رواية جديدة أرهقته حر با لتوتا محمود - الفصل 20 - 5 - الأحد 12/1/2025
رواية أرهقته حربًا الجزء الثاني من رواية عشق بعد وهم كاملة
تنشر حصريًا على مدونة رواية وحكاية قبل أي منصة أخرى
رواية أرهقته حر با الجزء الثاني من رواية عشق بعد وهم
رواية جديدة قيد النشر
من قصص و روايات
الكاتبة توتا محمود
الفصل العشرون
5
تم النشر بتاريخ الأحد
12/1/2025
في صباح اليوم التالي، أشرقت الشمس بأشعتها الذهبية، وكأنها تحمل معها وعدًا بيوم جديد مليء بالأمل والطموح .
اتجهت الى السفرة ، وهى تهتف للخادمة بعد ما وضعت أخر صحن على السفرة التي كانت مليئة بالفطور الشهى .
ـ قولي لـ وعد وكاميليا ونوح ونور ينزلوا يفطروا ، وانتِ معدية علي المطبخ قولى لـ لبنى خليها تكلمنى وتيجي .
هزت رأسها وسرعان ما نفذت طلب «حميدة» ، بعد دقائق جاءت لها لبنى تحمل لها كوب القهوة ، فـ «حميدة» تُحب كثيراً القهوة من يـ ـد «لبنى» ، مما جلست بجانبها وهتفت بهدوء :
ـ صباح الخير يا مرات عمى ، عامله ايه دلوقتي؟؟ .
ـ احسن يا لبنى ، مع ان اليوم امبارح كان تقيل علي قلبي اوى .
اجابتها بهدوء والابتسامة تزين ثغرها وهى تربت علي يـ ـدها :
ـ ده ابتلاء ، وربنا بس هيشوف هنصبر ولا لا ، سيبها لربنا المره دي ، وزي ما تيجي تيجي ، حقك عليا انا ، متزعليش يا مرات عمى ، ده انتِ صوتك لوحده بالدنيا بحالها ، ربنا يديكي الصحه وتفرحي بـ باقي احفادك وتشوفي عيالهم كده يارب .
ابتسمت «حميدة» هذه المرة وهي ترفع يـ ـدها الثانية وتربت علي يـ ـدها التى تربت على يـ ـدها وهتفت بمحبة :
ـ تعرفي يا لبنى ، انا عمرى ما اعتبرتك مرات ابنى ، انا علطول شايفكى بنتي اللي مجبتهاش ، معزتك عندي من معزة اولادى الله يرحمهم ، ويمكن اعز كمان .
وقفت واقتربت منها وعانـ ـقتها بمحبة ، فـ زوجها تركها وترك إبنه ، وتخلى عنها ، ولكن زوجة عمها وحماتها لم تتخلى عنها أبداً ، تخلت عن إبنها ، ولم تتخلى عنها وقررت أن تعيش بجانبها دائما هى وحفيدها .
قطع شرودها صوت كاميليا وخلفها «راندة» :
ـ عصافير الحُب صحيوا ، صباح الخير عليكم .
ابتعدت «لبني» عن «حميدة» وجلست مكانها وهتفت هي بحُب :
ـ صباح الفل .
اقتربت «كاميليا» وقبـ ـلت يـ ـد جدتها وهتفت بحُب :
ـ اهلا بالحلويات كلها عامله ايه يا تيته دلوقتي ؟؟ .
نظرت لها بامتنان وهتفت باطمئنان :
ـ الحمد لله احسن من الأول بكتير .
ابتعدت عنها «كاميليا» مما اقتربت «راندة» وفعلت المثل وهتفت براحة :
ـ طيب الحمد لله يا حبيبتي كلنا كنا قلقنين عليكي .
تنهدت بعد ما تذكرت ما الذى حدث وهتفت بحزن هذه المرة :
ـ يلا الحمد لله .
