-->

رواية جديدة أرهقته حر با لتوتا محمود - الفصل 19 - 4 - الثلاثاء 7/1/2025

  

رواية أرهقته حربًا الجزء الثاني من رواية عشق بعد وهم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى




رواية أرهقته حر با الجزء الثاني من رواية عشق بعد وهم

رواية جديدة قيد النشر

من قصص و روايات 

الكاتبة توتا محمود


الفصل التاسع عشر

4

تم النشر بتاريخ الثلاثاء

7/1/2025

ثم ركبت سيارتها، وأدارت المحرك، وهي تشعر بأن الأمور بدأت تتشابك أكثر  ، كانت مصممة على الوصول إلى الحقيقة، مهما كان الثمن.


في الوقت نفسه، بقي «شهاب» جالسًا في مكانه، يراقب الكوب الذي شربت منه  ، عيناه لم تفارقا طابع أحمر الشفاه الذي تركته على حافته  ، شعر بأن هذا الكوب ليس مجرد قطعة زجاج عادية، بل هو جزء من لحظة خاصة جمعته بها، لحظة لم يكن يريد أن يشاركها أحد.


بهدوء، مد «شهاب» يده وأمسك بالكوب، وكأنه يحمل شيئًا ثمينًا يخشى أن ينكسر  ، رفعه ببطء نحو شفتيه، وارتشف من الموضع الذي لامسته شفتيها، وكأنها ما زالت هنا، أمامه، تبتسم تلك الابتسامة الخفيفة التي كانت تثير بداخله شعورًا غامضًا بالدفء والانتماء.


كان يدرك أن هذا التصرف قد يبدو غريبًا لأي شخص، لكنه لم يهتم. 


بالنسبة له، هذا الكوب يحمل ذكرى لا يريد أن تفلت من بين يديه، ذكرى أول لقاء حقيقي بينه وبين «وعد»، لقاء جعله يشعر بأن الزمن قد توقف ولو للحظات، تاركًا لهما مساحة صغيرة في عالم يعج بالفوضى.


وضع الكوب بعناية في حقيبة صغيرة كان يحملها، ثم أخرج بعض النقود ووضعها على الطاولة، أكثر بكثير مما يكفي لتغطية حساب القهوة، كأنه يقدم عربون امتنان للكافيه الذي شهد هذه اللحظة.


خرج من الكافيه بخطوات هادئة، وعيناه تشعان بتصميم جديد. كان يعلم أنه يحمل الآن أكثر من مجرد كوب، بل جزءًا من «وعد»، جزءًا من الحلم الذي بدأ يتكون في أعماقه، الحلم بأن تكون يومًا ما جزءًا من حياته.


جلس في سيارته، وضع الكوب في مكان آمن بجانبه، وكأنه يخشى أن يُصاب بأي أذى.


 نظر إليه مرة أخرى، تمتم بصوت خافت:


ـ ده مش مجرد كوباية  ، ده البداية.


ثم أدار محرك السيارة، متجهًا نحو طريقه، وهو يعلم أن كل خطوة من خطواته المقبلة يجب أن تكون مدروسة بعناية، لأن الأمر لم يعد مجرد لعبة، بل أصبح هدفًا يتوق للوصول إليه.




❈-❈-❈


في إيطاليا، دخلت السيدة «عبير» والدة «كاميليا» إلى مكتب «فيكتوريا لياندرو» بخطوات مترددة ومرتبكة  ، كل خطوة تخطوها كانت تشعرها بارتعاش يتزايد في جسدها، وكأنها تسير نحو مصير مجهول ومخيف. 



مرت يومان فقط منذ لقائهما الأول، لكنها الآن تجد نفسها مجبرة على مواجهته مجددًا، بعد أن طلب رؤيتها على وجه السرعة.


 كان الجو ثقيلًا في المكتب الراقي، حيث بدت كل قطعة أثاث وكأنها شاهد على الصفقات المشبوهة والأسرار الدفينة.


عندما دخلت «عبير» الغرفة، كان «فيكتوريا لياندرو» يقف عند الشرفة ذات الزجاج الشفاف، يحدق في المدينة بأكملها بنظرات غارقة في الشرود. يديه كانتا غارقتين في جيوبه، وكأنهما تخفيان قرارات لا رجعة فيها.


 جلست «عبير» على الأريكة الجلدية الفاخرة، محاولًة تمالك نفسها، لكنها لم تستطع منع صوتها من الاهتزاز وهي تهتف:


ـ خير يا بيه؟


كان صوته هادئًا، لكن هدوءه كان مريبًا، يعكس ثقة مطلقة في السيطرة على الموقف. لم يلتفت نحوها، وكأن وجودها كان أمرًا ثانويًا بالنسبة له، وقال بنبرة جعلتها ترتبك أكثر:


ـ أنا فكرت في عرضك يا عبير، ولقيته كويس، وبنتك بصراحة عجبتني أوي، وأنا هشترى بس بشرط واحد.


