كانت النزيلات مندمجات في خياطة الملابس، رفعت هبة رأسها وقالت بابتسامة واسعة:


"مرة كنت شغالة في مصنع كبير، وكنت دايمًا أروح للشغل بدري. في يوم، قررت أفاجئ زمايلي وقمت أعمل كيكة وأجيبها معايا. بس وأنا ماشية على السلم، الكيكة طارت من إيدي ووقعت على الأرض!"


انفجر الجميع بالضحك، وعلّقت إحدى النزيلات:

"وإيه اللي حصل بعد كده، يا أبلة؟"


تابعت هبة وهي تمسك بطنها من الضحك:

"قلبي اتقطع عليها! بس كنت مصرة أجيبها، قعدت ألمها بسرعة وأعدل شكلها كأنها جديدة. لما زمايلي أكلوها، محدش شك لحظة إنها كانت على الأرض"


ضحكت النزيلات بشدة، وعلّقت سبيل وهي تمسك بقطعة قماش:

"أنا لو كنت معاكي يومها، كنت أكيد هعرف السر من طعم التراب"


زاد الضحك في الورشة، وتحولت الأجواء من العمل الشاق إلى لحظات مرحة ومليئة بالدفء. كانت هبة تعرف تمامًا كيف تحول الجو الكئيب إلى عالم من الضحك والسعادة، مما جعل النزيلات يشعرن بأن هناك أملاً وسط صعوبات الحياة.


مع الوقت، أصبحت القصص التي ترويها هبة جزءًا من يومياتهن، وكأنها وسيلة لتخفيف الأعباء وبث الأمل في قلوب الجميع، خاصة سبيل التي بدأت تبتسم وتضحك بشكل لم تكن تفعله منذ زمن طويل.

❈-❈-❈

تفاجأت سبيل بشدة عندما أخبرتها المشرفة أن هناك مبلغًا كبيرًا، يصل إلى عشرين ألف، تم إيداعه باسمها في السجن. شعرت بالحيرة والدهشة، وسألت بقلق: "عشرين ألف؟! ده كتير أوي! إزاي ده؟ ومين اللي حط المبلغ ده؟"


ابتسمت المشرفة وقالت بهدوء: "الفلوس دي جاية من جهة رسمية لدعمك في السجن، لكن ممكن تكون مش متوقعة المبلغ الكبير ده. مش لازم تشيلي هم، هي فرصة عشان تقدر تشتري مستلزماتك أو حتى تساعدي نفسك في أوقات معينة."


نظرت سبيل إلى المبلغ في حسابها بتمعن، ولا تزال مشوشة. "لكن... عشرين ألف؟ ده كتير جدًا... مش شايفة إن دي مبالغة؟"


ردت المشرفة مبتسمة: "عارفة إن ده قد يكون مفاجأة ليكي، بس المهم إنك تستفيدي منه في اللي تحتاجيه. الفلوس دي مش جايه من حد يعرفك، لكن هتساعدك في التغلب على الصعوبات هنا."


شعرت سبيل بمزيج من الدهشة والقلق، لكنها قررت أن تأخذ وقتها للتفكير في كيفية التعامل مع المبلغ. هذا المال قد يكون فرصة جديدة لها، لكنها لا تزال تشعر بالحذر تجاهه.


كانت تتلقى سبيل نفس المبلغ من المال كل شهر يساعدها على عيش حياة كريمة في السجن و جلب الطعام و الشراب الادمي داخله .

❈-❈-❈

قضت سبيل المدة المطلوبة في السجن ، و كانت زوجة عمها لم تأتي لزيارتها منذ سنوات و كأنه تم نسيانها بالكامل ، لكن المبلغ من المال الذي كان يرسل لها لم يُقطع أبدًا . 