ابتعدت «راندة» وجلست مكانها ، وبعد دقائق جاءت «وعد» بطالتها التي تخطف الأنفاس ، كانت ترتدى فستان ملئ بالرسومات الورد المختلفة والهادئة ، والفستان يصل من بعد الركبة ، وكان الفستان ذات احمال خفبفة يبرز ذراعيها وجمال بشرتها ، وكان يغطى منطقه الصـ ـدر بأكملها ، وكانت فوق ذراعيه بالطو باللون الأبيض ، كانت ترميها حول أكتافها ، وكانت تترك خصلات شعرها بحرية ، وبعض الخصلات اسقطوا فوق عينيها مما اعطها مظهر جيداً ، وكانت ترتدى القراط والتى كان شبيه بالورد الكلاسيك ، وكانت تضع بعض المساحيق التجميل حتي يبروزن وجهها ، مما بدأت فاتنة أكثر
اقتربت منهم وكانت كل الأنظار عليهم ، واقتربت من جدتها وقبـ ـلت يـ ـدها بحُب وهتفت بقلق :
ـ عامله ايه دلوقتي يا تيته .
اجابتها بأطمئنان وهى مازالت تتأمل حفيدتها بسعادة :
ـ بخير بقيت احسن الحمد لله .
ابتعدت عنها ، وجلست بجانب «كاميليا» التي هتفت بمشاكسة :
ـ الجمال ده كله رايح فين علي الصبح؟؟ .
نظرت لها وهتفت بهدوء مثل نظراتها :
ـ رايحه اشترى فستان احضر بيه حفلة توزيع الجوائز بكرة.
كادت أن تتحدث «كاميليا» ولكن قاطعتها «يمن» و زوجها الذى جاءوا وهتفت باستفزاز :
ـ ايه اللي يخليكي واثقة كده يا وعد النويري انك هتاخدى جائزة أفضل business woman .
اجابتها «وعد» بسخرية وهى تعقد يـ ـدها امام صـ ـدرها بثقة :
ـ هو كل اللي انتِ فاهمه انه كل سنه بيعملوا حفلة ويوزعوا جايزة واحدة بس؟؟ ، أحب اقولك ان الحفلة دي اتعملت عشان business woman and business Man .
بينما أكملت باستفزاز أكثر :
ـ اتعملت لاتنين ، بيكافئوا أشطر سيدات أعمال ، واللي عملوا مجهود كبير في السنة ، و رجال الاعمال برضوا نفس النظام ، يعني مش واحده بس هي اللي هتسلم الجائزة .
كادت أن تشرب كوب القهوة بعد ما ختمت حديثها ولكن ردت عليها «يمن» بسخرية وعينيها يشتعلون من نـ ـار الحقد :
ـ متتأمليش اوي انك تاخدى جايزة ، مين عالم ، ما انتِ ممكن متاخديش .
ابتسمت «وعد» علي حديثها وعقليتها الصغيرة وهتفت بسخرية منها وهى تنظر لها من أعلاها الى أسفلها :
ـ ليه يا يمن هو انتِ فاكرني زيك؟؟؟ ، انا فضلت طول الخمس سنين كبرت الشركة هنا مع نوح ، في الوقت اللي انا بكبر فيه الشركة ، كنتِ بتلعبي ، كنتِ بتيجي الشركة مش حباً في الشركة ، حباً فـ اللي في الشركة .
ختمت جملتها ونظرت لـ «أيان» بمعنى أنه تقصده ، كادت أن تتحدث وترد عليها ولكن قطعها رئيس الحرس وهو يهتف بنبرة أحترام لـ سيدة «حميدة» التى كانت تراقب الجو مشحون بينهم بصمت :
ـ في واحد يا هانم اسمه شهاب الشورى عايز يشوف أنسه راندة ، ادخله ولا ايه .
ردت عليها «كاميليا» بلهفة وهى تبتسم حين سمعت الأسم :
ـ طبعا دخله .
نظر الراجل الى «حميدة» مما هزت رأسها بمعنى أن تنفذ حديث حفيدتها ، وبالفعل غادر من أمامهم ، هتفت «كاميليا» بسعادة :
ـ ده شهاب يا تيته ، شهاب اللي حكتلك عنه .
اجابتها بهدوء بعد ما تذكرت حديثها :
ـ اه افتكرته .
