رواية جديدة على سبيل الألم لرانيا ممدوح - الفصل 20 - السبت 25/1/2025
قراءة رواية على سبيل الألم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخر
رواية على سبيل الألم
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة رانيا ممدوح
الفصل العشرون
تم النشر السبت
25/1/2025
في الأيام التالية، بدأت سبيل تتأقلم شيئًا فشيئًا على حياتها الجديدة، رغم شعورها الدائم بالغرابة وكأنها تعيش حلمًا قد ينتهي في أي لحظة. كانت تستيقظ مبكرًا يوميًا، تتناول فطورها مع شاهر، ثم تتوجه إلى النادي حيث تقضي ساعات في التدريب والتعلم.
ومع مرور الوقت، بدأت تشعر بالتغيير الحقيقي في داخلها؛ جسديًا ونفسيًا. شعرت بالقوة التي لم تعرفها من قبل، وبدأت تستعيد ثقتها بنفسها، تلك الثقة التي سُلبت منها بفعل الفقر الذي سقطت فيه عنوة والخيانة والصدمات المتتالية.
لكن حتى وسط هذا التغيير الإيجابي، لم تستطع سبيل أن تتجاهل فضولها تجاه شاهر. كان الرجل غامضًا للغاية. أحيانًا يظهر لطفه واهتمامه، وأحيانًا يغلق على نفسه أبوابًا لا يمكنها اختراقها.
❈-❈-❈
في أحد الأمسيات، عادت سبيل من النادي متعبة كعادتها، لكنها كانت تحمل في قلبها شعورًا بالإنجاز. دخلت إلى المنزل لتجده هادئًا بشكل غير طبيعي. لم يكن شاهر جالسًا في غرفة المعيشة كما اعتاد. شعرت بشيء من القلق، لكنها قررت التوجه إلى غرفتها لتبديل ملابسها.
بعد دقائق، سمعت طرقًا خفيفًا على باب غرفتها.
"ادخلي." قالت سبيل متوقعة أن تكون الخادمة، لكنها تفاجأت بشاهر يقف عند الباب.
"كنت عايز أتكلم معاكي شوية، لو عندك وقت." قال بهدوء.
"أكيد، طبعًا. اتفضل." جلست سبيل على الأريكة الصغيرة في غرفتها بينما دخل شاهر وأغلق الباب خلفه.
"سبيل، أنا عارف إنك لسه مش فاهمة ليه أنا عملت كل ده عشانك." بدأ حديثه وهو يجلس على الكرسي المقابل لها، عاقدًا ذراعيه.
نظرت إليه سبيل بترقب، قلبها ينبض بسرعة. "بصراحة، آه. الموضوع محيرني جدًا و مخليني مش عارفة استمتع بكل اللي أنا فيه دلوقتي."
تنهد شاهر بعمق، وكأن الكلام ثقيل على لسانه. "في حاجات في حياتي، حصلت زمان قبل ما أعرفك و أشوفك بكتير جدا ، أثرت فيا جامد. أخطاء عملتها أو بالتحديد حد عزيز علي ، ناس ظلمتهم، وفرص ضيعتها. لما شفتك، حسيت إنك فرصة جديدة بالنسبة لي... فرصة أصلح بيها حاجة دمرتها زمان غصب عني."
"تصلح إيه؟ و غصب عنك ازاي ؟أنا مش فاهمة حاجة." قالت سبيل بعفوية.
"لسه مش هقدر أقولك كل حاجة دلوقتي. لكن اللي أقدر أقوله إن حياتك هتتغير. وأنتِ الوحيدة اللي تقدري تخلي التغيير ده يبقى للأحسن أو الأسوأ."
شعرت سبيل بالارتباك. "بس أنا... أنا خايفة. خايفة أكون مجرد جزء من خطة أنا مش فاهمة نهايتها أو حزن جديد على حزني و أنا مش ناقصة ألم في حياتي كفاية اللي شوفته و عيشته لحد النهارده لسه بعاني منه ."