حان الان خروج سبيل من السجن بعد قضاء سبع سنوات فيه و لم يأتي أحد ليستقبلها ، كان هذا مؤلمًا بالنسبة لسبيل ، لكنها لم تلاحظ أن سيارة سوداء غريبة الشكل تلاحقها و لا نعلم ماذا تريد منها بعد ،و عادت إلى منزلها الذي بقي لها من والدها فكل الأموال التي كان يملكها والدها ذهبت إلى أخيه شوقي بإعتبارها القاتلة له حُرمت من الميراث ، لكن لحسن الحظ أن والدها كان مسجل المنزل بإسمها حتى يضمن لها أن يكون لها منزلًا بعد وفاته ، نظرًا لأنها فتاة وحيدة سيرث معها عمها في تلك الأملاك والأموال. 

تفاجأت سبيل بوجود عمها يمكث في المنزل هو و زوجته و بنتيه الصغيرتان ، بعدما أنفق كل ما حصل عليه من أموال على الخمر و المقامرة ، و كل ما هو حرام و مقرف ، و نظرًا لأن المنزل يعود ملكيته لسبيل لم يستطع بيعه و الانتفاع بالاموال الخاصة به. 


احتضنت سلوى سبيل بشدة، عيونها مليئة بالحزن والأسى، وقالت بصوت مرتجف:

"أنا آسفة إن ما جيتش زرتك طول السنين اللي فاتت. كنت مشغولة في الشغل علشان أقدر أصرف على بناتي. وياريتني كنت أعرف أصرف... عمك صرف كل الفلوس على الحاجات اللي ملهاش لازمة،وعلى القرف اللي بيشربه حتى البيت القديم باعه، وقال لي خلاص، ما فيش حاجة تهمني غير نفسي. رغم إنه كان ممكن يحافظ على البيت اللي كان بإسمك، لكنه كان دايمًا بيشوف نفسه فقط. كان شايف إنه كل شيء ملكه."


سبيل، التي كانت متعبة جدًا، هزت رأسها وأجابت بصوت ضعيف:

"خلاص خلاص... أنا تعبانة وعاوزة أنام وأستريح."


قالت سلوى بلطف، محاولة أن تهدئها:

"روحي يا حبيبتي، الله يكون بعونك ويعوضك خيرًا. ربنا كبير، وإن شاء الله يجي اليوم اللي تعيشي فيه حياة أفضل."


ثم، ابتعدت عن سبيل بحذر، تاركة إياها ترتاح في فراشها، بينما كان الألم الذي يعتصر قلب سلوى واضحًا في كلماتها وأفعالها.


دخلت سبيل غرفتها التي لم تراها منذ سبع سنوات ،نظرت إلى سريرها الناعم و النظيف و المعطر و إلى غرفتها المنظمة و الواسعة و خزانة الملابس التي توجد بها ملابس كثيرة و نظيفة و مرتبة ، بالطبع تم بيع كل ما هو ثمين من قبل عمها و ترك الاشياء التي لا قيمة لها ، اخذت نفسًا عميقًا و دخلت المرحاض الخاص بها و اغتسلت جيدًا و ارتدت ملابس النوم التي. برغم مرور هذا الوقت لم تصغر عليها بس كانت جيدة لأنها كانت ترتدي ملابس واسعة لحد كبير ، الان اصبحت جيدة بعد أن نضجت ، رمت بجسدها على سريرها و ذهبت إلى نوم عميق ، لم تدري كم من الوقت نامت .


دخل شوقي البيت، وكان وجهه يعبّر عن توتره وحقده. نظر حوله بسرعة، ثم اقترب من سلوى وقال بصوت متوتر:


"هاتي الفلوس، ما عنديش وقت أضيعه. لازم تجيبي الفلوس اللي  عندك."


سلوى التي كانت جالسة على الأريكة، نظرت إليه بعينين متعبتين، ثم ردت بصوت حازم:


"أنا مش هديك فلوس تاني، كفاية اللي صرفته على نفسك وعلى الباطل، البنات أولى بكل حاجة دلوقتي."


شوقي شعر بالدهشة من ردها، ثم اقتراب خطوة إضافية وقال بصوت أعلى:


"إزاي يعني؟ انتِ مش عايزة تعطي لي فلوس علشان أعيش؟ ده حقّي."