اتجه «شهاب» لهم بإبتسامة ، وكانت جميع الأنظار عليه ، مما وقفت «راندة» وهى تتجه اليه تستقبله بإبتسامة ودودة :
ـ ايه يا عم مفيش سؤال ولا كلام ابداً ، مشغول في ايه .
صفحها باليـ ـد بترحيب وهو يهتف بنبرة مشاكسه مثلها :
ـ كنت مشغول في كام حاجه كده وخلصت علي خير ، وجتلك اهو لما عرفت انك نزلتي القاهره .
اجابته بهدوء ولكن عينيها يلمعون من الحماس :
ـ نزلت بقالي يومين كده ، تعاله اعرفك علي العيلة بقي
امسكت يـ ـده واقربته الي جدتها التي وقفت هي الاخرى وهى تصافحه هتفت بنبرة ودوده :
ـ اهلا بيك يا بنى أنست وشرفت .
اجابه هو الأخر بأحترام وهدوء :
ـ تسلميلي يا تيته .
ابتسمت له ، وجلست مكانها ، وعرفته علي «كاميليا» وصفحته هي الأخرى وعرفته «لبنى» و بعد ذلك نظرت الى «وعد» وقبل أن تعرفه عليه ، مد يـ ـده اتجاها وهتف بنبرة هيام أدركتها «حميدة» و «راندة» :
ـ ازيك يا وعد .
صافحته بهدوء وهى تبتسم له بلطف :
ـ الحمد لله ، أزيك انت يا شهاب .
قبل أن يجيبها هتفت «راندة» وهى تهتف بشك :
ـ انتوا تعرفوا بعض .
اجابتها «وعد» بهدوء ومازالت الأبتسامة مرسومه علي وجهها ، ومازال يمسك يـ ـدها يصافحها ولا يريد أن يتركها :
ـ اه اتعرفنا امبارح صدفة .
ختمت حديثها ونظرت الى يـ ـدها التى مازال يمسكها ، رفعت أنظارها وجدته يتأمل ملامحها بحُب ظاهر علي ملامحه ، والذى لحظ هذا الشئ «حميدة» و «راندة» بالطبع ، حممت بتوتر مما افاق وترك يـ ـدها واعتذر بتوتر :
ـ أنا اسف بس سرحت شويه .
اجابته هى بتوتر هى الأخر ، فهو كان يلمس يـ ـدها بطريقة غريبة :
ـ ولا يهمك .
جلست مكانها وشغلت تفكيرها في الصحن الذى امامها ، امسكت كوب القهوة واخذت ترتشف منه بهدوء ، اما هو كان يتأمل كل حركة تصدر منها ، قطع شروده «حميدة» وهى تهتف بود :
ـ طيب يا حبيبي تعاله افطر معانا .
اجابها بأحترام وهدوء هو الأخر :
ـ شكراً يا تيته مش جعان والله .
اجابته هى بنبرة لا تحمل النقاش ونبرتها كانت يوجد به حدة قليلاً :
ـ اقعد اشرب قهوة وكُل لقمة معانا يلا .
جلس بجانب «راندة» ، وأمام «وعد» التى كانت تشرب القهوة بكل هدوء ولكن بداخلها تشعر بالتوتر من هذا الشخص الغريب ، حدق بها ومازال يتأمل ملامحها وهو لا يصدق أن «وعد» امامه بهذا الجمال الذي سرق أنفـ ـاسه ، شرب القهوة التي وضعتها «راندة» امامه ، قطع تأمله للمرة الثانية صوت «يمن» وهى تجلس بجانب زوجها :
ـ انا يمن وده جوزى .
رفع أنظاره نحو «أيان» التى منذ أن دخل الى القصر وهو يراقبه بصمت ، هز رأسه وهو ينظر الي «أيان» نظره ترحيب :
ـ تشرفنا .
هز رأسه «أيان» وهو الأن أدرك نوايا «شهاب» ، فهو جاء إلى هذا القصر ليس بشأن «راندة» ، فهو جاء خصيصاً لـ «وعد» ، التى شعر بالقلق لاول مره اتجاها ، فهو مازال يرفض هذه العلاقة ، كان هو متفق مع عمه أن «كاميليا» ستكون لـ «شهاب» ، لان يعرف أن «كاميليا» شخصية صعبة المنال ولن تصمت عن حقها وفوق كل هذا ، تستطيع أن تتعامل مع «شهاب» ، ولكن «وعد» فهى فتاة رقيقة طيبة القلب ، تحُب عائلتها وبشدة ، شخصية هادئة لم تستطيع أن تتعامل مع «شهاب» وتصرفاته ..