"متخافيش مني يا سبيل ، أنا عمري ما ااذيكِ
الخوف طبيعي. بس لازم تثقي في نفسك و فيا، وفي اللي أنا بحاول اعمله علشان أسعدك و أعوضك عن كل اللي شوفتيه. كل خطوة هنا ليها سبب. وكل حاجة هتظهر قريب."
نظر إلى عينيها مباشرة، وقال بصوت هادئ: "بس لو حسيتِ في أي لحظة إنك مش عايزة تكملي، قولي لي. أنا مش هغصبك على حاجة و ممكن تمشي لو حبيتي في أي وقت ."
صمتت سبيل للحظات، تحاول استيعاب كلماته. "مش عارفة أقول إيه... بس أنا فعلاً ممتنة لكل حاجة عملتها. وهحاول أكمل... بس لو سمحت، لو فيه حاجة لازم أعرفها، قولي لي علشان أنا حاسة إن في سر كبير مخفي عني و أنا لازم أعرفه."
ابتسم شاهر ابتسامة خفيفة، ثم نهض واقفًا. "وعد، هقولك كل حاجة في الوقت المناسب.. سلام دلوقتي"
في صباح اليوم التالي نزلت سبيل إلى الأسفل بخجل، فقد كانت خطواتها مترددة وهي تسير باتجاه طاولة الطعام. كانت الطاولة مليئة بكل ما لذ وطاب، لكنها لم تهتم بالطعام بقدر ما كانت مشاعرها متضاربة بشأن الجلوس أمام شاهر. رفع شاهر نظره إليها وابتسم ابتسامة هادئة، وأشار بيده إلى الكرسي المقابل له.
"اتفضلي يا سبيل، الفطار مستنيكي."
جلست سبيل ببطء وقالت بصوت منخفض:
"شكرًا على كل حاجة، بجد أنا ممتنة جدًا."
رد شاهر بينما كان يقطع قطعة من الجبن:
"قلت مش محتاج شكرك على حاجة. المهم دلوقتي إنك تفضلي تركزي على نفسك. بصراحة، أنا كنت مع الكابتن امبارح، وقالي إنه شايف شوية تقدم في لعبك، بس قال إنك مش بنفس مستواكي القديم."
رفعت سبيل عينيها إليه بدهشة:
"كنت مع الكابتن؟ أنا مش مصدقة! طيب هو فعلاً شايف إني ممكن أرجع زي زمان؟"
هز شاهر رأسه مبتسمًا:
"مش بس ترجعي زي زمان، أنا متأكد إنك ممكن تكوني أفضل. الكابتن قال إنك عندك طاقة كبيرة، بس واضح إنك لسه مش مركزة 100%."
أومأت سبيل ببطء، ثم قالت بلهجة حزينة:
"أنا مش عارفة إذا كان ده ممكن. كل اللي حصل خلاني أحس إني ضعيفة و هشة من جوا و من برا... مش عارفة أرجع أكون زي ما كنت قبل كده."
رد شاهر بلطف، ونبرة صوته تمزج بين الجدية والدعم:
"كل اللي محتاجاه هو الوقت والثقة في نفسك. على فكرة، انتِ كنتِ من أفضل اللاعبين في النادي، وده بشهادة الكابتن نفسه. حتى لما اتكلمت معاه، كان واضح إنه لسه فاكر أدائك."
صمتت سبيل للحظات، ثم رفعت رأسها وقالت:
"شاهر بيه، أنا عندي طلب."
ابتسم شاهر وشبك يديه أمامه:
"قولي، طلبك مجاب."
ترددت للحظة، ثم قالت:
"ممكن أرجع ألعب مع الفريق؟ زي زمان؟ كنت دايمًا بحس إني أقوى لما أكون وسط الفريق. مش عايزة أكون لوحدي."
نظر إليها شاهر بتمعن، وكأن عينيه تدرس مشاعرها. ثم قال بنبرة تفهم وحزم:
"طلبك منطقي، وحقك. الفريق دايمًا كان مصدر دعم ليكي. بس الموضوع مش هيكون سهل. لازم تبذلي مجهود أكبر من أي وقت فات علشان تثبتي نفسك تاني، خصوصًا قدام الناس اللي شايفينك بشكل مختلف."