شعرت «عبير» بأنفاسها تتسارع، وكأن صدرها بات ضيقًا لا يحتمل الهواء.


 حاولت أن تبدو واثقة، لكنها فشلت تمامًا، فصوتها خرج متوترًا وهي ترد:


ـ اتفضل يا بيه، وأنا موافقة، أي كانت الشروط.


التفت «فيكتوريا» نحوها بحدة، نظراته اخترقت أعماقها، جعلتها تشعر وكأنها تصغر شيئًا فشيئًا تحت وطأة عينيه المخيفتين. 


صوته كان كالسوط، لا يحتمل الجدل، وهو يقول:


ـ إنه إحنا نكتب عقد إن بنتك ملكي أنا، عشان لو دماغك وزتك ورحتي عند حد تاني تبيعي بنتك لي، فلازم تعرفي أن كاميليا النويري ملكي أنا، ملك فيكتوريا لياندرو.


تجمدت الكلمات في حلق «عبير»، حاولت أن تستجمع شتات شجاعتها لترد، لكن «فيكتوريا» لم يمنحها الفرصة  ، تقدم نحوها ببطء، ووضع الأوراق أمامها على الطاولة، صوته كان أكثر حدة وهو يأمرها:


ـ امضي على الورق ده.


نظرت «عبير» إلى الأوراق ثم رفعت عينيها نحوه، لكنها لم تستطع الثبات أمام نظراته المخيفة التي كانت تهددها بشكل غير مباشر  ، يدها ارتجفت وهي تمسك القلم، ووقعت على الأوراق، تشعر وكأنها توقّع على حكم إعدامها، أو ربما حكم إعدام ابنتها.


ما إن انتهت، حتى ابتسم «فيكتوريا» ابتسامة مرعبة، زاد من ارتباكها، وقال بنبرة هادئة لكنها مشحونة بتهديد مبطن:


ـ كده حلو، كاميليا النويري بقيت ملكي رسمي. مش عايز أشوف ضلك جنبها كده، ولا تحاولي تكلميها، ولا تتواصلي معاها.


كانت كلماته كالسكاكين التي تغرس في قلب «عبير»، لكنها لم تستطع النطق بحرف. 


أضاف «فيكتوريا» بحدة أكبر، وكأن القسوة تسري في عروقه:


ـ وعشان انتِ حلوة وعرضتي عليا بنوته قمر زي كده، هغرقك فلوس، تفضلي تصرفي فيها ومتخلصيهاش.


ثم عاد ليحدق من الشرفة، كأنما يتأمل المدينة التي ستشهد سقوط «كاميليا» في قبضته


 أكمل بشرود، لكن صوته كان يحمل ثقل مصير محسوم:


ـ وكده كده كلها يومين وبنتك هتبقى أسيرة ليا، وهتبقي أسيرة لقصر فيكتوريا لياندرو.


كانت الابتسامة التي ارتسمت على وجهه هذه المرة أشبه بابتسامة مفترس يستعد لافتراس فريسته.


 تخيلاته حول «كاميليا» تملأ عقله، تخيل كيف سيحولها إلى لعبة بين يديه، كيف سيذقها ألوان القسوة بلا رحمة.


 لم يعد هناك مجال للرحمة، فقد أصبح لديه الآن "فتانة"، وسيفعل معها ما يشاء، كما يحب، بالطريقة التي ترضي نزواته السوداء.


ظل «فيكتوريا» واقفًا هناك، يراقب المدينة، بينما تركت «عبير» المكتب بخطوات ثقيلة، تحمل في قلبها عبء الصفقة المشؤومة التي أبرمتها، والشكوك التي بدأت تحاصرها عن المصير الذي ينتظر ابنتها.




❈-❈-❈


كانت «راندة» تسير ذهابًا وإيابًا في صالة القصر، وكل دقيقة تنظر إلى باب القصر بترقب وقلق، تنتظر قدوم «وعد» و«كاميليا». 


كان الاتفاق بينهن أن اثنتين منهن تبحثان، بينما تبقى الثالثة في القصر لمراقبة الجدة «حميدة»  ، الوقت يمر ببطء، و«راندة» تشعر بثقل المهمة التي ألقيت على عاتقها.


 فجأة، سمعت صوت سيارة تقترب من القصر، فتوقفت عن السير لتتأكد من هو القادم.


 خطت نحو الباب ببطء، ولكن خطواتها قُطعت حين سمعت صوت «نور» تهتف من أعلى الدرج بلهفة:


ـ نوح جاه، نوح جاه.


صوت «نور» كان كافيًا لإثارة القلق في قلب «راندة»، فالعودة المفاجئة لـ«نوح» تعني أن هناك شيئًا مهمًا قد اكتشفه. 