يجب أن يفعل شئ بعد فوات الأوان ، يريد أن يجعل «وعد» تبتعد عن طريق «شهاب» ولو بأي طريقة .
اما «وعد» لحظت أكثر من مرة أن «شهاب» يحدق بها مما اصابها التوتر مرة أخرى مما وقفت وهتفت بتوتر :
ـ طب انا هستاذن انا بقى ، لانى اتأخرت ، عن أذنكم .
وقف «شهاب» هو الأخر وهتف بلهفة :
ـ تمام تعالى اوصلك .
ردت عليه «وعد» بأبتسامة مرتعشة :
ـ لا لا انا معايا عربيتي شكراً .
كاد أن يتحدث ولكن «وعد» اسرعت الى الخارج وكأنها تهرب منه خصيصاً ومن نظراته التى تجعلها بالتوتر ، وحين خرجت تنهدت كأن «شهاب» يمنعها من أن تتنفس بحرية ، اقتربت من سيارتها ، وهى تبحث عن مفاتيح سيارتها في حقيبتها ، ولكن لم تجدها ، مما أدركت أنها نسيتها بالداخل علي السفرة ، ماذا عليها أن تفعل الأن؟؟
فهى يستحيل أن تدخل الى الداخل ويوجد هذا الشخص ، مما لعنت حظها .
استدارت حتى ترى الحراس وتأمرهم أن يجلبوا لها مفاتيح سيارتها ، ولكن حين استدارات وجدته قريباً منها يشتـ ـم رائحتها كأنها أدمان ، مما ابتعدت عنه بلهفة وهتفت بأرتباك :
ـ في ايه؟؟ .
اجابها وهو مازال ينظر لها نظرات توترها وتمنعها من التنفس للمرة الثانية :
ـ نسيتي مفاتيحك .
ختم حملته واعطى لها المفاتيح مما أخذت منه المفاتيح بحذر بدون أن تلمس يـ ـده ، وركبت سيارتها بلهفة وهتفت بلطف :
ـ شكراً .
وحين ختمت جملتها غادرت من امامه سريعاً ، كأنه تهرب من شيطان بحد ذاته ، وهى تتمنى من قلبها أن لا تقابل هذا الشخص ابداً ..
وحين غادرت ابتسم هو بخبث وهو يهتف بنبرة تملك :
ـ هتروحى منى فين يا وعد ، مسيرك هتيجي تحت ايـ ـدى .
ختم جملته وابتسم هذه المرة ، ابتسامة شيطانية ، وهو يتخيل أشياء عديدة يفعلها معها حين تصبح ملكه له وحده .
❈-❈-❈
هبطت الطائرة الخاصة بسلاسة على مدرج مطار خاص، تحيط بها أجواء من الفخامة التي لا يختبرها سوى قلة من الأشخاص. محركات الطائرة هدأت تدريجيًا، بينما الباب الجانبي بدأ يفتح ببطء، كاشفًا عن السلم المعدني الذي يمتد نحو الأرض. من خلف الزجاج الداكن الذي يعكس أشعة الشمس، ظهر رجل طويل القامة، وقامته تشع بهيبة لا تخطئها العين.
خطواته كانت واثقة، كل خطوة تعلن عن شخص معتاد على السيطرة والتحكم في كل شيء حوله. كان يرتدي نظارة شمسية فاخرة تخفي وراءها عيونًا حادة تراقب كل شيء بدقة. سترته المصممة بإتقان، وحذاؤه اللامع، كل تفاصيل ملابسه كانت تعكس رجلًا لا يترك شيئًا للصدفة.