ردت سبيل بحماس مفاجئ:
"أنا مستعدة، هعمل أي حاجة. مش مهم التعب، المهم أحس إني ببدأ من جديد."
ابتسم شاهر ورفع كوب القهوة الخاص به:
"تمام. أول خطوة إنك تتدربي بجدية وتثبتي للكابتن إنك قد المسؤولية. أنا هتكلم معاه وأرتب الأمور. بس في المقابل، أنا كمان عندي شرط."
نظرت إليه بدهشة:
"شرط؟ إيه هو؟"
قال بابتسامة:
"إنك تفضلي واثقة في نفسك، مهما كانت الظروف. ده أهم حاجة دلوقتي."
ابتسمت سبيل بخجل، وشعرت بأن جزءًا صغيرًا من ثقتها بدأ يعود. ثم سألت:
"تفتكر الفريق هيقبلني بسهولة؟"
ضحك شاهر بهدوء وقال:
"أنا واثق إنهم هيقبلوك، بس لازم تبيني إنك مش أقل منهم، وإنك جايه تنافسي زي الأول. محدش يقدر ينكر إنك كنتِ واحدة من أحسن اللاعبين."
تنهدت سبيل وشعرت بالراحة، ثم قالت بابتسامة خفيفة:
"شكرًا... بجد."
أنهيا الإفطار، وكانت سبيل تشعر بأنها أقرب خطوة للعودة إلى نفسها القديمة.
قفز شاهر من مقعده وتناول رشفة من كوب القهوة الساخن الذي كان موضوعًا أمامه على الطاولة الصغيرة. ثم استدار نحو سبيل وقال بنبرة عابرة، كأنه يريد إخبارها بأمر بسيط:
"أنا همشي، عندي شغل وممكن أغيب كذا يوم. البيت بيتك، اتصرفي زي ما إنتِ عايزة."
اكتفت سبيل بابتسامة هادئة دون أن تنطق بأي كلمة. كانت تعلم أن كلماتها لن تضيف شيئًا في تلك اللحظة، خاصة أنه بدا مشغولًا بأفكاره.
❈-❈-❈
بعد أن غادر شاهر، توجهت سبيل إلى غرفتها، وارتدت ملابسها الرياضية الجديدة التي اشتراها لها. كان الطقم مثاليًا من حيث المقاس والتصميم، وكأنه صُنع خصيصًا لها. ألقت نظرة أخيرة في المرآة لتتأكد من أنها تبدو مرتبة، ثم حملت حقيبة صغيرة تحتوي على مستلزماتها وتوجهت إلى الخارج.
في الحديقة الواسعة، كانت السيارة الجديدة الفاخرة تنتظرها مع السائق، الذي أسرع بفتح الباب الخلفي لها عندما رآها تقترب.
"اتفضلي يا هانم."
ركبت سبيل السيارة بهدوء، وجلست على المقعد الخلفي، متأملة التفاصيل الداخلية الفاخرة للسيارة التي كانت تلمع بشكل مبهر. شعرت وكأنها في عالم مختلف تمامًا عن الذي اعتادت عليه.
بينما كانت السيارة تتحرك ببطء خارج القصر، جلست سبيل صامتة، تنظر من النافذة. كانت تحدق في المارة والسيارات الأخرى، مستنشقة الهواء العليل. شعرت بشيء من الراحة، لكنها لم تستطع التخلص تمامًا من الشعور بالغرابة؛ وكأنها تعيش حلمًا غير متوقع.
عندما اقتربت السيارة من النادي الرياضي ، نظرت سبيل إلى السائق وقالت:
"استنى... اقف هنا."
رفع السائق حاجبيه مستغربًا وقال:
"لسه النادي قدام شوية."
أجابته سبيل بحزم وهي تفتح الحقيبة لتأخذ أموالاً بسيطة من داخلها:
"لأ، أنا عايزة أنزل هنا. لما تيجي تاخدني، استناني هنا برضو."
ابتسم السائق بهدوء وأومأ:
"أمرك يا هانم."