جاءت «حميدة» تنزل على الدرج بهدوء، وملامحها جامدة كأنها تستعد لمواجهة شيء ما. 



دخل «نوح» إلى القصر بخطوات ثابتة، وعيناه مثبّتتان على «حميدة» مباشرة، وكأن نظراته تحمل ألف سؤال وجواب.


 كان أول من استقبله «نور»، التي عانقته بلهفة، لكنها شعرت بالغرابة عندما لم يبادلها العناق.


عيناه لم تفارق «حميدة»، كانت نظراته ثابتة وقاسية، وكأنه يحملها مسؤولية شيء ما. اقتربت «حميدة» منه ببطء، وملامح الحيرة تملأ وجهها، فهذه النظرات لم تعتدها من حفيدها.


 بدا وكأن «نوح» اكتشف سرًا كبيرًا، وسرعان ما أكدت حدسها عندما خرج «نوح» من عناق «نور» وهتف بقسوة:


ـ هو انتِ ليه مقولتليش أن بابا سبنا أنا وامى عشان واحدة ست؟


كلماته كانت كالصاعقة، رنّت في أرجاء القصر بصوت مدوٍ. شهقت «كاميليا» و«نور» في نفس اللحظة، بينما وقفت «حميدة» مذهولة، عيناها متسعتان من الصدمة.


 كانت تحاول استجماع كلماتها لترد، لكن صوت خطوات سريعة قطع صمت اللحظة، ودخلت «كاميليا» الغرفة وهي تصرخ بحدة، توجّه كلامها مباشرة إلى جدتها:


ـ مين هو باسم حبيب يا تيته؟ وإيه علاقتنا بيه؟ وليه أيان بيروح كل يوم المقابر بتاعتنا، يقعد هناك عند أهلنا اللي ماتوا؟ تقدري تفهميني مين ده أصلا؟


«حميدة» شعرت بأن الأرض بدأت تميد تحت قدميها، وكأن الحقائق تتكشّف واحدة تلو الأخرى، بدون أي فرصة للهرب.


 كادت أن تتحدث، وقلبها يصرخ من الاضطراب الذي يملأ صدرها، لكن اللحظة التالية كانت أكثر إرباكًا، عندما دخلت «وعد» بخطوات واثقة، وقالت بصوت هادئ لكن يحمل نبرة مريبة:


ـ أيان باسم حبيب، الاسم ده انتِ أكيد عارفاه والدليل أنك قولتي محدش يقرب منه، مين أيان ده؟


تراجعت «حميدة» إلى الخلف، وبدأت ترتبك، تهز رأسها بتوتر وكأنها تحاول نفي الحقيقة، لكن صوت الموسيقى العالية التي اقتربت من القصر جعل الجميع يستديرون نحو الباب، يتساءلون عن مصدر هذه الضجة. 


كانت الصدمة واضحة على وجوههم، حينما رأوا «يمن» ترتدي فستان زفاف، تمسك بيد «أيان»، وتدخل القصر بتحدٍّ واضح، كأنها تعلن انتصارها أمام الجميع.


ـ مفاجأة مش كده؟؟  ، باركولي يا جماعة اتجوزت أيان  . 


كانت كلماتها كالسيف، تخترق الأجواء المشحونة بالغموض والقلق  ، انعقدت ملامح «حميدة» بغضب شديد، وهتفت بصوت جهوري يملأ المكان:


ـ سواء اتجوزتيه أو متجوزتيهوش، اطلعي بره مش عايزة أشوف وشك ولا وشه.


لكن «يمن» لم تتراجع، بل ابتسمت بتحدٍّ وسخرية، وهي تقول باستفزاز:


ـ شكلك نسيتي يا ست حميدة، في مرة قلتلك أنا هاجي البيت متجوزة أيان ومش هتعرفي تعملي أي حاجة.


رفعت «حميدة» حاجبيها بغضب، وأجابت بسخرية مماثلة:


ـ ومين بقى اللي هيمنعني؟ انتِ؟ ده بيتي أنا.


لكن «يمن» لم تتوقف، وأكملت بثقة، ممسكة بيد «أيان» أكثر:


ـ وبيتي أنا كمان، ليا حصة في البيت ده، وليا حصة في الشركة، وليا حصة في كل حاجة انتي بتمليكيها، ونقلت ورثي كله لجوزي حبيب قلبي.


كانت تلك اللحظة قاتلة للجميع. شهقت الفتيات ما عدا «نوح» و«حميدة»، التي أصابتها الصدمة من قرار «يمن» بنقل ورثها لعدو العائلة، قرار كان بمثابة طعنة غادرة في ظهر العائلة بأكملها.

يتبع

إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة توتا محمود من رواية أرهقته حر با، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية


رواياتنا الحصرية كاملة