عندما وصل إلى أسفل السلم، كانت سيارته الفاخرة بانتظاره، محركها يعمل بصوت منخفض كأنها تنسجم مع هدوء المطار. لكنه لم يتوجه مباشرة إلى السيارة. وقف للحظة، ثم استدار نحو مساعده الذي كان ينتظره بخوف خفي في عينيه، رغم الابتسامة الهادئة التي يحاول التمسك بها.
ـ رتبت كل حاجة؟
نبرة صوته كانت باردة، لكنها تحمل في طياتها نغمة تهديد خفية. لم يكن السؤال مجرد استفسار عابر، بل كان اختبارًا للولاء والدقة. المساعد، شاب في مقتبل العمر، كان يقف بثبات ظاهري، لكن أعماقه كانت مضطربة، يعلم أن أي خطأ يمكن أن يكلفه الكثير.
رد المساعد بثقة، محاولًا أن يظهر براعة في تنفيذ الأوامر:
ـ أيوه يا فيكتوريا بيه، مستنين بس كاميليا تطلع من البيت عشان ننفذ.
لم تكد الكلمات تخرج من فمه حتى رأى وجه فيكتوريا يتغير في لحظة، كأن غيمة من الغضب السوداء غطت وجهه. قبل أن يتمكن المساعد من استيعاب ما يحدث، كان فيكتوريا قد تحرك بسرعة لا تتناسب مع شخصيته الهادئة. قبضت يده بقوة، ثم انطلقت لكمة منه كالرعد، أصابت المساعد مباشرة في وجهه.
وقع المساعد على الأرض بقوة، الصدمة والوجع ارتسمتا على وجهه ، حاول أن يستوعب ما حدث، بينما كان صوت فيكتوريا، هذه المرة ممتلئًا بالغضب المكبوت، يخترق الهواء كالسيف:
ـ اسمها كاميليا هانم، فاهم؟
تلك الكلمات كانت كالرصاص، تخترق أذني المساعد الذي أدرك أنه تجاوز حدودًا لا يُسمح له بتجاوزها.
كانت نظرات فيكتوريا تحمل في طياتها رسالة واضحة " لا مجال للاستهتار بالأسماء أو المقامات "
ظل المساعد على الأرض للحظة، يمسك وجهه بيده، بينما كان يحاول استعادة توازنه ، رفع رأسه ببطء، نظر إلى فيكتوريا الذي ما زال يقف شامخًا، نظراته حادة كالصقر، تنتظر الإجابة.
همس المساعد بخفوت، بالكاد استطاع أن يسيطر على رعشة صوته:
ـ فاهم ، كاميليا هانم.
لم يتراجع فيكتوريا، لم يخفف من حدة نظرته، بل استدار نحو سيارته ببطء، كأنه يمنح المساعد فرصة لإعادة التفكير في أخطائه ، كل حركة منه كانت مدروسة، وكل خطوة كانت تثقل الهواء من حوله بالرهبة.
فتح الباب الخلفي للسيارة، واستدار للحظة واحدة، نظراته الثاقبة ما زالت متشبثة بالمساعد الذي بدأ ينهض بتثاقل.
لم يكن هناك حاجة إلى كلمات أخرى، فقد قال كل ما يجب قوله في تلك اللكمة، وفي تلك النظرة التي لن تُنسى بسهولة.
ركب فيكتوريا سيارته، وأغلق الباب خلفه بهدوء، تاركًا وراءه المساعد الذي بدأ يجمع شتات نفسه.
كانت هذه اللحظة درسًا لن ينساه المساعد، وذكرى ستبقى محفورة في ذاكرته، تذكره دائمًا بأن فيكتوريا لياندرو ليس مجرد رجل أعمال عادي، بل هو قوة لا تُستهان بها، قوة تفرض الاحترام بكل الطرق الممكنة.
في اللحظة التي ركب فيها فيكتوريا سيارته الفاخرة، انغلق الباب خلفه بصوت ناعم، لكنه حمل في طياته ثقل العالم الذي يحمله هذا الرجل على كتفيه.
الداخل كان معزولًا تمامًا عن العالم الخارجي، معزولًا بالصمت الذي يحيط به من كل جانب ، الأضواء الداخلية خافتة، تعكس على وجهه ملامح الهدوء الظاهري الذي يغلف عاصفة من الأفكار والرغبات المتشابكة.