نزلت سبيل من السيارة بخفة، أغلقت الباب خلفها، ووقفت للحظة تتأكد من أن لا أحد قد لاحظها. كانت تعلم أن ظهورها بجانب سيارة فارهة بهذا الشكل قد يثير التساؤلات، لكنها لاحظت أن الشارع كان خاليًا تقريبًا من المارة، مما جعلها تشعر بشيء من الراحة.
سارت بضع خطوات مبتعدة عن السيارة، وهي تحمل حقيبتها بخفة، ووجهها يتجه نحو النادي الذي لم تطأه قدماها منذ فترة طويلة. شعرت بشيء من الحنين، وأخذت نفسًا عميقًا وهي تحاول التماسك، مستعدة لمواجهة ذكرياتها القديمة هناك.
وقع نظر المدرب على سبيل التي كانت تقف عند طرف الحلبة، فألقى عليها نظرة مليئة بالفخر والحماس. صاح بصوت عالٍ وقال بحماسة:
"سبيل، تعالي هنا!"
المدرب نادى بصوت عالٍ جعل كل المتدربين في الصف ينتبهون. بدأوا ينظرون إلى بعضهم البعض، يتساءلون عن تلك الفتاة التي يتحدث معها المدرب بتلك الحماسة، التي كانوا يرونها لأول مرة.
نظر المدرب إلى الجميع بابتسامة كبيرة، ثم قال بفخر:
"دي سبيل، كانت بتدرب معايا من سبع سنين كده، وكانت مميزة جدًا. هي بعد ليث على طول في المستوى، بجد ملقتش حد بيلعب زيها، وسعيد جدًا إنها رجعت تتدرب معانا تاني."
كان ليث جالسًا في الصف، لكنه لم يستطع تجاهل نظراته التي كانت تنجذب إليها بشكل تلقائي. عينيه كانت تلمع، وكان يحاول جاهدًا أن يُخفي ابتسامته، لكنه لم يستطع. كانت سبيل أمامه كالعالم الوحيد الذي يحتوي على كل شيء. بالنسبة له، لم تكن مجرد زميلة في التدريب، ولا مجرد فتاة متميزة في مجالات عدة، بل كانت أقرب إلى قلبه بكثير. كانت تمثل شيئًا عميقًا لا يمكنه التعبير عنه بسهولة.
ابتسمت سبيل بلطف وقالت في صوت هادئ:
"أنا سعيدة بوجودي وسطكم."
ثم نظر المدرب إليها وقال:
"يلا يا سبيل، البسي اللبس الخاص بينا. أنا جهزتلك اللبس ورقمك سبعة اللي بتحبيه."
انطلقت سبيل نحو المكان الذي أشار إليه المدرب. كانت الملابس الرياضية التي أعدها لها هي نفسها التي كانت ترتديها في الماضي، وكان اللون الأزرق المائل إلى الأخضر يوحي بالكثير من الفخر والتفوق، فقد كان حصريًا للأقدم في الفريق. كان الرقم سبعة هو رقمها المفضل، الرقم الذي ارتبط بمسيرتها الرياضية الناجحة منذ بداية تدريبها.
بينما كانت تلبس الزي الرياضي، كانت مشاعر مختلطة تدور في قلبها. شعرت بنوع من العودة إلى الماضي، حيث كانت تستمتع بلحظات التدريب وتحقق الانتصارات، لكنها أيضًا شعرت بشيء جديد داخلها، شيئًا لم تعتده بعد، شيء عميق جدًا مرتبط بهذا الفريق وبهؤلاء الأشخاص.
أخرجت سبيل المضرب الخاص بها من حقيبتها الرياضية، وعندما رآه المدرب، لم يتمالك نفسه من الإعجاب به. ألقى نظرة فاحصة عليه ثم قال بحماس:
"بجد مشوفتش زيه غير برا مصر. ده مضرب ممتاز، شكله محترف جدًا!"
ظل المدرب يقلب المضرب في يديه يمينًا ويسارًا، يلاحظ تفاصيله بعناية، ويستمر في تمجيده:
"ده مش مضرب عادي، ده من النوع الرفيع، يبدو أنه تم شراؤه من الخارج، أنا مش شفت مضرب زي ده هنا قبل كده"
ابتسمت سبيل في خجل، وقالت بهدوء:
"ده هدية يا كابتن، أنا مش اشتريته."