"حقك؟ حقك على مين؟ حقك في اللي صرفته على الكباريهات؟ ولا على نفسك؟ مش هديك حاجة تانية، لو عاوز فلوس روح اشتغل، مفيش حاجة ببلاش." أجابت سلوى بثبات، وهي تدير وجهها عنه.


ثم نظر شوقي إلى الباب المغلق لغرفة سبيل وحدث نفسه بتوتر، ثم سأل بصوت غاضب:


"إيه ده؟ ليه الأوضة دي مقفولة؟"


سلوى أجابت بنبرة غير مبالية:


"دي أوضة سبيل و هي فيها دلوقتس."


"سبيل؟! ليه دخلتوها هنا؟ ده مكانها في الشارع، مش هنا! عايزة تخلي معانا واحدة قاتلة و سفاحة؟  اللي زيها مكانها في الزبالة  مش هنا" انفجر شوقي بغضب، بينما سلوى تمسكت بقرارها:


"هي زيها زي أي شخص، هتعيش هنا لحد ما نلاقي لها حل. أنا مش هسمح لك تدمّر كل حاجة بحججك، احترم نفسك ده بيتها أصلا و احنا الضيوف."


شوقي لم يجد جوابًا، فترك المكان في غضب شديد وهو يصرخ: "بقولك ايييييه خليها تمشي من هنا "


ولكن سلوى لم تكترث بكلامه، ووقفت مع نفسها، حامية قرارها بكل قوة.


استفاقت سبيل على صوت ضجيج عالي يأتي من الخارج، كان صوتًا غير محتمل يملأ المكان. تحركت ببطء، محاولًة أن تخرج من السرير، حتى وقفت على ساقيها بصعوبة. توجهت نحو الباب الذي كان مغلقًا بإحكام، حتى تحافظ على خصوصيتها أثناء نومها.


فجأة، سمع صوت شوقي يملأ الأجواء بتهكمه:


"أهلاً بالسنيورة، بتعملي إيه هنا يا سفاحة يا مريضة؟"


اقتراب شوقي منها كان سريعًا وعنيفًا، حاول أن يوجه إليها بعض اللكمات لكن زوجته سلوى تصدت له بكل قوتها، مدافعة عنها.


"متقربش منها يا شوقي، عايز منها إيه؟" قالت سلوى بغضب. "انت ناسي إن البيت ده بتاعها، و ليك عين تتكلم؟ وأنت اللي صرفت كل فلوس أخوك اللي تعب عليها، خلي بالك، هو عملهم علشان بنته مش علشانك انت، وإن كان للحق، أنت متستحقش ولا مليم من اللي طفحت بيه السم الهاري. ده بدل ما تحفظ فلوس الغلبانة، وتسامح فيها، ما صدقت جاتلك إيه؟ فكرت في بناتك؟ وبعد ما خلصتهم لوحدك، بقيت تطلب مني بعين بجحة فلوس عشان تأكل بناتك؟ ياخي مش مكسوف على دمك؟ وقرفك ده هيكون لحد إمتى؟"


لكن رد فعل شوقي لم يتأخر، فانهال عليها بالضرب واللكمات، سحبها إلى غرفتها وأغلق الباب، بينما استمرت الضربات العنيفة حتى فقدت الوعي. كان الدم ينزف من أنفها وفمها، وفي أثناء ضربه لها، كانت سبيل تطرق على الباب بجنون، محاولةً منعه من الاستمرار في الاعتداء، لكن دون جدوى.


بعد دقائق، خرج شوقي من الغرفة بعينين مليئتين بالشر، وقال:


"اسمعي يا بت، انتِ لو هتقعدي هنا يبقى تشتغلي وتجيبي فلوس، ولا إما تروحي تشوفيلك مكان تاني تنامي فيه. مش ناقص قرف. مش كفاية كان عندي تلت مصائب بقوا أربعة."


قال كلمات مؤلمة ثم خرج من المنزل، متجهًا إلى الحانة المعتادة التي يجلس بها حتى الصباح، غير مكترث بعائلته أو بمعاناتهم.


لكن المعاناة لم تنتهِ بعد.


يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا ممدوح، لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية

رواياتنا الحصرية كاملة