جلس فيكتوريا في المقعد الخلفي المكسو بالجلد الفاخر، ظهره مستقيم، وجسده مرتاح كما لو أنه في عرش يحكم منه العالم بأسره. ببطء، أخرج هاتفه من جيبه، كأن كل حركة يقوم بها كانت مقصودة، لها هدف مخفي. كان الهاتف قطعة من التكنولوجيا المتقدمة، ولكن في يديه، أصبح أداة للتخطيط والسيطرة.
ضغط بأصابعه الطويلة على الشاشة، وفتح مجموعة من الصور التي كان قد جمعها مسبقًا. ظهرت أمامه صور «كاميليا»، كل صورة كانت تسجل لحظة معينة، حركة عفوية، أو نظرة مليئة بالحياة ، كانت الصور مليئة بالتفاصيل الصغيرة التي لا يلاحظها معظم الناس، لكنها كانت تعني الكثير بالنسبة له.
توقف عند صورة بعينها، كاميليا تقف في الحديقة، ترتدي فستانًا أبيض بسيطًا، وشعرها يتطاير مع نسمات الرياح الخفيفة.
كان في الصورة انعكاس لشخصية حرة، قوية، ولكنها تحمل في أعماقها شيئًا من البراءة التي لا تُنسى.
ابتسم ابتسامة صغيرة، لكنها كانت بعيدة كل البعد عن البراءة ، كانت ابتسامته أشبه بابتسامة شيطان يخطط لأشياء لا يمكن لأحد تخيلها.
في تلك اللحظة، لم تكن كاميليا مجرد صورة على شاشة هاتفه، بل كانت فكرة، حلمًا، وربما كابوسًا لشخص آخر.
أمال رأسه قليلًا، وبدأ يتخيل، تخيل العديد من السيناريوهات التي يمكن أن تجمعه بها، سيناريوهات مليئة بالسيطرة والامتلاك ، في ذهنه، كان كل شيء ممكنًا، كل شيء متاحًا، فقط إذا قرر أنه يريد ذلك.
ـ جتلك يا كاميليا، وكلها دقائق وهتكوني عندي.
كلماته خرجت بصوت خافت، لكنه مليء باليقين. لم يكن مجرد تصريح، بل وعد، وعد لنفسه، ولها، حتى لو لم تكن تعلم به بعد.
كان هذا هو طريقته في السيطرة، في فرض إرادته على العالم من حوله.
كل ثانية تمر كانت تقربه أكثر من تحقيق مخططه، ولم يكن هناك شيء يمكن أن يوقفه ، كانت السيارة تتحرك بهدوء نحو هدفها، لكنه في داخله كان يتحرك بسرعة، كان يقترب من اللحظة التي ينتظرها، اللحظة التي ستكون كاميليا فيها أمامه، بلا أي حواجز، بلا أي عوائق.
نظر مرة أخرى إلى الصورة، وأغلق هاتفه ببطء، وكأنما أغلق بابًا على العالم الذي صنعه في ذهنه، لكن هذا العالم لم يكن إلا في بدايته، وعما قريب سيصبح حقيقة ملموسة، حقيقة لا مفر منها.
❈-❈-❈
كانت الغرفة غارقة في هدوء ثقيل، ذلك النوع من الهدوء الذي يسبق العاصفة.
جلس «أسر» في ركن مكتبه، يرتشف قهوته الساخنة ببطء، وكأن حرارة السائل تحاول تهدئة عاصفة الأفكار التي تجتاح عقله ، أمامه كانت تنتشر مجموعة من الأوراق، تفاصيل الصفقة الجديدة التي كلفه بها «نوح» ، كانت الأوراق بمثابة خارطة مليئة بالأسرار، وكل سطر فيها يمثل لغزًا ينتظر الحل.
كانت عيناه مثبّتتين على الأوراق، تتنقل بين الأرقام والكلمات بحذر وتركيز، كأنما يبحث عن خيط رفيع يقوده إلى الحقيقة ، رغم كل المحاولات، كان هناك شعور غامض يجثم على قلبه، كأن شيئًا ما ليس في مكانه الصحيح، وكأن الصفقة تخفي وراءها أسرارًا أكبر مما يظهر على السطح.
قطع هذا الصمت الثقيل صوت الباب الذي انفتح بهدوء.
رفعت عيناه عن الأوراق للحظة، وشاهد دخول «ديما». كانت خطواتها خفيفة، لكنها لم تستطع أن تخفي التوتر الذي يملأ الجو بينهما ، لم يكن حضورها مفاجئًا بقدر ما كان مثقلًا بالأسئلة غير المعلنة، أسئلة حملتها على كتفيها وهي تقترب ببطء.
عاد «أسر» بنظره إلى الأوراق، محاولًا أن يتجاهل وجودها، وكأن العمل الذي أمامه أكثر أهمية من الحديث الذي كانت تحاول أن تبدأه ، بحدّة واضحة في صوته، قال دون أن ينظر إليها :
ـ خير، عايزة إيه؟
كانت كلماته مثل سياط، تخترق الصمت وتزرع فيه توترًا جديدًا.
لكن «ديما» لم تستسلم لهذه النبرة القاسية ، وقفت في مكانها، تحاول أن تجمع شتات نفسها، وتنفسها العميق كان كفيلًا بإظهار محاولتها للهدوء ، بصوت هادئ، كعينيها التي تفيض بالتماس:
ـ ممكن يا أسر تسمعني، وتفهمني؟ عمو عادل هو اللي وقع الشوربة على نفسه عشان تاخد مني موقف، انت ليه مش مصدق؟
كانت كلماتها محمّلة بالتوسل، وكأنها تحاول أن تبرر موقفها، أن تشرح له الحقيقة كما تراها هي ، كانت تعرف أن هناك جدارًا قد بُني بينهما، جدارًا من الشك وعدم الثقة، ولكنها كانت تحاول أن تهدمه، ولو بكلمة.
لكن «أسر» لم يكن مستعدًا للاستماع ، نظراته كانت تحمل احتقارًا عميقًا، كما لو كانت كلماتها تزيد من غضبه بدلاً من أن تهدئه.
صوته هذه المرة جاء بنفاد صبر، كأنه على حافة الانفجار:
ـ اسمعي يا ديما، لو قلتي حاجة تاني عن بابا عادل، كل واحد يروح من طريقه أحسن.
كانت كلماته واضحة، لا تحمل أي غموض، وكأنها نهاية الطريق بالنسبة لهما ، اقتربت «ديما» منه أكثر، لم تفهم بعد معنى كلامه.
بخطوات مترددة، اقتربت وهي تسأله، صوتها يحمل مزيجًا من الخوف والدهشة:
ـ يعني إيه؟؟
وقف «أسر» فجأة، وقفته كانت حادة، كأنها سيف يُسلّ من غمده ، نظراته كانت عاصفة، مليئة بالغضب الذي انفجر في لحظة واحدة ، صوته ارتفع، وصار حادًا كالسيف:
ـ يعني هنتطلق يا ديما.
الكلمات خرجت منه كالرصاص، صادمة ومفاجئة ، كانت اللحظة ثقيلة، كل شيء في الغرفة بدا وكأنه تجمد ، عينين «ديما» اتسعت بالصدمة، وكأنها لم تستوعب بعد ما سمعته.، وقع الكلمات كان كصاعقة، ضربتها بقوة، جعلتها تشعر بأن الأرض تهتز تحت قدميها.
في تلك اللحظة، لم تكن «ديما» وحدها التي شعرت بالانهيار، بل كانت الغرفة بأكملها تشهد على هذا الانفجار العاطفي، كأن كل شيء كان ينتظر هذه اللحظة ليعلن عن نهايته.
أما «أسر»، فكان يقف هناك، صلبًا كجبل، لكنه جبل يتحطم من الداخل.
يتبع
إلى حين نشر الفصل الجديد للكاتبة توتا محمود من رواية أرهقته حر با، لا تنسى قراءة روايات و قصص كاملة أخرى تضمن حكايات وقصص جديدة ومشوقة حصرية قبل نشرها على أي منصة أخرى يمكنك تفقد المزيد من قصص وروايات و حكايات مدونتنا رواية وحكاية