لكن المدرب لم يكن ليكتفي بذلك، بل نظر إلى المضرب بحذر وقال مع ضحكة صغيرة:
"بجد، ده شكله حد عزيزة عليه قوي يا سبيل."
ابتسمت سبيل مجددًا، لكن ابتسامتها كانت مختلطة بشيء من الحيرة، فقد كانت هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها المدرب بهذه الطريقة عن شيء شخصي لها، وكأن المضرب يحمل وراءه قصة لم تفصح عنها بعد.
❈-❈-❈
بينما كانت سبيل تشعر بالخجل من تلك الكلمات، كان ليث يراقب المشهد بصمت. كانت عيناه مركزة بشكل غريب على المضرب، وكان يبدو عليه تململ من الحديث. تغيرت تعابيره فجأة، وحاول السيطرة على مشاعره لكن ذلك كان واضحًا. كان هناك شيء في نظرته يشي بأنه لم يكن مرتاحًا بتلك الأحاديث، وربما كانت تثير في نفسه شيئًا غامضًا.
لم تستطع سبيل أن تلتقط كل تلك التوترات في اللحظة نفسها، لكنها شعرت بشيء ما في الجو. فكرت في الأمر قليلاً، لكنها قررت أن تركز على التدريب في تلك اللحظة.
توجهت سبيل بهدوء إلى الصالة المخصصة للفتيات، حيث كانت مجموعة من الفتيات يتدربن بجد. كانت الصالة مليئة بالحركة والنشاط، كل واحدة منهن تركز على تدريباتها. ومع ذلك، كان ذهن سبيل مشغولًا بما قاله المدرب، وبنظرة ليث التي لم تتركها.
بعد أن انتهت من التدريب كانت سبيل تتجه بخطوات ثابتة نحو الباب لتغادر الصالة وتعود إلى المنزل، عندما سمعت صوتًا مألوفًا ينادي عليها من بعيد. توقفت فجأة في مكانها، ورفعت رأسها لتلتفت، فوجدت ليث يقف هناك، يبتسم لها بابتسامة صغيرة، كانت تجمع بين الحرج والراحة في آن واحد.
"أزيك؟"
قالها ليث بصوت منخفض، ولكنه كان يحمل نبرة من الود والاهتمام الذي جعله يبدو كأنه لا يريد أن يفوت فرصة الحديث معها.
ابتسمت سبيل بتردد، وعادت تحييه، ثم ردت بصوت هادئ:
"الحمد لله بخير. أنت عامل إيه؟"
أجابها ليث بنبرة خفيفة، وكأن حديثه كان يتعلق بشيء بعيد عن التدريب وعن الأجواء المحيطة:
"كويس، الحمد لله. عندي فضول أعرف تم قبولك هنا تاني إزاي؟"
في تلك اللحظة، شعر قلب سبيل ينبض أسرع قليلاً. سؤال ليث كان بريئًا، لكنه في ذات الوقت جعلها تتذكر كل شيء. كان من الصعب عليها أن تروي له القصة بالكامل، لأن ما حدث معها كان أكثر من مجرد محض صدفة. لا أحد يمكنه أن يصدق ما حدث، خاصة أن رجلًا غريبًا ظهر فجأة في حياتها، وقدّم لها كل تلك المساعدات دون مقابل، كما لو أنه كان يعرفها طوال حياته.
ترددت سبيل في الإجابة، وأخذت لحظة للتفكير. تذكرت كل ما مرّت به منذ أن التقت بشاهر، الرجل الذي جاء في وقت كانت فيه هي في أمس الحاجة للمساعدة. كانت رحلتها مليئة بالتغيرات، ومن الصعب عليها أن تشرح له أو حتى تفهم هي نفسها السبب وراء كل ذلك. أكان شاهر حقًا شخصًا صالحًا؟ أم كان لديه أهداف أخرى؟
ولكنها قررت في النهاية أن تروي له ما تستطيع قوله، فصمتت قليلاً ثم قالت بهدوء:
"واحد صاحب والدي الله يرحمه هو اللي ساعدني أجي تاني، والحمد لله إني رجعت لأكتر حاجة أنا بحبها."
كانت كلماتها بسيطة، لكنها حملت في طياتها الكثير من المعاني. في هذه اللحظة، تذكرت والدها، وكم كان له من الأثر في حياتها، وحتى بعد وفاته، لا تزال شخصيات معينة تُذكّرها به. فكرت في شاهر، الذي جاء في لحظة ضعيفة من حياتها، وكيف أنه قدم لها يد العون رغم أنه لا يعرفها حقًا.
ليث نظر إليها بتمعن، ربما كان يتوقع إجابة مختلفة، لكنه ظل صامتًا للحظات، وهو يفكر في ما قالته. نظراته كانت مليئة بالتساؤلات، وكأنه يريد أن يفهم أكثر، لكنه أدرك أنه قد لا يكون الوقت مناسبًا لطرح المزيد من الأسئلة.
أخذ نفسًا عميقًا، ثم قال بابتسامة خفيفة:
"ماشي، يبدو أن الأمور مش سهلة زي ما كنا نعتقد. بس المهم إنك رجعتي تاني، وبإذن الله يكون كل شيء أفضل."
❈-❈-❈
ثم صمت للحظات أخرى، كأنما يحاول ترتيب أفكاره. بعدها، تحدث بحذر أكثر:
"أنا عارف إن في حاجات بتكون صعبة علينا، وفي ناس ممكن يجيوا في وقت ما نحتاجهم. أنا سعيد إنك لقيت فرصة تانية للرجوع."
شعرت سبيل بشيء غريب يمر عبر قلبها. كانت كلمات ليث تحمل نبرة تفهم، وكأنها لم تكن بحاجة للتفسير الكامل. أحيانا، تكفي الكلمات البسيطة لفهم المشاعر الخفية.
ابتسمت سبيل مجددًا، وقالت:
"الحمد لله، وإن شاء الله كل شيء يكون على ما يرام."
ثم التفتت لتحمل حقيبتها الرياضية، وكأنها قد أنهت حديثها مع ليث. لكن قبل أن تبتعد، نظرت إليه مرة أخرى، ولاحظت تلك النظرة التي كانت تملأ عينيه. كانت نظرة غريبة، مزيج من الفضول والقلق.
"هتدربي النهاردة؟" سأل ليث وهو يحاول تغيير الموضوع.
"آه، إن شاء الله، هكمل تدريب كمان شوية. بس كنت حابة أسأل لو في فرصة للتدريب مع الفريق الرئيسي زي ما كنت متعودة؟"
كانت هذه المرة الأولى التي تتحدث فيها عن العودة للتدريب مع الفريق الكبير، وقد كانت عيونها تلمع حين فكرت في ذلك. كانت دومًا تفضل أن تكون ضمن الفريق الأساسي، حيث التحدي الحقيقي والمنافسة الأقوى.
ليث نظر إليها بابتسامة ماكرة، وقال:
"أكيد، هقولك على كل حاجة في وقتها، بس أعرفك على حاجة... إحنا محتاجين منك شوية تمرين زيادة، وممكن نشوفك مع الفريق عن قريب."
ثم، بابتسامة أخيرة، تحرك مبتعدًا.
كان ينظر لها بحب شديد يظهر في لمعة عيناه و وجه الذي أحمر خجلا و سعادة نبرة صوته المرتجفة قليلا ، و تلاشي النظر لها من حين لآخر ، فهو الشخص الماهر المشهور قليلا في النادي و الذي لا يقوى أحد على التحدث معه يقف خجِلا من رؤية فتاته التي يحبها بشدة و يدق قلبه و تتسارع ضرباته فرحا و سرورا ، و اخيرا تجرأ على قول بضع كلمات تصف نقطة من بحر عواطفه تجاهها:
- انا سعيد إني هقدر اشوفك كل يوم زي زمان.
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة رانيا ممدوح، لا تنسى قراءة روايات و قصص أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية